إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

2015/12/27

Insurance as a Secular Institution

التأمين كمؤسسة علمانية:
نظرة تاريخية موجزة
 
 
مصباح كمال
 
 
نشرت في الثقافة الجديدة، العدد المزدوج 378-379، تشرين الثاني 2015.
 
 
[1] التأمين و"العلمانية من منظور مختلف"
 
لست مؤرخاً وما اطلعت عليه من مقالات وكتب تتناول تاريخ التأمين في العراق والبلاد العربية لم أعثر فيها، وربما لم أنتبه، إلى أي إشارة فيها تربط بين التأمين كنشاط تجاري اقتصادي ذو بعد قانوني مدني وبين دوره في التطور العلماني للمجتمع وتطوره هو كمؤسسة علمانية ضمن القانون العام وضوابطه.  لكن هناك إشارة يتيمة، على ما اعتقد، إلى هذا الدور في كتاب د. عزيز العظمة، العلمانية من منظور مختلف (بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، ط1، 1992).  وسأقتبس أولاً مطولاً من الكتاب لعرض خلفية عامة لهذا الدور، ومن ثم أقتبس ما يخص التأمين تحديداً.  بعدها أقدم بعض الملاحظات حول التحول نحو العلمنة، وإطلالة على تاريخ التأمين في العالم العربي وشركات التأمين الإسلامية، وأختتم بالتأكيد على علمانية التأمين.
 
هذه المقالة هي محاولة أولية للاقتراب من التأمين كنشاط علماني رغم اقتفاء أصول له في النصوص الدينية.  ويقتضي موضوعها المزيد من البحث سواء ما تعلق منه بالأفكار أو الممارسات.  نأمل أن يتصدى له أهل الاختصاص.
 
قبل الاقتباس من المناسب الإشارة إلى أن العلمانية في التعريفات والتنظيرات الحديثة لها تركز على حيادية الدولة في شؤون الدين، وحيادية المدرسة/التعليم في مستوياتها المختلفة في مسائل الدين، والتأكيد على الحماية القانونية لحرية الضمير والمعتقد.  وكل ذلك يلخص بشعار فصل الدين عن الدولة بحيث يكون "الدين لله والوطن للجميع" حسب مقولة الملك فيصل الأول (1883-1933).[1]  وهذه الإشارات مهمة بحد ذاتها إلا أن العظمة يضع العلمانية في إطار آخر:
 
" ... فالعلمانية واقع والعلمانية فكر، ويجب ألاّ يتطلب الواقع العلماني فكراً علمانياً، بالضرورة، بل إن الفكر العلماني في تاريخنا الحديث – كما هي الحال في جل التواريخ الأوروبية – كان أمراً متضمناً في الفكر والممارسة الاجتماعيين والسياسيين دون تنظير خاص محدد المعالم والتخوم، بل كان شأناً مستفاداً من الواقع، وهو اليوم لا يعدو كونه تسجيلاً للواقع.[2] [التأكيد مني]
 
ويتوسع بالشرح ليؤكد على أن
 
"واقع العلمانية ليس بالشأن الناجم عن كون العالم هو العالم المقرر في الحياة فحسب، بل أن العلمانية في الحياة والفكر العربيين موضوع هذا الكتاب تشكل سجلاً لصعود مفاهيم سياسية وإدارية وعقلية حديثة، إنسانية، مترافقاً مع تهميش المؤسسة الدينية وبضاعتها العقلية التي كانت لها الهيمنة على الحياة الثقافية والتربوية والقانونية على مدى قرون من التاريخ العربي."[3]
 
في الفصل الثاني، دولة التنظيمات ومشروع الكونية، وفي ثانياً: علمنة الحياة، يذكر العظمة أن القانون كان وما زال
 
"حيّز ضبط الحياة العامة ضبطاً منتظماً.  وكان ضبط إيقاع التحولات الاجتماعية والاقتصادية التي دخلت على الديار العربية في القرن التاسع عشر أمراً منعكساً في تفاصيل التحولات القانونية.  وقد كان التحول الأهم ... العلمنة الأكيدة التي بدأت تظهر على التصورات والمؤسسات القانونية."[4]
 
[2] التحول نحو العلمنة
 
مجلة الأحكام العدلية
وخير مثال على التحول في التصورات والمؤسسات القانونية نحو العلمنة كان صدور مجلة الأحكام العدلية (1869-1876)، الذي أشاد به محمد عبده – كما يقول العظمة (ص 119).  "ولكن الأهم من ذلك ... هو إخراج المعاملات عن اسار الدين، فقرر محمد عبده البدع المستحسنة في العادات والأكل والشرب والمسكن وكل ما يخفف مشقة أو يفيد منفعة أو يدفع أذى على أن لا يكون ممنوعاً في نص قرآني."[5]
 
كانت مجلة الأحكام العدلية بمثابة إعادة تأسيس لأحكام الشريعة الإسلامية، وفق المذهب الحنبلي، وليس المذاهب الأخرى، مستفيدة من نمط التقنين الغربي في التدوين رغم التاريخ الطويل للتدوين العربي للنصوص الدينية.  وضمت أحكامًا لمختلف المعاملات المدنية مثل البيوع، والإجارة، والكفالة، والحوالة، والرهن، والأمانات، والهبة، والغصب والاتلاف، والحجر والاكراه والشفعة، وأنواع الشركات، والوكالة، والصلح والإبراء، والإقرار، والدعوى، والبيانات والتحليف، والقضاء.  وكانت هذه قبل ذلك موضوعاً لاجتهادات فقهية متناثرة.[6]
 
الموقف من مؤسسة التأمين
ونشهد موقفاً آخراً للتحول نحو العلمنة في الموقف من مؤسسة التأمين.  نُسب لمحمد عبده (1849-1905)، مفتي الديار المصرية، فيما يخص جواز التأمين ما جاء في جوابه سنة 1903 على سؤال يتعلق بأحد أشكال التأمين على الحياة:
 
"سأل جناب المسيو "هور روسل" في رجل يريد أن يتعاقد مع جماعة (شركة مثلاً) على أن يدفع لهم مالاً من ماله الخاص على أقساط معينة ليعملوا فيها بالتجارة واشترط عليهم أنه إذا قام بمَ ذُكر أو انتهى أمد الاتفاق المعين بانتهاء الأقساط المعينة، وكانوا قد عملوا في ذلك المال، وكان حياً فيأخذ ما يكون له من المال مع ما يخصه من الأرباح، وإذا مات في أثناء تلك المدة فيكون لورثته أو لمن له حق الولاية في ماله أن يأخذوا المبلغ تعلق مورثهم مع الأرباح، فهل مثل هذا التعاقد الذي يكون مفيداً لأربابه بما ينتجه لهم من الربح جائز شرحاً؟  نرجو التكرم بالإفادة."
 
وكان جواب الشيخ محمد عبده عن ذلك هو الآتي:
 
"لو صدر مثل هذا التعاقد بين ذلك الرجل وهؤلاء الجماعة على الصفة المذكورة كان ذلك جائز[جائزاً] شرعاً، ويجوز لذلك الرجل بعد انتهاء الأقساط والعمل في المال وحصول الربح أن يأخذ، لو كان حياً، ما يكون له من المال مع ما خصه في الربح.  وكذا يجوز لمن يوجد بعد موته من ورثته أو من له ولاية التصرف في ماله بعد موته أن يأخذ ما يكون له من المال مع ما أنتجه من الربح.  والله أعلم."[7]
 
عندما أقرَّ محمد عبده جواز التأمين على الحياة بهذه الصيغة فإنه، رغم قراءته الدينية، كان يساهم في تأسيس فكر يجيز إدخال مؤسسة علمانية في الحياة الاقتصادية والاجتماعية.  إن صحّت الفتوى بصيغتها المنقولة فإنها تأتي عقب تأسيس أول شركة تأمين في مصر والعالم العربي، هي شركة التأمين الأهلية (تأسست سنة 1900).[8]
 
رشيد رضا وتحليل التأمين
استمراراً لعرضه للتحول في التصورات والمؤسسات القانونية نحو العلمنة يشير د. عزيز العظمة إلى فتوى لمحمد رشيد رضا (1865-1935)، أحد تلاميذ الشيخ محمد عبده، يحلل فيها التأمين:
 
"واستأنف رشيد رضا التراث الحنفي المباشر (ابن عابدين [1836-1836] عن السرخسي [محمد بن أحمد بن أبي سهل أبو بكر السرخسي، توفي 1090]) في وضع كانت فيه المعاملات مع البلدان الأجنبية ذات أهمية كبرى، وقرر جواز كل المعاملات غير الشرعية في دار الحرب، وأضاف في فتوى تُحلل التأمين على البضائع (التأكيد من عندي): إن ما يشترطه الفقهاء باجتهادهم من شروط صحة العقود وفسادها ولزوم ما يلتزم فيها وعدمه ونفوذ الحكم بها وعدم نفوذه ليس من الأمور التعبدية التي يقترب بها إلى الله تعالى، بحيث يكون العقد الفاسد معصية من المتعاقدين وإن كان برضاهما واختيارهما بلا غش وتغرير.  كلا إن هذه المسائل وضعت لأجل ضبط الأحكام وحفظ الحقوق وتسهيل الحكم بالعدل على القضاة، فهي لا تسلب الناس حرية التصرف في أموالهم بما يرونه نافعاً لهم في حفظها أو تنميتها مع التزام حدود الله الثابتة في كتابه العزيز وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، كتحريم الغش والخداع والغصب ونحو ذلك.  وهذا هو مراد ابن حجر الفقيه [الحافظ بن حجر العسقلاني، 773-852 هجرية] إذ جوّز الأخذ والإعطاء بالتراضي في ما كان مخالفاً لشروط صحة عقد البيع (ومثل البيع غيره من العقود) فكأنه قال: إن هذه الأركان والشروط التي ذكروها لصحة العقود هي التي يُلزم الحاكمُ الناسَ بها إذا تنازعوا، فإذا تراضوا فيما بينهم على خلافها فلا حرج عليهم.  وعدَّ هذا من الأمور التي سكت عنها الائمة لكونها معلومة بالبداهة.  فتبين من هذا أن العاقل الرشيد له أن يتصرف في ماله ما لم يرتكب محرماً... ومدار الاجتهاد في أحكام المعاملات على دفع الضرّ وجلب المنفعة وحفظ المصالح، وإذا أثبتت بالاختبار أنها ضارة ومضيعة للمال بغير فائدة كانت محرمة، والله أعلم."[9]
 
ابن عابدين وجواز المعاملات غير الشرعية
نلاحظ أولاً في هذا الاقتباس أن ابن عابدين قرر جواز كل المعاملات غير الشرعية في دار الحرب.  وننقل هنا نص ما أفتى به بشأن التأمين:[10]
 
"مَطْلَبٌ مُهِمٌّ فِيمَا يَفْعَلُهُ التُّجَّارُ مِنْ دَفْعِ مَا يُسَمَّى سَوْكَرَةً[11] وَتَضْمِينِ الْحَرْبِيِّ مَا هَلَكَ فِي الْمَرْكَبِ.
 
وَبِمَا قَرَرْنَاهُ يَظْهَرُ جَوَابُ مَا كَثُرَ السُّؤَالُ عَنْهُ فِي زَمَانِنَا: وَهُوَ أَنَّهُ جَرَتْ الْعَادَةُ أَنَّ التُّجَّارَ إذَا اسْتَأْجَرُوا مَرْكَبًا مِنْ حَرْبِيٍّ يَدْفَعُونَ لَهُ أُجْرَتَهُ، وَيَدْفَعُونَ أَيْضًا مَالاً مَعْلُومًا لِرَجُلٍ حَرْبِيٍّ مُقِيمٍ فِي بِلادِهِ، يُسَمَّى ذَلِكَ الْمَالُ: سَوْكَرَةً عَلَى أَنَّهُ مَهْمَا هَلَكَ مِنْ الْمَالِ الَّذِي فِي الْمَرْكَبِ بِحَرْقٍ أَوْ غَرَقٍ أَوْ نَهْبٍ أَوْ غَيْرِهِ، فَذَلِكَ الرَّجُلُ ضَامِنٌ لَهُ بِمُقَابَلَةِ مَا يَأْخُذُهُ مِنْهُمْ، وَلَهُ وَكِيلٌ عَنْهُ مُسْتَأْمَنٌ فِي دَارِنَا يُقِيمُ فِي بلادِ السَّوَاحِلِ الإسْلامِيَّةِ بِإِذْنِ السُّلْطَانِ يَقْبِضُ مِنْ التُّجَّارِ مَالَ السَّوْكَرَةِ وَإِذَا هَلَكَ مِنْ مَالِهِمْ فِي الْبَحْرِ شَيْءٌ يُؤَدِّي ذَلِكَ الْمُسْتَأْمَنِ[12] لِلتُّجَّارِ بَدَلَهُ تَمَامًا، وَاَلَّذِي يَظْهَرُ لِي: أَنَّهُ لا يَحِلُّ لِلتَّاجِرِ أَخْذُ بَدَلِ الْهَالِكِ مِنْ مَالِهِ لأنَّ هَذَا الْتِزَامٌ مَا لا يَلْزَمُ.
 
فَإِنْ قُلْتَ: إنَّ الْمُودَعَ إذَا أَخَذَ أُجْرَةً عَلَى الْوَدِيعَةِ يَضْمَنُهَا إذَا هَلَكَتْ قُلْتُ لَيْسَتْ مَسْأَلَتُنَا مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ لأنَّ الْمَالَ لَيْسَ فِي يَدِ صَاحِبِ السَّوْكَرَةِ بَلْ فِي يَدِ صَاحِبِ الْمَرْكَبِ، وَإِنْ كَانَ صَاحِبُ السَّوْكَرَةِ هُوَ صَاحِبُ الْمَرْكَبِ يَكُونُ أَجِيرًا مُشْتَرِكًا قَدْ أَخَذَ أُجْرَةً عَلَى الْحِفْظِ، وَعَلَى الْحَمْلِ، وَكُلٌّ مِنْ الْمُودَعِ وَالأجِيرِ الْمُشْتَرِكِ لا يَضْمَنُ مَا لا يُمْكِنُ الإحْتِرَازُ عَنْهُ كَالْمَوْتِ وَالْغَرَقِ وَنَحْوِ ذَلِكَ .
 
فَإِنْ قُلْت: سَيَأْتِي قُبَيْلَ بَابِ كَفَالَةِ الرَّجُلَيْنِ قَالَ لأخَرَ اُسْلُكْ هَذَا الطَّرِيقَ، فَإِنَّهُ آمِنٌ فَسَلَكَ، وَأُخِذَ مَالُهُ لَمْ يَضْمَنْ وَلَوْ قَالَ: إنْ كَانَ مَخُوفًا وَأُخِذَ مَالُكَ فَأَنَا ضَامِنٌ ضَمِنَ وَعَلَّلَهُ الشَّارِحُ هُنَالِكَ بِأَنَّهُ ضَمِنَ الْغَارُّ صِفَةَ السَّلَامَةِ لِلْمَغْرُورِ نَصًّا أَيْ بِخِلافِ الأُولَى، فَإِنَّهُ لَمْ يَنُصَّ عَلَى الضَّمَانِ بِقَوْلِهِ فَأَنَا ضَامِنٌ، وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ الأصْلُ أَنَّ الْمَغْرُورَ إنَّمَا يَرْجِعُ عَلَى الْغَارِّ لَوْ حَصَلَ الْغُرُورُ فِي ضِمْنِ الْمُعَاوَضَةِ أَوْ ضَمِنَ الْغَارُّ صِفَةَ السَّلامَةَ لِلْمَغْرُورِ فَيُصَارُ كَقَوْلِ الطَّحَّانِ لِرَبِّ الْبُرِّ: اجْعَلْهُ فِي الدَّلْوِ فَجَعَلَهُ فِيهِ، فَذَهَبَ مِنْ النَّقْبِ إلَى الْمَاءِ، وَكَانَ الطَّحَّانُ عَالِمًا بِهِ يَضْمَنُ؛ إذْ غَرَّهُ فِي ضِمْنِ الْعَقْدِ وَهُوَ يَقْتَضِي السَّلامَةَ.
 
قُلْت: لا بُدَّ فِي مَسْأَلَةِ التَّغْرِيرِ مِنْ أَنْ يَكُونَ الْغَارُّ عَالِمًا بِالْخَطَرِ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ مَسْأَلَةُ الطَّحَّانِ الْمَذْكُورَةِ ، وَأَنْ يَكُونَ الْمَغْرُورُ غَيْرَ عَالِمٍ إذْ لا شَكَّ أَنَّ رَبَّ الْبُرِّ لَوْ كَانَ عَالِمًا بِنَقْبِ الدَّلْوِ يَكُونُ هُوَ الْمُضَيِّعُ لِمَالِهِ بِاخْتِيَارِهِ، وَلَفْظُ الْمَغْرُورِ يُنْبِئُ عَنْ ذَلِكَ لُغَةً لِمَا فِي الْقَامُوسِ غَرَّهُ غَرًّا وَغُرُورًا فَهُوَ مَغْرُورٌ وَغَرِيرٌ خَدَعَهُ وَأَطْمَعَهُ بِالْبَاطِلِ فَاغْتَرَّ هُوَ.
 
وَلا يَخْفَى أَنَّ صَاحِبَ السَّوْكَرَةِ لا يَقْصِدُ تَغْرِيرَ التُّجَّارِ، وَلا يَعْلَمُ بِحُصُولِ الْغَرَقِ هَلْ يَكُونُ أَمْ لا، وَأَمَّا الْخَطَرُ مِنْ اللُّصُوصِ، وَالْقُطَّاعِ فَهُوَ مَعْلُومٌ لَهُ، وَلِلتُّجَّارِ لأَنَّهُمْ لا يُعْطُونَ مَالَ السَّوْكَرَةِ إلا عِنْدَ شِدَّةِ الْخَوْفِ طَمَعًا فِي أَخْذِ بَدَلِ الْهَالِكِ، فَلَمْ تَكُنْ مَسْأَلَتُنَا مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ أَيْضًا، نَعَمْ: قَدْ يَكُونُ لِلتَّاجِرِ شَرِيكٌ حَرْبِيٌّ فِي بِلادِ الْحَرْبِ، فَيَعْقِدُ شَرِيكُهُ هَذَا الْعَقْدَ مَعَ صَاحِبِ السَّوْكَرَةِ فِي بِلادِهِمْ، وَيَأْخُذُ مِنْهُ بَدَلَ الْهَالِكِ، وَيُرْسِلُهُ إلَى التَّاجِرِ فَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا يَحِلُّ لِلتَّاجِرِ أَخْذُهُ لأنَّ الْعَقْدَ الْفَاسِدَ جَرَى بَيْنَ حَرْبِيَّيْنِ فِي بِلادِ الْحَرْبِ، وَقَدْ وَصَلَ إلَيْهِ مَالُهُمْ بِرِضَاهُمْ فَلا مَانِعَ مِنْ أَخْذِهِ ، وَقَدْ يَكُونُ التَّاجِرُ فِي بِلادِهِمْ، فَيَعْقِدُ مَعَهُمْ هُنَاكَ، وَيَقْبِضُ الْبَدَلَ فِي بِلادِنَا أَوْ بِالْعَكْسِ، وَلا شَكَّ أَنَّهُ فِي الأُولَى إنْ حَصَلَ بَيْنَهُمَا خِصَامٌ فِي بِلادِنَا لا تُقْضَى لِلتَّاجِرِ بِالْبَدَلِ، وَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ خِصَامٌ وَدَفَعَ لَهُ الْبَدَلَ وَكِيلُهُ الْمُسْتَأْمَنُ هُنَا يَحِلُّ لَهُ أَخْذُهُ لأنَّ الْعَقْدَ الَّذِي صَدَرَ فِي بِلادِهِمْ، لا حُكْمَ لَهُ فَيَكُونُ قَدْ أَخَذَ مَالَ حَرْبِيٍّ بِرِضَاهُ وَأَمَّا فِي صُورَةِ الْعَكْسِ بِأَنْ كَانَ الْعَقْدُ فِي بِلادِنَا، وَالْقَبْضُ فِي بِلادِهِمْ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لا يَحِلُّ أَخْذُهُ، وَلَوْ بِرِضَا الْحَرْبِيِّ لِابْتِنَائِهِ عَلَى الْعَقْدِ الْفَاسِدِ الصَّادِرِ فِي بِلادِ الإسْلامِ، فَيُعْتَبَرُ حُكْمُهُ هَذَا مَا ظَهَرَ لِي فِي تَحْرِيرِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَاغْتَنِمْهُ فَإِنَّك لاَ تَجِدُهُ فِي غَيْرِ هَذَا الْكِتَابِ."[13]
 
العقود الرضائية
ونلاحظ ثانياً موقفاً تجاه الفصل بين ما يتوافق عليه الناس من عقود برضاهم واختيارهم بلا غش وتغرير عن الأمور التعبدية يؤسس توجهاً صريحاً نحو علمانية الحياة الاقتصادية عند الناس.  فحتى موقف ابن عابدين الرافض للسوكرة (التأمين) في بلاد الإسلام وتحليله في التعامل مع دار الحرب يؤشر على بدايات للقبول بالتأمين لأنه يرفع الحرج عن التاجر المسلم في التعامل مع التجار الأجانب ودخوله معهم في عقود التأمين.  موقف ابن عابدين هذا هو شكل أولي مُقيّد للتعامل مع معطيات الواقع المعاش.  وهذا يدلل على أن متطلبات الواقع أقوى من محظورات الشريعة.
 
[3] إطلالة سريعة على تاريخ التأمين في العالم العربي وشركات التأمين الإسلامية
 
لم ينشأ التأمين بصيغته الحديثة، المستوردة من الممارسات الأجنبية وما يتصل بها من أفكار في تنظيم العقود، من "البضاعة العقلية" للمؤسسة الدينية، فهذه العقلية كانت رافضة له منذ أن أدلى ابن عابدين برأيه في تحريم التأمين في "دار الإسلام" في القرن التاسع عشر.  واستمر التحريم الديني طوال القرن العشرين رغم "صعود مفاهيم سياسية وإدارية وعقلية حديثة، إنسانية" وقيام شركات تأمين تجارية وطنية وحتى إسلامية في سبعينيات القرن العشرين.[14]  وبقيت مدرسة التحريم الإسلامية محافظة على موقفها (منغلقة على نفسها ومنتشية باجترار أفكار قديمة لا صلة لها بزمننا الحالي) رغم المحاولات الجادة، والناجحة أيضاً، في تأسيس التأمين استلهاماً لمبادئ دينية.  ولكن علينا ألاّ نبخس جهود من كتب حول تحليل وتحريم التأمين؛ كما أن انتصار الفريق الذي حاجج لصالح تحليل التأمين يجب ألاّ يعني الرفض المطلق لأفكار فريق التحريم متى ما تم نزع صفة التعالي عنها وما ينسب للتأمين من مآخذ طائشة[15] والاستفادة من النقد العلمي لإدخال المبادئ الأخلاقية، التي تتجاوز الرؤية الدينية الضيقة، لجعل مؤسسة التأمين تقترب أكثر من قيم التكاتف والتعاون، وألاّ ينحصر الهدف الأساس في تحقيق أعظم الفوائد للمساهمين في شركات التأمين.
 
مجرد الاعتماد على اقتباسات من النصوص الدينية ليس كافياً للاستدلال بأن نظام التأمين كان موضوعاً في السماء وأنه كان مطبقاً على العلاقات بين الناس وعلى أموالهم (مفهوم الشركات المساهمة القائمة على تحديد المسؤولية لم تكن معروفة في الاقتصادات الإسلامية).
 
تجمع معظم الكتب التأمينية، التي تشير إلى بدء التأمين بصيغة شبه منظمة، على "أن التأمين البحري هو أول أنواع التأمين ظهوراً وانتشاراً، وأنه بدأ في لومبارديا [في شمال إيطاليا] سنة 1182، ومنها انتقل إلى بريطانيا وبقية الدول الأوروبية ذات النشاط التجاري البحري" كما جاء في كتاب سعدي أبو جيب.[16]  ويرد في هامش هذا الكتاب ما يلي: "ويذكر الأستاذ محمد نور غفاري في مقاله "التأمين ونظرة الإسلام إليه"، المنشور في مجلة رابطة العالم الإسلامي، كانون الثاني، 1979، "أن التأمين قد بدأ به المسلمون في الأندلس كنظام للتعاون والتبادل" وينقل ذلك عن تاريخ أليس ي. إسكات، وأن صورته الأولى هي التأمين التجاري.  ويقول الكاتب بعد ذلك "ثم عم هذا النظام في عهد بني عثمان كما ذكر الفقيه ابن عابدين."  أقول: ليت الباحث نقل صورة عن التأمين الذي كان في الأندلس، إذاً لأفاد جداً، لأن المصادر لم تذكر شيئاً عن ذلك."[17]
 
حقاً كان سيفيدنا جميعاً.  فدولة الأندلس دامت من 711 إلى 1492 وكانت تتمتع بعلاقات تجارية مع بلدان حوض البحر الأبيض المتوسط، ربما كانت موضوعاً لأشكال من الحماية التأمينية في صيغها الأولى خاصة وأنه كانت هناك علاقات تجارية متميزة بين البندقية وإسطنبول التي كان لها دورها في شمال أفريقيا.  ولعل الكشف عنها يضيف الجديد لتاريخ التأمين مثلما قد يكشف عن موقف إسلامي أولي تجاه التأمين.
 
نزعم أنه منذ القرن التاسع عشر كان هناك قبول للتعامل مع التأمين كنشاط اقتصادي مستجد، مستورد، فرض نفسه بحكم العلاقات الاقتصادية، تجارة الاستيراد والتصدير، والتوسع الإمبريالي في البلاد العربية، ولم يعد ممكناً بسبب قوة حضوره تجنب الدخول في عقود التأمين البحري كجزء من هذه العلاقات.  اتخذ دخول النشاط التأميني إلى البلاد العربية أول الأمر شكل وكالات وشركات تأمين أجنبية، وكان الفكر المستتر خلف الممارسة يجد أولى محاولات التعامل معه في فتاوى رجال الدين – تحريم النشاط في دار الإسلام وتحليله في التعامل مع دار الحرب – ابن عابدين كمثال.  وكان المحتوى المحلي في هذا النشاط في أول الأمر مفقوداً سواء تمثّل ذلك بالعاملين، أو في المساهمين في رأس المال، أو في صياغة عقود التأمين وتنظيمها باللغة العربية.  ربما كان الوضع مختلفاً قليلاً في تركيا أيام الإمبراطورية العثمانية.[18]
 
وطوال القرن العشرين، بدءاً بمواقف محمد عبده، وصل الأمر إلى تطويع/إعادة قراءة الشريعة للسماح بالتأمين.  وتطور هذا التسويغ على المستوى النظري بكتابات بجواز أو تحريم التأمين لتتجسد في أواخر سبعينيات القرن الماضي بتأسيس شركات تأمين إسلامية، رأسمالية تستهدف الربح، مع إخضاعها لضوابط ببعد إسلامي (هيئة الرقابة الشرعية، عدم استثمار أموال شركة التأمين في شركات لها علاقة بالخمر ولحم الخنزير، والاستفادة من عقود المضاربة وعقود الوكالة للتغلب على المحرمات الشرعية المتمثلة بالربا (الفائدة)، والغرر (عدم اليقين والغموض في العقود)، والميسر (المضاربة على الأخطار)).[19]
 
من مفارقات زماننا أنه رغم طول ممارسة النشاط التأميني، فإن شركات التأمين ما تزال تحاول شرح وتبرير مؤسسة التأمين.  لنأخذ مثلاً على ذلك ما تروجه شركة التأمين الوطنية في العراق للتوفيق بين التأمين والإسلام:
 
"إن نظام التأمين العقدي بوجه عام تشهد بجوازه جميع الدلائل الشرعية في الشريعة الإسلامية وفقهها، ولا ينهض في وجهه دليل شرعي علي التحريم، ولا تثبت أمامه شبهة من الشبهات التي يتوهمها القائلون.  التأمين في صورته الحديثة لا يتعارض مع الدين، إذ ما دام الإنسان مأمورا بالتبصر في أمره كان لزاماً عليه أن يأخذ حذره ويحتاط لمستقبلة ومستقبل عياله ولا يترك نفسه في شيخوخته أو إذا أصابه عجز أو مرض أو يترك عياله بعد وفاته يتكففون الناس.  كما يجب عليه أن يؤمن نفسه من الأخطار التي يتعرض لها في ماله، وقد تأتي في بعض الأحيان على كل ثروته فيلقي بذلك نفسه إلي التهلكة.
 
قال تعالي: "يا أيها الذين أمنوا خذوا حذركم" - "ولا تلقوا بأيديكم إلي التهلكة "
 
قال صلي الله عليه وسلم "أعقلها وتوكل" - "لأن تدع ورثتك أغنياء خير من أن تدعهم عاله يتكففون الناس".  والدين يندب (يدعو) إلي التأمين لأنه يقوم علي أساس التعاون، والتعاون من مكارم الأخلاق وقربه اجتماعية كبيرة.  قال تعالي "وتعاونوا على البر والتقوى" ولأن التأمين يشجع علي إيثار الغير، وهو فضيلة خلقية وميزة اجتماعية[20].
 
شركات التأمين الإسلامية تستمد مشروعيتها من أفكار دينية منتقاة لكنها في جوهرها هي شركات تجارية رأسمالية تستهدف تحقيق الربح أو الفائض على أعمالها على غرار شركات التأمين التقليدية.  وهي، ضمن هذا التوصيف المختصر، تنتسب إلى مظاهر العلمانية الحديثة.  وإذا كان هناك ما يمكن الثناء عليه فهو أن شركات التأمين الإسلامي قد وسعت من نطاق الطلب على الحماية التأمينية ليشمل جمهرة كبيرة من المسلمين، في البلاد العربية والآسيوية وحتى في بعض البلدان الأوروبية، للاستفادة من منافع الحماية التأمينية التي كانت بالنسبة لها بدعة أو خروجاً عن المصير المقدر في السماء.  كما أنها استفادت من مقاصد الشريعة الإسلامية في تعاون مجموعة من الناس لدرء آثار الأخطار في حياتهم وأموالهم (تكوين صندوق/مجمع) بحيث أنه إذا لحقت هذه الآثار ببعضهم تعاونوا كجماعة على تفتيتها (التعويض عنها) مقابل مبلغ ضئيل (قسط التأمين/تبرع) يقدمونه لقاء هذا التعاون.  وفي تطويعها لهذه المقاصد فإنها استوعبت آليات التأمين التجاري العلمانية.  هذا الاقتران بين معطيات الشريعة والآليات العلمانية تفسر لنا جاذبية التأمين الإسلامي لكبريات شركات التأمين وإعادة التأمين الغربية، البعيدة عن المؤثرات الدينية، في الاستثمار في مشاريع التأمين الإسلامي[21] وحتى للمؤسسات المالية الدولية التي أخذت على عاتقها ترويجها.[22]
 
من المناسب أن نُذكّر أنفسنا بأن شركات التأمين الإسلامية هي، كشركات التأمين الأخرى، تخضع للقوانين التي تحكم تأسيسها وتسجيلها والرقابة عليها، وهذه كلها قوانين مدنية علمانية ارتبط أول ظهورها، في العهد العثماني في القرن التاسع عشر، بالأفكار العقلانية في مجالات القانون والاقتصاد والاجتماع والسياسة، وبعد ذلك في القرن العشرين ومع قيام الدول العربية الحديثة وتشريعها للقوانين المدنية بضمنها قوانين التأمين.
 
شركات التأمين الإسلامية، ضمن هذا التأطير، هي شركات علمانية تعمل في بيئة تحكمها قوانين علمانية.
 
[4] من باب الختام: تأكيد علمانية التأمين
 
في وصف "قانون التجارة العثماني: الترجمة العربية" تذكر المكتبة الرقمية العالمية أن المجلد الذي تنشره يحتوي على:
 
"ترجمات عربية لأربعة أعمال ترتبط بقانون التجارة العثماني الذي نُشِر في الأصل باللغة التركية، وهذه الأعمال هي قانون التجارة وذيل قانون التجارة ونظام أصول المحاكمات التجارية وشرح قانون التجارة. استند قانون التجارة العثماني وتحديثاته على القانون الفرنسي لعام 1807.  وتكمُن أهمية القانون في أنه أحدث قطيعة قانونية مع الشريعة الإسلامية ومهَّد الطريق لصدور القوانين الجنائية والمدنية وإعادة تنظيم المحاكم .... وقد نُشِرت الأعمال منفصلة ما بين العامين 1880 و1885."[23] [التأكيد من عندي]
 
وفي التصدير الذي كتبته لكتابي التأمين في التفكير الحكومي وغير الحكومي: 2003-2014 (سينشر ككتاب إلكتروني) قلت:
 
"والكتاب، هو أيضاً محاولة لإشاعة ثقافة تأمينية على المستوى الرسمي تقوم على أسس رصينة بأمل أن تمتد هذه الثقافة بين الناس إذ أن "جاذبية التأمين" بينهم تكاد أن تكون ضعيفة ومعدومة لدى فئات واسعة.  والعبء هنا يقع على عاتق شركات التأمين، التقليدية والتكافلية/الإسلامية، كمؤسسات علمانية، لإشاعة نمط التفكير الذي يجابه حتمية الوفاة واحتمالات الآثار المادية السلبية التي قد تلحق بالناس وأموالهم والشركات والمنشآت العامة بسبب المخاطر كلية الحضور، من خلال منتجاتها التأمينية.  بعبارة أخرى، ترسيخ التحوّل من فكرة أن عالمنا المادي محكوم بقرارات سماوية مسبقة الوجود نحو ضرورة التحوط والاحتراز ضد آثار الوفاة والكوارث.  ويتحقق ذلك، كما يشهد عليه تاريخ تطور مؤسسة التأمين، باستخدام العلم وأدواته سوية مع آليات التأمين."
 
هذه دعوة لتأكيد علمانية التأمين في مواجهة مخاطر الحياة العصرية.  اتخذت العلمانية في التأمين صورة التعامل مع معطيات كان بعضها معروفاً في الماضي ولكنها أخذت أبعاداً جديدة غير معروفة للسلف، ونعني بها المعارف الرياضية.  كانت العمليات الحسابية معروفة في الأزمنة القديمة وعرفها العرب أيضاً وكان للخوارزمي (850-780) فضل إدخال الصفر في الحساب، لكن العرب وغيرهم لم يستفيدوا منها في الماضي في تطوير الأشكال الأولية للتأمين.  لقد تطورت مؤسسة التأمين الحديثة في الغرب منذ القرن السابع عشر باستخدامها لقانون الأعداد الكبيرة، والمتوسطات الحسابية، والعمليات الحسابية الأربع (الجمع، والطرح، والضرب، والقسمة)، وجداول الوفيات، ونظرية الاحتمالات، والتطبيقات الإحصائية.  ومع تطور مؤسسة التأمين زاد الاهتمام بتطبيق المعارف الرياضية القديمة والمستحدثة على نشاط التأمين، وفي زماننا أدوات التحليل المالي والاستثماري.  وهذه كلها عمليات وأدوات علمانية ابتدعها الإنسان.[24]
 
كما اتخذت العلمانية صورة إصدار قوانين مدنية.  على سبيل المثل، قانون شركات الضمان (أي السيكورتاه) العث ماني لسنة 1905 الذي نشر كملحق لقانون التجارة البرية العثماني، وكان معمولاً به في العراق.  وهو القانون الذي كان مطبقاً في العراق لحين صدور أول تشريع لتنظيم الإشراف على عمل شركات التأمين الأجنبية العاملة في العراق.[25]  وهو تشريع مدني لا يستلهم الشريعة الإسلامية، وهو لذلك تشريع علماني يشكل جزءاً من التوجه العام نحو تعزيز المؤسسات العلمانية.
 
 
6 آب 2015


[1] إبراهيم خليل العلاف، "الملك فيصل الأول، 1921-1933، ودوره في تأسيس الدولة العراقية الحديثة،" الحوار المتمدن، 23 آب 2014: http://www.m.ahewar.org/s.asp?aid=429600&r=0
[2] د. عزيز العظمة، العلمانية من منظور مختلف (بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، ط1، 1992)، ص 10.
[3] العظمة، المصدر نفسه، ص 10.
[4] العظمة، المصدر نفسه، ص 112.
[5] وهو ما نقله العظمة، ص 119 من المصدر نفسه، من الأعمال الكاملة لمحمد عبده، ج 6، ص 260.
[6] إن بعض من يكتب عن أهمية الشريعة يشتط في التقييم.  لنقرأ التالي:
"والتشريع الإسلامي هو تشريع رباني لا يفرق بين بني البشر ولا يرجح في العدالة والمساواة مسلماً على غيره، ولا شريفاً على وضيعٍ."
فالتشريع ليس ربانياً، وهو يفرق بين البشر (مؤمنين وغير مؤمنين، مسلمين وغير مسلمين)، ويرجح في مسائل العدالة والمساواة (التفريق بين المسلمين وغيرهم والتوزيع الطبقي للثروة بتفضيل الرزق على فئة دون أخرى).  أنظر، على سبيل المثل، الدكتور محمد الحسن البغا، "التقنين في مجلة الأحكام العدلية،" مجلة جامعة دمشق للعلوم الاقتصادية والقانونيةالمجلد 25 - العدد الثاني - 2009
[7] عيسى عبده، التأمين الأصيل والبديل (بيروت: دار البحوث العلمية، 1972) ص 28-29.  أنظر أيضاً: الاتحاد المصري للتأمين، صناعة التأمين في مصر عبر قرن ونصف (القاهرة: الاتحاد، 2014)، ص 28-29، حيث يرد النص المقتبس إضافة إلى نص آخر للشيخ محمد عبده جواباً على سؤال من مدير شركة تأمين على الحياة American Mutual Life
[8] الاتحاد المصري للتأمين، صناعة التأمين في مصر عبر قرن ونصف (القاهرة: الاتحاد، 2014)، ص 53.
[9] العظمة، المصدر نفسه، ص 119-120، نقلاً عن محمد رشيد رضا، فتاوي، رقم (164).
[10] نقلاً عن مصباح كمال، أوراق في تاريخ التأمين في العراق: نظرات انتقائية (بغداد: منشورات شركة التأمين الوطنية، 2011 [2012]، ص 158-160.
[11] كلمة سَوْكَرَةً التي يستخدمها ابن عابدين هي، كما يظهر من سياق النص، كناية عن قسط التأمين.  وتستخدم الكلمة في العامية العراقية كمقابل للضمان أو ما هو مؤكد.  وترد الكلمة بالتركية sigorta كمقابل للتأمين ولا نعرف أصل هذه الكلمة.  ولعل المراد بالسوكرة في النص المقتبس قسط التأمين والحماية التأمينية معاً كما نفهمها في زماننا.
[12] تفيد كتب الفقه الإسلامي أن المستأمن هو الحربي الذي يدخل دار الإسلام بأمانٍ مؤقت لغرضٍ يقتضيه، ومتى ما انتهى ذلك الغرض خرج لبلاده.  مصطلحات دار الحرب (البلاد التي لم يجرِ بينها وبين دار الإسلام عهد أو صلح) ودار السلام (بلاد الإسلام التي تكون فيها أحكام الإسلام ظاهرة) والمستأمن والذمي (المقيم بدار الإسلام إقامة دائمة بأمان مؤبّد) والحربي والمعاهَد (الحربي الذي تعاقد مع المسلمين على ترك القتال لمدّةً معلومة، فهو من أهل البلاد المتعاقد معهم) وغيرها أصبحت بالية لا تستقيم مع الواقع وتكشف عن ضعف فاضح، ومكانها يجب أن يبقى محصوراً في كتب الاختصاص بعد تطور أحكام القانون والتنظيم الدولي وانتشار المبادئ الإنسانوية وتقديم مفهوم المواطنة والمساواة في الحقوق والحريّات بين الناس على غيرها من مفاهيم.
 
[13]  ابن عابدين، رد المحتار على الدر المختار شرح تنوير الإبصار المعروف باسم حاشية ابن عابدين.  يمكن قراءة النص الأصلي باستخدام الرابط التالي:
[14] أول شركة تأمين إسلامية هي شركة التأمين الإسلامية المحدودة (السودان)، تأسست بتمويل سعودي خاص (بنك فيصل الإسلامي السوداني) عام 1979.  ويساهم بفعالية، كما يرد في موقعه الإلكتروني الرسمي، "في أسلمة الاقتصاد الإسلامي عموما وقطاع التأمين على وجه الخصوص."  لاحظ البعد الإيديولوجي، الجهادي، في هذه العبارة، وما يترتب على إشاعته في إدارة الاقتصاد الحديث.
[15] مصباح كمال، مؤسسة التأمين: دراسات تاريخية ونقدية (بيروت: منتدى المعارف، 2015)، ص 196-226.
[16] سعدي أبو جيب، التأمين بين الحظر والإباحة (دمشق: دار الفكر، 1983)، ص 11.
[17] سعدي أبو جيب، المصدر نفسه، هامش (1)، ص 11.
[18] جاء في دراسة أن أول شركة تأمين أجنبية دخلت إلى تركيا في العهد العثماني كانت Neos Triton عام 1848.  ولم تتأسس شركة تأمين محلية حتى عام 1892 وهي شركة التأمين العثمانية العمومية. أنظر:
Murat Koralturk-Fatih Kahya, “Insurance in the Ottoman Empire” in What Hurts the Purse Hurts the Soul (Istanbul: Osmanli Bankasi, 2009), p 13, 15.
[19] راجع مهيمن إقبال، التأمين التكافلي العام، ترجمة تيسير التريكي ومصباح كمال (بيروت: الشبكة العربية للأبحاث والنشر، 2009)، ص 57-61.
[20] شركة التأمين الوطنية، بغداد، فرع الحريق والحوادث: http://insuraan.blogspot.co.uk/
ربما يكمن منطق هذا البيات الترويجي في سياسة جذب أعداد جديدة من الناس المتأثرين بالأفكار الدينية لشراء الحماية التأمينية، وربما هو انعكاس للحملة الإيمانية التي بدأها النظام الدكتاتوري واستمر عليها نظام  المحاصصات بعد الاحتلال الأمريكي للعراق سنة 2003 بالاعتماد على التحزب الديني والطائفي.
[21] أنظر بهذا الخصوص:
Martin Mankabady, “London – a global takaful centre?” Global Reinsurance, 30 July 2015
ويرد فيها ترحيب رئيس الوزراء البريطاني بالاستثمارات الإسلامية وعدم تفويت الفرصة للاستفادة منها.  وأيضاً انطلاق جمعية التأمين الإسلامية في لندن أوائل 2015 Islamic Insurance Association of London (IIAL)
[22] على سبيل المثل البنك الدولي.  أنظر بهذا الخصوص:
Serap O. Gönülal, Editor, Takaful and Mutual Insurance: Alternative Approaches to Managing Risks (Washington, D.C.: The World Bank, 2013).
[23] المكتبة الرقمية العالمية:
وكذلك موقع الحكواتي (Arab Cultural Trust)
 
[24] من المؤسف أن العلوم الاكتوارية لم تلقَ اهتماماً حقيقياً في العراق، ولغاية اليوم ليست لدينا جداول وفيات لأغراض التأمين على الحياة في العراق.  وقد اعتمدت الشركة العراقية للتأمين على الحياة (فيما بعد صارت تعرف باسم شركة التأمين العراقية) على جداول الوفيات التي وفرتها لها شركة إعادة تأمين أجنبية.
 
وهناك قصة طريفة رواها الأستاذ عبد الباقي رضا حينما ترشح في بعثة إلى الولايات المتحدة لدراسة (دراسة المحاسبة بصورة عامة ومحاسبة التأمين بصورة خاصة)، وتبين له أن هناك سوء فهم في تحديد عنوان البعثة بعد أن طلبت منه الجامعة دراسة بعض فروع التأمين ومنها مادة (تأمين الحريق والحوادث).  يقول الأستاذ عبد الباقي في رسالة للكاتب بتاريخ 22 تموز 2011: "حين بدأت دراسة هذه المادة استغربت من علاقة هذه المادة بالعمل والضمان الاجتماعي فراجعت استاذي حوله فسأل عن الجهة التي عينت تخصصي وحين أخبرته انها (العمل والضمان الاجتماعي) كان رد فعله العجيب هو O boy you are on the wrong track! وان الاختصاص المطلوب لهذه الدائرة هو علم آخر اسمه actuarial science وهذا الاختصاص غير موجود في جامعتنا وان خلفيتي الأكاديمية لا تساعد في متابعة التخصص الذي يتطلب رياضيات وليس محاسبة.
 
عدت إلى بغداد في أيلول 1959 وراجعت العمل والضمان الاجتماعي فرحبوا بي للتعيين محاسباً في أحد فروعها، ولدى مراجعة الإدارة العامة لمعرفة حقيقة التخصص المطلوب واستخراج اولياته وجدنا تقريراً من خبير أمريكي يقول ان الدائرة بحاجة إلى actuary وترجمت الكلمة إلى (محاسب تأمين) كما في قاموس أنطون إلياس أنطوان."  ويضيف على ذلك: "هكذا أُخفقت أول محاولة لتزويد العراق بخبير اكتواري وحتى الآن يخلو العراق منه!"
 
الرسالة جزء من كتاب الأستاذ عبد الباقي رضا رسائل في السيرة والتأمين (ما زالت محفوظة لدي كمسودة أعددتها سنة 2013 ولم تنشر لحد الآن).
 
[25] مصباح كمال، أوراق في تاريخ التأمين في العراق: نظرات انتقائية (بغداد: منشورات شركة التأمين الوطنية، 2011 [2012])، ص 28-38.