إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

2008/06/15

مشاكل شركات التأمين الخاصة في العراق ضياء هاشم مقدمة منذ أن قامت الحكومة العراقية بتأميم المصارف وشركات التأمين عام 1964 وحتى بداية العام 2000 كانت أعمال التأمين محصورة في شركات القطاع العام (الحكومي) الثلاث: شركة التأمين الوطنية وشركة التأمين العراقية وشركة إعادة التأمين العراقية. وقد استبشر سوق التأمين العراقي خيراً بإجازة أعمال التأمين للقطاع الخاص حيث تأسست خلال الفترة 2000 ولغاية احتلال بغداد وسقوط النظام السابق في نيسان 2003 أربع شركات خاصة تلتها بعد تلك الفترة تأسيس شركات أخرى خاصة عديدة حيث أصبح عدد الشركات لحد الآن عشرة شركات تامين أهلية (خاصة) واثنان حكومية وواحدة لإعادة التأمين حكومية. ولازال عدد آخر من شركات التأمين الخاصة في طور التأسيس بالإضافة إلى شركة إعادة تأمين خاصة. إن هذا العدد الكبير لشركات التأمين في سوق يفتقر إلى الثقافة التأمينية الصحيحة لاسيما في الوقت الحاضر بسبب خروج عدد كبير من كوادر التأمين من العراق نتيجة مروره بأحداث جسيمة منذ الحرب العراقية الإيرانية (1980-1988) ولحد الآن بالإضافة إلى استمرار انعدام الأمن والاستقرار خلف معاناة ومشاكل حقيقية لهذا السوق وانعكس ذلك على الشركات الخاصة بشكل كبير. ويمكن إيجاز هذه المشاكل بما يلي: 1. القانون رقم (10) لسنة 2005: إن قانون تنظيم أعمال التأمين الصادر في العام 2005 قد أثر بشكل كبير على وضعية سوق التأمين العراقي لما احتواه من بنود عديدة مخيبة للآمال بشكل كبير. وقد كتب عنها الكثير ولكن بدون جدوى نظراً لأن غاية هذا القانون معروفة للجميع. لذلك فسوف لن أعيد ما تم ذكره وسأركز فقط على مدى تأثير هذا القانون على شركات القطاع الخاص والتي، وكما سبق ذكره، انها شركات تأسست حديثاً في ظل ظروف معقدة ينبغي إسنادها ودعمها لكي تستطيع مواجهة الظروف الصعبة وتحقيق ما يمكن تحقيقه لإظهار نتائج تقنع المساهمين فيها. للأسف الشديد ان هذا القانون لم يتطرق إلى أهم مسألة جوهرية وهي وجوب إجراء التأمين لدى الشركات العراقية للأموال الموجودة في العراق أو التي تكون وجهتها النهائية العراق عكس ما نص عليه قانون شركات ووكالات التأمين السابق الذي كان حريصاً جداً على ذلك. وقد أدى هذا الإغفال إلى تسرب عمليات التأمين إلى شركات أجنبية مما أفقد السوق العراقي نشاطاً كبيراً كان يمكن ان تكون للشركات الخاصة النصيب الأكبر منه. كما أجاز القانون أيضاً لشركات التأمين الأجنبية تأسيس فروع لها في العراق وهو أمر لم يكن موجوداً في السابق بعد تأميم شركات التأمين مما يعني منافسة هذه الفروع للشركات العراقية العاملة في السوق العراقي وابتلاعها لأقساط كبيرة وخاصة تلك التي تأتي عن طريق الشركات الأجنبية المنفذة للمشاريع في العراق أو الموردة للمواد الأولية أو الصناعية إلى الجهات المختلفة في العراق. 2. الوازع النفسي لدى القطاع العام: على الرغم من ان الوزارات المعنية بالاقتصاد العراقي، وبالأخص وزارة المالية، قد أبلغت جميع دوائر الدولة بعدم اشتراط التأمين لدى شركات التأمين العامة فقط، إضافة إلى ان قانون تنظيم أعمال التأمين الصادر عام 2005 قد نص صراحة في المادة 81 (ثالثاً) على ان يجري التأمين على الأموال العامة والأخطار التي ترغب الوزارات أو دوائر الدولة في التأمين ضدها بالمناقصة العلنية وفقاً لأحكام القانون ولجميع المؤمنين المجازين في العراق حق الاشتراك فيها. إلا ان ما يجري حالياً في السوق هو لجوء دوائر القطاع العام إلى الشركات العامة فقط لإجراء التأمين على موجوداتها بسبب الوازع النفسي لديها بأن شركات تأمين القطاع العام هي شركات قديمة ذات خبرة ممتدة واحتياطيات كبيرة تضمن لها حقوقها أكثر من الشركات الخاصة. ان هذه الادعاءات وان كانت مخالفة للمنطق والقانون إلا ان ذلك هو ما يجري في السوق العراقي وسببه، على ما أعتقد، انعدام الرقابة على تنفيذ القانون وجهل بعض المسؤولين عند اتخاذ القرار بكون الشركات الخاصة هي جزء من الاقتصاد العراقي وان دعمها ومساندتها يؤدي المساهمة في تحريك عجلة التقدم والتطور في البلد وان هؤلاء المسؤولين قد تولدت لديهم القناعة بالاطمئنان النفسي عند إجراء التأمين لدى شركات القطاع العام. 3. عدم استتباب الأمن: ان مشكلة عدم استتباب الأمن خلقت للشركات العامة في العراق أرضية غير صالحة للتحرك نحو أمور عديدة منها العمل الإنتاجي للتامين بسبب انسحاب عدد كبير من أصحاب المصانع والمعامل والتجار وغيرهم وإغلاق محالهم والهجرة خارج العراق. وهذا بدوره أدى إلى انحسار في عدد وثائق التأمين الجديدة وعدد التجديد للوثائق القديمة مما أثر سلباً على الموازنات العامة لشركات التأمين العاملة في السوق العراقي إذ أصبحت المصاريف الإدارية تشكل جزءً كبيراً من حجم الإنتاج وخاصة بالنسبة للشركات الخاصة حديثة التكوين. ولولا سعر الفائدة العالي لدى البنوك للودائع الثابتة لما تمكن الكثير من هذه الشركات من مجاراة الوضع الحالي وبالتالي انسحابهم من السوق. 4. قلة خبرة الكوادر الفنية: لقد مر العراق وكما يعلم الجميع بفترات عصيبة ومتعاقبة أثرت بشكل كبير على قطاع التأمين العراقي فالحرب العراقية الإيرانية أبعدت عدداً كبيراً من الشباب العراقي عن شق طريقهم في الحياة المدنية لالتحاقهم بالجيش لفترات طويلة جداً أدت إلى عدم تواصل الجيل الجديد مع الجيل القديم واكتساب أفراده للخبرة والمعرفة اللازمة بأمور عديدة منها التأمين كانت نتائجها خلق فجوة كبيرة لدى هذا القطاع توسعت بعد الحصار الاقتصادي الذي اضطر بسببه كثير من أصحاب الخبرة في هذا القطاع إلى تركه والبحث عن عمل يديم احتياجاته الاقتصادية. كما أدى الحصار أيضاً إلى إنهاء العلاقة المباشرة بين شركات التأمين العاملة في السوق العراقي والأسواق الدولية وبالتالي فقدان الخبرة والمعرفة الدولية. هذه الأسباب وغيرها أدت إلى انحسار في الخبرة التأمينية ونقصاً في عدد الكوادر التأمينية لا يمكنها، مع التوسع في تأسيس الشركات الخاصة، رفد هذه الشركات بعناصر تتعامل مع متطلبات التأمين بشكل فني وصحيح. ومع الأسف فان هذا الأمر لم يقف عند حدود الشركات الخاصة للتامين بل تعداه إلى الجهات القائمة على تنفيذ قانون تنظيم أعمال التأمين رقم (10) لسنة 2005 الذي حدد بموجب المادة السادسة وخاصة الفقرة ثانياً منه أهداف ديوان التأمين حيث نصت هذه الفقرة على ان الديوان يهدف إلى رفع أداء المؤمنين وكفاءتهم وإلزامهم بقواعد المهنة. كما أضافت الفقرة ثالثاً من نفس المادة توفير كفاءات بشرية مؤهلة لممارسة أعمال التأمين بما في ذلك تأسيس معهد لهذه الغاية. إلا أننا لم نلمس لحد الآن أية جدية في هذا الموضوع من جانب الديوان. واعتقد ان السبب واضح هو كون الديوان لا يملك الخبرة اللازمة لينقلها إلى موظفي القطاع إضافة إلى عدم وجود من يعتمد عليهم لهذا الغرض للأسباب المبينة في هذه الفقرة.
5. المنافسة غير الفنية: من الأمور المهمة التي تواجه شركات التأمين الخاصة موضوع المنافسة غير الفنية إذ انه وبسبب قلة خبرة موظفي هذه الشركات واهتمامهم بالجانب الإنتاجي دون الجانب الفني فقد تعودت بعض الشركات الخاصة إلى الاكتتاب بأسعار دون المستوى المطلوب من اجل الحصول على العملية الإنتاجية مما اضطر الشركات العامة إلى مجاراة هذه الشركات من أجل السيطرة على العملية الإنتاجية. وقد أثر ذلك على إنتاج الشركات الخاصة التي تعمل وتهتم بالجانب الفني وخسارتها لأخطار ما كانت لتخسرها لو أن المنافسة كانت على أساس الخدمة الجيدة والخبرة والمعرفة. لا أريد هنا ان احمل أية جهة مسؤولية ذلك ولكني أرى ان هذه الحالة قد تزول بممارسة ديوان التأمين لصلاحياته الواردة في قانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005 والذي ينص صراحة في المادة (45) أولاً على ما يلي: " يشترط توفر الكفاءة والخبرة في أعمال التأمين في كل من مدير المؤمن ومدير فرعه ومنتسبيه الرئيسيين." وأعطت الفقرة ثالثاً من نفس المادة لرئيس ديوان التأمين الحق في رفض تعيينهم. إضافة إلى انعدام الرقابة التي يشترطها نفس القانون على عمليات الاكتتاب وإعادة التأمين بسبب قلة الكادر الفني لدى الديوان. كما وأضيف أيضاً وجوب قيام شركة إعادة التأمين العراقية بدور المدقق والرقيب للعمليات الاكتتابية المسندة إليها وحث الشركات المسندة على تقويم الجوانب السلبية في عمليات الاكتتاب باعتبارها الجهة التي تقوم بتنظيم وإدارة الاتفاقيات لهذه الشركات. ويا حبذا لو ان جمعية التأمين قد أخذت دورها في تنظيم بعض الدورات التدريبية للمساهمة في نشر الوعي التأميني إضافة إلى التنسيق بين الشركات الأعضاء وحثها على احترام الأسس الفنية الصحيحة. 6. قانون التأمين الإلزامي: عند صدور قانون التأمين الإلزامي على السيارات رقم (205) في العام 1964 لم تكن في السوق العراقي سوى شركة واحدة مملوكة للدولة تمارس أعمال التأمين العام هي شركة التأمين الوطنية. لذلك فقد انحصر العمل في تنفيذ هذا القانون بهذه الشركة فقط. واستمرت هذه الشركة في إدارة هذا النوع من التأمين بإصدار وثائق تامين حددت فيها شروط وأحكام تؤكد على وجود علاقة تعاقدية بين شركة التأمين ومالك العجلة وتقوم هي من جانبها بتنفيذ مسؤوليتها العقدية بتسوية جميع المطالبات المقدمة إليها كتعويضات عن الحوادث التي تغطيها وثائق التأمين الصادرة عنها. ولأسباب منها جعل المسؤولية قائمة في جميع الأحوال (تجنباً لحالات تقصير مالك المركبة من إجراء التأمين أو التأخر في إجراءه) وعدالة احتساب قسط التأمين فقد صدر القانون رقم (52) لسنة 1980 والذي ربط قسط التأمين بسعر شراء الوقود. وقد خصص القانون نسبة من سعر الوقود تسدد لشركة التأمين الوطنية مقابل تحملها دفع أي تعويض لأي حادث يحصل لأية سيارة تترتب عليه إصابة شخص ما. وقد اشترط القانون لهذا الغرض ان يتم إبلاغ شركة التأمين بالحادث خلال فترة محددة كما حددت التعديلات الجارية على القانون تشكيل لجان لتقدير مبالغ التعويض المستحقة للمتضرر مؤلفة من قاض يختاره وزير العدل لرئاسة اللجنة وعضوية موظف قانوني من شركة التأمين الوطنية وموظف من المؤسسة العامة للرعاية الاجتماعية. لم تكن في تلك الفترة ما يعيب صدور مثل هذا النظام وإنما العكس فانه قد حقق جوانب ايجابية عدة إضافة لما تم ذكره أعلاه حيث وفر عدداً لا بأس به من الموظفين تم إضافتهم إلى أقسام تأمينية أخرى. إلا انه وبعد صدور قرار بالسماح لشركات تأمين خاصة لممارسة العمل في السوق أصبح موضوع حصر مردودات هذا التأمين بشركة واحدة أمر غير سليم ويشكل ضرراً كبيراً للشركات الخاصة التي تحتاج إلى أي دعم في هذه المرحلة لتتمكن من الصمود والاستمرار في عملها. لذلك ينبغي معالجة هذا الموضوع من قبل الجهات المعنية وذلك أما بالرجوع إلى النظام السابق - أي إصدار وثائق تامين من قبل الشركات جميعاً وتتولى كل شركة مسؤوليتها عن أي حادث يقع لأية وثيقة تامين تصدر من قبلها وهذا الأمر قد تكون له جوانب سلبية عديدة - أو تشكيل صندوق تودع فيه عوائد التأمين وتسدد منه جميع التعويضات (بمسؤولية تضامنية لجميع شركات التأمين العاملة في السوق) على ان تتولى أحدى الشركات العامة إدارة هذا الصندوق مقابل عمولة إضافية تدفع لها. ويتم تقسيم صافي الأقساط نهاية كل سنة على الشركات بالتساوي أو بحصص متقاربة يتم تحديدها من قبل لجنة مختصة بهذا الأمر. 7. شركات إعادة التأمين: على الرغم من ان هذا الموضوع كبير جداً ويأخذ أبعاداً واسعة إلا انني سأركز فيه على الجوانب التي تؤثر على الشركات الخاصة. فبالنسبة للجانب المادي فان هذه الشركات تخسر بسبب عدم إبرام اتفاقياتها بشكل مباشر وإنما عن طريق شركة إعادة التأمين العراقية (كمنسق بين وسيط إعادة التأمين والمعيد القائد للاتفاقية والشركات المحلية). فالعمولات الإضافية تذهب إلى كل من الإعادة العراقية، كمدير لعملية إعادة التأمين، ووسيط إعادة التأمين في السوق الدولي الذي يتولى عملية إسناد هذه الاتفاقية إلى معيدي التأمين. وقد يقول البعض ان وسيط إعادة التأمين يستوفي عمولته من معيدي التأمين وهذا صحيح إلى حد ما إلا ان منح المعيدين للعمولات الإضافية سيؤثر بالتأكيد على العمولات الأساسية الممنوحة إلى الشركات المسندة أي أن الشركات المسندة تخسر هذه العمولات بشكل غير مباشر. - 5-ان شركات التأمين الخاصة شركات مغلوب على أمرها وخاصة خلال مرحلة البداية التي يكون فيها الجانب الإنتاجي منخفض جداً وخاصة في السوق العراقي الذي تأثر كثيراً بالمشاكل التي بيناها في هذه الورقة. وهذا الأمر بالتأكيد يؤدي إلى إحجام معيدي التأمين عن عقد اتفاقيات مع هذه الشركات بشكل مباشر لكون أعمالها هي أعمال غير اقتصادية له. لذلك تكون هذه الشركات مضطرة إلى مجاراة الوضع الحالي. إضافة لذلك فان هذه الشركات لا تخسر فروق العمولات التي تكلمنا عنها وإنما أيضاً الخدمات التي يقدمها المعيد القائد للاتفاقية للشركات المسندة ومنها تدريب كوادرها أو متابعة ما يجري في السوق الدولي من تطور وتعريف الشركات المسندة بها لعدم وجود تماس مباشر مع السوق الدولي. إضافة لما تقدم فان هذه الشركات ستتأثر سلباً بنتائج السوق حتى وان كانت أعمالها جيدة إذ ان شروط هذه الاتفاقيات ستحدد على ضوء نتائج السوق ككل وبالتالي فان نتائج أي اكتتاب غير سليم من قبل أية شركة مشاركة في الاتفاقية ستنعكس على الجميع. هذه دراسة بسيطة لبعض المشاكل التي تواجه الشركات الخاصة في العراق وعلى الرغم من وجود قضايا وادوار عديدة أخرى تعيق تقدم العمل لدى هذه الشركات إلا إنني اكتفيت بما ذكرته أعلاه وقد يتيح الوقت لنا في المستقبل الكتابة حول هذه المواضيع وبشكل تفصيلي أكثر. ضياء هاشم المدير المفوض لشركة العراق الدولية للتامين بغداد 15 حزيران 2008

2008/06/13

التأمين في العراق وعقوبات الأمم المتحدة
 
مصباح كمال

نشرت هذه الورقة تحت نفس العنوان كفصل في كتاب جماعي بعنوان دراسات في الاقتصاد العراقي (لندن: المنتدى الاقتصادي العراقي، 2002)، ص 73-96. ونعيد نشرها في هذه المدونة لفائدة من لم يتوفر على الكتاب، وكذلك تحفيز ذاكرة زملاءنا في العراق من الجيل المعاصر لهذه المرحلة لتصويب الخطأ والتوسع في الشرح والتعليل والمساهمة في كتابة تاريخ النشاط التأميني في العراق.


نعتذر للقارئ لعدم وضوح جدوال الأرقام. حاولنا إظهارها بوضوح وفشلنا مع الأسف.

مصباح كمال، 13 حزيران 2008.
مقدمة
تهدف هذه الورقة[1] إلى عرض مبتسر لجوانب من قطاع التأمين العراقي، ومحاولة تحديد بعض آثار العقوبات الدولية على هذا القطاع. إن الموضوع يستحق دراسة تفصيلية للقطاع في ارتباطه مع مجمل حركة الاقتصاد العراقي. ولعل المهتمين بحاضر ومستقبل القطاع، وتاريخه الاقتصادي، من العاملين في شركات التأمين العراقية، يقومون بالبحث العلمي في موضوع هذه الورقة الذي لا أستطيع أن أوفيه ما يستحقه من توثيق وتحليل. ربما قام البعض بإنجاز دراسات عن الموضوع ولكنها لم تَرَ النور فمعظم ما ينشره العاملون في القطاع في المطبوعات التأمينية العربية ينحصر بالجوانب الفنية للتأمين وإعادة التأمين. فقر البحث والكتابة في هذا المجال يحرمنا من تطبيق أدوات التحليل العلمي، والتعرف على كيفية تصّرف المؤسسات التأمينية في ظل المتغيرات الاقتصادية والسياسية، الداخلية والخارجية. وقد تمر حقبة العقوبات الدولية، الفريدة في نطاقها، دون أن تدرس للتعلم من دروسها وآثارها.
 
نظرة سريعة إلى الوراء إن تغاضينا عن الانقطاع التاريخي، يمكننا أن نرجع الأصول الأولية للتأمين إلى بعض الأفكار الواردة في شريعة حمورابي (1792-1750 ق.م.). فالمواد من 195-214 تنص على العقوبات (التعويضات) عن الأضرار التي يسببها الناس لبعضهم. فالمادة مائة وست وتسعون تنص على ما يلي: ‘‘إذا خرّبَ إنسانٌ عين إنسان [آخر]، على المرء أن يُخرِّبَ عينُهُ.’’ وتذكر المادة مائتان وتسع: ‘‘إذا ضرب إنسان ابنة إنسان [آخر]، وسبب لها فقدان جنينها، عليه أن يدفع [يزن] عشرة شيقل فضة عن جنينها.’’[2] لا تتوفر لدي في الوقت الحاضر معلومات دقيقة عن بدايات التأمين في العراق. يمكن القول بأن فروع ووكالات الشركات الأجنبية ربما كانت تعمل في العراق منذ بدايات القرن العشرين وخاصة في مجال التأمين البحري. يذكر د. عبد الزهرة عبد الله علي في دراسته عن الطاقة الاستيعابية والطلب على إعادة التأمين في العالم العربي أن أول شركة تأمين أجنبية مارست التأمين في العراق كانت بريطانية وذلك عام 1920.[3] رغم حداثة صناعة التأمين في العراق بالمقارنة مع العالم العربي فإنها شهدت تطوراً سريعاً خلال عقدي الستينات والسبعينات تمثل في زيادة عدد عمليات التأمين، وحجم الأقساط، والاستثمارات[4]، وتطوير الكوادر البشرية، والتعريب المبكر لمعظم وثائق التأمين، وإدخال وثائق ومفاهيم تأمينية متطورة في ممارسة التأمين. [5] هذه التطورات أفردت لقطاع التأمين العراقي دوراً كاد أن يكون ريادياً بين مثيلاته في العالم العربي والعالم الثالث عموماً، لولا أن حرب الخليج الأولى (1980-1988) أوقف التطور الحقيقي ما خلا نمو أقساط التأمين [6]‎. جاءت حرب الخليج الثانية، المستمرة تحت غطاء العقوبات الاقتصادية، لتنهي أي دور فعّال للقطاع.
 
مؤشرات تغيير في بنية سوق التأمين العراقي باستثناء شركة التأمين الوطنية[7] كانت شركات التأمين الأخرى كانت مملوكة للقطاع الخاص أو فروعاً لشركات عربية وأجنبية. وبعد قرارات التأميم عام 1964 ودمج الشركات أصبح سوق التأمين العراقي مقتصراًً على الشركات الوطنية التالية: شركة التأمين العراقية[8] (تأمينات الحياة)، شركة التأمين الوطنية (التأمينات العامة)، شركة إعادة التأمين العراقية[9] وفي عام 1988 ألغي تخصص شركات التأمين المباشر وسمح لها بتسويق تأمينات الحياة والتأمينات العامة على أساس تنافسي. وكان الإشراف والرقابة على قطاع التأمين منوطاً بالمؤسسة العامة للتأمين التي ألغيت عام 1988 وتحولت وظيفة الإشراف والمراقبة إلى وزارة المالية. شهد عام 1997 صدور قانونين ربما سيكون لهما الأثر الكبير في تغيير بنية سوق التأمين العراقي. الأول هو قانون الشركات الخاصة لتشجيع رأس المال الوطني للاستثمار في شركات خاصة للتأمين وإعادة التأمين في العراق. ويستفاد من المعلومات المتوفرة أن أعمال إعادة التأمين لهذه الشركات الخاصة ستنحصر في شركة إعادة التأمين العراقية. والثاني هو قانون الشركات العامة الذي يهدف إلى "تنظيم العمل في الوحدات الاقتصادية المملوكة للدولة والممولة ذاتياً والتي تمارس نشاطاً اقتصادياً، وبهدف توحيد القوانين المنظمة لنشاط هذه الوحدات من خلال تأسيس شركات عامة وطنية."[10] وتسمح المادة (10) من هذا القانون تأسيس شركات مساهمة للتأمين وإعادة التأمين. كما صدرت عام 1999 تعليمات من وزير المالية تناولت إجراءات منح إجازة ممارسة أعمال التأمين وإعادة التأمين. وتبع ذلك صدور قرار من الوزير لتنظيم العلاقة بين شركات التأمين، العامة منها والخاصة، وشركة إعادة التأمين العراقية. "ويجيز القرار لشركة إعادة التأمين العراقية، التابع للقطاع العام، تقبل الأخطار التي يجري إسنادها إليها من قبل شركات التأمين الخاص." وتشير الأخبار الصحفية أن شركة خاصة باسم الشركة الأهلية للتأمين (العراق) قد تأسست بموجب قانون الشركات الخاصة برأسمال قدره 500 مليون دينار عراقي،[11] ولكن ليس هناك ما يفيد أن هذه الشركة قد بدأت بمزاولة أعمالها. إن تأسيس شركات أخرى ترفع من مستوى المنافسة سواء في مضمار أسعار التأمين أو الخدمات أو إدخال وثائق جديدة بالنسبة لسوق التأمين العراقي. وقد يرتبط ذلك بالميل الأيديولوجي والاقتصادي نحو المزيد من الخصخصة لتحسين الأداء ورفع بعض الأعباء المالية عن ميزانية الدولة. فمثلاً، قد يتحول عبء الخدمات الطبية إلى شركات التأمين من خلال عقود تأمين متخصصة للاستشارات الطبية والعمليات الجراحية وغيرها. وقد يطال هذا التحول مستقبلاً الضمان الاجتماعي وأنظمة التقاعد من خلال الأدوات الادخارية ضمن وثائق التأمين على الحياة. هذه التطورات تؤشر نحو تغير مرتقب في بنية سوق التأمين العراقي ولكن يصعب الآن التكهن بما سيؤول إليه غير القول إن السوق ربما سيشهد تنافساً بين شركات القطاع العام وشركات القطاع الخاص، وربما يتم حصر تأمين بعض قطاعات الدولة (وهذه تمثل أكبر مصدر للأقساط) لدى شركتي القطاع العام[12] وإطلاق حرية التنافس فيما يخص الأعمال الأخرى. أما دخول شركات التأمين العربية والأجنبية ورأس المال الإسلامي[13] لسوق التأمين العراقي فليس وارداً في هذه المرحلة، ولا يمكن توسيع توجهات النظام الحاكم فيما يخص الصناعة النفطية وإسقاطها على قطاع التأمين. لربما يمكن القول أن الضرورات السياسية ومصالح الإبقاء على النظام قد تدفع باتجاه الدعوة نحو فتح السوق أمام الشركات العالمية التي تبحث عن فرص استثمارية جديدة.[14] وارى أن سوق التأمين العراقي بحاجة إلى العناصر المؤسسية التكميلية: كوساطة التأمين، وتقييم الأصول المادية، والمعاينة الميدانية للسيطرة على مكامن الخطر واحتساب مشهد الخسارة القصوى، والكشف على الأضرار وتسويتها وخاصة بالنسبة للأخطار الكبيرة في الصناعات النفطية والبتروكيماوية وغيرها، والخدمات الاكتوارية. فخدمات وسيط التأمين المحترف والمستقل مفقودة (ما خلا موظفي الإنتاج التابعين لشركة التأمين ووكلاء الإنتاج المقيدين للشركات وخدمات هؤلاء لا ترقى إلى مستوى خدمات الوسيط). وكذا الأمر بالنسبة لخبراء تسوية الخسائر رغم وجود عدد ضئيل منهم ورغم وجود نظام قانوني خاص للخبراء: مخمني التأمين للكشف والتقدير وتسوية الأضرار (1974)، وكذلك إدارة الخطر والاستشارات التأمينية. والواقع أن هناك ضعفاً بنيوياً في تكوين "صناعة التأمين" يتمثل بغياب أو ضعف القطاع الخدمي. وهذا موضوع يحتاج إلى دراسة مستقلة وما أريد التأكيد عليه هنا هو أن الانهيار الحالي للاقتصاد العراقي (ركود الأداء وانعدام التراكم والبطالة الحقيقية والمقنعة وكذلك تبذير الموارد الشحيحة في خدمة أهداف سياسية مشكوكة) قد يوفر الفرصة لبروز قطاع خدمي تكميلي في قطاع التأمين.[15]
 
الأهمية الاقتصادية للنشاط التأميني يمكن إيجاز أهمية التأمين تحت العناوين التالية: المساهمة في الدورة الاقتصادية: تحويل الدخل بين مفردات الدخل القومي وما يترتب على ذلك من تنشيط لخدمات أخرى، وكذلك تشجيع المجازفة الاقتصادية (من خلال تعويض صاحبها عن ممتلكاته ومنتجاته المتضررة من جراء الحوادث غير المتوقعة، وتقديم القروض العقارية وغيرها ضمن عقود التأمين على الحياة). توفير فرص للعمالة رغم محدوديتها في ظل الأوضاع القائمة. تحويل كلفة الخطر: المساهمة في حماية الوضع المالي للأفراد والمؤسسات المؤمن عليها، والمساهمة في ديمومة الإنتاج، وحماية عناصر الثروة الوطنية (البشرية والمادية) ضد الكوارث الطبيعية وتلك التي تترتب على الفعل البشري خلال ممارسة الإنتاج. تفادي النزاع بين الأفراد من خلال تحمل شركة التأمين للنتائج المالية للأضرار التي يتسبب به الفرد ضد فرد آخر أو مجموعة من الأفراد (مثال التأمين على السيارات والحريق.( المساهمة في التنمية الاقتصادية من خلال تنشيط الادخار والاستثمار. ولذلك يمكننا القول بأن شركات التأمين تعتبر أحد المصادر المهمة لرأس المال المالي، فحتى شركات التأمين التي لا تمارس التأمين على الحياة تلجأ إلى تكوين احتياطيات فنية و احتياطيات حرة للوفاء بالتزاماتها لتعويض حملة وثائق التأمين عند تحقق الضرر المؤمن ضده. ومثل هذه الاحتياطيات صالحة للاستثمار وخاصة للآجال القصيرة. هذه الوظائف تجد تعبيراً لها في قطاع التأمين في العراق بحدود لكنها لم تلق ما تستحقه من تحليل. ويمكن القول إجمالاً إن المساهمة الاقتصادية لقطاع التأمين في عملية تمويل التراكم الاقتصادي ضعيفة. ويعكس ذلك ضعف الكثافة التأمينية، الذي يؤشر بدوره على هشاشة دخول الأفراد مما يجعل الإقبال على شراء الحماية التأمينية ضعيفاً. كما أن الدولة أغفلت أهمية جعل بعض فروع التأمين إلزامياً كتأمين المباني باعتبارها جزءاً من الثروة الوطنية كما هو الحال، على سبيل المثال، في سويسره وألمانيا، أو ربط القروض العقارية بالتأمين على الحياة وتأمين الأعيان ضد خطر الحريق وغيره. هذه الملاحظات بحاجة إلى دراسة لا تتأثر بالمطلب السياسي الذي يستدعي زيادة موارد الدولة دون الأخذ بنظر الاعتبار مستوى الدخل الفردي.
 
العقوبات الاقتصادية وآثارها على قطاع التأمين العقوبات الاقتصادية شكل من الحرب الاقتصادية ضد العراق[16] لم يشهده أي مجتمع آخر. فالحظر الاقتصادي على ليبيا والسودان لم يشل الحياة الاقتصادية لهذين البلدين ولم يعمل على تفكيك نسيجهما الاجتماعي كما هو الحال بالنسبة للعراق.[17]
كانت النتيجة المباشرة للحرب ونظام العقوبات شل الاقتصاد العراقي في جميع قطاعاته الإنتاجية والتوزيعية والخدمية.[18] يقول د. محمد علي زيني: "ولم يقتصر انهيار الناتج المحلي الإجمالي على القطاعات السلعية، فقد انهار في سنة 1991 إلى أقل من النصف الناتج المحلي الإجمالي للقطاعات الانتاجية والتوزيعية، حيث ضمرت ضموراً شديداً كافة الأنشطة الاقتصادية المتعلقة بالتجارة والمطاعم والفنادق والنقل والمواصلات والتخزين والمؤسسات المالية والتأمين." يمكننا إجمال الآثار المباشرة لنظام العقوبات على قطاع التأمين تحت العناوين التالية:
 
(1) تجميد الأرصدة في الخارج أحد آثار هذا القرار كان تجميد أرصدة قطاع التأمين العراقي في الخارج. فعلى سبيل المثال، يذكر البعض أن شركة التأمين الوطنية كانت تحتفظ بحساب، ربما بلغ بضعة ملايين جنيه إسترليني لدى فرع مصرف الرافدين في لندن، لتسهيل الامتثال لشرط تسديد أقساط اتفاقيات إعادة التأمين غير النسبية (المرتبة على أساس ما يسمى بتجاوز الخسارة excess of loss reinsurance) وقت أوانها؛ وكذلك تسديد حصة الشركة في الخسارات العمومية في الـتأمين البحري general average وبشكل عام وفاء الشركة لالتزاماتها تجاه الأطراف الأجنبية التي تتعاقد معها مباشرة (شركات إعادة التأمين) أو من خلال وسطاء إعادة التأمين. ليست لدينا معلومات عن مآل هذا الرصيد، وربما يسري عليه نفس الإجراءات التي اتخذتها الحكومة البريطانية، على سبيل المثال، بشأن أرصدة العراقيين من الأفراد والشركات ـ أي السحب بعد تقديم طلب وموافقة وحدة العقوبات في المصرف المركزي في انجلترة.[19]
 
(2) تعليق ووقف إعادة التأمين ومن آثار هذا القرار منع تعاطي شركات إعادة التأمين الأجنبية العمل مع شركات التأمين العراقية وبالتالي حرمان الشركات العراقية من حماية إعادة التأمين الاتفاقي والاختياري التي كانت قد تعاقدت عليها. ومع تطور الأزمة باتجاه العمليات العسكرية أصبحت هذه العقود بحكم الملغية ذلك لأن عقود التأمين وإعادة التأمين تستثني، بشكل عام ودون الدخول في التفاصيل وبعض التقييدات الخاصة بالتأمين البحري وبعض العقود الأخرى، التعويض عن الأضرار الناشئة مباشرة أو بصورة غير مباشرة عن حالات الحرب أو الغزو أو العمليات العسكرية سواء أعلنت الحرب أو لم تعلن. غياب الحماية الإعادية[20] قد يعرض شركات التأمين، وكذلك شركات إعادة التأمين التي ترتب ما يسمى بحماية إعادة إعادة التأمين أو إعادة التأمين المكرر retrocession، إلى خسارات تتجاوز رأسمالها واحتياطياتها الفنية والحرة، وبالتالي تؤدي إلى إفلاسها. كيف تصرف سوق التأمين العراقي حيال توقف الحماية الإعادية؟ أضطر السوق إلى الاستفادة القصوى من إمكانيته الداخلية وضمن الموارد المالية المتاحة لشركتي التأمين المباشر وشركة الإعادة. استمرت الشركتان في الاكتتاب بأعمال التأمين المباشر، وليست هناك معلومات تدل على رفض أي طلب للتأمين. لكن الذي حصل، في غياب حماية إعادة التأمين الأجنبي، هو الاعتماد بشكل أساسي على الحماية "المتواضعة" التي تقدمها شركة إعادة التأمين العراقية، وقيام الشركتين باستنفاذ كامل احتفاظهما عن كل خطر مؤمن عليه. وليست هناك معلومات موثقة عن حدود اكتتاب واحتفاظ الشركتين، إلا أنه يذكر بأن الأخطار الكبيرة، كبعض المنشآت النفطية والبتروكيماوية وغيرها من الصناعات، تخضع لسقف للتعويض يتناسب مع رأسمال شركة التأمين، والاحتياطيات الفنية والحماية المتوفرة من شركة إعادة التأمين العراقية، وما تجاوز هذا السقف التعويضي يتحمله المؤمن له، أي أن المؤمن له يصبح ضامناً لشريحة صغيرة أو كبيرة لأمواله. من المحزن أن هذا الوضع يكاد أن يكون الوحيد بين البدائل المتوفرة لقطاع التأمين أو لحملة وثائق التأمين. فالتأمين بالدينار العراقي، العملة الوطنية التي يقررها القانون لإجراء التأمين داخل العراق، يعني تسديد أقساط الـتأمين والتعويضات بذات العملة وهي عملة غير متداولة دولياً ولا فائدة منها في ظل نظام العقوبات لشراء ما تحتاجه الصناعة النفطية وغيرها من صناعات القطاع العام والخاص من معدات وغيرها من الأصول في تصليح الأضرار أو استبدال التالف منها. في الظروف العادية كان قطاع التأمين، من خلال الحماية الإعادية يسدد أقساطاً بالعملة الصعبة ويستلم التعويضات بالعملة الصعبة، وكأنه في ذلك يعمل بصورة غير مباشرة على توفير المعدات والأصول المادية الأخرى الضرورية لاستمرار العملية الإنتاجية. هناك معلومات غير مؤكدة تشير إلى أن شركة إعادة التأمين العراقية قد نجحت في الإبقاء على التعامل مع بعض شركات التأمين العربية رغم نظام العقوبات في الاكتتاب باتفاقياتها وإجراء المقاصة في تسوية حسابات الأقساط والتعويض بدلاً من تحويل الأرصدة. وعلى أي حال، فإن القطاع أخذ يراجع معلقاته مع العالم الخارجي للتوصل إلى تحديد واقع الذمم المستحقة له وعليه انتظاراً لرفع العقوبات.
 
(3) إضعاف القاعدة المالية للشركات أدت العمليات العسكرية والعقوبات الاقتصادية وتوسع النظام في طبع النقود الورقية إلى إضعاف قيمة الدينار العراقي. وما يهمنا هنا هو الإشارة إلى أن التضخم المفرط أدى إلى تدهور قيمة رأسمال شركات القطاع واحتياطياتها بحيث جعلها مكشوفة للإفلاس إن هي تعرضت لخسائر كبيرة لا تقوى على التعويض عنها اعتمادا على مواردها الذاتية وتلك التي توفرها شركة إعادة التأمين العراقية.[21] لذلك لجأ القطاع مبكراً إلى استبدال الأصول النقدية الآيلة إلى الهبوط الحاد في قيمتها إلى أصول مادية من خلال الاستثمار في العقارات لميل أقيامها إلى الزيادة. ليست هناك معلومات دقيقة موثقة منشورة عن هذا الأمر، ولا على القيود القانونية على الأرصدة النقدية التي يجب على شركات التأمين الاحتفاظ بها في جميع الحالات للوفاء بالالتزامات تجاه حملة وثائق التأمين، ونسبة الاستثمارات العينية وما يمكن استثماره في أسهم الشركات التجارية وغيرها.[22] البيانات الإحصائية المتوفرة لدى الاتحاد العام العربي للتأمين تنقل لنا الصورة التالية عن حجم استثمار الشركات الثلاثة والدخل المترتب عليه.[23] شركة التأمين الوطنية 1996 1997 1998 إجمالي الاستثمارات 1,239,303* 2,022,402 2,978,175 الدخل من الاستثمار 231,115 325,317 506,381 * المبالغ بآلاف الدنانير العراقية. شركة التأمين العراقية العامة إجمالي الاستثمارات 518,004* 735,765 1,028,144 الدخل من الاستثمار 105,891 126,034 199,928 شركة إعادة التأمين العراقية[24] إجمالي الاستثمارات 166,809* 242,607 315,963 الدخل من الاستثمار 73,042 100,442 183,652 هذه الأرقام قد تعكس التضخم النقدي وليس الزيادة الفعلية في الأصول إذ أن شركات التأمين تلجأ إلى إعادة تقييم استثماراتها لتتناسب مع الاندثار الذي يلحق ببعضها وقيمة العملة الوطنية. ومع ذلك نلاحظ نمواً لدى كل الشركات. فبالنسبة لشركة التأمين الوطنية ازدادت الاستثمارات بنسبة 63% في 1997، وبنسبة 47% في 1998. وبقي الدخل الاستثماري شبه ثابتاً: 18% في 1996، 16% في 1997 و17% في 1998 رغم الزيادة المطلقة في حجم الاستثمارات. (جميع النسب تقريبية).
 
(4) التأثير على حجم الأقساط كانت حصيلة الأقساط (بآلاف الدنانير العراقية) في السنوات 1996-1998 كما يلي:[25] 1996 1997 1998 التأمين الوطنية 425,070 826,832 1,356,025 التأمين العراقية 189,350 227,804 297,695 إعادة التأمين العراقية 51,132 74,522 68,997 665,552 1,129,158 1,723,717 تشير هذه الأرقام إلى نمو في حجم الأقساط ـ 69.66% في 1997 و 52.58% في 1998. إلا أن هذا النمو قد لا يعكس نمواً حقيقياً بقدر ما يعكس التضخم النقدي. فالتأمين البحري القائم أساساً على حركة الاستيراد والتصدير ربما لم يشهد نمواً بسبب الحظر[26]. وحتى حركة نقل النفط الخام من العراق إلى الأردن فإنها، وحسب ما يُذكر، تؤمن لدى شركات التأمين الأردنية. ولا يعقل أن يقوم المهربون لمختلف البضائع، بما فيها النفط ومشتقاته، التأمين عليها. يضاف إلى ذلك أن العديد من المنشآت الصناعية قد توقفت عن العمل وربما توقفت عن شراء أغطية تأمينية وبذلك فقدت الشركات مصدراً آخراً للأقساط. وفيما يخص غالبية المواطنين فإن سوء الأوضاع تجعل من مسألة شراء الحماية التأمينية ترفاً في ظل تدهور القوة الشرائية للدينار العراقي وهبوط الدخل الفردي[27]، ناهيك عن استفحال البطالة، والذي لا يكفي للإيفاء بمتطلبات المعيشة الأساسية. فإذا أضفنا الضرائب المباشرة وغير المباشرة والرسوم العديدة المفروضة على المواطن لن يتبقى من الدخل ما يمكن ادخاره أو صرفه على شراء الحماية التأمينية. وبالنسبة لمنطقة كوردستان العراق، فليس من المعروف إن كانت شركتي التأمين، الوطنية والعراقية، تمارسان العمل فيها. لهذه الأسباب، فإن حجم أقساط التأمين لم يشهد نمواً حقيقيا.[28]
 
(5) تدهور الخطر المعنوي والمادي الخطر المادي، في فروع التأمينات العامة، ينصّبُ على ما يسمى اصطلاحاً محل (موضوع) التأمين ومواصفاته، أما الخطر المعنوي فإنه يتعلق بشخص المؤمن له ـ سلوكه وكذلك سلوك مستخدميه والأطراف الثالثة التي يتعامل معهم بشأن محل التأمين. ويتخذ هذا الخطر أشكالاً متعددة، ومنها الإهمال وسوء الإدارة وعدم الشعور بالمسؤولية[29] وغيرها مما يزيد من تعرض محل التأمين للضرر والخسارة. وقد يصعب قياس هذا الخطر، إلا أنه من الملاحظ، عالمياً، أن احتمال تحققه يزداد عندما تكون الظروف الاقتصادية سيئة أو تميل إلى الانحدار. وهي في ذلك تشبه ازدياد معدلات الجريمة في ظل هذه الظروف. وأهم مظهر بالنسبة للتأمين هو ازدياد عدد المطالبات بالتعويض، والمبالغة في تقدير حجم الخسارة، والغش. ليست لدينا معلومات عن عدد المطالبات وحجمها في العراق خلال فترة الحصار الاقتصادي، (ما خلا الأرقام الإجمالية عن تعويضات التأمينات المباشرة خلال الفترة 1996-1998) ولكننا ميالون إلى التأكيد على أنها قد ازدادت. ودليلنا على ذلك الحكايات التي تروى مثلاً عن الوسائل التي يلجأ إليها الأفراد والمسؤولين لسرقة الآخرين أو ابتزازهم[30]. وقد لا نغالي إن قلنا أن دوائر الشرطة تتواطأ مع الآخرين في إصدار تقارير كاذبة عن حوادث لم تقع تنتهي عند أبواب شركة التأمين كمطالبات حقيقية. النقص الشديد في قطع الغيار، والهبوط الحاد في أعمال الصيانة الدورية والوقائية وغيرها من أساليب الصيانة، والمعنويات الهابطة للعاملين، واضطراب الحياة العامة بسبب سوء الأحوال الاقتصادية وحالة الاختناق الداخلي الذي يئن منه الناس ـ كل ذلك عوامل إضافية تؤثر على الإنتاجية والأداء والمساهمة في خلق الشروط المواتية لوقوع الحوادث وخاصة في المؤسسات الصناعية.[31] هذه الظواهر وغيرها تضع شركات التأمين في موقف حرج تجاه مطالبات لا تستقيم مع شروط وثائق التأمين في استحقاق التعويض بسبب إهمال المؤمن له، وضعف الصيانة وغيرها من العناصر التي تسقط حق المؤمن له بالتعويض. ولكن ليس بوسعنا التوثق من الشفافية في المطالبات والتعويض عنها، ومدى تطبيق شركات التأمين لشروط وثائقها. والمعلومات المتوفرة تشير إلى أن القطاع قد انتبه لبعض ظواهر استفحال الخطر المعنوي من خلال وضع ضوابط صارمة عند إجراء التأمين: كتطبيق شرط المعدل، وتسديد قسط إضافي لإعادة مبلغ التأمين إلى سابق وضعه، وعدم ضمان السرقات الجزئية في تأمين السيارات .. الخ.
 
(6) احتراف الصنعة: المعارف والمهارات في الستينات والسبعينات، كان قطاع التأمين العراقي يُدرب كوادر بعض شركات التأمين العربية، وكان في ذات الوقت يدرب كوادره داخل العراق وخارجه. وشهدت هذه الفترة إستحداث دبلوم دراسات عليا في التأمين في جامعة بغداد أثمر عدداً من الدراسات المهمة في حقل الطلب على إعادة التأمين من الأسواق العالمية وتأثيره على ميزان المدفوعات، وملامح من تاريخ التأمين في العراق، وغيرها. الا أن هذه الفترة شهدت أيضاً خروج بعض الكوادر المتمرسة نحو البلدان العربية وغيرها، بحثاً عن فرص أفضل في الأسواق الجديدة أو هرباً من الضغوط السياسية.[32] استمر خروج العاملين من القطاع خلال سني العقوبات بحثاً عن مصدر أفضل للدخل بعد الهبوط الحاد للقيمة الشرائية للرواتب. وقد أضطر البعض إلى التقاعد المبكر في سبيل تحسين أوضاعهم والخروج إلى بعض البلدان العربية.[33] وهذا النزيف للكادر المؤهل والمتمرس سيترك أثره حتى بعد انحسار العقوبات، ذلك لأن إتقان صنعة التأمين لا يأتي من خلال القراءة أو التدريب فقط، إذ أن التأمين يجمع المعرفة النظرية، وفي أكثر من ميدان، مع تراكم الخبرة العملية. مثل هذا الجمع لن يتحقق والرغبة في التعلم ضعيفة والحماس للعمل أضعف. ومثل غيره من القطاعات فإن الـتأمين يعاني من ظاهرة تدهور المهارات الذي يتجلى في: ·1 العمل ضمن شروط حياتية قاسية وبأدوات معرفية قديمة لا تتماشى مع التطورات الكبيرة التي تشهدها صناعة التأمين على المستوى العربي والعالمي. ·2 هشاشة التدريب وربما انعدامه. ·3 الانقطاع عن الاتصال بصناعة التأمين العالمية وندرة الحصول على الصحافة والمطبوعات التأمينية.[34] من باب الختام إن ما حاولت عرضه في هذه الورقة جملة من الملاحظات الأولية عن قطاع التأمين في ظل العقوبات الدولية. وهذه الملاحظات أولية بأكثر من معنى. فهي تفتقر إلى العرض التاريخي المؤسس على الأرقام والوثائق ذات العلاقة. كما أنها لا تتعمق في تحليل الظواهر المرصودة. وتلك مهمة يمكن لها أن تتحقق ضمن منظور الاقتصاد السياسي للعراق. وباختصار، فإن الوضع الحالي لقطاع التأمين العراقي قد جاء نتيجة لتطورات سياسية لم يكن للقطاع أي دور فيها، فرضت نفسها على عمل القطاع ومسار تطوره مستقبلاً. ويبقى هناك العديد من الأسئلة التي تستوجب الصياغة العلمية لتحديد محتوى النشاط التأميني وسبل تكثيف دوره في إعادة تأسيس الاقتصادي للعراق.
 
الهوامش
[1] كتبت هذه الورقة لتكون موضوعا لمحاضرة في لندن في شهر أيار/مايو 2000 بدعوة من المنتدى الاقتصادي العراقي. لا تضم هذه الورقة الملاحق الإحصائية لأنها لم تتناول الأرقام الواردة فيها بما يكفي من تحليل. أشكر الهيئة الإدارية للمنتدى لتوفيرها هذه الفرصة لولوج هذا الموضوع، وأشكر أيضاً السيد عبد الخالق رؤوف، الأمين العام، الاتحاد العام العربي للتأمين، القاهرة، على تزويدي ببعض المعلومات والأرقام؛ ود. عبد الزهرة عبد الله علي، المدير العام، الشركة الوطنية للتأمينات العامة، دبي، لتزويدي بنسخة من "تقرير سوق التأمين العراقية المقدم إلى المؤتمر العام الثالث والعشرين للاتحاد العام العربي للتأمين المنعقد في أبو ظبي بتاريخ 28-30 آذار 2000." وأشكر د. غانم حمدون على تصحيحاته اللغوية ومقترحاته حول إعداد هذا النص لمجلة الثقافة الجديدة. [2] أنظر: قوانين بلاد ما بين النهرين، تعريب: د. عيد مرعي (دمشق: دار الينابيع، 1995) ص 84 وص 86. وكذلك الدراسة الرائدة باللغة الإنجليزية: C. F. Trenerry, The Origin and Early History of Insurance (London: P. S. King & Son, 1926) وخاصة الباب الأول وفصوله الثلاثة. ذكر الباحث في دراسته بعض الأشكال الأولية للنشاط التأميني المتمثل بتحويل عبء الخطر من طرف إلى آخر. وأشهر هذه الأشكال ما يعرف بعقد الاستقراض البحري Contract of Bottomry المبرم بين الدائن وصاحب السفينة بضمان السفينة أو البضاعة المحملة عليها أو كليهما. فإن غرقت السفينة أعفي المدين من دفع القرض والفائدة المستحقة عليه. والشكل الآخر لعقد الاستقراض البحري هو الـ Respondentia الذي ينصب على البضاعة المحمولة. ولعل عقود القراض والمضاربة وغيرها التي ارتبطت بتجارة القوافل في الجزيرة العربية قبل الإسلام، وهي تعرف بالـ Commenda أوCommenda of Islam جاءت تطويرا لمبدأ تحويل الخطر نحو مبدأ المشاركة في الخطر وذلك من خلال الجمع بين رأس المال والعمل. أنظر: Abraham L. Udovitch, Partnership and Profit in Medieval Islam (Princeton: New Jersey: Princeton University Press, 1970) p 170-171 [3] Dr A. A. Ali, Insurance Development in the Arab World: Available Domestic Retention Capacity and Demand for International Reinsurance (London: Graham & Trotman, 1985), p 2. [4] لم تقتصر الاستثمارات، ضمن الضوابط القانونية المنظمة لعمل شركات التأمين، على الاستثمارات المحلية (العقارات، الودائع المصرفية، شراء أسهم في بعض الشركات) بل امتدت إلى المشاركة في تأسيس شركات تأمينية عربية والمساهمة في رأسمالها: المساهمة في رأسمال شركة البحرين للتأمين في المنامة، وشركة ليبيا للتأمين في طرابلس (1964) بنسبة 40%. [5] من بين الوثائق التي كانت وقتها تعتبر جديدة بالنسبة لسوق التأمين العراقي الوثيقة "الشاملة" المعروفة باسم وثيقة تأمين حماية الأسرة Householder’s Insurance Policy التي وضعت قيد الاستعمال في أواخر الستينات بعد دراسة مستفيضة لنماذج هذه الوثيقة المستعملة في سوق لندن. وربما كان نجاح هذه الوثيقة دافعاً لبعض أسواق التأمين العربية (شركة ليبيا للتأمين، على سبيل المثال) للاستفادة من نموذج الوثيقة العراقية في صياغة وثيقة مماثلة للسوق الليبي. بعد ذلك وفي أوائل 1982 تم تأسيس فرع متخصص للتأمين الزراعي: تأمين المحاصيل والمواشي والدواجن. من المفاهيم المتطورة التي أدخلت في ممارسة التأمين مفهوم افتراض المسؤولية القانونيةpresumption of liability لمستعملي المركبات الآلية. وهو مفهوم يتجاوز فكرة المسؤولية المدنية القائمة على الخطأ، وتنهض فلسفته على اعتبار أن المركبات الآلية تنطوي في ذاتها على الخطر. وجاء متماشياً مع التغير في رؤية الخطر بتخفيف مسؤولية تحققه على صاحبه بعكس ما كان عليه الحال في القرن التاسع عشر والنصف الأول من القرن العشرين الذي كان يعتبر العامل الصناعي، على سبيل المثال، مسؤولاً عن الأضرار البدنية التي تلحق به خلال عمله بسبب إهمال مزعوم بقدر ما تعتبر الماكنة وصاحبها الرأسمالي مسؤولاً عنها بسبب عدم توفير الشروط السليمة للعمل ــ وهو ما كان يعرف في الصياغات الأولى لتأمين إصابات العمل باسم الإهمال المشترك contributory negligence. وتمت صياغة مفهوم افتراض المسؤولية، الذي ألغى العلاقة العقدية واستبدلها بالعلاقة القانونية بين الشركة الضامنة والمؤمن له، في القانون رقم 52 لسنة 1980 (ٌقانون التـامين الإلزامي من حوادث السيارات). اعتباراً من 1/1/1988 استحدثت طريقة جديدة لاستيفاء قسط التأمين الإلزامي، ورسم تجديد إجازة المركبة، بإضافته على سعر الوقود المستهلك وبذلك أصبحت جميع المركبات مغطاة بالتأمين تلقائياً واستيفاء قسط التأمين من خلال استهلاك المركبات للبنزين. [6] رغم ذلك لعب قطاع التأمين العراقي دوراً أساسياً سنة 1981 في تأسيس وإدارة الصندوق العربي لتأمين أخطار الحرب Arab War Risks Insurance Syndicate التي كانت تعتبر في حينها محاولة رائدة للخروج من أسر التبعية المطلقة لسوق لندن في تسعير أخطار الحرب، إلا أن المحاولة، ولأسباب عديدة، لم تستطع تجاوز واقع التبعية إلا بحدود ضيقة. أرجو أن لا يفهم من هذا رفض التعاون مع شركات إعادة التأمين الأجنبية بل تأكيد ضرورة بناء صناعة تأمينية تتمتع بقدر كبير من الاستقلال في امتلاك المهارات الاكتتابية وكل ما يتعلق بالعملية التأمينية بدءاً بتقييم الخطر وانتهاءً بتسوية المطالبة وكل ما يعلق بها. [7] تأسست شركة التأمين الوطنية عام 1950 كشركة مملوكة للدولة وباشرت أعمالها الفعلية عام 1952. رأس المال المدفوع كما هو في 1998 20 مليون دينار عراقي. [8] تأسست الشركة العراقية للتأمين عام 1959 كشركة مساهمة مملوكة للقطاع الخاص ومارست جميع أنواع التأمين لغاية تأميمها عام 1964. رأس المال المدفوع كما هو في 1998، 5 مليون دينار عراقي. [9] تأسست عام 1960 كشركة مختلطة وباشرت أعمالها عام 1961. رأس المال المدفوع كما هو في 1998،5 مليون دينار عراقي. [10] تقرير سوق التأمين العراقية المقدم إلى المؤتمر العام الثالث والعشرين للاتحاد العام العربي للتأمين، المنعقد في أبو ظبي بتاريخ 28-30 آذار/مارس 2000، ص 2-3. تعود فكرة تأسيس شركات تأمين جديدة إلى الثمانينات وحسب المعلومات المتوفرة لدينا فإن الوضع القانوني لتأسيس مثل هذه الشركات تولاه مستشار التأمين في وزارة المالية. وكانت محصلة الدراسة، إن لم أكن خاطئاً، أن القانون لا يحول دون تأسيس شركات تأمين أخرى. [11] البيان، العدد 340، آذار‎/مارس 2000، ص 77. بمقتضى القانون يتوجب على شركات التأمين إعادة نسبة من محفظة أعمالها لدى شركة إعادة التأمين العراقية، وكذلك عرض حصة اختيارية عليها قبل إعادة تأمينها لدى شركات إعادة التأمين العالمية. [12] هذا القول يقوم على افتراض استمرار النظام القائم في العراق وعلى قراءة بعض الأخبار الصحفية. فالدولة، بسبب عجز الموارد، أخذت تميل إلى جباية الضرائب بفعالية أكبر، إضافة إلى الرسوم العديدة التي تفرض على المواطن لإنجاز أبسط المعاملات. وتوفر أرباح شركات التأمين والضرائب التي تدفعها مصدراً مهماً لخزينة الدولة. فقد ورد في جريدة الحياة (26/2/2000) تحت عنوان "السلطات العراقية تضاعف ضرائبها وتجمع 16 بليون دينار في حملة واحدة" أن وزارة المالية [التي تشرف على قطاع التأمين] زادت "قيمة عقاراتها في حال البيع والتأجير وأمرت دوائرها بتحويل الزيادة إلى "إيرادات لصالح خزينة الدولة" بينما أصدر ديوان الرئاسة أمراً لكافة "الوزارات الإنتاجية" بتحويل 50 في المئة من أرباحها إلى الديوان مباشرة." يلاحظ في هذا الخبر أن 50% من الأرباح تحول إلى ديوان الرئاسة وليس إلى خزينة الدولة. وهذا يثير العديد من الأسئلة السياسية والاقتصادية وتحتاج إلى دراسة مستقلة. [13] شهدت بعض أسواق التأمين العربية استحداث شركات للتأمين تقوم على أسس تجمع بين بعض مبادئ الشريعة الإسلامية والمتطلبات الفنية للتأمين التجاري باسم التأمين الإسلامي أو التكافل بهدف دفع شبهة الربا والغرر عن التأمين وتحليل ممارسته. ولعل مثل هذه الشركات قد تجد لها مجالاً في المستقبل في العراق مع إعادة دراسة الاشخاص الاقتصاديين والملكية والحقوق ودور الدولة. من المناسب أن نذكر هنا أن أولى المحاولات النظرية الرائدة لتطويع عمل المصارف لتتماشى مع قواعد الفقه الإسلامي قد تمت على يد السيد محمد باقر الصدر في كتابه البنك اللاربوي (بيروت: دار التعارف، الطبعة الثامنة 1983). [14] تذكر إحدى الصحف العراقية المعارضة أن النظام، رغم تزايد البطالة، يوفر العمل، ولأسباب أمنية، للوافدين العرب في وزارات النفط، الصناعة والمعادن، الإسكان، الري، العمل والشؤون الاجتماعية. وكذلك في مقاولات الأعمال الإنشائية، وتأجير المحلات الخدمية: المطاعم والفنادق والكراجات. طريق الشعب، العدد 8، السنة 68، آذار/مارس 2000، ص 4. هل يا ترى أن هذا الوضع يؤشر لتغيير قد يطال قطاع التأمين أيضاً ويدفع باتجاه مشاركة المستثمرين العرب في هذا القطاع؟ المستثمر الأجنبي لن يخاطر برأسماله ما لم تستقر الأوضاع وتتضح معالمها الأمنية والاستثمارية. [15] من المؤسف أن هذا الموضوع لم يدرس بعناية من قبل العاملين في قطاع التأمين، ولم يتعد ما نشر عنه الوصف العام لحالة السوق العراقي والحديث عن الحصار الجائر، رغم أنه يمثل حالة فريدة في تاريخ التأمين وتجربة تستحق الكثير من التحليل. فالتقارير المقدمة عن حالة السوق العراقي للاتحاد العام العربي للتأمين، كل سنتين، تخلو من أي رصد وتحليل للظواهر ما خلا الإشارة أحياناً إلى صدور بعض التشريعات. أنظر على سبيل المثال: قيس المدرس، "التأمين في العراق منذ بدء المقاطعة وحتى اليوم" مجلة البيان الاقتصادية (بيروت: العدد 287، تشرين الأول/أكتوبر 1996) ص 86-87. [16] رغم الأبعاد السياسية والاستراتيجية وما هو مستور في الخطاب السياسي الغربي، فإن العقوبات الاقتصادية تمثل استمراراً لحرب الخليج الثانية. والخاسر الكبير في استمرار العقوبات الدولية هو الشعب العراقي الذي ينوء بثقلها وآثارها القريبة والبعيدة التي ستمتد لسنين عديدة. [17] في الحالة الليبية كان الحظر التجاري انتقائياً بدأ سنة 1978 عندما منعت حكومة الولايات المتحدة تصدير المعدات العسكرية والطائرات وبعض المعدات الزراعية والإلكترونية. واستمر تصعيد الحظر بعد ذلك سنوياً. وفي كانون الثاني/يناير 1986 وسع نطاق الحظر ليشمل الاستيراد والتصدير وتجميد الأرصدة الليبية وهو ما أثر على طلب شركة ليبيا للتأمين على حماية إعادة التأمين من الشركات الأمريكية إذ لجأت الأخيرة إلى إلغاء عقودها مع شركة ليبيا للتأمين بسبب قرار سياسي لرئيس الإدارة الأمريكية لا علاقة له بعقد إعادة التأمين. عرضت شركة ليبيا للتأمين موقفها في كراس صدر باللغة العربية والإنجليزية والفرنسية. ومما جاء في هذا الكراس أن عقود إعادة التأمين "تبقى ملزمة للأطراف المعنية وتستمر في سريانها حتى انقضاء مدتها القانونية. ولا يمكن إلغاء هذه العقود إلا في الحالات التالية: (1) إذا نصّت العقود ذاتها على الإلغاء في حالات محددة. (2) إذا قامت حالة حرب، سواء أُعلنت الحرب أو لم تعلن، بين دولتيي الطرفيين أو الأطراف المتعاقدة." راجع: شركة ليبيا للتأمين، السياسة وإعادة التأمين: الحظر التجاري الأمريكي على إعادة تأمين شركة ليبيا للتأمين ([طرابلس] آذار 1986). أما الحظر المفروض من قبل مجلس الأمن (تشرين الثاني/نوفمبر 1993) فقد كان أيضاً انتقائياً وانصب على منع تصدير المعدات النفطية، تجميد الأرصدة الليبية في الخارج ومنع الطيران من وإلى ليبيا. كانت آثار قرار الأمم المتحدة رقم 833 مؤلمة للمواطنين الليبيين وفاقمت من بعض المشاكل (صعوبة الحصول على المعدات وقطع الغيار الضرورية، التضخم النقدي وغيرها). وحسب علمنا أن دراسة تأثير عقوبات الأمم المتحدة على غرار الدراسة-البيان الليبي لم تصدر عن قطاع التأمين العراقي أو تحليل آثار الحرب والعمليات الحربية على عمل القطاع وعقود التأمين التي تخضع لشرط استثناء التعويض عن أضرار الحرب. [18] د. محمد علي زيني، الاقتصاد العراقي في ظل نظام صدام حسين (لندن: مؤسسة الرافد للنشر، 1995)، الفصل الثاني عشر: النتائج الاقتصادية لحرب الخليج الثانية، ص 364-423. هذه الإشارة اليتيمة للتأمين هي الوحيدة التي استطعت رصدها في الأدبيات الاقتصادية المتوفرة لدي. ولعل مرد ذلك أن قطاع التأمين لا يرقى في أهميته إلى قطاع النفط المهيمن على تفكير الاقتصاديين العراقيين. وحتى العاملين في قطاع التأمين لم يدرسوا أهميته في المساهمة في الحفاظ على الثروات الوطنية (أي المساهمة في تجديد الأصول المتضررة من خلال تمويل التصليحات أو الاستبدال)، وكذلك دوره كوسيلة ادخارية فعّالة (وخاصة تأمينات الحياة)، والمساهمة في تكوين رأس المال، وامكانية توفير فرص كبيرة للعمالة، وأخيراً دوره الحضاري في التقليل من النزاع الاجتماعي وتحويل عبء الاختلاف بين الأفراد إلى شركات التأمين (كما في تأمين المركبات). وبعبارة أخرى، فإن دور التأمين في التنمية الاقتصادية لم يلقَ ما يستحقه من عناية الباحثين. [19] المعلومات المتوفرة عن ودائع شركة التأمين الوطنية في الخارج للفترة 1991-1992 كانت (بالدينار العراقي) كالآتي: 5,154,000 (1991), 11,379,000 (1992) هذه الأرقام قد تعطي صورة مغايرة لما ذكرناه أعلاه، وقد يكون نمو حجم الودائع الخارجية مرتبطاً بوجودها في بعض البلدان العربية. وردت هذه الأرقام، دون أي شرح أو توضيح، في تقرير سوق التأمين العراقية المقدم إلى المؤتمر العام العشرين للاتحاد العام العربي للتأمين، مراكش، المملكة المغربية، 2-4 أيار/مايو 1994. [20] هناك أسباب عديدة تدفع شركات التأمين إلى شراء أغطية إعادة التأمين ومنها: تعزيز قدرتها على الاكتتاب بأخطار كبيرة تتجاوز حجم رأسمالها، موازنة المحفظة الاكتتابية من خلال تحويل عبء الأخطار الكبيرة لجهة إعادة التأمين، السيطرة على تراكم الخسائر الذي قد يهدد رأسمالها، الاستفادة من الخدمات الفنية لمعيدي التأمين في تسعير الأخطار الكبيرة والمساهمة في تسوية تعويضاتها. [21] في موازاة ذلك فإن عقود تأمين الحياة هي الأخرى تعرضت لهبوط حاد في أقيامها، وبالتالي فإن المؤمن عليهم هم الخاسرين الحقيقيين. ولا تتوفر لدينا معلومات عن قيام شركات التأمين بإعادة تقييم مبالغ التأمين، وعدد الوفيات وما ترتب عليها من تعويضات للورثة المستحقين أو المستفيدين من عقود التأمين على الحياة. [22] المحفظة الاستثمارية للشركات الثلاث تضم الفقرات التالية وبنسب متباينة: عقارات، أوراق مالية حكومية وغير حكومية، إيداعات في البنوك، قروض مضمونة، اسهم وودائع خارج العراق. [23] هذه المعلومات مستلة من نموذج بيانات إحصائية مقدمة إلى الاتحاد العام العربي للتأمين (القاهرة: بدون تاريخ). جميع الأرقام بالدينار العراقي. [24] المعلومات المتوفرة عن السنوات من 1992-1994 فيما يخص صافي الدخل من الاستثمار (بآلاف الدنانير العراقية) كانت كالآتي: 1992 1993 1994 6,228 7,783 10,946 هذه المعلومات مستلة من: The ARIG Directory of Insurance Companies in the Arab World, (Bahrain: Arab Insurance Group, 4th Ed. 1996), p 99. [25] نموذج بيانات إحصائية مقدمة إلى الاتحاد العام العربي للتأمين (القاهرة: بدون تاريخ). [26] وينطبق هذا الكلام أيضاً على محفظة تأمين الطيران التي اقتصرت، بسبب قرارات مجلس الأمن، على تأمين الأخطار الأرضية. ومن اللافت للنظر أن الطيران المدني لا يخضع للحظر بموجب هذه القرارات ما خلا الطيران الذي يتعلق بالمبادلات الاقتصادية. فحتى القرار رقم 670 (25 أيلول/سبتمبر 1990) لا يسمح للدول بأن تقلع أية طائرة من إقليمها "إذا كانت الطائرة تحمل أي شحنة للعراق أو الكويت أو منهما، عدا الأغذية في الظروف الإنسانية." لكن المناخ السياسي العام الذي خلقته قرارات مجلس الأمن أدى إلى طغيان القراءة المتعسفة لبعض القرارات والتوسع في نطاق تطبيقها مما حرم العراق من إحدى الوسائل الحضارية لانتقال الناس. وبالنسبة لقطاع التأمين فإنه حُرم من مصدر مهم لأقساط التأمين. وليس معروفاً إن كانت الطائرات التي نقلت الحجاج العراقيين إلى السعودية قد خضعت للتأمين. [27] أنظر: د. محمد علي زيني، الاقتصاد العراقي في ظل نظام صدام حسين (لندن: مؤسسة الرافد للنشر، 1995)، ص 418-419. [28] إن تحليلاً اقتصادياً للدخول في ظل نظام العقوبات قد يبرز حقيقة مألوفة في العديد من اقتصادات دول "العالم الثالث" التي تتميز بضعف معدلات الادخار والمعدلات العالية للاستهلاك، وذلك لأن المستوى المتدني للدخول الفردية يؤدي إلى صرف هذه الدخول من أجل البقاء. وبالتالي فإن الكثافة التأمينية تبقى تدور في حدودها الدنيا، ولن تستطيع شركات التأمين بسبب ذلك مراكمة الأموال للمساهمة الحقيقية في تكوين رأس المال الضروري للتنمية الاقتصادية. ويستنتج د. سنان الشبيبي في محاضرة له حول "قرار مجلس الأمن 986: بعض الأفكار حول آثاره الاقتصادية" (لندن: آب/أغسطس 1996؟) "أن توفر الغذاء والدواء بأسعار معتدلة سينعكس إيجابياً في المستوى الاجتماعي والاقتصادي ذلك لارتفاع الدخل الحقيقي. كما أن انحسار التضخم سيؤدي إلى تقليل التفاوت في توزيع الثروة والدخل حيث لا يضطر الناس والطبقة المتوسطة على وجه الخصوص لبيع مدخراتهم وأرصدتهم كسباً للعيش، كما يُتوقع أن تنخفض معدلات الجريمة. قد يكون التأثير الأساسي اجتماعياً أكثر مما هو اقتصادياً حيث لا يُتوقع أن تفضي الزيادة الحقيقية في الدخل إلى زيادة الادخار وإنما إلى اقتناء المزيد من السلع الاستهلاكية الضرورية والتي لم تكن في متناول العراقيين سابقاً." [29] هناك حكايات عن "أغنياء الحرب/العقوبات" الذين قاموا بتنفيذ العقود الحكومية لإعادة إنشاء المباني والجسور والمنشآت الصناعية، التي استهدفتها الغارات الأمريكية في حرب الخليج الثانية، وكيف اغتنوا منها عن طريق الغش في المواد وغيرها من الوسائل. [30] هناك حكاية تروى عن سرقة سجاد جامع الإمام أبو حنيفة في بغداد عندما قامت امرأة مسنة بتقديم وجبة دولمة مسمومة للقائمين على حراسة الجامع أدت إلى غيبوبتهم. وقد وصلت السرقات حداً دفع النظام إلى اتخاذ إجراءات رادعة ضد سرقة السيارات (بتر اليد اليمنى للسرقة الأولى وبتر القدم الأيسر للسرقة الثانية). أنظر: Andrew Cocburn and Patrick Cocburn, Out of the Ashes: The Resurrection of Saddam Hussein (New York: HarperCollins, 1999), pp 121 and 127. [31] جاء في أحد تقارير الأمم المتحدة عن الوضع الاجتماعي في العراق: Special Topics on Social Conditions in Iraq: An Overview Submitted by the UN System to the Security Council Panel on Humanitarian Issues (Baghdad, 24 March 1999). [The CASI (Campaign Against Sanctions on Iraq) web version]. وتحت عنوان السلامة الشخصية في موقع العمل (مثال القطاع الكهربائي) جاء في هذا التقرير أن الكادر الفني يلاقي صعوبات جمة للالتزام بالقواعد الأساسية للسلامة بسبب انعدام معدات السلامة وتركيز ما يتوفر من موارد مالية لمواجهة المتطلبات الآنية للتصليح والصيانة الاضطرارية. ويلخص التقرير الوضع في ست ملاحظات: انعدام المواد الخاصة بسلامة العاملين (الأغطية الواقية للرأس، القفازات العازلة ..الخ)، عدم توفر معدات الاتصال الضرورية (بين العاملين على صيانة الخطوط ومحطات التوليد)، عدم توفر شروط التشغيل المناسبة (تسرب الغاز والزيت من المراجل في محطات التوليد)، عدم توفر الأجهزة الواقية وقطع الغيار (قواطع الدورة الكهربائية، مانعات الصواعق)، استخدام أدوات ومعدات لا تستوفي شروط السلامة الصناعية، انعدام تدريب العاملين. تشير التقارير الصحفية وغيرها إلى الترهل وانعدام وسائل الحماية والسلامة الذي أصاب منشآت القطاع الصناعي والنفطي واحتمال ما ينتج عن ذلك من آثار بعيدة المدى على كفاءة وإنتاجية هذه المنشآت. وتمتد الآثار حتى إلى مكامن النفط دونكم أنظمة تحميل النفط ونقله بالأنابيب. أنظر عرضاً للتقرير المقدم عن الصناعة النفطية للأمين العام للأمم المتحدة في صحيفة (Lloyd’s List (13.04.2000) . وما يهمنا هنا بالنسبة لموضوعنا هو القلق من أن تؤدي هذه الأوضاع إلى وقوع حوادث ربما تكون كارثية في نتائجها بالنسبة للعاملين وللأصول المادية على حدٍ سواء. . [32] شهدت فترة الحرب العراقية -الإيرانية ترحيل أعداد كبيرة من المواطنين العراقيين إلى إيران بذريعة "التبعية" وليس معروفاً عدد موظفي القطاع الذين رُحّلوا وخاصة ممن كان يعمل في شركة التأمين الوطنية. لقد لعبت الكوادر العراقية دوراً مهماً في قطاع التأمين في الخليج وخاصة في دولة الإمارات العربية. وما زال هذا الدور يجد حضوره في إدارة العديد من شركات التأمين من قبل هذه الكوادر. وفي سوق التأمين اليمني، يشغل بعض العراقيين مراكز مرموقة في إدارة عدد من شركات التأمين أو في أقسامها الفنية. [33] يبين الجدول رقم (2) في تقرير سوق التأمين العراقية المقدم إلى المؤتمر الثالث والعشرين للاتحاد العام العربي للتأمين، مصدر سابق، عدد القوى العاملة في سوق التأمين العراقية للسنوات 1996-1998. وهناك معلومات مماثلة في تقرير سوق التأمين العراقي المقدم إلى المؤتمر العشرين للاتحاد للسنوات 1989-1992. إدماج الأرقام في هذين المصدرين يبين وضع القوى العاملة في القطاع كما يلي: السنة إدارية وفنية إنتاجية 1989 2039 177 1990 1899 208 1991 1653 208 1992 1603 198 [1993-1995 الأرقام غير متوفرة] 1996 1064 207 1997 988 187 1998 922 170 [34] بعد صدور القرارات الأولى لمجلس الأمن الدولي لم يعد مكتب شركة إعادة التأمين العراقية يستلم صحيفة Lloyd’s List المتخصصة في النقل البحري والتأمين رغم تسديده للاشتراك السنوي. كان مكتب شركة إعادة التأمين العراقية في لندن أول مكتب اتصال تأميني عربي من نوعه في سوق لندن (1964) وقد اضطر ضمن شروط العقوبات الدولية إلى غلق أبوابه. منع تواصل العراقيين بالمصادر الأجنبية العلمية امتد ليشمل المعرفة الطبية حيث كانت دائرة البريد البريطانية تحتجز اشتراكات الأطباء العراقيين في المجلة الطبية البريطانية British Medical Journal راجع: Geoff Simons, Iraq: From Sumer to Saddam (London: Macmillan Press, 2nd Edition), p 22-23. حرمان العراقي من المعرفة، حتى إذا كان في صورته الإخبارية، أصبح من بين الأدوات الأساسية في تحطيم العراقيين.

2008/06/11

منذر عباس الأسود: تعليق على مقالة مصباح كمال: "موانئ البصرة والتأمين البحري على البضائع" أطلعت على مقالتكم المعنونة "موانئ البصرة والتأمين البحري على البضائع" المنشورة في المدونة بتاريخ 8 أيار 2008 وأود التعليق على بعض ما ورد في الفقرة ما قبل الأخيرة التي ذكرت فيها أن: "غياب شركات التأمين العراقية في تأمين البضائع لم ينشأ من عدم استعداد هذه الشركات لتوفير الحماية التأمينية، رغم تحفظنا على قدراتها الحالية، بل بسبب إهمال المؤسسات العراقية الرسمية للنص على التأمين لدى شركات تأمين عراقية، وبسبب الحرية التي يوفرها قانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005 للأفراد والشركات الأجنبية لتجاوز شركات التأمين العراقية." إن ديوان التأمين العراقي بكتابه المرقم 134 في 19-10-2006 المرفق صورة منه، وهو موجه إلى كافة الجهات المشار إليها في الكتاب، أشار بكل وضوح إلى أن قانون تنظيم أعمال التأمين الصادر بالأمر رقم 10 لسنة 2005 المنشور في الوقائع العراقية، العدد 3995 في 3\3\2005، هو لاحق لتأريخ تعليمات وزارة التخطيط المشار إليها في الكتاب بأعمامها المرقم 5\4\113فى 16\4\2006. وعليه فإن الآلية التي أشار إليها القانون، وبموجب فقرات المادة -81- منه، واجبة التطبيق. وهذه تقضى بعدم حصر أعمال الـتأمين بشركة محددة. ولهذا الغرض تم إرفاق كشف لتلك الجهات بأسماء وعناوين شركات التأمين الحكومية والأهلية العاملة في العراق حاليا. وفي ذات الموضوع، فقد أشار ديوان التأمين في رسالته المرقمة 26 في 13\8\2007 الموجه إلى محافظة بغداد إلى أن توجيهات السيد وزير المالية هو التعامل مع جميع شركات التأمين العاملة في العراق الحكومية منها والأهلية على حد سواء. وقد قامت بعض شركات التأمين فعلا بالتحرك على جميع الجهات من اجل إجراء التأمين بكافة أنواعه لديها. وقد استجابت بعض الجهات فعلاً لهذا التحرك إلا أنني استطيع القول بأن العملية وعلى العموم ما تزال باقية على حالها إذ لم يستجب للقرار المذكور إلا القليل. وبرأي يجب على الجهات المختصة، وخاصة رئاسة الوزراء، القيام بإصدار تعميم على كافة الجهات ينصّ على إجراء التأمين، أياً كان نوعه، حصراً بشركات التأمين العراقية وعدم تفويت الفرصة لها للمساهمة في لعب دورها الاقتصادي قي حماية الأصول العراقية دون التمييز بين شركات التأمين. المحامى منذر عباس الأسود بغداد
7 حزيران 2008

2008/06/06

غياب شركات التأمين العراقية في مذكرات التفاهم الاستثمارية مصباح كمال جاء في خبرين للوكالة المستقلة للأنباء (أصوات العراق) في 22 أيار 2008 نقلاً عن محافظ الديوانية "أن مذكرة تفاهم قد وقعت بين المحافظة ومجموعة شركات (GEM) الأوربية للاستثمار على هامش المؤتمر الاستثماري الذي عقد في القاهرة الأسبوع الماضي ... " ونقلت عنه أيضاً: "سيصلنا وفد رفيع المستوى من مجموعة الشركات الأسبوع المقبل للإطلاع والتباحث حول توقيع عقود في مجال المكننة الزراعية والمكننة الصناعية والألبان وبناء مجمعات سكانية ومعامل إنشائية في الديوانية." وذكرت الوكالة أيضاً نقلاً عن محافظ صلاح الدين "إنه وقع مذكرات تفاهم مع عدد من الشركات المصرية في مجال إنشاء المعامل والاستثمارات السياحية والعقارية والصناعات الإنتاجية في صلاح الدين." وذكرت الوكالة أن حديث المحافظين جاء على هامش مشاركتهما في "المؤتمر الثاني للأعمال والاستثمار في العراق، الذي عقد في (القاهرة) خلال الفترة من (14-16) آيار/مايو الجاري، تحت شعار (العراق اليوم موطن للاستثمار) .." هذان الخبران في موضوع واحد يؤشران على تقدم في استقدام الاستثمار العربي والأجنبي للعراق من قبل بعض المحافظات العراقية وقد سبقتها في ذلك حكومة إقليم كردستان. وهو تقدم على الورق كما يبدو وسيمر وقت ليس بالقليل قبل أن يترجم هذا النشاط في عقود إنشائية توضع قيد التنفيذ.[1] يهمنا في هذين الخبرين، وأخبار مماثلة عن عقود إنشائية ومشاريع أخرى، ملاحظة غياب أية إشارة للتأمين. ونلاحظ أيضاً أن العديد من الوفود التي تتوجه للخارج لحضور الاجتماعات الخاصة بتطوير الأعمال والمشاريع التنموية وغيرها من اللقاءات، لا تضم بين أعضائها ممثلاً عن شركات التأمين العراقية. مسألة الغياب هي، في تقديرنا، بالدرجة الأولى، من صنع شركات التأمين ذاتها. نعرف بأن العديد من هذه النشاطات كانت وما زالت تعقد في الأردن لكننا لا نجد ممثلاً عن قطاع التأمين العراقي فيها وكأن منظميها لا يعرفون أهمية التأمين كقطاع خدمي مكمل في بنية الاقتصاد لكي يوجهوا الدعوة لشركات التأمين لحضورها أو المشاركة فيها. هب إن الأمر هو كذلك، ألا يحسن بشركات التامين ذاتها الانتباه للأمر والعمل على تداركه أم أنها غير معنية بتعظيم دخلها من الأقساط وتعزيز مكانتها؟ شركات التأمين العامة، ونرجو أن لا نكون ظالمين لها، تعمل وفق منهج الإنتاج المتوارث عندما كانت هي الشركات الوحيدة في السوق، تقتسم الأعمال فيما بينها مع التأكيد على أعمال التأمين على الحياة بالنسبة للشركة العراقية للتأمين. ويقوم هذا المنهج أساساً على انتظار طالبي التأمين ليطرقوا أبوابها أو اضطرار بعضهم لشراء الحماية التأمينية كما كان الحال مع العقود الإنشائية فرب العمل لا يصرف مستحقات المقاول ما لم يبرز وثيقة التأمين المناسب أو شهادة بها صادرة من شركة التأمين. هذه الشركات قلما تبادر إلى إنتاج حقيقي ومتابعة الفرص لعرض حمايتها لمن يحتاجها من الشركات والمؤسسات الرسمية. وباختصار، يبدو أن الأساليب الحديثة في التسويق والبيع تكاد أن تكون غائبة كلياً لدى إدارات شركات التأمين العامة. وتتعكز هذه الشركات في سياساتها وفي تحركها الإنتاجي وعدم قدرتها على المشاركة في المؤتمرات واللقاءات خارج العراق على تابعيتها لوزارة المالية التي لا تولي قطاع التأمين العام ما يستحقه من اهتمام لكنها تتدخل في تعيين مدرائها وتقرير إيفاد موظفي الشركات خارج العراق لأي غرض كان. ويبدو لنا أن إدارات ومجالس هذه الشركات لا تمتلك الإرادة المستقلة وبرنامج العمل الواضح لفك الارتباط مع الوزارة وتتصرف كما لو أن الشركات التي تديرها هي أقسام في الجهاز البيروقراطي للوزارة. أما شركات التأمين الخاصة التي تأسست بعد 1997 وبدأت تعمل في 2000 وازداد عددها بعد الغزو الأمريكي وسقوط النظام الديكتاتوري، فإنها هي الأخرى بعيدة عن التواجد مع الوفود العراقية المشاركة في الاجتماعات الاستثمارية واللقاءات المماثلة خارج العراق. ربما تتعكز إدارات هذه الشركات على التكاليف العالية لحضور اللقاءات خارج العراق قياساً بحجم دخلها وربما انعدام الفائدة الآنية المتوقعة منها. هذا التبرير، إن كان صحيحاً، يؤشر على غياب عنصر المغامرة وفقر في التخطيط لإنتاج الأعمال، وخاصة الأعمال الاستثمارية وهي، في السياق العراقي الحالي، ستكون كبيرة. جمعية شركات التأمين وإعادة التأمين العراقية، التي تكاد أن تكون معطلة عن أداء مهامها بسبب قرار الحكومة في الحجز على أموالها (وأموال منظمات مدنية أخرى) وكأنها منظمة إجرامية أو إرهابية يستوجب قطع التمويل عنها، فهي الأخرى بعيدة عن المشاركة في ترويج مصالح أعضائها في المؤتمرات الاستثمارية وغيرها من اللقاءات.. لا نعرف ما يكفي لعرض دور المؤسسات الأخرى كغرف التجارة والأقسام المعنية في وزارة التخطيط وغيرها في التغاضي عن الاهتمام بدور شركات التأمين العراقية في عقود إعادة الإعمار والمشاركة في عملية التنمية الاقتصادية. ونتمنى أن يقوم أحد الزملاء بمتابعة الموضوع. وما يهمنا أيضاً من هذين الخبرين أعلاه هو الفرص التأمينية التي ستتولد عن النشاط الاستثماري والتي نرجو أن تكون لصالح شركات التأمين العراقية. رجاؤنا، الذي يحمل الشك، هو عدم انتباه الكثير من المؤسسات العراقية الرسمية لموضوع التأمين إلا بعد أن يكون الطرف غير العراقي قد قام بصياغة العقد وأدخل فيه ما يناسبه من بنود بشأن التأمين. والتجربة المنقولة إلينا تفيد أن التأمين يتم في الغالب خارج العراق: " ... هناك ظاهرة لجوء الشركات والمؤمن لهم إلى شركات التأمين العربية وحتى الأجنبية دون الرجوع إلى شركات التأمين المحلية. وهذا ما يحصل الآن إذ اننى، كخبير تأمين ومسوي خسائر ومحامى، أُكلف دوما من شركات التأمين الأردنية والأجنبية وغيرها بإجراء الكشف والمعاينة على كثير من المشاريع في العراق التي يراد التأمين عليها لدى تلك الشركات، وكذلك على البضائع التي ترد إلى العراق وتصيبها الأضرار خلال عملية النقل ولأنواع كثيرة من الأسباب. ظاهرة أخرى هي عدم تعاون الوزارات والمؤسسات العراقية الرسمية وغيرها مع شركات التأمين العراقية التي بإمكانها الطلب من كافة المؤسسات والشركات سواء أكانت حكومية أو أهلية أو أشخاص متعاقدين معها بالتأمين لدى شركات تأمين عراقية. إن تجاهل شركات التأمين المحلية يشكل إضرارا لمصالحها ويحرمها من فرصة تعزيز مكانتها حيث أن جميع العقود، مهما كانت، لا تنص على إجراء التأمين مع شركات التأمين المحلية."[2] وهنا تنهض ضرورة تنبيه الجهات ذات العلاقة لعدم التهاون في الاستفادة من طاقات شركات التأمين العراقية وإلا فإن صناعة التأمين في العراق ستبقى ضعيفة ومهمشة وتتحول، في أحسن الحالات، إلى واجهة لشركات التأمين وإعادة التأمين الأجنبية. ويقتضي ذلك، وفي سياق هذه الورقة، ضرورة النص في العقود على التأمين لدى شركات تأمين عراقية. ويبدو أن هذه الدعوة لم تلق عناية الجهات الرسمية ولم ينقل إلينا صدور قرار ملزم بهذا الشأن. من المحزن أن لا يكون هناك مشروع أو منهج فكري واضح لبناء صناعة تأمين وطنية عراقية، ضمن النظام الفيدرالي قيد التشكل، فالاتجاه هو دوماً نحو الخارج في جميع المجالات. وقد لخص د. محمد علي زيني، خبير في النفط والاقتصاد في مركز دراسات الطاقة العالمية، لندن، هذه الظاهرة، في حقل اختصاصه، في محاضرة له عن ما سماه حقاً الأولويات المقلوبة في مسودة قانون النفط والغاز كما يلي: "وضعت مسودة قانون النفط و الغاز العراقي من قبل ثلاثة خبراء عراقيين تشرف عليهم شركة قانونية مختصة عينتها أمريكا. القانون، من أوله إلى آخره يعالج جهة واحدة من الصناعة النفطية وهي مسألة استغلال النفط الخام، بما يشمل ذلك من عمليات استكشاف، تطوير، استخراج وتسويق. إن القانون هذا يخص السوق العالمية فقط. إنه يخص إشباع الطلب العالمي على النفط، ولكن ماذا عن إشباع الطلب المحلي للمشتقات النفطية؟ ماذا عن تلبية حاجات العراقيين إلى البانزين (الغازولين) وإلى الديزل وإلى الغازويل وإلى النفط الأبيض (الكيروسين) وإلى الغاز السائل؟ القانون لا يتطرق إلى هذا، وكأن العراق بلا شعب. حينما يتحدث القانون عن شركة النفط الوطنية فهو يتحدث عن شركة تتعامل بالنفط الخام فقط، أي بما يحتاجه العالم الخارجي، ولا علاقة لهذه الشركة بما يحتاجه الشعب من مشتقات نفطية."[3] يذكرنا هذا النص بقانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005 مع الفارق أن هذا القانون لم يحرره خبراء التأمين العراقيين وقد كتبنا عن ذلك غير مرة.[4] التركيز على ما يريده العالم الخارجي هو الذي ينتظم مراسيم وقوانين أخرى كتلك التي أصدرها "المستبد بأمره" بول بريمر أو بعض القوانين الصادرة في إقليم كردستان (قانون الاستثمار في إقليم كردستان العراق رقم 4 لسنة 2006 الذي يجيز للمستثمر الأجنبي، في المادة 7، شراء التأمين من شركات أجنبية). في أوائل 1971 أصدرت الهيئة التوجيهية لمجلس التخطيط قراراً تضمن بعض الضوابط لتوفير الحماية التأمينية للمشاريع الحكومية ومنها: اعتماد نص موحد لشروط التأمين في عقود المقاولات الهندسية المدنية كافة والتي تنفذ لصالح القطاع العام، وعدم توقيع العقد مع المقاول ما لم يقدم استشهاداً من شركة التأمين يفيد بأن معاملة التأمين هي قيد الإنجاز، وكذلك عدم صرف طلبات السلف أو المستحقات المالية للمقاول ما لم تشفع بوثيقة التأمين المنصوص عليه في العقد. ترى هل قامت وزارة التخطيط والتعاون الإنمائي بتأكيد دورها في تطوير النص الموحد لشروط المقاولات وبما يضمن، ولو بعض الحماية، لشركات التأمين العراقية لأداء دورها في حماية الأصول العراقية؟ لا يراد من هذه الدعوة الانتقاص من الاستقلالية التي تتمتع بها المحافظات وتلك المنتظمة في إقليم بضمانة الدستور العراقي ولكن موازنتها بمتطلبات تنمية اقتصاد وطني عراقي يلعب فيه قطاع التأمين دوره المتوقع منه. وما لم تجابه شركات التأمين العراقية تحديات تأمين المشاريع الكبيرة فإنها ستبقى صغيرة وتتقزم أمام دخول شركات التأمين الأجنبية ومقارنة بشركات التأمين في العالم العربي. نأمل أن يقوم زملاء المهنة بتوسيع البحث في القضايا المثارة في هذه الورقة: حضور ممثلي شركات التأمين العراقية للاجتماعات الاستثمارية التي تعقد داخل أو خارج العراق، إقناع المحافظات لإدخال فقرة التأمين في مشاريعها الاستثمارية ولصالح شركات التأمين المسجلة في العراق، تبني نموذج وطني موحد لعقود الدولة. نأمل أيضاً أن يقوم الزملاء بتصحيح أية أخطاء في الورقة وإكمال نواقصها. مصباح كمال 6 حزيران 2008 [1] لا تشكل هذه الاستثمارات جزءاً من خطة وطنية للنهوض بالاقتصاد الوطني وتنميته فليست هناك سياسة اقتصادية واضحة. كل ما في الأمر هو الاستمرار في الاعتماد على الريع النفطي في تمويل الميزانية والتخصيص للوزارات وبرنامج استثماري غير مخطط. استثمارات المحافظات لذلك هي أشبه بقائمة مشتريات منفصلة عن بعضها. لتعرف على موقفنا راجع: مصباح كمال " النفط والدولة والسياسة الاقتصادية في العراق" الثقافة الجديدة، العدد 322-323، 2007. [2] منذر عباس الأسود "شركات التأمـين العراقية إلى أين؟" المقالة منشورة في المدونة: Iraq Insurance Review http://misbahkamal.blogspot.com/2008/06/blog-post_03.html [3] محمد علي زيني "النفط العراقي: أولويات مقلوبة ومستقبل قد يضيع" محاضرة ألقاها أمام جمعية الأكاديميين العراقيين في لندن في 12 نيسان 2008. ونشر نص المحاضرة في جريدة الزمان http://216.239.59.104/search?q=cache:UOGKCl1ENRwJ:www.azzaman.com/index.asp%3Ffname%3D2008%255C05%255C05-07%255C817.htm%26storytitle%3D+%D9%85%D8%AD%D9%85%D8%AF+%D8%B9%D9%84%D9%8A+%D8%B2%D9%8A%D9%86%D9%8A+%D8%A7%D9%84%D8%B2%D9%85%D8%A7%D9%86&hl=en&ct=clnk&cd=1&gl=uk [4] أنظر على سبيل المثال: مصباح كمال "قانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005: مراجعة للخلفية وبعض الآثار الاقتصادية، الثقافة الجديدة، العدد 319، 2006 http://www.althakafaaljadeda.com/index319.htm

2008/06/03

متابعة لخبر توقيع مذكرة تفاهم في مجال التأمين بين العراق وإيران مصباح كمال [1] الخلفية في 5 أيار 2008 نشرنا مقالة بعنوان "ملاحظة نقدية على خبر توقيع مذكرة تفاهم في مجال التأمين بين العراق وإيران" في هذه المدونة (http://misbahkamal.blogspot.com/2008_03_01_archive.html‏) وذكرنا أن "تفاصيل مذكرة التفاهم بين شركة التأمين الوطنية والتأمين المركزي الإيراني ليست متوفرة كي نعلق على ما ورد فيها بشأن مجالات التعاون والعمل المشترك بين الشركتين. ونأمل الحصول على نسخة من هذه المذكرة" وقد حصلنا مؤخراً على نسخة من هذه المذكرة ندرج صورة منها كما نقلت إلينا.
هذه المتابعة النقدية للمذكرة تتضمن رصد النواقص الشكلية في صياغتها، وتقييم برنامج العمل موضوع التعاون بين الشركتين، وتقييم عام للدور الذي أنيط لشركة التأمين الوطنية في ولوج مشروع للتعاون التأميني مع شركة إيرانية. نأمل أن تحضى هذه الورقة بالمناقشة والتعليق النقدي، والتنبيه على أية أخطاء في سرد المعلومات. المناقشة والتعليق مطلوبان إذ أن سوق التأمين العراقي، حسب علمنا، لم يشهد في الماضي برنامجاً للتعاون كهذا الذي بين أيدينا. [2] في الشكليات تعاني صياغة هذه الوثيقة ضعفاً يدل على إعدادها وكتابتها على عجل وعدم اكتراث رغم الفترة الطويلة التي قضاها الوفد العراقي في طهران، وهو أمر مؤسف لأن المعروف عن العاملين في التأمين أنهم معنيون بدقة الصياغة اللغوية لما يترتب عليها من التزامات بين طرفي عقد التأمين. فصرف تعويض ما، على سبيل المثال، لن يتم دون الرجوع إلى نص وثيقة (بوليصة) التأمين. تبين الآن أن الوثيقة لم تكن مذكرة بالمعنى الدقيق لهذه الكلمة، كما كنا نعتقد، بل كانت "محضر اجتماع وتعاون في قطاع التأمين" لكننا لا ندري كيف يستقيم "محضر اجتماع" مع "وتعاون في قطاع التأمين." ومع ذلك سنشير إليها على أنها مذكرة. لم نفهم لماذا تبدأ المذكرة بالبسملة في أمر تجاري هو اتفاق بين ممثلي شركتين للتأمين. أهو من باب التقليد الشكلي المتوارث أم من باب إضفاء قدسية معينة على المذكرة؟ لا نرى ضرورة في إقحام اسم الله مهما كان السبب، والتخاطب باسمه في شؤون دنيوية لا تستحق الإجلال الديني. الخلط بين الديني والدنيوي ليس في صالح الدين إذ أن الثبات النصي سمته الأساسية والدنيوي متغير وقد يحمل ويفرز عناصر فاسدة تجد حلولها والبت فيها عند القضاء وليس في محكمة الرب. لنستعرض الآن بعض الجوانب الشكلية للمذكرة. يرد في الفقرة الأولى ذكر "رئيس الشركة العامة للتأمين في الجمهورية الإسلامية الإيرانية" ولا توجد شركة بهذا الاسم في إيران والاسم الصحيح هو شركة التأمين المركزية وهو المقابل العربي للاسم الإيراني: بیمه مرکزي إيران (وتترجم بالإنجليزية إلى Bimeh Markazi أو Central Insurance Company) تشير المذكرة في الفقرة الأولى إلى "القوانين والتعليمات السارية" دون تحديدها: هل أنها القوانين والتعليمات العراقية أو الإيرانية أو كليهما؟ وهل الإشارة هي لقوانين وتعليمات تأمينية أم غيرها؟ ويرد في نفس الفقرة الاتفاق على "تنظيم وتنفيذ برنامج عمل ... خلال ستة أشهر من تاريخ التوقيع علي [هكذا] هذه الوثيقة." لا يعرف القارئ متى تم التوقيع على هذه الوثيقة كي يتابع تنظيم وتنفيذ برنامج العمل المستهدف خلال هذه الفترة رغم أن نص المحضر يضم بنداً لتاريخ المحضر إلا أنه بقي ناقصاً دون تحديده. لماذا؟ أكان سهواً؟ ولم تجري الإشارة إلى مكان انعقاد الاجتماع بين الطرفين الموقعين على المذكرة. ونعرف من قراءتنا للأخبار أن الاجتماع بين ممثلي الشركتين العراقية والإيرانية قد تم في طهران. [3] في الموضوع: تقييم برنامج العمل برنامج العمل، موضوع المحضر، المذكرة، يضم أربع فقرات: 1 توفير غطاء التأمين المناسب لرعايا البلدين، خاصة الزوار منهم. وهو ما يندرج تحت عنوان السياحة الدينية بين البلدين. وعلى الطرفين إيجاد غطاء التأمين المناسب هذا إذا لم تعتمد كوبونات السفر التقليدية. ونحن بانتظار ما سيسفر عنه التعاون في هذا المجال. 2 افتتاح فروع أو إنشاء شركة مشتركة. لا نتوقع من شركة التأمين الوطنية فتح فرع لها في طهران مثلاً والتنافس مع شركات التأمين الإيرانية العامة والخاصة فذلك، ضمن المعطيات القائمة، مشروع فاشل. ولا يعرف عن شركة التأمين المركزية، وهي شركة إعادة تأمين وتقوم بوظيفة مراقب التأمين، أن افتتحت لها فروعاً خارج إيران بعكس شركة بيمه إيران (شركة التأمين الإيرانية Iran Insurance Company) التي كانت لها فروع في بعض الدول العربية وحضور كشركة مستقلة في المملكة المتحدة (متوقفة عن العمل في الوقت الحاضر). ولكن ربما تكون هناك دوافع مهمة، سياسية وغيرها، قد تدفع شركة التأمين المركزية فتح فرع لها في العراق ومنافسة شركة إعادة التأمين العراقية. وهو ما يسمح به قانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005 العراقي، وقد يؤدي ذلك إلى زعزعة مكانة الإعادة العراقية. ويبقى إنشاء شركة مشتركة مشروعاً قائماً قد يتحقق بفضل الإمكانيات المالية الكبيرة لشركة التأمين المركزية وشركة التأمين الوطنية. وفي ظننا أن مثل هذه الشركة ستعمل في حقل التأمين المباشر. 3 تطوير التعاون في مجال إعادة التأمين، وتقديم مساعدات في المجال التقني ومجال التدريب. التعاون في مجال إعادة التأمين ذو اتجاه واحد نحو إيران إذ أن شركة التأمين الوطنية لا تمتلك الموارد المناسبة (البشرية والفنية والتصنيف المالي الجيد الذي تتطلبها الشركات المسندة) التي تعينها على ممارسة قبول أعمال إعادة التأمين فهي قد توقفت عنها منذ أمد بعيد. التوجه نحو إيران في هذه المرحلة، إن تحقق، قد يلحق ضرراً كبيراً بمكانة شركة إعادة التأمين العراقية في سوق التأمين العراقي. فأقساط شركة التأمين الوطنية تحتل المكانة الرئيسية في أقساط شركة إعادة التأمين العراقية، وهي، الأقساط، العمود الفقري لبرنامج إعادة التأمين الاتفاقي التي تنظمه وتديره الإعادة العراقية لصالح شركات التأمين كافة في العراق منذ 2003. إن تحولت الوطنية نحو إيران فإن ذلك قد يعني انهيار برنامج إعادة التأمين الاتفاقي القائم. لكن المشاهد المتوقعة قد تتخذ أشكالاً أخرى وليس من المناسب الآن عرضها ونحن لا نعرف مدى التقدم في برنامج التعاون بين الوطنية وشركة التأمين المركزية. وفيما يخص تقديم المساعدات في المجال التقني ومجال التدريب فإنه ذو اتجاه واحد أيضاً وينحصر بما تستطيع شركة التأمين المركزية تقديمه لشركة التأمين الوطنية إذ أن الوطنية فقيرة في كلا المجالين فقد أنهكتها الحروب وسنوات الحصار الدولي وضعف الاقتصاد العراقي. 4 توفير أغطية لتأمين النقل والترانزيت للشاحنات والإرساليات والبضائع التي يتم تبادلها بين البلدين، خاصة تأمين صهاريج نقل الوقود والمواد النفطية. يبدو أن عبء هذه الفقرة ينصب على النقل البري بين العراق وإيران من خلال تخصيص ذكر تأمين صهاريج نقل المواد النفطية. وهذا يذكرنا بنقل مواد مماثلة من العراق إلى الأردن خلال سنوات العقوبات الأممية على العراق حيث كان المستفيد الوحيد من عمليات النقل هذه شركات التأمين الأردنية. لنرى إن كانت شركة التأمين الوطنية ستستفيد من تأمين عمليات النقل الواردة في برنامج التعاون، وننتظر تأثير هذه الترتيبات على شركات التأمين العراقية الأخرى. لنرى أيضاً هل ستقوم الوزارات العراقية المعنية بنقل النفط، وفي بالنا وزارتي النفط والمالية والمؤسسات التابعة لهما، بحصر تأمينه على شركة التأمين الوطنية وكيف يؤثر ذلك على وضع شركات التأمين العراقية الأخرى، وهل ستتم المبادرة إلى مشاركة جماعية بين هذه الشركات لتوفير الغطاء المناسب؟ [4] في تقييم دور شركة التأمين الوطنية برنامج التعاون بين الشركتين يجب أن يقرأ ضمن إطار سياسي وليس الإطار الفني التجاري البحت. لا نريد التوسع بهذا الشأن ويكفي أن نقول إن الاتفاق، ظاهرياً، هو اتفاق فني بين شركة تأمين مباشر عراقية وشركة إعادة تأمين إيرانية لكنه جزء من توجه سياسي واقتصادي مشترك، ربما يقوم على توجه مذهبي، يجمع بين أحد أبرز القوى السياسية المشاركة في حكم العراق، معروف بدعم إيران له قبل وبعد إسقاط النظام الدكتاتوري، وحكومة الجمهورية الإسلامية الإيرانية. ويأتي الاتفاق على برنامج التعاون التأميني ضمن مجموعة أخرى من الاتفاقات بين العراق وإيران، تزامنت مع زيارة الرئيس الإيراني إلى العراق، بعضها يصب في خدمة إيران والتخفيف من مصاعب العقوبات الأمريكية والأممية المفروضة عليها وخاصة فيما يخص حركة الأموال بين المصارف الإيرانية والأجنبية، فإيران معنية بإيجاد منافذ مصرفية متساهلة للتعايش مع هذه العقوبات وهو يذكرنا بمحاولات النظام الدكتاتوري إبان الحصار الدولي على العراق. شركة التأمين الوطنية لا تمتلك الإرادة المستقلة في إدارة شؤونها. هي لا تستطيع إيفاد أحد موظفيها إلى الخارج دون موافقة وزارة المالية فما بالك بالدخول في اتفاق مع شركة أجنبية لم تتعامل معها سابقاً. وشركة التأمين الوطنية شركة عامة مرجعيتها لوزارة المالية ولوزيرها الذي ينتمي لحزب ديني مذهبي. ولكل ذلك تأثيراته التي تتطلب الرصد والتقويم. ضمن هذا العرض هل تلام شركة التأمين الوطنية على دخولها في اتفاق تعاون مع شركة أجنبية ربما لم يكن وارداً أصلاً في جدول أعمالها ولا ندري إن كان مجلس إدارتها على علم كافٍ ومسبق به. هي لم تبدأ، مثلاً، بترتيب برنامج إعادة تأمين اتفاقي مستقل عن برنامج شركة إعادة التأمين العراقية فإذا بممثليها يوقعون على عجل على اتفاق لم يتدارسوا مقدماته ولم يتفكروا بنتائجه على وضع سوق التأمين العراقي وربما لم يعرض الموضوع على مجلس إدارة الشركة. تُرى هل تبادلت الوطنية الرأي مع غيرها من الشركات ومع الجمعية العراقية لشركات التأمين وإعادة التأمين العراقية وديوان التأمين العراقي؟ قد لا تكون استشارة الغير، أو قل استمزاج الرأي مطلوباً منها، فهي ظاهرياً شركة مستقلة لها مصالحها الخاصة التي تهتم بها، لكنها، وهي الأقدم بين الشركات والأكثر ثراءً وتأثيراً على السوق كان الأحرى بها أن تتفحص موضوع الدخول في اتفاق مع شركة أجنبية ملياً، لأن بعضاً من آثار الاتفاق يمس مصالح شركات التأمين الأخرى، قبل الإسراع بالتوقيع عليه لخدمة أغراض سياسية ضيقة. لو كانت نية الشركة متجهة نحو خلق فرص للتعاون مع شركات خارج العراق لِمَ لمْ تتجه صوب شركات إعادة التأمين العربية؟ نعرف أن العيب فينا وفيهم ونعرف أن الغزو والاحتلال الأمريكي للعراق قد غلبّ الموقف السياسي على التعامل التجاري الفني بين قطاع التأمين العراقي والعربي وما هو قائم منه هزيل ويجد تبريره في معطيات الواقع الأمني السيئ في العراق. قد لا يترجم برنامج العمل المتفق عليه بين شركة التأمين الوطنية وشركة التأمين المركزية الإيرانية إلى إجراءات ومؤسسات على أرض الواقع إذ أنه يظل مرهوناً بالتوجيهات السياسية. ونأمل أن لا يمضي وقت طويل على تحرير شركات التأمين العامة من سطوة التدخل والتوجيه، السياسي وغيره، التي مارسها النظام الدكتاتوري البائد وما زال قائماً حتى اليوم. نحن نتطلع إلى اليوم الذي تدار فيه شركات التأمين العامة بذات النهج التجاري الصرف الذي تنتهجه شركات التأمين في البلاد المتقدمة مما يساهم في إعادة تأهيلها ودفعها لتتبوأ مكانتها بين الشركات العاملة في الأسواق العربية والعالمية. وضمن معطيات الواقع القائم لا نرى ذلك ممكناً والشركات العامة تنوء تحت سطوة التدخل الحكومي وسياساتها العامة غير الواضحة. مصباح كمال لندن 2 حزيران 2008
شركات التأمـين العراقية إلى أين؟ منذر عباس الأسود* أدى ازدياد عدد شركات التأمين إلى اشتداد التنافس الذي أخذ منحى التنافس غير السليم. وأدى ذلك إلى تدنى أسعار التأمين بشكل كبير مما أسفر عنه أن بعض شركات التأمين أصبحت تعانى من قلة مبالغ محافظها التأمينية وارتفاع مبالغ مسؤوليتها. وأدى كذلك إلى حالة عدم الالتزام بتوفير الحماية التأمينية المطلوبة، فتردت بذلك خدمة الجمهور وشاعت حالات عدم الالتزام واللجوء إلى المحاكم للحصول على حقوق المؤمن لهم من شركات التأمين. بالإضافة إلى ذلك هناك ظاهرة لجوء الشركات والمؤمن لهم إلى شركات التأمين العربية وحتى الأجنبية دون الرجوع إلى شركات التأمين المحلية. وهذا ما يحصل الآن إذ اننى، كخبير تأمين ومسوي خسائر ومحامى، أُكلف دوما من شركات التأمين الأردنية والأجنبية وغيرها بإجراء الكشف والمعاينة على كثير من المشاريع في العراق التي يراد التأمين عليها لدى تلك الشركات، وكذلك على البضائع التي ترد إلى العراق وتصيبها الأضرار خلال عملية النقل ولأنواع كثيرة من الأسباب. ظاهرة أرى هي عدم تعاون الوزارات والمؤسسات العراقية الرسمية وغيرها مع شركات التأمين العراقية التي بإمكانها الطلب من كافة المؤسسات والشركات سواء أكانت حكومية أو أهلية أو أشخاص متعاقدين معها بالتأمين لدى شركات تأمين عراقية. إن تجاهل شركات التأمين المحلية يشكل إضرارا لمصالحها ويحرمها من فرصة تعزيز مكانتها حيث أن جميع العقود، مهما كانت، لا تنص على إجراء التأمين مع شركات التأمين المحلية. ومما يسهل قيام هذه الأوضاع هو قانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005 حيث أعطى الحرية للجهات أعلاه بإجراء التأمين لدى الشركات الأجنبية وهذا برأينا ليس في صالح قطاع التأمين العراقي. يقودنا هذا العرض إلى التساؤل: ماذا قدمت شركات التأمين لسوق التأمين وجمهور المؤمن لهم؟ إن الجواب على هذا التساؤل تتفرع عنه الحقائق التالية: الحقيقة الأولى. لقد حقق انفتاح السوق ازدياد عدة شركات التأمين مما جعل فرص الحصول على أغطية تأمينية أفضل وبأسعار أفضل لجمهور المؤمن لهم. ولكن هل حصل جمهور المؤمن لهم فعلا على ذلك؟ إن التجربة لا زالت في بدايتها إذ أن شركات التأمين الجديدة لا تستطيع أن تكّون احتياطياتها الفنية إلا بعد مرور سنوات عدة. وكذلك الأمر بالنسبة لحقوق المساهمين فإن تراكم أحجامها لن يتم إلا عبر عدة سنوات. ولا زالت هذه الشركات تعتمد كلياً في أنشطتها على اتفاقيات إعادة التأمين، ولا زال احتفاظها بإقساط التأمين قاصرا على توفير الحماية التأمينية المتوازنة. إذن، لم تتضح الصورة بعد أمام هذا الافتراض: قيام فرص الحصول على أفضل الأغطية وأفضل الأسعار. الحقيقة الثانية التي يوفرها انفتاح السوق أمام جمهور المؤمن لهم هو انخفاض الأسعار حسب قانون العرض والطلب. إن هذا الجانب قد تحقق فعلا وتدنى مستوى الأسعار إلى دون النصف أو أكثر مما كان عليه سابقا. ولكن هل هذا يقدم الخدمة الفعلية للمؤمن لهم؟ الحقيقة إن عامل السعر ليس كل ما يسعى إليه المؤمن لهم، بل أن الخدمة التعويضية هي المطلوبة ليضمنوا الأمان من أخطار تأمينية تلحق بهم وبإعمالهم. ومما يخشى منه استمرار تدنى الأسعار والمضاربات بين بعض شركات التأمين، حيث تعجز بعض شركات التأمين عن توفير الخدمة التعويضية بسبب شحه محفظة التأمين المتجمعة من أقساط زهيدة لا تكفى لتوفير هذه الخدمة التعويضية التي تتسبب في خسارة الشركات وفقدان الضمان للمؤمن لهم. لوحظ إن بعض شركات التأمين العاملة قد قامت بحرب الأسعار المتدنية ونستطيع أن نسميها – الأسعار التحطيمية - وإنها تصب جهدها الأساسي في جمع الأقساط. صحيح إن الأقساط تعتبر ركنا هاما وأساسيا من أركان العمل التأميني لكل شركة تامين، ولكن يجب ألا تكون على حساب الأمور الأخرى المرتبطة به. والمهم لشركة التأمين ليس أن تحصل كماً من الأقساط بل الأهم من ذلك هو أن تصل إلى نتائج متوازنة في النهاية، حيث أن جمهور المؤمن لهم يهمهم الخدمة التعويضية التي تقدم لهم في حالة وقوع خسارة لهم لقاء ما دفعوه من قسط تأميني. والمعروف أن الأسعار المتدنية قد يترتب عليها فيما بعد تعويضات عالية الثمن، وقد تؤدى إلى خسارة محققة لن تكون في مصلحة أي طرف من الأطراف حيث أن المنافسة غير السليمة تؤدى في النهاية إلى تضعضع سوق التأمين من جراء الانحدار الحاد في مستوى الأسعار. لذا فانه يجب أن تسيطر روح المنافسة بين الشركات ليس على الأسعار وإنما على الأداء الجيد والمتميز فذلك خير لقطاع التأمين وحماية لأموال جمهور المؤمن لهم وممتلكاتهم. إن سوق التأمين في ظرفه الحالي يتعايش مع عدد من شركات التأمين وبأسعار التامين المتدنية وأغطية تأمين ذات مسؤوليات مرتفعة. وفى مواجهة هذه الحالة قد تصمد شركات التأمين القديمة بسبب تراكم الخبرات الفنية والكفاءات القديرة مع تراكم احتياطياتها الفنية وارتفاع حقوق المساهمين لديها إلا أن شركات التأمين الجديدة سوف لن تصمد أمامه بسبب المنافسة غير السليمة التي تجرى من بعض الشركات والمضاربات التي تتنافى مع ابسط القواعد الفنية. إن الذي لم تظهر صورته حاليا هو موقف شركات التأمين الجديدة التي توغلت في أعمال تأمينية ومنحت أغطية تأمينية واسعة في التزاماتها مع تدنى الأسعار. إضافة إلى أن السوق التأميني يعيش أمام أخطار كوارثيه محتملة في كافة أنواع الـتأمين ومنها، على سبيل المثال، التأمين البحري واحتمالات حصول أخطار جسيمة متعددة كالخسارات العامة التي ربما تكون الأنواء الجوية التي تعصف في العالم في مناطق متعددة منه عاملاً أساسياً في تحققها ولربما يكون لسوق التأمين حصة منها، وكذلك حوادث اصطدام السفن والغرق. يضاف إلى ذلك أن المنطقة تعيش في ظروف عدم استقرار سياسي وأمنى وحالة ركود اقتصادي قد تنعكس آثارها على حركة الاقتصاد، والتأمين أحد عناصرها، وقد تفكر بعض الشركات الجديدة أو حتى الشركات القديمة بالاندماج مع شركات أخرى – وقد حصل ذلك فعلا في عدة بلدان – سعيا لتقليص عدد الشركات التي بات يزيد على قدرة السوق في ظروف اقتصادية غير مواتية لطموحات الذين فكروا بالاستثمار في قطاع التأمين ووضعوا أموالهم داخله. يتضح من كل ذلك أن سوق التأمين يعيش في ظرف يتطلب دراسة مكوناته الأساسية وقراءة ملامحه المستقبلية وتحديد الفرق بين شركات تأمين قديمة ذات ملاءة مالية متراكمة وخبرات فنية وبين شركات تـأمين جديدة – استقطبت أكثر الكفاءات والخبرات الفنية لدى الشركات القديمة – تركن على حصيلة محافظها التأمينية وحقوق مساهميها والتزامات عقود إعادة التأمين. وتتطلب الدراسة أيضاً رصد الآثار المحتملة لدخول العراق إلى الاتفاقية العامة لتحرير تجارة الخدمات على قطاع التأمين،لان الانفتاح الذي سيصحب تطبيق الاتفاقية سوف يلحق الضرر الكبير بقطاع التأمين. ومن المعروف ان الأخطار المغطاة بالتأمين لا تشكل إلا جزءا بسيطا من حجم الأعمال الممكن تأمينها ولأسباب عديدة منها الاقتصادية والاجتماعية والدينية والقانونية، إضافة إلى أن بعض شركات التأمين أنشئت في الأساس لتوفير الحماية لإعمال مجموعة شركات أو مصارف أو المساهمين. ولا بد أن نشير إلى عدم توفر الكوادر والإمكانيات الفنية. لذا فان شركات التأمين المحلية ومع استمرار هذا الظرف ستكون تحت هاجس - وأصبحت كذلك فعلا - أمام احتمال دخول شركات أجنبية لمنافستها. لكننا لا نعتقد بان سوق التأمين العراقي سيكون هدفا للشركات العالمية لأسباب كثيرة ومنها: 1- إذا رغبت أية شركة تأمين أجنبية الدخول إلى سوق التامين العراقي لا بد أن تدخل بزخم قوى ورأسمال ضخم في حين أن المتوقع من الأقساط سوف لا تصل إلى الحد المقبول وبالتالي يكون الدخول غير اقتصادي لهذه الشركات الأجنبية. 2- عدم توفر الكادر التأميني المحلى يستدعى من الشركات الأجنبية استقدام موظفيها من الخارج وبمرتبات وامتيازات مغرية مما يجعل الكلف الإدارية مرتفعة جدا وهذا يؤثر سلبا على معدلات الأسعار صعودا مما لا يمكنها التنافس مع الشركات المحلية ذات الكلف الإدارية الأدنى. وخلاصة الموضوع: نرى أن على سوق التأمين العراقي أن يتخذ الخطوات التي تقوى مواجهته للخدمات المطلوبة من المؤمن لهم. على سبيل المثال لا الحصر: - أولا: تكوين مجمعات تأمينية حقيقية واتفاقيات بين شركات التأمين الجديدة والقديمة مما يجعل أسعارها التأمينية لا تهبط عن الخط الأحمر المسموح به لدى أسواق إعادة التأمين العالمية وعن المستوى الفني المطلوب - ثانيا: رفع الوعي التأميني لدى جمهور المؤمن لهم عن طريق حملات التوعية التأمينية من خلال وسائل الإعلام المختلفة وتنظيم حلقات تأمينية وندوات في صفوف الجمهور المؤمن لهم وبشكل خاص المنشآت الاقتصادية والصناعية والتجارية الكبيرة وصولا إلى نشر التوعية التأمينية التي تساعد في تحقيق فهم أفضل للدور الاقتصادي للتأمين. - ثالثا: توسيع علاقات سوق التأمين العراقي مع الأسواق العربية والعالمية واكتساب الخبرة التأمينية والفنية عن طريق تبادل الخبرات والندوات والثقافة التأمينية فيما بينها. رابعا: دراسة مواطن الضعف التي تجابه سوق التأمين ووضع الحلول التي تزيل هذه العقبات سواء إزاء شركات التأمين أو جمهور المؤمن لهم عن طريق تقديم الأغطية التأمينية المناسبة. خامسا: رفع كفاءة الأداء من حيث: 1- تحسين الخدمة المقدمة للزبائن من حيث إصدار الوثائق وسرعة تسوية المطالبات. 2- تطوير الكادر من حيث حسن الاختيار وتكثيف التدريب. 3- استخدام الأساليب العلمية والفنية في تحديد الأسعار بدلا من تحديدها عشوائيا. سادسا: التركيز على التسويق وهو شريان شركات التأمين بشكل عام وتسويق أغطية تأمين جديدة. سابعا: العمل على ترسيخ وتقوية الملاءة المالية للشركات من خلال رفع رأس المال اختياريا، وكذلك تعزيز الاحتياطيات لمواجهة الانحرافات في النتائج والخسائر غير المتوقعة. وباختصار شديد، إن الانفتاح قادم وسيكون البقاء للأفضل والأشطر. منذر عباس الأسود بغداد 1 حزيران 2008 * محامى وخبير تأمين ومسوي خسائر، يعمل مستشاراً لدى شركة الحمــراء للتأمين في بغداد. الآراء الواردة في هذه المقالة تمثل وجهة نظره الشخصية ولا علاقة لها بعمله الاستشاري في هذه الشركة.