مشاكل شركات التأمين الخاصة في العراق
ضياء هاشم
مقدمة
منذ أن قامت الحكومة العراقية بتأميم المصارف وشركات التأمين عام 1964 وحتى بداية العام 2000 كانت أعمال التأمين محصورة في شركات القطاع العام (الحكومي) الثلاث: شركة التأمين الوطنية وشركة التأمين العراقية وشركة إعادة التأمين العراقية. وقد استبشر سوق التأمين العراقي خيراً بإجازة أعمال التأمين للقطاع الخاص حيث تأسست خلال الفترة 2000 ولغاية احتلال بغداد وسقوط النظام السابق في نيسان 2003 أربع شركات خاصة تلتها بعد تلك الفترة تأسيس شركات أخرى خاصة عديدة حيث أصبح عدد الشركات لحد الآن عشرة شركات تامين أهلية (خاصة) واثنان حكومية وواحدة لإعادة التأمين حكومية. ولازال عدد آخر من شركات التأمين الخاصة في طور التأسيس بالإضافة إلى شركة إعادة تأمين خاصة.
إن هذا العدد الكبير لشركات التأمين في سوق يفتقر إلى الثقافة التأمينية الصحيحة لاسيما في الوقت الحاضر بسبب خروج عدد كبير من كوادر التأمين من العراق نتيجة مروره بأحداث جسيمة منذ الحرب العراقية الإيرانية (1980-1988) ولحد الآن بالإضافة إلى استمرار انعدام الأمن والاستقرار خلف معاناة ومشاكل حقيقية لهذا السوق وانعكس ذلك على الشركات الخاصة بشكل كبير. ويمكن إيجاز هذه المشاكل بما يلي:
1. القانون رقم (10) لسنة 2005:
إن قانون تنظيم أعمال التأمين الصادر في العام 2005 قد أثر بشكل كبير على وضعية سوق التأمين العراقي لما احتواه من بنود عديدة مخيبة للآمال بشكل كبير. وقد كتب عنها الكثير ولكن بدون جدوى نظراً لأن غاية هذا القانون معروفة للجميع. لذلك فسوف لن أعيد ما تم ذكره وسأركز فقط على مدى تأثير هذا القانون على شركات القطاع الخاص والتي، وكما سبق ذكره، انها شركات تأسست حديثاً في ظل ظروف معقدة ينبغي إسنادها ودعمها لكي تستطيع مواجهة الظروف الصعبة وتحقيق ما يمكن تحقيقه لإظهار نتائج تقنع المساهمين فيها.
للأسف الشديد ان هذا القانون لم يتطرق إلى أهم مسألة جوهرية وهي وجوب إجراء التأمين لدى الشركات العراقية للأموال الموجودة في العراق أو التي تكون وجهتها النهائية العراق عكس ما نص عليه قانون شركات ووكالات التأمين السابق الذي كان حريصاً جداً على ذلك. وقد أدى هذا الإغفال إلى تسرب عمليات التأمين إلى شركات أجنبية مما أفقد السوق العراقي نشاطاً كبيراً كان يمكن ان تكون للشركات الخاصة النصيب الأكبر منه.
كما أجاز القانون أيضاً لشركات التأمين الأجنبية تأسيس فروع لها في العراق وهو أمر لم يكن موجوداً في السابق بعد تأميم شركات التأمين مما يعني منافسة هذه الفروع للشركات العراقية العاملة في السوق العراقي وابتلاعها لأقساط كبيرة وخاصة تلك التي تأتي عن طريق الشركات الأجنبية المنفذة للمشاريع في العراق أو الموردة للمواد الأولية أو الصناعية إلى الجهات المختلفة في العراق.
2. الوازع النفسي لدى القطاع العام:
على الرغم من ان الوزارات المعنية بالاقتصاد العراقي، وبالأخص وزارة المالية، قد أبلغت جميع دوائر الدولة بعدم اشتراط التأمين لدى شركات التأمين العامة فقط، إضافة إلى ان قانون تنظيم أعمال التأمين الصادر عام 2005 قد نص صراحة في المادة 81 (ثالثاً) على ان يجري التأمين على الأموال العامة والأخطار التي ترغب الوزارات أو دوائر الدولة في التأمين ضدها بالمناقصة العلنية وفقاً لأحكام القانون ولجميع المؤمنين المجازين في العراق حق الاشتراك فيها. إلا ان ما يجري حالياً في السوق هو لجوء دوائر القطاع العام إلى الشركات العامة فقط لإجراء التأمين على موجوداتها بسبب الوازع النفسي لديها بأن شركات تأمين القطاع العام هي شركات قديمة ذات خبرة ممتدة واحتياطيات كبيرة تضمن لها حقوقها أكثر من الشركات الخاصة.
ان هذه الادعاءات وان كانت مخالفة للمنطق والقانون إلا ان ذلك هو ما يجري في السوق العراقي وسببه، على ما أعتقد، انعدام الرقابة على تنفيذ القانون وجهل بعض المسؤولين عند اتخاذ القرار بكون الشركات الخاصة هي جزء من الاقتصاد العراقي وان دعمها ومساندتها يؤدي المساهمة في تحريك عجلة التقدم والتطور في البلد وان هؤلاء المسؤولين قد تولدت لديهم القناعة بالاطمئنان النفسي عند إجراء التأمين لدى شركات القطاع العام.
3. عدم استتباب الأمن:
ان مشكلة عدم استتباب الأمن خلقت للشركات العامة في العراق أرضية غير صالحة للتحرك نحو أمور عديدة منها العمل الإنتاجي للتامين بسبب انسحاب عدد كبير من أصحاب المصانع والمعامل والتجار وغيرهم وإغلاق محالهم والهجرة خارج العراق. وهذا بدوره أدى إلى انحسار في عدد وثائق التأمين الجديدة وعدد التجديد للوثائق القديمة مما أثر سلباً على الموازنات العامة لشركات التأمين العاملة في السوق العراقي إذ أصبحت المصاريف الإدارية تشكل جزءً كبيراً من حجم الإنتاج وخاصة بالنسبة للشركات الخاصة حديثة التكوين. ولولا سعر الفائدة العالي لدى البنوك للودائع الثابتة لما تمكن الكثير من هذه الشركات من مجاراة الوضع الحالي وبالتالي انسحابهم من السوق.
4. قلة خبرة الكوادر الفنية:
لقد مر العراق وكما يعلم الجميع بفترات عصيبة ومتعاقبة أثرت بشكل كبير على قطاع التأمين العراقي فالحرب العراقية الإيرانية أبعدت عدداً كبيراً من الشباب العراقي عن شق طريقهم في الحياة المدنية لالتحاقهم بالجيش لفترات طويلة جداً أدت إلى عدم تواصل الجيل الجديد مع الجيل القديم واكتساب أفراده للخبرة والمعرفة اللازمة بأمور عديدة منها التأمين كانت نتائجها خلق فجوة كبيرة لدى هذا القطاع توسعت بعد الحصار الاقتصادي الذي اضطر بسببه كثير من أصحاب الخبرة في هذا القطاع إلى تركه والبحث عن عمل يديم احتياجاته الاقتصادية. كما أدى الحصار أيضاً إلى إنهاء العلاقة المباشرة بين شركات التأمين العاملة في السوق العراقي والأسواق الدولية وبالتالي فقدان الخبرة والمعرفة الدولية.
هذه الأسباب وغيرها أدت إلى انحسار في الخبرة التأمينية ونقصاً في عدد الكوادر التأمينية لا يمكنها، مع التوسع في تأسيس الشركات الخاصة، رفد هذه الشركات بعناصر تتعامل مع متطلبات التأمين بشكل فني وصحيح. ومع الأسف فان هذا الأمر لم يقف عند حدود الشركات الخاصة للتامين بل تعداه إلى الجهات القائمة على تنفيذ قانون تنظيم أعمال التأمين رقم (10) لسنة 2005 الذي حدد بموجب المادة السادسة وخاصة الفقرة ثانياً منه أهداف ديوان التأمين حيث نصت هذه الفقرة على ان الديوان يهدف إلى رفع أداء المؤمنين وكفاءتهم وإلزامهم بقواعد المهنة. كما أضافت الفقرة ثالثاً من نفس المادة توفير كفاءات بشرية مؤهلة لممارسة أعمال التأمين بما في ذلك تأسيس معهد لهذه الغاية. إلا أننا لم نلمس لحد الآن أية جدية في هذا الموضوع من جانب الديوان. واعتقد ان السبب واضح هو كون الديوان لا يملك الخبرة اللازمة لينقلها إلى موظفي القطاع إضافة إلى عدم وجود من يعتمد عليهم لهذا الغرض للأسباب المبينة في هذه الفقرة.
5. المنافسة غير الفنية:
من الأمور المهمة التي تواجه شركات التأمين الخاصة موضوع المنافسة غير الفنية إذ انه وبسبب قلة خبرة موظفي هذه الشركات واهتمامهم بالجانب الإنتاجي دون الجانب الفني فقد تعودت بعض الشركات الخاصة إلى الاكتتاب بأسعار دون المستوى المطلوب من اجل الحصول على العملية الإنتاجية مما اضطر الشركات العامة إلى مجاراة هذه الشركات من أجل السيطرة على العملية الإنتاجية. وقد أثر ذلك على إنتاج الشركات الخاصة التي تعمل وتهتم بالجانب الفني وخسارتها لأخطار ما كانت لتخسرها لو أن المنافسة كانت على أساس الخدمة الجيدة والخبرة والمعرفة.
لا أريد هنا ان احمل أية جهة مسؤولية ذلك ولكني أرى ان هذه الحالة قد تزول بممارسة ديوان التأمين لصلاحياته الواردة في قانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005 والذي ينص صراحة في المادة (45) أولاً على ما يلي: " يشترط توفر الكفاءة والخبرة في أعمال التأمين في كل من مدير المؤمن ومدير فرعه ومنتسبيه الرئيسيين." وأعطت الفقرة ثالثاً من نفس المادة لرئيس ديوان التأمين الحق في رفض تعيينهم. إضافة إلى انعدام الرقابة التي يشترطها نفس القانون على عمليات الاكتتاب وإعادة التأمين بسبب قلة الكادر الفني لدى الديوان. كما وأضيف أيضاً وجوب قيام شركة إعادة التأمين العراقية بدور المدقق والرقيب للعمليات الاكتتابية المسندة إليها وحث الشركات المسندة على تقويم الجوانب السلبية في عمليات الاكتتاب باعتبارها الجهة التي تقوم بتنظيم وإدارة الاتفاقيات لهذه الشركات.
ويا حبذا لو ان جمعية التأمين قد أخذت دورها في تنظيم بعض الدورات التدريبية للمساهمة في نشر الوعي التأميني إضافة إلى التنسيق بين الشركات الأعضاء وحثها على احترام الأسس الفنية الصحيحة.
6. قانون التأمين الإلزامي:
عند صدور قانون التأمين الإلزامي على السيارات رقم (205) في العام 1964 لم تكن في السوق العراقي سوى شركة واحدة مملوكة للدولة تمارس أعمال التأمين العام هي شركة التأمين الوطنية. لذلك فقد انحصر العمل في تنفيذ هذا القانون بهذه الشركة فقط. واستمرت هذه الشركة في إدارة هذا النوع من التأمين بإصدار وثائق تامين حددت فيها شروط وأحكام تؤكد على وجود علاقة تعاقدية بين شركة التأمين ومالك العجلة وتقوم هي من جانبها بتنفيذ مسؤوليتها العقدية بتسوية جميع المطالبات المقدمة إليها كتعويضات عن الحوادث التي تغطيها وثائق التأمين الصادرة عنها. ولأسباب منها جعل المسؤولية قائمة في جميع الأحوال (تجنباً لحالات تقصير مالك المركبة من إجراء التأمين أو التأخر في إجراءه) وعدالة احتساب قسط التأمين فقد صدر القانون رقم (52) لسنة 1980 والذي ربط قسط التأمين بسعر شراء الوقود. وقد خصص القانون نسبة من سعر الوقود تسدد لشركة التأمين الوطنية مقابل تحملها دفع أي تعويض لأي حادث يحصل لأية سيارة تترتب عليه إصابة شخص ما. وقد اشترط القانون لهذا الغرض ان يتم إبلاغ شركة التأمين بالحادث خلال فترة محددة كما حددت التعديلات الجارية على القانون تشكيل لجان لتقدير مبالغ التعويض المستحقة للمتضرر مؤلفة من قاض يختاره وزير العدل لرئاسة اللجنة وعضوية موظف قانوني من شركة التأمين الوطنية وموظف من المؤسسة العامة للرعاية الاجتماعية.
لم تكن في تلك الفترة ما يعيب صدور مثل هذا النظام وإنما العكس فانه قد حقق جوانب ايجابية عدة إضافة لما تم ذكره أعلاه حيث وفر عدداً لا بأس به من الموظفين تم إضافتهم إلى أقسام تأمينية أخرى. إلا انه وبعد صدور قرار بالسماح لشركات تأمين خاصة لممارسة العمل في السوق أصبح موضوع حصر مردودات هذا التأمين بشركة واحدة أمر غير سليم ويشكل ضرراً كبيراً للشركات الخاصة التي تحتاج إلى أي دعم في هذه المرحلة لتتمكن من الصمود والاستمرار في عملها. لذلك ينبغي معالجة هذا الموضوع من قبل الجهات المعنية وذلك أما بالرجوع إلى النظام السابق - أي إصدار وثائق تامين من قبل الشركات جميعاً وتتولى كل شركة مسؤوليتها عن أي حادث يقع لأية وثيقة تامين تصدر من قبلها وهذا الأمر قد تكون له جوانب سلبية عديدة - أو تشكيل صندوق تودع فيه عوائد التأمين وتسدد منه جميع التعويضات (بمسؤولية تضامنية لجميع شركات التأمين العاملة في السوق) على ان تتولى أحدى الشركات العامة إدارة هذا الصندوق مقابل عمولة إضافية تدفع لها. ويتم تقسيم صافي الأقساط نهاية كل سنة على الشركات بالتساوي أو بحصص متقاربة يتم تحديدها من قبل لجنة مختصة بهذا الأمر.
7. شركات إعادة التأمين:
على الرغم من ان هذا الموضوع كبير جداً ويأخذ أبعاداً واسعة إلا انني سأركز فيه على الجوانب التي تؤثر على الشركات الخاصة. فبالنسبة للجانب المادي فان هذه الشركات تخسر بسبب عدم إبرام اتفاقياتها بشكل مباشر وإنما عن طريق شركة إعادة التأمين العراقية (كمنسق بين وسيط إعادة التأمين والمعيد القائد للاتفاقية والشركات المحلية). فالعمولات الإضافية تذهب إلى كل من الإعادة العراقية، كمدير لعملية إعادة التأمين، ووسيط إعادة التأمين في السوق الدولي الذي يتولى عملية إسناد هذه الاتفاقية إلى معيدي التأمين. وقد يقول البعض ان وسيط إعادة التأمين يستوفي عمولته من معيدي التأمين وهذا صحيح إلى حد ما إلا ان منح المعيدين للعمولات الإضافية سيؤثر بالتأكيد على العمولات الأساسية الممنوحة إلى الشركات المسندة أي أن الشركات المسندة تخسر هذه العمولات بشكل غير مباشر.
- 5-ان شركات التأمين الخاصة شركات مغلوب على أمرها وخاصة خلال مرحلة البداية التي يكون فيها الجانب الإنتاجي منخفض جداً وخاصة في السوق العراقي الذي تأثر كثيراً بالمشاكل التي بيناها في هذه الورقة. وهذا الأمر بالتأكيد يؤدي إلى إحجام معيدي التأمين عن عقد اتفاقيات مع هذه الشركات بشكل مباشر لكون أعمالها هي أعمال غير اقتصادية له. لذلك تكون هذه الشركات مضطرة إلى مجاراة الوضع الحالي. إضافة لذلك فان هذه الشركات لا تخسر فروق العمولات التي تكلمنا عنها وإنما أيضاً الخدمات التي يقدمها المعيد القائد للاتفاقية للشركات المسندة ومنها تدريب كوادرها أو متابعة ما يجري في السوق الدولي من تطور وتعريف الشركات المسندة بها لعدم وجود تماس مباشر مع السوق الدولي.
إضافة لما تقدم فان هذه الشركات ستتأثر سلباً بنتائج السوق حتى وان كانت أعمالها جيدة إذ ان شروط هذه الاتفاقيات ستحدد على ضوء نتائج السوق ككل وبالتالي فان نتائج أي اكتتاب غير سليم من قبل أية شركة مشاركة في الاتفاقية ستنعكس على الجميع.
هذه دراسة بسيطة لبعض المشاكل التي تواجه الشركات الخاصة في العراق وعلى الرغم من وجود قضايا وادوار عديدة أخرى تعيق تقدم العمل لدى هذه الشركات إلا إنني اكتفيت بما ذكرته أعلاه وقد يتيح الوقت لنا في المستقبل الكتابة حول هذه المواضيع وبشكل تفصيلي أكثر.
ضياء هاشم
المدير المفوض لشركة العراق الدولية للتامين
بغداد
15 حزيران 2008