إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

2008/07/25

فؤاد عبدالله
أرصدة شركتي التامين الوطنية والإعادة العراقية كتب فؤاد عبدالله معلقاً على مقالة "أرصدة شركة إعادة التأمين العراقية لدى مصرف الرافدين في المملكة المتحدة (تحت التصفية)": عزيزي مصباح قبل كل شيء لابد أن أشكرك على فكرة إيجاد هذا الرابط الذي شكل ويشكل منبرا لكل زملائنا التاريخيين في مهنة التامين، وكلهم أصدقاء أحبة، كما انه سيغني الأفكار والأطروحات الخاصة بصناعة التامين في العراق. وخلاصة القول، انك بادرت لإيجاد موقع يملكه الجميع. وللأسف فان الوقت الآن بالنسبة لي غير متاح، بالقدر الكافي، للمشاركة الآنية فهناك الكثير من الموضوعات التي كان لابد لي من المساهمة فيها ولكن المساهمة آتية حتما في وقت لاحق. موضوعة أرصدة شركتي التامين الوطنية والإعادة العراقية في مصرف الرافدين / لندن هي، كما أوردتها في الموضوع المطروح من قبلك في الرابط، أموال وضعت في المصرف لمواجهة التزامات الشركتين في لندن والسوق الدولية. وقد جمدت في حينها ثم وضع المصرف تحت التصفية التي انتهت قبل فترة قصيرة بحضور مدراء عامي المصرف وشركات التامين اجتماع الدائنين في لندن. ولا أعلم كم ستكون حصة الشركتين بعد التصفية التي، على الأغلب، ستكون بسيطة وغير ذي أثر في إعادة أوضاع الإعادة العراقية، المالية والمهنية وغيرها، إلى ما كانت عليها أيام عزها وخاصة في ظل المعايير الدولية السائدة وبالذات تصنيف الشركات الذي يعتمد الآن على حجم رأس المال وضخامة المحفظة والملاءة المالية المتميزة . على كل حال، فان هذا الموضوع سيكون موضع نقاش حول مصير الإعادة العراقية وهل لا زال بالإمكان إعادة دورها كمعيد تامين مؤثر في المنطقة والسوق الدولية. بقي شيء مهم لا بد أن اذكره هنا. فقد قامت الإعادة العراقية كمحاولة لاستمرار وجودها بعد تطبيق قرارات الحصار الاقتصادي في 1990 بفتح حساب حر في عمان / الأردن وكذلك في لندن بموافقة المصرف المركزي للبلدين، وبالذات في المصرف البريطاني ناشنال ويستمنستر NatWest لاستيعاب الأموال المتحققة للشركة بعيدا عن مصرف الرافدين الذي أصبح تحت التصفية المؤقتة بقرار من المصرف المركزي البريطاني. وكان من المؤمل أن هذا الحساب يمكن تحريكه بواسطة البنك المركزي لسداد جزء من التزامات الشركة في سوق لندن على اقل تقدير. ولكن هذا الحساب استوعب مبالغ لا بأس بها دون أن تتمكن الشركة من تحريكه لمواجهة التزاماتها للصعوبات والعراقيل التي كان يضعها المصرف المركزي البريطاني. وكانت النتيجة ابتلاع الرصيد بعد الاحتلال بقرار سيئ ومضحك من مجلس الأمن[1] بوضع اليد على أموال مودعة بموافقة وإشراف الحكومة البريطانية. والأدهى من ذلك أن الإعادة العراقية عندما كانت تسأل الناشنال ويستمنستر عن رصيدها كان الجواب أن لا حساب لديكم. إنها شريعة الغاب في عصر عولمة رأس المال. مع خالص التمنيات . فؤاد عبدالله المنامة 15 تموز 2008 [1] القرار رقم 1483 الصادر في أيار 2003 أنهى العقوبات الاقتصادية وبموجبه تم تأسيس صندوق تنمية العراق (Development Fund for Iraq) الذي أخذ على عاتقه إدارة إيرادات بيع النفط العراقي، والأموال المتبقية من برنامج النفط مقابل الغذاء وموجودات مالية عراقية أخرى (حسابات مصرفية بلغت 1.724 بليون دولار أمريكي) تم الاستيلاء عليها. وفتح حساب للصندوق لدى المصرف الاحتياطي الأمريكي في نيويورك، وأنيط مهمة السيطرة على هذا الصندوق لسلطة التحالف المؤقتة – الإدارة المدنية للاحتلال الأمريكي-البريطاني. وقد تبين، بعد التحري، أن الأموال المتجمعة في الصندوق البالغة 23 بليون دولار أمريكي لم تصرف بشكل صحيح وموثق من قبل سلطة التحالف المؤقتة وأن مصير8.8 بليون دولار لا يزال مجهولاً.
أرصدة شركة إعادة التأمين العراقية لدى مصرف الرافدين في المملكة المتحدة (تحت التصفية) مصباح كمال [1] ذكرت في دراسة لي بعنوان "التأمين في العراق وعقوبات الأمم المتحدة" أن: "أحد آثار هذا القرار [قرار مجلس الأمن الدولي رقم 661 الصادر في 6 آب/أغسطس 1990] هو تجميد أرصدة قطاع التأمين العراقي في الخارج. فعلى سبيل المثال، يذكر البعض أن شركة التأمين الوطنية كانت تحتفظ بحساب، ربما بلغ بضعة ملايين جنيه إسترليني لدى فرع مصرف الرافدين في لندن لتسهيل الامتثال لشرط تسديد أقساط اتفاقيات إعادة التأمين غير النسبية (المرتبة على أساس ما يسمى بتجاوز الخسارة excess of loss reinsurance) وقت أوانها؛ وكذلك تسديد حصة الشركة في الخسارات العمومية في الـتأمين البحري general average وبشكل عام وفاء الشركة لالتزاماتها تجاه الأطراف الأجنبية التي تتعاقد معها (شركات إعادة التأمين) أو من خلالها (وسطاء إعادة التأمين). ليست لدينا معلومات عن مآل هذا الرصيد، وربما يسري عليه نفس الإجراءات التي اتخذتها الحكومة البريطانية، على سبيل المثال، بشأن أرصدة العراقيين من الأفراد والشركات ـ أي السحب بعد تقديم طلب وموافقة وحدة العقوبات في المصرف المركزي في انجلترة."[1] وذكرت في هامش لهذه الفقرة أن الأرقام وردت في تقرير سوق التأمين العراقية المقدم إلى المؤتمر العام العشرين للاتحاد العام العربي للتأمين، مراكش، المملكة المغربية، 2-4 أيار/مايو 1994 دون شرح أو توضيح. وقتها لم نأتي على ذكر أرصدة شركة إعادة التأمين العراقية بالاسم لأننا لم نتوفر على معلومات بشأنها. وربما كان ما أوردناه بشأن أرصدة شركة التأمين الوطنية غير صحيحا لكننا لم نقرأ أو نسمع من زملائنا ما يفيد ذلك ولعل البعض منهم من العارفين بالأمر يتناولون معالجة الموضوع لتصويب ما أخطأنا فيه. نقول هذا لأن موضوع الأرصدة التأمينية المجمدة يستحق الدرس لأنه حصل في فترة صعبة من تاريخ صناعة التأمين في العراق ولم تكن دراستنا اليتيمة سوى محاولة أولى في هذا المجال ونعني به نظام العقوبات الدولية وآثارها على صناعة التأمين. بعد أن توفرنا على بعض المعلومات عن أرصدة شركة إعادة التأمين العراقية نود الآن أن نعرضها في هذه الورقة لإغناء دراسة واقع التأمين في فترة الحصار الدولي 1990-2003 وتطهير اسم الشركة من الخَبَث الأمريكي الذي أساء إلى سمعتها وكأنها مؤسسة إرهابية. وحسب علمنا فإن إدارة الشركة لم تقم بالدفاع عن نفسها وتوضيح موقعها ولو من خلال الصحافة التأمينية. [2] في ربيع 1991 وبعد غزو العراق للكويت نشرت وزارة الخزانة الأمريكية قائمة تضمنت اسم 52 شركة و 37 شخصاً باعتبار هذه الشركات وهؤلاء الأشخاص واجهات أو عملاء لنظام صدام تعمل من أجل الحصول على التكنولوجيا العسكرية وبذلك أصبحت هذه الشركات والأشخاص خاضعين لقرارات الحظر الأمريكية وورد اسم شركة إعادة التأمين العراقية ضمن هذه القائمة (نيويورك تايمز، 2 نيسان 1991).[2] قدرت الأموال المجمدة لهذه الشركات والأشخاص في ذلك الوقت بحوالي 1.7 مليار دولار. بعد الغزو الأمريكي للعراق سنة 2003 سلمت هذه الأموال، أو بعض منها، إلى سلطة الائتلاف المؤقتة في العراق ودفعت جزءاً منها رواتب للعراقيين المدنيين والعسكريين. وقد تجدد الحديث مؤخراً عن الأرصدة العراقية المجمدة في الولايات المتحدة الأمريكية التي تقدر بعشرات البلايين من الدولارات والتي ما يزال مصيرها غامضاً.[3] بعد الغزو تبرع الصحفيون الأمريكان في تهويل حجم أرصدة بعض المؤسسات العراقية دون تمحيص الحقائق بترديد ما أشاعته وزارة الخزانة الأمريكية، في قرار حظر التعامل وتجميد الأموال العراقية، عن دور هذه المؤسسات في خدمة خطط صدام الجهنمية. وطال هذا التهويل شركة إعادة التأمين العراقية لتكون واحدة من الشركات الخمس الكبار! لنقرأ هذه الفقرة: “The most-sought after accounts are in the names of five Iraqi entities; the Central Bank of Iraq, the Iraqi Reinsurance Company, Rafidain Bank, Rasheed Bank and the Iraqi Airways Company. Hundreds of millions of dollars held in the Baghdad accounts of this "big 5" were immediately seized by US forces and said to have been turned over to the Iraq reconstruction fund.”[4] المهم في الموضوع، بالنسبة لنا، هو ورود أسم شركة إعادة التأمين العراقية ضمن هذه القائمة باعتبارها واحدة من خمسة كيانات عراقية كبيرة تشكل شبكة مالية سرية تتعامل بملايين الدولارات لحساب نظام صدام ومشروعاته العسكرية السرية. أما الكيانات الأخرى فهي: المصرف المركزي العراقي، مصرف الرافدين، مصرف الرشيد وشركة الخطوط الجوية العراقية. لا غرو أن نظام صدام الدكتاتوري قد ابتلع الدولة والمجتمع وسخر المؤسسات الرسمية لصالح سياسات عدوانية وغير عقلانية أساءت لمصالح الشعب العراقي ومستقبل التطور والتنمية الاقتصادية للبلاد ومهدت السبيل للغزو والاحتلال.[5] ذلك الوضع، في تقديرنا، لم ينسحب مباشرة على دور قطاع التأمين ما خلا ربما التدخل في التعيينات أو الترقيات للوظائف الأساسية ولكن هذا التدخل، حسب علمنا، لم يخلّ ذلك بضرورة توفر المؤهلات المهنية والأكاديمية للعاملين. فقد عرفت شركة إعادة التأمين العراقية كشركة تجارية فنية تتمتع بسمعة حرفية جيدة في العالم العربي وبلدان "العالم الثالث" واستقطبت عناصر وظيفية عالية الكفاءة مازال البعض منهم يعملون في شركات ومؤسسات تأمين عربية. ولكن ترى ما هي حقيقة الحجم الحقيقي لحسابات شركة إعادة التأمين العراقية؟ فيما يلي سنعرض المعلومات المتوفرة لدينا بهذا الشأن من خلال قضية تصفية مصرف الرافدين في المملكة المتحدة. [3] بعد غزو العراق للكويت في 2 آب 1990 وقطع العلاقات الدبلوماسية بين العراق والمملكة المتحدة تقدم بنك إنجلترة (المصرف المركزي البريطاني) بطلب لدى المحكمة العليا - محكمة الشركات - لتصفية مصرف الرافدين في المملكة المتحدة. وصدر أمر المحكمة بهذا الشأن في 21 شباط 1991 بتعيين مدققين قانونيين من شركة المحاسبة القانونية برايس ووتر هاوس كمأمورين مشتركين للتصفية المؤقتة للمصرف. كانت شركة إعادة التأمين العراقية تحتفظ بأرصدة لدى مصرف الرافدين في لندن لمقابلة مسؤولياتها المالية تجاه شركات التأمين وإعادة التأمين التي كانت تتعامل معهم وتسدد منها إيجار مكتبها والموظفين العاملين فيها.[6] أصبح المكتب بين ليلة وضحاهاً محروماً من أرصدته كما أصبح خاضعاً لقرارات الحظر التي أصدرها مجلس الأمن الدولي. وبذلك أصبحت الشركة غير قادرة على متابعة أعمالها ومقابلة التزاماتها خاصة بعد أن توقفت شركات إعادة التأمين العالمية من الاستمرار في توفير الحماية الإعادية لها. على إثر ذلك تقدمت الشركة وكذلك شركة الخطوط الجوية العراقية وسفارة الجمهورية العراقية بطلب إطلاق بعض الأرصدة الدائنة لها لدى مصرف الرافدين في لندن التي أصبحت قيد التصفية المؤقتة بأمر قضائي. وقام مأمورا التصفية بتقديم طلب بهذا الشأن للمحكمة العليا. وحيث أن الأطراف الثلاث هذه لم تتوفر على موارد نقدية قام المأموران بتخصيص مبلغ من أرصدة مصرف الرافدين الخاضعة لسيطرتهما لتغطية التكاليف القانونية والقضائية. فيما يلي نقدم ترجمة، مع التصرف والإضافة، لبعض فقرات القضية التي عرضت أمام المحكمة العليا في لندن فيما يخص أرصدة شركة إعادة التأمين العراقية لدى مصرف الرافدين في لندن.[7] في التاسع من تموز 1991 تقدم مأمورا التصفية المشتركين المعينين في 21 شباط/فبراير 1991 من قبل بنك إنجلترة (المصرف المركزي البريطاني) لتصفية مصرف الرافدين في المملكة المتحدة بطلب أمام المحكمة العليا في لندن نيابة عن المدعى عليهم (the respondents) للحصول على توجيهات (directions) من المحكمة بشأن صرف مبالغ محددة لهم من أصول عراقية خاضعة لسيطرة مأموري التصفية. المدعى عليهم، دائنين لدى مصرف الرافدين، هم سفارة الجمهورية العراقية، شركة إعادة التأمين العراقية وشركة الخطوط الجوية العراقية، تقدموا بإقرار أنهم قد تعرضوا إلى صعوبات مالية كبيرة منذ دخول عقوبات مجلس الأمن الدولي حيز التنفيذ بعد غزو العراق للكويت في 2 آب 1990. شركة إعادة التأمين العراقية وشركة الخطوط الجوية العراقية كانتا مجبرتان، بموجب القوانين العراقية، على فتح حسابات مصرفية مع مصرف الرافدين حصراً. وجاء في دعوى المدعى عليهم إن عدم إطلاق الأرصدة لهم ينتهك حقوق العراق السيادية أمام المحاكم الإنجليزية إذ أن المحكمة بذلك تعطي لنفسها حق إقرار ملكية أموال تدعي ملكيتها دولة سيدة. وبدلاً من ذلك طلب محامو الدائنين من المحكمة ممارسة حريتها في تقدير هذا الأمر بموجب البند 127 من قانون الإعسار لسنة 1978 (Insolvency Act 1978) كونهم دائنين للمصرف. في اتخاذ قرارها أخذت المحكمة بنظر الاعتبار: أن شركة إعادة التأمين العراقية ملزمة بموجب القوانين العراقية على فتح حساباتها المصرفية مع مصرف الرافدين حصراً؛ وأن لها أرصدة كبيرة مع هذا المصرف بقيمة 700,000 ألف جنيه إسترليني و 4,000,000 دولار أمريكي. وأن الحكومة العراقية في السادس من شباط/فبراير 1991 قد قطعت علاقاتها الدبلوماسية مع المملكة المتحدة. وأن الشركة تطلب مبلغ 21,500 جنيه لمواجهة التزاماتها القائمة، وكذلك 11,000 جنيه شهرياً لتغطية التكاليف التشغيلية لمكتبها في لندن. وبعد التداول قررت المحكمة إصدار توجيهاتها لمأموري التصفية المؤقتين بعدم صرف المبالغ التي تقدم بها المدعى عليهم. وبنت المحكمة قرارها على الحجج التالية: 1 إن تصفية الشركات لا تخضع للحماية التي توفرها الحصانة السيادية للدولة وذلك اعتماداً على البند 6 (3) من قانون حصانة الدولة لسنة 1978 (State Immunity Act 1978). وعليه فإن للمحكمة ولاية الاختصاص بإصدار قرار التصفية إذ أن إصدارها لمثل هذا القرار لا يؤثر على دين السفارة debt of the embassy ولا يعنى الدخول في ترافع (implead) مع الدولة العراقية. وعليه فإن سفارة الجمهورية العراقية لا تمتلك حق المعاملة التفضيلية على غيرها من الدائنين. 2 إن شركة إعادة التأمين العراقية وشركة الخطوط الجوية العراقية شركتان تجاريتان، رغم أنهما مملوكتان للدولة، وبهذا الاعتبار لا يمكن لهما طلب حصانة الدولة بموجب البند 3 (1) (a) من قانون حصانة الدولة لسنة 1978. 3 رغم أن المبالغ مطلوبة لأغراض الدولة كما هو الحال على الأقل بالنسبة للسفارة فإن المحكمة لا تتمتع بولاية الاختصاص بموجب البند 127 من قانون الإعسار لسنة 1986 للسماح بصرف المبالغ إذا أنها لو قامت بذلك فإنها تكون قد فضّلت دائناً على حساب الدائنين الآخرين. وبموجب قرار المحكمة هذه أصبحت شركة إعادة التأمين العراقية عميلاً دائناً لمصرف الرافدين تحت التصفية. [4] بتاريخ 20 آذار 2008 وافق الدائنون بأغلبية ساحقة على خطة تسوية الديون scheme of arrangement وأصبحت الخطة نافذة بأمر من المحكمة العليا وملزمة لجميع الدائنين. ومن المفترض أن تكون شركة إعادة التأمين العراقية قد قدمت طلباً لمديري الخطة لاستعادة أرصدتها.[8] وحسب المعلومات المتوفرة لدينا فإن اثنين من ممثلي سوق التأمين العراقي (شركة إعادة التأمين العراقية وشركة التأمين الوطنية) ربما حضرا اجتماع الدائنين في لندن. وهذا يعني أن شركة إعادة التأمين العراقية ربما ستسترد بعضاً من أرصدتها، متى ما تمت التسوية النهائية لديون مصرف الرافدين، وتستفيد منها في تعزيز ملاءتها المالية وربما زيادة رأسمالها، وهذا ما نرجوه، للتمهيد لاستعادة مكانتها. وكل ذلك منوط بوجود سياسة واضحة فيما يخص التطور اللاحق للشركات العامة وسوق التأمين العراقي في تركيبته التنافسية الجديدة. وذلك التطور يرتبط بالتوجه الاقتصادي للحكومة العراقية من ناحية، وإعادة بناء كوادر الشركة، ورفع رأسمالها المدفوع، وتحسين خدماتها الحالية، والعمل على الحصول على تصنيف من إحدى الوكالات المختصة، والخروج من أسر الاتكال على الأعمال العراقية.[9] مصباح كمال 9 تموز 2008 [1] كتبنا هذه الورقة في أيار/مايو 2000 ونشرت تحت نفس العنوان كفصل في كتاب جماعي بعنوان دراسات في الاقتصاد العراقي (لندن: المنتدى الاقتصادي العراقي، 2002)، ص 73-96. ويمكن قراءة النص في مدونةIraq Insurance Review http://misbahkamal.blogspot.com/2008_06_01_archive.html [2] Jeff Gerth, “Iraqi Agents and Fronts Listed by the Treasury” The New York Times, April 2, 1991 http://query.nytimes.com/gst/fullpage.html?res=9D0CE7D9113DF931A35757C0A967958260 [3] طلحة جبريل، نصير العلي ورحمة السالم، "المليارات المجمدة" جريدة الشرق الأوسط، 13 حزيران 2008 http://www.asharqalawsat.com/results.asp [4] Milan Vesely, The Middle East, April, 2004. http://findarticles.com/p/articles/mi_m2742/is_344/ai_n25086978 [5] وصم د. كاظم الحبيب نظام صدام بـ "الفاشية التابعة في العراق" وهو عنوان كتاب له صدرت طبعته الأولى سنة 1984 (د. كاظم حبيب، الفاشية التابعة في العراق، مؤسسة حمدي للطباعة والنشر، السليمانية، الطبعة الثانية 2008). يذكر د. حبيب في مقدمته للطبعة الثانية: "في العام 1978 طلب رئيس المجلس الزراعي الأعلى عزة الدوري مني رسمياً ووفق كتاب صادر عن مكتب صدام حسين في مجلس قادة الثورة، باعتباري عضواً متفرغاً في المجلس الزراعي الأعلى، إلقاء محاضرات حول الاقتصاد العراقي على دورة لرجال الأمن العراقي قادمين من جميع المحافظات العراقية. ... وكانت محاضراتي صريحة ونقدية ومباشرة للسياسات الاقتصادية والاجتماعية الخاطئة والمضرة التي كان حزب البعث يمارسها في العراق والتي تجلت في التقرير السياسي للمؤتمر القطري الثامن، إضافة إلى شرح أوجه الفساد المالي وعمليات النهب والسلب التي كانت تتعرض لها موارد العراق المالية وقطاع الدولة عبر شركات المقاولات المحلية والدولية وأجهزة الدولة البيروقراطية ومشاركة مجموعة من الشخصيات العربية والعراقية في هذه العمليات، ثم تطرقت إلى حالة السوق المحلية وتفاقم الاختناقات السلعية وأدوات الاحتياط، واتساع فجوة الدخل السنوية بين فئات المجتمع لصالح الأغنياء وتفاقم الفقر للفئات الأكثر كدحاً وتهميشاً في المجتمع، وإهمال التنمية الاقتصادية والبشرية في كُردستان العراق وفي الجنوب على نحو خاص، وكذلك حول البذخ المفرط والمنفلت من عقاله في إقامة المشاريع الاقتصادية وغياب دراسات الجدوى الاقتصادية والاجتماعية بالنسبة إلى جميع المشاريع التي كانت تقام في البلاد بسبب تلك السياسة الرعناء التي أطلق عليها بـ "التنمية الانفجارية". وكان هذا النقد الصريح والواضح قد أثار استفسارات كثيرة من المشاركين في الدورة وعدم ارتياح من أجهزة الأمن والسلطة. وكانت التقارير عن هذه الدورة ترفع إلى صدام حسين مباشرة." مقدمة ط2 متوفرة لدينا لمن يرغب في الحصول عليها إلكترونياً. [6] كانت شركة إعادة التأمين العراقية أول شركة أجنبية تقوم بفتح مكتب اتصال سنة 1964 في سوق لندن وظل المكتب يعمل لحين إغلاقه بسبب قرارات مجلس الأمن الدولي. أذكر من الزملاء اللذين قاموا بإدارة المكتب: موفق حسن رضا (يعمل في البحرين)، قيس المدرس (يعمل في البحرين)، سمير سلمان عبد الأحد (يعمل في دولة الإمارات العربية المتحدة)، وسام ياسين الجوهر(آخر المدراء الذي قام بغلق المكتب بعد غزو الكويت). ولا أعرف من كان أول مدير له. [7] E Lauterpacht, C J Greenwod, A G Oppenheimer, International Law Reports: Volume 101, (Cambridge University Press 1996), pp 333-334. يمكن قراءة النص الأصلي باستخدام الرابط التالي: http://books.google.com/books?id=uXSgohJ1LLwC&pg=PA333&dq=e+lauterpacht,+c+j+greenwood,+a+g+oppenheimer+iraq+reinsurance+comaony&as_brr=3&ei=dfpxSMzMOoKejgHV-6G2Bg&sig=ACfU3U3-YtBgtRQE0jGY_BERKZdNDRS7bw#PPA333,M1 [8] For details of the Scheme of Arrangement and background refer to the following website: https://www.rafidainbank.co.uk/WebsiteMap.htm [9] حاولنا في دراسة سابقة "ملاحظة حول مستقبل شركة إعادة التأمين العراقية" إثارة نقاش عن الموضوع نشرناها في هذه المدونة:http://misbahkamal.blogspot.com/2008_04_01_archive.html
قانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005: مراجعة للخلفية وبعض الآثار الاقتصادية
انتهينا من كتابة هذه الدراسة في أيار 2006 ونشرت في مجلة الثقافة الجديدة، العدد 318، 2006 دون الهوامش. وننشرها اليوم في هذه المدونة لتعميم الفائدة. والأمل يحدونا أن تساهم هذه الدراسة في تعميق الوعي بالجوانب السلبية لقانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005 وتشكل مع دراسات ومذكرات زملائنا في سوق التأمين العراقي أرضية صلدة للضغط باتجاه إعادة النظر بالقانون بما يخدم ويقدم المصالح الوطنية على أية مصالح أخرى.
مصباح كمال [1] السياق العام: المشروع الاقتصادي الأمريكي للعراق في تقييم العلاقة بين الولايات المتحدة الأمريكية والعراق يمكن النظر إلي هذه العلاقة ضمن الاستراتيجية العالمية للولايات المتحدة والتي تتمحور على أشكال متباينة من السيطرة والهيمنة ونشهد كلاهما في العراق منذ احتلاله في 2003 وسقوط الدكتاتورية. وتحتل المصالح الوطنية الأمريكية في هذه العلاقة موقع الصدارة إلا أن هذا لا يعني أن هذه المصالح تترجم نفسها في مكاسب أنانية آنية بل تتجسد في وضع أساس لمصالح مادية واستراتيجية جيوسياسية للمدى البعيد وهما كانا أساسيان لغزو العراق وما تلاه من محاولة، ما زالت مستمرة، لإعادة هيكلة الاقتصاد العراقي لخدمة تلك المصالح بشكل غير مباشر. وفي هذا السياق فإن تصنيف سياسات الولايات المتحدة في العراق تحت مفهوم تبسيطي لـ "الاحتلال" كما لو أن الاحتلال غاية في حد ذاته لا يسعفنا في تقييم إشكالية العلاقة التي هي في طور التكوين ضمن مدار الاستراتيجية الاقتصادية والجيوسياسية البعيدة المدى للشرق الأوسط. المطلوب هو تحديد العلاقة بين العراق، كدولة مستضعفة وضعيفة في المدى القصير، والولايات المتحدة كقوة إمبراطورية جبارة. وبمعنى آخر تحديد العلاقة القائمة والمحتملة وما هو ضروري منها بالنسبة للعراق. ولذلك فإن مقترباً عقلانياً، سياسياً واقتصادياً، يكون ضرورياً في هذا المسعى بدل حالة العداء المتبادل التي وسمت العلاقة منذ ثورة 14 تموز 1958 شريطة أن تبقى المصالح الوطنية للعراق واستقلاله وسيادته فوق أي اعتبار آخر ضمن هذه العلاقة أو غيرها. مثل هذا الإطار التصوري يمكن أن يكون مفيداً في تقييم سلسلة الأعمال والسياسات والإجراءات التي أقدمت عليها الولايات المتحدة، بدءاً من العداء القديم وانتهاءاً بالاحتلال ونتائجه وبعضها لم يكن مقصوداً لذاتها. وهكذا فإن القيام بتقييم وضع سوق التأمين العراقي، وخاصة الشركات العامة الثلاث، لإعادة تركيبها وصياغة قانون جديد للتأمين، وقبله قانون المصارف، كانت، مثل غيرها، أدوات لإعادة هيكلة الاقتصاد العراقي والبنية القانونية التي يقوم عليها ليخدم في نهاية الأمر ما يُعتقد أنها المصالح الوطنية للولايات المتحدة. وضمن هذا السياق يصبح لزاماً على أصحاب القرار وصانعي الرأي في العراق إعطاء الأولوية أساساً للمصالح الوطنية العراقية والصياغة المستقلة للسياسات. نحن نقرّ بأن المساواة بين العراق الضعيف المستضعف وقوة الولايات المتحدة معدومة ولذلك فإن العلاقة بين الاثنين ستستمر ميداناً للتنازع لتخليص القرار العراقي من قبضة التماهي مع مصالح الولايات المتحدة. تحتاج العلاقة برمتها إلى مناقشة مفتوحة وواسعة بين العراقيين لتحديد مسار الاقتصاد وإعادة تأسيس الدولة العراقية، وليس مجرد قطاع التأمين، وبعيداً عن المشاريع الأمريكية أو الدينية المرسومة أو هي قيد التشكل والمراد تطبيقها في العراق، وذلك لأن هذه المشاريع لا تتطابق مع التطور التاريخي للعراق ويكمن فيها ما يشجع على الانقسام والصراع وهو ما نشهد بعضاً من آثاره على أرض الواقع. مشروع نيوليبرالي للعراق في دراسة قيّمة قام الاقتصادي الأمريكي روبرت لوُني بتحليل الأحكام الاقتصادية في الدستور العراقي الجديد،[1] وبعد فرزه لسبع مواد لعلاقتها المباشرة بالاقتصاد أوضح أن تطبيق هذه المواد من شأنها "تأسيس اقتصاد عصري يحركه السوق." وفي تقديره فإن ذلك "سيؤدي إلى الاستمرار بالإصلاحات النيوليبرالية المثيرة للجدل التي أدخلت أواخر 2003." وتمت ترجمة هذه الإصلاحات إلى أوامر (قوانين): "(أ) تمنح المستثمرين الأجانب حقوق مساوية لحقوق العراقيين في السوق المحلي؛ (ب) تسمح بإخراج الأرباح؛ (ج) وضعت نظاماً مقطوعاً للضرائب؛ (د) ألغت التعريفات؛ (ه)وضعت قيد التطبيق نظاماً صارماً لحقوق الملكية الفكرية؛ (و) مهّدت السبيل لتقليص دعم السلع الغذائية والوقود؛ و (ز) في المطاف الأخير، خصخصة العديد من الخدمات الاجتماعية كالصحة والتعليم وإسالة الماء." قانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005، الذي صدر أمراً برقم (10) يتلاءم تماماً مع الإطار النيوليبرالي الذي رسمه لوُني. [2] مراجعة للتسلسل الزمني: تهيئة الأرضية للخصخصة والاستثمار الأجنبي في تقريره الاقتصادي الأسبوعي في تشرين الثاني 2003 قال بول بريمر، المدير الإداري لسلطة الائتلاف المؤقتة، ما يلي بشأن إصلاح قطاع التأمين: [2] · ثلاث شركات حكومية تسيطر على 98% من سوق التأمين العراقي. قانون التأمين في العراق مشتق من نموذج إنجليزي يمتد عمره لبضعة عقود. يمكن العمل بجوهر هذا القانون لكنه بحاجة إلى تحديث وتخليصه من أحكام عهد صدام. · النشاطات التالية هي قيد التنفيذ من قبل خبراء العراق وخبراء سلطة الائتلاف المؤقتة: · تقييم وتدقيق شركات التأمين الحكومية لتقرير قيمتها السوقية الحقيقية (لفتح المجال أمام الامتلاك الأجنبي)؛ · الاتفاق مع وزير المالية على تدقيق جميع شركات التأمين من قبل مجموعة معترف بها دولياً؛ · تأسيس جهاز رقابي مقبول دولياً؛ · تأسيس جمعية للتأمين لوضع السياسات وتثقيف العاملين في الصناعة [قطاع التأمين]. الإصلاحات المذكورة في هذا التقرير تنسجم مع مجمل مشروع الولايات المتحدة للعراق، فالإدارة الأمريكية سارعت، بعد احتلال العراق، إلى إطلاق يد الوكالة الأمريكية للمساعدات الدولية USAID لإصلاح وإعادة هيكلة الاقتصاد العراقي. ولتحقيق ذلك تعاقدت الوكالة مع شركة بيرنغ بوينت إنك BearingPoint Inc للقيام بالمسح والتقييم ورسم السياسات لإعادة تحديد مسار الاقتصاد وإدارة بعض قطاعاته. بعض هذه السياسات كانت ذات علاقة بتكوين أسواق لرأس المال. ففي منشور دعائي ذكرت الوكالة بأنها: "تساعد الحكومة العراقية لإصلاح الجوانب القانونية والرقابية والبنيوية لأسواق العراق غير المصرفية (كالتأمين والتقاعد وحقوق المساهمين والقروض التجارية). ولغاية اليوم [تموز 2004] عملت الوكالة مع الهيئات الحكومية لتأسيس سوق الأوراق المالية العراقية وجهاز الرقابة على الأسهم، الضرورية لاجتذاب الاستثمارات الأجنبية المباشرة وخصخصة الشركات العائدة للدولة."[3] بالنسبة لمراجعة قوانين التأمين العراقية تعاقدت الوكالة/بيرنغ بوينت مع اثنين من الخبراء. ويسأل المرء فيما إذا قام هذان الخبيران، من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، بقراءة القوانين العراقية باللغة العربية أو ترجمتها بافتراض أن مجموعة قوانين التأمين كانت متوفرة لهم باللغة الإنجليزية. ومن المفيد أن نذكر هنا أن أول قانون عراقي لتنظيم عمل شركات التأمين صدر أواسط ثلاثينات القرن الماضي (قانون شركات التأمين رقم 74 لسنة 1936) وهي نفس السنة التي صدر فيها نظام إجازات وكلاء التأمين رقم 25 لسنة 1936 وكلاهما ألغيا مع صدور قانون شركات ووكلاء التأمين رقم 49 لسنة 1960 لمواكبة التطورات في الاقتصاد العراقي ووضع الضمانات لحماية حقوق حملة وثائق التأمين، والودائع القانونية، وحصر وكالات شركات التأمين الأجنبية بالعراقيين، وعدم جواز ممارسة التأمين من قبل شركات أجنبية ما لم تؤسس فرعاً أو وكالة لها داخل العراق .. الخ.[4] وفيما يخص إزالة أحكام عهد صدام يفترض أن تقرير سلطة الائتلاف المؤقتة كان يشير إلى قوانين التأمين التالية: نظام فروع ومكاتب الشركات والمؤسسات الاقتصادية والأجنبية رقم 5 لسنة 1989. قانون رقم 21 لسنة 1997 [حول تأسيس شركات خاصة ومنها شركات التأمين]. قانون الشركات العامة رقم 22 لسنة 1997[لتحويل الشركات العائدة للدولة إلى وحدات اقتصادية تجارية تعتمد على التمويل الذاتي]. قانون وكالة التسجيل رقم 4 لسنة 1999. قانون تنظيم الوكالة التجارية رقم 51 لسنة 2000.[5] أو أنها كانت تشير إلى ما يلي: قرار مجلس قيادة الثورة رقم 192 الصادر في 11/12/1998 بإسناد الوظيفة الرقابية على نشاط التأمين إلى وزارة المالية وإلغاء قانون شركات ووكلاء التأمين رقم 49 لسنة 1960. تعليمات رقم 12 لسنة 1999 الصادرة من وزارة المالية بشأن تنفيذ قرار مجلس قيادة الثورة رقم 192 لسنة 1998. [وتشكل هذه التعليمات نموذج أولي بدائي لتنظيم نشاط التأمين والرقابة عليه]. الأمر الوزاري رقم 63 الصادر من وزارة المالية في 26/12/2000 حول تشكيل لجنة التنسيق لقطاع التأمين [بشأن التنسيق في الأمور الفنية وضمان المنافسة بين شركات التأمين على أسس فنية]. لا شك أن قوانين التأمين والتعليمات كانت بحاجة إلى تحديث خاصة وأنها كانت تفتقر إلى عنصر أساسي في الرقابة على النشاط التأميني: حماية حقوق حملة وثائق التأمين التي لم ينص عليها بصراحة. إلا أن مهمة التحديث، بالمعنى الضيق، والتي انتدب الخبيران من أجلها لم يحصل بمعنى البناء على ما هو موجود تنقيحاً وإضافةً وحذفاً باعتبار أن ما هو موجود، رغم نواقصه، جهد عراقي يتطلب الاهتمام. والذي حصل هو إعداد قانون جديد بسرعة وباللغة الإنجليزية ترجم لاحقاً إلى اللغة العربية ولم تكن الترجمة ذات مستوى عالي ففي أكثر من موضع يفصح النص عن نفسه كنص مترجم. وخلت مسودة هذا القانون من أية إشارة إلى مصير القوانين والتعليمات القائمة، فلم يرد فيه ما يفيد إلغائها أو النص على سيادة أحكام القانون الجديد عند حصول تضارب بينه وبين ما كان قائماً.[6] نحن نشك إن قام الخبيران بقراءة نقدية للقوانين والتعليمات القائمة. نزعم أن الأسس الفكرية لهذا القانون الجديد قد تم وضعها من قبل الوكالة الأمريكية للمساعدات الدولية: الخصخصة وفتح الباب أمام الملكية الأجنبية وحرية الشركات الأجنبية في العمل دون أن تتواجد في العراق. والواقع أن أوامر بريمر كلها كانت جزءاً من مشروع وضع أسس لبرلة الاقتصاد العراقي وفتحه أمام الاستثمار الأجنبي المباشر Foreign Direct Investment (FDI) من قبل الشركات المتعدية الجنسية. وهذا يفسر السياسات الكلية macro-policies حول خلق البيئة المناسبة للأعمال (لرأس المال): المؤسسات القانونية والسياسية لحماية الملكية، الشفافية والاستقرار المالي. وبالطبع لا نشهد في الوقت الحاضر تدافعاً بين الشركات الأجنبية للاستثمار المباشر في منشآت جديدة أو من خلال الاستحواذ والاندماج mergers & acquisitions (M&A) في العراق لكن الإطار القانوني قد وضع لذلك وهو المهم في المشروع الأمريكي للعراق، ومعظم أفراد الطبقة السياسية الجديدة في العراق قد تحولوا فكرياً نحو قبول إيديولوجية عدم وجود البديل there is no alternative (TINA) لما يسمى بالاقتصاد "الحر"[7] وما يلحق به ويتفرع عنه.[8] قانون التأمين الجديد هو جزء من هذا المشروع الأمريكي الكبير للعراق. جوهر القانون الذي أعده خبيرا بيرنغ بوينت، لقاء أتعاب مجزية، مستنسخ من قانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 1999 الأردني مع الاستفادة، حسب ما نعتقد، من دراسات الجمعية الدولية لهيئات الإشراف على التأمين: دليل تنظيم أعمال التأمين والرقابة في اقتصادات الأسواق الناشئة، والمبادئ الأساسية لممارسة النشاط التأميني.[9] دعي سبعة من ممثلي شركات التأمين (ثلاثة من الشركات العامة وأربعة من الشركات الخاصة) لمراجعة النص الإنجليزي الذي أعده الخبيران الأجنبيان ـ أي أن العراقيين لم يكونوا طرفاً أصلياً في تحرير النص الإنجليزي. وهكذا لم يكن هناك ابتداءً تكافؤ بين الطرفين، العراقي والأجنبي، لأن الأخير هو الذي وضع النص وفلسفته التي يقوم عليه، ودعي العراقي لإبداء رأي ضمن إطار جاهز. وهذا يكشف عن الصلافة الكولونيالية لقوة الاحتلال في رسم وتبني السياسات والقوانين والبنى المؤسسية التي تنسجم مع مشروعها الاستراتيجي للعراق. وحسب بعض المعلومات الشخصية المتوفرة فإن ممثلي شركات التأمين العراقية، وكانوا قلة إذ لم يساهم جميع الممثلين السبعة في المراجعة والمناقشة، كَدّوا ما استطاعوا للتخفيف من غلو بعض أحكام مسودة القانون.[10] وحيث أنهم كانوا يخضعون لضغوط قوية بالامتثال، ضمن المناخ العام الذي خلقه الاحتلال والطبقة السياسية العاملة معه وربما خوف بعض ممثلي الشركات العامة من فقدان مواقعهم الإدارية، فإنهم لم يكونوا في وضع يستطيعون معه فرض آرائهم. وفيما يخص " تقييم وتدقيق شركات التأمين الحكومية لتقرير قيمتها السوقية الحقيقية (لفتح المجال أمام الامتلاك الأجنبي)" كما جاء في تقرير بريمر الاقتصادي الأسبوعي في تشرين الثاني 2003، فقد قام خبير إنجليزي بهذه المهمة وقدم تقريره لقسم التنمية الاقتصادية لسلطة الائتلاف المؤقتة في تشرين الأول 2003. وقد تضمن هذا التقرير مقترح إصلاح قطاع التأمين عن طريق "العلاج بالصدمة" من خلال برنامج معجّل لإعادة هيكلة شركات القطاع العام وتجهيزها للاستثمار الأجنبي المباشر. وتضمن البرنامج السماح باستثمار 49% كحد أعلى في كل من الشركات الثلاث مباشرة بعد الانتهاء من التدقيق المحاسبي الكامل لها في 30 أيلول 2003 وإكمال توزيع أصول هذه الشركات وودائعها في كانون الثاني 2004. كما تضمن استثمار (امتلاك) الأسهم بما يتجاوز الحد الأقصى بعد مضي 12 شهراً ـ أي بعد كانون الأول 2004. وكان الهدف من هذا البرنامج الراديكالي الطموح، الذي لا يحترم عنصر الزمن في تحقيق التحولات ولا تاريخ التأمين في العراق، تخليص القطاع من وهدته وإدخاله عنوة للقرن الواحد والعشرين من خلال إعادة الهيكلة وتدريب القيادات الإدارية والموظفين وكذلك توعية الناس بحقائق التأمين وكل ذلك في فترة لا تزيد عن 18 شهراً! مشروع الخصخصة هذا، الذي وضع لصالح المستثمر الأجنبي، لم ينفذ بسبب سوء الإدراك الذي يقوم عليه وسوء توقيت تطبيقه (خلال أقل من سنة في الواقع) ولم يكن غير تجميع بائس لفرضيات الاقتصاد الكلاسيكي الجديد والليبرالية الجديدة [ مشروع العلاج بالصدمة الذي طبق في بلدان أخرى باسم "إصلاح الاقتصاد" مع ما ترتب عليه من نتائج أثقلت كاهل الناس العاديين وخلقت مافيات مالية من الأغنياء]. مشروع الخصخصة هذا الذي رسم سنة 2003 وقانون تنظيم أعمال التأمين الذي أنجز سنة 2005 كانا تعبيراً عن اختيارات سياسية متخفية تحت قناع ضرورات السوق في وقت لم تكن هناك ضرورة اقتصادية للخصخصة المتعجلة. ولا أدلُّ على ذلك من أن مشروع خصخصة الشركات العامة الثلاث، ولحد هذا اليوم، لم ينفذ، وما زالت هذه الشركات تعمل، رغم ضعفها، كمؤسسات تجارية، بحكم قانون سنة 1997، بالتنافس مع شركات القطاع الخاص التي هي ليست بأحسن حال منها. لم تكن هناك ضرورة اقتصادية واضحة للإقدام على طرح إعادة الهيكلة آنياً فالتجربة تبين أن إعادة الهيكلة تقتضيها الأزمات المالية والتي تستدعي التدخل من قبل الدولة أو المؤسسات المالية الدولية لاستعادة الحالة السوية للنظام المالي، ولخلق الشروط المواتية للتنمية والنمو في المدى البعيد. بعكس الطبيعة التي تحكمها قوانين موضوعية صارمة فإن الحياة الاجتماعية تحتمل البدائل دائماً لكن التفكير بالبدائل منفي من الخطاب العام ومن ساحة النقاش فدوغمائية أن "ليس هناك بديل" تصبح القاعدة والإطار العام لرسم السياسات بغض النظر عن النتائج. وهكذا كان بدلاً من إعادة إحياء حقيقي للوحدات الاقتصادية وتصليح الهياكل الإرتكازية، من بين إجراءات أخرى، لاستعادة دورة الإنتاج وامتصاص البطالة .. الخ. صياغة قانون التأمين في حديثه عن المبادرات في القطاع الخاص ذكر بريمر في تقريره الاقتصادي الأسبوعي، 31 كانون الثاني – 6 شباط 2004 ما يلي: "يشارك موظفو وزارات الخزانة والتجارة والخارجية الأمريكية في "خلية قانونية عراقية للقانون التجاري" تقوم بصياغة وتنفيذ القوانين والتعليمات الخاصة لضمان المعاملات، والإجارة، وربما التأمين. إن إطاراً قانونياً ورقابياً قوياً في هذه المجالات ستسهل أعمال الإئتمان وإشاعة بيئة صالحة للبيزنس."[11] نلاحظ أن الأمر رقم 39 الصادر من سلطة الائتلاف المؤقتة في 19 أيلول 2003 بشأن الاستثمار الأجنبي، الذي سمح بحق الاستثمار الأجنبي المباشر من قبل الأفراد والكيانات لغاية 100% من قيمة الأصول العراقية، استثنى في القسم 6، مجالات الاستثمار، المادة 1، التأمين والموارد الطبيعية والبنوك.[12] ومن الغريب أن نلاحظ أيضاً أن التأكيد في تشرين الثاني 2003 كان منصباً على "فتح المجال أمام الامتلاك الأجنبي" ولكن بحلول شباط 2004 يصبح موضوع صياغة قانون للتأمين أمراً يقع في خانة الاحتمال. في هذه المرحلة تضع سلطة الائتلاف المؤقتة أو ربما وزارة المالية العراقية، لا ندري أيهما، تضع مشروع العلاج بالصدمة، الخصخصة المعجلة لشركات التأمين العامة، على الرف. لربما وشوش أحدهم في أذن السلطة أو الوزارة أو كلاهما أن خصخصة شركات التأمين لا يمكن أن تنفذ ما لم يكن هناك قانون جديد للتأمين، أو تحديثاً لما هو قائم، وبيئة صالحة شفافة لصالح الأعمال لإغراء المستثمرين الأجانب الحقيقيين، وليس نهازو الفرص من بارونات الأموال المشبوهة، لشراء أصول هذه الشركات بافتراض استعدادهم لخوض هذا المجال. على أي حال، بحلول آذار 2004 تحّول اهتمام المدير الإداري لسلطة الائتلاف المؤقتة بشأن مبادرات القطاع الخاص في تقريره الاقتصادي الأسبوعي نحو التأمين ذاكراً أن "التأمين أصبح محط اهتمام مستثمرين محتملين، وأن سلطة الائتلاف المؤقتة تعمل على فهم [دراسة] خيارات التأمين للشركات [الأجنبية] الراغبة في الاستثمار هنا [العراق].[13] يبدو أن النية كانت متجهة إلى تهيئة الأرضية للاستحواذ الأجنبي على شركات التأمين. وهذا يتساوق تماماً مع الاتجاه العام في البلدان النامية حيث يتخذ الاستثمار الأجنبي المباشر صيغة الاستحواذ وليس الاستثمار في تأسيس شركات تأمين جديدة green-field investments تحمل معها آثار اقتصادية مفيدة للبلد المضيف تتمثل بخلق فرص عمل جديدة، وإدخال قدرات إنتاجية جديدة، وحقن سيولة نقدية في اقتصاد البلد. لم يناقش ممارسي التامين والاقتصاديين العراقيين تأثير الاستثمار الأجنبي المباشر على صناعة التأمين في العراق. ولم نسمع أن ممثلي شركات التأمين العامة كان لهم رؤية مميزة في هذا المجال فيما يخص استمرار وجودها بصيغة أكثر كفاءة مما هي عليها أو فيما يخص الاستثمار الأجنبي. تتمثل واحدة من سلبيات الاستثمار الأجنبي المباشر في استنزاف الفائض الاقتصادي الضروري لإدامة النمو في المديين المتوسط والبعيد. وينشأ هذا الاستنزاف من رفع القيود عن الأسواق المالية لاجتذاب الاستثمار الأجنبي المباشر (وهذه تمثل جزءاً من السياسات الكلية التي تروج لها المؤسسات الدولية). وفي حقل التأمين، تتخذ الشروط السهلة التي يمنحها البلد المضيف لاجتذاب الاستثمار المباشر شكل إعفاء المستثمر الأجنبي من دفع الضرائب المحلية ومن وضع وديعة ضمان في أحد المصارف المحلية. وتظهر أهمية معظم هذه المنافع/الامتيازات الممنوحة للشركات الأجنبية عند قيامها بتأسيس فروع لها دون أن تضطر إلى الالتزام بكامل الشروط المفروضة على الشركات الوطنية المحلية. وفيما يخص الاستثمارات الجديدة green-field investments ورغم أنها تساهم في تعظيم القدرات الاقتصادية المحلية فإنها قد تؤثر سلباً على تطوير القدرات والطاقات المحلية. في 9 شباط 2005 تبنى مجلس الوزراء المؤقت (الذي تشكل بموجب قانون إدارة الدولة في العراق للمرحلة الانتقالية الذي وقعه مجلس الحكم الانتقالي، المعين من قبل سلطة الاحتلال، في 8 آذار 2004) الترجمة العربية لقانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005. نشر قانون التأمين هذا (الأمر رقم 10) في جريدة الوقائع العراقية في 3 آذار 2005 ليكون نافذاً بعد ثلاثة شهور من هذا التاريخ. قيل أنه تم تسريع توقيعه من قبل رئيس الوزراء المؤقت خشية أن لا يتم تبنيه لاحقاً وذلك لأن الولايات المتحدة الأمريكية قد قررت نقل ما يسمى بالسيادة العراقية في 28 حزيران 2005.[14] كما في جميع الحالات الأخرى، باستثناء قانون إدارة الدولة للمرحلة الانتقالية، فإن قانون التأمين لم يخضع لمناقشة علنية عامة كما لم يناقشه مجلس الوزراء المؤقت. وحسب المعلومات المتوفرة لدينا كانت الصحافة العراقية برمتها ساكتة تماماً عن الموضوع ربما لأن موضوع التأمين يلفه الغموض أو أن ممارسي التأمين قد أصابهم الإنهاك في المناقشات المغلقة مع ممثلي سلطات الاحتلال أو لأن الإعياء قد لفّ الجميع بعباءته الثقيلة. [3] عرض سريع لبعض المزايا الإيجابية لقانون التأمين لسنة 2005 قبل أن نأتي على ذكر الجوانب السلبية[15] نشير إلى أن القانون الجديد يضم العديد من المزايا الإيجابية التي تعكس مبادئ وقواعد العمل السليم المطبقة في أسواق التأمين المتقدمة فيما يخص تنظيم السوق، الإشراف والرقابة على شركات التأمين وإعادة التأمين، إبراز أهمية حماية حقوق حملة وثائق التأمين (المادة 6) وهي الهدف الأعظم لأي نظام رقابي متين. وهذا الهدف يتطابق مع المبادئ الأساسية لممارسة النشاط التأميني التي وضعتها الجمعية الدولية لهيئات الإشراف على التأمين. تضم المزايا الإيجابية الأخرى تأسيس ديوان تأمين مستقل للإشراف والرقابة على عمل الكيانات التأمينية العاملة في السوق (المادة 5). ويعتبر هذا انطلاقة جديدة في تاريخ التأمين العراقي إذ أن المؤسسة العامة للتأمين (التي تأسست سنة 1964 وألغيت أواسط ثمانينات القرن الماضي وأنيطت وظائفها لوزارة المالية) كانت تفتقر إلى مجموعة الكفاءات والاختصاصات الضرورية لأي جهاز رقابي عصري. لكن تقييم المؤسسة يجب أن يوضع في سياقه التاريخي والبيئة الرقابية الضعيفة أو المفقودة في بعض الأحيان والتي كانت سائدة في سبعينات وثمانينات القرن العشرين. وعلى المستوى العالمي فإن الجمعية الدولية لهيئات الإشراف على التأمين لم تتأسس إلا سنة 1994 لتقوم بتطوير قواعد الإشراف لحماية حملة وثائق التأمين ولضمان قيام الكيانات التأمينية بالحفاظ على ملاءتها المالية. وديوان التأمين العراقي هو في أول عهده ولم يستكمل بعد طاقمه من الموظفين المؤهلين والعناصر الكفوءة ذات الاختصاص المناسب لتنفيذ الوظيفة الرقابية.[16] كما أن تأسيس جمعية شركات التأمين وإعادة التأمين العراقية (المادة 84) يعتبر تطوراً إيجابياً فيما لو أحسن إدارتها بكفاءة وفعالية وأخذت على عاتقها الدفاع عن المصالح الجمعية لكيانات التأمين العراقية وساهمت في تطوير سوق وطني عراقي متكامل للتأمين. وهذا الدور التطويري يحتاج إلى رعاية وصقل ودعم من الشركات الأعضاء فيها إذ أن ديوان التأمين سيكون منشغلاً بتطبيق قانون التأمين في حين يتعين على الجمعية حماية مصالح أعضائها. هناك عناصر إيجابية أخرى نكتفي بالإشارة إليها: غسل الأموال (المادة 35)، سرية المعلومات والمستندات الخاضعة للتدقيق (المادة 37)، منع المدراء أن يكونوا أعضاء في مجالس إدارة أكثر من شركة للحيلولة دون قيام فرصة للتواطؤ في ممارسات في غير صالح حملة وثائق التأمين (المادة 42)، قواعد خاصة بنقل وثائق التأمين، ملكية ودمج وتصفية شركات التأمين (المواد 48-74)، شرط الاختراق cut through clause (المادة 71)، الوسائل البديلة لفض النزاعات (المادة 79)، المنافسة العادلة بين الشركات على تأمين ممتلكات الدولة (المادة 81) .. الخ. [4] بعض الآثار الاقتصادية لقانون سنة 2005 وتجاهل سوق التأمين العراقي تذكر وزارة التجارة الأمريكية أن فرص العمل الرئيسية في العراق تنهض من خلال:[17] (1) العقود الأمريكية الأساسية والثانوية لإعادة الإعمار. معظم هذه العقود تمول من خلال التخصيصات الإضافية لحكومة الولايات المتحدة التي تبلغ أكثر من 18.4% بليون دولار لسنة 2004 وما بعدها. مقاولو إعادة إعمار العراق الأساسين والثانويين مسؤولين عن اختيار شركائهم في العمل، بضمنهم المجهزين. (2) العقود مع الوزارات العراقية. (3) الفرص التي يوفرها القطاع الخاص. (4) العقود مع الأمم المتحدة والمنظمات الدولية. اعتماداً على المعلومات القليلة المتوفرة عن أغطية التأمين الخاصة بالعقود الأساسية وغيرها من العقود، فإن شركات التأمين العراقية لم تنتفع من اكتتاب التأمينات المطلوبة. فعقود إعادة الإعمار الممولة من قبل الولايات المتحدة تتطلب تأمين إصابات العمال (المدنيين) إذ أن قانون القواعد الدفاعية لسنة 1941 Defence Base Act (DBA) يشترط على جميع مقاولي الحكومة الأمريكية العاملين خارج الولايات المتحدة إجراء هذا التأمين لصالح العمال بضمنهم مواطني الولايات المتحدة ومواطني دول ثالثة ومواطني الدولة التي ينفذ فيه العقد. حاولت بعض شركات التأمين العراقية ممارسة هذا النوع من التأمين ومن خلال إعادة التأمين إلا أن جهودهم لم تتكلل بالنجاح إذ أن معيدي التأمين الأمريكان رفضوا تقديم الحماية الإعادية لهذه الشركات. نعرف بأن شركات التأمين العراقية ضعيفة في الوقت الحاضر بسبب الافتقار إلى المهارات الاكتتابية في بعض فروع التأمين، المستوى المتدني لرأس المال وكذلك الحدود الواطئة لحماية إعادة التأمين الاتفاقي من السوق الدولي. الاعتراف بهذا الوضع يجب أن لا يعني حرمانها من فرصة الاكتتاب وإعادة التأمين على أساس اختياري وهو ما حصل في الواقع. فحتى في تلك الحالات التي لجأت فيها بعض الشركات إلى ترتيبات الواجهة fronting arrangements فإن شركات التأمين وإعادة التأمين الأجنبية، مع استثناء حالات معينة، رفضت حتى مثل هذه الترتيبات. وكان الإصرار هو اكتتاب الشركة الأجنبية بالغطاء لوحدها دون إشراك شركة تأمين عراقية بشكل أو بآخر دون أن تشعر الشركة الأجنبية بأي حرج فليست هناك قواعد وقوانين عراقية رادعة في هذا المجال. ويسأل المرء إن كان الموقف الأجنبي المتعنت يعكس عجرفة كولونيالية أم حصافة تجارية؟ أما العقود مع الوزارات العراقية والأمم المتحدة والمنظمات الدولية فإنها لم تترجم إلى طلب فعّال لأغطية تأمينية يمكن أن تكتتب بها شركات التأمين العراقية. وفي حقيقة الأمر فإن بعض الحالات التي تعرفنا عليها توضح أن الدوائر الرسمية العراقية في تعاقدها مع مؤسسات أجنبية تتجاهل وجود شركات التأمين العراقية كليةً. فقد جاء في أحد العقود ما نصه: "يسمح للمقاول [الأجنبي] التأمين لدى شركات تأمين غير عراقية."[18] من الأمور التي تستدعي الاهتمام هنا تجاهل الوزارات والمؤسسات الرسمية لأحكام القانون. يرد في المادة 81 ما يلي: المادة-81- ثالثاً- يجري التأمين على الأموال العامة والأخطار التي ترغب الوزارات أو دوائر الدولة في التأمين ضدها بالمناقصة العلنية وفقاً لأحكام القانون، ولجميع المؤمنين المجازين في العراق حق الاشتراك فيها. أي أننا أمام مخالفة صريحة لأحكام قانون التأمين وهو ما يستوجب تنبيه أجهزة الدولة المعنية بها من قبل جمعية شركات التأمين العراقية وتصحيح الوضع من خلال تعليمات مناسبة بشأنه. أما عقود الأمم المتحدة، مع مقاولين أجانب، فإنها ساكتة عن مكان وهوية شركة التأمين التي يمكن أن تكتتب بعقودها. وسكوتها ربما لا يدل على حيادية وإنما إبقاء المجال مفتوحاً للشركات التي ترسي عليها العقود لإجراء التأمين حسب ما ترتأي. وهكذا فإن شركات التأمين العراقية لم تكن المستفيدة من تأمين أخطار عقود إعادة الإعمار وما حصلت عليه لا يعدو الفتات. وهي بالتالي حرمت من فرصة تنمية محافظها وتراكم أقساط التأمين لديها وتدعيم أوضاعها المالية.[19] لقد وفر قانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005، الذي قامت الوكالة الأمريكية للمساعدات الأجنبية بصياغته، الغطاء القانوني للتأمين لدى شركات تأمين غير عراقية. فقد ورد في المادة 81 (أولاً) من القانون ما يلي: "لأي شخص طبيعي أو معنوي عام أو خاص الحق في الاختيار بشراء منتجات التأمين أو خدماته من أي مؤمن أو معيد تأمين ما لم ينص القانون على خلاف ذلك." لا يرد هنا إشارة إلى محل إقامة المؤمن أو معيد الـتأمين أو تسجيله في العراق ولا القانون، حسب علمنا، نصًّ خلاف ذلك. ولكن يرد حكم غريب في قانون سنة 2005: "المادة-14- أولا- لا يجوز لأي من المنصوص عليهم في المادة (13) من هذا القانون أن يمارس أعمال التأمين إلا بعد حصوله على إجازة بذلك وفقا لأحكام هذا القانون. ثانيا- إستثناءا من أحكام البند (أولا) من هذه المادة لرئيس الديوان أن يسمح بممارسة أعمال التأمين في العراق قبل منح الإجازة وفقا لأحكام هذا القانون لأي مؤمن أو فرع مؤمن أو معيد تأمين أو مؤمن تابع من المجازين في بلدان تطبق أفضل السبل المثبتة في مبادئ التأمين الأساسية للهيئة الدولية للمشرفين على أعمال التأمين، على أن يلتزم أي من المذكورين بإكمال شروط الحصول على إجازة ممارسة أعمال التأمين في العراق خلال (90) تسعين يوما من تاريخ صدور قرار رئيس الديوان بالسماح له بممارسة أعمال التأمين." هذا الاستثناء ينسجم مع الامتيازات الممنوحة لشركات التأمين الأجنبية لاجتذابها للعمل في العراق. ويمكن الزعم بأن إقحام هذا الحكم ربما جاء لإرضاء مصالح معينة داخل أو خارج العراق للاستفادة من عقود الإعمار، يدل على ذلك عدم مناقشة القانون علنياً وتعجيل التوقيع عليه من قبل رئيس الوزراء المؤقت. وتأتي بعض أحكام المادة 13 لتخلق وضعاً في غير صالح شركات التأمين العراقية: "المادة-13- لا يجوز مزاولة أعمال التأمين في العراق إلا من [قبل]: أولا- الشركات العراقية العامة. ثانيا- الشركات العراقية المساهمة الخاصة أو المختلطة. ثالثا- فروع شركات التأمين الأجنبية المسجلة في العراق. رابعا- كيانات تأمين التكافل أو إعادة التكافل. خامسا- مؤمن أو معيد تأمين آخر يعتبره رئيس الديوان مؤهلا وذو قدرة مالية شرط التزامه بأحكام هذا القانون." مَنحُ رئيس الديوان سلطة السماح لمؤمن أو معيد آخر [أقرأ: أجنبي] ممن يعتبره مؤهلاً وذو قدرة مالية ويلتزم بأحكام القانون هذا للعمل في سوق التأمين العراقي يعني في الواقع السماح لشركات التأمين غير المقيمة offshore والشركات المقبوضةcaptives ونقابات لويدز الاكتتابية Lloyd’s underwriting syndicates لممارسة التأمين في العراق دون أن تتحمل الأعباء التي تتحملها شركات التأمين العراقية: مصاريف التسجيل، مصاريف الرقابة، والعديد من وجوه الإنفاق الأخرى الضرورية للعمل من مكاتب وموظفين .. الخ. في ظل هذه الشروط كيف يتأتى لشركات التأمين العراقية أن تتنافس مع الشركات الأجنبية؟ لا تحدد هذه المادة كيفية تواجد الكيانات التكافلية ولو أن المادة 104 تمنح رئيس الديوان حق إصدار التعليمات "لتنظيم مؤسسات التكافل وإعادة التكافل وترتيبات التأمين وإعادة التأمين الإسلاميين." والخوف أن تعامل معاملة المؤمن أو معيد التأمين الذي يعتبره رئيس الديوان "مؤهلا وذو قدرة مالية." النتائج الاقتصادية لتجاهل دور شركات التأمين العراقية واضحة فأقساط التأمين المنفقة على شراء الحماية التأمينية داخل العراق تحول إلى الخارج إما جهلاً أو قصداً. وهو ما يحرم هذه الشركات من فرصة النمو والنهوض للتعامل مع تأمين المشاريع وما يفرضه تطور الاقتصاد من تحديات. وللأسف فإن هذا الوضع يعكس حالة عامة تتمثل بإعادة تصدير المنافع الاقتصادية خارج العراق. ويكفي هنا أن نتذكر مصير الأرصدة في صندوق تنمية العراق والمنح والقروض والمعونات العينية التي أقرها مؤتمر المانحين في مدريد في تشرين الأول 2003 فقد أنفقت نسبة كبيرة منها خارج العراق بالتعكز على سوء الأوضاع الأمنية.[20] أي أنها لم تصب مباشرة في حركة الاقتصاد العراقي إضافة إلى التبذير والسرقة التي تعرضت لها.[21] الأموال العراقية العامة، المنقولة وغير المنقولة، تخضع لأشكال متعددة من التسرب وسوء الاستعمال والسرقة وكلها تؤثر على حركة الاقتصاد العراقي وعلى قطاع التأمين. على سبيل المثال، فإن الإنفاق على شراء الحماية التأمينية من الخارج، دون المرور بشركات التأمين العراقية، هو أحد أشكال تسريب الأموال وهو في ذات الوقت خسارة للدخل بالنسبة لهذه الشركات. ما يعنينا من هذا كله هو الدور المحتمل لصناعة التأمين في العراق في المساهمة قي التنمية الاقتصادية.[22] فالقانون، كما هو عليه، وطريقة إجراء التأمين خارج العراق يحرم قطاع التأمين من المساهمة الفعلية في التنمية في المستقبل المنظور عندما تتضح معالم هذا القانون في التطبيق ومجافاة بعض أحكامه لمشروع تأسيس سوق وطني عراقي مشترك للتأمين يضم إقليم كردستان. إجراء التأمين خارج العراق دون الالتفات إلى الخدمات التي تستطيع شركات التأمين العراقية تقديمها، حتى في دور الشركة الواجهة fronting company مثلاً، بحجة أن هذه الشركات لا تتوفر على الخبرات والطاقات المطلوبة تسرق منهم فرصة مجابهة الجديد والمعقد من الأخطار وإيجاد الحلول. ولكن يبدو أن المستهدف هو إبقاء هذه الشركات ضعيفة إلى أطول فترة ممكنة كي تستطيع الشركات الأجنبية النفاذ إلى السوق من خلال ما يسمى بالتجارة عبر الحدود cross-border trading هذا النمط من تعاطي التأمين له آثاره السلبية على السوق الوطني. فهو يلغي الحاجة إلى الاستثمار في البلد المضيف، كما أنه يستغني عن الاعتماد على الموارد المحلية، وهو بالتالي لا يساهم في تطوير وتعزيز الخبرات المحلية، وبعبارة أخرى فإنه لا يعمل على نقل التكنولوجيا والمهارة (عدوى التقليد). رغم تحفظنا على ترتيبات الواجهة غير الضرورية فإنها ضمن الظروف الحالية يمكن أن تساهم في تطوير دور شركات التأمين.[23] أولاً، آلية الواجهة مصدر لا بأس به للدخل لشركة التأمين العراقية التي تقوم بها. وهذا المصدر ما هو إلا العمولة التي يدفعها المؤمن أو معيد التأمين الأجنبي للشركة المحلية التي تقوم بإصدار وثيقة التأمين وخدمتها خلال فترة نفاذها. ثانياً، الدخول في ترتيبات الواجهة توفر فرصة للشركة العراقية للتعامل مع وثائق تأمين ذات طبيعة معقدة ربما تغطي أخطار غير مألوفة. وبالنتيجة، فإن ترتيبات الواجهة، إن أحسن استعمالها من قبل الشركة العراقية، تساعد على توليد معارف ومهارات جديدة أو ما يعرف في أدبيات الاستثمار الأجنبي المباشر بانتشار الكفاءة efficiency spillover تحت دعاوى حرية وسيادة المستهلك يدعو البعض إلى إطلاق الحرية لطالبي التأمين من الشركات، المحلية والأجنبية، لشراء المنتجات التأمينية التي يحتاجون إليها من أسواق أخرى (عبر الحدود) إن كانت هذه المنتجات غير متوفرة لدى شركات التأمين الوطنية. مثل هذه الوصفة، التي تبدو بريئة في ظاهرها، تهمل أو تتناسى أن الشركات الوطنية تستطيع توفير ما هو مطلوب من خلال تجميع مواردها معاً والمشاركة في التغطية أو من خلال ترتيبات إعادة التأمين الاختياري. وللسوق العراقي تجربة في هذا المجال ترجع إلى سبعينات القرن العشرين. إن معالجة هذه الأوضاع، أو بعض منها، منوطة بالجمعية العراقية لشركات التأمين من خلال التوعية بواقع صناعة التأمين العراقية وإمكانياتها وبمختلف الوسائل المتوفرة، والعمل على ترويج صياغة موحدة لشروط التأمين والتعويض insurance and indemnity clauses لعقود مقاولات القطاع الحكومي كما هو الحال حتى في أعتى الدول الرأسمالية. وكما قلنا في مكان آخر فإن "مشروع ’لبرلة‘ الاقتصاد العراقي يجب ألا يرتبط بتقويض الكيانات الاقتصادية المحلية في مختلف القطاعات الصناعية والخدمية وحرمانها من فرص التطور وتعظيم الاستثمارات، وكلها تشكّل مصادر جديدة وإضافية لشركات التأمين المحلية."[24] وفي هذا السياق من المناسب التذكير بالأسباب الموجبة لتشريع قانون تنظيم أعمال التأمين رقم 10 لسنة 2005 فقد ورد فيه هدف "تنظيم قطاع التأمين والإشراف عليه بما يكفل تطويره وتأمين سوق مفتوح وشفاف وآمن مالياً وتعزيز دور صناعة التأمين في ضمان الأشخاص والممتلكات ضد المخاطر لحماية الاقتصاد الوطني."[25] وذلك لن يتحقق بتجاهل شركات التأمين العراقية وإبقائها ضعيفة من خلال أحكام ضارة في القانون وجهالة وربما سوء تصرف أصحاب الشأن في الدوائر الرسمية العراقية. [5] تأمين صناعة النفط العراقية ربما ستكون المشكلة الكبيرة القادمة التي ستجابه شركات التأمين العراقية هي تأمين الأصول المادية لصناعة النفط العراقية. والأمل معقود على: أولاً، عدم تجاهل دور هذه الشركات من قبل الشركات النفطية (وزارة النفط)، وكذلك قيام الشركات ذاتها بتجميع مواردها المتوفرة بغية المساهمة الحقيقية في كل مراحل عملية التعامل مع وسطاء التأمين ومعيدي التأمين الدوليين. وثانياً، عدم استحضار نظرية المزايا النسبية من قبل أصحاب المصالح المترسخة في الداخل والخارج لتجاوز دور شركات التأمين العراقية في العملية التأمينية. ومن المفيد لشركات التأمين العراقية التعرف على تجربة البلدان العربية المنتجة للنفط في مجال التأمين على أصول الصناعة النفطية. ففي جميع هذه البلدان تلعب الشركات المحلية دوراً كبيراً في تأمين الموجودات النفطية والغازية. وفي هذه المرحلة لا ندحة لنا غير الانتظار لنرى إن كانت المصالح الداخلية والخارجية ستسمح لشركات التأمين العراقية أن تلعب دوراً حقيقياً في هذا القطاع الذي يشكل دعامة الاقتصاد الوطني ومصدراً مهماً وكبيراً لأقساط وعمولات التأمين. ونتوقع من شركات التأمين العراقية تنسيق جهودها في موقف جماعي لتأكيد حقها لتكون الطرف الأساسي في تأمين الكيانات النفطية وموجوداتها العاملة من وحدات تكرير ومكائن ومعدات وكذلك المشاريع النفطية تحت الإنشاء وكذلك عمليات الاستكشاف والإنتاج وصيانة الآبار النفطية والغازية. نقول لكل من يظلم هذه الشركات: لقد استطاعت هذه الشركات، اعتماداً على جهودها الذاتية وفي غياب مطلق للحماية الإعادية الدولية في سنوات الحصار (1990-2003)، توفير حماية محدودة لطالبي التأمين. إن كانت قادرة على ذلك في الماضي القريب فهي اليوم أكثر اقتدراً لتعظيم مساهمتها والمشاركة الحقيقية في تأمين صناعة النفط العراقية ولا أدل على قدرتها الكامنة من ابتداع غطاء أوائل سنة 2006 ضد أعمال الإرهاب التي تطال بآثارها حياة الناس. [6] ملاحظات ختامية ما زال سوق التأمين العراقي ضعيفاً بعد معاناته الطويلة من النتائج السلبية لحروب الدكتاتورية وتدخلها السياسي، في تعين الإدارات وأعضاء مجالس إدارة الشركات العائدة للدولة، والسنوات الثلاث عشر من الانعزال عن السوق الدولي وهي عمر الحصار الدولي. وكان لتأسيس شركات تأمين خاصة مع حلول سنة 2000، بموجب القانون 21 لسنة 1997، فضيلة إدخال عنصر جديد محفز في نسيج صناعة التأمين رغم أنها لم تستطع تثوير السوق لضعف رسملتها وكوادرها والافتقار لحماية إعادة التأمين الدولية. لقد بدأ قطاع التأمين في العراق بتجاوز إرث الماضي القريب، ولو ببطيء، إلا أنه بحاجة إلى سند قانوني من الدولة يؤكد على دوره، وسند إعادي، اتفاقي واختياري، من شركات إعادة التأمين العالمية كي يستطيع تحقيق نمو في الأقساط المكتتبة وتطوير للخدمات كما في تطوير الكوادر المدربة وصولاً لحالة من النضوج يضعه في مصاف قطاعات مماثلة في العالم العربي على أقل تقدير. ويتعين في هذا المضمار إعادة النظر ببعض مواد قانون 2005 التي تمنح الشركات الأجنبية مزايا لا تتمتع بها الشركات العراقية، وضمان مصالح جميع الشركات العاملة حالياً. والإطار العام الذي نقترحه للمراجعة يمكن اختزاله تحت عنوان توطين صناعة التأمين في العراق ليس خوفاً من مزاحمة الأجنبي بل لخلق الشروط المناسبة التي يمكن فيها لصناعة التأمين العراقية أن تكون في مستوى يقارب الندية مع الأجنبي في اكتتاب الأخطار العراقية. ولا يمكن الخروج من الواقع الحالي، شبه الراكد مع القليل من التحرك نحو الأمام، بخصخصة الشركات المملوكة للدولة فهذه تحولت قانونياً إلى شركات عامة تعتمد على نفسها مالياً. والملاحظ أن الشركات الخاصة والعامة تتنافس فيما بينها وفي ذات الوقت تتعاون على ما هو مشترك كما حصل في تأمين خطر الإرهاب على الأشخاص. لقد تقزّم سوق التأمين في العراق بسبب الحروب، وعقوبات الأمم المتحدة، وضعف رأسمال الشركات العاملة، وعدم كفاية الحماية الإعادية، وخسارة الكوادر المدربة، وتوقف التأهيل والتدريب، وهبوط النشاط الاقتصادي وغيرها من الأسباب. إلا أن العائق الأكبر أمام الخروج من الوضع الحالي هو انعدام الأمن الذي ينيخ بثقله على الحياة العامة والفشل في استرداد الحالة السوية. تحقيق الحدود الدنيا للأمن والأمان واستعادة الإرادة العراقية والاستقلال في صنع القرار بات ضرورياً لإحداث النقلة الاقتصادية السياسية والخروج من مأزق التماهي مع ما هو في صالح المشروع الأمريكي والعمل الحثيث على بناء سوق مشترك، يضم إقليم كردستان، لصناعة تأمين وطنية عراقية. مصباح غازي عسكر كمال لندن أيار 2006

هوامش [1] Robert Looney, “Economic Questions Raised in Iraq’s New Constitution,” Strategic Insights, Vol. IV, Issue 11 (November 2005) http://www.ccc.nps.navy.mil/people/looney.asp [2] The Coalition Provisional Authority, Consolidated Weekly Economic Report, November 16, 2003, http://www.iraqcoalition.org/economy/consolidated/WEEKLY%20ECONOMIC%20REPORT%20November%2016,%202003.doc (الترجمة للكاتب) [3] USAID, Assistance for Iraq, Private Sector Development, http://www.usaid.gov/iraq/accomplishments/privsec.html النص المقتبس من ترجمة الكاتب. [4] بديع أحمد السيفي، التأمين: علماً وعملاً (بغداد: د. ن.، ط 1، 1972) ص 26-27. [5] على محمد إبراهيم الكرباسي (إعداد)،الموسوعة القانونية، 22: قانون الشركات (مكتبة شركة التأمين الوطنية، بغداد، 2001) [6] ورد في المسودة الأصلية الإنجليزية المتوفرة لدى الكاتب التي أعدها الخبير الأمريكي نص يقضي بإلغاء جميع قوانين التأمين السابقة (Insurance Regulatory Act of 2004, April 24, 2004: Submission Draft, Rev 1, page 45 of 46). [7] إلصاق الحرية بالاقتصاد له وظيفة إيديولوجية دعائية فهي ليست موجودة بصيغتها الصرفة فهناك تدخل الحكومات القوي كما يظهر في السياسات النقدية والمالية ودعم أسعار معينة؛ ودور الشركات الصناعية والبيوتات التجارية العملاقة في تحديد الأسعار وحركة السوق؛ ودور نقابات العمال وغيرها. يعني هذا أن الاقتصاد ليس حراً في المطلق ومن الأفضل الحديث عن حرية نسبية. ولهذا السبب نضع كلمة "الحر" بين قويسين مزدوجين. [8] قراءة ما يصدر من السياسيين في العراق من تصريحات تكشف عن التزام غير قابل للنقاش بالخصخصة، الاستثمار الأجنبي المباشر، قبول سياسات ووصفات صندوق النقد الدولي، تحجيم وتقليص دور الدولة .. الخ. وكمثال على ذلك، فإن وكيل وزارة المالية د. كمال البصري، يدعو إلى التخلص من سياسة دعم الدولة لبعض السلع ومنها الوقود والتموين الغذائي ضمن استراتيجية وطنية للتنمية دون الإشارة إلى أن رفع الدعم هو أحد شروط صندوق النقد الدولي التي تقوم وزارته بتنفيذها. ("العراق: رفع الدعم عن المحروقات يصحح أخطاء الماضي" الحياة، 17 نيسان 2006، ص 17). ويقول البصري: "إن سياسة دعم أسعار المشتقات النفطية التي أخذت بها الحكومة السابقة جزء من نهجها القائم على التخطيط المركزي لموارد الدولة. ولا شك في أن التجارب أثبتت عدم قدرة هذا النهج على تحقيق المصلحة العامة .." ويتساءل المرء عن مكانة سياسة الدعم (وخاصة في مجال الإنتاج الزراعي) التي يتبعها الاتحاد الأوروبي ضمن سياق الاقتصادات الحرة لأوروبا أو ذات السياسة في الولايات المتحدة. ليست هناك دائماً علاقة سببيه بين سياسات الدعم والتخطيط المركزي فالحكومات الرأسمالية تلجأ إلى هذه السياسات لأغراض اجتماعية واقتصادية لرفع بعض الأعباء عن كاهل الفئات الفقيرة والمعوزة أو لتدعيم الموقع التنافسي في التجارة الدولية لقطاعات اقتصادية معينة. أما ما يسمى بالتخطيط المركزي للحكومة السابقة فإنه لم يكن إلا تلاعباً بالأرقام من قبل صدام حسين وأعوانه واقتصاديين مرعوبين. لم يتجاوز التخطيط الاستفادة القصوى من الثروة النفطية لتكون مرتكزاً للدكتاتورية وصيغة الدولة الريعية في أقبح وأسوأ أشكالها. [9] International association of Insurance Supervisors, Guidance on Insurance Regulation and Supervision for Emerging Market Economies 1997 and Conduct of Insurance Business 1999 (IAIS, Base, Switzerland) [10] كمثال على أحد هذه الأحكام البليدة والمتعجرفة في النسخة الإنجليزية الأصلية ما ورد في المادة 16 بشأن إلزامية اللغة: “All insurance policies issued in Iraq shall be written in Arabic, Kurdish or other local language or dialect, and in English, so the policyholders are able to read and understand them. A comprehensive translation in another language may be attached to any policy issued. In the case of misinterpretation, the English interpretation shall prevail.” [Emphasis added] [11] The Coalition Provisional Authority, Weekly Economic Report, January 31 - February 6 2004, http://www.iraqcoalition.org/economy/consolidated/Administrator [12] ورد في القسم 9، التأمين، من هذا الأمر ما نصه: "يسمح للمستثمر الأجنبي الحصول على تأمين من أي شركة تأمين أجنبية أو عراقية يعتبرها المستثمر الأجنبي ملائمة، ويتم بموجبه تأمين كافة جوانب العمليات التي يقوم بها." وهذا قد لا يكون في صالح شركات التأمين العراقية. [13] The Coalition Provisional Authority, Weekly Economic Report, March 20-26, 2004, http://www.iraqcoalition.org/economy/consolidated/Administrator [14] Putting the legality of the invasion of Iraq aside, changing the existing laws of Iraq by the occupying power runs against the Geneva Convention. As to the question of establishing Iraqi sovereignty, Professor Francis A. Boyle, “US as Belligerent Occupant: Iraq and the Laws of War,” CounterPunch, December 22, 2005, argues that “it was a total myth, fraud, lie, and outright propaganda for the Bush Jr. administration to maintain that it was somehow magically transferring "sovereignty" to its puppet Interim Government of Iraq during the summer of 2004. Under the laws of war, sovereignty is never transferred from the defeated sovereign such as Iraq to a belligerent occupant such as the United States. This is made quite clear by paragraph 353 of U.S. Army Field Manual 27-10 (1956): "Belligerent occupation in a foreign war, being based upon the possession of enemy territory, necessarily implies that the sovereignty of the occupied territory is not vested in the occupying power. Occupation is essentially provisional." http://www.counterpunch.org/boyle12222005.html [15] سبق وأن قمنا بدراسة الموضوع في مقالة نشرت تحت عنوان "قانون تنظيم أعمال التأمين: تعليقات هامشية" في الثقافة الجديدة، العدد 316، تشرين الأول 2005. [16] في تقريرها الأسبوعي رقم 25 حول إعادة إعمار العراق ذكرت الوكالة الأمريكية للمساعدات الدولية أنها تساعد موظفي ديوان التأمين لتطوير التعليمات الرقابية والمساهمة في صياغة التعليمات بما يتناسب مع أفضل التطبيقات في العالم. كما أنها تقوم بالتدريب على كتابة التقارير ومنح التراخيص والملاءة والنظر في مظالم المستهلكين .. الخ. وفيما يلي النص الكامل لهذا الخبر: In its Iraq Reconstruction Weekly Update no. 25 (FY 2006), USAID reported that it “is helping officials at the Insurance Regulatory Commission develop insurance regulations, helping to draft and explain regulations that are compliant with international best practices. Training is being provided on reporting, licensing, solvency, and consumer complaints practices. When the regulations are in place the obligations and rights of insurers and policyholders will be more clearly defined. The new regulations will mean that it will be possible to enforce the insurance law more vigorously and encourage a more robust regulatory regime.” http://www.reliefweb.int/rw/RWB.NSF/db900SID/EGUA-6PDJYR?OpenDocument [17] US Department of Commerce, Doing Business In Iraq (FAQ), General Information, http://www.export.gov/iraq/bus_climate/faq.html [18] للمزيد من التعليق أنظر: مصباح كمال، "شركات التأمين العراقية: متى تعاد إليها حقوقها" البيان الاقتصادية، بيروت، العدد 412، آذار 2006. النص الكامل مع الهوامش متوفر لدى الكاتب ويمكن الحصول عليه بالاتصال على العنوان: Misbah.kamal@uib.co.uk [19] جاء في تقرير لصندوق النقد الدولي (International Monetary Fund, IMF Country Report No. 05/294, Iraq: 2005 Article IV Consultation, August 2005, p 7.) أن تكلفة الحماية الأمنية والتأمين تأتي على 30-50% من مجموع كلفة أي مشروع في العراق. لم يفصل التقرير النسبة المنفقة على شراء الحماية التأمينية لكن شركات التأمين العراقية لم تستفد من تأمين عقود إعادة الاعمار وأن المستفيد الأكبر هي شركات التأمين الأجنبية (الأمريكية على وجه الخصوص وبعض شركات التأمين في الخليج). [20] يذكر د. سنان الشبيبي، محافظ المصرف المركزي العراقي، في مقابلة قصيرة (MEED Gulf Economic Review, January 2006, pp 36-37) دور المصارف الأجنبية التجارية في تدريب بعض المصرفيين العراقيين في الخارج، ويؤكد على ضرورة التدريب أثناء تأدية المصرفيين لعملهم اليومي داخل العراق، ويحاجج بهذا الشأن، فيما يخص الأوضاع الأمنية، أن المؤسسات الأجنبية التي تستطيع العمل في دول تنتشر فيها الجريمة، مثل كولومبيا ونايجيريا، فإن بإمكانها التغلب على المصاعب الأمنية في العراق وتعديل الكلفة بموازاة ذلك. [21] James Glanz, “Audit Describes Misuse of Funds in Iraq Projects,” The New York Times, 25 January 2006. Ed Harriman, “Cronyism and Kickbacks,” London Review of Books, 26 January 2006. [22] تناولنا دور التأمين في التنمية الاقتصادية في ورقة غير منشورة كتبت لمؤتمر كانت نقابة الاقتصاديين في إقليم كردستان تنوي عقده في أربيل في 16/11/2002 حال تطور الأوضاع دون انعقاده. مصباح كمال، "هل هناك دور اقتصادي للتأمين في كردستان العراق؟" (تموز 2002). وتابعنا جانباً منه في دراسة أخرى غير منشورة: " تطوير قطاع التأمين في كردستان العراق: ملاحظات أولية (لندن أيار/حزيران 2006) [23] ممارسة دور شركة الواجهة fronting company يجب أن لا يكون نمطاً ثابتاً في تعامل شركات التأمين العراقية مع الزبائن الكبار من الشركات الأجنبية التي تعمل في العراق ولها علاقات قائمة مع وسطاء وشركات تأمين في بلدانها الأصلية. يجب أن تبقى الواجهة ترتيباً مؤقتاً، أو حسب ما تقتضيه الظروف مستقبلاً، وذلك لضمان عدم تقليص الدور الاكتتابي لشركات التأمين العراقية وتحويلها لمجرد وكلاء يعملون بالعمولة وهو ما لا يستقيم مع الدور الحقيقي لشركة التأمين: الاكتتاب بالأخطار وتحمل مسؤولية تعويض المطالبات. هو إجراء مؤقت يعكس ضعف القاعدة المادية للشركات العراقية وصغر حجم إعادة التأمين الاتفاقي المتوفر لها حالياً. ويتوجب على الشركة التي تقوم بدور الواجهة الاطمئنان إلى سلامة الوضع المالي للشركة الأجنبية التي تتعامل معها وإعفائها من المسؤولية من قبل المؤمن له الأصلي في حالة فشل الشركة الأجنبية في تنفيذ التزاماتها تجاه المؤمن له. [24] البيان الاقتصادية، بيروت، العدد 410، كانون الثاني/يناير 2005، ص 429. [25] الوقائع العراقية، العدد 3995، 3/3/2005، ص 28.

2008/07/17

ملاحظات نقدية حول إعادة هيكلة سوق التأمين العراقي مصباح غازي عسكر كمال تنويه كتب ونشر النص الأصلي لهذه الورقة باللغة الإنجليزية في 2004 ونشرت نسخته العربية مع بعض الإضافات في 2005. مشروع إعادة هيكلة سوق التأمين العراقي (الشركات العامة)، ضمن المشروع الأمريكي الأكبر في إكمال تهشيم الدولة العراقية ومؤسساتها و"العلاج بالصدمة" على النمط الروسي، لم يتحقق لأسباب غير معلنة ولم تبحث بالتفصيل. وكانت خطة إعادة الهيكلة تشكل جزءاُ من السياسة الاقتصادية لـ "المستبد بأمره" بول بريمر، الحاكم الأمريكي للعراق في الفترة من 11 أيار 2003 لغاية 28 حزيران 2004. رغم عدم تطبيق خطة إعادة الهيكلة إلا أن الهدف المقصود منها، تفضيل المصالح الأجنبية، اتخذ الصفة القانونية في الأمر رقم 10 الذي حمل عنوان قانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005. سنقوم في وقت لاحق بنشر دراستنا النقدية لهذا القانون الذي نشر سابقاً في إحدى المجلات العراقية. مدخل تكاد جميع التقارير التي تنشر، بالعربية والإنجليزية، عن التأمين في العراق أن تكتفي بذكر المصاعب التي يجابهها المؤمَّن لهم من الشركات الأجنبية في التأمين على مستخدميهم وأموالهم داخل العراق، والأسعار الفاحشة التي يفرضها المكتتبون في الأسواق العالمية لقاء منحهم تغطيات معينة. لكن المرء يكاد أن لا يقرأ شيئاً عن حالة السوق العراقي، والشركات العاملة فيه ومشاكلها، وتجاوز قوانين التأمين القائمة من قبل الشركات الأجنبية، وما يخطط لهذا السوق من مشاريع يدبجها استشاريون أجانب معتمدين من قبل سلطة التحالف المؤقتة.[1] تهدف هذه الورقة، ضمن المعلومات المتوفرة لدى الكاتب، إلى سد بعض الفراغ في هذا المجال وعرض بعض الملاحظات النقدية والتصورات الأولية بشأن التوجه المستقبلي لقطاع التأمين العراقي.[2] في تموز/يوليو 2003 استطاعت الشركة الأمريكية بيرنغ بوينت إنك BearingPoint Inc التي كانت تعرف سابقاً باسم كي بي إيم جي للاستشارات Consulting KPMG الحصول على عقد بقيمة 9 ملايين دولار من الوكالة الأمريكية للمساعدات الدولية للعمل على تقديم الدراسات لتحويل وتطوير جوانب مختلفة من الاقتصاد العراقي بما في ذلك خصخصة مؤسسات القطاع العام. وفي سنة 2004 رسى عليها أيضاً، من نفس الوكالة، عقدٌ بقيمة 240 مليون دولار لتطوير القطاع الخاص في العراق على أسس تنافسية. بعض هذا العمل الذي أنيط بالشركة تَضمنًّ تقييم حالة سوق التأمين العراقي ووضع خطة لإصلاحه وإعادة هيكلته وخصخصة شركات التأمين التابعة للقطاع العام. المعلومات المتوفرة عن إعادة هيكلة السوق ليست هناك معلومات منشورة عن الدراسة والعمل الذي قامت به بيرنغ بوينت، أو نوعية ومستوى النقاش والاستشارة مع العراقيين المعنيين بشؤون التأمين ما خلا استدراج مساعدة إدارات شركات التأمين القائمة في القطاعين الخاص والعام لتزويدها بالبيانات المتوفرة لديها: رأس المال، أقساط التأمين، عدد الموظفين، الاستثمارات .. الخ. وما رشح من هذه الدراسة هو مخطط مطبوع، باللغة الإنجليزية، يبين الفترة الزمنية التي ستتم فيها إعادة الهيكلة وتبدأ من 1/11/ 2003 وتنتهي في 1/12/2004 والخطوات التي ستتخذ خلال هذه الفترة لإعادة هيكلة سوق التأمين. يتكون سوق التأمين العراقي، حتى وقت كتابة هذه الورقة، من ثلاث شركات تعود للقطاع العام وهي: شركة التأمين الوطنية، الشركة العراقية للتأمين وشركة إعادة التأمين العراقية، وأربع شركات تعود للقطاع الخاص تأسست بموجب القانون 21 لسنة 1997 وهي: الأهلية، الحمراء، دار السلام والأمين. وهناك شركتان قيد التأسيس والتسجيل. من المفترض أن تكون المرحلة الأولى من برنامج إعادة الهيكلة في تشرين الثاني 2003 قد نُفذت فعلاً مع إتمام مراجعة وتدقيق سجلات وأوضاع شركات القطاع العام الثلاث إلا أن المعلومات عن نطاق هذا التدقيق ليس متوفراً فيما يخص، على سبيل المثال، تحديد أرصدة والتزامات هذه الشركات تجاه المؤمن لهم وإرث الماضي في التعاملات مع معيدي التأمين. إلا أن ما كان واضحاً هو أن سلطة التحالف المؤقتة قد وضعت اليد على الأصول النقدية لهذه الشركات بموجب قرار مجلس الأمن المرقم 1483 باعتبارها أموالاً عائدة للدولة يستفاد منها في إعادة إعمار العراق. إضافة لذلك فإن مخطط الإصلاح يضم عنصرين آخرين ضمن الفترة التي تجري فيها عملية المراجعة والتدقيق وهي: (1) تدريب كوادر الشركات و (2) توزيع أصول الشركات الثلاث على أربع شركات متخصصة تُشكل بعد الانتهاء من هذه العملية. وتشمل هذه المرحلة أيضا وضع برنامج مشترك لإعادة تأمين هذه الشركات الأربع، واتخاذ الخطوات المطلوبة لإعادة تأسيس دائرة مراقب التأمين. وبحلول كانون الثاني/يناير 2004 تكون هذه المرحلة قد انتهت مع توزيع أصول الشركات على الشركات الأربع المتخصصة التي سُميت في المخطط كما يلي: الشركة العراقية لتأمين السيارات الشركة العراقية لتأمينات غير البحري الشركة العراقية لتأمين الطيران والبحري الشركة العراقية لتأمين الحياة والتقاعد وفي الفترة ما بين آذار/مارس ونيسان/أبريل تستطيع هذه الشركات المتخصصة تقديم طلب لدائرة مراقب التأمين للترخيص لها بمزاولة جميع فروع التأمين. ومن المفترض أن تشهد هذه المرحلة أيضاً تشكيل رابطة التأمين العراقية التي ستضم في عضويتها المدراء العامين للشركات الأربع وشركات القطاع الخاص الحالية وغيرها من الشركات التي تؤسس بعد إنجاز برنامج الإصلاح إذ أن النية متجهة، حسب البرنامج المقترح، إلى عدم ترخيص شركات جديدة خلال هذه الفترة. وتشمل مهام الرابطة: التوعية بالتأمين على مستوى العراق وتدريب العاملين في القطاع التأميني، صياغة وثائق التأمين، إعادة النظر في أسعار التأمين، المحافظة على حقوق المؤمن لهم، مراقبة النشاط التأميني في السوق وكذلك التأمين عبر الحدود (المراد به البطاقة البرتقالية لتأمين السيارات عبر البلاد العربية) .. الخ. ويقتضي البرنامج انتهاء دائرة الرقابة من منح التراخيص للشركات الأربع مع بداية تشرين الثاني/نوفمبر 2004 لمزاولة الفروع الأخرى للتأمين وانتهاء الشركات نفسها من وضع خطط عملها للتفاوض بشأن عقود إعادة تأمينها. إن تفكيك الشركات الثلاث وتحويلها إلى شركات متخصصة يعكس السياسة العامة لسلطة التحالف المؤقتة لخصخصة الاقتصاد. ومن هنا منشأ خطة خصخصة شركتي التأمين على مرحلتين وإلغاء شركة إعادة التأمين ضمن الإطار العام لإعادة هيكلة الاقتصاد العراقي المنوط بالشركة الاستشارية بيرنغ بوينت. وهكذا سيجري الاكتتاب العام بـ 49% من أسهم الشركات الأربع الجديدة عند تأسيسها وإبقاء 51% من الأسهم للدولة مؤقتاً كي تعرض للاكتتاب العام في نهاية 2004.ليست هناك وثائق معلنة تصف هذه التغييرات الجذرية المقترحة، أو تفصل الحجج الاقتصادية لإصلاح قطاع التامين والأسباب التي تستدعي ضرورة تفكيك شركتي التأمين المباشر لخصخصتها وإلغاء شركة إعادة التأمين.[3] شركات تأمين متخصصة: الخصخصة تحت واجهة الإصلاح المقترحات المقدمة باسم الإصلاح أو إعادة الهيكلة دُبجت بهدف خصخصة شركتي التأمين المباشر والتخلص من شركة إعادة التأمين بقرار "ثوري" يُعرض على بول بريمر، الحاكم الأمريكي للعراق، للتوقيع عليه ليصبح نافذاً.[4] وبهذا الشأن فإن المقترحات لا تعدو أن تكون إجراءات مؤقتة إذ أن الشركات "المتخصصة" ستختفي بالضرورة من خلال تقديمها طلب الترخيص للاكتتاب بفروع تأمينية أخرى خارج تخصصها. لم تشهد أياً من أسواق التأمين في العالم بعد فترات النزاع، حسب علمنا، محاولة تطبيق مثل هذا الترتيبات. هناك شركات متخصصة في أسواق التأمين المتقدمة والعديد منها ما تزال تعمل على أساس من الاختصاص بتسويق منتج واحد. وخير مثال على ذلك هو شركات التأمين على الحياة وفي الماضي، بالنسبة للمملكة المتحدة، شركات التأمين على الألواح الزجاجية، والنقابات الاكتتابية في سوق لويدز التي كانت تتخصص بالتأمين على فرع معين، والمجمعات التي تتخصص في التأمين على أخطار الطاقة وغيرها. والواقع أن صناعة التأمين في المملكة المتحدة قد ابتدأ بالاختصاص في فرع واحد للتأمين ومن ثم تطور نحو ممارسة فروع أخرى ـ كالتأمين أولاً على النقل البحري أو المراجل البخارية أو الحريق. يعتمد التأمين على قانون الأعداد الكبيرة، أي على توفر عدد كبير من الوحدات المعرضة للأخطار، وفي غياب هذه الأعداد فإن نتائج الأخطار التي تكتتب بها شركة التأمين قد تكون مدمرة لشركة التأمين المتخصصة في منتج واحد ما لم يجرِ تدبير بعض الإجراءات الحمائية ومنها: الاكتتاب الانتقائي لطالبي التأمين والأخطار، ترتيب أغطية إعادة التأمين أو، حسب مقتضى الحال، إدارة الخطر مادياً من خلال الوسائل الهندسية وغيرها من أنظمة السلامة والسيطرة على مسببات الضرر ومكامن الخطر. وفي هذا السياق فإن الكثافة التأمينية[5] في العراق ضعيفة وخاصة في التأمينات الفردية وتساهم في عدم توازن المحفظة التأمينية. ولذلك، ما لم تنجح الشركات الأربع المتخصصة في تحقيق محافظ تأمينية كبيرة نسبياً في الوقت القصير الذي ستقوم فيه بأعمالها، كما تقضي خطة الإصلاح، فإن سلسلة من الخسائر الكبيرة ستؤدي إلى نتائج مالية خطيرة جداً تؤثر على ملاءتها المالية. ومما يفاقم الخطر هو غياب حماية إعادة التأمين لشركات التأمين العراقية في الوقت الحاضر. نقد شركات التأمين المتخصصة هناك اعتبارات أخرى تجعل شركات التأمين المتخصصة غير مرغوبة اقتصادياً في المنظور النظري وبعض هذه الاعتبارات ينطبق على الوضع العراقي الراهن. ويمكن إجمال هذه الاعتبارات كما يلي: 1 يؤثر التخصص على السياسة الاكتتابية لشركة تأمين السيارات إذ أن هذا الفرع التأميني يتميز بتكرر الحوادث التي تحتاج إلى سيولة نقدية عالية خلافاً للفروع الأخرى لضيق الفترة الزمنية الممتدة بين استلام قسط التأمين وتسديد المطالبة بالتعويض في تامين السيارات. وهكذا، لا تستطيع شركة التأمين مراكمة الأقساط للاستفادة منها في بناء الاحتياطيات لمواجهة عبء المطالبات الكبيرة وتوظيف الفائض لأغراض الاستثمار الذي يُشكّل مصدراً إضافياً لدخل الشركة. 2 يُحْرم التخصص الشركة من مزّية الإعانة المشتركة cross subsidisation التي تتمتع بها الشركات التي تكتتب في فروع تأمينية متعددة. فعندما يتأثر أحد الفروع بجملة من الخسائر الكبيرة التي تستنفذ احتياطي التعويضات لذلك الفرع فإن الفروع الأخرى الأكثر ربحيةً تساهم في تغطية العجز الحاصل والحفاظ على الملاءة المالية للشركة. 3 كما أن تأسيس الشركات المتخصصة تحرم الزبائن الكبار من الاستفادة من قوتهم الشرائية الكبيرة التي يمارسونها عند إجراء تأميناتهم المتنوعة عند شركة التأمين تتعاطى فروعا متعددة من التأمين. مع تأسيس الشركات المتخصصة فإن مثل هؤلاء الزبائن سيضطرون إلى التأمين عند أكثر من شركة وبذلك يخسرون المنفعة الكامنة في قوتهم الشرائية وفي ذات الوقت يتحملون مصاريف إدارية إضافية إزاء إجراء التأمين مع أكثر من شركة. 4 شركات التأمين المتخصصة المزمع إنشاؤها ستفاقم من عدم التوازن القائم حالياً في السوق بين الشركات العاملة ـ أي بين شركات القطاع الخاص والشركات المختلطة (من حيث الملكية وليس من حيث فروع التأمين) التي ستنشأ. فالمتوقع أن ترث الشركات المختلطة الاحتياطيات الغنية لشركات القطاع العام، وبفضل ذلك فإنها ستستمر أن تكون في وضع أفضل عند تنافسها مع شركات القطاع الخاص الحديثة العهد والضعيفة في حجم رأسمالها واحتياطياتها. 5 بالنسبة للمساهمين فإن شركة التأمين غير المتخصصة توفر فرصة استثمارية أفضل. صحيح أن شركة التأمين على الحياة لها جاذبيتها بفضل عقود التأمين الطويلة الأجل التي تتعامل بها والقدرة الإكتوارية التي تتوفر لها في السيطرة على نتائج اكتتابها لوثائق التأمين الفردية والجماعية إلا أن مثل هذه المزايا لا تنطبق تماماً على شركة تكتتب بالتأمين البحري والطيران أو التأمين غير البحري. في حين يمكن إخضاع تأمين السيارات، إلى حد ما، للسيطرة الاكتوارية إلا أن الظروف الحالية للعراق لا تسمح بمثل هذا التحكم.[6] 6 إن مقترح تأسيس شركة للتأمين على الحياة والمعاشات يعوزه التبصر فالطلب الفعال على التأمين الفردي على الحياة في العراق كان، تاريخياً، ضعيفاً. ويعكس ذلك، ضمن أسباب أخرى، المستوى الواطئ للدخل المتاح للإنفاق عند أغلبية السكان. وهذه الحقيقة ما زالت قائمة في العراق وستستمر لبعض الوقت، ومع ذلك فإن تجربة الماضي تشير إلى أن شركة تأمين مكرسة للتأمين على الحياة تستطيع أن تزدهر خلال بضعة سنين. إلا أن التأمين على معاشات التقاعد أمر مختلف تماماً، ففي الوقت الحاضر ليس هناك طلب لوثائق التأمين الفردي على المعاشات. ولعل المقترح الخاص بإدخال هذا الفرع من التأمين يأتي متزامناً، بشكل عام، مع الأفكار المطروحة للتمهيد للخصخصة الجزئية أو الكاملة للضمان الاجتماعي. وفيما يخص العراق، فإن أي مشروع لتأمين المعاشات تجارياً يظل أمراً نظرياً أو معلقاً لحين استرداد وتثبيت الاستقرار والأمن وتحسن مستوى معيشة الناس. 7 يفترض المقترح الخاص بتأسيس شركة متخصصة للتأمين على السيارات، وكأمر محسوم، اعادة صياغة قانون التأمين الإلزامي من حوادث السيارات رقم 52 لسنة 1980.[7] وليست هناك معلومات منشورة عن إعادة صياغة هذا القانون وغيره من قوانين التأمين العراقية. ويثير هذا الأمر تداعيات وأسئلة ذات طابع خطير فيما يخص الإصلاح المنشود للسوق فهو لم يحظى بتفكير عميق، ويبدو أنه يغض النظر عن قوانين التأمين القائمة، ولا يأخذ بعين الاعتبار الواقع الاقتصادي للعراق، ويتجاهل الخبرة السابقة لسوق التأمين العراقي خلال السنوات الخمسين الماضية، والتأثير الشللي الذي أحدثته عقوبات الأمم المتحدة التي استمرت لأكثر من عقد،[8] ويدين ضمناً شركات القطاع العام كشركات فاشلة .. الخ. كما أن الفترة المحددة لتحقيق إعادة الهيكلة هي في أحسن الحالات غير واقعية. 8 إن برنامج الإصلاح الراديكالي القائم على نزعة التوجه نحو الخصخصة، كأيديولوجيا وليس كضرورة اقتصادية، يتجاهل الآثار الاجتماعية المتمثلة بحالة القلق وعدم التأكد التي تخلقها لدى العاملين في شركات القطاع العام. إن الاقتصاد يعاني أصلاً من حالة الشلل ويأن من وطأة ندرة الاستقرار والأمن. وضمن هذا السياق فإن إحدى نتائج تسريع عملية الخصخصة تتمثل بتسريح أعداد إضافية من العاملين وهو ما يزيد من حدة البطالة القائمة ويترك آثاراً اجتماعية سلبية. إضافة لذلك، لو اقترنت الخصخصة مع فتح قطاع التأمين أمام الاستثمار الأجنبي بدون ضوابط فإن رأس المال الأجنبي سيكون في وضع يستطيع معه المزايدة على رأس المال الوطني العراقي وفي غير صالح الأخير فيما يخص الملكية.[9] إن "رأسمالي" العراق بحاجة إلى بعض الوقت لتنمية مواردهم كي يكون لهم حصة قوية في أسهم مؤسسات القطاع العام المراد خصخصتها. 9 إن خلق أربع شركات متخصصة ليس هدفاً بحد ذاته يراد منه الاستفادة من مزايا التخصص الوظيفي. على سبيل المثال، التعويض عن النقص الحاصل في مهارات العاملين من خلال تجميع المهارات المتوفرة في شركات القطاع العام الثلاث؛ إبراز تحدي أمام شركات القطاع الخاص القائمة لرفع مستوى التنافس المفتوح على أعمال التأمين (وذلك بعد إنهاء احتكار شركات القطاع العام لتأمين مصالح الدولة وتحويلها إلى شركات تجارية[10])؛ المساهمة في نمو الفروع المتخصصة للتأمين التي أسسوا من أجلها. 10 إن برنامج إعادة الهيكلة المقترح لم يأخذ بالحسبان التكاليف الاقتصادية والإدارية التي يتطلبها خلق الشركات الأربع المتخصصة، وفي توزيع أصولها، ومتابعة المسؤوليات القائمة تجاه المؤمن لهم وغيرهم، إجراءات المقاصة .. الخ. ويبدو أن تجربة دمج شركات التأمين ومن ثم تأميمها في ستينات القرن الماضي قد نُسيت. ملاحظات أخرى اعتمادا على المعلومات الشحيحة، كما هي معروضة أعلاه، يصعب إصدار حكم نهائي بدون معرفة جميع الأسباب وراء هذا المشروع الطموح من حيث طابعه الراديكالي الظاهري والفترة الزمنية المحددة لإنجازه ـ وهي لا تتجاوز 12 شهراً. السؤال الجوهري الذي يستوجب الإثارة هو: لماذا هذا الإصلاح ولمصلحة من؟ إن المرء لا يعرف، مثلاً، الأسباب الكامنة وراء إلغاء شركة إعادة التأمين العراقية. صحيح أن المرء يستطيع أن يكون ناقداً لهذه الشركة ولكن، كشركة إعادة تأمين محلية وإقليمية مهمة في الماضي، لعبت دوراً في تنمية سوق التأمين العراقي من خلال توفير طاقة استيعابية اختيارية إضافية وطاقم من العاملين المدربين والمتمرسين في الصنعة. ثم أنها عملت، خلال سنوات عقوبات الأمم المتحدة التي دامت 13 سنة اعتباراً من سنة 1990، مع شركات التأمين المباشر، العامة والخاصة، على وضع ترتيبات لتوفير حماية إعادية متواضعة لهذه الشركات. صحيح أيضاً أنها، كباقي شركات التأمين العراقية، قد فقدت عدداً من موظفيها المؤهلين والمتمرسين برحيلهم إلى أسواق التأمين العربية الأخرى إلا أن ذلك لا يشكل سبباً كافياً لإلغائها. أترى أن العراق لا يستحق أن يكون له سوقاً تأمينياً متكاملاً يضم شركات للتأمين المباشر وإعادة التأمين وينعم، مع مرور الزمن، بدعم خدمات إضافية في حقل وساطة التأمين الاحترافي، وتقييم الأموال العينية، وتسوية الخسائر وغيرها؟ لو كانت القوانين القائمة بشأن دور الشركة جائرة بحق شركات التامين المباشر، مثلاً، فإن بالإمكان إعادة النظر فيها بالتناغم مع لبرلة الاقتصاد وكذلك النظر في ملكيتها: نزع ملكيتها من الدولة، تحويلها إلى شركة مختلطة[11].. الخ. لا يستهدف برنامج إعادة الهيكلة، حسب المعلومات المتوفرة، تطوير سوق متكامل للتأمين، ولا يعدو غير وسيلة بسيطة، تُقلّد نموذج خصخصة المرافق العامة في بريطانيا، لخصخصة شركات التأمين العائدة للدولة. والمشروع في حد ذاته ينطوي على تبعات قانونية في إطار مشروعيته بموجب القانون الدولي فيما يخص تغيير الكيانات والمؤسسات القائمة من قبل سلطة الاحتلال دون أن تشكل هذه المؤسسات تهديداً لها. حقيقة الأمر هو أن الهدف الأساسي لإعادة الهيكلة هو الخصخصة. فحتى فكرة تأسيس دائرة للرقابة على قطاع التأمين (الذي يُمارس حالياً من قبل وزارة المالية) وكذلك فكرة تأسيس الرابطة العراقية للتأمين (وهي فكرة معقولة ومطلوبة في أي سوق يضم عدة شركات) لا توفر دعماً أكبر أو تبريراً لما هو مستهدف. والواقع أنه مع انتهاء الفترة القصيرة لتحقيق إعادة الهيكلة، التي لا تتجاوز اثني عشر شهراً، عندما تكون شركة إعادة التأمين العراقية قد ألغيت وتم تحويل ملكية شركتي التأمين المباشر، على مرحلتين، إلى القطاع الخاص (العراقي أو ربما الأجنبي) فإن الشركات الأربع المتخصصة المُشكَّلة (لأغراض الخصخصة) تكون قد أنهت تخصصها لتعمل كشركات تأمين عامة تتعاطى في فروع تأمينية أخرى. إن التغييرات المزمع إدخالها لا تنهض من متطلبات سوق التأمين ذاته، أو بفضل ضغوط جمهور المؤمن لهم فيما يخص الخدمات التي تقدمها الشركات، أو فشل شركات القطاع العام للوفاء بالتزاماتها التعاقدية تجاه المؤمن لهم .. الخ. إنها، باختصار، تعبير عن نزعة إيديولوجية وتذكّر المرء ببرنامج الأحزاب الثوروية في الماضي: الثورة، التحطيم، إعادة البناء من البداية. بعضٌ من مثل هذا البرنامج قد أنجز في الغزو الأمريكي للعراق بالتدمير العشوائي لبعض الهياكل الارتكازية وغيرها ونهب الأصول والممتلكات المختلفة تحت أعين قوات الاحتلال.[12] ويبدو أنه قد آن الأوان "لتدمير" شركات القطاع العام، بشكل ما، لإعادة بنائها على أسس جديدة. تطبيق اختبار الديمقراطية والاقتصاد اللبرالي على سلطة التحالف المؤقتة ومؤيديها يكشف تعسفاً ما في إصدار الأوامر وخطلاً في بعض سياساتها المقترحة والمعتمدة. فتغيير المؤسسات القائمة بدون مناقشة عامة يجري إعدادها بشكل صحيح قد يكون "ثورياً" إلا أنه لا يستقيم مع الممارسة الديمقراطية. والواقع أن السلطة القائمة قد انتحلت لنفسها حق إقرار مستقبل مؤسسات العراق دون مشاركة حقيقية ـ وفي هذه الحالة من الأطراف التي تشكل السوق التأميني (المؤمن لهم، شركات التأمين وإعادة التأمين، الاقتصاديون وغيرهم من المعنيين بالشؤون العامة ذات العلاقة). ويظهر الخطل أيضاً في التغاضي عن دور قوى السوق في إقرار وجود ومستقبل الشركات في العملية التنافسية واستبدالها بـ "الأوامر الثورية" الفوقية. الوظيفة الأساسية والمباشرة للنشاط التأميني، أياً كانت صورته، هي توفير الحماية ضد العواقب المالية للأخطار العرضية الاحتمالية سواء أكانت أخطاراً طبيعة أو من صنع البشر. وإزاء ذلك فإن مسألة الملكية تتخذ أهمية ثانوية. في ورقة سابقة أشرنا إلى أهمية التمهيد لإدخال وتعزيز شروط المنافسة العادلة بين شركات القطاع العام والخاص قبل الإقدام على الخصخصة.[13] إن إعادة تأهيل شركات القطاع العام، بضمنها تحويلها إلى كيانات تجارية مستقلة ماليا وقانونياًً، يساهم في رفع قيمتها السوقية وعند بيع أسهمها مستقبلاً فإنها ستدّر دخلاً أكبر لخزانة الدولة وتساهم، ولو بتواضع، في التقليل من عجز ميزانية الدولة. وفي هذا السياق لم يجري عرض أية بدائل للخصخصة لغرض المناقشة والتقييم واختيار ما هو الأفضل. ومما لا شك فيه أن جدلاً علنياً بين المعنيين وغيرهم حول مستقبل قطاع التأمين العراقي من شأنه أن يولّدَ العديد من الخيارات. الأسلوب الذي تتبعه سلطة الائتلاف المؤقتة، الحاكم الفعلي للعراق، تُذكّر المرء بالنقاشات التي كانت تجري في ستينات وأوائل سبعينات القرن الماضي حول عملية تحويل المؤسسات من خلال عملية برلمانية مقابل المشروعية الثورية. وقتها كان المشروع الديمقراطي غائباً عن الفكر السياسي العراقي والمُناخ العام يميل عند القوى المهيمنة لصالح الأخيرة بكونها الأسرع والأكفأ في تحويل ما هو قائم نحو الأحسن مقارنة مع العملية الديمقراطية البرلمانية البطيئة. لم تقم للبرلمان قائمة وكانت نتائج المشروعية الثورية وبالاً على الاقتصاد العراقي[14] كما على إلغاء السياسة (البولطيقا) بالمعنى الضيق. ويبدو أن سلطة التحالف المؤقتة تعمل بمنطق الثورويين سيئ السمعة. إن المحافظون الجدد، والمسيرون لهم والمستفيدون من سياساتهم، على عجلٍ من أمرهم لتحويل العالم حسب مقاساتهم دون الالتفات إلى قانون النتائج غير المستهدفة. تعليق ختامي يجب أن يكون إصلاح قطاع التأمين مقترناً بتكامله مع القطاع المالي (الذي ينحصر حالياً بالمصارف وسوق غير متطور للأوراق المالية) إذ يفترض في قطاع التأمين أن يلعب دوراً مهماً في الوساطة المالية: مراكمة الصناديق المالية للمشاركة في التنمية الاقتصادية بعد الوفاء بالالتزامات التعاقدية مع حَمَلَة وثائق التأمين. وبالتوازي مع ذلك يلعب القطاع دوراً أساسياً في حماية الأصول المادية من الآثار المالية المترتبة على الكوارث الطبيعة ومن المسؤوليات القانونية ومخاطر السلوك البشري في العمل الإنتاجي وهو ما يقتضي الاهتمام الدقيق بالأرصدة المالية عند شركات التأمين وكيفية التصرف بها. المطلوب هو مساعدة سوق التأمين العراقي للنهوض من ركوده، وبغض النظر عن شكل ملكية شركات التأمين فيه، كي يستطيع الاستجابة لتحديات تأمين المخاطر القابلة للتأمين في ظل الظروف الصعبة في العراق، وكي يساهم في إعادة الإعمار، والمطلوب أيضاً وضع أساس صلب لنمو وتطوير قطاع التأمين برمته. إن الموقف المستسلم ظاهرياً لإدارات شركات القطاع العام تجاه ما هو مقترح يعني عدم قيام نقاش جدي واسع وعميق حول التوجهات المستقبلية لسوق التأمين. إن العيش وممارسة العمل في ظل الاحتلال يجب أن لا يقترن بالتخلي عن الاستقلالية في التفكير وطرح الحلول واجتراحها. ولذلك فإن شروط إصلاح سوق التأمين العراقي يجب أن لا يكون حصراً على الاستشاريين الأجانب من أصحاب الأتعاب العالية، ويجب الاسترشاد بجدية وبالشكل الصحيح برأي ممارسي التأمين العراقيين ليدلوا بمواقفهم بشأن التطوير المستقبلي لسوقهم. مصباح كمال لندن أيار/مايو 2004 [1] من الجدير هنا الإشارة إلى استثناء يتمثل بما كتبه جوزف زخور في مفكرته الشهرية في مجلة البيان الاقتصادية: "عودة العراق إلى خارطة التأمين العربي" (البيان، آذار/مارس 2003، ص 56) وكذلك "شركات التأمين في العراق: يقترعون على ثوبها وهي لم تزل حية!" (البيان، كانون الثاني/يناير 2004، ص 211) [2] كتبت هذه الورقة أصلاً باللغة الإنجليزية ونشرت في مجلة MEES (Middle East Economic Survey) Vol. 47. No. 19 (10 May 2004) pp D1-D5 يتضمن النص العربي بعض الإضافات. ونشرت في وقت لاحق في مجلة الثقافة الجديدة، العدد 314، 2005. الآراء الواردة في هذه الورقة تمثل وجهة النظر الشخصية للكاتب ولا علاقة لها بشركة وساطة التأمين التي يعمل لديها في لندن. [3] حاولنا الاتصال بالبريد الإلكتروني بالوكالة الأمريكية للمساعدات الدولية USAID والاستشاري التأميني لشركة بيرنغ بوينت في بغداد للحصول على بعض الوثائق ولكن دون جدوى. [4] لم يرد إلى علمنا ما يفيد استشارة مجلس الحكم أو الوزارات المعنية بشأن إعادة هيكلة سوق التأمين. [5] الكثافة التأمينية مقولة اقتصادية يلجأ إليها المعنيون في الدراسات التأمينية وخاصة لأغراض المقارنة بين الأسواق، وتشير إلى معدل الإنفاق الفردي على شراء الحماية التأمينية، وهي بالتالي تعبر عن إجمالي الدخل من أقساط التأمين في البلد منسوباً إلى عدد السكان، ويعتمد هذا المعدل أساسا على حجم الدخل المتوفر للفرد. صحيح أن مؤشر الكثافة التأمينية يعتمد بالدرجة الأولى على الدخل المتوفر للفرد إلا أن هناك عوامل ثانوية أخرى تؤثر قليلاً أو كثيرا على هذه الكثافة، ومنها الأقساط المنفقة على التأمينات الإلزامية كالتأمين على المسؤولية المدنية الناشئة عن استعمال المركبات، ومدى فاعلية الأفكار الدينية في بعض المجتمعات، وتوفر وسائل بديلة للأمان الشخصي من خلال الأسرة الموسعة أو الجمعيات الخيرية أو الدولة. ويمكن إدراج هذه الوسائل تحت عنوان التكافل الاجتماعي الذي يضم مجموعة من وسائل الضمان المالي والعيني، الرسمي وغير الرسمي، لتوفير موارد مالية وعينية لدرء الضرر والعسر الذي يلحق بأفراد المجتمع. وتتأسس هذه الوسائل على ما تقضي به الشريعة الإسلامية (الزكاة، الصدقات، الأوقاف) والعرف (البر بالوالدين، التضامن مع الجيران) والدولة (دعم السلع الأساسية، الضمان الاجتماعي، نظام التقاعد .. الخ.) ويمكن تأويل هذه الوسائل لصالح مفهوم العدالة التوزيعية: تحويل الموارد من القادرين إلى العاجزين لتحقيق توازن اجتماعي يخفف من غلواء التفاوت الطبقي. التكافل الاجتماعي غير الرسمي لا يستدعي تسديد مقابل عنه كما هو الحال في نظام التأمين التجاري أو أنظمة الضمان الاجتماعي والتقاعد (التكافل الرسمي) التي تستوجب مساهمة معينة من المستفيد. وتقارن مقولة الكثافة التأمينية مع مؤشر آخر عن الحالة الراهنة والمحتملة لسوق التأمين يعرف بالتغلغل التأميني، وينصبّ على قياس نسبة أقساط التأمين للناتج المحلي الإجمالي. [6] لم تجري أية دراسات إكتوارية لتأمين السيارات في العراق أو لأي فرع آخر من فروع التأمين بضمنها التأمين على الحياة إذ أن جداول الحياة المستخدمة في العراق لا تعكس التجربة التاريخية، وفي حقيقة الأمر فإن مصدر هذه الجداول شركة إعادة تأمين أوروبية عريقة قدمتها هبة في خمسينات القرن العشرين. [7] يقوم هذا القانون على مبدأ المسؤولية المفترضة غير القابلة لإثبات العكس الذي يقضي بتحمل التبعة في المسؤولية أساساً لالتزام المؤمن له بدفع التعويض بدلاً من مبدأ المسؤولية القائمة على أساس الخطأ القابل لإثبات العكس. وقد عُدّل هذا القانون في نهاية 1987 فيما يخص استيفاء قسط التأمين وذلك من خلال توزيعه على مقدار الوقود الذي تستهلكه السيارة. وقد أنيطت مهمة إدارة المطالبات حصراً بشركة التأمين الوطنية لقاء هامش يسدد من حسابات صندوق الأقساط المتجمعة، وهو صندوق يتمتع بكامل الاستقلالية ولا يدخل في حسابات الشركة. [8] مصباح كمال، "التأمين في العراق وعقوبات الأمم المتحدة" مساهمة في مجموعة الأوراق التي نشرها المنتدى الاقتصادي العراقي لعدد من الاقتصاديين العراقيين تحت عنوان دراسات في الاقتصاد العراقي (لندن: المنتدى الاقتصادي العراقي، 2002) ص 73-96. [9] نسارع إلى القول إن الأمر رقم 39 الصادر عن سلطة التحالف المؤقتة في 19 أيلول/سبتمبر 2003 بشأن الاستثمار الأجنبي في العراق استثنى قطاع التأمين من أحكامه بموجب القسم 6: مجالات الاستثمار الأجنبي. [10] إن دخول الدولة، كطرف تجاري، في النشاط التأميني في ظل شروط الأسواق المفتوحة التي هي في طور النشوء والتشكل، وخلافاً لممارسات الماضي، يستوجب فصل هذا النشاط قانونياً عن السياسات الحكومية وضمانات الدولة. وبالتالي، فإن شركات الدولة تتحول إلى مؤسسات حيادية في علاقتها مع الدولة، ولا تتمتع بموقع احتكاري على حساب شركات القطاع الخاص، وتخضع لأحكام الضوابط الرقابية التي تطبق على جميع شركات التأمين العاملة في السوق. وبدون القيام بمثل هذا التغيير فإن سوق التأمين سيبقى مفتقراً لمتطلبات المنافسة. [11] تأسست شركة إعادة التأمين العراقية أصلاً عام 1960 كشركة مختلطة قبل تأميمها عام 1964. باشرت الشركة أعمالها سنة 1961، وكانت أول شركة عربية تفتح لها مكتباً للاتصال في سوق لندن العريق ظلَ عاملاً حتى غزو العراق للكويت عام 1990. [12] "وفي طول العراق وعرضه، سادت أجواء الفوضى والخوف وعدم الأمان. وفي معظم الأماكن، وقف أفراد القوات الأمريكية والبريطانية موقف المتفرج على نهب المباني والمكاتب والجامعات والمدارس والمستشفيات والمتاحف والمكتبات والمستودعات وسلبها وهدمها. وأحرق عدد لا يحصى من الوثائق الحيوية لمستقبل العراقيين أو تعرض للتلف على نحو آخر" منظمة العفو الدولية، العراق: بعد مضي عام تظل أوضاع حقوق الإنسان حرجة (المنظمة: رقم الوثيقة MDE 14/006/2004 ، 18 مارس/آذار 2004) [13] “Fragmentary Notes” for a seminar organised by International Financial Services London for an Iraqi Financial Services delegation, London 2 December 2003. وقبل ما يقرب من عقدين ثبتنا الآتي: " إن البدائل المقترحة للمنافسة تندرج ضمن ما يمكن أن يسمى اعتباطا بديمقراطية السوق وتخطيط الحاجات. ... وقد يكون من المناسب الجمع بين أسلوب التخطيط والسوق في محاولة لتطوير أسواق التأمين من منظور إخضاعها لمبدأ الكفاءة وخاصة في الأسواق التي تخضع فيها شركة/شركات التأمين لسيطرة الدولة من ناحية الملكية ولتقييد حرية التصرف ـ أي أن تتحول هذه الشركات من مؤسسات بيروقراطية إلى مؤسسات ذات طابع تجاري، بمعنى إخضاعها للمُساءلة الاقتصادية عوضاً عن إخفاء عيوبها في الأداء وفي الاستجابة لطلب المستهلك." مصباح كمال، "المنافسة في أسواق التأمين العربية المفتوحة" ورقة غير منشورة قدمت في ندوة الاتحاد العام العربي للتأمين حول تأمين أخطار الممتلكات، 11-14 آذار/مارس 1987، تونس. من المناسب هنا أن نشير إلى لجوء النظام الدكتاتوري البائد إلى إقحام إعداد من أزلامه في ملاك شركة التأمين الوطنية، كغيرها من الشركات، لأسباب حزبية وأمنية والمساهمة بذلك في تعميق البطالة المقنعة. مثلما قامت خلال فترة حرب الخليج الأولى، 1980-1988، بترحيل بعض الموظفين بحجة التبعية غير العراقية لآبائهم. [14] بالنسبة لعموم الاقتصاد العراقي قام د. صبري زاير السعدي بإلقاء الضوء على "الإرادوية" والاستخفاف بالقوانين الاقتصادية وغياب العمل المؤسساتي في سلوك النظام الدكتاتوري البائد في العديد من دراساته المنشورة باللغتين العربية والإنجليزية ومن بينها "السياسة والاقتصاد في نظام الحكم الديمقراطي (الجديد) في العراق" المنشور في الملف العراقي، العدد 126، حزيران 2002 وكذلك كتابه الجديد نموذج النمو الاقتصادي والتوزيع في العراق: الثروة النفطية وإدارة الاقتصاد والعدالة الاجتماعية (بغداد: منشورات دار الأديب البغدادية، [2003])