إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

2020/09/12

Thomas Malthus, Marquis de Condorcet & Social Insurance

 

توماس مالثوس والماركيز دو كوندورسيه والتأمين الاجتماعي[1]

 

 

مصباح كمال

 

 

نشر أصلًا في مجلة الثقافة الجديدة، العدد 415، أيلول 2020، ص 71-78.

أعيد نشره في موقع شبكة الاقتصاديين العراقيين: http://iraqieconomists.net/ar/wp-content/uploads/sites/2/2020/09/2توماس-مالثوس-وكوندورسيه-والتأمين-الاجتماعي-1.pdf

 

 

ترتبط شهرة توماس مالثوس (1766-1834) بكتابه مقالة في مبدأ السكان An Essay on the Principle of Population وهو كتاب لا علاقة له بالتأمين بتاتاً، وقد صدر الكتاب بعدة طبعات منقحة.  يرد ذكر التأمين مرة واحدة في الطبعات اللاحقة لكتابه الذي نشره لأول مرة في عام 1798 بدون أن يحمل اسمه، إذ أن الطبعة الأولى لم تذكر التأمين.  وله كتاب بعنوان مبادئ الاقتصاد السياسي (1836) لا يرد فيه ذكر للتأمين.

 

(1)

تأثير الحرب على أسعار التأمين

 

يرد التأمين في مقالة في مبدأ السكان في الفقرة التالية:

 

الآن فإنه من المؤكد أنه لم تكن الصناعة والتجارة وتجارة المستعمرات للبلاد، في أي فترة، في وضع لاستيعاب الكثير من رأس المال كما هو الحال خلال العشرين عاماً المنتهية عام 1814.  ومنذ عام 1764 ولغاية معاهدة اميان [1802]، فإنه من المعروف عموماً أن التجارة والصناعة في البلاد ازدادت بوتيرة أسرع من الزراعة، وأنها أصبحت تدريجياً أكثر وأكثر اعتماداً على الحبوب الأجنبية [المستوردة من الخارج] لمعيشها.  ومنذ معاهدة اميان فإن حالة احتكارها الاستعماري وصناعاتها كانت في وضع يتطلب كمية غير عادية من رأس المال؛ ولولا أن الظروف الخاصة للحرب اللاحقة، وأسعار الشحنات والتأمين العالية، ومراسيم بونابارت،[2] التي جعلت استيراد الحبوب الأجنبية صعبة للغاية ومكلفة، فإنه كان علينا في هذه اللحظة، وفقا لجميع المبادئ العامة، أن نكون عاملين على دعم جزء أكبر بكثير من سكاننا عليه [على رأس المال]، أكثر من أي فترة سابقة من تاريخنا.[3]

 

ويرد ذكر التأمين أيضاً في الهامش 15 من الطبعة المنقحة من كتاب مقالة في مبدأ السكان (1803)[4] كما يلي:

 

ووفقًا للأدلة المعروضة على مجلس اللوردات (التقارير، ص 49)، كان الشحن والتأمين لوحدهما على كوارتر [= 28 باوند = 12.7 كيلوغرام][5] quarter من الحبوب أكبر بمقدار 48 شلناً في عام 1811 عن عام 1814.  وبدون أي تدخل مصطنع، يبدو أن الحرب لوحدها قد تؤدي بالضرورة إلى زيادة مذهلة في السعر.

 

إن هاتين الإشارتين للتأمين تأتيان في سياق تأثير الحرب على زيادة مستوى الأسعار ومنها بشكل خاص أسعار التأمين على الشحن البحري والسفن.  وتفيدنا الدراسات التاريخية أن الطلب على التأمين يزداد خلال فترات الحرب من قبل أصحاب الأموال، وبالنسبة لموضوع هذه الورقة هناك دراسة مهمة حول التأمين والحرب في القرن الثامن عشر.[6]  يعالج كاتب هذه الدراسة، جيفري كلارك، أستاذ التاريخ في جامعة ولاية نيويورك، "الميل الكبير جداً للتجار لشراء التأمين البحري في زمن الحرب.  هناك كمٌ كبير من الشواهد تبين انه في حين أن عادة شراء التأمين كانت تنتشر بثبات في القرن الثامن عشر فإن هذا النمو الدائر كان يتخلله زيادات مفاجئة حادة في طلب أصحاب السفن للتأمين مع اندلاع الحرب، متبوعاً بهبوط حاد في طلب التغطية مع حلول السلام."

