متابعة لخبر توقيع مذكرة تفاهم في مجال التأمين بين العراق وإيران
مصباح كمال
[1] الخلفية
في 5 أيار 2008 نشرنا مقالة بعنوان "ملاحظة نقدية على خبر توقيع مذكرة تفاهم في مجال التأمين بين العراق وإيران" في هذه المدونة (http://misbahkamal.blogspot.com/2008_03_01_archive.html)
وذكرنا أن "تفاصيل مذكرة التفاهم بين شركة التأمين الوطنية والتأمين المركزي الإيراني ليست متوفرة كي نعلق على ما ورد فيها بشأن مجالات التعاون والعمل المشترك بين الشركتين. ونأمل الحصول على نسخة من هذه المذكرة" وقد حصلنا مؤخراً على نسخة من هذه المذكرة ندرج صورة منها كما نقلت إلينا.
هذه المتابعة النقدية للمذكرة تتضمن رصد النواقص الشكلية في صياغتها، وتقييم برنامج العمل موضوع التعاون بين الشركتين، وتقييم عام للدور الذي أنيط لشركة التأمين الوطنية في ولوج مشروع للتعاون التأميني مع شركة إيرانية.
نأمل أن تحضى هذه الورقة بالمناقشة والتعليق النقدي، والتنبيه على أية أخطاء في سرد المعلومات. المناقشة والتعليق مطلوبان إذ أن سوق التأمين العراقي، حسب علمنا، لم يشهد في الماضي برنامجاً للتعاون كهذا الذي بين أيدينا.
[2] في الشكليات
تعاني صياغة هذه الوثيقة ضعفاً يدل على إعدادها وكتابتها على عجل وعدم اكتراث رغم الفترة الطويلة التي قضاها الوفد العراقي في طهران، وهو أمر مؤسف لأن المعروف عن العاملين في التأمين أنهم معنيون بدقة الصياغة اللغوية لما يترتب عليها من التزامات بين طرفي عقد التأمين. فصرف تعويض ما، على سبيل المثال، لن يتم دون الرجوع إلى نص وثيقة (بوليصة) التأمين.
تبين الآن أن الوثيقة لم تكن مذكرة بالمعنى الدقيق لهذه الكلمة، كما كنا نعتقد، بل كانت "محضر اجتماع وتعاون في قطاع التأمين" لكننا لا ندري كيف يستقيم "محضر اجتماع" مع "وتعاون في قطاع التأمين." ومع ذلك سنشير إليها على أنها مذكرة.
لم نفهم لماذا تبدأ المذكرة بالبسملة في أمر تجاري هو اتفاق بين ممثلي شركتين للتأمين. أهو من باب التقليد الشكلي المتوارث أم من باب إضفاء قدسية معينة على المذكرة؟ لا نرى ضرورة في إقحام اسم الله مهما كان السبب، والتخاطب باسمه في شؤون دنيوية لا تستحق الإجلال الديني. الخلط بين الديني والدنيوي ليس في صالح الدين إذ أن الثبات النصي سمته الأساسية والدنيوي متغير وقد يحمل ويفرز عناصر فاسدة تجد حلولها والبت فيها عند القضاء وليس في محكمة الرب.
لنستعرض الآن بعض الجوانب الشكلية للمذكرة. يرد في الفقرة الأولى ذكر "رئيس الشركة العامة للتأمين في الجمهورية الإسلامية الإيرانية" ولا توجد شركة بهذا الاسم في إيران والاسم الصحيح هو شركة التأمين المركزية وهو المقابل العربي للاسم الإيراني: بیمه مرکزي إيران (وتترجم بالإنجليزية إلى Bimeh Markazi أو Central Insurance Company)
تشير المذكرة في الفقرة الأولى إلى "القوانين والتعليمات السارية" دون تحديدها: هل أنها القوانين والتعليمات العراقية أو الإيرانية أو كليهما؟ وهل الإشارة هي لقوانين وتعليمات تأمينية أم غيرها؟
ويرد في نفس الفقرة الاتفاق على "تنظيم وتنفيذ برنامج عمل ... خلال ستة أشهر من تاريخ التوقيع علي [هكذا] هذه الوثيقة." لا يعرف القارئ متى تم التوقيع على هذه الوثيقة كي يتابع تنظيم وتنفيذ برنامج العمل المستهدف خلال هذه الفترة رغم أن نص المحضر يضم بنداً لتاريخ المحضر إلا أنه بقي ناقصاً دون تحديده. لماذا؟ أكان سهواً؟ ولم تجري الإشارة إلى مكان انعقاد الاجتماع بين الطرفين الموقعين على المذكرة. ونعرف من قراءتنا للأخبار أن الاجتماع بين ممثلي الشركتين العراقية والإيرانية قد تم في طهران.
[3] في الموضوع: تقييم برنامج العمل
برنامج العمل، موضوع المحضر، المذكرة، يضم أربع فقرات:
1 توفير غطاء التأمين المناسب لرعايا البلدين، خاصة الزوار منهم.
وهو ما يندرج تحت عنوان السياحة الدينية بين البلدين. وعلى الطرفين إيجاد غطاء التأمين المناسب هذا إذا لم تعتمد كوبونات السفر التقليدية. ونحن بانتظار ما سيسفر عنه التعاون في هذا المجال.
2 افتتاح فروع أو إنشاء شركة مشتركة.
لا نتوقع من شركة التأمين الوطنية فتح فرع لها في طهران مثلاً والتنافس مع شركات التأمين الإيرانية العامة والخاصة فذلك، ضمن المعطيات القائمة، مشروع فاشل. ولا يعرف عن شركة التأمين المركزية، وهي شركة إعادة تأمين وتقوم بوظيفة مراقب التأمين، أن افتتحت لها فروعاً خارج إيران بعكس شركة بيمه إيران (شركة التأمين الإيرانية Iran Insurance Company) التي كانت لها فروع في بعض الدول العربية وحضور كشركة مستقلة في المملكة المتحدة (متوقفة عن العمل في الوقت الحاضر). ولكن ربما تكون هناك دوافع مهمة، سياسية وغيرها، قد تدفع شركة التأمين المركزية فتح فرع لها في العراق ومنافسة شركة إعادة التأمين العراقية. وهو ما يسمح به قانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005 العراقي، وقد يؤدي ذلك إلى زعزعة مكانة الإعادة العراقية.
ويبقى إنشاء شركة مشتركة مشروعاً قائماً قد يتحقق بفضل الإمكانيات المالية الكبيرة لشركة التأمين المركزية وشركة التأمين الوطنية. وفي ظننا أن مثل هذه الشركة ستعمل في حقل التأمين المباشر.
3 تطوير التعاون في مجال إعادة التأمين، وتقديم مساعدات في المجال التقني ومجال التدريب.
التعاون في مجال إعادة التأمين ذو اتجاه واحد نحو إيران إذ أن شركة التأمين الوطنية لا تمتلك الموارد المناسبة (البشرية والفنية والتصنيف المالي الجيد الذي تتطلبها الشركات المسندة) التي تعينها على ممارسة قبول أعمال إعادة التأمين فهي قد توقفت عنها منذ أمد بعيد. التوجه نحو إيران في هذه المرحلة، إن تحقق، قد يلحق ضرراً كبيراً بمكانة شركة إعادة التأمين العراقية في سوق التأمين العراقي. فأقساط شركة التأمين الوطنية تحتل المكانة الرئيسية في أقساط شركة إعادة التأمين العراقية، وهي، الأقساط، العمود الفقري لبرنامج إعادة التأمين الاتفاقي التي تنظمه وتديره الإعادة العراقية لصالح شركات التأمين كافة في العراق منذ 2003. إن تحولت الوطنية نحو إيران فإن ذلك قد يعني انهيار برنامج إعادة التأمين الاتفاقي القائم. لكن المشاهد المتوقعة قد تتخذ أشكالاً أخرى وليس من المناسب الآن عرضها ونحن لا نعرف مدى التقدم في برنامج التعاون بين الوطنية وشركة التأمين المركزية.
وفيما يخص تقديم المساعدات في المجال التقني ومجال التدريب فإنه ذو اتجاه واحد أيضاً وينحصر بما تستطيع شركة التأمين المركزية تقديمه لشركة التأمين الوطنية إذ أن الوطنية فقيرة في كلا المجالين فقد أنهكتها الحروب وسنوات الحصار الدولي وضعف الاقتصاد العراقي.
4 توفير أغطية لتأمين النقل والترانزيت للشاحنات والإرساليات والبضائع التي يتم تبادلها بين البلدين، خاصة تأمين صهاريج نقل الوقود والمواد النفطية.
يبدو أن عبء هذه الفقرة ينصب على النقل البري بين العراق وإيران من خلال تخصيص ذكر تأمين صهاريج نقل المواد النفطية. وهذا يذكرنا بنقل مواد مماثلة من العراق إلى الأردن خلال سنوات العقوبات الأممية على العراق حيث كان المستفيد الوحيد من عمليات النقل هذه شركات التأمين الأردنية. لنرى إن كانت شركة التأمين الوطنية ستستفيد من تأمين عمليات النقل الواردة في برنامج التعاون، وننتظر تأثير هذه الترتيبات على شركات التأمين العراقية الأخرى. لنرى أيضاً هل ستقوم الوزارات العراقية المعنية بنقل النفط، وفي بالنا وزارتي النفط والمالية والمؤسسات التابعة لهما، بحصر تأمينه على شركة التأمين الوطنية وكيف يؤثر ذلك على وضع شركات التأمين العراقية الأخرى، وهل ستتم المبادرة إلى مشاركة جماعية بين هذه الشركات لتوفير الغطاء المناسب؟
[4] في تقييم دور شركة التأمين الوطنية
برنامج التعاون بين الشركتين يجب أن يقرأ ضمن إطار سياسي وليس الإطار الفني التجاري البحت. لا نريد التوسع بهذا الشأن ويكفي أن نقول إن الاتفاق، ظاهرياً، هو اتفاق فني بين شركة تأمين مباشر عراقية وشركة إعادة تأمين إيرانية لكنه جزء من توجه سياسي واقتصادي مشترك، ربما يقوم على توجه مذهبي، يجمع بين أحد أبرز القوى السياسية المشاركة في حكم العراق، معروف بدعم إيران له قبل وبعد إسقاط النظام الدكتاتوري، وحكومة الجمهورية الإسلامية الإيرانية. ويأتي الاتفاق على برنامج التعاون التأميني ضمن مجموعة أخرى من الاتفاقات بين العراق وإيران، تزامنت مع زيارة الرئيس الإيراني إلى العراق، بعضها يصب في خدمة إيران والتخفيف من مصاعب العقوبات الأمريكية والأممية المفروضة عليها وخاصة فيما يخص حركة الأموال بين المصارف الإيرانية والأجنبية، فإيران معنية بإيجاد منافذ مصرفية متساهلة للتعايش مع هذه العقوبات وهو يذكرنا بمحاولات النظام الدكتاتوري إبان الحصار الدولي على العراق.
شركة التأمين الوطنية لا تمتلك الإرادة المستقلة في إدارة شؤونها. هي لا تستطيع إيفاد أحد موظفيها إلى الخارج دون موافقة وزارة المالية فما بالك بالدخول في اتفاق مع شركة أجنبية لم تتعامل معها سابقاً. وشركة التأمين الوطنية شركة عامة مرجعيتها لوزارة المالية ولوزيرها الذي ينتمي لحزب ديني مذهبي. ولكل ذلك تأثيراته التي تتطلب الرصد والتقويم.
ضمن هذا العرض هل تلام شركة التأمين الوطنية على دخولها في اتفاق تعاون مع شركة أجنبية ربما لم يكن وارداً أصلاً في جدول أعمالها ولا ندري إن كان مجلس إدارتها على علم كافٍ ومسبق به. هي لم تبدأ، مثلاً، بترتيب برنامج إعادة تأمين اتفاقي مستقل عن برنامج شركة إعادة التأمين العراقية فإذا بممثليها يوقعون على عجل على اتفاق لم يتدارسوا مقدماته ولم يتفكروا بنتائجه على وضع سوق التأمين العراقي وربما لم يعرض الموضوع على مجلس إدارة الشركة.
تُرى هل تبادلت الوطنية الرأي مع غيرها من الشركات ومع الجمعية العراقية لشركات التأمين وإعادة التأمين العراقية وديوان التأمين العراقي؟ قد لا تكون استشارة الغير، أو قل استمزاج الرأي مطلوباً منها، فهي ظاهرياً شركة مستقلة لها مصالحها الخاصة التي تهتم بها، لكنها، وهي الأقدم بين الشركات والأكثر ثراءً وتأثيراً على السوق كان الأحرى بها أن تتفحص موضوع الدخول في اتفاق مع شركة أجنبية ملياً، لأن بعضاً من آثار الاتفاق يمس مصالح شركات التأمين الأخرى، قبل الإسراع بالتوقيع عليه لخدمة أغراض سياسية ضيقة. لو كانت نية الشركة متجهة نحو خلق فرص للتعاون مع شركات خارج العراق لِمَ لمْ تتجه صوب شركات إعادة التأمين العربية؟ نعرف أن العيب فينا وفيهم ونعرف أن الغزو والاحتلال الأمريكي للعراق قد غلبّ الموقف السياسي على التعامل التجاري الفني بين قطاع التأمين العراقي والعربي وما هو قائم منه هزيل ويجد تبريره في معطيات الواقع الأمني السيئ في العراق.
قد لا يترجم برنامج العمل المتفق عليه بين شركة التأمين الوطنية وشركة التأمين المركزية الإيرانية إلى إجراءات ومؤسسات على أرض الواقع إذ أنه يظل مرهوناً بالتوجيهات السياسية. ونأمل أن لا يمضي وقت طويل على تحرير شركات التأمين العامة من سطوة التدخل والتوجيه، السياسي وغيره، التي مارسها النظام الدكتاتوري البائد وما زال قائماً حتى اليوم.
نحن نتطلع إلى اليوم الذي تدار فيه شركات التأمين العامة بذات النهج التجاري الصرف الذي تنتهجه شركات التأمين في البلاد المتقدمة مما يساهم في إعادة تأهيلها ودفعها لتتبوأ مكانتها بين الشركات العاملة في الأسواق العربية والعالمية. وضمن معطيات الواقع القائم لا نرى ذلك ممكناً والشركات العامة تنوء تحت سطوة التدخل الحكومي وسياساتها العامة غير الواضحة.
مصباح كمال
لندن 2 حزيران 2008
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق