إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

2019/08/20

Interrogating the Role of Central Bank of Iraq & Takaful Insurance Company




مصباح كمال

نشرت هذه الورقة أصلاً في موقع شبكة الاقتصاديين العراقيين:



الإعلان عن شركة التأمين التكافلي

أعلن المكتب الإعلامي للبنك المركزي العراقي بتاريخ 23 حزيران 2019 "عن شروعه بتأسيس شركة التأمين التكافلي الخاصة بالمصارف الاسلامية بالتعاون مع ديوان التأمين وبرأس مال قدره (15) مليار دينار بمشاركة جميع المصارف الاسلامية.

ويؤكد البنك المركزي ان هذه الخطوة ستمهد لانتقاله اخيرة نحو اسواق رأس المال الاسلامية من خلال اصدار قانون صكوك الاستثمار استكمالا لحلقات الاقتصاد الاسلامي في العراق.

يذكر أن هذه الشركة خاضعة لقانون تنظيم أعمال التأمين رقم (10) لعام 2005 وقانون المصارف الاسلامية رقم (43) لسنة 2015."[1]

قبل بضع سنوات كان هناك حديث بين بعض إدارات شركات التأمين حول الاستفادة من تأسيس نوافذ للتأمين الإسلامي فيها، لكن هذا الحديث لم يثمر عن نشر دراسة عن الموضوع، ولا قام ديوان التأمين بالبحث فيه.  ترى هل أن البنك المركزي عرض مشروع الشركة التكافلية للنقاش المفتوح العام، وهل تم الاستئناس برأي أركان التأمين في العراق؟

فيما يلي سأثير بعض التساؤلات والملاحظات وأرجو من العارفين ببواطن الأمور تعديل وتصحيح ما أخطأت فيه من معلومات ومن قراءة للقوانين، والمساهمة في إجلاء خلفيات تأسيس البنك المركزي لشركة تأمين تكافلي.

هل هناك أساس قانوني لقيام البنك المركزي بتأسيس شركة تأمين إسلامية؟

أول ما يلفت النظر في هذا الإعلان هو أن البنك المركزي العراقي أخذ على عاتقه تأسيس شركة التأمين التكافلي.  يعني هذا أن البنك، وليس الرأسماليون الإسلاميين كما جرت العادة في دول أخرى، هو الذي يقوم بتأسيس شركة تأمين تكافلية (أقرأ إسلامية).  لماذا؟

لا يرد في الأمــر رقـم (56)، قـانـون البنـك المـركـزي لسنة 2004 الصـادر عـن سلـطة الائتـلاف المـؤقتـة ذكر للتأمين أو التأمين التكافلي، فما هو الأساس القانوني لقيام البنك بتأسيس شركة للتأمين التكافلي؟

تجيز المادة (4) (مهام البنك)، البند 2، للبنك "أن يتخذ الإجراءات التي يراها ضرورية للقيام بالآتي: (أ) مكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب (ب) وضع القواعد المنظمة لعمل شركات الإقراض وشركات تقديم القروض الصغيرة وأية مؤسسات مالية غير مصرفية لا تخضع للتنظيم بموجب القانون العراقي، والإشراف عليه."

لاحظ أن التأمين ليس مذكوراً في هذه المادة.  أما "أية مؤسسات مالية غير مصرفية لا تخضع للتنظيم بموجب القانون العراقي" ومنها، كما نعتقد، شركات التأمين فإنها تخضع للتنظيم بموجب أحكام الأمر رقم (10)، قانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005، وهي تغطي شركات التأمين التكافلي كما جاء في المادة 104 من هذا الأمر:

المادة-104- يصدر رئيس الديوان أنظمة داخلية لتنظيم مؤسسات التكافل وإعادة التكافل وترتيبات التأمين وإعادة التأمين الاسلاميين.

لذلك لا يمكن التعكز على "أية مؤسسات مالية غير مصرفية ..." لتبرير ولوج البنك المركزي لمجال التأمين، ويظل التساؤل عن الأساس القانوني لقيام البنك المركزي بتأسيس شركة تأمين إسلامية قائماً.

ضوابط التكافل

لماذا لم يصدر رئيس ديوان التأمين ضوابط التكافل وهو الذي قام بإصدار العديد من التعليمات وفق أحكام الأمر رقم 10 قانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005؟  ألا يمتلك رئيس الديوان وطاقمه من الموظفين المؤهلات الكافية لإصدار الأنظمة الخاصة بعمل مؤسسات التكافل وإعادة التكافل؟  ولماذا قام البنك المركزي بأداء هذه الوظيفة التي يجب أن تكون، بقوة القانون، من مسؤولية ديوان التأمين؟

لعل الجواب، أو بعضه، يكمن في خلق جهازين للإشراف على شركات التأمين التكافلي.  لنقرأ ما جاء في المادة 22 في ضوابط التكافل رقم (1) لسنة 2019 الصادرة من البنك المركزي العراقي، دائرة مراقبة الصيرفة، قسم مراقبة المصارف الإسلامية، شعبة التعليمات والضوابط:

المادة (22) البنك وديوان التأمين
للبنك ولديوان التأمين التعاون في مجال إصدار التعليمات والضوابط لتطبيق معايير هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية ومعايير مجلس الخدمات المالية الإسلامية حيث تعتبر هذه المعايير ملزمة لشركات التكافل، ويكون للبنك صلاحية متابعة التزام المصارف الإسلامية وشركات التكافل التابعة لها بالمعايير المذكورة.

فبدلاً من أن يكون ديوان التأمين مسؤولاً عن الإشراف والرقابة على التزام شركات التأمين التكافلي بالمعايير الخاصة بالتكافل تتحول هذه المسؤولية للبنك فله "صلاحية متابعة التزام المصارف الإسلامية وشركات التكافل التابعة لها بالمعايير المذكورة."  ويفهم من هذا أن شركات التأمين التكافلي هي امتداد للمصارف الإسلامية وبالتالي فهي تخضع لرقابة البنك المركزي (الذي لا يقوم نظامه على أساس ديني، حتى الآن).  وهذا رغم الفرق الكبير بين آليات عمل المصارف وشركات التأمين وخاصة في مجال التعامل مع الأخطار التي تواجهها.  ويكفي هنا الإشارة إلى أن القواعد التنظيمية المطبقة عالمياً لا تجيز أن يجمع المنظم regulator بين وظيفة التنظيم والمؤسسة التي يشغلها أو يديرها أو ساهم في تأسيسها لأن في ذلك تضارباً في المصالح conflict of interest.

ونكرر السؤال لماذا أقحم البنك المركزي العراقية نفسه بمجال التأمين؟

ربما يعود السبب في ذهن من كان يقف وراء تأسيس شركة التأمين التكافلي إلى استقلالية البنك المركزي وصعوبة إثارة الشك حول دوافع انشغاله في تأسيس شركة تأمين إسلامية.  لكن هذه الاستقلالية لا تبرر له ولوج مجال التأمين، ولا تحميه من النقد، فالبنك لم يكن وليس معنياً بالتأمين، ومهمته الأساسية تنحصر في إدارة السياسة النقدية كما يرد في قانون تأسيسه.

هل هناك ضرورة لتأسيس شركات تأمين جديدة؟

ليس هناك ضرورة اقتصادية، في الوقت الحاضر، لقيام شركات تأمين تجارية أو تكافلية فسوق التأمين العراقي متخم بعدد كبير من الشركات (أكثر من ثلاثين شركة) تتنافس بشراسة وعلى حساب الأسس الفنية ونوعية الخدمات للاستحواذ على كعكة التأمين الصغيرة في العراق (بضع مئات الألاف من الدولارات).  فكيف تفتق ذهن القائمين على والمستفيدين من شركة التأمين التكاملي لحشر البنك المركزي بهذا النشاط؟

بعض الجواب نجده في الإعلان:

ويؤكد البنك المركزي ان هذه الخطوة ستمهد لانتقاله اخيرة نحو اسواق رأس المال الاسلامية من خلال اصدار قانون صكوك الاستثمار استكمالا لحلقات الاقتصاد الاسلامي في العراق.

إن الضرورة الاقتصادية ليست قائمة، وعرض حماية التأمين حالياً يفيض عن الطلب الفعلي على الحماية.  نحن إذاً إزاء تأسيس اقتصاد إسلامي في العراق، ربما سيشمل في وقت لاحق أسلمة البنك المركزي نفسه والركاز النفطي والغازي، وليس تطوير صناعة التأمين بل إضفاء طابع ديني عليها.  لقد فشلت حكومات ما بعد 2003، وهي حكومات إسلامية إثنية قائمة على المحاصصة والفساد، في حل معضلات الاقتصاد العراقي.  في البدء كان الحل السحري، وما يزال، متمثلاً في الدعوة إلى تقزيم دور الدولة والسير وراء إملاءات المؤسسات المالية الدولية؛ والآن لدينا حل سحري آخر هو الاقتصاد الإسلامي الذي يشكل تدخل البنك المركزي في تأسيس شركة تأمين تكافلي أحد حلقات هذا الاقتصاد – كما جاء في إعلان المكتب الإعلامي للبنك.  ألم يكن أحرى بالبنك المركزي ومستشاروه، وديوان التأمين كذلك، أن يساهم بإعادة النظر بالأمر رقم (10) قانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005 بدلاً من الإسراع لإصدار ضوابط التكافل رقم (1) لتأسيس شركة التأمين التكافلي؟

من يقف وراء تأسيس شركة التكافل؟

من حقنا أن نسأل من يقف وراء تأسيس شركة التكافل الإسلامي، خاصة وأن قواعد مكافحة غسيل الأموال يتطلب معرفة مصادر الأموال.  نقرأ في الإعلان عن مشاركة جميع المصارف الإسلامية في الشركة.  ونفهم من هذا مشاركة هذه المصارف في رأسمال الشركة.  لكن هذا لا يجيب على تساؤلنا المشروع.

لقد وجدت الطبقة السياسية الإسلامية في التكافل فرصة لاستثمار أموالها غير معروفة المصدر (نقرأ عن المليارات التي سرقت من ثروة العراق منذ 2003 أو تكونت من خلال اعمال مشبوهة كتلك التي كان يقوم بها الحاج حمزة الشمري الضليع في العديد من الأنشطة ومنها ما يسمى بالاستثمارات "السياحية"، حسب ما جاء في الأخبار[2]).  هل سيكون التكافل الآلية القانونية المناسبة لإعادة تدوير بعض هذه المليارات (وهو شكل من أشكال غسل الأموال).

التأمين الإسلامي والانعزال

من المآخذ على التأمين التكافلي انعزاله عن التأمين التجاري رغم أن مبدأ الربح ينتظم عملهما، وهما بهذا التوصيف يشتركان في كونهما نشاطاً رأسمالياً، رغم أن التأمين التكافلي يستخدم آليات التأمين التجاري تحت مسميات تبدو في ظاهرها جديدة كتسمية قسط التأمين بالتبرع، والأقساط المكتسبة بالاشتراكات المكتسبة.

إن فكرة عزل ما هو إسلامي من الاقتصاد والمجتمع هو من الإرث الفكري للباكستاني أبو الأعلى المودودي وتابعيه في العالم العربي (من أشهرهم سيد قطب مؤلف كتاب جاهلية القرن العشرين)، وقد تجلّى ذلك بتأسيس أول شركة تأمين إسلامية في السودان بتمويل سعودي سنة 1979، وكانت الشركة واضحة في توجهها الإيديولوجي بالتأكيد على أن تأسيس الشركة هو جزء من مشروع أسلمة المجتمع.  ويجد هذا العزل انعكاسه في المادة 20 من ضوابط التكافل رقم (1) لسنة 2019:

المادة (20) إعادة التكافل
يتعين على الشركة أن تجري أعمال إعادة التأمين لدى شركات إعادة التكافل وفي حال تعذر وجودها يتم اللجوء إلى أسلوب الشراكة بالمخاطر وذلك باشتراك شركات تكافل أخرى في التأمين على المخاطر التي تفوق القدرة الاستيعابية للشركة وفي حال تعذر ذلك يتم اللجوء إلى إعادة التأمين لدى شركات إعادة التامين التجاري وبموافقة هيئة الرقابة الشرعية.

وهكذا فإن إعادة التكافل هنا يظل محصوراً مع شركات إعادة التكافل، وفي غياب مثل هذه الشركة يجري تغطية الأخطار التي تكتتب بها شركة التكافل من خلال الشراكة co-insurance وبعدها فقط يتم اللجوء إلى إعادة التأمين التجاري، وهو ما يتساوق مع قاعدة الضرورات تبيح المحظورات.

بسبب هذه المادة سوف لن تستطيع شركة التكافل اللجوء إلى شركة إعادة التأمين العراقية.  أغلب الظن أن شركة التأمين التكافلي ستلجأ إلى إيران حيث أن جميع شركات التأمين وإعادة التأمين فيها قائمة، نظرياً، على أسس إسلامية؛ أو إلى شركات تكافلية في الخليج أو ماليزيا.

رجوعاً إلى فكرة الانعزال فإنه مطلب مهم للإسلاميين للتمهيد للتحول نحو الاقتصاد الإسلامي.  وبالنسبة للنشاط التأميني في العراق فإن إسلامية التأمين قد تتحول إلى وسيلة للترغيب بهذا التأمين وفي ذات الوقت وسيلة للترهيب من التأمين غير الإسلامي.  وإن تحقق ذلك فإنه يضيف شرخاً جديداً للتنافر في العراق.

ملاحظة حول ترخيص شركات التكافل والرقابة عليها

لكي تستطيع مزاولة أعمال التأمين يتعين على مؤسسي شركة التكافل الحصول على ترخيص من ديوان التأمين (المادة 2 من ضوابط التكافل) مع اشتراط مراعاة الشركة "في عقد تأسيسها ونظامها الأساسي الأحكام الواردة في هذه الضوابط ومتطلبات وصف المهن لأعضاء هيئة الرقابة الشرعية الخاصة بالشركة."  لكن الشركة لا تخضع لإشراف الديوان حصراً ذلك لأن ضوابط التكافل تؤسس لنمطين للوظيفة الإشرافية والرقابية على النشاط التأميني: أحدهما لشركات التأمين غير الإسلامية (التي تخضع لإشراف لديوان التأمين)؛ والآخر لشركات التأمين الإسلامية (التي تخضع لإشراف مزدوج من الديوان والبنك المركزي باعتباره المشرف والرقيب على المصارف الإسلامية المشاركة في شركة التأمين التكافلي)[3].

هل كان البنك المركزي مهتماً بقطاع لتأمين؟

لم يعرف عن البنك المركزي العراقي اهتمامه بقطاع التأمين، وما رصدناه أحياناً من تصريحات منقولة عن محافظ البنك المركزي وكالة وجدناها لا ترقى إلى مستوى رفيع من الدراية بالنشاط التأميني وتاريخه في العراق.[4]  وهو لم يكن معنياً بخلق سوق وطني اتحادي للتأمين، ولم يقم بدراسة نقدية لقانون تنظيم أعمال التأمين رقم (10) لسنة 2005 بهدف تحسينه وتخليصه من المثالب.  والمستغرب أن ضوابط التكافل رقم (1) لسنة 2009 التي قام بإصداره تشير في التعريفات إلى هذا القانون الذي أضرَّ بقطاع التأمين العراقي، كم أجمع عليه العديد من ممارسي التأمين في العراق.

اعتماداً على ما جاء في هذا العرض أتمنى أن يقدم ديوان التأمين، وكذلك جمعية التأمين العراقية، موقفهما تجاه lوضوع تأسيس البنك المركزي لشركة التأمين التكافلي.  كما أتمنى أن أقرأ رأي العاملين والعاملات في شركات التأمين العراقية، العامة والخاصة، ذلك لأن آثار تأسيس هذه الشركة ستمتد لتشمل مكانة وعمل الشركات غير الإسلامية.


14 آب 2019


[1] لقراءة النص الكامل لهذا الإعلان راجع: https://cbi.iq/news/print_news/1160
أشكر الزميل د. عامر هرمز على إرسال رابط هذا الإعلان وكذلك رابط ضوابط التكافل رقم (1) لسنة 2019.

[3] ضوابط التكافل رقم (1) لسنة 2019، المادة (22) البنك وديوان التأمين:
للبنك ولديوان التأمين التعاون في مجال إصدار التعليمات والضوابط لتطبيق معايير هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية ومعايير مجلس الخدمات المالية الإسلامية حيث تعتبر هذه المعايير ملزمة لشركات التكافل، ويكون للبنك صلاحية متابعة التزام المصارف الإسلامية وشركات التكافل التابعة لها بالمعايير المذكورة.

(المادة) 24 متطلبات إضافية "فيما لم يرد بشأنه نص في هذه الضوابط تخضع شركات التكافل إلى قانون تنظيم أعمال التامين رقم (10) لسنة 2005 وقانون المصارف الإسلامية رقم (43) لسنة 2015 والتعليمات والضوابط الصادرة بموجبه وكذلك القوانين والمعايير الدولية ذات الصلة مالم تخالف مبادئ وأحكام الشريعة الإسلامية."
[4] راجع: مصباح كمال، "محافظ البنك المركزي العراقي وقطاع التأمين،" موقع شبكة الاقتصاديين العراقيين:


ليست هناك تعليقات: