إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

2019/08/20

Interrogating the Role of Central Bank of Iraq & Takaful Insurance Company




مصباح كمال

نشرت هذه الورقة أصلاً في موقع شبكة الاقتصاديين العراقيين:



الإعلان عن شركة التأمين التكافلي

أعلن المكتب الإعلامي للبنك المركزي العراقي بتاريخ 23 حزيران 2019 "عن شروعه بتأسيس شركة التأمين التكافلي الخاصة بالمصارف الاسلامية بالتعاون مع ديوان التأمين وبرأس مال قدره (15) مليار دينار بمشاركة جميع المصارف الاسلامية.

ويؤكد البنك المركزي ان هذه الخطوة ستمهد لانتقاله اخيرة نحو اسواق رأس المال الاسلامية من خلال اصدار قانون صكوك الاستثمار استكمالا لحلقات الاقتصاد الاسلامي في العراق.

يذكر أن هذه الشركة خاضعة لقانون تنظيم أعمال التأمين رقم (10) لعام 2005 وقانون المصارف الاسلامية رقم (43) لسنة 2015."[1]

قبل بضع سنوات كان هناك حديث بين بعض إدارات شركات التأمين حول الاستفادة من تأسيس نوافذ للتأمين الإسلامي فيها، لكن هذا الحديث لم يثمر عن نشر دراسة عن الموضوع، ولا قام ديوان التأمين بالبحث فيه.  ترى هل أن البنك المركزي عرض مشروع الشركة التكافلية للنقاش المفتوح العام، وهل تم الاستئناس برأي أركان التأمين في العراق؟

فيما يلي سأثير بعض التساؤلات والملاحظات وأرجو من العارفين ببواطن الأمور تعديل وتصحيح ما أخطأت فيه من معلومات ومن قراءة للقوانين، والمساهمة في إجلاء خلفيات تأسيس البنك المركزي لشركة تأمين تكافلي.

هل هناك أساس قانوني لقيام البنك المركزي بتأسيس شركة تأمين إسلامية؟

أول ما يلفت النظر في هذا الإعلان هو أن البنك المركزي العراقي أخذ على عاتقه تأسيس شركة التأمين التكافلي.  يعني هذا أن البنك، وليس الرأسماليون الإسلاميين كما جرت العادة في دول أخرى، هو الذي يقوم بتأسيس شركة تأمين تكافلية (أقرأ إسلامية).  لماذا؟

لا يرد في الأمــر رقـم (56)، قـانـون البنـك المـركـزي لسنة 2004 الصـادر عـن سلـطة الائتـلاف المـؤقتـة ذكر للتأمين أو التأمين التكافلي، فما هو الأساس القانوني لقيام البنك بتأسيس شركة للتأمين التكافلي؟

تجيز المادة (4) (مهام البنك)، البند 2، للبنك "أن يتخذ الإجراءات التي يراها ضرورية للقيام بالآتي: (أ) مكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب (ب) وضع القواعد المنظمة لعمل شركات الإقراض وشركات تقديم القروض الصغيرة وأية مؤسسات مالية غير مصرفية لا تخضع للتنظيم بموجب القانون العراقي، والإشراف عليه."

لاحظ أن التأمين ليس مذكوراً في هذه المادة.  أما "أية مؤسسات مالية غير مصرفية لا تخضع للتنظيم بموجب القانون العراقي" ومنها، كما نعتقد، شركات التأمين فإنها تخضع للتنظيم بموجب أحكام الأمر رقم (10)، قانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005، وهي تغطي شركات التأمين التكافلي كما جاء في المادة 104 من هذا الأمر:

المادة-104- يصدر رئيس الديوان أنظمة داخلية لتنظيم مؤسسات التكافل وإعادة التكافل وترتيبات التأمين وإعادة التأمين الاسلاميين.

لذلك لا يمكن التعكز على "أية مؤسسات مالية غير مصرفية ..." لتبرير ولوج البنك المركزي لمجال التأمين، ويظل التساؤل عن الأساس القانوني لقيام البنك المركزي بتأسيس شركة تأمين إسلامية قائماً.

ضوابط التكافل

لماذا لم يصدر رئيس ديوان التأمين ضوابط التكافل وهو الذي قام بإصدار العديد من التعليمات وفق أحكام الأمر رقم 10 قانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005؟  ألا يمتلك رئيس الديوان وطاقمه من الموظفين المؤهلات الكافية لإصدار الأنظمة الخاصة بعمل مؤسسات التكافل وإعادة التكافل؟  ولماذا قام البنك المركزي بأداء هذه الوظيفة التي يجب أن تكون، بقوة القانون، من مسؤولية ديوان التأمين؟

لعل الجواب، أو بعضه، يكمن في خلق جهازين للإشراف على شركات التأمين التكافلي.  لنقرأ ما جاء في المادة 22 في ضوابط التكافل رقم (1) لسنة 2019 الصادرة من البنك المركزي العراقي، دائرة مراقبة الصيرفة، قسم مراقبة المصارف الإسلامية، شعبة التعليمات والضوابط:

المادة (22) البنك وديوان التأمين
للبنك ولديوان التأمين التعاون في مجال إصدار التعليمات والضوابط لتطبيق معايير هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية ومعايير مجلس الخدمات المالية الإسلامية حيث تعتبر هذه المعايير ملزمة لشركات التكافل، ويكون للبنك صلاحية متابعة التزام المصارف الإسلامية وشركات التكافل التابعة لها بالمعايير المذكورة.

فبدلاً من أن يكون ديوان التأمين مسؤولاً عن الإشراف والرقابة على التزام شركات التأمين التكافلي بالمعايير الخاصة بالتكافل تتحول هذه المسؤولية للبنك فله "صلاحية متابعة التزام المصارف الإسلامية وشركات التكافل التابعة لها بالمعايير المذكورة."  ويفهم من هذا أن شركات التأمين التكافلي هي امتداد للمصارف الإسلامية وبالتالي فهي تخضع لرقابة البنك المركزي (الذي لا يقوم نظامه على أساس ديني، حتى الآن).  وهذا رغم الفرق الكبير بين آليات عمل المصارف وشركات التأمين وخاصة في مجال التعامل مع الأخطار التي تواجهها.  ويكفي هنا الإشارة إلى أن القواعد التنظيمية المطبقة عالمياً لا تجيز أن يجمع المنظم regulator بين وظيفة التنظيم والمؤسسة التي يشغلها أو يديرها أو ساهم في تأسيسها لأن في ذلك تضارباً في المصالح conflict of interest.

ونكرر السؤال لماذا أقحم البنك المركزي العراقية نفسه بمجال التأمين؟

ربما يعود السبب في ذهن من كان يقف وراء تأسيس شركة التأمين التكافلي إلى استقلالية البنك المركزي وصعوبة إثارة الشك حول دوافع انشغاله في تأسيس شركة تأمين إسلامية.  لكن هذه الاستقلالية لا تبرر له ولوج مجال التأمين، ولا تحميه من النقد، فالبنك لم يكن وليس معنياً بالتأمين، ومهمته الأساسية تنحصر في إدارة السياسة النقدية كما يرد في قانون تأسيسه.

هل هناك ضرورة لتأسيس شركات تأمين جديدة؟

ليس هناك ضرورة اقتصادية، في الوقت الحاضر، لقيام شركات تأمين تجارية أو تكافلية فسوق التأمين العراقي متخم بعدد كبير من الشركات (أكثر من ثلاثين شركة) تتنافس بشراسة وعلى حساب الأسس الفنية ونوعية الخدمات للاستحواذ على كعكة التأمين الصغيرة في العراق (بضع مئات الألاف من الدولارات).  فكيف تفتق ذهن القائمين على والمستفيدين من شركة التأمين التكاملي لحشر البنك المركزي بهذا النشاط؟

بعض الجواب نجده في الإعلان:

ويؤكد البنك المركزي ان هذه الخطوة ستمهد لانتقاله اخيرة نحو اسواق رأس المال الاسلامية من خلال اصدار قانون صكوك الاستثمار استكمالا لحلقات الاقتصاد الاسلامي في العراق.

إن الضرورة الاقتصادية ليست قائمة، وعرض حماية التأمين حالياً يفيض عن الطلب الفعلي على الحماية.  نحن إذاً إزاء تأسيس اقتصاد إسلامي في العراق، ربما سيشمل في وقت لاحق أسلمة البنك المركزي نفسه والركاز النفطي والغازي، وليس تطوير صناعة التأمين بل إضفاء طابع ديني عليها.  لقد فشلت حكومات ما بعد 2003، وهي حكومات إسلامية إثنية قائمة على المحاصصة والفساد، في حل معضلات الاقتصاد العراقي.  في البدء كان الحل السحري، وما يزال، متمثلاً في الدعوة إلى تقزيم دور الدولة والسير وراء إملاءات المؤسسات المالية الدولية؛ والآن لدينا حل سحري آخر هو الاقتصاد الإسلامي الذي يشكل تدخل البنك المركزي في تأسيس شركة تأمين تكافلي أحد حلقات هذا الاقتصاد – كما جاء في إعلان المكتب الإعلامي للبنك.  ألم يكن أحرى بالبنك المركزي ومستشاروه، وديوان التأمين كذلك، أن يساهم بإعادة النظر بالأمر رقم (10) قانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005 بدلاً من الإسراع لإصدار ضوابط التكافل رقم (1) لتأسيس شركة التأمين التكافلي؟

من يقف وراء تأسيس شركة التكافل؟

من حقنا أن نسأل من يقف وراء تأسيس شركة التكافل الإسلامي، خاصة وأن قواعد مكافحة غسيل الأموال يتطلب معرفة مصادر الأموال.  نقرأ في الإعلان عن مشاركة جميع المصارف الإسلامية في الشركة.  ونفهم من هذا مشاركة هذه المصارف في رأسمال الشركة.  لكن هذا لا يجيب على تساؤلنا المشروع.

لقد وجدت الطبقة السياسية الإسلامية في التكافل فرصة لاستثمار أموالها غير معروفة المصدر (نقرأ عن المليارات التي سرقت من ثروة العراق منذ 2003 أو تكونت من خلال اعمال مشبوهة كتلك التي كان يقوم بها الحاج حمزة الشمري الضليع في العديد من الأنشطة ومنها ما يسمى بالاستثمارات "السياحية"، حسب ما جاء في الأخبار[2]).  هل سيكون التكافل الآلية القانونية المناسبة لإعادة تدوير بعض هذه المليارات (وهو شكل من أشكال غسل الأموال).

التأمين الإسلامي والانعزال

من المآخذ على التأمين التكافلي انعزاله عن التأمين التجاري رغم أن مبدأ الربح ينتظم عملهما، وهما بهذا التوصيف يشتركان في كونهما نشاطاً رأسمالياً، رغم أن التأمين التكافلي يستخدم آليات التأمين التجاري تحت مسميات تبدو في ظاهرها جديدة كتسمية قسط التأمين بالتبرع، والأقساط المكتسبة بالاشتراكات المكتسبة.

إن فكرة عزل ما هو إسلامي من الاقتصاد والمجتمع هو من الإرث الفكري للباكستاني أبو الأعلى المودودي وتابعيه في العالم العربي (من أشهرهم سيد قطب مؤلف كتاب جاهلية القرن العشرين)، وقد تجلّى ذلك بتأسيس أول شركة تأمين إسلامية في السودان بتمويل سعودي سنة 1979، وكانت الشركة واضحة في توجهها الإيديولوجي بالتأكيد على أن تأسيس الشركة هو جزء من مشروع أسلمة المجتمع.  ويجد هذا العزل انعكاسه في المادة 20 من ضوابط التكافل رقم (1) لسنة 2019:

المادة (20) إعادة التكافل
يتعين على الشركة أن تجري أعمال إعادة التأمين لدى شركات إعادة التكافل وفي حال تعذر وجودها يتم اللجوء إلى أسلوب الشراكة بالمخاطر وذلك باشتراك شركات تكافل أخرى في التأمين على المخاطر التي تفوق القدرة الاستيعابية للشركة وفي حال تعذر ذلك يتم اللجوء إلى إعادة التأمين لدى شركات إعادة التامين التجاري وبموافقة هيئة الرقابة الشرعية.

وهكذا فإن إعادة التكافل هنا يظل محصوراً مع شركات إعادة التكافل، وفي غياب مثل هذه الشركة يجري تغطية الأخطار التي تكتتب بها شركة التكافل من خلال الشراكة co-insurance وبعدها فقط يتم اللجوء إلى إعادة التأمين التجاري، وهو ما يتساوق مع قاعدة الضرورات تبيح المحظورات.

بسبب هذه المادة سوف لن تستطيع شركة التكافل اللجوء إلى شركة إعادة التأمين العراقية.  أغلب الظن أن شركة التأمين التكافلي ستلجأ إلى إيران حيث أن جميع شركات التأمين وإعادة التأمين فيها قائمة، نظرياً، على أسس إسلامية؛ أو إلى شركات تكافلية في الخليج أو ماليزيا.

رجوعاً إلى فكرة الانعزال فإنه مطلب مهم للإسلاميين للتمهيد للتحول نحو الاقتصاد الإسلامي.  وبالنسبة للنشاط التأميني في العراق فإن إسلامية التأمين قد تتحول إلى وسيلة للترغيب بهذا التأمين وفي ذات الوقت وسيلة للترهيب من التأمين غير الإسلامي.  وإن تحقق ذلك فإنه يضيف شرخاً جديداً للتنافر في العراق.

ملاحظة حول ترخيص شركات التكافل والرقابة عليها

لكي تستطيع مزاولة أعمال التأمين يتعين على مؤسسي شركة التكافل الحصول على ترخيص من ديوان التأمين (المادة 2 من ضوابط التكافل) مع اشتراط مراعاة الشركة "في عقد تأسيسها ونظامها الأساسي الأحكام الواردة في هذه الضوابط ومتطلبات وصف المهن لأعضاء هيئة الرقابة الشرعية الخاصة بالشركة."  لكن الشركة لا تخضع لإشراف الديوان حصراً ذلك لأن ضوابط التكافل تؤسس لنمطين للوظيفة الإشرافية والرقابية على النشاط التأميني: أحدهما لشركات التأمين غير الإسلامية (التي تخضع لإشراف لديوان التأمين)؛ والآخر لشركات التأمين الإسلامية (التي تخضع لإشراف مزدوج من الديوان والبنك المركزي باعتباره المشرف والرقيب على المصارف الإسلامية المشاركة في شركة التأمين التكافلي)[3].

هل كان البنك المركزي مهتماً بقطاع لتأمين؟

لم يعرف عن البنك المركزي العراقي اهتمامه بقطاع التأمين، وما رصدناه أحياناً من تصريحات منقولة عن محافظ البنك المركزي وكالة وجدناها لا ترقى إلى مستوى رفيع من الدراية بالنشاط التأميني وتاريخه في العراق.[4]  وهو لم يكن معنياً بخلق سوق وطني اتحادي للتأمين، ولم يقم بدراسة نقدية لقانون تنظيم أعمال التأمين رقم (10) لسنة 2005 بهدف تحسينه وتخليصه من المثالب.  والمستغرب أن ضوابط التكافل رقم (1) لسنة 2009 التي قام بإصداره تشير في التعريفات إلى هذا القانون الذي أضرَّ بقطاع التأمين العراقي، كم أجمع عليه العديد من ممارسي التأمين في العراق.

اعتماداً على ما جاء في هذا العرض أتمنى أن يقدم ديوان التأمين، وكذلك جمعية التأمين العراقية، موقفهما تجاه lوضوع تأسيس البنك المركزي لشركة التأمين التكافلي.  كما أتمنى أن أقرأ رأي العاملين والعاملات في شركات التأمين العراقية، العامة والخاصة، ذلك لأن آثار تأسيس هذه الشركة ستمتد لتشمل مكانة وعمل الشركات غير الإسلامية.


14 آب 2019


[1] لقراءة النص الكامل لهذا الإعلان راجع: https://cbi.iq/news/print_news/1160
أشكر الزميل د. عامر هرمز على إرسال رابط هذا الإعلان وكذلك رابط ضوابط التكافل رقم (1) لسنة 2019.

[3] ضوابط التكافل رقم (1) لسنة 2019، المادة (22) البنك وديوان التأمين:
للبنك ولديوان التأمين التعاون في مجال إصدار التعليمات والضوابط لتطبيق معايير هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية ومعايير مجلس الخدمات المالية الإسلامية حيث تعتبر هذه المعايير ملزمة لشركات التكافل، ويكون للبنك صلاحية متابعة التزام المصارف الإسلامية وشركات التكافل التابعة لها بالمعايير المذكورة.

(المادة) 24 متطلبات إضافية "فيما لم يرد بشأنه نص في هذه الضوابط تخضع شركات التكافل إلى قانون تنظيم أعمال التامين رقم (10) لسنة 2005 وقانون المصارف الإسلامية رقم (43) لسنة 2015 والتعليمات والضوابط الصادرة بموجبه وكذلك القوانين والمعايير الدولية ذات الصلة مالم تخالف مبادئ وأحكام الشريعة الإسلامية."
[4] راجع: مصباح كمال، "محافظ البنك المركزي العراقي وقطاع التأمين،" موقع شبكة الاقتصاديين العراقيين:


2019/08/14

Comment on the Economic Conference of the Association of Iraqi Academics-United Kingdom


تقرير عن مؤتمر "الاقتصاد العراقي الى أين؟" – محاضرة التأمين


الملخصات


تقرير عن مؤتمر "الاقتصاد العراقي الى أين؟" – محاضرة التأمين

حسناً فعلت رابطة الأكاديميين العراقيين في المملكة المتحدة بإدراج موضوع التأمين في مؤتمرها الاقتصادي (لندن، 27 تموز 2019) إذ أنه موضوع لا يجد له حضوراً في المؤتمرات الاقتصادية.

لقد غطى التقرير المنشور في موقع شبكة الاقتصاديين العراقيين معظم ما قدمته في محاضرتي، وقد كانت محاضرة مقيدة بضيق الوقت لم يسمح لي بالتوسع في العرض وبيان الحجة.

أود في هذا التعليق توضيح وتصحيح بعض النقاط التي وردت في التقرير والتوسع فيها اتماماً للفائدة.  (يمكن للقارء المهتم أن يرجع إلى تلخيص لمحاضرتي في تعليقي المنشور في موقع الشبكة باستخدام هذا الرابط:


1-  تأسيس شركات تأمين خاصة

ذكرتُ أن أول شركة تأمين عراقية خاصة هي شركة الرافدين للتأمين (تأسست سنة 1946) برأسمال أجنبي 60% وعراقي 40%.  وقد قيل عن هذه الشركة بأنها أشبه ما تكون بوكالة للتأمين.  (كتب التأمين العراقية لا تذكر أصحاب رأسمال الشركة، والمدراء الذين قاموا بإدارتها لحين تأميمها سنة 1964).

لم تتأسس شركات تأمين خاصة أخرى إلا في أواخر خمسينيات القرن الماضي.  ومنها شركة بغداد للتأمين، أسستها عائلة الخضيري، في بغداد سنة 1958، وهي ثاني شركة تأمين خاصة بعد الرافدين للتأمين.  كان مديرها العام الذي ساهم في تأسيس الشركة هو جون نودي John Naudi، وصار عطا عبد الوهاب معاوناً للمدير العام.[1]  وتبعتها شركة التأمين العراقية سنة 1959، شركة التأمين التجاري، شركة الاعتماد للتأمين، شركة الرشيد للتأمين، شركة دجلة للتأمين.  وقد أممت هذه الشركات في تموز 1964.

2-  قوانين تنظيم أعمال التأمين قبل الاحتلال الأمريكي

ينظر البعض إلى قانون شركات الضمان (السيكورتاه) العثماني لسنة 1905 كأول محاولة لتنظيم النشاط التأميني، ولكنه ليس كذلك، فهو قانون للتأمين مقتبس من القانون البلجيكي للتأمين لسنة 1974.[2]  ومع ذلك يمكن النظر إلى بعض أحكامه كمحاولة بدائية للتنظيم (المادة 2، تنظيم عملية إصدار وثائق التأمين).[3]

إن أول قانون يمثل محاولة جادة للإشراف والرقابة على شركات التأمين هو قانون شركات التأمين رقم 74 لسنة 1936.[4]  وكانت المحاولة الثانية المهمة هو صدور قانون شركات ووكلاء التأمين رقم 49 لسنة 1960 الذي أرسى بعض الأحكام لتأسيس قطاع تأمين عراقي وطني، فقد جاء في الأسباب الموجبة:

"إن هذا القانون يستهدف تشجيع استثمار رأس المال الوطني في حقل التأمين والسعي تدريجياً لإحلاله محل رأس المال الأجنبي على أن يلاحظ خلال ذلك كفاءة خدمات التأمين المتوفرة في البلاد بالنسبة لحاجة السوق اليها وفي هذا الهدف تتصل لائحة شركات التأمين الجديدة مع قانون تأسيس شركة إعادة التأمين رقم 21 لسنة 1960 ويعتبر القانونان متكاملين في السعي لتعريف ميدان التأمين وفتحه أمام رأس المال الوطني.

إن اللائحة الجديدة قد نصّت على حصر أعمال التأمين بالشركات المساهمة التي لا يقل رأسمالها عن مئة ألف دينار إن كانت عراقية ومائة وخمسين ألف دينار إذا كانت أجنبية واشترطت أن يكون 60% من رأس مال شركات التأمين المؤسسة في العراق عراقياً دائماً كما زيدت وديعة التأمين التي تودعها هذه الشركات وأجيز بموافقة وزير التجارة استثمار هذه المبالغ في الأسهم والسندات العراقية الصناعية وغيرها وحصرت وكالات التأمين بالعراقيين الأفراد وبالشركات العراقية التي لا تقلّ نسبة ما يمتلكه العراقيين من أسهمها عن ستين بالمائة من رأس المال.....

كمــا نظم القانون موضوع الاحتياطي اللازم بقاءه في العراق بالنسبة لأنواع التأمين المختلفة وأجاز لوزير التجارة إلزام المؤمنين باستثمار نسبة معينة من هذا الاحتياطي في أسهم وسندات الشركات العراقية.

واشـترط أن يكون التأمين عن الحريق على عقارات وأموال موجودة داخل العراق في العراق بعد أن كان هذا النوع من التأمين يجري في الخارج مع أنه يمثل نسبة كبيرة متسعة باطراد من قيم التأمين."

ورغم أن الإشارة في الفقرة الأخيرة من الأسباب الموجبة تقتصر على التأمين من الحريق حصراً داخل العراق إلا أن المادة 57 من القانون جاءت مطلقة ولم تحدد التأمين داخل العراق بخطر الحريق إذ نصت على الآتي:

"مادة 57
لا يجوز لأي شخص أن يؤمن خارج العراق مباشرة على أشخاص أو عقارات أو أموال موجودة في العراق."[5]

وسيأتي تأكيد مبدأ التأمين داخل العراق في قرار مجلس قيادة الثورة بتاريخ 3 كانون الأول 1998 الذي نصَّ في مادته الثانية:

لا يجوز التأمين خارج العراق مباشرة على أشخاص أو أموال موجودة في العراق أو مسؤوليات تتحقق فيه.

وهذا القرار ما يزال نافذاً إذ أنه لم يخضع للإلغاء.

3-  قانون تنظيم أعمال التأمين بعد الاحتلال الأمريكي

جاء الأمر رقم 10، قانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005، الذي قامت سلطة الاحتلال الأمريكي بصياغته خلافاً لاتفاقية جنيف الرابعة لسنة 1949 بعدم المساس بالقوانين والتشريعات القائمة ما لم تشكل تهديداً لأمن المُحتل، لينسف مبدأ توطين التأمين، وليفتح الباب دون قيود للتأمين خارج العراق (المادة 81).

إن قرار مجلس قيادة الثورة ما يزال نافذاً لأن الأمر رقم 10 لم ينص على إلغاء قوانين التأمين السابقة، ولم يذكر أن أي تعارض بين الأمر رقم 10 وهذه القوانين يكون محكوماً بأحكام الأمر رقم 10.  وقد انكشف سوء صياغة الأمر رقم 10 أيضاً في تعارض المادة 81 منه مع قانون تأسيس شركة التأمين الوطنية رقم 56 لسنة 1950 الذي نصَّ في المادة 7 على أنه:

"على دوائر الحكومة والمؤسسات الرسمية وشبه الرسمية ان تعهد حصرا الى الشركة بمعاملات التامين التي تجريها."

جاء في التقرير المنشور في موقع الشبكة أن قانون سنة 2005 "مقتبس من القانون الاردني لسنة 1990"، والصحيح هو قانون التأمين الأردني رقم 33 لسنة 1999، قانون تنظيم أعمال التأمين.

وهكذا فقد أسس قانون المحتل الأرضية للتنازع بين القوانين، مثلما قام بإلغاء شرط التأمين داخل العراق بالنص على حرية طالب التأمين لشراء التأمين من أي كان دون الإشارة إلى موطن شركة التأمين:

"المادة-81-    أولاً- لأي شخص طبيعي أو معنوي عام أو خاص الحق في الاختيار بشراء منتجات التأمين أو خدماته من أي مؤمن أو معيد تأمين ما لم ينص القانون على خلاف ذلك.

ثانياً- لا يجوز اجبار شخص طبيعي أو معنوي عام أو خاص على شراء منتجات خدمات التأمين من مؤمن أو معيد تأمين أو وكيل أو وسيط أو مقدم خدمات تأمين محدد، ما لم ينص القانون على خلاف ذلك."

لقد كشف المحتل ومستشاروه عن صلافة في تجاوز قوانين التأمين العراقية وجهل مطلق بها، وعن السرقة الفكرية لقوانين الغير من خارج العراق، وأقحم صورة متطرفة لليبرالية الجديدة في الأمر رقم 10 لتوفير أرضية قانونية لتسريب أقساط التأمين إلى خارج العراق (نموذج للغطرسة الإمبريالية).  وهو ما ساهم في ركود سوق التأمين العراقي.[6]

4-  الطلب على التأمين

إن مصادر الطلب على حماية التأمين بأشكالها المختلفة عديدة، ولست هنا بوارد بحث هذا الموضوع واكتفي بإشارات سريعة.  أحد المصادر هو الأفراد، فيما يخص الطلب على التأمينات الشخصية، لكن هذا المصدر لم يشهد نمواً كبيراً رغم أن تقدير عدد سكان العراق يقترب من 40 مليون نسمة.  ويعزى بطء تطور هذه التأمينات إلى واقع النسبة العالية للسكان الذي يعيشون تحت خط الفقر (35% وربما أكثر)، وعدم كفاية الدخل لدى فئات أخرى للإنفاق على وثائق التأمين على الدور السكنية او التأمين على الحياة.  وهكذا فإن النمو السكاني لم يترجم نفسه إلى زيادة في طلب الحماية التأمينية.

المصدر الآخر هو طلب الشركات التجارية والصناعية والمزارعين وغيرهم.  وهذا المصدر لم يشهد نمواً حقيقياً أيضاً فحتى الشركات الحكومية ليست كلها مؤمن عليها وقل مثل ذلك على تأمين المحاصيل الزراعية والمواشي وحقول الدواجن.

ويعكس هذا الواقع لكلا المصدرين ضعف ثقافة التأمين، وأهمية التدبر للمستقبل.

جولات عقود التراخيص النفطية، مصدر مهم لأقساط التأمين إذ أن قيم أعمالها تقدر بمليارات الدولارات، إلا أن شركات النفط العالمية ساهمت في تصدير أقساط التأمين خارج العراق باشتراطها على شركات التأمين العراقية، التي تكتتب بالأعمال الإنشائية وغيرها المرتبطة بالتراخيص، الاحتفاظ بنسبة متدنية جداً من الأخطار لحسابها الخاص.  هذه المليارات لم تترجم إلى زيادة في أقساط التأمين التي تكتتب بها شركات التأمين العراقية.

وقد ذكرت في محاضرتي أن بلداً صغيراً مثل البحرين حقق أقساطاً مكتتبة سنة 2018 بلغت 724 مليون دولار وهو أكثر مما اكتتبت به شركات التأمين العراقية.

5-  مشروع الاحتلال الأمريكي لإعادة هيكلة قطاع التأمين

نقل التقرير عنّي بأنني تحدثت عن استقدام قوات الاحتلال (سلطة الائتلاف المؤقتة بإدارة "المستبد بأمره" بول بريمر) لخبراء من بريطانيا وأمريكا لإعادة هيكلة التأمين العراقي والاقتصاد العراقي على أسس الخصخصة.

نظراً لضيق الوقت المتوفر لي لم أستطع تقديم التفاصيل المناسبة.[7]  باختصار، استعانت سلطة الائتلاف المؤقتة بخبير بريطاني Clive Weatherly لإعادة هيكلة شركات التأمين العامة (شركة التأمين الوطنية، شركة التأمين العراقية، شركة إعادة التأمين العراقية) بإلغاء الإعادة العراقية وتحويل شركتي التأمين إلى أربع شركات متخصصة وخلال فترة قصيرة جرياً وراء العلاج بالصدمة.  لكن هذا المشروع لم ينفذ.

ثم استقدمت السلطة خبيراً بريطانياً لأغراض التدريب Michael Carr، وكان مقره في وزارة المالية.

واستعانت بذات الوقت بمفوض التأمين في ولاية أركنساس Mike Pekins لصياغة قانون جديد للتأمين، وهو ما أشرت إليه في تعليق آخر في موقع شبكة الاقتصاديين العراقيين.

إن قطاع التأمين العراقي في ظل الاحتلال الأمريكي وبعده لم يتقدم إلا شكلياً.  سيمضي وقت، نتمنى ألّا يطول، كي يحقق القطاع نقلة نوعية في كوادره وحسن صياغة قوانينه وزيادة أقساط التأمين ويساهم حقاً في التنمية الاقتصادية.

مصباح كمال
12 آب 2019

بعد ذلك جاء دور الأستاذ مصباح كمال ليقدم بحثه عن :" واقع التأمين في العراق" استعرض بدايات التأمين العراق وذكر انه بدأ أجنبيا وشهد عام 1946 تأسيس شركة الرافدين للتأمين وبرأسمال 60 % منه كان اجنبيا و 40 %فرديا اما في 1950 يعتبر عاما فاصلا في تاريخ التأمين حيث أسست شركة التأمين الوطنية والتي مازالت تعمل حتى اليوم فكان رأسمالها مكون من 50 % من خزينة الدولة والباقي من المصارف التالية:

العقاري ، الصناعي، الزراعي، الرافدين.

كما تأسست شركات تأمين خاصة برساميل عراقية وفي عام 1964 جرى تأميم كامل قطاع التأميم الذي كان يتكون من 14 شركة .. ثم جرى دمج تلك الشركات لتصبح اربع..ثم أعيدت هيكلة القطاع لاحقا. الجهاز الرقابي في هذه المرحلة كان )المؤسسة العامة للتأمين ( التي ألغيت في 1988 وانيطت مهام الرقابة بوزارة المالية .

ثم تحدث الاستاذ مصباح عن القوانين الأساسية التي تنظم النشاط التأميني وذكر بأن اول قانون كان يسمى شركات الضمان العثماني 1905 .ثم وضع اول قانون للنشاط التأميني في العراق عام 1936 .وفي عام 1960 جرى اصدار قانون شركات ووكالات التأمين . هذان القانونان كانا محاولة عراقية لتنظيم نشاط قطاع التأمين بالعراق .

وفي عام 1998 صدر قرار يقول

" لايجوز التأمين خارج العراق مباشرة على أشخاص أو أموال أو مسؤوليات تتحقق فيه ".

بعد عام 2003 اصدرت سلطة الأحتلال )بريمر( القرار رقم 10 وهو قانون تنظيم اعمال التأمين لسنة 2005 والذي لم يتطرق الى عدم امكانية التأمين خارج العراق وهذا أجاز تسريب اقساط التأمين الى الخارج، واشار الى انه مقتبس من القانون الاردني لسنة 1990 .

وذكر البحث ان هناك حاليا في العراق 30 شركة تأمين بعضها )دكاكين( تأمين اضافة الى ثلاث شركات حكومية في الوقت الذي لا يوجد طلب فعلي على التأمين في العراق..في حين عدد سكان العراق يقترب من ال 40 مليونا .

وتحدث عما قامت به قوات الاحتلال من استقدام لخبراء من بريطانيا وامريكا لأعادة هيكلة التأمين العراقي والاقتصاد العراقي على أسس الخصخصة .لكن شيئا من هذا لم يحصل حتى الآن .

أما بشأن صناعة التأمين النفطي سابقا الشركات كانت مؤمنة لدى شركة التأمين الوطنية والان معظم هذه المؤسسات غير مؤمن عليها وذكر اسماء بعضها كالمصافي .في حين ان جولات التراخيص النفطية تبلغ قيمتها مليارات الدولارات وهي بحاجة الى التأمين في مرحلتي الاستخراج والإنتاج والى حزمة من وثائق التأمين .وعلى الرغم ان العقود تؤكد ضرورة اجراء التأميم عند الشركة العراقية .


[1] مصباح كمال، أوراق في تاريخ التأمين في العراق: نظرات انتقائية (بغداد: منشورات شركة التأمين الوطنية، 2011)، ص 110-111.
[2] بديع أحمد السيفي، الوسيع في التأمين وإعادة التأمين: علماً وقانوناً وعملاً (بغداد: د. ن.)، ج1، ص 243-244.
[3] مصباح كمال، مصدر سابق، ص 59.
[4] مصباح كمال، المصدر نفسه، ص 45-77.
[5] راجع نص القانون باستخدام هذا الرابط: http://wiki.dorar-aliraq.net/iraqilaws/law/48.html

[6] مصباح كمال، قانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005: تقييم ودراسات نقدية (بغداد: منشورات شركة التأمين الوطنية، 2014).
[7] للتعرف على التفاصيل يمكن مراجعة كتابي قانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005: تقييم ودراسات نقدية، فصل "نقد مشروع إعادة هيكلة سوق التأمين العراقي،" ص 33-49؛ وفصل "قانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005: مراجعة للخلفية وبعض الآثار الاقتصادية،" ص 77-105.