إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

2012/05/17

Critique of an Islamic View of Insurance

نقد مؤسسة التأمين: قراءة لموقف إسلامي


مصباح كمال

نحاول في هذه الورقة تقديم قراءة لموقف إسلامي من التأمين في كتاب التأمين بين النشأة والأدوار، إصدار دولة الإمارات العربية المتحدة، مكتب نائب رئيس مجلس الوزراء لشؤون الإعلام، أبو ظبي، 2005، 120 صفحة.

اهتمامنا بعرض بعض جوانب هذا الكتاب، ومناقشة أطروحاته، يقوم على صدوره من هيئة رسمية حكومية عليا في دولة الأمارات العربية المتحدة.  وكما سنبين فيما بعد فإن الكتاب ربما يكشف عن انقسام في الموقف الرسمي من التأمين، الوضعي، كما يرد وصفه في الكتاب أحيانا تمييزاً له عن الإلهي أو المقدس أو هكذا يوحي لنا صفة "الوضعي" أي أنه من صنع البشر.

يضم الكتاب تقديماً من مكتب شؤون الإعلام، وتمهيداً وخمسة مباحث.  سنقوم بالاقتباس مطولاً لفائدة القارئ الذي لا تتوفر لديه نسخة من الكتاب.  وسنتوقف عند كل مبحث بعرض مبتسر لمحتوياته ما خلا ما له علاقة بالتأمين الإسلامي حيث نقوم بمناقشة أطروحات الكاتب المجهول، أو أطروحات من اقتبس منهم، بقدْرٍ من التوسع.

التقديم للكتاب 

في تقديمه للكتاب ذكر مكتب شؤون الإعلام، ص 6: 

أن للتأمين وظائف متعددة منها: جلب الأمان ببث الطمأنينة في النفوس وتحرير الفرد من قيود الخوف والقلق بما لذلك من انعكاسات على قدرة الفرد الإنتاجية.  وإبراز الفضائل الأخلاقية متمثلة في الاحتياط المستقبلي. 

وذكر في ذات الصفحة: 

أن لصناعة التأمين تأثيرات إيجابية وأخرى سلبية على الأوضاع التنموية، فمن الأولى: تكوين رؤوس الأموال؛ والمحافظة على عناصر الإنتاج؛ والتحكم في التوازن الاقتصادي؛ واتقاء الأخطاء؛ وزيادة الائتمان، وبث الأمن والطمأنينة.  أما المآخذ فمنها الخسارة الاقتصادية؛ وإنهاك الاقتصاد بنزيف الأموال خارج البلاد؛ والعجز عن إقامة بعض المشاريع بسبب الكلفة التأمينية؛ والإغراء بإتلاف الأموال عدواناً؛ وتكدس الأموال في أيدي قلة من الناس؛ والتسبب في كثير من الجرائم؛ وإبطال حقوق الغير؛ وإفساد الذمم؛ وضياع المحافظة الفردية على الممتلكات، وتخويف الناس والتغرير بهم؛ وسلب الناس القدرة على مواجهة الحياة؛ وأخيراً ضياع الروابط وتفكك المجتمع.
قراءة هذين النصين في نفس الصفحة يؤشر على تضارب في موقف الكاتب إذ كيف يمكن التوفيق بين "جلب الأمان،" على سبيل المثال، و"تخويف الناس،" أو الجمع بين "التعاون والتضامن" و"ضياع الروابط وتفكك المجتمع."  وقل مثل ذلك عن الوظائف والتأثيرات الإيجابية والسلبية التي ذكرها الكاتب المجهول لهذا الكتاب.

ونرى أن هذا التضارب دليل على تخبط فكري أو انحياز مسبق لوجهة نظر معينة يرى في التأمين شراً أساسياً لكنه مرغم على التعامل معه "كالمستجير من الرمضاء بالنار" أو أن صاحبه يحاول محاباة هذا الانحياز المسبق إذ أنه لا يوفر لهذا الموقف ما يكفيه من تحليل وحجج، وجلّ ما يقدمه لا يتعدى "جبر الخاطر."
وربما يعكس هذا الوضع التوافق والتعارض في مصالح مالكي شركات التأمين في دولة الإمارات العربية – بين من يميل إلى تغليب التأمين التكافلي على التأمين التجاري.  لكن هذه مجرد تكهنات ولا نرى ضرورة ماسة للتوقف عندها.

 مباحث الكتاب
فيما يلي سنلقي بعض الضوء، ومن منظور نقدي، على ما ورد في المباحث الخمسة للكتاب بضمنها ما اعتبره الكاتب الموقف الإسلامي تجاه مؤسسة التأمين. 

المبحث الأول: ماهية التأمين (ص 13-30) 

يعرض الكاتب في هذا المبحث تعريفاً لغوياً للتأمين فيقول إنه "من الأمن وهو طمأنينة النفس وزوال الخوف، والأصل أن يستعمل في سكون القلب واطمئنانه، وهو ضد الخوف والفزع." 

ويعتبر التأمين اصطلاحاً "أحد فروع علم الاقتصاد التطبيقي. ... ولما كان علم الاقتصاد  .. يبحث في كيفية إشباع الرغبات المتعددة للأفراد من خلال استخدام الموارد المحدودة للمجتمع، نجد أن نشاط التأمين على مبدأ تعظيم المنافع للفرد والمجتمع."  ويتوسع في التعريف تحت عنوان ثانوي تعريف الاقتصاديين للتأمين ويحصره أساساً بمفاضلة الفرد بين حالة التأكد (ما يسميه خسارة مالية مؤكدة هي تحمل قسط التأمين) مقابل حالة عدم التأكد (تأرجح الحالة بين احتمال ضعيف للتعرض لخسارة مالية كبيرة وبين احتمال كبير بعدم التعرض للخسارة في المطلق).  وهذه تقوم على أسس رياضية وقانون الأعداد الكبيرة. 

وقبل عرض التعريف الاقتصادي يقتبس الكاتب تعريف قانوني للتأمين في ولاية كاليفورنيا بأنه "عقد بمقتضاه يتعهد شخص بتعويض آخر عن خسارة أو تلف أو مسؤولية تنشأ عن حادث عارض أو غير معروف مقدماً." ثم يقفز إلى التعريف الاقتصادي ويستمر في معالجة التعريف القانوني قبل أن ينتقل بعدها مباشرة إلى عنوان ثانوي آخر هو عقد التأمين.  ويعرفه كما يلي: 

اتفاق بين طرفين الطرف الأول هو المؤمن (شركة التأمين)، والطرف الثاني هو المؤمن له (المستأمن).  يتعهد فيه الطرف الأول بتعويض الخسارة نتيجة وقوع الخطر المؤمن منه بمبلغ لا يتعدى ما هو منصوص عليه في العقد، ويقوم الطرف الأول بالتعويض مقابل دفعه [دفع] الطرف الثاني مبلغاً محدداً (قسط التأمين)، وقد يكون المستفيد المؤمن له نفسه أو شخص آخر (جهة أخرى). 

والكاتب لا يوفي الجانب القانوني حقه من العرض والتحليل إذ يترك ذلك للمبحث الثاني، النشأة والأدوار، مما لا علاقة له بماهية التأمين.  ففي المبحث الثاني، وتحت عنوان الإطار القانوني لعملية التأمين، يعرض عقد التأمين ومتطلباته وخصائص عقد التأمين .. الخ (ص 43-53). 

هذه الانتقالات تضعف العرض وكان من الأفضل إشباع كل عنوان قبل الانتقال إلى غيره.  وهكذا نرى أنه يعرض تعريفاً لسوق التأمين، يتبعه بعرض أنواع التأمين، وإعادة التأمين.  ومن ثم الاختلاف بين التكافل الاقتصادي الإسلامي وبين التأمين (ص 21-29) الذي كان من الأحرى أن يأتي بعد تعريف عقد التأمين لأن عرض الاختلاف هذا بين النظامين هنا يساعد في فهم أفضل لماهية التأمين كمشروع تجاري وكمشروع إسلامي بديل أو مكمل له. 

ويستمر الكاتب في خلط المعالجة إذ يأتي على ذكر العلاقة بين التأمين والخطر التي كان من الأنسب أن يكون ضمن التعريف الاقتصادي.  ويختتم الكاتب هذا المبحث بعرض تاريخ رقابة الدولة على التأمين (ص 30).  ويحار المرء في تفسير عرض هذا الموضوع ضمن ماهية التأمين خاصة وأن المبحث الثاني، النشأة والأهداف، هو المكان المناسب له.

جاء عرض تاريخ رقابة الدولة على التأمين قصيراً (ص 30) وربما ليس دقيقاً فيما يخص بدء إشراف الدولة على النشاط التأميني في أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية.  فهو يعتبر "سويسرا وفرنسا من أقدم البلدان التي شهدت توفير الأسس القانونية لتنظيم إشراف ورقابة الدولة على قطاع التأمين فقد فصَّل القانون الذي صدر بسويسرا في 25 يونيه 1885 أحكاماً تتعلق برقابة الدولة على هيئات التأمين ..."  لعلنا مخطئين في تقدير عدم الدقة خاصة وأن الكاتب لم يوضح مهام الوظيفة الرقابية (حماية حقوق المؤمن لهم، تنظيم مزاولة النشاط التأميني من مختلف الهيئات وغيرها).  لكن ما يرجح موقفنا هو ما جاء في دراسة أكاديمية تذكر أن أول ولاية في أمريكا قامت بتنظيم قسم للإشراف على التأمين كانت ولاية ماسشوستس، وكان ذلك سنة 1855.[1] أي قبل ثلاثين سنة من التشريع السويسري.

أما الرقابة في الدولة العثمانية فإن الكاتب يذكر بأنها كانت خاضعة إلى "أحكام قانون الشركات الأجنبية المُغْفلة والشركات التي أصدرت رأسمالها بالأسهم والذي أصدره السلطان محمد رشاد في نوفمبر عام 1910م." (ص 30).  لكننا نجد في دراسة حديثة أن الرقابة على التأمين بدأت في التطور بصيغة أولية في القرن التاسع عشر، فأول تشريع بهذا الشأن كان القانون التجاري لسنة 1850 (المادة 29 بشأن التأمين البحري)، تبعه قانون التجارة البحرية لسنة 1863 (الذي كرّس القسم الثالث برمته للتأمين البحري).[2]

ويتوقف الكاتب، في عرض تاريخ الرقابة، عند سنة 1957 حيث "أعطيت شركات التأمين في مصر والمنشأة وفق المرسوم رقم 23 الصادر في يناير 1957 وشركات التأمين في سوريا المنشأة استناداً إلى المرسوم التشريعي رقم 112 بتاريخ 8 يونيه مهلة خمس سنوات لتوفيق أوضاعها مع أحكامه وإلا ألغي تسجيلها." (ص 30).  والسؤال هنا: لماذا التوقف عند هذا التاريخ خاصة وأن الكاتب لم ينبه القارئ بأن هذا العرض لتاريخ الرقابة انتقائي؟

محتويات هذا المبحث لا ترتقي إلى عنوان ماهية التأمين بسبب الخلط والانتقال من موضوع إلى آخر لا علاقة مباشر ة له بماهية التأمين: أي ما هو التأمين أو جوهره.

المبحث الثاني: شركات التأمين: النشأة والأهداف (ص 33-57)

نشأة التأمين، أي أصول وتطور النشاط التأميني عبر التاريخ في العالم، لخّصها الكاتب في خمس صفحات (ص 33-38) وهي قصيرة خاصة وأن "النشأة" ترد في عنوان الكتاب.  وخصّ "تطور التأمين في الدول النامية، وخاصة دول المشرق العربي" بأربعة سطور: فلم تعرف هذه الدول "نظام التأمين إلا متأخراً وخاصة بعد القرن التاسع عشر الميلادي عندما بدأ الاتصال والتبادل التجاري بين بلاد المشرق وبلاد المغرب ينمو في صورة مبادلات وصفقات تجارية، لذلك كان التأمين البحري على البضائع الحكومية من البلاد الأوروبية هو أول أنواع التأمين التي عرفتها بلادنا العربية." (ص 38).

القول إن الـتأمين البحري كان على البضائع الحكومية قابل للنقاش.  فعندما كتب الفقيه الشامي ابن عابدين (1784 - 1836)، في حاشيته الشهيرة رد المحتار على الدر المختار شرح تنوير الإبصار، المعروف باسم حاشية ابن عابدين، مُعلناً رفض التأمين، ذكر التجار وليس الحكومة.  ومما قاله ابن عابدين:

"مَطْلَبٌ مُهِمٌّ فِيمَا يَفْعَلُهُ التُّجَّارُ مِنْ دَفْعِ مَا يُسَمَّى سَوْكَرَةً وَتَضْمِينِ الْحَرْبِيِّ مَا هَلَكَ فِي الْمَرْكَبِ. وَبِمَا قَرَرْنَاهُ يَظْهَرُ جَوَابُ مَا كَثُرَ السُّؤَالُ عَنْهُ فِي زَمَانِنَا: وَهُوَ أَنَّهُ جَرَتْ الْعَادَةُ أَنَّ التُّجَّارَ إذَا اسْتَأْجَرُوا مَرْكَبًا مِنْ حَرْبِيٍّ يَدْفَعُونَ لَهُ أُجْرَتَهُ، وَيَدْفَعُونَ أَيْضًا مَالاً مَعْلُومًا لِرَجُلٍ حَرْبِيٍّ مُقِيمٍ فِي بِلادِهِ، يُسَمَّى ذَلِكَ الْمَالُ: سَوْكَرَةً عَلَى أَنَّهُ مَهْمَا هَلَكَ مِنْ الْمَالِ الَّذِي فِي الْمَرْكَبِ بِحَرْقٍ أَوْ غَرَقٍ أَوْ نَهْبٍ أَوْ غَيْرِهِ، فَذَلِكَ الرَّجُلُ ضَامِنٌ لَهُ بِمُقَابَلَةِ مَا يَأْخُذُهُ مِنْهُمْ، وَلَهُ وَكِيلٌ عَنْهُ مُسْتَأْمَنٌ فِي دَارِنَا يُقِيمُ فِي بلادِ السَّوَاحِلِ الإسْلامِيَّةِ بِإِذْنِ السُّلْطَانِ يَقْبِضُ مِنْ التُّجَّارِ مَالَ السَّوْكَرَةِ وَإِذَا هَلَكَ مِنْ مَالِهِمْ فِي الْبَحْرِ شَيْءٌ يُؤَدِّي ذَلِكَ الْمُسْتَأْمَنِ لِلتُّجَّارِ بَدَلَهُ تَمَامًا، وَاَلَّذِي يَظْهَرُ لِي: أَنَّهُ لا يَحِلُّ لِلتَّاجِرِ أَخْذُ بَدَلِ الْهَالِكِ مِنْ مَالِهِ لأنَّ هَذَا الْتِزَامٌ مَا لا يَلْزَمُ.

ونعذر الكاتب في عرضه القصير لتاريخ التأمين في البلدان العربية لأن هذا التاريخ ليس موثقاً ولم يخضع للبحث الأكاديمي.  وقد ذكرنا في دراسة لنا أن التأمين كنشاط اقتصادي متميز نشأ

في صيغته الكلاسيكية في المراكز المدنية الأوروبية.  وارتبط تطور هذا النشاط بتدخل الدولة من جهة، وبالاستجابة للحاجات الاقتصادية والاجتماعية الجديدة وما يفرضه التقدم التكنولوجي من تحديات من جهة أخرى.  وهو قطعاً لم ينشأ من فراغ بل استمد بعضاً من أصوله من ممارسات عميقة في أوروبا وفي مناطق أخرى من العالم ومنها العراق القديم.  وانتقل التأمين إلى العالم العربي من خلال الوكالات الأجنبية ضمن التوسع الرأسمالي الأوروبي الذي أتخذ شكلاً تجارياً ومن ثم كولونيالياً. ولسنا هنا بصدد التعرج لعرض هذا الأمر بل مجرد الإشارة إلى أن النشاط التأميني في العالم العربي لم يبدأ وطنياً.  وقد مضت فترة طويلة قبل أن تأخذ النخب التجارية المحلية على عاتقها تأسيس شركات تأمين وطنية. فشركة التأمين الأهلية تأسست في مصر سنة 1900 إلا أن نشاطها كان ضيقاً (ولم تمارس التأمين على الحياة أولا وأسست شركة متخصصة في الإسكندرية، حيث يحتشد الأجانب، لبيع وثائق التأمين).  وفي العراق تأسست أول شركة تأمين وطنية، شركة الرافدين للتأمين، سنة 1946.  البحث في هذا التاريخ بحاجة إلى من ينهض به على المستوى الأكاديمي وربطه بسياق التطور الاقتصادي.[3]

أما أهداف التأمين فإن الكاتب لم يفرد لها فصلاً ولا ندري إن كان المراد من هذه الأهداف مساهمة النشاط التأميني في التنمية الاقتصادية مثلاً أو السلبيات والمآخذ التي ألحقها بهذا النشاط كتلك التي وردت في ص 61-64.  لكننا نعتقد أن الكاتب كان يرمي إلى دراسة الاقتصاد الكلي للتأمين وقد عرضها في صيغة وظائف شركات التأمين ولخصها تحت العناوين التالية:

الوظائف الأخلاقية، وتشمل الاحتياط والتدبر للمستقبل من خلال الإدخار، إيثار الغير على النفس، التعاون والتضامن، الاعتماد على النفس، وتنمية الشعور بالمسؤولية. (ص 38-39)

الوظائف الاجتماعية، ويقصد بها "حماية الطبقات الضعيفة من الأخطار التي يتعرضون إليها، دون أن تدخل إرادتهم فيها ودون أن يكون لديهم الغطاء المادي لحماية أنفسهم." (ص 39)

الوظائف الاقتصادية، ويلخصها بسبع نقاط (ص 39-41):

1       زيادة ورفع الإنتاج: المحافظة على القوى الإنتاجية البشرية أو المادية من المخاطر وآثارها، رسم السياسات الإنتاجية بأمان؛

2     إجراء تقديرات سليمة لتكاليف الإنتاج عن طريق تغطية الأخطار المستقبلية مقابل تكلفة معلومة هي قسط التأمين، ضمان رأس المال عن طريق التعويض التأميني؛

3       تكوين رؤوس الأموال وتوجيهها لتمويل خطط التنمية الاقتصادية؛

4       تسهيل عمليات الاقتراض والاستثمار في سندات الدولة والأشخاص العامة؛

5     الحد من الاستهلاك وزيادة المدخرات؛ التخفيف من التضخم عن طريق امتصاص جزء من السيولة النقدية في صورة أقساط للتأمين، وتوجيه أرصدة شركات التأمين نحو مشروعات صناعية؛

6     تحقيق التوازن التلقائي في الاقتصاد ففي أثناء الرواج ينفق العاملون أقساط تأمين بطالة، وأثناء الكساد تصرف لهم التعويضات؛

7       توفير فرص للعمل.

أما الاقتصاد الجزئي للتأمين فإن الكاتب يعرض عناصره كوظائف لشركة التأمين على النحو التالي:

1       الإنتاج "المبيعات"
2       الاكتتاب "انتقاء الأخطار"
3       التسعير والرقابة الإحصائية
4       إدارة التعويضات
5       الاستثمار والتمويل
6       المحاسبة ومسك الدفاتر
7       تقديم خدمات متنوعة كالاستثمارات الفضائية [؟]، بحوث التسويق، خدمات هندسية ولإدارة الأفراد

ويكرس أربع فقرات (ص 42) في التعليق على المبيعات وانتقاء الأخطار وتسعير الأخطار وتعويض العميل.  وكان من المناسب أن يتوسع في عرض وتحليل الاقتصاد الكلي والجزئي للنشاط التأميني لأنه لم يلق ما يكفي من عناية الاقتصاديين والعاملين في قطاع التأمين العربي.

ونلاحظ في هذا المبحث التحول إلى معالجة مواضيع تدخل في صلب عقد التأمين: الإطار القانوني لعملية التأمين (ص 43)، الخصائص أو السمات القانونية لعقد التأمين (ص 44-53) قبل أن يرجع إلى متطلبات المبحث بالحديث عن منشآت التأمين (التعاوني، الحكومي، التجاري) في الصفحات 54-56.

المبحث الثالث: انعكاسات صناعة التأمين على الأوضاع التنموية (ص 59-64)

يضم هذا المبحث الآثار الإيجابية للتأمين (ص 59-60) والمآخذ على التأمين (ص 60-64).

الإيجابيات

حدد الكاتب هذه الإيجابيات بالتالي:

تكوين رأس المال، والمحافظة على عناصر الإنتاج، والتحكم في التوازن الاقتصادي، واتقاء الأخطار (الخطر المعنوي)، وزيادة الائتمان، وبث الأمن والطمأنينة.  وهذه تدخل تحت عنوان الاقتصاد الكلي والجزئي للتأمين.  وكان من المناسب أن يجمع ملاحظاته بهذا الشأن مع تلك التي عرضها تحت عنوان أهداف التأمين، بعد تغيير هذا العنوان ليشمل الاقتصاد الكلي والجزئي للنشاط التأميني بدلاً من تشتيتها، لتندرج معاً تحت هذا المبحث الثالث بضمنها المآخذ.

المآخذ على التأمين

وهذه مجموعة من السلبيات حصرها الكاتب بالآتي (ص 60-64):

1.      التأمين خسارة اقتصادية
2.      إنهاك الاقتصاد بنزيف الأموال خارج البلاد
3.      عجز بعض المشاريع عن القيام بسبب الكلفة التأمينية
4.      الإغراء بإتلاف الأموال عدواناً
5.      تكدس الأموال في أيدي قلة من الناس
6.      التسبب في كثير من الجرائم
7.      إبطال حقوق الآخرين
8.      إفساد الذمم
9.      ضياع المحافظة الفردية على الممتلكات
10.   تخويف الناس والتغرير بهم
11.   سلب الناس القدرة على مواجهة الحياة
12.   ضياع الروابط وتفكك المجتمع

المشكلة الأساسية في هذه المآخذ، عدا المفردات العاطفية التي يستخدمها الكاتب، هي عدم تساوقها مع العرض الذي قدمه الكاتب عن أهمية التأمين ودوره الاقتصادي في أقسام أخرى من الكتاب.  يضاف إلى ذلك المفارقة الكبرى الواردة في ثنايا الكتاب بين الرفض النظري للتأمين والقبول الرسمي والقانوني للتأمين في دولة الإمارات العربية.  إن كان النشاط التأميني التجاري سيئاً، حسب معايير الكاتب، لم هذا الاحتفاء بالتأمين في دولة الإمارات العربية (المبحث الرابع) وصناعة التأمين في العالم العربي (المبحث الخامس).  إن معظم هذه المآخذ قائمة على موقف إيديولوجي وتقييم غير منصف لمؤسسة التأمين ولسلبيات معينة لا يأخذ بنظر الاعتبار تطور النشاط التأميني وشروطه التاريخية.[4]  وقد اقتبس الكاتب جميع هذه المآخذ من مقالة د. سليمان بن إبراهيم بن ثنيان المنشورة في موقع إلكتروني دون ذكر الرابط لها[5] فيها الكثير من الاستعلاء الفكري والمغالطات.  سنقتبس نصوصاً من هذه المآخذ أولاً ومن ثم نعلق عليها.

أولا: التأمين خسارة اقتصادية

إن الـكـثـرة هي الجماعــة الخاســرة في عملية التأمين، والقلة النادرة هي الفئة الرابحة؛ فإنَّ قدْراً لا يستهان به من أموال الأفراد والجماعات والجهات والدول يُرمى به في صناديق الـتـأمــيـن في العالم فالرابحون الحقيقيون من وراء خسارة المجموع في عملية التأمين قلة من الناس تـكـاد تُعد على الأصابع أولئك هم قادة التأمين في العالم.  لذا فخسارة الأمة بالتأمين باهظة، وهـي عـامــة شاملة.  يقول خبير التأمين (ملتون آرثر): إن نـسـبـة ما يعاد إلى المؤمن لهم في التأمين على الحياة 1.3% من قيمة الأقساط.

ليس هذا بالمقام المناسب لمناقشة الحجج المعروضة ضد التأمين.  لنتفق أولاً أن التأمين بشقيه الرأسمالي والإسلامي يستهدف تحقيق الربح.  ولتحقيق ذلك تنظم عقود التأمين ضمن هذه الرؤية.

القول إن "التأمين خسارة اقتصادية" ينحصر، في تفكير الكاتب بالتأمين على الحياة.  فهوٍ يقول، اعتماداً على خبير التأمين الأمريكي،[6] إن نسبة ما يعاد إلى المؤمن لهم في التأمين على الحياة 1.3% من قيمة الأقساط."  لا يتوفر لدينا الكتاب المقتبس منه لمناقشة هذه الأطروحة.  ولكن، في ظل مبدأ "بث الأمن والطمأنينة"، التي ذكرها الكاتب ضمن الإيجابيات، فإن قسط التأمين يسدد دون حصول المؤمن له على تعويض خلال مدة التأمين لأنه لم يتعرض لحادث خسارة خلال هذه المدة لكنه تمتع بالأمن والطمأنينة مقابل ما سدده من قسط التأمين.  لذلك وما لم تتحول شركات التأمين، بضمنها الإسلامية، إلى مؤسسات إحسانية لا تستهدف الربح تظل الحماية التأمينية محكومة بمبادئ التعويض التي تنتظم عقد التأمين وهي، في نظر القانون، عقد معاوضة بين طرفين وضمن شروط.

لنتذكر التعويضات الكبيرة التي سددت عن خسائر برجي مركز التجارة العالمي في نيويورك وإعصار كاترينا وكوارث طبيعة أخرى بلغت بلايين الدولارات مقابل بضعة ملايين من أقساط التأمين.  ولنتذكر أيضاً أن شركات التأمين تتعرض إلى خسائر اكتتابيه (عدم كفاية أرصدة أقساط التأمين لتعويض المطالبات وتلبية حقوق المساهمين) تتغلب عليها باستخدام عوائد استثماراتها واستخدام بعض من احتياطياتها.

ثانياً: إنهاك الاقتصاد بنزيف الأموال خارج البلاد

تنقسم دول العالم بالنسبة إلى التأمين إلى فئتين:
فئة مصدِّرة للتأمين، وفئة مستوردة.  ولا شك أن الرابحة في هذه العملية هي المصدرة، وأن الخاسرة هي المستوردة؛ وذلك أن المصدر لهذه البضاعة لا يصدر ما ينفع الناس، وإنما ما يسلبهم أموالهم في لعبة معروف فـيـهـا سلفاً من الرابح ومن الخاسر، وهي ما يعرف بلعبة الذئب مع الغنم. إن الدول المصدرة للتأمين تأخذ الكثير ولا ترد منه إلا النزر اليسير. تلك الـدول الـتـي تـمـتـلك شـركات التأمين الكبرى، وخاصة منها شركات إعادة التأمين التي تصب أموال العالم في مــشــارق الأرض ومـغـاربـهـا في أحواضها.  إن التأمين بما فيه إعادة التأمين إنهاك للاقتصاد العالمي، وخاصة الدول الـفـقـيـرة مـنــه؛ حيث تسحب به الدول القوية المصدرة للتأمين مبالغ طائلة من ثروة الدول الفقيرة مما يربك ميزانية مدفوعاتها.

يتمثل هذا الإنهاك بالنسبة للكاتب، ومن اقتبس منه، بشراء إعادة التأمين من شركات متخصصة والتي "تأخذ الكثير" من شركات التأمين المستوردة للحماية الإعادية، وخاصة في الدول الفقيرة، "ولا ترد منه إلا النزر اليسير."  لم يقدم لنا الكاتب حلاً لهذه المشكلة المشكوك في صحتها، فالعلاقة بين شركات التأمين وشركات إعادة التأمين قائمة على عقد باتفاق الطرفين.  وعقد إعادة التأمين، مثل عقد التأمين المباشر، يستهدف الربح من جانب المعيد بتقديمه حماية لرأسمال شركة التأمين وما تكتتب من أخطار تفوق أقيامها قدراتها الذاتية، مقابل درجة عالية من الطمأنينة توفر حماية لشركة التأمين في حال تعرضها لمطالبات كبيرة تزيد عن رأسمالها واحتياطياتها.

وقد يكون ما ذكره الكاتب في ص 20 مؤشراً لحل مؤقت: إن "مدى حاجة شركات التأمين العربية إلى هذه الشركات العملاقة [شركات إعادة التأمين] محدودة لأنها إلى اليوم ذات حجم متوسط أو صغير، وبالتالي فليس لديها تجمع كبير للمخاطر يضطرها إلى خدمات الشركات العملاقة  "

لكن هذا التقييم ليس صحيحاً فالحاجة إلى حماية إعادة التأمين، الاتفاقي والاختياري، تعبير عن الطاقة الاستيعابية المحدودة للأخطار الكبيرة التي تكتتب بها شركات التأمين العربية.  وحتى شركات إعادة التأمين العملاقة، "الميغا" كما يسميها الكاتب، تلجأ إلى صيغ مختلفة لإعادة التأمين بهدف تقليل عبء المسؤولية التي قد تقع عليها نتيجة لوقوع حادث كبير ذو طابع كارثي.

ربما لم يكن الكاتب موفقاً في التعبير عن حاجة شركات التأمين العربية للحماية الإعادية إذ أنه ذكر في ص 21 أن الاتجاه العام في العالم العربي وأفريقيا وآسيا هو الميل "للإبقاء على أكبر قدر ممكن من الأقساط داخل هذه المناطق ... إلا أنه لا مفر من اللجوء إلى الشركات العالمية لتغطية مخاطر الزلازل والكوارث الطبيعية."

قد يجد الكاتب دعماً لموقفه من منظور العلاقات الاقتصادية الدولية غير المتكافئة وارتباط تطور الغرب تاريخياً "بتنمية التخلف" في دول الجنوب أو "نهب العالم الثالث" التي تجد لها انعكاساً في حقل إعادة التأمين.  لكن هذا الحقل لم يتوفر له من يتصدى إلى تحليله الاقتصادي التاريخي.  ومن باب التعميم والتبسيط يمكن القول ان المستهلك، وهو هنا شركات التأمين في الدول الفقيرة، في سوق احتكاري أو قائم على احتكار القلة، يكون تحت رحمة شروط الاحتكار.  إلا أن السوق العالمية لإعادة التأمين لا تقترب من الاحتكار.  ولهذا يمكن لشركات التأمين في الدول الفقيرة التحول إلى شركات الإعادة الأكثر مرونة في شروطها عندما تجابه من يحاول تطبيق لعبة "الذئب والغنم" وهذا بافتراض أن شركات الإعادة المرنة لها رغبة بالاكتتاب بأعمال شركات التأمين في الدول الفقيرة.

إن رأس المال يهدف إلى تحقيق الربح والتراكم وليس له اهتمام بالفقراء إلا من باب الإحسان وربما التكفير عن غياب القيم الأخلاقية في التعامل التجاري (التركيز على المصالح الخاصة كما يقول آدم سمث).  وهكذا حال شركات إعادة التأمين العالمية، فهي تستهدف الربح وليست معنية بتوفير حماية إعادية لشركات تأمين فقيرة لأن مثل هذه الحماية ذات كلفة عالية ولا يحقق ربحاً لها مقارنة بحجم الأقساط المنخفضة لمثل هذه الشركات.  ولنا في سوق التأمين العراقي، منذ سنة 2003، مثال جيد على هذا الوضع وذلك أن الدخل الاكتتابي لشركات التأمين صغير جداً بحيث أن شركات إعادة التأمين الدولية لا تبدي اهتماماً بتوفير عقود إعادة التأمين الاتفاقي لكل واحدة منها بانفراد.  وبغية التغلب على هذا الوضع تم ترتيب اتفاقيات إعادة التأمين لكامل سوق التأمين العراقي (أي لجميع شركات التأمين العاملة في السوق).

ثالثاً: عجز بعض المشاريع عن القيام بسبب الكلفة التأمينية

تـمـنــع أكـثر دول العالم من إقامة أي مشروع صناعي أو تجاري، أو غيره ما لم يؤمن عليه صاحبه مسبقاً.  وقد تكون التكلفة التأمينية من الجسامة بحيث تكون عبئاً ثقيلاً على مثل هذه المشاريع، وخاصة الصغيرة منها؛ بل إنها تحول دون قيامها أصلاً.  وهذه حقيقة فـي الـدول الـنامـيـة على وجـــه الخصوص.

اعتراض الكاتب هنا ينصّب على جسامة كلفة التأمين وليس الحماية على هذا النحو التي يوفرها التأمين للمشاريع على أنواعها المختلفة.  القول بأن كلفة التأمين يحول دون قيام بعض المشاريع خاصة في الدول النامية فيه تبسيط.  هناك أسباب اقتصادية تحول دون إقامة المشاريع ومنها حقوق الملكية الفكرية، عدم توفر التمويل المحلي أو الخارجي، البيروقراطية والفساد.  ويمكن تحليل الموضوع بشكل أفضل من منظور الاقتصاد السياسي للتنمية.

لم يذكر الكاتب لماذا تمنع أكثر دول العالم إقامة المشاريع ما لم يؤمن عليه أصحابها مسبقاً.  هناك قوانين وتعليمات بهذا الشأن تعتمدها العديد من الدول، وكذلك المؤسسات المالية الرسمية والخاصة التي تقوم بالتمويل، سواء ما خص منها مشاريع القطاع العام أو الخاص.  ولهذا ليس بوسع صاحب المشروع التهرب من إجراء التأمين.  السبب وراء ذلك هو ضمان الممول، الحكومي أو الخاص، لأمواله الموظفة في المشروع أو المقدمة كقرض يستحق الإيفاء في آجال معينة.  صاحب المشروع يحتاج إلى التأمين لجبر الخسارة المادية التي تلحق بأعمال المشروع أثناء الإنشاء.  وبدون التأمين يتعين على صاحب المشروع أن يقوم، عند وقوع حادث مسبب للضرر والخسارة، بتمويل أعمال التصليح من موارده الخاصة، فإن لم تتوفر هذه الموارد يضطر إلى الاقتراض من البنوك أو مؤسسات مالية أخرى كي يستطيع جبر الخسارة.  والمعروف أن البنوك والمؤسسات المالية ليست متساهلة في تقديم القروض عندما يكون طالب القرض في وضع مالي صعب.

قد تؤثر الأعمال الإنشائية للمشاريع على أطراف ثالثة، وحماية لمصالح هذه الأطراف، فيما يمس إصابة الأبدان بالأذى وتضرر الممتلكات، فإن المؤمن له (صاحب المشروع أو المقاول) مطالب بالتأمين على مسؤوليته القانونية تجاه هؤلاء.  مثلما تشترط الدول على التأمين الإلزامي للسيارات من المسؤولية المدنية تجاه الأغيار، أو إلزام بعض المؤسسات المهنية قيام أعضائها بالتأمين ضد مخاطر المهنة قبل الترخيص لهم بممارسة المهنة.  وهذه هي حماية للمنتفعين من خدمات هؤلاء.

ولذلك فإن المؤسسات الممولة للمشاريع تشترط التأمين على المشروع خلال فترة الإنشاء والصيانة (بموجب وثيقة أخطار المقاولين أو ما يماثلها) والتشغيل (وثيقة تأمين الممتلكات التي تتخذ صيغاً مختلفة) إضافة إلى تأمين المسؤولية المدنية وغيرها من مخاطر يتم الاتفاق عليها بين الأطراف الممولة والمنفذة والمتعاقدين معها.  ونجد اشتراطاً مماثلاً في تقديم القروض العقارية من قبل البنوك ومؤسسات التمويل الأخرى، ويتمثل الاشتراط بالتأمين على البناء وعلى حياة المقترض.

كلفة التأمين تؤخذ بنظر الاعتبار قبل الإقدام على تنفيذ المشروع مثل غيرها من التكاليف ومنها، على سبيل المثال، تكاليف التصاميم الهندسية، والإشراف الهندسي، والضرائب الجمركية وغيرها من الرسوم، وحقوق الملكية الفكرية، والكلفة الأساسية للمشروع المتمثلة بشراء المواد والمعدات والأجور.  هل يمكن لصاحب المشروع الحصول على ترخيص بالإنشاء قبل تقديم التصاميم الهندسية والموافقة عليها من قبل الدوائر الرسمية المختصة؟  لذلك فإن كلفة التأمين ليست هي العائق الأساس أمام إقامة المشاريع.

ما هو البديل للتخفيف من جسامة كلفة التأمين؟

تعظيم حدة المنافسة بين شركات التأمين للتأمين على مخاطر المشروع يساهم في تخفيض قسط التأمين.  كما أن شراء الحدود الدنيا لغطاء التأمين يخفض من تكلفة التأمين إذ أن هناك علاقة بين نطاق الغطاء وكلفة التأمين فكلما كان الغطاء موسعاً كلما ازداد سعر التأمين.  وكذا الأمر عند تحمل صاحب المشروع لنسبة أو مبلغ من الخسارة فكلما كانت هذه كبيرة انخفض سعر التأمين إلى حد ما.

التأمين الذاتي أو تحمل الخطر وتمويل الخسائر من موارد صاحب المشروع وسيلة أخرى يرفع كلفة التأمين عن كاهله.  لكن مثل هذه السياسة تستدعي خلق صندوق خاص أو تخصيص موارد مالية كافية لمواجهة متطلبات جبر الضرر الذي قد يلحق بأعمال المشروع.  وفي إطار النظام الرأسمالي فإن وقف الأموال وإبقائها جاهزة لتمويل الضرر وقت الحاجة يعتبر هدراً إذ أن بالإمكان توظيف هذه الأموال وتحقيق عائد عليها.

إذا جاز النظر للموضوع الذي أثاره الكاتب هنا من منظور أوسع نلاحظ أن كلفة التأمين العالية لا تختلف عن كلفة وشروط تقديم القروض من قبل المؤسسات المالية العالمية للدول النامية، وبعض هذه الشروط تؤثر على معيش الناس سلباً كرفع الدعم عن سلع أساسية.  ولذلك لا يمكن اعتبار التأمين وكأنه السبب الرئيس يحول دون إقامة المشاريع.

رابعاً: الإغراء بإتلاف الأموال عدواناً

يـتـعـمـد بـعـض المـؤمـن لهم إتلاف ماله المؤمن عليه بحــريق، أو غيره ليحصل على مبلغ التأمين، وخاصة إذا كانت البضاعة المؤمن عليها كاســـدة في الأسـواق، أو فات وقتها، أو اكتشف فيها عيباً. وقد لا يتلفها فعلاً، ولكنه يصرِّفها، ويصطنع تلفها بحريق أو نحوه بما يوافق شروط استحقاق مبلغ التأمين، ويتم ذلك بإغراء الاستفادة من مبلغ التأمين، وخاصة إذا كان الشخص قـد دفـع مـبـالغ كبيرة لشركة التأمين دون أن يستفـيد منها شيئاً، فيقدم على هذا العدوان بدافع التشفي.

تقوم هذه الأطروحة على تشجيع مؤسسة التأمين للغش والتزوير.  نتفق مع الكاتب أن المطالبات القائمة على الغش ظاهرة موجودة في أسواق التأمين وتكلف شركات التأمين خسائر مالية تترجم نفسها في زيادة أسعار التأمين على طالبي التأمين.  فالخطر المعنوي يزداد في ظل الكساد الاقتصادي وتزداد معه حالات السرقة والسطو.  كما أن افتعال حوادث للمركبات في الدول الغربية بغية الاستفادة من التأمين يكلف شركات التأمين سنوياً مبالغ كبيرة رغم نجاحها في الكشف عن الجريمة المنظمة التي تقف وراء هذه الحوادث.

مقابل ذلك فإن ملايين الناس يؤمنون على حياتهم وأموالهم ومسؤولياتهم القانونية دون أن يستفز ذلك عندهم رغبة التعمد في افتعال المطالبات بالتعويض والاستفادة من التأمين دون وجه حق.

الغش والتزوير لا يقتصر على قطاع التأمين.  تزوير النقود الورقية والمعدنية وبطاقات الإئتمان، على سبيل المثال، قائم في العديد من البلدان ومع ذلك فإن الحكومات لا تلجأ إلى وقف العمل بالنقود ولا تقفل البنوك أبوابها وتتوقف عن العمل.  وتمارض العاملين للتغيب عن العمل لا يُفسّر بوجود مؤسسة تستخدم الناس.  وجود المؤسسة لا يعني أنها مصدر الشرور أو أنها تشجع على ذلك.

إذا قبلنا أطروحة الكاتب أن وجود مؤسسة معينة يغري الناس للتصرف بشكل عدواني بات من الضروري إزالة مثل هذه المؤسسة للتخلص من هذا الإغراء.  وبموجب هذا المنطق فإن النظام الاقتصادي الذي يؤدي إلى قيام طبقة من الأغنياء يغري الناس بسرقة الأغنياء.  لكن المؤمن المتوكل على الله لا يُعزي السرقة إلى النظام بل إلى الطمع وأن النفس أمارة بالسوء.  وحسب هذا المنطق أيضاً فإن جود النظام الضريبي يُغري بالتهرب من دفع الضريبة مثلما يتهرب البعض من المسلمين من دفع الزكاة أو تقديم الكفارات.  ولكننا لا نقول أن مؤسسة الزكاة تغري بسوء التصرف.

خامساً: تكدس الأموال في أيدي قلة من الناس

عـرف الإنـسـان مـنــذ قديم الزمان أن تكدس الأموال وتجمعها في أيدي قلة من الناس أمر خطير ينتج عنه كـثـيـر مــن الشرور والآثار السيئة، ويعبَّر عن ذلك في العصور المـتأخرة بنظام الطبقات في المـجـتـمـع.  وقـد أجـمع علماء الإصلاح الاجتماعي على أنه لا شــيء أســـوأ على الأمم من انقسام مجتمعها إلى طـبـقـات الأغنياء والفقراء.  وقد نهى الإسلام عن تـكـدس المــال فـي أيدي فئة قليلة تفسد في الأرض وتتعالى على الناس؛ والتأمين بجميع أنواعه هو الركن الركين لمثل هذا التكدس المشين.

من بين كل النشاطات الاقتصادية اختار الكاتب التأمين كمصدر لتكدس الأموال في أيدي "فئة قليلة تفسد في الأرض وتتعالى على الناس" واعتبار التأمين "بجميع أنواعه هو الركن الركين لمثل هذا التكدس المشين."

تكدس الأموال هو انعكاس لواقع التفاوت في توزيع الملكية والثروات الوطنية، وهو ما يميز النظام الرأسمالي والإسلامي معاً.  وكلاهما يُقرّان بالتفاوت الطبقي ويعالجان الفقر، أحد مظاهره، على سبيل المثال، من خلال مؤسسات إحسانية بدلاً من العمل على إلغائه.

صحيح أن رؤساء بعض شركات التأمين وإعادة التأمين في العالم الغربي يمتعون برواتب ومكافآت عالية وامتيازات أخرى ولكن ليس بالأرقام الفاحشة التي يحصل عليها رؤساء المصارف ومؤسسات مالية وصناعية.  والبون شاسع جداً بين هؤلاء وبين مستخدميهم.  هذا الوضع ليس من مبتكرات التأمين بل هو من صلب تنظيم المشروع الرأسمالي وازداد فحشاً في عصر الليبرالية الجديدة شرقاً وغرباً.

النشاط التأميني لم يكن ركناً ركيناً لتكدس المال في العراق، على سبيل المثال، لدى فئات معينة في عهد الدكتاتورية (1968-2003) وبعد احتلاله سنة 2003 وإلى يومنا هذا.  وقل مثل ذلك عن حيتان المال في روسيا بعد سقوط الاتحاد السوفيتي وخصخصة الشركات العامة، وكذلك رؤساء تونس ومصر وليبيا وغيرها من البلدان العربية التي تعتمد الإسلام مصدراً للتشريع.

نهىُ الإسلام عن تـكـدس المــال فـي أيدي فئة قليلة تفسد في الأرض يكمن في اليوتوبيا النظرية وليس في الواقع المعاش.  ويشهد التاريخ منذ صدر الإسلام على تكديس الثروات حتى من قبل صحابة الرسول.

سادساً: التسبب في كثير من الجرائم

بسبب إغــراء المال والطمــع في الحصــول علـى مبالغ التأمين يُقْدِمُ عــدد مـن المؤمن لهم بهذه المبالغ، أو المستحقين لها بعد أصحابها على ارتكاب جرائم شنيعة مروعة من القتل والتصرفات المنكرة النابية عن أدنى شعور بالرحمة والشفقة واعتبار الآخرين وإن جرائم التأمين من أفظع الجرائم التي عرفتها البشرية وأشدها وحشية منذ فجر الـتـــاريخ؛ ذلك أن هذه الجرائم تستهدف أكثر ما تستهدف الأقرباء؛ فقد أخرج الباحث (شيفر ماكس) بحثاً علمياً دقيقاً رتب فيه جرائم التأمين حسب ما رصدته ملفات مخابرات الشرطة الدولية ودراساتها، ودفاتر الضبط في محاكم العالم فوجد أنه يأتي في المرتبة الأولى من جــــرائم القتل بسبب إغراء التأمين قتل الزوجة لزوجها، ويأتي في المرتبة الثانية قتل الزوج لزوجته، وفي المرتبة الثالثة يأتي قتل سائر الأقرباء مـن أم وأب وغيرهم، وفي المرتبة الرابعة قتل الأولاد مـن قِبَل والديهم، ولا يأتي قتل الأجـانب إلا في المرتبة الخامسة.

حتى بدون وجود التأمين فإن الجرائم المالية تحدث يومياً في العالم الغربي على مستوى الأفراد والشركات.  وجريمة قتل الأقرباء شائعة والباعث عليها ليس دائماً الاستفادة من منافع التأمين دون أن يعني هذا أن البعض يلجأ إلى قتل المؤمَن على حياته بغية الاستفادة من عوائد وثيقة التأمين على الحياة.

وتقع الجرائم المالية في الدول النامية أيضاً ومنها سرقة السياسيين وأزلامهم لأموال الدولة.  فجريمة الرشى، على أنواعها، شائعة في العالم ولذلك تسن التشريعات لمعاقبة مرتكبيها.  لننظر إلى العراق، مثلاً.  ففي فترة العقوبات الدولية (1990-2003) تحول الرشي إلى مؤسسة يمارسها الأفراد في الدوائر الرسمية وكذلك الحكومة.  وقد كشفت المحاكمات في بعض الدول الغربية، ومنها المملكة المتحدة، سوء استخدام عقود برنامج النفط مقابل الغذاء وتورط شركات عديدة في تقديم الرشى في صورة عمولات للوكلاء المحليين لهذه الشركات في العراق تدخل ضمن مبلغ العقد – أي زيادة مبلغ العقد.  لم يكن التأمين طرفاً في  مثل هذه العقود.

ونقرأ عن ظاهرة الفساد المالي والإداري بعد الغزو الأمريكي للعراق سنة 2003 لكن شركات التأمين العراقية لم تكن المتسببة في ظهور واستفحال هذه الظاهرة.  وقل مثل ذلك بالنسبة لدول عربية أخرى.

تأكيد الكاتب بأن "جرائم التأمين من أفظع الجرائم التي عرفتها البشرية وأشدها وحشية منذ فجر التاريخ ..." ليست مجرد مبالغة خطابية بل خاطئة إذ أنها لا تستقيم مع الجرائم التي شهدتها البشرية وبعضها ما زال مستمراً.  لنتذكر تاريخ "الفتوحات" الإسبانية في أمريكا الجنوبية وما ارتبط بها من أعمال القتل والسرقة.  لنتذكر أيضاً تاريخ العبودية (وكان لشركات التأمين وسوق لويدز اللندنية دور في تأمين الأفارقة كبضاعة أثناء الرحلة البحرية من أفريقيا إلى أمريكا).[7]  لنتذكر كذلك تاريخ الخلافة الإسلامية الذي شهد العديد من قتل الأقرباء طمعاً في السلطة.  ويبدو أن مذابح الأرمن في تركيا والمحرقة اليهودية في ألمانيا و"حقول القتل" في كمبوديا والتطهير العرقي في فلسطين والمقابر الجماعية ومذبحة حلبجة في العراق وغيرها كثير قد غابت عن ذاكرة الكاتب ومن يقتبس منه.  كلاهما يستعديان الناس ضد التأمين لسبب واهي.

سابعاً: إبطال حقوق الآخرين

تستخدم شركات التأمين أعداداً كبيرة من أشهر المحامين في العالم ليتولوا الدفاع بالحق أو الباطل لإبطال حجج خـصـومـهـــا من المؤمَّن لهم، وهي لا تقف عند هذا الحد، بل إنها تـسـتـمـيل بـالمـال الأطـبــاء المقرريــن، وقضاة المحاكم القانونيين وكل من له أثر في تقرير الحوادث.  إنها تفعل ذلك لإيـجـــاد أي ثغرة تخرج معها من المسؤولية، فتتحلل من دفع مبالغ التأمين المستحقة بوقوع الحادث المؤمن ضده.  وما أيسر إيجاد الثغرات، وخاصة مع شروطها المعقدة الخفية التي يصعب الإلمام بها على كثير من الناس.

تفسير النصوص، الدينية والوضعية، ليس دائماً موضع اتفاق بين من يقومون به.  وينطبق هذا على مختلف أنواع العقود ومنها عقود التأمين.  وتضم العقود أحكاماً لإدارة الاختلاف في التفسير باللجوء إلى مُحكّم أو محكّمين أو القضاء.  القاعدة العامة أن شركات التأمين لا تلجأ إلى المحاكم إلا بعد استنفاذ وسائل التسوية الرضائية المتوفرة.

يقول الكاتب، في مآخذه على شركات التأمين، إن التأمين يغري "بإتلاف الأموال عدواناً" كما أنه يتسبب "في الكثير من الجرائم" وفي كلتا الحالتين يلجأ أصحابها إلى مطالبة شركات التأمين بالتعويض.  إزاء هذا الوضع، أليس من حق شركات التأمين استخدام المحامين لتحديد شروط قيام أو عدم قيام مسؤوليتها عن مطالبة المؤمن له؟  إضافة إلي ذلك فإن شركات التأمين، باعتبارها مؤتمنة على أقساط التأمين التي تجبيها من المؤمن لهم، عليها أن لا تفرط بهذا الائتمان وخلاف ذلك فإنها قد تكون متواطئة بشكل غير مباشر ودون قصد مع من يتلف الأموال عدواناً أو يمارس الجريمة.

أما القول بأن شركات التأمين تستخدم "أعداداً كبيرة من أشهر المحامين في العالم ليتولوا الدفاع بالحق أو الباطل لإبطال حجج خـصـومـهـــا من المؤمَّن لهم" فهو، لو سلمنا بالشهرة كمقياس للاستخدام، قول خطابي ويقابله لجوء المؤمن لهم إلى استخدام محامين لتمثيلهم في المحاكم.  وبفضل نظام التقاضي بعدم تحمل المؤمن له لأتعاب المحامي عند فشله في تعويض المؤمن له، وهو الشائع في الولايات المتحدة وانتشر في بلدان أخرى، يقف طرفا الخصومة، شركة التأمين والمؤمن له، متواجهان على مستوى واحد.

إن استخدام المحامين لا يقتصر على شركات التأمين فهم يعملون لصالح موكليهم في مختلف مجالات النشاط الاقتصادي وكذلك العلاقات بين الدولة والمواطنين والعلاقات بين الأفراد على المستوى الشخصي والعائلي.  ومع ذلك فإن استخدام المحامين في هذه المجالات ليس موضوعاً للإدانة.

الزعم بأن شركات التأمين "تـسـتـمـيل بـالمـال الأطـبــاء المقرريــن، وقضاة المحاكم القانونيين وكل من له أثر في تقرير الحوادث" فيه تجني وافتئات على مهنية الجمهور الأكبر من الأطباء والقضاة.  إن سوء تصرف البعض وخيانة حلف المهنة لا يبرر إطلاق الحكم على الكل.  كان من المناسب لو قام الكاتب بالتعليق على "صناعة التأمين الصحي" في صيغتها التجارية القائمة على تحقيق الأرباح كأية صناعة رأسمالية أخرى.  فقد تحولت صحة الإنسان إلى سلعة، كأية سلعة مادية أخرى، قادرة على تحقيق ربح لصناعة التأمين الصحي.  وهنا يغيب الموقف الأخلاقي إذ إن تأمين الصحة ليس مثل تأمين سيارة أو مسكن مثلاً، فإن تعرضت السيارة أو المسكن إلى الضرر أو التلف الكلي فإن أصحابها لا يموتون.  لكننا إذا فقدنا صحتنا فإننا "نموت لمجرد أننا لا نمتلك القدرة على شراء ما يلزم من العناية."[8]

لقد نجح إيديولوجيو الليبرالية الجديدة والمؤسسات المالية الدولية الداعمة لها في إقناع العديد من الحكومات والأفراد أن صحة الإنسان سلعة، لها قيم تبادلية، قابلة للتداول في السوق ويجب على الدولة أن تقلص من خدماتها وتحويلها إلى شركات خاصة.  المشكلة الاقتصادية لا تكمن في ممارسة الأطباء بقدر ما هي إفراز للنظام القائم على تحقيق الأرباح للشركات.  وهكذا لم تعد الصحة حقاً من حقوق الإنسان.

وفيما يخص لغة التأمين فإن تأكيد الكاتب على أنها صعبة صحيح، وتحتاج هذه اللغة إلى إعادة نظر.  وينطبق هذا على لغة التأمين في العالم العربي.[9]  وكما يقول الكاتب: يصعب "الإلمام بها على كثير من الناس."  أن نعزو هذا الأمر إلى مشروع مُدّبر من قبل شركات التأمين للتحايل والهروب من المسؤولية فيه تجني على تاريخ تطور صياغة نصوص وثائق التأمين.  لقد ظلت وثيقة التأمين البحري الإنجليزية النموذجية، المعروفة باسم SG، والمحررة بلغة بالية، قيد الاستعمال لمدة قرنين، وخضعت مفرداتها للفحص والتأويل لدى المحاكم البريطانية، لحين استبدالها بصياغة جديدة سنة 1991، وبموجبها سددت مطالبات صغيرة وكبيرة في معظم أنحاء العالم.

شركات التأمين نفسها، في المملكة المتحدة على سبيل المثال، اعترافاً منها بصعوبة لغة التأمين، قامت بوضع صياغات جديدة لوثائق التأمين كي تكون أقرب إلى فهم الإنسان العادي المتعلم.  كما أن الاستشارات جارية لإعادة النظر في المبادئ القانونية لعقد التأمين لضمان المزيد من الوضوح وتأكيد حماية مصالح حملة وثائق التأمين.

إذا كانت لغة التأمين صعبة فما بالك بلغة القانون واللغة المستخدمة في الفقه الإسلامي.  أو ليس مناسباً القول إن فروع المعرفة ومجالات النشاط الإنساني لها مصطلحاتها الخاصة وهي غير متداولة بين الناس ويصعب فهمها دون تدخل من شارح لها.

ثامناً: إفساد الذمم

من شروط شركات التأمين شرط يقول: «إنه لا يحـق للـمــؤمن له الذي يقع له الحادث مع غيره أن يعترف بخطئه للآخر مهما كان الخطأ، وإلا فــإن الـشـركــة بريئة من التزاماتها بدفع أي مستحقات تترتب على الحادث.  ليس هذا فقط بل عليه أن ينكر خطأه، ولو أمام المحكمة، وحتى لو كان خطؤه لا يحتمل الإنكار.

وبهذا الـشـرط يدفع نظام التأمين المتعاملين معه إلى الكذب وإفساد الذمم، ويــمـلأ المحاكم بالقضايا التي تشغلها الدهـر، ولا تنتهي إلا إلى حلول مجحفة تحصل بها شركات التأمين على أموال المؤمن لهم بالباطل دون أن تدفع لهم ما يقابلها من تعويضات عند الأحداث.

هذا فهم مسطح لشروط التأمين التي تطورت تاريخياً وما زالت.  ففي انجلتره وسكوتلنده، تعمل الهيئات القانونية على إعادة النظر في المبادئ والشروط القانونية للتأمين وتلك التي ترسخت في الممارسة في العديد من بلدان العالم كقانون التأمين البحري الإنجليزي لسنة 1906.  أي شرط فيه إجحاف بحق المؤمن له سيكون موضوعاً لإعادة الصياغة.

قراءة الكاتب لشرط عدم الإقرار بمسؤولية المؤمن له عن الحادث متعسفة.  يَردُ هذا الشرط في وثائق التأمين على المسؤولية القانونية للمؤمن له تجاه الأغيار كما في تأمين المسؤولية عن حوادث السيارات.  ليس المؤمن له من يقوم بتسوية مطالبة الطرف الثالث وإنما شركة التأمين وهي لذلك تأخذ على عاتقها إدارة المطالبة وتسويتها.  ففي بريطانيا عندما تتعرض سيارتان لحادث فإن السائقين يتبادلان اسميهما وعنوانهما ولوحة تسجيل السيارتين.  بعدها يبلغ كل منهما شركة التأمين التي قامت بالتأمين على سيارته ومسؤوليته لتتولى شركتي التأمين تسوية مطالبة كل منهما.

مثل هذا الإجراء لا يمكن أن يدفع المتعاملين مع شركات التأمين إلى "الكذب وإفساد الذمم."

تاسعاً: ضياع المحافظة الفردية على الممتلكات

يـتـسـبب التأمـين في وقوع كثير من الإهمال لدى المؤمن لهم الذين لا يعتنون ولا يحافظون على أمـوالـهـم وممتلكاتهم كمحافظتهم على أموالهم غير المؤمن عليها، بل قد يصل الأمر بهم إلى حد الرغبة في تلف بعض الأعيان المؤمن عليها طمعاً في مبلغ تأمينها الذي قد يفوق قيمتها.  وإن عـدم العناية وترك المحافظة على الممتلكات والأموال ضد الأخطار من أفـراد المجتمع خسارة عظيمة على الأمة؛ لأن قوة المحافظة الفردية لا تعوضها أي قوة محافظة أخرى مهما بلغت.  والخسارة الناتجة عن الإهمال لا تضر بالفرد وحده، ولا بالجـمـاعـة، ولا بالشركة المعوضة وحدها، وإنما يمتد ضررها ليشمل أبعد من ذلك؛ حيث يضر بـكامل اقتصاد الأمة؛ لأن اقتصاد الأمة هو مجموع اقتصاد أفرادها.  وعليه، فعدم المبالاة وتـــرك الحراسة الفردية المشددة على الأموال والممتلكات بسبب التأمين إهدار لأعظم أسباب الأمن والـسـلامــــة، وإغراء بارتكاب الجرائم والنهب والاختلاس.

لو قبلنا بوجهة نظر الكاتب أن التأمين يتسبب "في وقوع كثير من الإهمال لدى المؤمن لهم الذين لا يعتنون ولا يحافظون على أمـوالـهـم وممتلكاتهم كمحافظتهم على أموالهم غير المؤمن عليها" علينا أن نقبل بإهمال الناس لصحتهم لوجود تأمين صحي تجاري أو مجاني تقدمه الدولة كما في النظم الاجتماعية الحديثة.  وبالتالي ولكي نشجع الناس على الاهتمام بصحتهم يصبح وجود أي نوع من أنواع التأمين الصحي ضاراً وإضراراً "بـكامل اقتصاد الأمة."

الميل للاستفادة والانتفاع على حساب الغير لا يقتصر على التأمين بل يجد حضوراً له في مختلف مجالات التفاعل بين البشر.  فالطمع للحصول على مبالغ تأمين تفوق القيمة الحقيقية للأموال المؤمن عليها لا ينطلي على خبراء تسوية الخسائر وشركات التأمين، كما أن عقد التأمين، وهو يقوم على مبدأ حسن النية القصوى، يضم شرطاً لمعالجة ما يعرف بالتأمين الناقص للحيلولة دون تحقيق الطمع الذي يتحدث عنه الكاتب.

زعم الكاتب أن "تـــرك الحراسة الفردية المشددة على الأموال والممتلكات بسبب التأمين إهدار لأعظم أسباب الأمن والـسـلامــــة، وإغراء بارتكاب الجرائم والنهب والاختلاس."  يبدو أن هذا الزعم يخص حراسة الفرد لأمواله وممتلكاته وليس الشركات.  شركات التأمين في الغرب تشجع على إدارة الخطر من قبل المؤمن له، ومن وسائله اتخاذ الحيطة واستخدام وسائل معينة لتقليص فرص وقوع الخسارة كوضع منبهات أو أجهزة إنذار، بالنسبة لخطر السرقة، على أبواب البيوت والشبابيك.  أما بالنسبة لتأمين ممتلكات الشركات، كمصافي النفط وغيرها من المصانع الإنتاجية والخدمية، فإن شركات التأمين تقوم بإجراء الكشف الميداني عليها وتقديم توصيات لتحسين إدارة أخطارها.

عاشراً: تخويف الناس والتغرير بهم

إذا كـان الـسـبـب والأصـل الـذي دفـع الناس إلى الأخذ بالتأمين هو الخوف من المستقبل المجهول، فإن شركات التأمين قد استغلت هــذا الـدافــع فجسمت أمامهم المخاطر، ووربت الناس على عدم قدرة الفرد أو الجماعة على مواجهة هذا المستقبل المكفهر بأنفسهم.

يبدو أن الكاتب لا يقر بوجود الأخطار التي تحيط بالبشر، منها ما هو طبيعي ومنها ما هو من صنع البشر أو ما ينشأ بسبب العمليات الصناعية.  إدراك وجود الخطر هو الذي يدفع البشر للتحوط من آثاره والتدبر للمستقبل لحماية الأموال وضمان عيش كريم للعائلة.  صحيح أن الدعاية التجارية التي تقوم بها بعض شركات التأمين تقوم على عنصر التخويف: ماذا لو وقع حريق أو فيضان وغيره من مسببات الضرر؛ أو ماذا لو توفي رب الأسرة، إلا أن الجهات المعنية بالرقابة على الدعاية والإعلان، في الدول الغربية، تتدخل للحد مما يعتبر منفراً للذوق العام أو ما يثير خوفاً غير مبرر لدى الناس.

إدخال شركات التأمين الشك في عقول الناس بعدم قدرتهم كأفراد أو جماعات على مواجهة المستقبل فيه افتئات لوعي الناس مثلما هو تجاهل للمخاطر العديدة التي تجابههم، والوسائل المختلفة التي يلجئون إليها لتفادي الأضرار التي قد تترتب على المخاطر.  وما اللجوء إلى التأمين إلا أحدى الوسائل من ضمن آليات أخرى للتعامل مع الخطر قياساً له وتقديراً لتكرره وحجم الأضرار التي قد تترتب على وقوعه.  وكل ذلك يقع تحت عنوان إدارة الخطر.  وحتى المتوكل على الله، الذي قد لا يلجأ لشراء حماية تأمينيه، لا يغفل التحوط من آثار المخاطر على حياته وحياة أسرته وأمواله من خلال السلوك العقلاني في قيادة سيارته مثلاً، أو الادخار لضمان العيش الكريم لأسرته، أو ترتيب بيته للحيلولة دون وقوع الحريق وغيرها من إجراءات السلامة.  التأمين هو آخر آلية في إدارة الخطر.  إحدى الوظائف التي يقوم بها التأمين هو تقديم توصيات للمؤمن له لتحسين الخطر وهذا هو الحال بالنسبة للمشاريع والأصول المادية الكبيرة.

الحادي عشر: سلب الناس القدرة على مواجهة الحياة

يـؤدي ارتـمـاء الناس في أحضان التأمين، وهروبهم من تحمل مسؤوليات الحياة إلى سلبهم القدرة على مجـابـهة أدنى المخاطر وتحمل أقل المفاجآت.

إذا كان التأمين يشجع هروب الناس من تحمل المسؤوليات، ويسلبهم القدرة على مجابهة الأخطار وتحمّل المفاجآت، أليس وجود مؤسسة الزكاة بتوفيرها الأموال عند الحاجة مشجعاً لذات السلوك الذي ربطه الكاتب بوجود التأمين أم أن المنتفعين من الزكاة هم من طبقة الملائكة والقديسين؟  وهل عندها يكون صحيحاً استخدام الأموال في صندوق الزكاة في غير الوجوه المقررة لها لأن هناك من يسئ استعمالها، ولأن الصندوق يحرمهم من القدرة على مجابهة المخاطر وتحمل المفاجآت؟

لو سلمنا بزعم الكاتب بات علينا أن نقبل أن من لا يرتمي من الناس في أحضان التأمين لهم يتمتعون بالقدرة على مجابهة المخاطر وتحمل المفاجآت.  وهكذا فإن هؤلاء يستطيعون مجابهة الحرائق، حتى بدون طلب مساعدة جهاز مكافحة الحرائق، بشكل أفضل من أولئك الذين لجئوا إلى حماية التأمين.  أما تحمل مفاجأة حادث اصطدام أو كارثة طبيعية فإن غير المؤمنين أقدر عليه من أقرانهم ممن قاموا بالتأمين على سياراتهم وممتلكاتهم الأخرى.

استعداد الناس، حالة نفسية وتقدير للعواقب تجاه المخاطر والمفاجآت، لا يحدده التأمين، ويختلف من إنسان إلى آخر.  لا بل أن من يقوم بالتأمين يتصرف بمسؤولية استعداداً لاحتمال وقوع مخاطر ومفاجآت لا يستطيع درء آثارها ويلجأ إلى التأمين للتعويض عنها.

الثاني عشر: ضياع الروابط وتفكك المجتمع

يحتاج الإنسان في حياته إلى الآخرين، وخاصة إلى أقاربه وذويه.  وتشتد هذه الحاجة كلما حـل الـعـوز، أو وقعت كـارثة، لذا فقد ساد الناس منذ العصور الأولى التعاون وتكونت بذلك الروابط الأسرية، وتكافل المجـتـمـع، ولما حل الخراب بالأسر وبدأ التفكك في المجتمع جاؤوا بالتأمين ليحل محل الأسرة ويعوض الناس عما فقدوه، ولجؤوا إليه في كل أمر كانوا يرجونه من الأسرة، وتهدم بناء المجتمع، فالتأمين قطع ما تبقى من روابط، وباعد بين الناس وأسرهم، فـوقـف كل فرد وحيداً بعيداً منقطعاً.

هذا تاريخ مشوه للبشرية فالنزوع نحو الفردانية عملية تاريخية معقدة ارتبطت بتطورات هائلة في النسيج الاقتصادي والاجتماعي منذ تفكك النظام الإقطاعي، ونهوض الإصلاح الديني والنهضة التنويرية .  ربما ساهم التأمين في تطور النزعة الفردانية، وهو موضوع لم يلق عناية كافية لدى دارسي تاريخ التأمين، لكن التأمين لم يقضي على التعاون الأسري والاجتماعي.

كاتبنا لا يريد التأمين لأنه يحل محل الأسرة لتعويض ما يصيبها من فقدان (ربما يقصد به فقدان معيل الأسرة أو خسارة ممتلكاتها بسبب حادث حريق أو كارثة طبيعية).  الأسرة الحديثة، في نظره، قادرة على تعويض أفرادها في حالة الوفاة والأضرار المادية التي تلحقهم.  التكافل الأسري لا يزال قائماً ويساهم في التخفيف من بعض ما يصيب أفرد الأسرة النووية أو الموسعة لكنه ليس كافياً بحد ذاته في التغلب على جميع الأضرار والخسائر التي تتعرض لها الأسرة في البيت وفي الشارع وفي أماكن العمل ما لم نفترض أن لدى الأسرة صندوقاً مالياً يتكفل بالتعويض المالي.

أما التأكيد على أن التأمين "قطع ما تبقى من روابط وباعد بين الناس وأسرهم" ففيه مجانية في الحكم، فقطع الروابط بين الناس والتباعد بينهم وبين أسرهم لا يفسره قيام مؤسسة التأمين ويجب البحث عن أسبابه خارج هذه المؤسسة.  التأمين يستجيب لظواهر قائمة وليس هو السبب في إنشائها.

تعليق عام على الشرور الإثني عشر المفترضة في التأمين

ربما يريد الكاتب أن يقنعنا أن شرور التأمين أكبر من منافعه ولذلك يجب التخلي عنه واستبداله بنظام آخر، ربما مصنوع في السماء لا يد للإنسان في وضع أسسه وتنظيمه أو متوارث من الماضي بشكل عادات وتقاليد اجتماعية.

إن كاتبنا يكاد أن يلغي التأمين بأية صيغة ويشنع عليه، وكان الأحرى تقديم البديل الإيجابي الموازي أو المتقدم على التأمين كمشروع اقتصادي رأسمالي أو تعاوني أو تبادلي.  وهو يقع في مفارقة الرفض من جهة وفي الثناء على التأمين في الإمارات وفي الدول العربية الأخرى.

إذا كانت شركات التأمين سيئة، كما يعرضها هذا الكتاب بتحّيز، إذ أنه لا يدخل شركات التأمين العربية ضمنها، لماذا يستمر عدد شركات التأمين، التجارية والتعاونية والتكافلية، في الدول العربية والإسلامية في الزيادة؟  ولماذا هذا الاهتمام المتزايد، على المستوى العملي والأكاديمي، لتطوير نماذج من شركات التأمين الإسلامية اسماً والرأسمالية هدفاً وتنظيماً من قبل الرأسمالية الإسلامية ونظيرتها في الغرب وخاصة بعض شركات التأمين وإعادة التأمين الأوروبية العريقة؟[10]

هناك ممارسات سلبية داخل مؤسسة التأمين وما له علاقة بها، كغيرها من المؤسسات الاقتصادية والقانونية والحكومية .. الخ إلا أن الاعتراف بهذا الواقع لا يعني الرفض المطلق للمؤسسة بقدر ما يعني إنها قابلة للنقاش والتحسين وإعادة النظر بالقيود والقواعد المنظمة لها لضمان مصالح العدد الأكبر من الأطراف المستفيدة منها.  وتظل مؤسسة التأمين، كغيرها من المؤسسات، رهينة للنظام الاقتصادي والقانوني الذي تعمل في ظله.

اللجوء إلى حلول تكمن أصولها، أو هكذا يعتقد، في الماضي مفيدة في إذكاء التفكير وليس الاقتباس والتطبيق الحرفي لها على قضايا عصرنا المتغيرة باستمرار، فهذه الحلول استنبطت كاستجابات لقضايا الماضي كما تبين ذلك دراسات أسباب النزول بالنسبة للنصوص القرآنية.  ولم نكن لنختلف مع الكاتب لو قبل بالأطروحة التي تقول بأن المؤسسات المصنوعة من قبل البشر وتواضعوا على القبول بها لا تخلو من نواقص وعيوب وهي عرضة لسوء الاستخدام وعقاب المُخلّين بها يكون من خلال الأنظمة الرقابية المنظمة لها وكذلك القوانين العامة، وهو ما ينطبق أيضاً على المؤسسات المصنوعة في السماء سوى أن عقاب المخلين بها ضعفين: عقاب ارضي من خلال قوانين وضعية وحساب إلهي في السماء.

المبحث الرابع: التأمين في دولة الإمارات (ص 66-85)

يقدم الكاتب في هذا المبحث الخلفية الاقتصادية والقانونية للنشاط التأميني، والتطور التاريخي لسوق التأمين الإماراتي، والرقابة على شركات التأمين والعمل على ما سماه التوطين في قطاع التأمين (استخدام المواطنين).  ويعرض الكاتب جداول مفيدة عن أقساط التأمين والتعويضات وعدد المنشآت التأمينية وعدد العاملين من المواطنين وغير المواطنين في شركات التأمين.

هذا العرض أقرب ما يكون إلى تقارير أسواق التأمين العربية التي تقدم لمؤتمرات لاتحاد العام العربي للتأمين.

ونستغرب أن الكاتب لم يتعرض لموضوع سلبيات وإيجابيات التأمين في الإمارات وكأن هذه ليست موجودة في الإمارات بل تنحصر في أسواق التأمين الغربية.

المبحث الخامس: صناعة التأمين في العالم العربي (ص 88-115)

ضم هذا المبحث تصنيفاً لأسواق التأمين العربية: أسواق مملوكة للدولة (وذكر سورية والعراق وهذه المعلومة ليست صحيحة الآن)؛ أسواق شبه احتكارية (كمصر والجزائر وليبيا وهذه بحاجة إلى تكييف)؛ أسواق مختلطة محلية وأجنبية (كالإمارات العربية المتحدة، البحرين والمغرب)؛ أسواق حرة (كالسعودية وهذه أيضاً بحاجة إلى تكييف بعد تقييد النشاط التأميني بصيغة واحدة هي التأمين التعاوني).  وذكر أيضاً عدد الشركات والمؤسسات التأمينية.

وعند الحديث عن حجم الإنفاق على التأمين منسوباً إلى إجمالي الناتج القومي يقول الكاتب إنه "بلغ 1% في العام 1998 وجاءت العراق في المقدمة بنسبة 2,8 في حين حلت اليمن في المرتبة الأخيرة بنسبة 3,.%" وهو رقم مشكوك في صحته لأن قطاع التأمين في العراق كان مستمراً في تدهوره منذ أواسط ثمانينات القرن الماضي.

وعرض جملة من العقبات أمام الأسواق العربية التي تؤثر على مسايرتها للنمو السريع في الأسواق العالمية، وحددها بدقة لا تتناسب مع المآخذ التي ذكرها عن التأمين وموحياً بالرفض لهذا النشاط.  لكنه هنا يقدم أفكاره من موقف الممارس التأميني المتعمق في حقله.  وجاء توصيفه وتحديده للعقبات كما يلي:

1.    ضعف المركز المالي للشركات العاملة في السوق (محدودية رأسمال الشركات).
2.  عدم تطوير المنتجات التأمينية (جهل احتياجات المستهلك والاعتماد على نصوص أجنبية دون تعديل).
3.  ضعف مجالات الاستثمار (ضعف الإدارات الاستثمارية، الميل نحو المشروعات الأقل مخاطرة، ضعف وغياب الأسواق المالية).
4.  حجم إعادة التأمين (انخفاض نسبة الاحتفاظ، الاعتماد على الاتفاقيات النسبية، الإسناد الإلزامي، الاعتماد على الأسواق الدولية بالنسبة للأخطار الكبيرة).
5.    نقص الخبرات والكوادر (قلة الاستثمار في التدريب وتطوير الكوادر الفنية).
6.    ضعف أجهزة الإشراف والرقابة (تبعية الأجهزة للوزارات، فجوة في خبرات العاملين).
7.  ضعف الوعي التأميني (ارتفاع نسبة الأمية، ضآلة إمداد الشركات للمواطنين بالمعلومات التأمينية، انخفاض المستوى المادي والثقافي للمواطنين).
8.    النقص في البيانات والإحصاءات (عدم تجميع البيانات بصورة منتظمة إلا أن جهود الاتحاد العام العربي للتأمين وشرك أريج [المجموعة العربية للتأمين في البحرين] تستحق الثناء).
9.  ضعف حجم التعامل بين الأسواق العربية (ما زال ضعيفاً مقارنة بحجم التعامل مع الأسواق العالمية رغم جهود مؤسسات التأمين الإقليمية).

ويقدم عرضاً للأخطار الكبيرة التي تقاس "بنسبة الخسائر المترتبة عليها إلى الأقساط المحصلة."  يتبعه عرض لأثر التطورات الاقتصادية العالمية على الأخطار الاقتصادية في المنطقة العربية (ميزان المدفوعات، الديون، معدل النمو والاستثمار، الرقابة على عوامل الإنتاج، التضخم).

ويضم المبحث مواضيع أخرى مهمة عن تنمية الأسواق العربية، سوق التأمين الخليجية، تحرير التجارة في الأسواق العربية.

العقبات والأخطار الاقتصادية الكبيرة وأثر التطورات الاقتصادية العالمية وتنمية الأسواق العربية تستحق المزيد من البحث من قبل الكاتب أو غيره لأهميتها ولندرة الدراسات العربية عنها.  ويمكن أن تكون هذه موضوعاً لبحوث أكاديمية.  وللكاتب فضل تجميع هذه الموضوعات في هذا المبحث.

نظام التكافل الاقتصادي الإسلامي والتأمين

يعرض الكاتب في الصفحة 21 ما يصفه بالاختلاف الشاسع بين نظام التكافل الاقتصادي الإسلامي وبين التأمين [التجاري].  وهو عرض مفيد يراد منه إبراز قيمة أعلى للتكافل الإسلامي حيال التأمين التجاري.  إلا أن هذه المقارنة غير منصفة إذ أن التكافل الإسلامي (في غير صورته التأمينية التي بدأت لأول مرة في السودان سنة 1979) قائم على المستوى النظري الطوباوي المُتخيل إذ ليس هناك في التطبيق ما يُسمى بالاقتصاد الإسلامي كنظام أو كعلم متميز.  كما أن المقارنة بين نظام التكافل الاقتصادي الإسلامي والتأمين (دون تحديد هوية هذا التأمين) مقارنة ناقصة من حيث الموضوع وإطار كل منهما، فهي مقارنة بين الكل (النظام) مع الجزء (التأمين).  وبالطبع، من الممكن المقارنة بين هذا النظام، على المستوى النظري، وبين أنظمة اقتصادية تاريخية مندثرة، أو طوباوية أو قائمة في زماننا.

فالقول إن "نظام التكافل الإسلامي أوسع وأعم وأشمل من نظام التأمين لأنه لا يقتصر على فئة معينة أو حلقة ضيقة من حلقات المجتمع بل يبدأ من الفرد وينتهي في المجتمع ككل.." زعم قابل للنقاش إذ أن المجتمعات الإسلامية، في ماضيها وحاضرها، لم تتمتع بمزايا هذا النظام والشاهد الأكبر على ذلك استمرار الفقر والعلل الاجتماعية وتغطية العيوب والقضايا العقدية من خلال ترضية الرعايا (المواطنين) وكذلك شراء الذمم من خلال المكرُمات.

لقد جاء التأمين الإسلامي، خارج نظام التكافل الإسلامي، متأخراً عن مؤسسة التأمين الحديثة بعدة قرون ليساهم في توفير حماية، لمن هو قادر على شرائها، فلم لم يكن في الماضي "تأمين إسلامي" بهذا الاصطلاح.  هذا التأمين الإسلامي، الذي لجأت إليه الدول الإسلامية وتلك التي تستمد قوانينها من الشريعة الإسلامية وتطبيقه كمشروع رأسمالي (ولم تجري محاول تطبيقه كمشروع اشتراكي)، لا يزال يخضع للتهذيب والتطوير.  نهوض شركات التأمين الإسلامية منذ أواخر سبعينات القرن الماضي، ارتباطاً بالفورة النفطية الريعية، ودخولها ميدان العمل والتنافس مع شركات التأمين القائمة دليل على أن نظام التكافل الإسلامي كان قاصراً في أدائه.

مزايا التأمين الإسلامي

نظام التكافل الإسلامي المتمثل بالزكاة ووجوه صرفه ( ص 21-24) كمعادل أكبر وأفضل للتأمين قابل للنقاش، وهذا ما سنحاوله هنا.  وبودنا أن نقرر أننا نقرأ النص الديني كما نفهمه وليس ضمن معطيات الفقهاء ونعترف بقصور معرفتنا بها.  وقبل ذلك لنقتبس مطولاً ما كتبه الكاتب المجهول للكتاب تحت عنوان مزايا التأمين الإسلامي (ص25-26) والتعليق عليه باختصار.  يؤكد الكاتب على الآتي:

"1-    الجهة التي ترعى قضية التأمين والأمان في الإسلام إنما هي بيت مال المسلمين.  بيت المال هذا ينظم التكافل فيأخذ من الأغنياء ليعطي الفقراء، وهو يقوم بواجباته دون قصد الربح والمتاجرة بآلام الناس ومصائبهم.

بيت مال المسلمين هنا، من وجهة نظر الكاتب، يقوم مقام شركة التأمين مع الفارق الكبير أن موارد البيت لا تماثل رأسمال الشركة وأقساط التأمين والاحتياطيات المالية المتجمعة لديها.  لنراجع موارد بيت المال وتضم:

الفئ ما حازه المسلمون من أموال الكفار دون قتال ومن المرتدين عن الإسلام، وتصرفُ أموال الفئ "في أعطيات الجيش وأرزاق القضاة والمعلمين، وكل العاملين في المصلحة العامة، وفي دفع ما ينوب الناس من النوائب."[11].

الغنيمة ما حازه المسلمون من الكفار بعد قتال، أربعة أخماسه للغانمين وخمسه لله ورسوله: "وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ." سورة الأنفال.  منفعة أموال الغنيمة تنحصر بالغانمين وبالرسول وهي لذلك ليست متوفرة للصرف على ما ينوب الناس من نوائب ما لم يتبرعوا بها كصدقة.

الخراج نظام ضريبي يفرض على الأرض الزراعية وغلتها، يؤخذ من المسلم وغير المسلم.

الزكاة وهي الصدقات وهي ما سنعرض لها فيما بعد.

الجزية ما يؤخذ من غير المسلمين من النصارى واليهود والمجوس ومن على شاكلتهم من مال مقابل حمايتهم في دار الإسلام مع اشتراط ألا يمسّوا المسلمين في دينهم أو عرضهم أو أمنهم.  وتجبى الجزية على الرؤوس حسب الحالة المالية من الغني ويُعفى الصغير والمجنون والمعقد الأعمى ومن لا حرفة له (العاطل عن العمل؟) والمسكين والمرأة والمترهب والمتصومع.  والجزية هي من مخلفات الإتاوة القبلية التي كانت تطبق قبل الإسلام لقاء توفير الحماية.

الخُمْس "وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ." سورة الأنفال، وارتبطت بمعركة بدر.  ويرد في تعريف قاموسي أنه "خمس غنائم أهل الحرب، والرِّكَازُ العادي، وما يكون من غوص أو معدن."[12]  والخمس محل خلاف في المذهبين الشيعي (دفع خُمس كل مال يُغنمه المسلم ويزيد عن مؤونته السنوية)، والسني (واجب على الكفار فقط في الركاز [كل ما هو مدفون في باطن الأرض من معادن وغيرها] والغنيمة.

العُشور ما يُؤخذ من رسوم على تجارة أهل الحرب وأهل الذمة إذا مروا في دار الإسلام، ويضم أيضاً المال الذي لا وارث له والموارد الطبيعية العامة كالنفط والمعادن في باطن الأرض.

يتحدث الكاتب عن نظام لا ينطبق على زماننا ولا يمكن الاسترشاد به لإدارة مؤسسة تأمينية فالمصادر المالية التي يذكرها لا وجود لها الآن ما لم ننظر إلى بعض منها ضمن الأنظمة الضريبية الحديثة كتلك المفروضة على الأرض والممتلكات والدخل وضريبة البيع والشراء وما يستوفى من رسوم على المعاملات التجارية وسيادة الدولة على الموارد الطبيعية.

2-     إن التأمين الإسلامي يشمل جميع المواطنين سواء كانوا مسلمين أو غير مسلمين يعيشون في ظل دولة الإسلام ...   

لا يميز التأمين الوضعي بين المسلمين وغير المسلمين، وليس هناك قيمة معينة في هذه الشمولية بين التأمين الإسلامي والتأمين الوضعي.  أما دولة الإسلام فلا وجود لها في زماننا.

ينشأ التمييز عند تطبيق معايير اكتتابيه مختلفة بسبب جنس المؤمن لهم (إناث وذكور) أو العمر (شباب وشيوخ من الإناث والذكور) – وهذه أصبحت موضوعاً للنقاش وتدخُل المشرّع من منظور حقوق الإنسان وليس لاعتبارات دينية.[13]

ويبدو أن التأمين الإسلامي يبقى محصوراً في "دولة الإسلام" وعلى المسلمين في "دار الحرب" الحصول على الحماية التأمينية من الشركات في هذا الدار، وهم مجبرون على ذلك لأن القانون الوضعي يفرض عليهم إجراء تأمينات معينة كالمسؤولية المدنية الناشئة عن استعمال المركبات وبعكسه يقعون تحت طائلة القانون.

3-     التأمين الإسلامي يهدف إلى رفع الضرر لا إلى تحقيق الأرباح والمكاسب.  وإن مبادئ الإسلام ترفض فكرة التأمين على الحياة ...

عدم تحقيق الأرباح والمكاسب يفترض حالة سكونية للاقتصاد في حين أن تجديد الأصول وإعادة الإنتاج يتطلب تحقيق فائض وبناء الاحتياطيات وخلاف ذلك فإن تراكم الخسائر الكارثية تؤدي إلى إفلاس بيت المال وكذلك شركة التأمين.

وإذا نظرنا إلى ممارسة شركات الـتأمين الإسلامية نلاحظ أنها لا تستبعد "تحقيق الأرباح والمكاسب" لا بل هي تعمل على تعظيمها لصالح مالكيها.  وهي بهذه الصفة لا تختلف عن أية شركة تأمين رأسمالية.

وفي الغرب الرأسمالي تقوم بعض شركات التأمين التبادلي بتوزيع قسم من الفوائض المالية التي تحققها خلال السنة على الأعضاء من حملة وثائق التأمين.  ومن هذه الشركات الشركة الأمريكية Factory Mutual Insurance Co التي تقوم بتوزيع الفائض، الذي يبلغ بضعة مئات من ملايين الدولارات، في صيغة تخفيض قسط التأمين لكل من يجدد وثيقته خلال السنة.

4-     التأمين الإسلامي يضمن حاجات الناس في شيخوختهم، ويضمن حاجاتهم إذا عجزوا عن العمل والإنتاج لأي سبب من الأسباب.  فهو أشمل بكثير من تأمين الشركات التجارية الذي ينحصر ببعض الأموال أو بعض الحوادث ...

ضمان حاجات الناس في الشيخوخة وعند العجز عن العمل لا يشكل جزءاً متميزاً من نظام التأمين الإسلامي فهو لا يرد في وجوه صرف أموال الزكاة ما لم يتم توسيع قراءة النص والعمل على ترجمته كمؤسسة عاملة لها ما يكفي من الموارد للاستمرار في توفير المنافع للأفراد والأسر.  أما الالتزام الحرفي بالنص فإنه يعمل على تكلس المؤسسات ومنها صندوق الزكاة.  ففي ظل المتغيرات في الاقتصاد والبيئة والأخطار الكامنة فيها والعلاقات الإنسانية المعقدة تصبح هذه المؤسسات بالية غير قادرة على الاستجابة لمتطلبات الحياة العصرية ما لم تخضع للتطوير.

5-     وإن من مزايا التأمين الإسلامي أنه يشمل ضمان حاجات الأولاد والعيال بعد وفاة معيلهم.  وهو يضمنها بدون أن يدفع المعيل أي قسط، ويضمنها في حدود الحاجات الأساسية فقط، أما الغني فطريقه المشروع هو المبادرة والعمل المنتج."

القول بأن المعيل لا يدفع قسطاً يحتاج إلى تكييف إذ يفترض أن يكون المعيل قد ساهم، بطريقة أو أخرى، في تمويل بيت المال أثناء ما كان حياً منتجاً للدخل.  وبهذا المعنى فهو يقترب من مساهمة المواطنين المعاصرين في تمويل صناديق الضمان الاجتماعي من خلال ما يستقطع من دخلهم طوال حياتهم العملية لحين تقاعدهم عن العمل.

ونفهم من عرض الكاتب أن الضمان لا يطبق على الأغنياء فطريقهم المشروع "هو المبادرة والعمل المنتج."

شبكات الضمان الاجتماعي تقوم بذات الوظيفة التي يعزوها الكاتب لبيت المال "في حدود الحاجات الأساسية."

يحاول الكاتب أن يرسم صورة مثالية للتأمين الإسلامي، ويتمنى المرء أن يرى بعض المنافع التي يذكرها متحققاً على أرض الواقع.

بعدها يقول الكاتب:

"ومن النصوص التي تؤكد مزايا التأمين الإسلامي: 1- فالزكاة – وهي أحد أركان الإسلام الخمسة – إنما شرعت لتأمين حاجات الفقراء.  وقد بين الله تعالى مصارفها في القرآن الكريم ... 2- وروى المؤرخون عن عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه أن زوجته فاطمة دخلت عليه يوماً وهو جالس في مصلاه واضعاً خده على يده، ودموعه تسيل على خديه فقالت له: ما لك؟ قال: (ويحك يا فاطمة، قد وليت من أمر هذه الأمة ما وليت، ففكرت في الفقير الجائع، والمريض الضائع، والعاري المجهود واليتيم المكسور، والأرملة الوحيدة، والمظلوم المقهور، والغريب الأسير، والشيخ الكبير، وذي العيال الكثير والمال القليل، وأشباههم في أقطار الأرض وأطراف البلاد، فعلمت أن ربي عز وجل سيسألني عنهم يوم القيامة، وأن خصمي دونهم محمد صلى الله عليه وسلم، فخشيت أن لا يثبت لي حجة عند خصومته فرحمت نفسي وبكيت)."

سنأتي على تحليل الزكاة أدناه.  أما الرواية عن عمر بن عبد العزيز [681-720م] فإنها رواية رومانسية مؤثرة تحمل دلالة مهمة في التفكير بأوضاع الناس، لكنها لم تترجم نفسها في مؤسسات قابلة للحياة إذ أن قاعدة الحكم التي استند عليها في رد المظالم والرفق بالرعايا عامة وأهل الذمة بصفة خاصة لم يكتب لها الدوام، وحتى "السياسة الاقتصادية" التي أتبعها لم تكن مدروسة بحيث أن بيت المال في زمانه شهد عجزاً.  وهذا ليس بموضوعنا وقد اختلفت الآراء بشأنه.  والرواية بهذه الصفة ليست إلا مصدراً عظيماً لإلهام من يبغي من الأفراد والجماعات بناء مؤسسات الضمان الاجتماعي ضمن إطار اقتصادي يقوم على مبادئ المساواة.


الزكاة كآلية تأمينية

نقتبس أولاً آية الزكاة:

إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (التوبة [البراءة]، آية 60).

حددت الآية من لهم حق الحصول على الزكاة بالتأكيد على أن الصدقات لهؤلاء المذكورين دون سواهم، لأنه حصرها فيهم، فهي "فرِيضَةً مِنَ اللَّهِ."  يعني هذا أن هناك انتقاءً مسبقاً لمن يحق له/لها الانتفاع من الزكاة يضم ثمانية أصناف محددة فقط.  ويعني هذا أيضاً، في التطبيق كمكمل أو بديل للتأمين التجاري، ضرورة اعتماد المرونة لتوسيع حدود المساهمين في تمويل صندوق الزكاة، وكذلك توسيع دائرة المنتفعين والمنتفعات ولكن الالتزام بالنص يعني أن معرفة الحدود تظل مخفية في صون الله فهو "عَلِيمٌ حَكِيمٌ."

هناك مصدران للزكاة: زكاة الفطر (تقديم الطعام للمسلمين) وزكاة المال (ولها حساباتها وتجبى سنوياً نقداً حسب نوع المال: ذهب، فضة، ملك، عقارات .. الخ).  زكاة الفطر تشبه ما تقوم به بعض المنظمات الخيرية في الغرب من إطعام المتشردين في موسم أعياد ميلاد السيد المسيح.  وهذه الزكاة لا تشكل مورداً لصندوق الزكاة.  زكاة المال هي المعادل للضرائب التي تجبى نقداً على دخول الأفراد والشركات.

الفقراء
أولئك الذين لا يملكون ما يوفر لهم قوت يومهم، أي الجياع (نقص الغذاء أو عدم كفاية التغذية).  والفقر مفهوم نسبي ولهذا فإن تعريف الفقر يختلف من بلد إلى آخر ويصعب عقد المقارنات بين البلدان (الفقر هنا كمعادل لعدم كفاية حزمة من سلع محددة).  وتُدلُّ دراسات البنك الدولي على أن خطوط الفقر الوطنية مرتفعة في البلدان الغنية نظراً للقدرة الشرائية العالية للمواطنين، ولهذا فإن معيار خط الفقر في هذه البلدان أعلى مما يماثله في البلدان الفقيرة.  وحسب بعض التقديرات فإن الفقراء هم الذين يعيشون على أقل من 1,25 أو أقل من 2 دولار في اليوم (الفقر هنا يساوي عدم كفاية الدخل).  وبالطبع هناك مظاهر مرتبطة بالفقر ومنها وفيات الأطفال، والأمهات اللاتي يمتن بسبب مضاعفات الحمل والولادة، وعدم توفر مرافق الصرف الصحي لأعداد كبيرة من السكان وغيرها.

نظام الزكاة لا يلغي مؤسسة الفقر ولن يستطيع ذلك في إطار الضوابط المنظمة له.  المنظمات الإنسانية تقوم في زماننا بدور مماثل في التخفيف من غلواء الفقر دون اعتبار الدين معياراً لعملها.  ويظل الفقر قائماً لأنه ليس "علاقة بين شخص وكمية من المواد الغذائية أو مجموعة محددة من الاحتياجات الأساسية، أو مستوى معين من الدخل: إنه علاقة بين شخص واحد ومتوسط رفاه ذلك الشخص مقابل مجموعة مرجعية، على سبيل المثال قرية أو مقاطعة أو محافظة أو البلد الذي يعيش فيه الشخص.  وفي عالم معولم تماما مع الاتصالات السريعة والنقل السريع، يمكن أن يكون الفريق المرجعي العالم بأسره."[14]

المساكين
أولئك الذين لا يجدون ما يكفيهم من غذاء ومن عناصر أخرى ذات علاقة برفاه الإنسان، أي أنهم فوق مستوى الفقر بقليل، وهذا ما تخبرنا بها كتب الفقهاء.  ولكن لا يبدو أن هناك مقياساً ثابتاً للمسكنة، ويذهب البعض إلى المساواة بين الفقراء والمساكين.  ويبدو أن المساكين يشكلون جماعة بحاجة إلى دخل إضافي لتحسين مستوى معيشتهم.

العاملين عليها
الجهاز البيروقراطي لإدارة مؤسسة الزكاة من الجباة والحراس والكتّاب والقسّامين.  وهؤلاء يستلمون أجراً ممولاً من صندوق الزكاة لقاء عملهم.  ولعل البعض منهم يؤدي مهامه طوعياً دون مقابل وهم بهذا يتماثلون مع أقرانهم في المنظمات الطوعية الإحسانية والخيرية لكن الغالب أن جزءاً من أموال الزكاة التي تجمع من المسلمين تنفق على إدارة المؤسسة كما هو الحال مع المنظمات الطوعية الإحسانية، وكما هو الحال أيضاً في مكافأة مديري شركات التأمين التكافلي.  ويشهد التاريخ على سوء استخدام العاملين عليها لموقعهم.[15]

المؤلفة قلوبهم
وهم من غير المسلمين، من ذوي المكانة العالية عند قومهم، وانتفاعهم من صندوق الزكاة مشروط بمساعدتهم للمسلمين في الحرب، أي أن الحق في الإعانة المتوقعة من المؤسسة يكون مُعلقاً في أوقات السلم، ويبدو وكأن هذا الشرط يفترض الحرب كحالة دائمة عند مجتمع المسلمين.  ويضم المؤلفة قلوبهم أيضاً من توقف عن معاداة الإسلام، وهذا التوقف قد يعرضه إلى الأذى من أصحابه السابقين ولذلك يحتاج إلى إعانة لحين استقراره في بيئته الإسلامية الجديدة.

ويُعرّف باحث إسلامي المؤلفة قلوبهم بأنهم "طائفة من المتذبذبين الذين أُدرجوا في عداد مستحقي الصدقات من أجل استمالتهم إلى الإسلام لما لهم من نفوذ ومكانة عالية في قبائلهم.  وهذا هو السبب الرئيسي الذي من أجله رفض الخليفة عمر إعطائهم الصدقات بعد أن أصبح الإسلام عزيزاً .."[16]

وفي الرقاب
أي فك العبيد والإماء (من ضرب عليهن الرق أو ولدن من أمهات أرقاء) المكاتبون، أي الذين اتفقوا مع سادتهم المسلمين المالكين على عتقهم مقابل مبلغ من المال.  أي أن العبيد والإماء لهم نصيب من الزكاة في شراء أنفسهم من مالكيهم كسلعة قابلة للتداول في سوق النخاسة وبموجب عقد.  بمعنى آخر أن المستفيد مالياً من عملية العتق هو مالك العبيد والإماء مقابل تحريرهم.

الفئة الأخرى التي تنضوي تحت هذا العنوان هي الرقبة المسلمة المحبوسة لدى الكفار.  أي أن الزكاة يستخدم في فكاك الأسرى المسلمين في دار الحرب، بغض النظر عن مكانتهم الاقتصادية.

والغارمين
وهم المدينون الذين لا يستطيعون سداد ديونهم ربما لسوء إدارتهم لأعمالهم أو لإعسارهم (أي الاستدانة لغير معصية) أو خسارتهم في تجارة، ولهم نصيب من الزكاة يساعدهم في الوقوف على أقدامهم مرة ثانية (أي استعادة التمتع بالحرية الاقتصادية والاستقلال الاقتصادي).  وهذا يتفق إلى حد ما مع مبدأ التعويض في التأمين – إرجاع الوضع المالي للمؤمن له إلى ما كان عليه قبل وقوع الضرر أو الخسارة.

وفي سبيل الله
وهم المسلمون القائمون بالجهاد الطوعي (لنشر وتعليم الإسلام) خارج دار الإسلام، وكذلك المسلمون من طلبة العلم (باعتبار العلم أحد أشكال الجهاد) ممن لا يمتلك الوسيلة (المال أو المركبة) للعودة إلى دار الإسلام، أو الذي تفرغ لمثل هذا الجهاد ولا يستطيع معها ممارسة عمله الذي يكسب منه رزقه، أو القائمون بالجهاد الحربي (مشاركتهم في غزوة وتوفير سلاح أو دابة للنقل).

وابن السبيل
وهو المسافر أو الغريب الذي استنفذ ماله وتقطعت به السبل فله نصيب من الزكاة لإعانته على العودة إلى داره (المنقطع في سفره كما جاء في تفسير الجلالين).  هوية المسافر الغريب المنقطع عن دياره غير مُعرّفة في النص.  ويقترب هذا النصيب من الضمان الذي توفره وثائق تأمين السفر لإرجاع المؤمن له إلى وطنه بسبب مرض ألمًّ به مثلاً.  ويُذكر أن الخليفة عمر بن عبد العزيز وسّع نطاق هذا النصيب في كتاب وجهه "إلى ولاته وعماله في الأقاليم أن يقيموا "الخانات" – (النزل – الفنادق) – لنزول المسافرين، وأصبح "حقاً" للمسافر أن يقيم على نفقة الدولة بهذه "الخانات" يوماً وليلة ... فإذا كان المسافر مريضاً كان حقه الإقامة فيها يومين وليلتين! .. فإن كان هذا الغريب منقطعاً، أي لا أهل له – (من أبناء السبيل) – كان له، فوق إقامته "بالخانات" وإعاشته منها: المعونة التي تعينه على الوصول إلى البلد الذي يريد."[17]

ملاحظات مختصرة عن الزكاة والتأمين

أنصبة الزكاة هذه تحمل طابعاً عملياً في سد حاجات معينة من باب الصدقة كالصرف على فئة الفقراء والمساكين أو الإنفاق لتعظيم شأن الإسلام كالصرف على ابن السبيل وعلى المجاهدين بفئاتهم المختلفة وحتى إغراء البعض باعتناق الإسلام كما في طائفة المؤلفة قلوبهم.  والملاحظ أن الزكاة تدفع لهذه الفئات الثمانية وحدها دون غيرها وبعضها غير موجودة في زماننا كعتق العبيد وفكاك الأسرى والمؤلفة قلوبهم.

لا يرد في النص ما يفيد صرف الزكاة على ورثة المستحق لنصيب من الزكاة، أو الصرف على غير المسلم إلا، ربما، لمن يُرجى إسلامه من المؤلفة قلوبهم.

مؤسسة الزكاة، مقارنة بمؤسسة التأمين، غير قادرة على أداء وظيفة التأمين إلا على المستوى الفردي وبحدود الأصناف المذكورة في النص وذلك لأن الخسائر والأضرار الناجمة عن سقوط طائرة ركاب كبيرة أو كوارث الطبيعة أو تلك المترتبة على انفجار مصنع بتروكيمياوي مثلاً هي من الجسامة بحيث أن الأموال المتجمعة في صندوق الزكاة لن تكون كافية للتعويض عن الخسائر الكبيرة.

كيف يستجيب نظام التكافل الإسلامي على حركات الاحتجاج الجبارة الأخيرة في بعض البلدان العربية التي اقترنت بقتل العديد من الناس وتدمير بعض المنشآت؟  وهل له موارد مالية كافية لتعويض ورثة الشهداء وجبر الأضرار المادية؟  وهل لصندوق الزكاة في عصرنا آلية كي يقوم بهذه الوظيفة التعويضية؟

إقحام الزكاة كبديل عن التأمين فيه تعسف لأن وظائف هاتين المؤسستين ليست متماثلة إلا في حدود.  يمكن لمؤسسة الزكاة أن تعمل بجانب التأمين وخاصة لدرء آثار غير مرغوبة تصيب الإنسان الذي لا يمتلك الفائض الكافي في الدخل للإنفاق على شراء الحماية التأمينية لكنها، وبسبب حصر منفعتها للأفراد، ليست مصممة لمواجهة آثار الخسائر المترتبة على كوارث الطبيعة والحرائق والانفجارات والحوادث الأخرى التي تلحق بالمنشآت الصناعية.

وكذا القول إن "التكافل الإسلامي إلزامي .. في حين أن نظم التأمين الوضعية اختيارية ونادراً ما تكون إلزامية."  وهذا القول ليس صحيحاً إذا أخذنا بنظر الاعتبار نظام الضمان الاجتماعي في الغرب أو حتى على مستوى أصغر: إلزامية التأمين على حوادث المركبات التي تصيب الأطراف الثالثة، وإلزامية التأمين على مسؤولية رب العمل، لا بل أن العديد من المهنيين لا يستطيعون ممارسة أعمالهم دون إبراز وثيقة تأمين.  والكاتب يناقض نفسه في هذه المقارنة ففي ص 37 يكتب: "وأيضاً ظهرت صور متعددة من التأمينات الاجتماعية التي تتولاها الدولة.  كما فرضت أنواع من التأمينات الإجبارية كالتأمين من إصابات العلم [العمل] ومن حوادث السيارات وكلما اتسع نطاق المسؤولية اشتدت الحاجة إلى التأمين" ومن ثم ظهرت أنواع جديدة منه، ومن ثم أصبح التأمين المعاصر شاملاً كل أنواع الخطر التي يحذرها الإنسان."  ويذكر أيضاً في ص 43 أن بعض تأمينات المسؤوليات قبل الغير "تتم بصفة إلزامية."

ويُحلّق الكاتب في فضاء الأحلام عندما يؤكد: "في التكافل الإسلامي تشتد وتتعاظم روابط المحبة والألفة والتآزر الاجتماعي والوفاق الوطني، وبالتالي يساهم التكافل في صهر المجتمع في بوتقة الوفاق الاجتماعي في حين أنه في التأمين الوضعي لا شئ من هذا القبيل."  وهنا لا مكان للتفاوت الاقتصادي والصراع الاجتماعي والغنى الفاحش والفقر والجريمة والقهر السياسي واستخدام عنف الدولة من قبل الدولة الإسلامية أو الدول التي تعتبر الإسلام مصدراً رئيساً من مصادر التشريع وينص البعض منها على ذلك في دساتيرها.

أما القول (ص 21) إن

"نظم التكافل الإسلامي كثيرة ومتعددة، وتتعدد الجهات التي عليها ضمان حد أدنى لمعيشة محترمة للفرد [لاحظ أن الكلام هو عن الفرد] في النظام الإسلامي وأهمها:
-                 صندوق الزكاة.
-                 بيت المال العام وهو ما يعادل الميزانية.
-                 نظام النفقات الواجبة بين الأقارب."

فإنه لا يقترب من مفهوم التأمين في صيغته التجارية كمشروع رأسمالي (تعاوني أو تبادلي) يستهدف الربح.  فالزكاة لا يقوم على جباية قسط للتأمين مقابل الحماية من خطر معين، وكذا الأمر بالنسبة لأرصدة بيت المال (الخراج، الخُمس وغيرها).  المساهمة في هذين النظامين مفروضان بقوة الشريعة، ضمن ضوابط معينة، لكن "نظام النفقات الواجبة بين الأقارب" غير ملزم للناس ما لم يترجم نفسه في قانون يضم قواعد المشاركة في النفقة على الأقارب ومنها تحديد الأقارب اللذين يمكن أن يكونوا موضوعاً للنفقة، مع تحديد الحالات التي يحق لهم فيها الانتفاع من النفقة وغيرها من الضوابط والتعريفات.

للحكم على مؤسسة ما بأنها كيان تأميني، في صورته التي ظهرت وتطورت تاريخياً والمعتمدة في البلدان العربية من قبل شركات التأمين التجارية والتعاونية والتكافلية على حد سواء، يمكن الاعتماد على تطبيق المعايير التالية للحكم عليها:

§       عقود منظمة للعلاقة بين من يطلب التأمين وبين من يوفره.
§       صندوق مخصص تسدد منه التعويضات المستحقة للمؤمن لهم.
§       كيان منظم يأخذ على عاتقه إدارة العقود وصندوق التأمين.
§       أسس رياضية لحساب احتمالات وقوع الأضرار والخسائر.

في الأزمنة القديمة لم تكن هناك كيانات تأمينية بهذا المعنى لكننا لا نعدم بعض المظاهر البدائية لمبادئ التأمين كمبدأ التعويض، وتجميع الأخطار وتوزيع أخطار القلة على عدد أكبر للتخفيف من آثار الحوادث عند وقوعها[18] وكذلك أشكال من التعاضد القبلي في الجزيرة العربية الذي يعتبره البعض أحد أنماط التأمين في المجتمعات الإسلامية.[19]

هل أن مؤسسة الزكاة ترقى إلى كيان تأميني؟

لا نعتقد ذلك لأنها لا تستوفي كل المعايير التي أتينا على ذكرها لتمييز مؤسسة التأمين عن غيرها من المؤسسات التعويضية.  ويعتبر الكاتب الزكاة معادلاً للتأمين وذلك من خلال قوله:

وتقوم الزكاة بإعادة الأفراد إلى ما كانوا عليه من مستوى معيشي قبل التعرض للأزمة، وتشمل الزكاة جميع أفراد المجتمع طالما تعرضوا لأزمة.

فالتأمين، مثل الزكاة، في جوهره، يقوم على إعادة المؤمن له إلى الوضع الذي كان عليه قبل وقوع الخطر المؤمن عليه مع الفرق أن المستفيد من صندوق الزكاة قد لا يساهم في تمويله.  ولأن التأمين، في شكله الرأسمالي، ليس متاحاً إلا لمن هو قادر على شرائه فإن الناس من دون ذلك لا يتمتعون بالحماية التأمينية.  ويخطأ الكاتب عندما يقول إن الزكاة تشمل "جميع أفراد المجتمع طالما تعرضوا لأزمة" إذ أن الفئات المنتفعة من الزكاة محددة في سورة التوبة بثماني فئات.  أي أن شرائح أخرى في المجتمع لا تتوفر لها فرصة الانتفاع من الزكاة ما لم تتوسع دائرة المنتفعين.

ويركز الكاتب على "كفالة المنكوب بكارثة وكفالة الغارم وهما صفتان لا تشملهما أنواع التكافل الحديثة."  هذا القول ليس صحيحاً إذ أن أغطية التأمين واسعة ولا يحدها غير معايير معينة:

تفيد أدبيات التأمين أن مؤسسة التأمين الحديثة والمعايير التي يعتمدها المؤمن، وبعضها اكتوارية، لإقرار تأمينية الأخطار، تقوم على جملة اعتبارات متداخلة ومنها:

أن يكون احتمال قيام الخطر المعنوي متدنيا.
أن تكون الخسارة عرضية وغير مقصودة
أن تكون الخسارة كبيرة بما فيه الكفاية ويمكن قياسها.
أن يكون حساب احتمال وقوع الخطر المؤمن ضده قابلاً للقياس.
أن يكون قسط التأمين معقولاً من الناحية الاقتصادية بالنسبة لطرفي عقد التأمين: المؤمن والمؤمن له.
أن يكون هناك عدد كبير من الوحدات المتجانسة تتعرض لنفس مسببات الخطر.
تعرض هذه الوحدات إلى الخسائر عشوائي.
تغطية المخاطر لا تنافي مع السياسة العامة.
القدرة على تجميع الأخطار، أي عدد كافٍ من الوحدات المستقلة المعرضة للخطر (قانون الأعداد الكبيرة).
المتوسط الزمني بين وقوع خسارة وأخرى قصير، أي أن هناك تكرارية في وقوع الخسائر.
محدودية أقصى خسارة محتملة.
يسمح القانون بتوفير غطاء التأمين.[20]

يحدد الكاتب كفالة المنكوب بكارثة بالآتي:

من مصارف الزكاة (الغارمون) وهم الذين فاجأتهم كوارث الحياة اقتصادياً أو صحياً ويدخل في هذا من ذهب السيل أو الحريق أو الأوبئة أو الكوارث الطبيعية بما له من مال من أي نوع كان ... وعلى ذلك فإن أية إصابة للمرء تمنعه من اكتساب رزقه ومن يُعّول، تعطيه حقاً في الزكاة.

وكل هؤلاء لهم الأخذ بما يكفيهم ويعوضهم عن الكارثة (ص 22)

الكفالة التي يتحدث عنها الكاتب هنا يتجاوز نص آية الزكاة، ويحولها إلى وثيقة تأمين مفتوحة لتغطية مال الغارمين "من أي نوع كان."  ولا ندري إن كانت هناك وقائع تاريخية أو معاصرة تسند هذا الرأي.  إن كانت الكفالة الإسلامية شاملة فهل يدخل خطر الاختطاف، على سبيل المثال، ضمنها؟  لا نعتقد ذلك إذ أن الكاتب لا يُقر بالتأمين على الحياة وهو ما تغطيه وثيقة تأمين الخطف والفدية.[21]

أما كفالة الغارم بدَيْنْ فإن

الزكاة كفيلة الغارم بدين سواء كان هذا الدين لشخصه أم للمجتمع في تصرف مباح لقول النبي عليه الصلاة والسلام: "المسألة لا تحل إلا لثلاثة منها: رجل تحمل حمالة بين قوم فيسأل حتى يؤديها ..."  والجمالة [هكذا] (بالفتح) ما يتحمله الإنسان عن غيره من دية أو غرامة مثل الصرف على إصلاح ذات البين، ولم يكن في سفه أو إسراف.

وهنا يتوسع الكاتب في تعريف الدَين (ما اقترضه الغارم ولم يعد قادراً على تسديده) ليشمل الدَين كمسؤولية تجاه المجتمع (الجريمة، شبه العمد أو في حالة الخطأ، التي يقترفها المرء وتقوم قبيلته بدفع الدية عنها لأهل القتيل كما كان سائداً في الجزيرة العربية قبل الإسلام وأبقي عليها لأنها من فضائل الجاهلية.  وقد ظلت دية القتيل ثابتة لفترة طويلة جداً محددة بمائة من الإبل رغم تغير الأوضاع الاقتصادية.  وهذا يدل على تكلس افقه في مواجهة مطالب الحياة المتغيرة).  ولا ينبهنا الكاتب إلى استثناء في "غطاء الدية" ونعني به استبعاد "الخليع" من الدية وهو "الذي يعرف نسبه ولكن أهله تبرأوا منه ولا يطالبون بجنايته أي بديته."[22]  فكرة الاستثناء هنا تقربنا من مثيلتها في وثائق التأمين – شمولية الغطاء الشرعي والتأمين التجاري مقيدة باستثناء أو استثناءات.  هذه المقارنة بحاجة إلى بحث منفصل.

بالنسبة للكاتب فإن

الزكاة جزء من نظام التكافل الاجتماعي في الإسلام، وهي تساعد الأفراد، فالزكاة فريضة لا تقدم طوعاً بل هي إلزامية التكافل بين القادرين والعاجزين. ص 22

الزكاة بهذه الصفة التكافلية بعيدة عن أشكال التأمين التجاري والتعاوني وحتى التأمين التبادلي، في صيغته الغربية أو الإسلامية، لأنها لا تستهدف الربح.  وهي لذلك مؤسسة فريدة.  ورغم تطبيقها في بعض الدول الإسلامية، إستناداً إلى النص القرآني، فإن مصادر تمويلها في التطبيق غير مضمونة وعرضة للتلاعب.  فهي نموذج لإعانة مجموعة من الناس (المساهمين في صندوق الزكاة) لمجموعة أخرى (من المستحقين لنصيب من الزكاة دون المساهمة في التمويل إلا في حالات خاصة كأن يساهم التاجر الغني في الصندوق ثم يقع في حالة إعسار يحول دون استمراره في تأدية الزكاة).  وهي بهذا تشبه بما يسدده المواطن العامل بدون أطفال من ضريبة للدولة عن دخله وثروته وتستفيد منها الدولة لتقديم إعانات للأسر التي لديها أطفال سواء كانت هذه الأسر عاملة أو عاطلة عن العمل.

في اعتباره للزكاة مماثلاً للتأمين (إعادة الأفراد إلى ما كانوا عليه من مستوى معيشي قبل التعرض للأزمة، وكفالة المنكوب بكارثة، وكفالة الغارم بدين) نلاحظ أن الكلام يدور عن الإفراد وما يصيبهم من أزمات.  يعني هذا أن التأمين بهذه الصيغة محصورة بالأضرار التي تصيب الأفراد في أموالهم وأنفسهم.  وهو لذلك لا ينطبق على الشركات العامة والخاصة والحكومات والإدارات المحلية وغيرها من المؤسسات.  هو إذن تأمين شخصي.  وإذا سلمنا بهذا التوصيف يمكن أن يكون مثل هذا التأمين، من خلال صندوق الزكاة مع التحوير، مكملاً للتأمينات الأخرى، الاجتماعية أو التجارية، في ظل اختلاط النظم الاقتصادية.

التكافل، الضمان، الاجتماعي هو حق المسلم (وغير المسلم؟) في بيت مال المسلمين لكن هذا الضمان لا يرقى إلى ما تقدمه مؤسسة التأمين من حماية، بغض النظر عن أشكالها وملكيتها، للأفراد والشركات عند وقوع الأضرار والخسائر البشرية والمادية.  مشكلة التأمين التجاري هو أنه ليس متاحاً للأفراد والشركات كافة بل لمن يستطيع شراء حمايته.  مقابل ذلك فإن الضمان الاجتماعي في العديد من الدول المتقدمة تقدم تعويضاً في حالات إصابات العمل وكذلك مرتباً لمن بلغ سن التقاعد.

مصارف الزكاة تثير أيضاً قضايا إشكالية تستدعي التحليل وإيجاد الحلول، هذا إذا غضضنا النظر عن التغير الكبير في تكوين المجتمع الحديث بحيث أصبحت الفئات المستحقة لأموال الزكاة إرثاً من الماضي.  خذ مثال الرأسمالي المسلم الذي يقترض ملايين الدنانير لتمويل مشروع ما ثم يفشل في سداد القرض لضعف إدارته لأعماله أو بسبب تغير أوضاع السوق الذي يعمل فيه لغير صالحه أو قيام أزمة مالية عامة.  هل تكفي أموال صندوق الزكاة لتغطية خسارته وخسارة غيره وإيفاء الديون؟

ما لم تهبط الثقافة المقدسة إلى أرض الدنيا المعاشة فإنها تظل تدور في دائرة النص المنفصل عن الواقع.  ومحاولات استنباط أصول للنشاطات الاقتصادية المعاصرة في نصوص ظهرت استجابة لحاجات زمانها ليست إلا محاولات لرفض ما هو قائم باعتباره دخيلاً على المقدس الموروث.  وهو ما نشهده في دراسات إسلامية عن التأمين.  وقد كتبنا في ورقة لنا:

قد يقول البعض أن النص المؤسس للتأمين موجود في القرآن وهو ما يسميه د. عيسى عبده بـ "التأمين الأصيل" وهو ما لا نتفق معه في إقحام النص الديني لمحاكمة شأن دنيوي.  فلا يرد في هذا النص الديني ما يفيد تنظيم النشاط التأميني، في صفته التجارية القائمة على تحقيق الربح أو صفته التبادلية في تحقيق فائض مالي، بموجب عقد قانوني ملزم، وصندوق لتجميع الأقساط وتسديد مستحقات المتضررين، ومؤسسة تتولى تنظيم العلاقة التأمينية. لا يعني هذا أن المجتمعات البشرية لم تشهد أشكالاً بدائية من التأمين بدون توفر عقد صريح مكتوب مثلاً، ولا يعني أيضاً وجود أشكال من التعاضد الاجتماعي الذي يحث عليه الدين الإسلامي وهو، في جوهره، جزء من التعاون الذي يقوم بين الناس، في مختلف أنحاء العالم، لإدارة حياتهم الاجتماعية. لكن النص الديني المتوارث لم يترجم نفسه عبر التاريخ في كيانات تشابه صندوق التأمين وتقوم بوظيفة التعويض عن العوار المادي والبدني الذي يلحق الناس في حياتهم كما يلحق الشركات.[23]

إننا أمام ثقافة تجعل من المقدس، الدين والنص الديني، بديلاً عن الحياة كما نعيشها بقضها وقضيضها فهي، أي الحياة في مختلف تجلياتها، غير طاهرة فالطهرانية لا وجود لها في دنيانا، وهي لا تعدو غير أن تكون صفة لعالم مُتخَيل، وعالمنا يضم خليطاً من المذاهب الفلسفية والنظم الاقتصادية والاجتماعية وأنماط الملكية.  كما يضم من يدعو إلى الخصخصة وتبجيل الطمع باسم الربح كمحرك اقتصادي ومن يدعو إلى المساواة بين الطبقات الاجتماعية أو قل التقليل من الفوارق الاقتصادية بينها عندما لا يكون البديل الاشتراكي مطروحاً على حملة راية التغيير وتقديم البديل.

وفي رأينا أن كل ما من شأنه تقليل التفاوت في المجتمع مرغوب بحد ذاته كقيمة إنسانية لتنظيم علاقات الناس، وليس المهم بعد ذلك، وفي الأمد المنظور، أن تتواجد الملكية الفردية لوسائل الإنتاج مع الملكية العامة لها، أو المفاضلة بين التخطيط المركزي وآلية السوق.  وطالما أن هناك حرية للمحاسبة واتفاق جمعي على ضبط مبدأ الربح الاقتصادي يظل التنظيم الاقتصادي القائم متمتعاً بقبول فئات واسعة من الناس.  وضمن هذا الإطار فإن التأمين الوضعي يحضى بالقبول مثلما يجد التأمين التكافلي موقعاً له في سوق بيع وشراء الحماية التأمينية. 

إن الإقدام على تأسيس شركات التأمين التكافلية في البلدان العربية منذ سنة 1979 وازدياد عددها في العقدين الماضيين، وكذلك قيام شركات تأمين أوروبية بتأسيس شركات تكافلية في أسواق الخليج وبعض الأسواق الآسيوية مؤشر قوي على نجاح مشروع التأمين التكافلي وبغض النظر عن اختلاف الدوافع بين مؤسسي هذه الشركات.  وإذا تركنا التوجه الإيديولوجي وراء تأسيس شركات التأمين التكافلية (كجزء من مشروع محاولة فك الارتباط مع الأنظمة الرأسمالية والاشتراكية وكل القيم غير الإسلامية، وهو ما أسس له أبو الأعلى المودودي[*]) فإن الهدف الآني منها هو ضمان الحصول على حصة من أعمال التأمين التكافلي.  ولا نعدم أن نرى مستقبلاً تطويراً لآليات التأمين التكافلي، من قبل الشركات الأوروبية، صاحبة الخبرة المالية الطويلة والمتمكنة من استخدام أدوات التحليل المالي والإكتواري، في تجاوز الصيغة الحالية لشركات التأمين التبادلي ومنتجاتها. 

التأمين التكافلي، رغم كل ما يقال عنه سلباً أو إيجاباً، يُكمّل بصيغة عصرية وبالاستفادة من التاريخ الطويل للتأمين التجاري، مشروع الشريعة الإسلامية في توفير حماية التأمين لجمهور طالما كان بعيداً عن التأمين بسبب التزمت في قراءة النصوص الدينية.

ملاحظة أخيرة عن الكتاب 

يفرح المرء عندما يصدر كتاب عن التأمين باللغة العربية فالمكتبة العربية مازالت فقيرة في هذا المجال.  وقد جذبنا عنوان هذا الكتاب باعتباره بحثاً عن الأصول التاريخية للتأمين والأدوار التي قام ويقوم بها لكن متن الكتاب لم يرتقي بما يكفي لهذا العنوان الجميل والجذاب.  ولعل من قام بوضع النص يُمعن في البحث عن "النشأة والأدوار" ليفيدنا جميعاً في طبعة جديدة منقحة لكتابه خاصة في ظل التطور الذي شهده قطاع التأمين في دولة الإمارات العربية من حيث هيكله والقوانين المنظمة له بما فيها القواعد الرقابية.  وهذه فرصة لتحديث المعلومات عن التأمين في دولة الإمارات العربية والعالم العربي، والتوسع في التحليل وخاصة لجوانب اقتصادية مهمة أثارها الكاتب بدقة.  وهي أيضاً فرصة لإعادة ترتيب المواد وتبويبها بشكل أفضل مما جاء في الطبعة الحالية، وإفراد مبحث خاص بالتكافل الإسلامي والشكل التأميني الذي يظهر فيه.  ونرى أن التنظير للتأمين الإسلامي (رغم تعدد التسميات) لا يزال محدوداً ويدور داخل النص الديني الذي يُفسُّر خارج أسباب تنزيله وسياقه التاريخي. 

مصباح كمال
لندن شباط/آذار/نيسان 2011
misbahkamal@btinternet.com


[*] أبو الأعلى المودودي، نظرية الإسلام السياسية (بيروت: مؤسسة الرسالة، الطبعة الثالثة 1981) والعديد من كتبه.  ففي هذا الكتيب (كان أصلاً محاضرة ألقاها في لاهور سنة 1939) يؤكد على "أن الإنسان لا يستطيع أن يكون شارعاً لنفسه بنفسه .. " ولذلك تقيد الحرية الإنسانية بحدود الله "وهذه الحدود تشتمل على عدد من الأصول والمباديء والأحكام القطعية، ... فهذه أسوار للحرية منيعة لا يجوز لأحد أن يتجاوزها.  لكن يجوز لهم أن يضعوا قوانين فرعية، أو أنظمة ولوائح (Regulations) ضمن حدودها لما يعرض لهم من الحوادث." ص35.


[1] Irving Peffer & David R Klock, Perspective on Insurance (Prentice-Hall, Inc, Englewood Cliffs, NJ, 1964), p 35.
سنحاول اقتفاء تاريخ الرقابة على التأمين في مصادر أخرى في المستقبل.

[2] Murat Koraaltürk & Fatih Kahya, “Insurance in the Ottoman Empire” in What Hurts the Purse Hurts the Soul (Istanbul: Ottoman Bank Archives and Research Centre 2009), p 12.

[3] مصباح كمال" "مداخلة حول تحديث البحث في التأمين وتاريخه في العالم العربي،" التأمين العربي، مجلة الاتحاد العام العربي للتأمين، العدد 99، 2008.  أنظر أيضاً النسخة الإلكترونية:
http://misbahkamal.blogspot.com/2009/03/99-2008.html

[4] معظم الدراسات الأسلاموية تتخذ موقفاً سلبياً من التأمين.  أنظر على سبيل المثال: د. عيسى عبده، التأمين: الأصيل والبديل (دار البحوث العلمية، الكويت وبيروت، 1972)

[5] أنظر مقالة د. سليمان بن إبراهيم بن ثنيان، عضو هيئة الـتـدريـس فـي فرع جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالقصيم المعنونة "حقيقة شركات التأمين" المنشورة في الموقع الإلكتروني صيد الفوائد.  ولم يشر الكاتب المجهول إلى عنوان الموقع أو رابط المقالة، واكتفى بالإحالة لكاتب المقالة تحت الفقرة 12 وليس في بدء عرض المآخذ وكأن هذه الفقرة هي الوحيدة التي تعتمد على مقالة بن ثنيان.
http://www.saaid.net/arabic/ar63.htm

[6] لا يرد عنوان الكتاب في الهوامش [المراجع] ونعتقد بأن الكتاب هو:
Arthur Milton, How Your Life Insurance Policies Rob You? (Citadel Press, 1992).

[7] Eric Williams, Capitalism & Slavery (London: Andre Deutsche, 1964.  First published in 1944), p 104-105.

[8] Yuna Shin, “Health Insurance Industry: How Karl Marx Can Help Us Understand the Health Care Crisis,” The Huffington Post:
http://www.huffingtonpost.com/yuna-shin/health-insurance-industry_b_318340.html

[9] في عرضه للعقبات التي توجهها أسواق التأمين العربية خصَّ واحدة منها، ص 93، "عدم تطوير التغطيات التأمينية" بالتعليق أن عدم التطوير يتمثل "بتجاهل احتياجات العميل العربي وعدم تجديد معظم وثائق التأمين والاعتماد على نسخ الوثائق الأجنبية دون تعديل نطاقها وشروطها لكي تتلائم مع العميل المحلي."

[10] ذكرنا في مقالة لنا أنه من المتوقع ومن المتوقع "أن يرفع دخول شركات التأمين الأوروبية الكبرى لسوق التكافل حجم أقساط التكافل إلى 15 مليار دولار في 2015.  ومن المتوقع أيضاً أن يتجاوز دخولها للسوق مجرد المساهمة في تعظيم حجم الأقساط إلى التأثير على تطوير وتغيير شكل وهيكل منتجات التكافل.  إن المعايير التي تعتمدها هذه الشركات تختلف عن معايير أولئك، ولا سيما معايير المسلمين الرأسماليين، الذين يروجون للتكافل الإسلامي كمفهوم بحت متوافق مع أحكام الشريعة الإسلامية.  وكشركات رأسمالية ، فإن الدافع الرئيسي لشركات التأمين الأوروبية هو السعي لتحقيق الربح في أسواق تأمين مستوى التطور التأميني فيها متدني ومن خلال ذلك المساهمة في عملية تطوير المنتجات، وتسعى في أسواق أخرى من اجل تحقيق حصة لها في السوق للحفاظ على هامش أرباحها.

وباعتبارها كيانات اقتصادية بحتة، فإن هذه الشركات أقل عناية بالمسائل الفقهية مقارنة مع الاهتمام بديناميكية الأسواق التي تعمل فيها.  بيد أنه، من الممكن أن يؤدي الامتثال لأحكام الشريعة إلى إعادة الجمع بين ميزات التأمين التكافلي والتجاري، إذ ستحاول الشركات الأوروبية تكرار ما يحدث في قطاع الخدمات المصرفية والقطاع المالي المتوافقة مع الشريعة الإسلامية.  كما ان الجامعات الغربية تستغل بالفعل هذه التطورات وستساهم، وبمرور الوقت من خلال البحوث الأساسية، في تحويل معالم المنتجات التأمين التكافلية والمنتجات المالية."
Misbah Kamal, “Forces for Change,” Global Reinsurance: Roundtable Supplement on the Middle East, May 2007, p 25.

[11] محمد ضياء الدين الريس، الخراج والنظم المالية للدولة الإسلامية (القاهرة: دار الأنصار، ط 4)، ص 130.

[12] د. احمد الشرباصي، المعجم الاقتصادي الإسلامي (بيروت: دار الجيل، 1981)، ص 140.

[13] شهد تاريخ التأمين في بريطانيا أنماط من التمييز بين طالبي التأمين ومنها "وضع الخطوط الحمراء redlining [ممارسة اكتتابيه لمنع التغطية التأمينية في مناطق جغرافية محددة لافتراض وجود احتمال كبير للخسارة في هذه المناطق في حين أن الدافع لها يقوم على تمييز غير قانوني] من قبل شركات التأمين في لندن بالنسبة للمجموعات اليهودية الإشكنازية من الطبقات الدنيا في أواخر القرن الثامن عشر، وإلى انسحاب عدد من شركات التأمين الإنجليزية على الحياة من سوق التأمين على الحياة في ايرلندة في النصف الأول من القرن التاسع عشر بسبب المخاوف بشأن الآثار المالية المترتبة على الإفراط الايرلندي في معاقرة الخمر والانتشار المفترض هناك لوثائق التأمين القائمة على المقامرة."  أنظر:
Geoffrey Clark, An Historical Viewpoint on Insurability
راجع الترجمة العربية: "وجهة نظر تاريخية عن التأمينية" في مجلة التأمين العراقي
http://misbahkamal.blogspot.com/2010/06/historical-viewpoint-on-insurability.html
(اقترح زميلي الاقتصادي د. كامل العضاض ترجمة الكلمة الإنجليزية insurability بالكلمة العربية "الاستئمانية" بدلاً من "التأمينية":

[14] مقابلة مع الاقتصادي كيث غريفين:
Keith Griffin Interviewed by James K. Boyce
“Reflections on Development Economics: An Interview with Keith Griffin” 1/18/2011, Political Economy Research Institute, University of Massachusetts Amherst

[15] د. محمد عمارة، عمر بن عبد العزيز (القاهرة: دار الهلال، 1978)، ص73.  وتفيد كتب التاريخ الإسلامي أن الخليفة عثمان بن عفّان كان ميالاً إلى فتح خزائن بيت المال أمام أهله وأقاربه مما يعني أن إدارة بيت المال من قبل العاملين عليها لم تكن تجري بحياد وموضوعية حسب القواعد الشرعية وقواعد العدالة.

[16] محمد مصلح الدين، التأمين والشريعة الإسلامية، ترجمة تيسير التريكي (بيروت: منتدى المعارف، 2011)، ص 99. 
استمالة الناس للدخول في الإسلام من خلال إغراءٍ مادي، يقتربُ من الرشوة، وتثير مسألة إشكالية لأن اعتناق الإسلام في هذه الحالة ليس قائماً على القناعة العقلية للفرد.  وقد تكون الصرامة الدينية للخليفة عمر بن الخطاب وراء وقف العمل بنصيب المؤلفة قلوبهم إضافة إلى تعزز مكانة الإسلام في زمانه.
[17] د. محمد عمارة، مصدر سابق، ص 92.
[18] نظرات تاريخية في التأمين تأليف: إيرفنغ فيفّر و ديفيد كللوك ترجمة وتقديم مصباح كمال: "مقدمة: موقع شريعة حمورابي في تاريخ التأمين،" مجلة التأمين العراقي:
[19] Dr Mohammad Musleh-Ud-Din, Insurance and Islamic Law (Lahore: Islamic Publications Limited,1969), pp 20-34.

[20] مصباح كمال، مقدمة لترجمته لدراسة أكاديمية:
Geoffrey Clark, An Historical Viewpoint on Insurability المنشور في مجلة التأمين العراقي:

[21] تغطي وثيقة الخطف والفدية مخاطر الاختطاف والابتزاز والاحتجاز غير المشروع، وتعوض الخسارة التي تكبدها المؤمن له.  لا تقوم شركة التأمين بدفع فدية للمختطفين نيابة عن المؤمن عليه الذي عليه أن يقوم أولاً بدفع الفدية، وهي الخسارة التي تكبدها ويسعى تعويضه عنها بموجب بوليصة التأمين.  وتشمل الخسارة، إضافة إلى مبلغ الفدية، خسارة هذا المبلغ أثناء نقله وبعض النفقات الإضافية كالمصاريف الطبية.  وتشمل أيضاً التعويض عن الحوادث الشخصية (الوفاة، وتقطيع الأوصال، والعجز الكلي الدائم للشخص المخطوف) ومصاريف الاستشاريين في تقديم المشورة للمؤمن عليه بشأن كيفية التصرف على أفضل وجه تجاه حادث الاختطاف.

[22] خليل عبد الكريم، الجذور التاريخية للشريعة الإسلامية (القاهرة: دار سينا للنشر، بيروت: دار الانتشار العربي، الطبعة الثانية، 1997)، ص72.
[23] مصباح كمال، "مداخلة حول تحديث البحث في التأمين وتاريخه في العالم العربي" التأمين العربي، مجلة الاتحاد العام العربي للتأمين، العدد 99، 2008.  ونشرت أيضاً في مدونة مجلة التأمين العراقي:
http://misbahkamal.blogspot.com/2009/03/99-2008.html