إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

2021/09/10

Early Forms of Insurance in Ancient Iraq

 

الأشكال الأولية للتأمين في العراق القديم

  

مصباح كمال

 

نشرت هذه الدراسة في موقع شبكة الاقتصاديين العراقيين

http://iraqieconomists.net/ar/wp-content/uploads/sites/2/2021/09/Misbah-Kamal-Insurance-in-Ancient-Iraq-IEN.pdf

 

 

كانت لي محاولة في إبراز بعض عناصر التأمين في العراق القديم بأشكالها الأولية من خلال الترجمة والكتابة[1]، وأحاول في هذه الورقة التوسع فيها من خلال التعليق على بعض الإشارات ذات العلاقة بالتأمين، بشكل عام، التي وردت في كتاب لـ وليم غوتزمان عن تاريخ المالية ودورها في جعل الحضارة ممكنة.

 

سأقتبس العديد من مواد الشرائع القديمة ذات العلاقة بالتأمين لتسهيل رجوع القراء المهتمين إليها لأغراض البحث والمتابعة، بدلاً من مجرد الإشارة والتعليق عليها.  وأرى أن هذه الاقتباسات توفر الفرصة للقراء لتكوين آرائهم بشأن المضامين التأمينية في هذه المواد التشريعية ومقارنتها مع ما هو موجود في الوقت الحاضر.  وسأحاول ربط هذه المواد، قدر الإمكان، بما يقابلها في العصر الحديث.

 

وبودي أن أقول بأننا عندما نتحدث عن التأمين في حضارة العراق القديمة فإننا لا نتحدث عن مؤسسة قائمة بحد ذاتها وإنما نتحدث، عموماً، عن النشاط المالي في مجال القروض loans والضمانات المتبادلة mutual guarantees بين التجار وبين التجار والدولة والتعاون co-operation بين الناس، مع الأخذ بنظر الاعتبار أن الدولة كانت لها اليد الطولى في التجارة الخارجية لكن ذلك لم يمنع قيام "بيوتات مالية" اختصت بها بعض العائلات لتسهيل عملية التجارة.  وقد تجسّد دور الدولة من خلال النشاط الاقتصادي للبلاط والمعبد فقد كان كلاهما أكثر من مؤسسة حكم ومؤسسة دينية.

 

أود التأكيد على أنني اعتمدت في كتابة هذه الملاحظات جزئياً على هذا الكتاب[2]، وأن معلوماتي عن تاريخ العراق القديم محدودة، ولذلك فإن أي تعليق مني على هذا التاريخ يجب أن يقرأ في إطار هذا التأكيد.

أرحب بأية تصحيحات وتعليقات وإضافات تهدف إلى تحسين فهمنا لموضوع هذه الورقة.

 

(1)           هل التكنولوجيا المالية financial technology ضرورية؟

 

يتساءل المؤلف في مقدمة كتابه (ص 14):

 

هل كان العالم سيكون مكاناً أفضل بدون اكتشاف القروض، البنوك، السندات، الأسهم، [عقود] الخيارات، أسواق رأس المال، التأمين، والشركات؟ [التأكيد من عندي]

 

ويجيب على هذا السؤال الذي يستدعي التأمل بالقول: "ربما، ولكني أشك في ذلك."  بيد أن هذا الشك لا يعني رفض التكنولوجيا المالية بل التأكيد على قناعته، كما جاء في مكان آخر من كتابه وتحت العنوان الثانوي "المؤسسات البديلة" (ص 219) عند تعليقه على دور فرسان الهيكل Templars كمصرفيين، وهو دور نشأ استجابة لحاجة وبفضل توفر الفرصة، ففي مسار آخر للتاريخ فإن مثل هذا الدور للفرسان، في قبول الودائع والقيام بأعمال الوساطة المالية، كان بإمكان بنوك خاصة أو دولة مركزية قوية القيام به.  وضمن هذا السياق يقول إن

 

"التكنولوجيا المالية لا لزوم لها redundant، وقابلة على التكيّف، وأحياناً متقلبة mercurial.  إن المؤسسات التي نعتبرها مقدسة، ولا مفرَّ منها، ولا غنى عنها هي على الأرجح ليست كذلك.  بالنظر إلى النتائج العشوائية للأحداث التاريخية، ربما ظهرت مجموعة أخرى من المؤسسات لحل المشاكل المالية نفسها.  وبالتالي، يُعدّ الابتكار المالي بمثابة سلسلة من حوادث التاريخ العرضية – نزوات الزمن، والموقع، والفرصة." (ص 219).

 

يفترض هذا السؤال التأملي أن المجتمعات البشرية تواجه خيارات مختلفة، بديلة، لإدارة شؤون الحياة الخاصة والعامة، وأنها تستطيع اختيار ما تشاء.  وهذا يتضمن إلغاء، وفي أحسن الحالات استبعاد، السببية في التطور التاريخي.  إن ما يدفع إلى ابتداع التكنولوجيا المالية، التي أتى المؤلف على ذكرها، هو طبيعة النظام الاقتصادي-الاجتماعي القائم، ويقع على عاتق المؤرخ الكشف عن السبب/الأسباب وراء أفعال البشر، فهذه الأفعال لا تنشأ من فراغ.

 

وضمن هذا السياق، يمكن إثارة السؤال التالي: هل أن مؤسسة التأمين، في شكلها التجاري (الرأسمالي) القائمة على تحقيق الربح لأصحاب رأس المال في شركات التأمين، ضرورية، على سبيل المثل، في نظام اقتصادي-اجتماعي، بدائي/مشاعي، يقوم على تلبية الحاجات الأساسية للناس؟  إن الجواب على هذا السؤال يتطلب تحليل البنية الاقتصادية والعلاقات القانونية المرتبطة بها للكشف عن أشكال التأمين المختلفة في تطورها التاريخي إذ أن ما يحصل في التاريخ ليس محض مصادفة طارئة أو اختيار عشوائي.[3]

 

إن الأطروحة الأساسية لغوتزمان (ص 2) هي أن الحضارات تتطلب أدوات معقدة لإدارة اقتصاد الزمن والخطر economics of time and risk، وهذا يفسر نشوء المالية في حضارات الشرق الأدنى القديم.  إذ أن "المستويات العالية للتطور الاجتماعي تتطلب تنظيماً اقتصادياً وتكنولوجياً معقداً.  إن البنية التحتية المالية قد جعلت التقدم في المجتمع الحضري ممكناً وما تزال" (ص 15).  هل كان التأمين جزءاً من هذه البنية في الماضي القديم؟  الجواب هو نعم ولكن بشكل أولي، ولم يتطور إلى شكله الحديث إلا بعد مرور أكثر من ألف سنة.

 

إن الأزمنة القديمة لم تعرف التأمين، عقد التأمين أو نظام التأمين، كما نعرفه اليوم.[4]  ولم تبدأ بوادر الشكل الحديث للتأمين إلا في القرن الرابع عشر، وتحديداً، حسب بعض المؤرخين، سنة 1350 وفي مجال تأمين شحنة من القمح بحراً من صقلية إلى تونس.[5]  ومع هذا فإن بعض العناصر المرتبطة بنظام التأمين تجد حضوراً بدائياً لها في الماضي، كمبدأ التعويض، وتنويع الخطر، والتعاون، وفكرة الخطر، وتقديم المساعدة وغيرها كما سنبين فيما يلي، ولكن في سياقات لا علاقة لها بنظام التأمين الحديث.  لذلك ينبغي الحذر من إسقاط مفاهيم الاقتصاد الرأسمالي والمال الحديثة على مدونات وادي الرافدين القديمة.  وبهذا الصدد من المفيد أن نتذكر ما كتبه عالم الآشوريات أدولف ليو أوبنهايم (1904-1974) عن "أسباب قصور علماء الآشوريات والمؤرخين الاقتصاديين، على حدٍ سواء، للاستفادة القصوى" من النصوص القديمة:

 

هناك، من جهة، العدد الكبير للنصوص المتوفرة الذي لا يستطيع سوى عدد صغير من العلماء لهم الرغبة في التعامل معها وبما يفي بالمراد.  لكن العقبة الأكثر أهمية هو الحاجز المفاهيمي الذي يحول دون الإدراك الكامل للطبيعة الحقيقية للمعاملات المدونة وخلفياتها المؤسسية المتعددة الجوانب.  إن استغراقنا في النظريات الاقتصادية للقرن التاسع عشر، التي تؤثر حتى على علماء الآشوريات الأكثر سذاجة في مسائل النظرية الاقتصادية، يؤدي بنا إلى موضعة كل حالة اقتصادية ضمن النسق التقليدي للنقود، والأسواق، والأسعار، وغيرها – كما استقرَّ تعريفها والقبول بها خلال المائة سنة من حضارتنا.  فنحن نُطبق هذه الأطر باستمرار حتى بدون إدراكنا بأننا نشوه صورة وادي الرافدين في جوانبها الجوهرية، من خلال تأسيس تحليلنا على مجموعة من الفرضيات التي نقبل بها على أنها كونية التطبيق."[6]

 

إن إسقاط مفاهيم الحاضر على الماضي لا بد أن يؤدي إلى رسم صورة مشوهّة للماضي ربما لتبرير استمرار النظام القائم، ومع ذلك فإن ما لدينا في الوقت الحاضر من مفاهيم وممارسات لم تنشأ صدفة ولم تأتي من فراغ بل من تراكم الممارسات والمعارف في الماضي، ومهمة الباحث هو تتبع الأصول (مقارنة أحكام القوانين مع تطبيقاتها في الحياة الاقتصادية كما تتجسد في التقنيات المالية كالعقود المالية، وثائق ملكية الأراضي والكمبيالات والرهونات ... الخ، قدر الإمكان).  وهذا ما فعله بعض الباحثين في اقتفاء أصول التأمين في مدونات الماضي السحيق في بلاد ما بين النهرين والفترات اللاحقة في الأراضي المتاخمة لها شمالاً.

 

إن المساهمة الأساسية للتعاملات المالية القديمة، وكما يبين غوتزمان، هو تطوير الشروط التي تسمح للأفراد تحويل التزاماتهم [عبر الزمن] والامتثال لها إلى المستقبل: allowing individuals to shift obligations into the future.” (ص 52) وهو ما نلاحظه، على سبيل المثل، في النشاط التأميني المعاصر إذ أن التزام شركة التأمين تجاه المؤمن له يتحقق، ضمن ضوابط عقد التأمين، في المستقبل، أي عند وقوع الضرر أو الخسارة المؤمن عليها خلال فترة التأمين المتفق عليها.

 

(2)          نشوء التخطيط المالي الفردي

 

يركز الفصل الأول من كتاب غوتزمان على النشوء المتوازي للحضارة المدينية وللمالية في الشرق الأدنى القديم، ويذكر أن المستويات العالية للتطور السياسي والاجتماعي تتطلب تنظيماً اقتصادياً وتكنولوجياً معقداً، وأن البنية التحتية المالية مكَّنت قيام المجتمع الحضري.  وتقوم حجة هذا الفصل على أن ابتداع طريقة للتعبير عن القيمة التبادلية عبر الزمن خلق نموذجاً جديداً للتفكير: القدرة على رسم التوقعات الاقتصادية والتعامل مع القيم الماضية والآنية والمستقبلية كقيم ملموسة على قدم المساواة.  ومع ابتداع المال عاش الناس في إطار ممفصل للزمن استدعى إيجاد وسائل للتخفيف من الخطر [التأكيد من عندي].  ويورد المؤلف كيف تجذّر التفكير المالي في الحضارات الزراعية الأولى بفضل الحاجة لتخطيط العمليات الزراعية، ولتسجيل وعود تسليم المنتجات الزراعية في المستقبل (الذي يقوم على تحديد التوقعات، أي التخطيط المالي).  ونشأ عن هذا النمط من التخطيط للمستقبل الفكرة الأساسية أن الزمن بذاته له ثمن،[7] أي أن القيمة التبادلية للسلع تتغير عبر الزمن.  فالتكنولوجيا المالية غيّرت طريقة تفكيرنا، ووسعت من قدرات البشر على التخيّل وعلى حساب المستقبل.[8]

 

إن الأُسرة التي تقدم المساعدة لغيرها كانت ستضمن لنفسها، دون أي عقد رسمي، تأميناً من الأسرة الأخرى، يترجم نفسه كمساعدة متبادلة.

 

يقول المؤلف إن الناس في المجتمعات الصغيرة يعيرون أدوات عملهم ووقت عملهم لبعضهم.  وفي حين أنهم يتوقعون المقابلة بالمثل في المستقبل إلا أنهم لا يلجأون بصراحة إلى كتابة عقد لإعطاء صفة رسمية لهذه العلاقة التبادلية.  إن تقديم مثل هذه المساعدة، دون أي عقد رسمي، هو شكل من أشكال التأمين [التأكيد من عندي] للأسرة التي تقدم المساعدة: "أنت تقدم المساعدة عندما تستطيع ذلك وتطلب مساعدة جيرانك عندما تكون محتاجاً لها."[9]  ويذكر أيضاً أن التعاون بين الجيران يظهر وكأنه الوسيلة التي يعتمدها المجتمع للاستجابة للأزمات.[10]  وهو بهذا التوصيف يمثل أسلوباً جماعياً للتخفيف من وقع الخطر، إضافة إلى أن التعاون، وهو في هذه الحالة تعاون اجتماعي، يعكس بحد ذاته الفكرة التي يقوم عليها نظام التأمين.

 

وقد توسع د. عامر هرمز في التعليق على إعارة أدوات ووقت العمل بين الأسر، في سياق دراسته لنشوء ظاهرة القروض بفائدة interest-bearing loans مستعيناً بأدلة تاريخية.  اقتبس منه هنا ما يفيد موضوع هذه الورقة:[11]

 

في الواقع، كانت قروض الاستهلاك بدون فوائد في المجتمعات التي كانت في الغالب زراعية، صغيرة ومعزولة وتعمل على شفا الكفاف في الشرق الأدنى القديم.  في مثل هذه المجتمعات، حيث أعاقت الاعتبارات التكنولوجية وتلك المتعلقة بالمعاملات إنشاء نظام تأمين رسمي [التأكيد من عندي]، فإن بقاء الفرد في هذا المجتمع يعتمد على مساعدة الآخرين كلما كان إنتاجه الخاص دون مستوى احتياجاته المعيشية.  قد تأخذ المساعدة شكل صدقة صريحة أو قرض بدون فائدة؛ إن القرض يجب أن يكون بدون فائدة لأنه خلافاً لذلك فإن المساعدة الأخوية سوف تتحول إلى مبرر لصفقة تجارية وبالتالي تقليل شعور الفرد بالأمان.  وهكذا فإن الأساس المنطقي لحظر الفائدة يكمن في حماية سلامة المجتمع.

 

إن العلاقة بين أفراد هذه المجتمعات الصغيرة ذات طبيعة تبادلية، وهي لا تعتمد على صفقات قائمة على تحقيق الربح، كما هو الحال في الاقتصاد السوقي.  وهذا يذكّرنا بمقولات كارل پولاني حول العلاقات التبادلية والتآزر الاجتماعي.

 

يقول د. عامر هرمز إن إنشاء نظام تأميني لتغطية قروض الاستهلاك في حالة إعسار المقترض على تسديد القرض المستحق عليه لم يكن ممكناً في العراق القديم لاعتبارات تكنولوجية وأخرى تتعلق بالمعاملات.  هذه الاعتبارات غير واضحة عندي وأتمنى عليه أن يتوسع في شرحها في ظل نظام للعلاقات الاقتصادية بين الأفراد لا يقوم على مبدأ الربح/الفائدة.[12]

 

وبالمقارنة مع العصر الحديث فإن تاريخ التأمين على القروض الائتمانية التجارية في أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية يعود إلى النصف الثاني من القرن التاسع عشر.  أما التوسع في تطبيق هذا التأمين على القروض الاستهلاكية فإنه حديث العهد.  وتغطي وثيقة تأمين القروض الاستهلاكية مستحقات تسديد القرض في حالة وفاة المؤمن له أو إصابته بعجز دائم وعدم قدرته على كسب الدخل بسبب المرض أو البطالة.  وبموجب وثيقة التأمين تسدد شركة التأمين الرصيد المستحق المتبقي كمبلغ مقطوع أو تسديد الرصيد المستحق بدفعات لفترة محددة (اقتراناً بطول فترة المرض أو البطالة).  ويتم التسديد للمُقرض وليس المقترض، إذ أن المقترض (المؤمن له) يقوم بإجراء التأمين لصالح المُقرض (المستفيد من منافع وثيقة التأمين).

 

(3)          المشاريع المالية التشاركية، التجارة البحرية والأشكال الأولية للتأمين

 

يذكر غوتزمان في الفصل الثالث تحت عنوان "المشاريع المشتركة" (ص 54-55) أن الأدوات المالية كالقروض، والرهونات، والشركات البسيطة المحدودة limited partnerships كانت مشاريع تشاركية/تضامنية.  وأن هذه المشاريع، حالها كحال الصروح المعمارية الضخمة التي شيدها الملوك البابليون، كانت تتطلب جهوداً وموارد من أكثر من مصدر واحد لرأس المال.  ربما اقتربت هذه الترتيبات من شكل الشركات البسيطة المحدودة لكنها، كما يقول باحث آخر، Trenerry، لم تكن "أبداً لغرض الشراكة partnership الخالصة."  لقد "كان القرض من أجل قرض حقيقي في الكثير من الحالات؛ وفي حالات أخرى، كان لغرض المشاركة في الأرباح sharing of profits ولحد أدنى معين" وكانت "البضاعة أو النقود المقترضة، كلياً أو جزئياً، في عهدة واستخدام المتاجر trader ولم يحُتفظ بها من قبل الرأسمالي أو التاجر merchant؛" كما كان "المتاجر معفى كلياً من المسؤولية فيما يخص الدَيْن في حالة وقوع طارئ منصوص عليه في العقد."[13]

 

ويكتب ترينري (ص 54) أن المواد 100-107 من شريعة حمورابي تُشرّع لعقد يضم الخصائص الأولية لعقود قروض السفينة في الفترات اللاحقة.  وتضم هذه المواد في مثل هذه العقود عنصرين أساسين.  أولاً، إن تسديد القرض كان يعتمد على سلامة وصول البضائع (بقدر تعلق الأمر بسرقتها/سلبها) والتي تمثل القرض المقدم.  ثانياً، إن سعر الفائدة المطبقة على هذه القروض كانت أعلى بكثير من الفائدة على القروض العادية.  إن هذه المواد تغطي تقديم القروض للبضائع أو تقديم النقود للبضائع موضوع النقل البري لأغراض المتاجرة.

 

فيما يلي اقتبس بعض مواد قانون حمورابي.

 

المادة المائة

إذا أعطى تاجر إلى بائع متجول[14] فضة من أجل التجارة (حرفياً: البيع والشراء) وأرسله في رحلة.  البائع المتجول في الطريق ... إذا أحرز ربحاً حيثما ذهب، يجب عليه أن يسجل كل الفضة التي أخذها ويعد أيامه، ويسدد تاجره. (مرعي، ص 68)

 

المادة مائة وواحد

وإذا لم يحقق ربحاً حيثما ذهب، فيجب على البائع المتجول أن يدفع إلى التاجر التي أخذها مضاعفة.

 

المادة مائة واثنتان

إذا اعطى تاجر فضة إلى بائع متجول كسلفة للتجارة بدون فائدة، وتعرَّض حيثما ذهب للخسارة، فيجب عليه أن يعيد رأس المال (فقط) إلى التاجر.

 

المادة مائة وثلاثة

إذا سبب له (للبائع المتجول) عدوٌ في الطريق فقدان كل ما يحمل، فعلى البائع المتجول أن يقسم يميناً أمام الإله ومن ثم يذهب حراً. [أي إخلاء مسؤولية البائع المتجول]

 

ويعلق الباحث زهير العطية على المادة 102 بالقول إن هناك "طرفان: التاجر الممول الذي هو بمثابة طالب التأمين (المؤمن له) الذي يرغب بضمان ماله مقابل تنازله إلى الوسيط [البائع المتجول/التاجر الصغير/الوكيل] الضامن (المؤمن) الذي يُعيد للتاجر ماله مع المشاركة في الربح عند تحقق الربح.  أما في حالة الخسارة فإن الوسيط يضمن للتاجر إعادة ماله كاملاً على شرط أن يتخلى له عن حقه في طلب الفائدة المقررة.  وهكذا فإن الفائدة التي تنازل عن استلامها التاجر هي بمثابة قسط التأمين أو المبلغ الذي يدفعه المؤمن له إلى المؤمن (شركة التأمين) لضمان رأسماله."[15]  وتقترب هذه العلاقة التجارية العقدية مما يُعرف بـ Commenda of Islam الذي سنأتي إلى ذكره فيما بعد، والذي يجمع بين القرض والشراكة.

 

وهذا ما يعرضه غوتزمان عندما يأتي على ذكر التجارة البحرية مع دلمون [البحرين] التي كانت الدولة تشارك فيها أيضاً إضافة إلى مشاركين كبار ومشاركين صغار من الناس [التجار] العاديين.  كان التجار قادرين على تأمين أنفسهم من الخسارة الشخصية - في حال فشل مشاريعهم الخاصة - بالمشاركة في المشاريع التجارية التي تدر عليهم دخلاً تساعدهم في تخطي مصاعبهم.[16]  ويكتب غوتزمان أيضاً بأن عبء الخسارة في الشراكة في أور كانت غالباً ما تكون محصورة بمقدار المساهمة في الشراكة.

 

لم يذكر غوتزمان الآثار/الأخطار المترتبة على هذه الرحلات البحرية إلى دلمون في حال تعرضها للأنواء البحرية، ربما لأن المعلومات عنها غير موجودة أو غير متوفرة.  ولكن يُستشفُّ من عرضه توجهاً لدى الأفراد المستثمرين في توزيع استثماراتهم بين مشاريعهم الخاصة ومشاريع التجارة البحرية [نيابة عن البلاط]؛ وهذا نمطٌ من إدارة خطر الاستثمار، لكن هذا التوزيع ليس شكلاً من أشكال التأمين الذي يقوم على مبادئ أساسية ومنها مبدأ تجميع الأخطار والإسهامات (أقساط التأمين) لتكوين مُجمّع/صندوق التأمين، ومبدأ التعويض، وتوزيع خسائر القلة المساهمين في المجمع على أكبر عدد من المساهمين في المجمع.

 

من المفيد أن اقتبس هنا بعض مواد شريعة حمورابي المتعلقة بالتجارة البحرية والأشكال الأولية للتعويض عن الخسارة الناشئة من استخدام السفن ومن هذه التجارة، والتعليق عليها باختصار لربطها بالتأمين الحديث، ويكفي القول ابتداءً الزعم بإن أحكام هذه المواد تعكس تنظيم الممارسات القائمة آنذاك.[17]

 

المادة مائتان وخمس وثلاثون

إذا سدَّ ملاحٌ سفينة لإنسان ولم يتقن عمله، وفي نفس السنة مالت هذه السفينة (أو) أصيبت بعطل، فعلى الملاّح أن يفك هذه السفينة ويدعمها على حسابه الخاص، ويعطي سفينة قوية إلى صاحب السفينة.

 

تبدو الترجمة المعرّبة عن السومرية والأكادية حرفية، وقد وجدت من المناسب ترجمة هذه المادة 235 عن الإنجليزية[18] لتقريب المعنى:

 

إذا قام ملاّح ببناء سفينة لإنسان ولم يجعل بنائه للسفينة صالحاً للإبحار، وواجهت هذه السفينة كارثة في نفس العام الذي تم فيه وضعها في الخدمة، يتعيّنُ على الملاّح إعادة بناء السفينة وتقويتها بنفسه على حسابه الخاص ويجب عليه أن يعطي السفينة عند تقويتها لمالك السفينة.

 

نلاحظ هنا أن المسؤولية شخصية تقع على عاتق من يبني السفينة أو القارب، وليس هذا ببعيد عن بناة السفن البحرية في زماننا إذ أنهم المسؤولون عن السفينة خلال عملية البناء بأكملها ويواجهون مجموعة من الالتزامات تجاه مالكي السفينة وتجاه الأطراف الثالثة التي قد تتضرر من جرّاء أعمال بناء السفينة.

 

المادة مائتان وست وثلاثون

إذا أجرَّ إنسان سفينة لملاح، وأغرق الملاح السفينة نتيجة إهماله أو حطمها، فيجب على الملاّح أن يعوض صاحب السفينة سفينة (بدلاً عنها).

 

المادة مائتان وسبع وثلاثون

إذا استأجر إنسان ملاحاً وسفينة وحمّلها حبوباً أو صوفاً أو زيتاً أو بلحاً أو أي حمولة أخرى، وأغرق هذا الملاح السفينة نتيجة الإهمال، وضاع ما عليها، فعلى الملاّح أن يعوض السفينة التي أغرقها مع كل ما كان عليها وفقد.

 

تمثل هاتان المادتان صورة أولية لما يعرف في الشحن البحري بعقد المشارطة Charter Party، وهو عقد إيجار السفينة (المشارطة) بين مالك السفينة ومستأجرها charterer.  وبموجب عقد استئجار السفينة يلتزم المستأجر بتعويض المالك عن المسؤولية تجاه الطرف الثالث عندما ينجم ذلك عن انتهاك المستأجر لعقد الاستئجار أو تنشأ عن أنشطة تقع تبعتها على المستأجر.  ويتخذ الاستئجار شكلين: عقد استئجار السفينة لفترة زمنية محددة time charter أو عقد استئجار السفينة لرحلة واحدة ولشحنة محددة voyage charter.  في كلتا الحالتين، يتحمل المستأجر التزامات معينة تجاه مالك السفينة عن الأضرار التي قد تلحق بالسفينة أثناء مناولة الشحنات، أو الأضرار التي قد تنشأ عن عدم سلامة الميناء أو الرصيف، أو بسبب تخزين وتستيف البضائع.  كما يمكن أن يكون مستأجر السفينة مسؤولاً عن الضرر أو الفقدان أو النقص الذي قد يلحق بالبضائع المشحونة.  وفي كل عقود الاستئجار، يتحمل المستأجر المسؤولية عن الأضرار التي تلحق بهيكل السفينة، والبضائع، والتلوث، وكذلك المسؤوليات المشمولة بأنظمة الحماية والتعويض لمستأجري السفن.[19]

 

المادة مائتان وأربعون

إذا صدمت سفينة ذات مجاديف (سفينة تبحر مع التيار) سفينة شراعية (سفينة تبحر عكس التيار) وأغرقتها، فعلى صاحب السفينة الذي سفينته غرقت أن يذكر أمام الإله كل ما فقد في سفينته، وعلى صاحب السفينة ذات المجاديف (سفينة تبحر مع التيار) الذي أغرق السفينة الشراعية (سفينة تبحر عكس التيار) أن يعوضه سفينة وكل ما فَقد.

 

يُصنّف تصادم السفن كحادث من حوادث البحر ويخضع للتأمين بموجب شرط التصادم Running Down Clause الذي وضعه معهد لندن لمكتتبي التأمين Institute of London Underwriters سنة 1884 لتغطية مسؤولية المؤمن له في حادث تصادم السفينة المؤمنة مع سفينة أخرى.[20]

 

يعتبر عقد القرض البحري bottomry أول صيغة للتأمين البحري، وهو أقدم أنواع التأمين.  وبموجب هذا العقد، في أحد صوره، يتحمل المدين (ربان السفينة أو صاحب السفينة الناقلة للبضائع) مسؤولية تسديد الدين والفائدة في حالة وصول البضائع المشحونة سليمة إلى المكان المتفق عليه.  وإن غرقت السفينة أو تعرضت للقرصنة وهلكت وما عليها من بضائع فإن المدين لن يكون مطالباً بإرجاع قيمة القرض أو الفائدة المتفق عليها مع ربان السفينة أو صاحبها.  ويرد في دراسة رائدة أن منشأ وتطور عقد القرض على السفينة، أبتدعها البابليون قبل 2250 سنة قبل الميلاد، وقد طورُوها من عُرف تجاري إلى ما يعرف بـ Commenda of Islam[21]، وأن "البابليين نقلوا هذا العقد في سياق تجارتهم إلى الفينيقيين والهندوس، الذين أدخلوا تغييراً وتعديلاً على العقد ليتناسب مع متطلبات كل منهم."[22]  وأن "العقد كما كان معروفاً ومستخدماً في العصور الوسطى جاء، في المقام الأول، حصيلة للعقد الروماني ولكن في النهاية حصيلة للعقد البابلي."(ص 18).[23]  وقد أشار غوتزمان إلى هذا العقد (ص 241) لكنه لم يربطه مباشرة بأصولها البابلية وحصره في العصور الوسطى.

 

إن القرض البحري بهذه الصفة هو اتفاق بين طرفين (ركن التراضي في عقد التأمين) يقوم على المجازفة (والمجازفة هنا هي الخطر، أي محل التأمين[24] بمعنى الشيء المؤمن عليه، والمجازفة فيها عنصر احتمال التعرض أو عدم التعرض لخسارة) وعلى تحويل عبء المجازفة (عبء الخطر) من طرف إلى آخر لقاء فائدة (قسط التأمين)، إذ يقوم أحد الطرفين بتمويل رحلة تجاريــــــــــة بحرية تتخذ شكل قرض بضمان السفينة bottom أو بضمان البضاعة cargo (وعندها يُعرف العقد باسم respondentia) أو كليهما bottomry bond، فإذا انتهت الرحلة البحرية بسلام استرد الدائن قيمة القرض مع الفائدة المحددة قبل قيام الرحلة، وإن فشل ربان السفينة بسداد الدين في الموعد المحدد له فإن سفينته تصادر كسداد للدين.

 

وقبل شريعة حمورابي كان هناك قانون ليبيت عشتار (1934-1924 ق.م.)، الذي تناول بعض مخاطر التجارة والنقل.  فقد جاء في المادة الخامسة:

 

إذا استلم رجل سفينة وحُددت له المسافة المتفق على قطعها، لكن الملاّح غيرَّ الطريق وسُرقت السفينة، فعلى الذي استلم السفينة أن يدفع تعويضاً عنها."[25]

 

تغيير طريق رحلة السفينة هو ما يُعرف في التأمين البحري بالانحراف deviation، أي انحراف السفينة عن المسار البحري المحدد للرحلة أو عدم التزامها بالمسار المعتاد بين ميناء الشحن وميناء التفريغ.  وقد وجد هذا الشرط طريقه إلى القوانين الحديثة كقانون التأمين البحري الإنجليزي لسنة 1906.  وأنقل هنا نص المادة 46 من هذا القانون:

 

عندما تنحرف السفينة دون عذر مشروع، عن مسار الرحلة المحددة في وثيقة التأمين، فإن المؤمِن [شركة التأمين] يعفى من المسؤولية من حين الانحراف، وليس مهماً أن تكون السفينة قد عادت إلى مسارها قبل تحقق أية خسارة.[26]

 

كما أن قانون إشنونا الذي دوّن في عهد الملك دادوشا Dadusha (نحو 1800 ق.م.)[27] السابق لشريعة حمورابي عالج بعض مظاهر التجارة البحرية فيما يخص الإهمال (فعل بشري) الذي يؤدي إلى الخسارة وليس أعمال القوة القاهرة (أخطار الطبيعة):

 

المادة الخامسة

إذا أغرق الملاح السفينة نتيجة الإهمال، فعليه أن يدفع كل ما أغرق كاملاً.

 

وقد وجد هذا الشكل من الإهمال طريقه، في العصور اللاحقة، إلى التأمين البحري تحت عنوان شرط الإهمال The ‘Inchmaree’ Clause or Negligence Clause[28]

 

المادة السادسة

إذا استولى إنسان بطريقة غير شرعية على سفينة ليست له فعليه أن يدفع 10 شيقيل فضة.

 

الاستيلاء غير الشرعي على سفينة هو المقابل للقرصنة، واحدة من أقدم الجرائم الدولية، التي تُصنف، تأمينياً، كواحدة من الأخطار البحرية المؤمن عليها بموجب وثيقة لويدز (Lloyd’s S.G Policy) الملحقة بقانون التأمين البحري الإنجليزي لسنة 1906.

 

التعويض عن الحوادث الشخصية

 

لقد كان مبدأ القصاص (مبدأ العين بالعين والسن بالسن) من مُسبب الضرر أو الخسارة المادية أو الإصابة البدنية للغير هو السائد في الأديان والحضارات القديمة (مع بعض الاستثناءات في بعض التشريعات العراقية القديمة)، وقد جرى استبداله بالتعويض المالي في بعض الحالات والذي يقترب قليلاً من التأمين من الحوادث الشخصية المعروفة في زماننا.  على سبيل المثل، يرد في قانون إشنونا بعض المواد بهذا الشأن.[29]

 

المادة الثانية والأربعون

إذا عض رجل أنف رجل (آخر) وقطعه، فعليه أن يدفع مينة واحدة من الفضة، وعليه أن يدفع عن العين مينة واحدة، وعن السن نصف مينة، وعن الأُذن نصف مينة، وعن الصفعة على الوجه (حرفياً: وجنة) عشرة شيقل.

 

المادة الثالثة والأربعون

إذا قطع رجل إصبع رجل (آخر)، فإنه يدفع 2/3 مينة فضة.

 

المادة الرابعة والأربعون

إذا طرح رجل رجلاً (آخر) أرضاً وكسر يده، عليه أن يدفع نصف مينة فضة.

 

المادة الخامسة والأربعون

وإذا كسر رجله، عليه أن يدفع نصف مينة فضة.

 

المادة السادسة والأربعون

إذا ضرب رجل رجلاً (آخر) وكسر له ... عليه أن يدفع ثلثي مينة فضة.

 

المادة السابعة والأربعون

إذا جرح رجل رجلاً (آخر) في شجار، عليه أن يدفع عشرة شيقل فضة.[30]

 

لقد "كان مرتكب الجريمة مُلزماً بدفع التعويضات بالفضة، والتي كان وزنها يتفاوت حسب خطورة الجريمة.  وهذا، بطبيعة الحال، هو علامة على مجتمع أكثر صقلاً وحضارة مما يُتصور عادةً."[31]

 

ويعلق د. مرعي على قانون ليبيت عشتار بالقول: "ويقوم قانون ليبيت عشتار على مبدأ تعويض الخسارة بالمال، وليس كقانون حمورابي على مبدأ العين بالعين والسن بالسن.  وعقوبة الموت التي ترد كثيراً في قانون حمورابي لا تذكرها المواد المكتشفة من قانون ليبيت عشتار." (ص 23).

 

وفي تعليقه على قانون أورنامو، السابق لقانون ليبيت عشتار، يقول: "تعالج فقرات القانون قضايا اقتصادية واجتماعية مختلفة، وتتميز عن قانون حمورابي بإمكان تعويض الأضرار الجسدية كالجروح والكسور والتشوهات بغرامة مالية." (ص 14).

 

إن هذه الأمثلة تجد ما يعادلها في وثائق تأمين الحوادث الشخصية الحديثة التي تضم جدولاً بالمنافع من ضرر جزئي مؤقت أو دائم يصيب المؤمن عليه وصولاً إلى الوفاة نتيجة حادث.

 

التأمين على الحياة

 

تضم شريعة حمورابي في المادة رقم 24 حكماً يقترب من نظام التأمين على الحياة، وهو ما يعرضه الباحث زهير العطية كما يلي:

 

"إذا كان ما فقده صاحب الدار هو حياته، فإن على المدينة أو الحاكم أن يعوضه مقدار مئة [مينة] واحدة من الفضة لأهله."[32]

 

ويعتبر هذه المادة

 

نموذجاً آخر لتعاون مجتمع المدينة في تعويض أهل الشخص الذي يعيل عائلة علماً بأن التشريع بالإضافة إلى تحديده طرفي التأمين فإنه قد قرر مسبقاً مبلغ التعويض، كما اشترط أن يكون المتوفي رب عائلة وليس أحد أفرادها وهو أمر ينسجم كل الانسجام مع المبادئ العامة التي تقضي بوجود مستفيدين ذوي مصلحة تأمينية متعلقة بحياة الشخص المؤمن على حياته.[33]

 

كما يُفهم من ترجمة العطية لهذه المادة من الإنجليزية فإن صاحب الدار هو رب العائلة، أي معيلها، ضحية جريمة السرقة.  وبغية ضمان مورد للعائلة فإن التشريع يقضي بقيام المدينة أو الحاكم (المدينة والوالي في ترجمة مرعي) بتعويض ورثة المُعيل.  ويأتي هذا التعويض بسبب عدم معرفة مرتكب جريمة القتل.  يعكس مثل هذا التعويض وجود نظام للرعاية الاجتماعية.

 

تحمل المسؤولية نيابة عن الغير (المسؤولية التبعية)

 

كما نجد في قانون إشنونا إشارة لتحمل المسؤولية نيابة عن الغير vicarious liability:[34]

 

المادة السادسة والخمسون

إذا كان (هناك) كلب مسعور، وأعلمت السلطات صاحبه بذلك، لكن هذا لم يحرس (ينتبه إلى) كلبه وعض (الكلب) إنساناً وسبَّبَ موته، فعلى صاحب الكلب أن يدفع ثلثي مينة فضة.[35]

 

حكم هذه المادة ينصبُّ على "كلب مسعور" (لاحظ مستوى التنظيم الدقيق في قيام السلطات بإعلام صاحب الكلب بأن كلبه مسعور).  إن المبدأ الذي ينتظم هذه المادة ينطبق، في زماننا، على المسؤولية المدنية (القانونية أو التعاقدية) المعاصرة لرب البيت عن أفراد أسرته، وعن حيواناته التي قد تسبب ضرراً للطرف الثالث، ومسؤولية رب العمل عن أفعال مستخدميه وآخرين عن وكلائهم ومن يتصرفون باسمهم ونيابة عنهم .... ونلاحظ هنا أن التعويض لا يقوم على القصاص من صاحب الكلب المسعور بل التعويض النقدي.

 

(4)          معاش تقاعدي

 

في الفصل الثالث الذي يحمل عنوان "المعمار المالي" يؤكد غوتزمان تحت العنوان الثانوي "ما يشبه الرأسمالية" Something Like Capitalism (ص 55) وجود أدلة كثيرة في الفترة البابلية القديمة حول استخدام الناس للاستثمارات والعقود المالية – وحتى التعريفات القانونية للعائلة – لتمويل تقاعدهم.  ويستشهد على ذلك (ص 56) بلوح طيني يضم تفاصيل عن امرأة ناديتوم[36] وإرثها المكون من حقل، وعبد، وقطعة أرض لمنزل، وتأجيرها لحقل، وشراء قطعة أرض، وتعيين وريثة لها ومنحها حقلاً، ومنزلاً، وقطعة أرض لمنزل، وممتلكات أخرى، واشتراط حق انتفاعها من هذه الأموال "طالما هي على قيد الحياة."

 

بعد تأكيده على حقوق الملكية للمرأة البابلية وإطرائها يقول غوتزمان إن المقطع الأخير (الاشتراط) يدلّ كيف أن واحدة من نساء نادياتوم خططت لتقاعدها - بتبني وريثة لها مقابل وعد تعاقدي لحصولها على المساعدة المالية: معاش تقاعدي مدى الحياة يقوم على إيرادات الممتلكات.

 

إن الإطار القانوني للمعاملات الخاصة بالعقارات والاستئجار، كما يقول المؤلف (ص 56-67)، كان ببساطة جزءاً من التكنولوجيا المالية المستخدمة من قبل الناس في ذلك الزمان لمساعدة أنفسهم، وضبط محافظهم الاستثمارية، وتدبير معاش تقاعدي مريح.

 

وليس هذا ببعيد عن نظام المعاشات القائمة على الادخار والاستثمار مع شركات التأمين في الوقت الحاضر.  السؤال الذي ينهض هنا هو مدى انتشار ظاهرة تمويل معاش تقاعدي من قبل الأفراد، خاصة وأن المجتمع البابلي القديم كان يقوم على تراتبية طبقية ومن بينها طبقة العبيد التي أفردت لها شريعة حمورابي العديد من موادها ومنها ما يخص حقوق العبد.  ولذلك يظل التساؤل قائماً عن مدى انتشار الحالة التي ذكرها المؤلف عن المرأة التي اختارت وريثة لها.  نزعم أن هذه الحالة هي أقرب إلى صنف العقود الشخصية بيت طرفين وليس نظاماً عاماً للتقاعد ينطبق على المجتمع ككل.  ولكن مما لا شك فيه أن الإشارات والأمثلة التي أتى المؤلف على ذكرها تحمل معها دلالة على مجتمع يقوم على درجة من التعقيد في إدارة الحياة الاقتصادية.

 

إن ما عرضه المؤلف هنا هو نموذج أولي لفكرة تدبير المعاش التقاعدي للمستقبل.  ولنا أن نقدر أهمية هذه الفكرة بالمقارنة مع أنظمة التقاعد الحديثة.  جاء في دراسة متخصصة:

 

إن النقاش الحالي حول أنظمة التقاعد القابلة للإدامة يدور في مجمله حول ضرورة توزيع العبء على عدة دعامات.  فينبغي أن يكون هناك (1) تقاعد حكومي يغطي الحاجات الأساسية في مرحلة الشيخوخة ويحول دون وقوع الناس في وهدة الفقر، (2) دعامة خاصة مرتبطة بالوظيفة، يمولها أرباب العمل والموظفون تضاف للدعامة الأولى من أجل الحفاظ على مستوى الحياة عند مستوىً أعلى، (3) دعامة ادخار خاص وطوعي تؤمن دخلاً اضافياً وتنويعاً للخطر، و(4) دعامة رابعة، قامت جمعية جنيف The Geneva Association بابتداعها في زمن مبكر يعود إلى عام 1987، وهي تستند على فكرة العمل بدوام غير كامل في مرحلة ما بعد التقاعد.[37]

 

الدعامة الثالثة للتقاعد (الادخار الخاص والطوعي من قبل الأفراد) هي الأقرب لحالة امرأة نادياتوم التي قامت بالاستفادة من ممتلكاتها التي أورثتها لـتأمين معاش لها من إيراداتها طالما هي على قيد الحياة.

 

(5)          الاعتماد على النفس وتقليص دور الدولة في توفير المعاش التقاعدي

 

يستنتج المؤلف من عرضه لمثال امرأة نادياتوم ما يلي (ص 57):

 

في هذا الصدد، يمكن أن يقوض التمويل [دور] الدولة بحذاقة.  فالأصول الاستثمارية توفر للناس القدرة على خلق مستقبلهم الاقتصادي بدلاً من الاعتماد على المؤسسات الحكومية أو العائلية.  إن كانت الطبقة الاستثمارية investment class في بلاد ما بين النهرين القديمة قد نمت إلى حجم كافٍ، محصنة بإطار قانوني يحمي ممتلكاتها من الاستيلاء عليها من قبل الدولة، فليس من الصعب أن نرى كيف يمكن تقليل الاعتماد على الحكومة وبالتالي تقليص قوة الدولة.

 

إن هذا الاستنتاج يقوم على افتراض وجود دور للدولة في الرعاية الاجتماعية، ومن بينها توفير مستوى معين من المعاش التقاعدي، وهو افتراض بحاجة إلى إثبات.  يبدو المؤلف هنا وكأنه يقول إن إشاعة التوظيف الاستثماري في العراق القديم هو الوسيلة لضمان دخل لأفراد الطبقة الاستثمارية في المستقبل وهم بذلك لا يحتاجون إلى معاش تقاعدي من الدولة.[38]  ما يؤيد هذا الحكم هو ما ذكره غوتزمان في مقدمة كتابه (ص 7): "بمعنى ما، فإن المؤسسة الاقتصادية الأساسية التي تجمع بين الماضي والحاضر والمستقبل intertemporal هي الأسرة.  فالميثاق الاجتماعي الذي يقوم على رعاية الأولاد للوالدين المسنين، على سبيل المثال، هو خطة تقاعد."  وهو حكم ينطبق على ما يسمى بالمجتمعات التقليدية في دول الجنوب أو المجتمعات ما قبل الرأسمالية في الغرب.

 

(6)          تجميع رأس المال وتنويع المخاطر

 

في نهاية الفصل الثالث يتحدث المؤلف عن التجارة بعيدة المدى [التجارة الخارجية] التي تقوم على دعامتين: تجميع رأس المال وتنويع المخاطر (ص 64):

 

كان تمويل التجارة بعيدة المدى يتم عن طريق استثمار رأس المال القائم على الأسهم investment of equity capital.  لقد نظرنا إلى شركتين بسيطتين partnerships من هذا القبيل - الأولى كانت لرحلة بحرية إلى دلمون للحصول على النحاس، والثانية كانت على الأرجح مرتبطة بتجارة الفضة مع الأناضول.[39]  إن هذا الشكل من الاستثمار وفَّر فرصة لتجميع رأس المال pooling of capital وتنويع المخاطر diversification of risk.  لقد كانت هذه الإجراءات ضرورية للمؤسسات الكبيرة التي كانت آفاق الربح فيها غير مؤكدة إلى حد كبير.  على هذا النحو، كانت الشركات البسيطة القائمة على الأسهم equity partnerships مناسبة تماماً للتجارة الدولية المحفوفة بالمخاطر.

 

إن فكرة تجميع رأس المال تشبه فكرة التشارك بين الأشخاص لتكوين صندوق مالي يساهمون فيه، لتمويل ما يصيب أحدهم من ضرر أو خسارة.  وهذه الفكرة أساسية لعمل مؤسسة التأمين.  قبل أكثر من نصف قرن كتب المحامي بهاء بهيج شكري ما يلي بهذا الشأن:

 

تعتبر المشاركة من الوسائل التي يلجأ إليها الإنسان لتخفيف عبء الخسارة عن نفسه فبإشراك شخص أو أشخاص آخرين معه في المشروع يمكنه أن يوزع الخسائر إن وجدت بينه وبين شركائه بنسبة مشاركة كل منهم.  ومن الملاحظ أن الاشتراك كلما اتسعت دائرته كلما خفّت نسبة ما يتحمله الشركاء من عبء الخسائر أياً كان مصدرها.[40]

 

أما تنويع المخاطر، بمعني توزيع الاستثمار على مجالات مختلفة بدلاً من تركيزه في مجال واحد، فهو إجراء احترازي ووسيلة لإدارة خطر الاستثمار.  على سبيل المثل، عدم استثمار التاجر لثروته في شحنة بحرية واحدة.  وكما نقلنا عن المؤلف وليم غوتزمان أعلاه:

 

كان الناس قادرين على تأمين أنفسهم من الخسارة الشخصية - في حال فشل مشاريعهم الخاصة - بالمشاركة في المشاريع التجارية التي تدر عليهم دخلاً تساعدهم في تخطي مصاعبهم.

 

تتفق معظم التعريفات الحديثة على أن التنويع هو استراتيجية لإدارة المخاطر تجمع بين مجموعة واسعة متنوعة من الاستثمارات داخل المحفظة الاستثمارية.  إن الأساس المنطقي لاعتماد هذه التقنية هو أن المحفظة التي تضم أنواعاً مختلفة من الأصول تحقق، على العموم، عائدات أعلى في المدى الطويل وتقلل من مخاطر تعريض المحفظة للخسارة.

 

وبالنسبة لشركات التأمين وإعادة التأمين فإن رأسمالها الاقتصادي economic capital (مقدار رأسمال الخطر risk capital الذي تحتفظ به الشركة لتمكينها من التغلب على أي صعوبات تواجهها) يمكن أن يتعرض إلى جملة من المخاطر: مخاطر التشغيل، والائتمان، وأعمال التأمين المكتتبة، والاستثمار، وكلها مُعرضة للتقلبات، ولكنها قابلة للرصد والسيطرة إلى حدٍ ما.  ولذلك فهي تلجأ إلى استراتيجية التنويع والتحوط hedging وخاصة في مجال الاستثمار.[41]

 

(7)          الاهتمامات الاقتصادية وتحفيز ابتكار التكنولوجيا المالية

 

في الفصل الرابع من الكتاب " شفق وادي النهرين" يقول وليم غوتزمان إن المالية شكَّلت جانباً فقط من مجتمع ما بين النهرين، ولكنها لعبت دوراً مركزياً (ص 70).

 

إن الاهتمامات الاقتصادية حفزت الحاجة للابتكار في مجال العمليات الحسابية، وحفظ السجلات الكمي، والتعاقد.

 

لكنه لم يذكر التأمين، كأحد أدوات التكنولوجيا المالية، ضمن هذه الاهتمامات.  وهذا مفهوم رغم الحضور الدائم للأخطار الطبيعية والبشرية في حياة الأفراد والجماعات والمؤسسات ذلك لأن مؤسسة التأمين لم تُخلق بعد.  إن مؤسسة التأمين الحديثة جاءت نتيجة تراكم تاريخي لممارسات وأفكار متنوعة تقترب إلى هذا الحد أو ذاك مع بعض أساسيات هذه المؤسسة التي تقوم على عقود مُنظمة للعلاقة القانونية بين من يطلب حماية التأمين وبين من يوفره، وأسس رياضية لحساب احتمالات وقوع الأضرار والخسائر، وقسط (عِوَض) مقابل توفير الحماية المالية من آثار الخسائر، وتكوين صندوق لتجميع أقساط التأمين من عدد كبير نسبياً من طالي التأمين لتعويض من تصيبه خسارة، وتنظيم مؤسسي لإدارة عقود التأمين وصندوق التأمين.  وسيمضي وقت طويل قبل أن يخضع النشاط التأميني للتنظيم والرقابة من قبل الدولة لضمان حقوق المؤمن لهم، والتأكد من الملاءة المالية لشركات التأمين للإيفاء بالتزاماتها.

 

 

(8)          خاتمة

 

إن كل ما نستفيد منه من البحث التاريخي، كالذي عرضنا شيئاً منه في هذه الورقة، هو الوصول إلى الجذور البدائية لبعض المفاهيم التأمينية، كمبدأ التعويض، وتجميع الأخطار، وتوزيع أخطار/خسائر القلّة عند وقوعها على عدد أكبر من المشتركين في مشروع ما.  لم يكتب غوتزمان تاريخاً اقتصادياً للعراق القديم لكنه قدَّم أفكاراً تستحق التأمل والبحث في مضامينها ومدى صحة الاستنتاجات والتعميمات التي خرج بها.  ويكشف لنا غوتزمان في كتابه ثراء الفكر والممارسة المالية في العراق القديم الذي انتقلت آثاره إلى أماكن أخرى.

 

إن ثراء الفكر والممارسة المالية في العراق القديم، ومنها ما يخص التأمين، يجد تعبيره في قوانين العراق القديمة ومنها قانون ليبيت عشتار وقانون إشنونا وشريعة حمورابي.  وقد لخّص غوتزمان (ص 46، 48) أحكام شريعة حمورابي.  صحيح أن هذه القوانين لا تضم أحكاماً صريحة واضحة عن التأمين لكنها من الغنى بحيث أنه يمكن اعتبار بعضها إرهاصات بدائية مهَّدت فيما بعد لنشوء ممارسات وتقنيات مالية لصياغة أشكال أولية للتأمين.  إلا أن غوتزمان لم يكتب ما يكفي حول الجذور التأسيسية للتأمين في العراق القديم كما اكتشفها غيره من الباحثين في عقد القرض على السفينة.  وقد يرجع سبب ذلك إلى أنه لم يستفد من المراجع التي تناولت جذور التأمين وتطور نظام التأمين؛ ولكن الأهم من ذلك هو أن التأمين لم يكن موضوعاً أساسياً في اطروحته عن المعمار المالي في العراق القديم.

 

اعتقد بأن التشريعات القديمة بحاجة إلى مزيد من الدراسة لتعميق فهمنا لما ورد فيها من أحكام تقترب إلى هذا الحد أو ذاك من ترتيبات التأمين في تجلياتها الحديثة.

 

 

نيسان/أيار 2019

 

 



[1] أنظر بهذا الشأن: مصباح كمال، مؤسسة التأمين: دراسات تاريخية ونقدية (بيروت: منتدى المعارف، 2014).  اعتمدت على بعض ما ورد في هذا الكتاب في كتابة هذه الورقة واقتبست نصوصاً منه.

 

[2] تأتي كتابة هذه الورقة بعد مبادرة د. عامر هرمز بتزويدي بنسخة من هذا الكتاب:

 

William G. Goetzmann, Money Changes Everything: How finance made civilization possible (Princeton: Princeton University Press, 2016).

 

يمكن قراءة مراجعة لهذا الكتاب باستخدام هذا الرابط: http://eh.net/?s=money+changes+everything، وهي الترجمة العربية المنشورة في موقع شبكة الاقتصاديين العراقيين.

 

في محادثة قصيرة بيننا (10 نيسان 2019) ذكر د. عامر أن هذا الكتاب يضم بعض الإشارات إلى التأمين ربما تفيدني في متابعاتي التأمينية.  وكان د. عامر قد استفاد منه كأحد مراجعه في كتابه الضخم:

 

Amer K. Hirmis, The Economics of Iraq: Ancient past to distant future (Surbiton: Grosvenor House Publishing, 2018). xxv+661 pp. (paperback) ISBN 978-1-9998241-1-2, (hardback) 978-1-9998241-0-5.

 

أشكر د. عامر هرمز على قراءته للمسودة الأولى لهذه الورقة وتقديم ملاحظات مهمة استفدت منها في توسيع النص.

 

[3] E. H. Carr, What is History? (Harmondsworth, Middlesex: Penguin Books, 1985. First published 1961), Ch 4: Causation in History.

 

[4][4] يسرني هنا التعريف بدراسة رائدة لزهير العطية (1936-2015) بعنوان "التأمين في التشريع البابلي" رسالة التأمين، مجلة فصلية، المؤسسة العامة للتأمين، بغداد، العدد الأول والثاني، دون تاريخ.  أشكر زميلي وصديقي منعم الخفاجي الذي أرسل لي نسخة من هذه الدراسة بتاريخ 5 أيار 2019.  حسب تقدير الخفاجي فإن تاريخ نشر المجلة يقع بين حزيران 1968-تموز أو آب 1968.

 

تتأسس أطروحة زهير العطية على "أن التأمين في أصالته يرجع إلى تاريخ أقدم ألا وهو التاريخ البابلي" معتمداً في عرض أطروحته على شريعة حمورابي.  فهو يجد في هذه الشريعة بعض عناصر التأمين كعقد: طرفان متعاقدان.  مثلما يجد حضور أركان عقد التأمين: التراضي بين طرفي العقد الخاضع للتدوين، محل التأمين (الخطر)، والسبب (التزام أحد المتعاقدين هو سبب التزام الآخر).

 

بعد ذلك يفصل وجود مواد في شريعة حمورابي تقابل بعض أنواع التأمين المعمول بها في زماننا، وهي: التأمين البحري (أو تأمين النقل) بموجب المادتين 102 و 103؛ تأمين السرقة بموجب المادة 23؛ التأمين على الحياة بموجب المواد 24 و 205 و 252.

 

إن هذه الدراسة تستحق وقفة خاصة من المهتمين بتاريخ التأمين في العراق فهي فريدة في مجال الكتابات التأمينية العراقية.

 

قمت بطبع دراسة زهير العطية وقامت شبكة الاقتصاديين العراقيين بنشرها في موقعها:

http://iraqieconomists.net/ar/2019/05/11/%d8%b2%d9%87%d9%8a%d8%b1-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d8%b7%d9%8a%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%aa%d8%a3%d9%85%d9%8a%d9%86-%d9%81%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d8%aa%d8%b4%d8%b1%d9%8a%d8%b9-%d8%a7%d9%84%d8%a8%d8%a7%d8%a8%d9%84/

 

[5] Harold E. Raynes, A History of British Insurance (London: Sir Isaac Pitman and Sons Ltd, 2nd Ed. 1964. 1st Ed. 1948), pp 6-10.

 

Frederick Martin, The History of Lloyd’s and of Marine Insurance in Great Britain (London: Macmillan and Co, 1876), Chapters I & II, pp 1-33.

 

[6] “A Bird’s-Eye View of Mesopotamian Economic History” وهو الفصل الثالث، الصفحات 27-37، من كتاب: Trade and Market in the Early Empires: Economies in History and Theory, Ed. Karl Polanyi, Conrad M. Arensberg and Harry W. Pearson, Gateway Edition, Chicago, 1971.  (1st Ed published by the Free Press, 1957).

 

نشرت ترجمتي لهذا الفصل في مجلة الثقافة الجديدة، العدد 359، تموز 2013.

 

المراجع المعتمدة من غوتزمان لا تضم أياً من كتابات أوبنهايم.

 

[7] Goetzmann, op cit, p 36.  ترد تفاصيل التخطيط المالي في ص 37-40.

 

[8] Goetzmann, op cit, p 2.

 

[9] Goetzmann, p 40.

 

للتعرف على هذا النمط من العلاقات الاقتصادية يمكن الرجوع إلى بعض مؤلفات كارل پولاني ومنها:

 

Polanyi, K., Arensberg, H. and Pearson, H. W. (eds.), Trade and Market in the Early Empires: Economies in History and Theory (Glencoe, Illinois: The Free Press, 1957).

 

[10] Goetzmann, p 41.

 

يرد في دراسة اقتصادية أن "الأزمات تُطلق دائماً، تقريباً، تدفقاً للدعم من خارج المنطقة المنكوبة، وهي الظاهرة التي أصبحت تعرف بـ "السلوك التآزري “convergence behavior”."   والمثير للدهشة في كثير من الأحيان، أن المجتمعات التي تسير صوب التعافي تتجاوز المعدلات السابقة للتقدم نظراً لظهور قادة جدد، وتعزز التماسك الاجتماعي، وإبطال العمل بالمواقف والقواعد التي عفَّ عليها الزمن."

 

Jack Hirshleifer, Disaster and Recovery, The Concise Encyclopaedia of Economics, Liberty Fund Inc, 2008.

 

الترجمة الكاملة لهذه الدراسة بعنوان "الكوارث والانتعاش الاقتصادي" ستكون فصلاً في كتاب مقالات ومراجعات حول الخطر والتأمين، ترجمة وإعداد: مصباح كمال، تحرير: تيسير التريكي.  من المؤمل أن يصدر خلال سنة 2019.

 

ذكرت هنا في هامش حول السلوك التآزري أن "هذا السلوك نجد ما يماثله في البلدان العربية تحت عنوان "الفزعة" أو "العونة" التي تتجسد بتأثير من القيم الاجتماعية غير المكتوبة في قيام الجماعة بالتكاتف والتعاضد أمام المصائب والرزايا الطبيعية والبشرية لتقديم الإغاثة للمحتاج والمصاب والمتضرر.  ولطالما ذكرتُ الفزعة كشكل بدائي لفكرة التأمين: تعاون الجماعة لإغاثة الفرد.  وهو تحرك، سلوك، غير رسمي، وتحرك تلقائي من قبل الناس نحو منطقة الكارثة لتقديم ما يستطيعونه."

 

ونقرأ في كتاب أن "إحدى الوظائف المهمة للمعبد والبلاط هي إنشاء صندوق تستطيع الدولة من خلاله حماية المجتمع عند الطوارئ، كالحرب أو المجاعة، وكذلك تمويل المشاريع الكبيرة التي هي خارج إمكانيات الفرد، كتشييد السدود وتجريف القنوات من الأطيان."  راجع:

 

Gregory C. Chirichigno, Debt-Slavery in Israel and the Ancient Near East (Scheffield: Sheffield Academic Press, 1993), p 36.

 

[11] Amer K. Hirmis, The Economics of Iraq: Ancient past to distant future (Surbiton: Grosvenor House Publishing, 2018), pp 473-474.

 

[12] في رسالة بتاريخ 24 نيسان 2019 من د. عامر هرمز، تعقيباً على المسودة الأولى من مقالتي، كتب توضيحاً ترجمته كما يلي:

 

لم تشهد المجتمعات البدائية المعزولة والصغيرة تقدماً تكنولوجياً؛ فلم تكن هناك حاجة للتقدم.  لقد كان التحضر urbanisation هو المحرض الرئيسي للتقدم التكنولوجي لأن حجم المعاملات كان أكبر بكثير ولأن السياق الذي حدث فيه التقدم أيضاً قد تغير: فقد نشأت التجارة التي تحتاج إلى تمويل.

 

[13] هذه الاقتباسات مستلة من كتاب C. F. Trenerry وهي معروضة في: مصباح كمال، مؤسسة التأمين: دراسات تاريخية ونقدية (بيروت: منتدى المعارف 2015)، 37-38.

 

[14] "البائع المتجول"، كما يشرح د. عيد مرعي، "ترجمة للكلمة السومري[ة] SAMAN LA والأكادية شماّلوم التي لها معاني متعددة: حامل كيس، مساعد، تاجر، مساعد تجاري، سمسار، تاجر صغير.  أنظر:

 Von Soden, W, Akkadishes Handwörterbuch III, S. 1153. Ff”

 

د. عيد مرعي، قوانين بلاد ما بين النهرين (دمشق: دار الينابيع، 1995)، ص 68.]

 

[15] زهير العطية، "التأمين في التشريع البابلي،" رسالة التأمين، بغداد، المؤسسة العامة للتأمين، بدون تاريخ [العدد الأول والثاني، حزيران 1968-تموز أو آب 1968، حسب تقدير زميلي منعم الخفاجي]، ص 21-22.

نشرت هذه المقالة في موقع شبكة الاقتصاديين العراقيين بتاريخ 11/5/2019:

http://iraqieconomists.net/ar/2019/05/11/%d8%b2%d9%87%d9%8a%d8%b1-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d8%b7%d9%8a%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%aa%d8%a3%d9%85%d9%8a%d9%86-%d9%81%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d8%aa%d8%b4%d8%b1%d9%8a%d8%b9-%d8%a7%d9%84%d8%a8%d8%a7%d8%a8%d9%84/

 

[16] كانت التجارة الخارجية بيد التجار الذين كانوا مستخدمين لدى الدولة وفي ذات الوقت كانوا يعملون لأنفسهم ضمن جمعيات خاصة بهم (الكاروم karum) ومن خلالها كان يقومون بمشاريعهم، والتشارك في رأس المال والخطر [الخسارة] والأرباح؛ كما كانوا يستفيدون من القروض التي تقدمها الدولة، ويقدمون القروض للمثقلين بالديون – كما جاء في كتاب:

 

Georges Roux, Ancient Iraq, (London: Penguin Books, 3rd ed. 1992. 1st Ed. 1964), 181.

نقلاً عن:

 

K. F. Leemans, The Old Babylonian Merchant, Leiden, 1950; Foreign Trade in the Old Babylonian Period, Leiden, 1960.

 

لا يرد ذكر لهذين الكتابين في ببليوغرافيا كتاب وليم غوتزمان، مثلما لا يرد ذكر كتاب:

 

C F Trenerry, The Origin and Early History of Insurance (London: P S King and Son, 1926.  Reprinted 2009, 2010)

 

[17] نصوص هذه المواد مقتبسة من د. عيد مرعي، قوانين بلاد ما بين النهرين (دمشق: دار الينابيع، 1995)، ص 89-90.

 

[18] Article 235:" If a boatman build a boat for a man and he do not make its construction seaworthy and that boat meet with a disaster in the same year in which it was put into commission, the boatman shall reconstruct the boat and he shall strengthen it at his own expense and he shall give the boat when strengthened to the owner of the boat.

https://en.wikisource.org/wiki/The_Code_of_Hammurabi_(Harper_translation)

 

[20] بهاء بهيج شكري، التأمين البحري في التشريع والتطبيق (عمان: دار الثقافة، ط1، 2009)، ص 397-421.

 

[21] للتعرف على دور شريعة حمورابي في التمهيد لعقد قرض التأمين البحري راجع "النشأة والتاريخ المبكر للتأمين في العراق القديم."  تضم هذه الورقة ترجمة للفصلين الأول والثاني، ص 45 – 60، من كتاب C F Trenerry, The Origin and Early History of Insurance (London: P S King and Son, 1926)

وتشكل فصلاً من كتاب مصباح كمال، مؤسسة التأمين: دراسات تاريخية ونقدية (بيروت: منتدى المعارف 2015)، ص 15-41.  وقد ذكرت الآتي في أحد هوامش الكتاب:

 

[في التعريف بالـ commenda نقتبس الآتي، مترجماً، من كتاب

Abraham L. Udovitch, Partnership and Profit in Medieval Islam (Princeton, New Jersey: Princeton University Press, 1970), pp 170, 172

 

"Commenda هو ترتيب يعهد بموجبه مستثمر أو مجموعة من المستثمرين رأس المال أو البضائع إلى وكيل-مدير، يقوم بالمتاجرة بها ومن ثم يعيد إلى المستثمر (المستثمرين) المبلغ الأصلي وحصة متفقة عليها مسبقاً من الأرباح.  وكمكافأة على عمله، فإن الوكيل يستلم الحصص المتبقية من الأرباح.  وأية خسارة ناتجة عن حوادث الرحلة أو من عدم نجاح المشروع التجاري يتحملها المستثمر (المستثمرين) على وجه الحصر، ولن يكون الوكيل بأي حال من الأحوال مسؤولاً عن خسارة من هذا النوع، ولا يخسر سوى وقته والجهد المبذول.

 

يبدو من المرجح جدا ان commenda مؤسسة متوطنة في شبه الجزيرة العربية تطورت في سياق تجارة القوافل العربية ما قبل الإسلام"].

 

في الفصل الخاص بالتمويل في أثينا، يدرس غوتزمان عقد القرض البحري.  ففي القرن الرابع قبل الميلاد كان بإمكان مقدم القرض البحري تنويع خطر كارثة بحرية بتقديم قروض صغيرة لتمويل عدد كبير من الرحلات التجارية البحرية.  وهكذا إذا غرقت سفينة واحدة فإنه لن يخسر استثماره.

Goetzmann, op cit, p 79.

 

[22] Trenerry, op cit, p 17.

 

[23] Trenerry, op cit, p 18.

 

[24] بهاء بهيج شكري، التأمين البحري في التشريع والتطبيق، ركن المحل، ص 397-421.

 

[25] عيد مرعي، مصدر سابق، ص 25.

 

[26] نقلاً عن: بهاء بهيج شكري، المعجم الوسيط في مصطلحات وشروط التأمين (عمان: دار الثقافة، 2016)، ص 450-453.

 

[27] مرعي، مصدر سابق، ص 34.

 

[28] Frederick Templeman and C. T. Greenacre, Marine Insurance: Its Theory & Practice (London: Macdonald & Evans Ltd, 4th Ed 1934, reprinted 1970. 1st Ed 1903), pp 316-322.

 

[29] المواد المقتبسة من مرعي، مصدر سابق، ص 42.

 

[30] عيد مرعي، مصدر سابق، المواد من 42 إلى 47، ص 42.

[31] Georges Roux, Ancient Iraq, op cit, 162:

 

[32] يترجم عيد مرعي المادة 24 (ص 59) كما يلي: "إذا (كانت هناك) ضحية (حرفياً: نفس – حياة) فيجب على المدينة والوالي أن يدفعا إلى أهلها (أهل الضحية) مينة واحدة من الفضة."  ويأتي حكم هذه المادة في سياق جريمة السرقة المذكورة في المواد 21-23).

 

[33] زهير العطية، مصدر سابق، ص 26.

 

[34] نقلاً عن مصباح كمال، مؤسسة التأمين: دراسات تاريخية ونقدية، ص 46.

 

[35] مرعي، مصدر سابق، ص 43.

 

[36] يعتمد المؤلف هنا على خبيرة في الدراسات الآشورية في توصيف مثل هذه المرأة التي تنتمي إلى طائفة دينية تنظم قدرة أعضائها بالزواج وإنجاب الأطفال- وهن بهذا الحال يشبهن الراهبات الكاثوليك، ويعرفن بنساء ناديتوم Nadiatum (ص 55).

 

تضم شريعة حمورابي أحكاماً عن ناديتوم (المواد 144، 145، 146، 178، 179، 180، 181، 182).  المادة مائة وستة وأربعون تنص على الآتي: "إذا تزوج رجل ناديتوم، وأعطت (هذه) زوجها أمة، (والأمة) ولدت أولاداً، فيما بعد وضعت هذه الأمة نفسها على قدم المساواة مع سيدتها، فلأنها وُلدت أولاداً لا يحق لسيدتها أن تبيعها مقابل فضة، ولكن يمكنها أن تضع علامة العبودية (في الشعر)، وأن تعدها مع الإماء." مقتطف من عيد مرعي، قوانين بلاد ما بين النهرين (دمشق: دار الينابيع، 1995)، ص 75.

[37] باتريك م. ليدتكي وكي-اووي شانز (محرران)، التخطيط للتقاعد: التحديات والحلول التأمينية، ترجمة: تيسير التريكي ومصباح كمال (بيروت: منتدى المعارف، 2015)، ص 22.

 

[38] هذا هو نمط من تبرير عدم وجود دور اقتصادي-اجتماعي للدولة، كما هو الحال مع دعاة الليبرالية الجديدة في زماننا، وربط المعاش التقاعدي بالتوظيفات الاستثمارية في الأسواق المالية.  وهكذا تنتفي فكرة ونظام الرعاية الاجتماعية من المهد إلى اللحد القائم، وبدرجات متفاوتة، في أوروبا الغربية.

 

[39] للتعريف بهذه التجارة ومضامينها الاقتصادية أنظر: كارل پولاني، "التجارة غير السوقية في زمن حمورابي،" ترجمة: مصباح كمال.  الثقافة الجديدة، العدد 360، أيلول 2013.  وتشكل هذه الدراسة الفصل الثاني، الصفحات 12-27، من كتاب:

 

Trade and Market in the Early Empires: Economies in History and Theory, Ed. Karl Polanyi, Conrad M. Arensberg and Harry W. Pearson, Gateway Edition, Chicago, 1971.  (1st Ed published by the Free Press, 1957).

 

[40] بهاء بهيج شكري، النظرية العامة للتأمين (بغداد: مطبعة المعارف، ط1، 1960)، ص 9.

 

[41] جون هانكوك، بول هوبر، بابلو كوخ، اقتصاديات التأمين: تخليق القيمة للمساهمين في شركات التأمين، ترجمة تيسير التريكي ومصباح كمال (بيروت: منتدى المعارف، 2015)، الفصل الخامس" إدارة الخطر ورأس المال.

 

من الملاحظ أن الكتب المدرسية textbooks عن التأمين كانت حتى وقت قريب لا تأتي على ذكر مفهوم التنويع، ربما لأن المفهوم لم يدخل في التداول العام إلا في خمسينيات القرن العشرين وحصراً في مجال الاستثمار المالي.

 

ونجد إشارة للتنويع في مسرحية شكسبير تاجر البندقية حيث يذكر أنطونيو بأنه ليس قلقاً على جنوح السفينة التي تحمل بضاعته: ".. فمن حسن حظي أنى لم أودع كل ثروتي في سفينة واحدة، ولا وجهتها إلى مكان واحد، بل ولا هي مرتبطة بأسرها بمصير تجارتي هذا العام وحده" كما جاء في "إدارة الخطر وتاجر البندقية: كيفَ يكونُ رطلٌ من اللحم اكتوارياً؟" وهو فصل من كتاب مقالات ومراجعات حول الخطر والتأمين، ترجمة وإعداد: مصباح كمال، تحرير: تيسير التريكي، (بيروت: منتدى المعارف، 2019)، ص 111-119.

ليست هناك تعليقات: