إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

2021/09/30

Minister of Finance Speech at the Reform of the Insurance Sector Conference, September 2021- A Critique

 

في نقد كلمة وزير المالية علي عبد الأمير علاوي

في مؤتمر إصلاح قطاع التأمين في العراق، بغداد، 15-16 أيلول 2021

 

 

مصباح كمال

 

نشر في موقع شبكة الاقتصاديين العراقيين:

http://iraqieconomists.net/ar/wp-content/uploads/sites/2/2021/09/Misbah-Kamal-Insurance-Conference-September-2021-Minister-of-Finance-Speech-IEN.pdf

 

http://iraqieconomists.net/ar/2021/09/29/%d9%85%d8%b5%d8%a8%d8%a7%d8%ad-%d9%83%d9%85%d8%a7%d9%84-%d9%81%d9%8a-%d9%86%d9%82%d8%af-%d9%83%d9%84%d9%85%d8%a9-%d9%88%d8%b2%d9%8a%d8%b1-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%a7%d9%84%d9%8a%d8%a9-%d8%b9%d9%84/

 

مقدمة

 

ألقى وزير المالية علي عبد الأمير علاوي كلمة قصيرة (540 كلمة) في مؤتمر إصلاح قطاع التأمين في العراق ضمت عددًا من الأفكار التي تستحق المناقشة،[1] وقد أشرنا إلى بعضها بشكل عابر في مقال سابق.[2]  حسب علمنا لم تخضع هذه الكلمة إلى مناقشة في المجال العام.

 

قراءتنا لنص هذه الكلمة تشير إلى أن كاتبها ليس وزير المالية، ونفترض أنها كتبت من قبل شخص ملم بالتأمين.  ربما تكشف الأيام من هو كاتب هذه الكلمة.  لا يمكن لمؤلف كتاب احتلال العراق: ربح الحرب، وخسارة السلام (2009) وكتاب أزمة الحضارة الإسلامية (2011) أن يكون كاتب الكلمة.  فصياغة الكلمة وتماسك أفكارها ضعيفة وكان بالإمكان تحسينها من خلال تحرير النص لضمان اتساقه ودقته.  يكفي قراءة الفقرة الأولى للكشف عن هذا الضعف في الاتساق.  فيما يلي سنقدم ملاحظات سريعة على بعض الأفكار التي وردت في نص الكلمة.

 

في أهمية قطاع التأمين

 

في الفقرة الأولى من كلمته يؤكد الوزير على أهمية "قطاع التأمين في القطاعات الاقتصادية"، والمعني بذلك أهمية التأمين في الاقتصاد الوطني، وأنه "ركن مهم وأساسي" في ثلاث مجالات:

 

1.     التنمية الاقتصادية

2.    تطور القطاع الخاص

3.    تخفيف العبء الواقع على الدولة.

 

تُقدِمُ الكلمة هذه العناوين وكأنها من المسلمات وهي، في صيغتها المعروضة، ليست كذلك وكان من المناسب تقريبها لذهن المستمع من خلال إغناء محتواها.

 

لقد جاءت العناوين خاوية وبحاجة إلى قليل من التفصيل كالقول بالنسبة للتنمية الاقتصادية أن مساهمة قطاع التأمين يتم من خلال توظيف الفوائض المالية المتراكمة لدى شركات التأمين في استثمارات عينية وفي تمويل مشاريع قليلة المخاطر، وفي الحفاظ على استمرار الإنتاج المادي من خلال التعويض عن الخسائر والأضرار المادية التي تلحق بالمباني والمكائن والمعدات، وكذلك الخسارة المالية المترتبة على توقف العمل وهو ما يعرف بخسارة الأرباح.

 

ومن المفيد أن نقتبس لفائدة القراء ما كتبناه قبل ما يقرب من عشرين سنة حول أهمية التأمين تحت العناوين التالية:

 

§    المساهمة في الدورة الاقتصادية: تحويل الدخل بين مفردات الدخل القومي وما يترتب على ذلك من تنشيط لخدمات أخرى، وكذلك تشجيع المجازفة الاقتصادية (من خلال تعويض صاحبه عن ممتلكاته ومنتجاته المتضررة من جراء الحوادث غير المتوقعة، وتقديم القروض العقارية وغيرها ضمن عقود التأمين على الحياة).

 

§       توفير فرص للعمالة رغم محدوديتها في ظل الأوضاع القائمة.

 

§    تحويل كلفة الخطر: المساهمة في حماية الوضع المالي للأفراد والمؤسسات المؤمن عليها، والمساهمة في ديمومة الإنتاج، وحماية عناصر الثروة الوطنية (البشرية والمادية) ضد الكوارث الطبيعية وتلك التي تترتب على الفعل البشري خلال ممارسة الإنتاج.

 

§    تفادي النزاع بين الأفراد من خلال تحمل شركة التأمين للنتائج المالية للأضرار التي يتسبب به الفرد ضد فرد آخر أو مجموعة من الأفراد (مثال التأمين على السيارات والحريق.(

 

§    المساهمة في التنمية الاقتصادية من خلال تنشيط الادخار والاستثمار.  ولذلك يمكننا القول بأن شركات التأمين تعتبر أحد المصادر المهمة لرأس المال المالي، فحتى شركات التأمين التي لا تمارس التأمين على الحياة تلجأ إلى تكوين احتياطيات فنية واحتياطيات حرة للوفاء بالتزاماتها لتعويض حملة وثائق التأمين عند تحقق الضرر المؤمن ضده.  ومثل هذه الاحتياطيات صالحة للاستثمار وخاصة للآجال القصيرة.

 

هذه الوظائف تجد تعبيراً لها في قطاع التأمين في العراق بحدود لكنها لم تلق ما تستحقها من تحليل.  ويمكن القول إجمالاً إن المساهمة الاقتصادية لقطاع التأمين في عملية تمويل التراكم الاقتصادي ضعيفة.  ويعكس ذلك ضعف الكثافة التأمينية، الذي يؤشر بدوره على هشاشة دخول الأفراد مما يجعل الإقبال على شراء الحماية التأمينية ضعيفاً.  كما أن الدولة أغفلت أهمية جعل بعض فروع التأمين إلزامياً كتأمين المباني باعتبارها جزءاً من الثروة الوطنية كما هو الحال، على سبيل المثال، في سويسرة وألمانيا، أو ربط القروض العقارية بالتأمين على الحياة وتأمين الأعيان ضد خطر الحريق وغيره.  هذه الملاحظات بحاجة إلى دراسة لا تتأثر بالمطلب السياسي الذي يستدعي زيادة موارد الدولة دون الأخذ بنظر الاعتبار مستوى الدخل الفردي.[3]

 

وبالنسبة لأهمية قطاع التأمين في "تطور القطاع الخاص" فإنها مُضببة إذ كيف يمكن للمستمع العادي للكلمة أن يفهم العلاقة السببية بين قطاع التأمين وتطور القطاع الخاص.  من المعروف في الاقتصادات الرأسمالية في زماننا أن القطاع الخاص لا يُقدم على إقامة المشاريع الإنتاجية والخدمية وغيرها دون اللجوء ابتداءً إلى شراء الحماية التأمينية.  وبهذا المعنى فإن تطور القطاع الخاص مرتبط بتوفر الحماية المالية من قطاع التأمين.  وقد عبّر أحد رجال التأمين عن هذه الحقيقة بالقول إن التأمين هو الحمض النووي للرأسمالية.[4]

 

المشكلة في العراق أن القطاع الخاص لا يلجأ إلى التأمين دائمًا إلا في الحالات التي يكون فيه مقاولًا لمؤسسة حكومية تشترط في عقد الإنشاء إجراء التأمين ضد مخاطر معينة.

 

أما "التخفيف الواقع على الدولة" فهو الآخر مُبهم ما لم يكشف عن المستور وراء هذا العنوان خاصة وأن شركات التأمين لا تشكل عبئًا على ميزانية الدولة لا بل هي ترفد خزينة الدولة بموارد مالية متمثلة بالضرائب والرسوم، ولم يُعرف عن شركات التأمين العامة أنها لجأت إلى الدولة لتمويل خسائرها (وهي لم تحقق خسائر في تاريخها الذي يزيد على أكثر من نصف قرن).

 

من رأيي إن المراد من هذا العنوان هو تحويل تمويل بعض الخدمات العامة إلى شركات التأمين.  ويرد في البال هنا تحويل تمويل الخدمات الصحية التي توفرها الدولة لمواطنيها من خلال تسليعها وشراءها من القطاع الصحي الخاص من خلال وثائق التأمين الصحي.  والهدف هو حصر الخدمات الصحية بأنواعها بالحدود الدنيا، وهي الوصفة التي ارتبطت بإقحام الليبرالية الجديدة وأدواتها في إدارة الدولة وإبعادها من مجال النشاط الاقتصادي.  وقد أفصحت الفقرة النهائية في كلمة الوزير عن هذا التوجه:

 

وهنا لابد من الاشارة الى ضرورة تحديد مسارنا المستقيلي هل المعتمد المركزية وتحكم الدولة ودخوله لمختلف ابواع الاصل ومراحمتها للقطاع الخاص بمنافسة عبر كتوءة وغير عادلة في نفس الوقت ام التخلي عن القطاعات الاقتصادية للقطاع الخاص واكتفاء الدولة بدور المنظم والراعي للاعمال ومنها قطاع التامين بطبيعة الحال. [الاقتباس منقول حرفيًا بأخطائه من نص كلمة وزير المالية]

 

ولعل استبعاد دور الدولة يتخذ أيضًا شكل تخفيف العبء المالي على خزينة الدولة في مجال المعاشات التقاعدية بحيث تصبح هذه المعاشات موضوعًا لشراء السناهيات annuities من شركات متخصصة بالتقاعد ومن منتجات التأمين على الحياة.

 

مغالطات

 

من المغالطات في كلمة وزير المالية أن قطاع التأمين قد أخذ "بالظهور والعودة إلى الواجهة بعد أحداث 2003 ..." فالقطاع لم يختفي "بسبب تعرض العراق إلى طروف [ظروف] الحروب والحضر [الحظر] الاقتصادي" ثم ظهر بعد ما يسميه الوزير "أحداث عام 2003" (وهو الذي ألَّف كتابًا عنوانه الأساسي احتلال العراق).

 

ربما لا يعرف الوزير أو كاتب نص كلمته أن قطاع التأمين استمر بالعمل بالحدود الدنيا المُتاحة خلال فترة الحصار الاقتصادي للعراق[5] (بدأ في آب 1990 واستمر لغاية أيار 2003 مع بقاء بعض القيود الخاصة بالتسليح والتصرف بموارد النفط).  كما أن هذه الفترة شهدت نهاية احتكار التأمين من قبل شركات التأمين العامة مع صدور قانون الشركات رقم 21 لسنة 1997.  وقد كتبنا الآتي عن هذا الموضوع قبل ما يقرب من عقدين:

 

شهد عام 1997 صدور قانونين ربما سيكون لهما الأثر الكبير في تغيير بنية سوق التأمين العراقي.  الأول هو قانون الشركات الخاصة لتشجيع رأس المال الوطني للاستثمار في شركات خاصة للتأمين وإعادة التأمين في العراق.  ويستفاد من المعلومات المتوفرة أن أعمال إعادة التأمين لهذه الشركات الخاصة ستنحصر في شركة إعادة التأمين العراقية.  والثاني هو قانون الشركات العامة الذي يهدف إلى "تنظيم العمل في الوحدات الاقتصادية المملوكة للدولة والممولة ذاتياً والتي تمارس نشاطاً اقتصادياً، وبهدف توحيد القوانين المنظمة لنشاط هذه الوحدات من خلال تأسيس شركات عامة وطنية."[6]  وتوجب المادة (10) من قانون الشركات الخاصة رقم 21 على الشركات التي تمارس التأمين وإعادة التأمين أن تكون شركات مساهمة.  كما صدرت عام 1999 تعليمات من وزير المالية تناولت إجراءات منح إجازة ممارسة أعمال التأمين وإعادة التأمين.  وتبع ذلك صدور قرار من الوزير لتنظيم العلاقة بين شركات التأمين، العامة منها والخاصة، وشركة إعادة التأمين العراقية.  "ويجيز القرار لشركة إعادة التأمين العراقية، التابع للقطاع العام، تقبل الأخطار التي يجري إسنادها إليها من قبل شركات التأمين الخاص."[7]

 

من المغالطات الأخرى أن "الانفتاح على دول العالم المختلفة ومشاهدة التطور الكبير الحاصل في هذ القطاع الاثر في حث المسؤولين على تنشيط هذا القطاع وقد تم تشريع قانون تنظيم أعمال الناسين رقم 10 لسنة 2005."

 

هذا العرض ينطوي على تشويه التاريخ الحقيقي لتشريع قانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005 الذي لم يلعب المسؤولين أي دور في تشريعه سوى إسراع رئيس الوزراء آنذاك، المُعين من قبل المحتل الأمريكي، بعد عودته من زيارة الولايات المتحدة الأمريكية، بتوقيعه لينشر في الوقائع العراقية.  ربما تناسى الوزير أو كاتب النص أن هذا القانون يُعرف بالأمر رقم 10، وهو من بين الأوامر التي أصدرتها سلطة الائتلاف المؤقتة برئاسة بول بريمر الثالث خلافًا لاتفاقيات جنيف التي تقضي بعدم تغيير ما هو قائم إلا إذا كان يشكل تهديدًا للمحتل.  لقد أهمل هذا القانون/الأمر قضايا أساسية وساهم في تهميش قطاع التأمين العراقي.  وقد فصّلنا كل ذلك في عدد من دراساتنا.[8]

 

تطوير قطاع التأمين

 

يشير وزير المالية في كلمته إلى رؤية ومنهجية وأهداف لإصلاح قطاع التأمين جريًا وراء ما جاء في الورقة البيضاء وكما يلي:

 

ان الرغبة في تطوير قطاع التأمين لابد من ان يصاحبها رؤية واضحة وعميقة لهذا تستند الى منهجية سليمة للإصلاح في هذا القطاع الاقتصادي المهم نبدأ اقع الحالي ومشاكله لنحدد الاهداف التي ترجو الوصول اليها من أخل وضع وات الاصلاح موضع التنفيد وهذا ما ثم انتهاجه في الورقة البيضاء التي اقرتها الحكومة العراقية بجزئيها الأول والثاني. [منقول حرفيًا من النص المنشور لكلمة وزير المالية]

 

صياغة هذه الفقرة توحي بأن ما جاء في الورقة البيضاء بجزئيها الأول والثاني صار من المسلمات وليس للقائمين على إدارة قطاع التأمين وتوجيهه (وزارة المالية من خلال ديوان التأمين) سوى ترجمة ما جاء في الورقة البيضاء.  إن هذا الموقف ينطوي على مصادرة على ما هو مطلوب فما جاء في الورقة البيضاء بشأن التأمين لم يخضع حتى الآن للمناقشة المفتوحة.[9]  ترى هل قامت جمعية التأمين العراقية، وهي تضم جميع شركات التأمين العامة والخاصة، بعقد لقاءات لمناقشة ما جاء في الورقة البيضاء بشأن قطاع التأمين؛ وهل للجمعية موقف يختلف من الموقف المعروض في الورقة البيضاء من قبل مستشاري وخبراء الحكومة؟

 

مصير شركات التأمين العامة

 

بيت القصيد في كلمة وزير المالية هو العمل على إلغاء وفي أحسن الحالات تحجيم دور شركات التأمين العامة.  هكذا نقرأ الفقرة ما قبل الأخيرة في الكلمة وننقلها حرفيًا:

 

وهنا لابد من الاشارة الى ضرورة تحديد مسارنا المستقيلي هل المعتمد المركزية وتحكم الدولة ودخوله لمختلف ابواع الاصل ومراحمتها للقطاع الخاص بمنافسة عبر كتوءة وغير عادلة في نفس الوقت ام التخلي عن القطاعات الاقتصادية للقطاع الخاص واكتفاء الدولة بدور المنظم والراعي للاعمال ومنها قطاع التامين بطبيعة الحال... إن اعتمادنا للخيار الثاني يحتم علينا العمل جاهدين على تطوير البيئة التشريعية لقطاع التأمين بطريقة عصرية وعلى وفق افضل الممارسات الموجودة في العالم وبما يؤفر لمناخ تنظيمي للعمل يتسم بالوضوح والشفافية والمنافسة العادلة تقف فيه الدولة كمنظم لحقوق جميع الاطراف المتعاملة في التأمين.

 

ليس هذا بالموقف الجديد فقد طُرحت في مناسبات سابقة وبصيغ مختلفة ولكنها كلها تلتقي على حصر دور الدولة بتنظيم regulation النشاط الاقتصادي، من خلال المرتكزات التالية: تقليص القطاع العام، وإبعاد دور الدولة المباشر وغير المباشر في الاقتصاد الوطني، وما تسميه الورقة البيضاء بالدور الريعي للدولة في تقديم الخدمات العامة للمجتمع.  هذه المرتكزات مقتبسة من المشروع النيوليبرالي الذي دشنته حكومة مارغريت ثاتشر في بريطانيا منذ ثمانينيات القرن الماضي.  ومنذ الاحتلال الأمريكي للعراق سنة 2003 تحاول الحكومات العراقية بدعم من الدبابات الأمريكية والمؤسسات المالية الدولية إلى بناء نظام اقتصادي رأسمالي في العراق لكنها لم تنجح تمامًا بسبب اعتبارها للحكم والإيراد النفطي مصدرًا للغنيمة وتهريب مليارات الدولارات وليس مصدرًا لتعزيز الاستقلال الذاتي للدولة وتمويل التنمية.  إن أصحاب أطروحة تقليص وتحجيم دور الدولة في الاقتصاد يتناسون أن الدولة، حتى في الغرب، ما يزال أكبر مستخدم للعمالة، على المستوى الوطني والمحلي، وممول للبحوث الأساسية في مجالات العلوم والتكنولوجيا.  كما أن الدولة تظل الملجأ الأخير للأفراد والشركات في التعامل مع الكوارث والأوبئة، وتشترك مع شركات التأمين الخاصة لتعظيم نطاق التغطية التأمينية في مجالات قد لا تقرب منها الشركات الخاصة، الباحثة دومًا عن الربح، بسبب خطورتها كما هو الحال في الترتيبات الخاصة بتأمين أخطار الإرهاب والكوارث الطبيعية.

 

موقف آخر لوزير المالية من الاحتكار الحكومي للتأمين

 

قد ينطوي تقييمنا على قسوة لكن التفريط بذكاء الناس فيه قسوة مماثلة.  إذا تغاضينا عن كلمة وزير المالية في مؤتمر إصلاح قطاع التأمين ورجعنا إلى بعض تصريحاته نكتشف أن له موقفًا مرناً:

 

أكد وزير المالية علي عبد الامير علاوي، توجه الوزارة للنهوض بواقع التأمين في العراق، والذي يعد من اولويات العمل المهمة وأحد مفاصل قطاع المال.

 

وقال علاوي في تصريح أوردته صحيفة "الصباح" الرسمية واطلعت عليه "الاقتصاد نيوز"، إن "قطاع التأمين الحكومي يمكن وصفه بالجيد، غير انه تم بناؤه على نوع من الاحتكار، ويتطلب بعض الاجراءات لتطوير مفاصل عمله".

 

وأشار الى أن "قطاع التأمين الخاص يعاني قلة رأس المال لتغطية المخاطر التأمينية، لاسيما أن الوزارة تعمل على تشجيع شركات التأمين الخاصة التي أثبتت وجودها، وذلك للنهوض بواقع هذا المفصل المالي المهم".

 

ولفت الى أننا "نعمل على تحريك قطاع التأمين في الجوانب الاستشارية."[10] [الاستثمارية]

 

هذا الموقف المرن معروض بخطوط عريضة وهو بحاجة إلى أن يتبلور في سياسات وإجراءات محددة قد تعلن في المستقبل.

 

نلاحظ وصفه لقطاع التأمين الحكومي بالجيد ولكنه يكيّف هذا الوصف بالقول إن بناؤه تم "على نوع من الاحتكار."  لم يكن التأمين قائمًا على الاحتكار دائمًا، ففي أول نشأته الذي اتخذ شكل تأسيس شركة التأمين الوطنية سنة 1950 كان يعمل في سوق تأميني مفتوح يضم عددًا من فروع ووكالات شركات التأمين الأجنبية إلى جانب شركة الرافدين للتأمين (تأسست سنة 1946 برأسمال عراقي 40% وأجنبي 60%).  بعد هذا التاريخ صار على التأمين الحكومي التنافس مع شركات تأمين خاصة جديدة، واستمر هذا الوضع لغاية تأميم شركات التأمين سنة 1964.  لذلك فإن عمر الاحتكار الحكومي لصناعة التأمين لا يتعدى 33 سنة (1964-1997).  في سنة 1997 صدر قانون الشركات رقم 21 الذي وضع الإطار القانوني لتأسيس الشركات الخاصة ومنها شركات التأمين.  (تأسست أول شركة تأمين خاصة، شركة دار السلام للتأمين، سنة 2000، تبع ذلك تأسيس شركات تأمين أخرى).

 

هناك ثلاث شركات حكومية في الوقت الحاضر هي: شركة التأمين الوطنية (تأسست سنة 1950)، شركة التأمين العراقية (تأسست سنة 1959)، شركة إعادة التأمين العراقية (تأسست سنة 1960، وهي لا تتنافس مع شركات التأمين العامة والخاصة بل توفر حماية إعادة التأمين لها).

 

ربما ينصبُّ وصف وزير المالية للتأمين الحكومي بالاحتكار على شركة التأمين الوطنية الذي يقضي قانون تأسيسها رقم 56 النافذ في المادة 7 على الآتي:

 

على دوائر الحكومة والمؤسسات الرسمية وشبه الرسمية أن تعهد حصرًا إلى الشركة بمعاملات التأمين التي تجريها.[11]

 

من مثالب الأمر رقم 10 أنه لم يجعل أحكامه هي السائدة paramount في حال تعارضها مع القوانين القائمة.  على أي حال فإن الالتزام بهذه المادة لم يكن تامًا بعد 2003، ففي وقت ما كانت الخطوط الجوية العراقية، على سبيل المثل، مؤمنة لدى شركة تأمين خاصة، وكان العديد من أخطار جولات التراخيص النفطية هي الأخرى مؤمنة مع شركات تأمين خاصة، وقل مثل ذلك بالنسبة للعديد من العقود الإنشائية للدولة، ناهيك عن تسرب أقساط التأمين إلى خارج العراق، دون مرورها من خلال شركات تأمين مسجلة في العراق ومجازة من قبل الديوان،[12] لأن بعض عقود الدولة لم تضم مواد خاصة بالتأمين مع شركات تأمين عراقية أو أنها تركت حرية شراء التأمين للمقاول الأجنبي أو أن موضوع التأمين لا يُشترط عليه عندما تكون العقود مبرمة بين شركات عامة.[13]

 

تُرى ماذا يخطط له وزير المالية بالقول إن الاحتكار الحكومي للتأمين "يتطلب بعض الاجراءات لتطوير مفاصل عمله"؟

 

مقابل الإدانة المبطنة للتأمين الحكومي يُصرّح وزير المالية أن

 

قطاع التأمين الخاص يعاني قلة رأس المال لتغطية المخاطر التأمينية، لاسيما أن الوزارة تعمل على تشجيع شركات التأمين الخاصة التي أثبتت وجودها، وذلك للنهوض بواقع هذا المفصل المالي المهم.

 

حقًا أن قطاع التأمين الخاص يعاني من قلة رأس المال فرأسمال بعضها هو دون الحد الأدنى المقرر بقوة قانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005 ومع ذلك فإن ديوان التأمين، الهيئة الرقابية، يغض النظر عن عدم الامتثال لمتطلبات القانون ويجيز استمرار هذه الشركات بالعمل.

 

ويميز الوزير، ضمنًا، بين نوعين من شركات التأمين الخاصة: شركات التأمين الخاصة التي أثبتت وجودها، وهي الشركات التي تشجعها الوزارة (تشجيعها على ماذا؟)؛ وشركات أخرى لم تثبت وجودها، أي أنها فاشلة ويجب وقفها عن العمل وتصفية أعمالها ما لم تلتزم بشروط مزاولة العمل وفقًا للقانون.  ترى هل عملت الوزارة على تشجيع شركات التأمين الخاصة للاندماج لتكوين شركات تأمين قوية في رأسمالها وكوادرها الفنية وقدراتها الاكتتابية؟

 

عندما يتوقف أصحاب الشأن والقرار في الوزارة، الذين يشكلون جمعية للإعجاب المشترك ويتداولون المناصب في شركة إعادة التأمين العراقية وديوان التأمين،[14] عندما يتوقفون من الاستخفاف بذكاء الغير قد تنشأ الفرصة للاهتمام الحقيقي بقضايا قطاع التأمين العراقي.  إن إدارة شركة تأمين عامة أو ديوان التأمين ليس تشريفًا بل تكليفًا يتطلب معرفة فنية وقانونية بالتأمين وقدرة قيادية وتفرغًا للإدارة.

 

25 أيلول 2021

 


ملحق

 

نص كلمة زير المالية في مؤتمر إصلاح قطاع التأمين في العراق[15]

 

"لايخفى عليكم أهمية قطاع التامين في القطاعات الاقتصادية لدول العالم حيث يعتبر ركن مهم وأساسي في التنمية الاقتصادية وتطور القطاع الخاص وتخفيف العبء الواقع على الدولة وبالنظر لكون قطاع التامين العراقي أحد أقدم وأعرق قطاعات التامين في منطقتنا حيث نشأ في خمسينيات القرن الماضي وقد ساهم خبراء التامين العراقيين في بناء قطاعات التامين في دول المنطقة ولكن وللأسف الشديد وبسبب تعرض العراق إلى طروف الحروب والحضر الاقتصادي والتي اثرت بشكل كبير على هذا القطاع وتسببت بتراجعه بشكل مخيف وجعلت تأثيره في القطاع الاقتصادي يكاد لا يذكر".

 

"لقد أخذ قطاع التامين بالظهور والعودة إلى الواجهة بعد أحداث عام 2003 حيث كان الانفتاح على دول العالم المختلفة ومشاهدة التطور الكبير الحاصل في هذ القطاع الاثر في حث المسؤولين على تنشيط هذا القطاع وقد تم تشريع قانون تنظيم أعمال الناسين رقم 10 لسنة 2005 وقد تأسس بموجبه ديوان التامين ليكون الجهة المسؤولة عن تنظيم ومراقبة وتطوير قطاع التامين في العراق رعم وجود بعض الملاحظات على هذا القانون الواجب تعديلها لمواكبة التطور في سوق التامين".

 

"أن سوق التامين العراقي يتألف من شركات القطاع العام والخاص حيث ان عدد الشركات الممنوحة لها اجازة ممارسة أعمال الناسين من ديوان التامين في العراق مند بداية تأسيسه ولغاية الآن هي (41) شركة الا ان الشركات العاملة حاليا منها والمستوفية للشروط القانونية تبلغ (29) شركة موزعة كما يأتي :

 

1. شركات التامين العامة 3 شركات

2. شركات التامين الخاصة 24 شركة

3. فروع شركات التامين الاجنبية 2 فرع

4. شركات وساطة التامين 5 شركات

5. شركات وساطة اعادة التامين 2 شركة".

 

"اما اقساط التأمين العام 2019 على سبيل المثال فقد بلغت حوالي 287 ملیار دینار وهذا يشير إلى مؤشر مهم جدا وهو أن معدل قسط التأمين لكل فرد عراقي يبلغ حوالي 630 ديدار شهريا لكل مواطن ، وهذا الرقم اذا ما قرناء بحجم الاقتصاد العراقي وحجم الشعب العراقي فهو رقم ضئيل جدا من جهة ويشير من جهة أخرى إلى الفرص المستقبلية الكامنة في السوق العراقي وهي فرص واعدة في المستقبل ... ان الفرص الكامنة في السوق العراقي في المستقبل يكمن ناتجاهين الأول يتعلق بزيادة عدد المستفيدين من الخدمات التأمينية الحالية والاتجاه الثاني يكس في زيادة عدد الخدمات التأمية ولخصوصا فيما يتعلق بالمنتجات العديدة كمنتجات تأمين السيارات، والقروض والحياة والحريق والاعتمادات المستندية والأموال المنقولة وغير المنقولة وغيرها العديد من المنتجات التأمينية".

 

"ان الرغبة في تطوير قطاع التأمين لابد من ان يصاحبها رؤية واضحة وعميقة لهذا تستند الى منهجية سليمة للإصلاح في هذا القطاع الاقتصادي المهم نبدأ اقع الحالي ومشاكله لنحدد الاهداف التي ترجو الوصول اليها من أخل وضع وات الاصلاح موضع التنفيد وهذا ما ثم انتهاجه في الورقة البيضاء التي اقرتها الحكومة العراقية بجزئيها الأول والثاني".

 

"وهنا لابد من الاشارة الى ضرورة تحديد مسارنا المستقيلي هل المعتمد المركزية وتحكم الدولة ودخوله لمختلف ابواع الاصل ومراحمتها للقطاع الخاص بمنافسة عبر كتوءة وغير عادلة في نفس الوقت ام التخلي عن القطاعات الاقتصادية للقطاع الخاص واكتفاء الدولة بدور المنظم والراعي للاعمال ومنها قطاع التامين بطبيعة الحال... إن اعتمادنا للخيار الثاني يحتم علينا العمل جاهدين على تطوير البيئة التشريعية لقطاع التأمين بطريقة عصرية وعلى وفق افضل الممارسات الموجودة في العالم وبما يؤفر لمناخ تنظيمي للعمل يتسم بالوضوح والشفافية والمنافسة العادلة تقف فيه الدولة كمنظم لحقوق جميع الاطراف المتعاملة في التأمين".

 

"ان جميع ما ذكرنا اعلاه لايمكن له أن ينجح بدون وجود حملة اعلامية تثفيقية لمفاهيم التأمين وفوائده ودوره التكافلي بتوزيع المخاطر بما يعود بالفائدة المختلف قطاعات الاعمال ولما ينعكس بالايجاب على محمل الاقتصاد العراقي".

 

 

 



[1] راجع نص الكلمة في نهاية المقال.

[2] مصباح كمال، "على هامش مؤتمر إصلاح قطاع التأمين في العراق، 15-16 أيلول 2021، بغداد،" شبكة الاقتصاديين العراقيين:

http://iraqieconomists.net/ar/wp-content/uploads/sites/2/2021/09/Misbah-Kamal-Insurance-Conference-September-2021-IEN.pdf

 

[3] مصباح كمال، "التأمين في العراق وعقوبات الأمم المتحدة،" نشرت الدراسة في الكتاب الجماعي دراسات في الاقتصاد العراقي: دراسات مختارة (لندن: المنتدى الاقتصادي العراقي، 2002)

[5] مصباح كمال، أوراق في تاريخ التأمين في العراق: نظرات انتقائية، (بغداد: منشورات شركة التأمين الوطنية، 2011)، ص 137-154.

[6]           تقرير سوق التأمين العراقية المقدم إلى المؤتمر العام الثالث والعشرين للاتحاد العام العربي للتأمين، المنعقد في أبو ظبي بتاريخ 28-30 آذار/مارس 2000، ص 2-3.  تعود فكرة تأسيس شركات تأمين جديدة إلى الثمانينات فحسب المعلومات المتوفرة لدينا فإن دراسة الوضع القانوني لتأسيس مثل هذه الشركات تولاه مستشار التأمين في وزارة المالية.  وكانت محصلة الدراسة، إن لم أكن خاطئاً، أن القوانين القائمة لا تحول دون تأسيس شركات تأمين أخرى إلى جانب شركات التأمين المملوكة للدولة.

[7] مصباح كمال، أوراق في تاريخ التأمين في العراق، ص 140.

[8] مصباح كمال، قانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005: تقييم ودراسات نقدية، (بغداد: منشورات شركة التأمين الوطنية، 2014).

[9] راجع: مصباح كمال، "ملاحظات حول الورقة البيضاء،" البديل العراقي: http://ww.albadeeliraq.com/ar/node/3523

مصباح كمال، "في نقد خطة إصلاح قطاع التأمين في الورقة البيضاء،" شبكة الاقتصاديين العراقيين:

http://iraqieconomists.net/ar/2020/11/03/%d9%85%d8%b5%d8%a8%d8%a7%d8%ad-%d9%83%d9%85%d8%a7%d9%84-%d9%81%d9%8a-%d9%86%d9%82%d8%af-%d8%ae%d8%b7%d8%a9-%d8%a5%d8%b5%d9%84%d8%a7%d8%ad-%d9%82%d8%b7%d8%a7%d8%b9-%d8%a7%d9%84%d8%aa%d8%a3%d9%85/

مصباح كمال، "ملاحظات نقدية حول إصلاح الإطار التنظيمي لقطاع التأمين والخدمات التأمينية في الورقة البيضاء،" شبكة الاقتصاديين العراقيين:

http://iraqieconomists.net/ar/wp-content/uploads/sites/2/2021/02/Misbah-Kamal-Insurance-in-White-Paper-Part-2-IEN.pdf

[10] الاقتصاد نيوز ـ بغداد:

https://economy-news.net/content.php?id=26301

أشكر د. بارق شبر على تزويدي برابط هذا الخبر.

[11] الوقائع العراقية، العدد 2861، 23 تموز 1950.

[12] يقتضي وقف تسرب الأقساط "تحريم إجراء التأمين خارج العراق، أي خارج القواعد الرقابية التي يديرها الديوان، وهو ما يطلق عليه بالإنجليزية prohibition of non-admitted insurance واعتبار مثل هذا النوع من التأمين باطلاً إلا في حالات محددة يجب النص عليها ودائماً دون إجحاف بمصالح شركات التأمين المسجلة في العراق والمجازة من قبل الديوان." راجع: مصباح كمال، السياسات الاقتصادية في العراق والخيارات البديلة: قطاع التأمين نموذجاً، الثقافة الجديدة، العدد 333-334، 2009، ص 80-91.  نشرت بعد ذلك في مجلة التأمين العراقي:

http://misbahkamal.blogspot.co.uk/2009/12/2009.html

أنظر أيضًا: مصباح كمال، "لماذا تحرم شركات التأمين العراقية من أقساط التأمين؟" مجلة التأمين العراقي:

https://misbahkamal.blogspot.com/2008/04/1032008-10-2009-20.html

[13] مصباح كمال، "شركة عامة لا تؤمن على عقودها، مجلة التأمين العراقي:

https://misbahkamal.blogspot.com/2016/03/a-state-owned-company-not-insuring-its.html

 

[14] مصباح كمال، رئاسة ديوان التأمين العراقي: نظرة على تضارب المصالح،" شبكة الاقتصاديين العراقيين:

http://iraqieconomists.net/ar/wp-content/uploads/sites/2/2021/09/Misbah-Kamal-Diwan-conflict-of-interest-final-IEN.pdf