 

وقد اختبرنا الزيادة في أسعار التأمين البحري في البلدان العربية مع بدء الحرب العراقية الإيرانية عندما قامت لجنة تسعير أخطار الحرب[7] War Risks Rating Committee في لندن برفع أسعار التأمين على البضائع والسفن المتجهة إلى الموانئ العربية وبخاصة في منطقة الخليج.  وقتها أثارت هذه الزيادة عدم قبول من شركات التأمين العربية فقامت بتأسيس الصندوق العربي لتأمين أخطار الحرب لتضمن تطبيق أسعار عادلة ومناسبة.  وما زال هذا الصندوق يمارس عمله بنجاح من مقره في البحرين.

 

توماس مالثوس هو الأقل اهتماماً بالتأمين من أقرانه من الاقتصاديين الكلاسيكيين كآدم سمث، وديفيد ريكاردو وكارل ماركس، على سبيل المثل.  واهتمامه بالتأمين لا يتجاوز الرصد، ولمرة واحدة، لظاهرة زيادة أقساط التأمين البحري في زمن الحرب.  فقد كان اهتمامه منصباً على مسألة تزايد السكان بموجب متوالية هندسية (مضاعفة الرقم الأخير في سلسلة حسابية: 2-4-8-16 ...) وتزايد إنتاج الغذاء بموجب متوالية عددية (مضاعفة الرقم الأول في سلسلة حسابية: 1-2-3-4 ...).  وباعتبار أن الموارد الاقتصادية محدودة سيأتي اليوم الذي لا تجد فيه الأعداد المتزايدة من السكان ما يكفيها من إنتاج هذه الموارد.

 

ولكن "خلافاً لمعظم التفسيرات، لم تكن نظرية مالثوس تدور حول خطر "الاكتظاظ السكاني" الذي قد يحدث في وقت ما في المستقبل.  ذلك أن حجته أن هناك ضغطاً مستمراً من السكان على الإمدادات الغذائية، وهو ما كان قائماً وسيظل كذلك.  وهذا يعني انه لا يوجد في الواقع ما يسمى "اكتظاظ سكاني" بالمعنى التقليدي ... إن الفكرة الأساسية وراء هذه الحجة هي محاولة إثبات أن التحسينات المستقبلية للمجتمع، وبشكل أكثر جوهرية تحسين وضع الفقراء، أمرٌ مستحيل."[8]

 

وهذا يقودنا إلى فهم مناقشته ورفضه لأفكار ونظم المساواة الاجتماعية وتوفير الضمانات للطبقات الفقيرة، كما عرضها في نقد أفكار ومشاريع الضمان الاجتماعي للفلاسفة والمصلحين ومن بينهم الماركيز دو كوندورسيه.  فقد ربط مالثوس الفقر والحرمان والبؤس بالتزايد السكاني.

 

(2)

نقد مالثوس للتأمين الاجتماعي

 

في عرضه المختصر لبعض الكُتّاب الذين وردت اسماؤهم في مقالة في مبدأ السكان، يذكر محرر الكتاب اسم عالم الرياضيات والفيلسوف الفرنسي الماركيز دو كوندورسيه (1743-1794).

 

يقول المحرر بأن مالثوس انتقد كتاب كوندورسيه.[9]  إذ يظهر كوندورسيه في كتاب مالثوس كشخص يؤمن بالكمال العضوي للإنسان، وصاحب مقترحات لتكوين صندوق للتأمين الاجتماعي، ومن دعاة ما اسماه مالثوس بالطرق "غير الطبيعية" لتحديد النسل.[10]

 

كان مالثوس أميناً في نقل أفكار كوندورسيه:

 

من خلال تطبيق حسابات احتمالات الحياة، والفائدة على النقود، يقترح [كوندورسيه] إنشاء صندوق لضمان المساعدات للمسنين، يتكون جزئياً من مدخراتهم السابقة، وفي جزء منها من مدخرات الأفراد، الذين يقومون بنفس التضحية [الادخار] ويموتون قبل أن يجنوا فائدة منها.  وينبغي أن يقوم نفس الصندوق أو صندوق مماثل بتقديم المساعدة للنساء والأطفال، الذين يفقدون أزواجهن أو آبائهم؛ ويوفر رأس المال لأولئك الذين كانوا في عمر يؤهلهم لتأسيس أسرة جديدة، كافية للتطوير السليم لكدهم.  هذه المؤسسات، كما يلاحظ، قد تكون باسم، وتحت حماية المجتمع.  ويذهب إلى أبعد من ذلك، بالقول إنه من خلال التطبيق العادل للحسابات، يمكن العثور على وسائل للحفاظ على حالة من المساواة بشكل كامل، من خلال منع الائتمان من الامتياز الحصري لأصحاب الثروات الكبيرة، ومع ذلك يعطيها أساساً متساوياً بشكل متين، من خلال جعل تقدم الصناعة، ونشاط التجارة، أقلّ اعتماداً على الرأسماليين الكبار.[11]

 

بعد تلخيصه لأفكار كوندورسيه التي انتقدها بشدة واستنتاجه المليء بالسخرية من الصورة التي رسمها كوندورسيه يقول مالثوس:

 

قد تظهر هذه المؤسسات والحسابات واعدة على الورق؛ ولكن عند تطبيقها على الحياة الواقعية، سيُكتشف بأنها باطلة بشكل مطلق.

 

وأحد أسباب ذلك هو تخفيف "مهماز الضرورة": "إذا كان تأسيس هذه المؤسسات يؤدي إلى نزع هذا الحافز للعمل، وإذا تمَّ وضع الخاملين والمهملين في نفس المستوى فيما يتعلق بالائتمان، والدعم المستقبلي لزوجاتهم وأسرهم، فهل يمكن أن نتوقع أن نرى الناس يبذلون ذلك النشاط الدائب في تحسين أوضاعهم، والذي يشكل الآن الدعامة الأساسية للازدهار العام؟"  والسبب الآخر، و"إلى حد بعيد أكبر صعوبة،" هو مبدأ السكان ذاته.  "عندما يكون كل واحد متأكداً من توفر مؤونة كافية للعائلة، وأن كل شخص تقريباً سيحصل عليها؛ وإذا كان الجيل الصاعد متحرراً من "الصقيع القاتل" للبؤس، فلا محيص من تزايد السكان بسرعة."[12]

 

إن الوجه الآخر لهذا القول يؤكد الموقف الطبقي لمالثوس في الدفاع عن منافع التفاوت الاقتصادي ونقد نظام إعانة الفقراء ونظرته الدونية لهم – كما يعرضه في الصفحات اللاحقة من كتابه (ص 45-55).

 

إن تأسيس شبكة للأمان الاجتماعي تقوم بتوفير معاش تقاعدي مدى الحياة مآله الفشل، من وجهة نظر مالثوس، حتى لو أن مثل هذه الشبكة تقوم على تطبيق مناهج الاحتمالات وقيمة المال عبر الزمن time value of money التي كانت قائمة في القرن الثامن عشر، وذلك بسبب الميل الطبيعي للبشرية للتكاثر.  وهو يرى بأن هناك حدود طبيعية لتقدم البشرية كامنة في هذا الميل.  ففي الأوقات الجيدة، سيتكاثر السكان وسيتنافسون في نهاية المطاف على الموارد المحدودة، وعليه فإن نظام التأمين الاجتماعي الذي يستهدف إزالة معاناة البشر يجلب معه خفض معدل الوفيات وزيادة النمو السكاني المدمر، والقضاء على حافز العمل الذي بدوره يؤدي إلى إبطاء إنتاج الغذاء والنمو الاقتصادي بالنسبة للنمو السكاني.  وقد أثبت التاريخ خطل هذه الحجة في بريطانيا والدول الأوروبية الأخرى التي قامت بتطبيق أنظمة الضمان الاجتماعي.

 

(3)

كوندورسيه والتأمين الاجتماعي

 

فيما يلي نعرض بعض أفكار كوندورسيه حول الضمان الاجتماعي.[13]

 

لقد طور كوندورسيه نظرية عامة للضمان الاجتماعي في الفترة التي ترافقت مع قيام الثورة الفرنسية سنة 1789 وارتباطاً بالتحولات والأفكار الاقتصادية.  كان موقفه متقدماً في نظرته إلى الإعانة الاجتماعية، ضمن النظام الرأسمالي الناشئ، كمسألة قائمة على العدالة وليس الشفقة.  وقد ضمّن أفكاره في كتابه مخطط تاريخي لتقدم العقل البشري (1794).[14]

 

يُعرِّف كوندورسيه الرفاهية بأنها "عدم التعرض للبؤس والإذلال والقمع".  وبهذا المعنى، فإنها هدف حكومي مناسب، أو "واجب تقتضيه العدالة": "هذا هو الرفاه الذي تدين به الحكومات للشعب".  "أن يكون لجميع أفراد المجتمع مورد رزق مضمون في كل موسم، وكل عام، وأينما كانوا يعيشون؛ وأن أولئك الذين يعيشون على أجورهم، قبل كل شيء، يجب أن يكونوا قادرين على شراء قوُتهم الذي يحتاجون إليه: هذه هي المصلحة العامة لكل أمة."

 

اقترح كوندورسيه اثنين من السياسات الرئيسية لمنع الفقر.  الأولى، التي ربطها مراراً وتكراراً مع آدم سميث، كانت إشاعة التعليم العام.  إذ قال إنه من بين جميع أسباب الفقر، هناك سبب واحد فقط ينشأ نتيجة للتقدم الاقتصادي وليس لوجود المؤسسات السيئة.  وهذا هو الفقر الناتج عن "اختراع الآلات"، الذي يؤدي إلى البطالة بين "العمال الذين لا يعرفون سوى كيفية فعل شيء واحد."  ولكن إذا تمَّ تعليم العمال بشكل أفضل، فإن سبب الفقر هذا سيكون مؤقتاً.  فالتوازن التنافسي العام لن يتحقق بكفاءة إلا إذا استطاع الناس الانتقال من صناعة إلى أخرى ومن وظيفة إلى أخرى: "سيستغرق الأمر بعض الوقت لإعادة تأسيس التوازن، ولكن سيكون الوقت أقصر طالما أن هناك حرية أكبر [في التحول من عمل إلى آخر]."

 

ومثل آن روبير جاك تورغو (1727-1781) الاقتصادي والسياسي، كان كوندورسيه يصرُّ على أن النساء والرجال يجب أن يكونوا متعلمين، ولا يكفي تدريبهم بل إعادة تدريبهم: "نحن نقترح تعليماً مشتركاً للرجال والنساء، لأننا لا نرى أي سبب ليكون مختلفاً".  إضافة إلى ذلك فإن التعليم له أهميته السياسية والاقتصادية.  فالأشخاص الذين لا يعرفون الحساب، أو الذين لا يفهمون القوانين المحلية، يعتمدون على الآخرين: "يجب على المؤسسات الاجتماعية أن تقاوم، قدر الإمكان، عدم المساواة هذا الذي ينتج التبعية."  فالتعليم ضروري، قبل كل شيء، "لإضفاء الحقيقة على التمتع بالحقوق التي يضمنها القانون للمواطنين"؛ "هل يستمتع الشخص بحقوقه، عندما يكون جاهلاً بها، عندما لا يستطيع معرفة ما إذا كانت هذه الحقوق عرضة للهجوم؟"

 

كانت سياسة كوندورسيه الثانية للحد من الفقر، وتعزيز المساواة الاجتماعية، النتيجة المباشرة لتجربته وتجربة تورغو مع أزمات الغذاء في سبعينيات القرن السابع عشر.  إن أحد أسباب الفقر، كما قال، هو الفقر نفسه: "كل أسرة لا تملك أرضاً، ولا ممتلكات منقولة، ولا رأس مال، مُعرَّضة للوقوع تحت طائلة البؤس بسبب أصغر حادث.  وبالتالي، كلما ازداد عدد العائلات المحرومة من هذه الموارد، زاد عدد الفقراء."  وكان اقتراحه، في ظل هذه الظروف، إنشاء نظام لبنوك الادخار الاجتماعي: "من خلال فتح بنوك ادخار، يمكن عن طريقها توفير مدخرات صغيرة للمساعدة في المرض وفي الشيخوخة، بحيث يمكن للمرء أن يمنع البؤس."

 

أثناء الثورة، طوّر كوندورسيه أفكاره حول المدخرات الصغيرة إلى نظام رئيسي للضمان الاجتماعي.  ووصف الآفاق المروعة للمرأة التي يعتمد وجودها "بشكل مطلق على طول حياة الزوج"، و"العدد الكبير من المعوَّقين والمسنين والنساء والأطفال الذين تتدهور أوضاعهم من حالة من الراحة إلى حالة من الفقر والبؤس.".. وقال إن من الضروري، بالنسبة لرجل يعتمد عيشه على عمله، "أن يضمن من خلال مدخراته وسائل العيش في سن الشيخوخة،" فضلاً عن الموارد لزوجته وأطفاله في حالة مرضه أو وفاته.  وهذا يتطلب وجود وسائل آمنة لوضع مدخرات صغيرة للغاية - حتى يومية.  وقال إنه يمكن توفير مثل هذه الوسائل من خلال "جمعيات الأفراد أو الشركات أو حتى الدولة."  لكن الجمعيات صغيرة جداً بحيث لا تستطيع تقديم منافع على المستوى الوطني، في حين أن الشركات الخاصة ترى أن الأعمال غير مربحة بما فيه الكفاية.

 

على النقيض من ذلك يمكن للدولة إنشاء مؤسسات للتأمين الاجتماعي بالاستفادة من "جداول الوفيات العامة" لأعداد كبيرة جداً من الأفراد المؤمن عليهم.  وبهذا الشأن كتب كوندورسيه إن الجمعيات والشركات الخاصة لديها خيار قبول "الأشخاص الذين يقرّر طبيبهم، والذين تثق بهم، أنهم قد يصلون إلى متوسط العمر المتوقع للناس في عصرهم."  ولكن هذه الوسيلة لا يمكن أن تكون مناسبة لمؤسسة أنشأت لعموم الناس.

 

سيكون الناس في المستقبل آمنين في شيخوختهم، مع زيادة مدخراتهم بفضل مدخرات الآخرين الذين ماتوا قبل التقاعد.  وسوف تحصل العائلات على بعض "التعويض" إذا نكبوا بالوفاة المبكرة للأب.  ويمكن إنشاء مؤسسات التأمين "باسم السلطة الاجتماعية،" ولكن يمكن أيضاً أن تتشكل كـ"جمعيات للأفراد،" لأن مبادئ التأمين الاجتماعي ستكون مألوفة بشكل أكبر.  "إن تطبيق الحساب على احتمالات العمر المتوقع، وعلى التوظيفات المالية" ستستخدم، من الآن فصاعداً، لصالح "المجتمع بأكمله."  ومن رأيه أن الحقبة القادمة لن تكون حقبة للمساواة الاقتصادية "الكاملة" - التي اعتبرها غير ملائمة للصناعة - ولكن حقبة "المساواة الاجتماعية" التي ستنشأ في أعقاب التعليم والتأمين الاجتماعي.  ومن رأيه أيضاً أن "المساواة الاجتماعية كافية، بحد ذاتها، للتخلص من سببين رئيسيين للفساد والإجحاف corruption and prejudices، وهما الخمول والمثال السيئ."

 

(4)

موقف من الدخل الأساسي الشامل والتأمينات الاجتماعية

 

في مناقشة للدخل الأساسي الشامل كتبت إيما روتشايلد، مديرة مركز التاريخ والاقتصاد في كلية كنغز في جامعة كمبردج، الآتي:

 

لقد كانت سياسات الاقتصاديين في القرن الثامن عشر الخاصة بزيادة الضمان الاجتماعي مختلفة إلى حد كبير عن مفهوم الدخل الأساسي الشامل لجميع المواطنين Universal Basic Income (UBI).  ففي تسعينيات القرن الثامن عشر، اقترح كوندورسيه حزمة تضم التأمينات الاجتماعية، والتعليم، والإغاثة في حالات الطوارئ، ونظام شامل لمصارف الادخار، حيث يمكن حتى إيداع أصغر المدخرات اليومية بأمان (نوع من الائتمان الصغير micro-credit، حيث يكون الفقراء بمثابة الدائنين).  إن السياسات الاجتماعية من هذا النوع هي مكملة للدخل الأساسي الشامل للجميع، وستظل هذه السياسات مهمة حتى لو تم تنفيذ UBI.  إن هدف زيادة الضمان الشامل للإعانة لا يتطلب وجود UBI لا بل أن الـ UBI قد يزيد من عدم المساواة فعلاً، إذا تم تمويله من خلال تخفيض النفقات الاجتماعية، أو في المدفوعات للمسنين والعجزة، أو الإعانة في حالات الإغاثة الطارئة.[15]

 

إن أفكار مالثوس حول السكان ما زالت تثير النقاش، أما أفكار كوندورسيه فقد تُرجمت فلسفتها في أنظمة الضمان الاجتماعي المختلفة التي تبنتها معظم الدول الرأسمالية.

 

 

 



[1] فصل من كتاب بعنوان التأمين في الاقتصاد السياسي الكلاسيكي لم ينشر بعد.

[2] كانت هذه المراسيم جزءاً من الحرب الاقتصادية ضد بريطانيا بدأها نابليون سنة 1806 و 1807 والتي فرضت الحظر على التجارة مع بريطانيا.

 

[3] T. R. Malthus, An Essay on the Principle of Population, edited by Donald Winch (Cambridge: Cambridge University Press, 1992), p 175.

[4] المصدر السابق، ص 176.

[5] تورد الموسوعة الحرة التفاصيل التالية عن هذا المقياس:

https://en.wikipedia.org/wiki/Quarter_(unit)

In measures of weight and mass at the time of the Magna Carta, the quarter was ¼ ton or (originally) 500 pounds. By the time of the Norman French copies of the c.1300 Assize of Weights and Measures, this had changed to 512 lbs.[6] These copies describe the "London quarter" as notionally derived from 8 "London bushels" of 8 wine gallons of 8 pounds of 15 ounces of 20 pence of 32 grains of wheat, taken whole from the middle of an ear;[7][8] the published Latin edition omits the quarter and describes corn gallons instead.[9]

 

The quarter (qr. av. or quartier) came to mean ¼ of a hundredweight: 2 stone or 28 avoirdupois pounds [10] (about 12.7 kg).

 

[6] Geoffrey Clark, “Insurance as an Instrument of War in the 18th Century,” The Geneva Papers on Risk and Insurance, Vol. 29, No. 2 (April 2004) 247-257.

قمت بترجمة هذه الدراسة إلى العربية لكنها لم تنشر بعد.

 

[7] تمَّ حل لجنة تسعير أخطار الحرب في تموز/يوليو 2004 كونها تتنافى مع قوانين المنافسة في المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي، والاكتفاء بإصدار النشرات الخاصة للمكتتبين حول المناطق الساخنة التي تنطوي على خطر الحرب.

 

[8]John Bellamy Foster, "Malthus’ Essay on Population at Age 200,” Monthly Review (December, 1998)

https://monthlyreview.org/1998/12/01/malthus-essay-on-population-at-age-200/

وهي منشورة أيضاً كفصل في كتابه:

Ecology Against Capitalism (New York: Monthly Review Press, 2002), pp 137-154>

[9] Antoine-Nicolas De Condorcet, A Sketch for a Historical Picture of the Progress of the Human Mind.

[10] Malthus، مصدر سابق، ص xxvii.

[11] Malthus، مصدر سابق، ص 47.

[12] Malthus، مصدر سابق، ص 47.

 

[13] اعتمدنا في كتابة هذا القسم على ترجمة ما ورد من نصوص لكوندورسيه (وبعضها مذكور في كتاب مالثوس) في دراسة:

Emma Rothschild, “The Debate on Economic and Social Security in the Late Eighteenth Century, Lessons of a Road Not Taken,” United Nations Research Institute for Social Development Dp 64 (1995)

http://unrisd.org/80256B3C005BCCF9/(httpAuxPages)/0CBF81D9A5B6F87580256B67005B67D7/$file/dp64.pdf

وكذلك الاقتباسات المختارة من كتابات كوندورسيه المنشورة في موقع Humanistic Texts

http://www.humanistictexts.org/condorcet.htm

 

[14] للتعريف بكوندورسيه وكتابه راجع: د. السيد محمد البدوي، مخطط تاريخي لتقدم العقل البشري (القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1995)، سلسلة تراث الإنسانية.

file:///C:/Users/Misbah%20Kamal/Downloads/Booksstream_k33_BookK2RTFTF6.pdf

 

[15] Emma Rothschild, “A response to "A Basic Income for All" by Philippe van Parijs,” Boston Review http://bostonreview.net/archives/BR25.5/rothschild.html

 

ليست هناك تعليقات: