إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

2021/02/28

Critical Notes on Reforming the Regulatory Framework of the Insurance Sector & Insurance Services in Iraq

 

ملاحظات نقدية حول إصلاح الإطار التنظيمي لقطاع التأمين والخدمات التأمينية في الورقة البيضاء

  

مصباح كمال

 

نشرت في موقع شبكة الاقتصاديين العراقيين: 

مصباح كمال*: ملاحظات نقدية حول إصلاح الإطار التنظيمي لقطاع التأمين والخدمات التأمينية في الورقة البيضاء

 http://iraqieconomists.net/ar/wp-content/uploads/sites/2/2021/02/Misbah-Kamal-Insurance-in-White-Paper-Part-2-IEN.pdf

 

 

[1]   مقدمة

 

نشر موقع شبكة الاقتصاديين العراقيين الجزء الثاني من الورقة البيضاء، الصادر في كانون الثاني 2021، ويتضمن هذا الجزء "خطة تنفيذ برنامج الإصلاح،" وتتوزع الخطة على قسمين: القسم الأول: الحوكمة، والقسم الثاني: المشاريع.[1]

 

وقد قمنا سابقًا بنشر دراسة بعنوان "في نقد خطة إصلاح قطاع التأمين في الورقة البيضاء" كما وردت في الجزء الأول من الورقة البيضاء الصادر في تشرين الأول 2020.[2]

 

سنركز في هذه الورقة، كما فعلنا سابقًا، على مشروع الإصلاح الخاص بقطاع التأمين، مع ملاحظة أن تطور ونمو القطاع يرتبط بحركة الاقتصاد، فهو قطاع تابع بمعنى أن ازدهاره وركوده يرتبط، بشكل عام، بما يحصل للاقتصاد.  وقبل عدة سنوات كتب د. مدحت القريشي بهذا الشأن:

 

وبخصوص واقع ومشكلات القطاع فإن التأمين جزءٌ لا يتجزأ من القطاع الاقتصادي العام، ولأن الاقتصاد العراقي يعاني تدهوراً خطيراً في جميع المجالات وعلى نحو متراكم منذ بداية الثمانينيات، فابتداء بالحروب العبثية التي توالت في العراق، ومروراً بالحصار الاقتصادي والشامل وغير المسبوق الذي دام اثنتي عشر عاماً، وانتهاءً بغزو العراق واحتلاله وتخريب جميع مؤسسات الدولة الامنية والاقتصادية، كل هذا أدى إلى تدهور قطاع التأمين، وهو أمر ليس بالغريب.  والحكومات المتعاقبة، من جهتها، عندما تعتمد على مصادر غير دائمية لتمويل جزء من الانفاق العام والمتمثل بالمبالغ المدورة للسنة أو السنوات المنصرمة في تغطية عجز الموازنة الاتحادية فإن ذلك يعكس عجز السياسة المالية المتبعة عن إيجاد وتطوير مصادر التمويل الدائمية وتغيير تركيبة الإيرادات العامة فكيف يمكن توقع اهتمام الحكومات بقطاع التأمين وهو أحد مكونات موارد الموازنة.  وعليه يمكن القول بأنه إذا لم يتم إصلاح الوضع العام في البلد لا يمكن تطوير وتنمية قطاع التأمين في العراق.[3]

 

ترى هل أن خلية الطوارئ للإصلاح تحرث في البحر أم أن شروط التحول في الاقتصاد وبالتالي في قطاع التأمين على وشك النضوج رغم المحاصصة والفساد المتجذرين في النظام وطغيان الريع النفطي وغياب هوية للاقتصاد الوطني؟

 

سنختار بعض مفردات إصلاح الإطار التنظيمي والخدمات التأمينية للتعليق عليها إذ أننا قمنا بدراسة تفصيلية لمعظم المفردات التي وردت كمقترحات في الجزء الأول من الورقة البيضاء في ورقتنا "في نقد خطة إصلاح قطاع التأمين في الورقة البيضاء"

 

[2] غياب مساهمة قطاع التأمين في الإطار التنظيمي والخدمات التأمينية

 

يلاحظ غياب أي دور لشركات التأمين ضمن الجهات المنفذة والساندة فيما يخص الإطار التنظيمي والخدمات التأمينية (تقتصر هذه الجهات على ديوان التأمين، وزارة المالية، البنك المركزي العراقي، الهيئة الوطنية للاستثمار، مع إضافة الهيئة الوطنية للاستثمار فيما يخص الخدمات التأمينية).  من الصعب إشراك جميع شركات التأمين، العامة والخاصة، في خطة الإصلاح رغم أن آثار إعادة تشكيل الإطار التنظيمي والخدمات التأمينية وتطويرها سينسحب على هذه الشركات.  إن لهذه الشركات جمعيتها، جمعية التأمين العراقية، التي يمكنها أن تلعب دورًا استشاريًا يمثل مصالح أعضائها، مثلما تستطيع إصدار التوجيهات المناسبة والدعوات لمناقشة المشاريع المطروحة لإصلاح قطاع التأمين، وربما تعقد ندوة أو ندوات بشأن مشروع الإصلاح.

 

يبدو أن هناك مشكلة في عقلية القائمين على صياغة أطر التنظيم والخدمات تقوم على النخبوية وعلى حصر الإصلاح بجهات حكومية فقط فليس هناك من يمثل شركات التأمين الخاصة والعامة كجمعية التأمين العراقية.  وقد نبهنا إلى جانب من هذا الموضوع في تعليق على نية خلية الطوارئ للإصلاح، في الجزء الأول من الورقة البيضاء، بإعداد عدد من الملاحق الفنية "التي سيتم إصدارها بشكل منفصل للباحثين الذين يرغبون في الحصول على مزيد من التفاصيل حول الأسباب الكامنة وراء توصياتنا واستنتاجاتنا [توصيات الخلية]"

 

يُفهم من هذا أن الملاحق الفنية ستكون محصورة بين الباحثين، وهذا يعكس ميلًا نخبويًا لدى خلية الطوارئ، بدلًا من جعلها مشاعة ومتوفرة على نطاق واسع خاصة وأن آثارها تمس شرائح وطبقات اجتماعية واسعة.  وهذا الميل لا يتساوق مع الدعوات الديمقراطية لتعميق المشاركة العامة في تشكيل الخيارات الجماعية.[4]

 

ليس معروفًا إن كانت خلية الطوارئ للإصلاح ستقوم بنشر دراساتها التفصيلية الخاصة بمفردات الإطار التنظيمي والخدمات التأمينية.  إن العناوين الكبيرة لهذه المفردات (وقد قمنا بتقديم نقد لبعضها في دراستنا السابقة) قد تبدو بريئة ولكن الشيطان يكمن دائمًا في التفاصيل، وهي ما نفتقدها في الورقة البيضاء، ولا يمكن للأشكال البيانية الملونة أن تغطي عليها.

 

كما نلاحظ إهمال شركة إعادة التأمين العراقية (تأسست سنة 1960)، وهي شركة إعادة التأمين الوحيدة في العراق، وبفضل وجودها تستطيع العديد من شركات التأمين الخاصة مزاولة العمل.  إن هذه الشركات، الضعيفة في رأسمالها ومواردها المالية وكوادرها الفنية، تزاول العمل لأن شركة إعادة التأمين العراقية توفر لها حماية إعادة التأمين.  في غياب هذه الحماية فإن هذه الشركات الخاصة ستضطر أو أن ديوان التأمين سيضطرها إلى التوقف.

 

إن المعنيين بالشأن التأميني العراقي لا يجدون في الجزء الثاني من الورقة البيضاء ما يشبع رغبتهم في التعرّف على مصير الإعادة العراقية.[5]  وبفضل تخصص الإعادة العراقية فليس كافيًا حشرها مع شركتي التأمين الحكوميتين (التأمين الوطنية والتأمين العراقية) لتكون موضوعًا لـ "مخطط هيكلي" سيقوم به "مستشار خارجي."

 

[3]  الجدول الزمني لتنفيذ مشاريع إصلاح قطاع التأمين

 

يتوزع الجدول الزمني لتنفيذ مشاريع إصلاح قطاع التأمين على شهر واحد و 24 شهرًا من بدء إطلاق خطة التنفيذ بالنسبة لإصلاح الخدمات التأمينية، وشهر واحد و48 شهرًا بالنسبة للإطار التنظيمي لقطاع التأمين.  لكننا نقرأ التالي في مقدمة الجزء الثاني:

 

أما القسم الثاني فقد تضمن تحويل مكونات الورقة البيضاء الى برنامج الاصلاح الذي يضم مجموعة من المشاريع، بلغ عددها 64 مشروعا يشتمل كل منها على جملة مستهدفات تقود عملية تنفيذها على نحو متكامل الى انجاز كل مشروع، وتتكامل المشاريع مع بعضهاً لتنجز برنامج الاصلاح ككل. مع ملاحظة أن كل من تلك المستهدفات تنطوي على إجراءات تفصيلية يصار الى تحديدها مع الجهات المسؤولة عن كل مشروع، وضمن توقيتات يتم الاتفاق عليها في إطار مدة الخطة.[6]

 

لقد حددت الورقة البيضاء في الجزء الثاني (ص 54، 55 فيما يخص قطاع التأمين) موعد البداية وموعد النهاية لكل مفردة، فهل أن هذين الموعدين يقومان على توقيتات تقديرية دون أن يصرح بها القائمين على الورقة البيضاء، وأن "المستهدفات تنطوي على إجراءات تفصيلية يصار الى تحديدها مع الجهات المسؤولة عن كل مشروع، وضمن توقيتات يتم الاتفاق عليها في إطار مدة الخطة."  علمًا أن توقيتات انجاز الأهداف في برنامج الإصلاح حددت بمدة 3-5 سنوات (كما جاء في المقدمة، ص 2).

 

[4]  دعم "المجتمع الدولي" للورقة البيضاء

 

نقرأ في المقدمة أن الورقة البيضاء:

 

قد حظيت بالدعم الكامل من المجتمع الدولي، وهو ما تجسد في انشاء لجنة خاصة للدعم، سميت "مجموعة الاتصال الاقتصادي للعراق" [Iraq Economic Contact Group] IECG، ومهمتها توفير الدعم لعملية الإصلاح الاقتصادي في العراق في إطار الورقة البيضاء، وتضم هذه المجموعة الدول الصناعية السبع G 7، والبنك الدولي وصندوق النقد الدولي، بالإضافة الى الاتحاد الأوربي. (ص 3)

 

الدعم الكامل "للمجتمع الدولي" مفهوم لأن الورقة البيضاء تتساوق مع المطالب السياسية والاقتصادية لهذا المجتمع: أن يكون العراق مفتوحاً ومنفتحاً على إقامة نظام سياسي واقتصادي يبعد العراق من تأثيرات دول أخرى خارج هذا "المجتمع" وفكر اقتصادي لا يُسائل أطروحات الليبرالية الجديدة.  يلاحظ هنا الغياب المطلق لدور عربي يمكن للعراق أن يستفيد منه في مجال التأمين (خاصة في مجال التدريب باللغة العربية).[7]

 

ونقرأ أيضًا في نفس الصفحة:

 

إن إحدى المهام الأساسية لهذه المجموعة [مجموعة الاتصال الاقتصادي للعراق] هو تنسيق تعيين متخصصين ومستشارين دوليين لمساعدة الحكومة العراقية في المجالات الأساسية للإصلاح، وحيثما تكون هناك حاجة للمساعدة التقنية والإدارية.

 

إن تعيين متخصصين ومستشارين دوليين، بالنسبة لقطاع التأمين، يتماشى مع المشروع الأول في قائمة إصلاح الإطار التنظيمي لهذا القطاع وهو "تعيين مستشار خارجي لإعداد مخطط هيكلي لشركات التأمين الحكومية."  وهو يدلُّ على أن خلية الطوارئ للإصلاح، والخبراء العاملين معها، تفتقر إلى المعرفة في مجال إعداد مخطط لهيكلة، أو بالأحرى، إعادة هيكلة شركات التأمين الحكومية؛ وهذا يفسر اللجوء إلى "مستشار خارجي."

 

ليس من المناسب رفض الدعم في ظل النقص في الموارد التكنولوجية والبشرية، ولكن يتوجب على خلية الطوارئ عدم الاستهانة الكلية بما هو متوفر محليًا، والاستفادة من دروس إعادة الهيكلة التي اقترحتها الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (2003) التي لم يُكتب لها النجاح[8] لأنها لم تكن واقعية و "العلاج بالصدمة" ليس الحل المرتجى لمعضلات قطاع التأمين العراقي.  يأتي المتخصص والاستشاري الدولي للعراق متعاليًا بنظرته الكولونيالية وبعلمه القابل للمُساءلة وعدم معرفته بتاريخ التأمين في العراق والقوانين المنظمة للنشاط التأميني، يأتي وهو غير مُلم بتاريخ البلد وأنماط العمل والقيم وكلها مثقلة بأعباء التاريخ وبحاجة إلى تطوير لمواكبة ما يجري في أسواق التأمين المتقدمة عربيًا وعالميًا.  وهنا يحضرني ما كتبه اقتصادي مجري في دراسة له حول الاقتصاد الانتقالي لما بعد الاشتراكية في تقييم له حول دور الأكاديميين (وهو دور ليس ببعيد عن دور الاستشاري):

 

يجب أن نحاول أن نضع توصياتنا بتواضع.  ماذا لو كانت الفكرة التي نفضلها غير قابلة للتطبيق؟  ماذا لو لم تتكيف بشكل كاف مع الظروف المحلية التي لا نعرفها بشكل كافٍ؟  دعونا أن لا نكون عدوانيين، ونقحم أفكارنا بأي ثمن، لأن ذلك قد يرتد علينا ويشوه سمعة عمل كل المستشارين.[9]

 

[5]  إصلاح الإطار التنظيمي

 

فيما يلي تفاصيل مشاريع إصلاح الإطار التنظيمي لقطاع التأمين، كما وردت في ص 54 من الورقة البيضاء-الجزء الثاني.

 

(حذفنا العمود البياني الذي يبين "الجدول الزمني للتنفيذ (بالأشهر بدءاً من انطلاق خطة التنفيذ لأن موعد البداية وموعد النهاية مذكوران في عمود الجهات المنفذة والساندة والاستفادة من المساحة لتكبير حجم الخط)

 [لم أستطع نشر التاصيل هنا، وهي متوفرة عندي وبإمكاني إرسالها بالإيميل لمن يرغب]

سنعلق على بعض مفردات إصلاح الإطار التنظيمي لأننا سبق وأن نشرنا نقدًا لمعظمها في دراسة سابقة.

 

تعيين مستشار خارجي لإعداد مخطط هيكلي لشركات التأمين الحكومية

هل أن شركات التأمين الحكومية هي حقًا بحاجة لمخطط هيكلي؟  أليس هناك قوانين خاصة بتنظيم الشركات الثلاث (شركة التأمين الوطنية، شركة التأمين العراقية، شركة إعادة التأمين العراقية)؟  ما هو المخطط الهيكلي؟  وما هي هوية المستشار الخارجي؟  "خارجي" بمعنى أنه من خارج قطاع التأمين أم "خارجي" بمعنى مستشار أجنبي؟  وإذا كان المعني هو المستشار الأجنبي فإنه يعني أن العراق قد خلا من القدرات الوطنية لرسم مخطط هيكلي للشركات، وهو في ذات الوقت ينطوي على استهانة بالجهد الوطني الذي له تاريخ طويل في إعادة هيكلة شركة التأمين الوطنية وشركة التأمين العراقية في الماضي، وفي دمج الشركات في الستينيات، وفي تحويلها إلى كيانات ذات تمويل ذاتي في تسعينيات القرن الماضي.

 

في ضوء التوجه العام نحو التخلص من منشآت القطاع العام ترى هل أن ما يختفي وراء العبارة البريئة (إعداد مخطط هيكلي) هو رسم مخطط لخصخصة الشركات الثلاث (كما حاولت الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية سنة 2003)، أو دمج التأمين الوطنية والتأمين العراقية (وهو مشروع معلق في الوقت الحاضر)، أو استعادة التخصص الحصري لشركة التأمين العراقية (الذي ألغي في ثمانينيات القرن الماضي) في مجال تأمينات الحياة (بضمنها تأمين المعاشات التقاعدية).

 

كم كان سيكون سهلاً تجنب مثل هذه التكهنات، التي قد تكون خاطئة أو صحيحة، لو أن خلية الإصلاح قد نشرت أوراق استشارية consultation papers لهذه الجزئية وغيرها من جزئيات إصلاح قطاع التأمين.

 

إعداد دراسة جدوى لشبكة فروع شركات التأمين الحكومية

يقف الواحد منا حائرًا أمام الصياغة اللغوية "دراسة جدوى لشبكة فروع شركات التأمين الحكومية" لأنها توحي أن هذه الشركات ليس لها فروع في الوقت الحاضر، وأن السادة الخبراء وراء الإصلاح يخططون لدراسة تأسيس فروع للشركات.

 

ربما أراد من قام بهذه الصياغة دراسة قنوات جديدة لتوزيع منتجات التأمين، خارج الفروع والمكاتب والقليل من وكلاء الإنتاج، من خلال التأمين عبر المصارف bancassurance أو التأمين عبر المنصات الإلكترونية، أو الدفع باتجاه تعزيز دور وكالات التأمين من الأفراد والشركات في الإنتاج بصيغة متقدمة، أو إدخال الوكالات الاكتتابية.

 

ربما أن النية تتجه إلى إعادة النظر، بالنسبة لشركة التأمين الوطنية مثلاً، بمكاتب الشركة وبالفروع الجغرافية (للتسويق والخدمات) وبالفروع الفنية القائمة على التخصص في الإدارة العامة للشركة (1977)

 

تعديل التشريعات ذات العلاقة بإفساح المجال أمام شركات التأمين العراقية لتوسيع خدماتها

 

يضم الإطار التنظيمي مشروع قائم بذاته تحت العنوان أعلاه، وهو عنوان هلامي لأنه يمكن أن يعني تعديل المواد الضارة بقطاع التأمين العراقي التي يضمها قانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005 (الأمر رقم 10) الذي قام المحتل الأمريكي بصياغته؛ أو تعديل تشريعات أخرى "ذات علاقة" لعل من بينها قانون تأسيس شركة التأمين الوطنية لسنة 1950 الذي يحصر تأمينات الدوائر والمؤسسات الحكومية بهذه الشركة، وهو قانون ما يزال نافذًا.[10]

 

ليس واضحًا سبب إفراد باب لهذه التشريعات خاصة وأن باب "تعديل قانون التأمين" يمكن أن يستوعب تعديل التشريعات ذات العلاقة.  ولكن يبدو أن التعديل المطلوب يصب لصالح شركات التأمين الخاصة التي تتشكى، وهي على حق، من حصر التأمينات الحكومية بشركة التأمين الوطنية، مما حدا بخلية الطوارئ للإصلاح إفراد باب مستقل له.

 

تفرد الورقة البيضاء 12 شهرًا لإنجاز هذا الإصلاح في مجال التشريع التأميني.  ترى هل أن هذه الفترة كافية لـ "تعديل التشريعات ذات العلاقة" خاصة وأن صيغة الجمع توحي بأن هناك العديد من التشريعات التي تنتظر المراجعة والتعديل.

 

تعديل قانون التأمين

نعتقد أن المقصود بقانون التأمين هنا هو قانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005 (الأمر رقم 10).  ليس معروفًا إن قام خبراء الحكومة بدراسة هذا القانون أو نشروا دراسات عنه للتداول في المجال العام أو قرأوا ما كتبه بعض ممارسو التأمين في العراق أو استشاروا خبراء قانونيين داخل العراق للكشف عن تعارضه مع قوانين تأمينية قائمة.

 

لو كان مشروع إصلاح الإطار التنظيمي خاضعًا للدراسة، والاستشارة مع كيانات التأمين العراقية، لما جرى فصل "تعديل التشريعات ذات العلاقة بإفساح المجال أمام شركات التأمين العراقية لتوسيع خدماتها" عن الإصلاح تحت باب "تعديل قانون التأمين."  لذلك نظن أن مفردات الإصلاح صيغت أصلًا كمقترحات منفصلة دون أن تكون جزءًا من خطة استراتيجية لإعادة تنظيم شركات التأمين الحكومية وقطاع التأمين بشكل عام.

 

تفرد الورقة البيضاء 18 شهرًا لإنجاز هذا الإطار التنظيمي.  وهي فترة طموحة خاصة إن اقتضى التعديل استشارة شركات التأمين حول مواد القانون التي تقتضي التعديل.  إن خلية الطوارئ لم تطلع علينا بتفاصيل المواد التي ستخضع للتعديل.

 

[6]  إصلاح الخدمات التأمينية

 

فيما يلي تفاصيل مشاريع إصلاح الخدمات التأمينية، كما وردت في ص 55 من الورقة البيضاء-الجزء الثاني.  وقد ورد بعضها في الجزء الأول كوسائل مقترحة لإصلاح قطاع التأمين، ولم تتجاوز هذه الوسائل صيغة العناوين؛ أي أنها لم تقترن حتى ببعض الشروح البسيطة.

[لم أستطع نشر التاصيل هنا، وهي متوفرة عندي وبإمكاني إرسالها بالإيميل لمن يرغب]

 

كما ذكرنا في بداية هذه الورقة فإننا لن نناقش ماورد في إصلاح الخدمات التأمينية إذ أننا قدمنا دراسة عنها سابقًا.  لكننا سنتوقف قليلًا عند العنوان "الخدمات التأمينية" و "تفعيل شركة تأمين الودائع" المناط تنفيذه بالبنك المركزي العراقي.

 

خلية الطوارئ واستخدامها لمفهوم الخدمات التأمينية

يفهم من خدمات التأمين، في أبسط تعريف لها، على أنها جملة من الخدمات (على سبيل المثل، إصدار وثيقة تأمين، تسوية مطالبة بالتعويض، الكشف الميداني على محل التأمين، تقديم الاستشارة للمؤمن له فيما يخص إدارة الأخطار المؤمن عليها الخ) وعددًا من المنتجات (وثائق التأمين أساسًا) التي تقدمها شركة التأمين من خلال قنوات تقليدية لتوزيع المنتج كالبيع المباشر أو من خلال وسيط أو وكيل للتأمين أو المصارف أو المنصات الإلكترونية.

 

ضمن هذا الإطار فإن "تطوير منتجات التأمين الحالية" و "إضافة منتجات تأمينية جديدة لتوسيع القطاع" و "تنشيط الوعي التأميني لدى الجمهور" كلها تُصنّف كخدمة، وكذلك "تضمين قطاع التأمين الإلكتروني تدريجيًا."  وحتى "تحسين التحليل التأميني لمختلف الشركات والسكان" يمكن أن ينظر إليه في إطار الخدمات التي يمكن لشركة التأمين تقديمها باعتبار أن "التحليل التأميني" لدى الشركات (على سبيل المثل، دراسة مصادر الخطر التي تتعرض لها الشركات، وسائل إدارة الخطر، تحليل عقود التأمين وغيرها) والسكان (على سبيل المثل، توسيع المعرفة الكافية بمؤسسة التأمين وما توفره من حماية للأسرة، وفلسفة التدبر للمستقبل من خلال التأمين، وهو ما يرتبط بـ "تنشيط الوعي التأميني لدى الجمهور."

 

ولكن لماذا يُصنّف "إلزام مختلف الجهات الرسمية وغير الرسمية بتوفير التغطية التأمينية" كخدمة تأمينية في حين أنه يُشكّل أحد مصادر الطلب على التأمين بقوة التشريع (وهذا ما نفهمه من استخدام كلمة "إلزام").  وقل مثل ذلك بالنسبة لـ "وضع مخصصات للشركات العاملة في العراق للاستفادة من شركات التأمين العراقية لتغطية التأمين على الأصول في العراق."

 

أما "ضمان حصول الشركات الأجنبية العاملة في العراق على التغطية التأمينية من الشركات العراقية [شركات التأمين العراقية]" فهو يقع ضمن الإطار التنظيمي، ويقترن بضرورة تعديل بعض أحكام قانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005.[11]

 

فيما يخص "زيادة السقوف التأمينية التي تمكن شركات التأمين من تغطية المشروعات الاقتصادية الكبيرة" فإنها مسألة داخلية لشركات التأمين ومسألة تنظيمية.  وكما كتبنا في دراسة سابقة في نقد الجزء الأول من الورقة البيضاء عن الجانب الداخلي:

 

لا شك أن حجم رأسمال شركة التأمين يقرر، نظريًا، قدرة شركة التأمين على الاكتتاب بالأخطار إلى حدود معينة تتناسب وهذا الحجم والاحتياطيات الحرة المتراكمة لديها.  لكن المعروف أن شركة التأمين لا تعتمد فقط على رأس المال والموارد المالية الأخرى المتوفرة لديها بل تلجأ إلى حماية إعادة التأمين.  هذا ما كانت تعمل به شركة التأمين الوطنية قبل 2003 عندما كانت تغطي المشاريع الإنشائية والصناعية الكبيرة (كانت الشركة الوحيدة التي تكتتب بالتأمينات العامة).

 

إن حجم الأخطار لم يُشكّل مشكلة فنية لشركة التأمين لأنها كانت تمتلك الوسائل المناسبة لتسعير الأخطار ووضع شروط التأمين اعتماداً على مواردها الداخلية (مهندسين ومكتتبين) وعند استنفاد ذلك وإن تطلب الأمر (تعقيد محل التأمين وجسامة مبلغ التأمين، على سبيل المثل)، فإنها تلجأ إلى التعاون مع أسواق إعادة التأمين العالمية إما بالاتصال المباشر أو من خلال وسطاء محترفين لإعادة التأمين.  ومن تجربتي كان ذلك يتم في سوق لندن في معظم الحالات.

 

أما المسألة التنظيمية فهي تتعلق بالدور الرقابي لديوان التأمين في تحديد الحدود الدنيا لرأسمال شركات التأمين (تعليمات المبلغ الأدنى للضمان) وهامش الملاءة.  وقد يأتي اليوم الذي يعتمد فيه الديوان معيار رأس المال المعتمد على المخاطر risk based capital لتنظيم قياس الحد الأدنى من رأس المال المناسب لشركات التأمين كمكمل أو بديل لرأس المال الثابت كأداة أساسية لمراقبة الملاءة المالية لشركات التأمين.

 

تفعيل عمل شركة تأمين الودائع

في 31 كانون الثاني 2018 أعلن البنك المركزي عن توقيع عقد تأسيس شركة ضمان الودائع المصرفية مع الهيئة المؤسسة التي "ضمت المصارف الحكومية والخاصة بضمنها الاجنبية ومجموعها 44 مصرفا موزعه بواقع 6 مصارف حكومية 22 مصرف تجاري و 16 مصرف أجنبي."[12]

 

يُفهم من هذا الخبر أن شركات التأمين الحكومية وشركات التأمين الخاصة ليست جزءًا من هذه الشركة.  وعلى أي حال فإن هذه الشركة ليست جزءًا من قطاع التأمين التقليدي، وهي معنية فقط بحماية ودائع الجمهور من الأفراد والشركات لتعزيز الثقة بالنظام المصرفي العراقي.  وهي لذلك شركة لتعويض المودعين، بالكامل أو جزئيًا، عن ودائعهم في حال تعثر أو إعسار أحد المصارف الأعضاء، وتفادي خطر امتداد عدوى الإعسار إلى المصارف الأخرى.  إن شركة ضمان الودائع المصرفية تعمل على تحويل عبء تعويض المودعين من قبل الدولة إلى نظام مستقل قائم على أساس التحصيل (تمويل مسبق) من المصارف الأعضاء، وربما كان هذا أحد أسباب تأسيس مثل هذه الشركة.

 

المخطط التأميني لضمان الودائع ليس معروفًا حتى الآن.  نعتقد أن التعويض سيكون محددًا بسقف أعلى، أي أن التعويض لن يكون غير جزء صغير من إجمالي الودائع المودعة لدى المصرف المُعسر.  ليس معروفًا كيف تتم الاستجابة في حال قيام أزمة مصرفية مالية نظامية.  هل تتدخل عندها الدولة أو البنك المركزي لإنقاذ المصارف؟

 

كم كان مفيدًا لو نشرت خلية الطوارئ دراستها حول تفعيل شركة ضمان الودائع المصرفية.

 

[7]   كلمة أخيرة

 

قد يبدو نقدنا لمشروع الإصلاح التأميني، في هذه الورقة، وورقتنا المنشورة سابقة، قاسيًا إلا أن ما كتبناه يهدف إلى إثارة النقاش في قضايا تمس واقع ومستقبل شركات التأمين العراقية وليس الانتقاص من الجهد المبذول في إعداد المشروع رغم تحفظنا على جزئياته.  حسنًا عملت خلية الطوارئ للإصلاح بالتفريق بين الإطار التنظيمي لنشاط التأمين وبين الخدمات التأمينية رغم أن قناعتنا تميل إلى اعتبار الخدمات التأمينية مجالًا مفتوحًا قابلًا للتطور باستمرار مع المتغيرات في الاقتصاد والقوانين وقيام مصادر جديدة للطلب على المنتج التأميني.

 

ربما كنا سنكتب بنبرة مختلفة لو أن تفاصيل الإصلاح اقترن بنشر الدراسات المرتبطة بها.  هناك تقليد مهني في سوق التأمين البريطاني وغيرها من الأسواق حيث تستدرج الحكومة أو الهيئة الرقابية من الأطراف المعنية بالنشاط التأميني الآراء حول تعديل قوانين أو لوائح تنظيمية قائمة من خلال أوراق استشارية.  ويبدو أن خلية الطوارئ للإصلاح كانت تعمل خلف الكواليس بصمت فلم يرشح في وسائل الإعلام ما يفيد تكوين الخلية واعضائها والأطراف التي شاركتها في الدراسة وتلك التي استمزجت آراءها في الإصلاح.

 

السؤال الذي نتمنى من أصحاب الشأن في قطاع التأمين الإجابة عنه هو: هل أن مشاريع إصلاح القطاع في الورقة البيضاء، في الجانب التنظيمي وجانب الخدمات، ترقى إلى خطة استراتيجية لإعادة تشكيل وتعزيز سوق تأميني وطني اتحادي (فيدرالي) متكامل (تأمين مباشر، إعادة تأمين، وساطة التأمين، وكالات تأمين، خدمات متخصصة لتسوية المطالبات، خدمات اكتوارية، خدمات هندسية لتقييم الأخطار وغيرها من الخدمات الساندة)؟

 

نتمنى على إدارات شركات التأمين الاهتمام بمضمون إصلاح قطاع التأمين وتفكيك هذا المضمون وما يعنيه لكل واحدة منها.  لا نذكر إن قامت أية شركة تأمين، أو ديوان التأمين، أو جمعية التأمين العراقية بإصدار ورقة موقف تجاه قضايا تتعلق بواقعها ومستقبلها.  إن نشر الورقة البيضاء بجزئيه الأول والثاني يوفر فرصة للإعلان عن مواقفها. الفردية والجماعية تجاه ما يرسم لها.

 

26 شباط 2021



[1] يمكن قراءة النص الكامل في موقع الشبكة باستخدام هذا الرابط:

http://iraqieconomists.net/ar/wp-content/uploads/sites/2/2021/02/الورقة-البيضاء-الجزء-الثاني-.pdf

 

[3] د. مدحت القريشي، تقديم لكتاب مصباح كمال، التأمين في التفكير الحكومي وغير الحكومي (مكتبة التأمين العراقي، 2015)، ص 9-10.

 

الكتاب متوفر في موقع شبكة الاقتصاديين العراقيين:

http://iraqieconomists.net/ar/wp-content/uploads/sites/2/2015/09/Iraqi-Governments-and-Insurance.pdf

 

 

[4] مصباح كمال، "ملاحظات وتأملات في نقد بعض جوانب الورقة البيضاء لحكومة مصطفى الكاظمي،" موقع شبكة الاقتصاديين العراقيين:

http://iraqieconomists.net/ar/2020/10/26/%d9%85%d8%b5%d8%a8%d8%a7%d8%ad-%d9%83%d9%85%d8%a7%d9%84-%d9%85%d9%84%d8%a7%d8%ad%d8%b8%d8%a7%d8%aa-%d9%88%d8%aa%d8%a3%d9%85%d9%84%d8%a7%d8%aa-%d9%81%d9%8a-%d9%86%d9%82%d8%af-%d8%a8%d8%b9%d8%b6/

 

[5] للتعريف بتاريخ الإعادة العراقية راجع تيسير التريكي ومصباح كمال، حوار مع رائد في إعادة التأمين: الدكتور مصطفى رجب، (بيروت: منتدى المعارف: 2020).  لتعريف إضافي مع عرض لبعض قضايا الشركة راجع مصباح كمال، شركة إعادة التأمين العراقية: ما لها وما عليها (نور للنشر، 2018)

[6] الورقة البيضاء، الجزء الثاني، ص 5.

[7] إن التدريب باللغة الإنجليزية خارج العراق، على قلته خلال العقود الماضية، لم يؤتي ثماره لأسباب مختلفة منها: عدم امتلاك المتدربين معرفة كافية باللغة الإنجليزية، سوء اختيار بعض المتدربين من غير الفنيين، غياب سياسة محددة للتدريب لدى شركات التأمين العراقية، عدم ملائمة برامج التدريب الأجنبية مع متطلبات سوق التأمين العراقي.

 

[8] للتعريف بالخلفية وماهية إعادة الهيكلة راجع مصباح كمال، قانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005: تقييم ودراسات نقدية (بغداد: منشورات شركة التأمين الوطنية، 2014)، وخاصة فصل "نقد مشروع إعادة هيكلة سوق التأمين العراقي،" ص 33-49.  النسخة الإلكترونية للكتاب متوفر في موقع شبكة الاقتصاديين العراقيين.

[9] Janos Kornai, Highways and Byways, Studies on Reform and Post-Communist Transition (Cambridge, Massachusetts: The MIT Press, 1995), p 227.

[10] مصباح كمال، "قراءة أولية لمشروع حصر تأمينات الدولة بشركة التأمين الوطنية،" في موقع شبكة الاقتصاديين العراقيين:

http://iraqieconomists.net/ar/2018/02/21/%d9%85%d8%b5%d8%a8%d8%a7%d8%ad-%d9%83%d9%85%d8%a7%d9%84-%d9%82%d8%b1%d8%a7%d8%a1%d8%a9-%d8%a3%d9%88%d9%84%d9%8a%d8%a9-%d9%84%d9%85%d8%b4%d8%b1%d9%88%d8%b9-%d8%ad%d8%b5%d8%b1-%d8%aa%d8%a3%d9%85%d9%8a/

 

[11] راجع مصباح كمال، "المادة 81 من قانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005 (الأمر رقم 10): المدخل لتغيير القانون،" الثقافة الجديدة، عدد مزدوج 353-354، كانون الأول 2012.  والدراسة تشكل فصلًا من كتابي قانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005: تقييم ودراسات نقدية (بغداد: منشورات شركة التأمين الوطنية، 2014)، ص 171-183.

[12] موقع البنك المركزي العراقي https://cbi.iq/news/view/585