إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

2019/05/23

Insurance in Elizabethan England – The London Code



التأمين في العصر الإليزابيثي في إنجلترا


المؤلف: غويدو روسّي*
المراجع: كريس ليوان
الترجمة: مصباح كمال

نشرت هذه المراجعة في مجلة الاكتواري، مجلة معهد وكلية الاكتواريين البريطانية تحت عنوان:
Book review: Insurance in Elizabethan England[1]
Insurance in Elizabethan England – The London Code
10 August 2017 | Chris Lewin
Author: Guido Rossi
Publisher: Cambridge University Press, 2016
Review: Chris Lewin

The Actuary
The Institute and Faculty of Actuaries

نشرت الترجمة العربية في موقع شبكة الاقتصاديين العراقيين


مقدمة


يشكل هذا الكتاب إضافة مهمة لتاريخ التأمين في إنجلترا كما كان يمارس في لندن، مقر لويدز، سوق التأمين الشهير، ومركز التجارة البحرية.  إن معظم ما نقرأه في كتب التأمين العربية العامة، والتي تأتي على ذكر التأمين البحري، يشير إلى تشريع إنجليزي يعالج موضوع التأمين البحري في صيغته التي باتت معروفة في العصر الحديث.  وهذا التشريع هو قانون إليزابيث لعام [2]1601 كما يصفه جمال الحكيم، ونقتبس ترجمته لمقدمة هذا القانون لما تحمله من أفكار تأمينية مهمة:

... أي يفهم من عقد (بوليصة) التأمين البحري، أن فقد أو هلاك السفينة لا يتسبب عنه شقاء أي فرد، بل يكون عبء الخسارة بسيطاً بتوزيعه على عدد كبير من الأفراد أفضل مما لو لحقت خسارة جسيمة بنفر قليل منهم.  والعبء يكون موزعاً عليهم وبذلك لا تكون هناك مخاطرة.  وهذا أضمن مما لو كان هناك مخاطرة.  وبهذا فإن جميع التجار – صغار الدخل منهم على الأخص – يمكنهم المخاطرة برغبة وجرأة.[3]

تكمن أهمية هذا التشريع، فيما يخص التفكير التأميني، في توضيح القيمة الأساسية لمؤسسة التأمين: توزيع عبء خسارة الفرد على عدد أكبر من الأفراد.

في تعليقه على تطور صياغة نص وثيقة التأمين البحري يقول غويدو روسّي ان هذا التطور بدأ في سبعينيات القرن السادس عشر.  ففي ذلك الوقت كان النموذج القياسي للوثيقة قد تكامل ولم يخضع إلى أي تغيير خلال العقود التالية ما خلا أربع إضافات كما ظهرت في وثيقة لويدز النموذجية (12.1.1779) التي كانت نسخة مطابقة لوثيقة القرن السادس عشر.  ولخّص الإضافات في هامش طويل ننقلها هنا لأهميتها في تطور صياغة وثيقة التأمين البحري.  وهذه الإضافات هي:[4]

1-   "هلكَ أم لم يَهلكْ" lost or not lost وقد كانت هذه الإضافة قيد الاستعمال في أواخر القرن السادس عشر.  [يعني هذا الشرط سريان عقد التأمين البحري حتى لو كان محل التأمين هالكاً أو متضرراً عند إبرام العقد، شريطة ألاّ يكون المؤمن له عالماً بالهلاك].

2-  إيراد ذكر "هيكل السفينة والبضائع" hull and cargo، إذ أن محلا التأمين هذين لم يكونا موضوعاً للتأمين بموجب وثيقة تأمين واحدة في أواخر القرن السادس عشر.

3-  شرط "الاقتراب والتوقف" touch and stay [الذي يسمح للسفينة أن تبحر وتقترب وتتوقف في أي ميناء في مسار السفينة المنصوص عليه في وثيقة التأمين].  وقد كانت هذه التغطية محرّمة في عقود النصف الثاني من القرن السادس عشر، ولكنه ليس واضحاً إلى أي حد كان هذا التحريم مطبقاً في الممارسة.

4-  "المذكرة" أو "الملحوظة" Memorandum التي تظهر في ذيل وثيقة التأمين البحري مع قاعدة الأشياء الصغيرة [قاعدة الحد الأدنى] de minimis (إمكانية التعويض عن الأضرار إن كانت قيمتها تتجاوز نسبة مئوية معينة من قيمة التأمين على بعض البضائع).[5]  وفي حين أن الملحوظة أضيفت إلى وثيقة لويدز عام 1749 (Harold Raynes, A History of British Insurance, 1964, p 65) فإنه من المحتمل أن قاعدة مماثلة كانت تطبق عادة أواخر القرن السادس عشر في لندن.

يستنتج روسّي أنه ما خلا الابتهال بالله، الذي حُذف في منتصف القرن التاسع عشر، فقد تم الاحتفاظ بوثيقة لويدز للتأمين البحري على البضائع الخاصة (وكذلك الوثيقة من زمن إليزابيث) في صورتها الحرفية في قانون التأمين البحري لعام 1906.  ومن رأيه أن هذه الاستمرارية لا مثيل لها.

لقد أقدمت على كتابة هذه المقدمة القصيرة للتنبيه على عمق البحث التاريخي في تطور مؤسسة التأمين، وأن هناك الكثير الذي يمكن البحث فيه في تاريخ التأمين في العالم العربي رغم العمر القصير نسبياً لهذا التاريخ.

مصباح كمال
13 أيار 2010


ترجمة المراجعة

هذا كتاب كبير يحتوي على حوالي 900 صفحة.  يكرّس ما يزيد قليلاً عن نصفه لمناقشة مفصّلة لشروط التأمين البحري والتأمين على الحياة التي كانت قائمة في لندن في زمن الملكة إليزابيث.  ويقدم باقي الكتاب وبشكل مريح النسخ الكاملة لمدونة لندن - القواعد التي تغطي التأمينات البحرية والتأمين على الحياة حوالي عام 1580 - ونسخ 46 وثيقة تأمين بحري محفوظة منذ ذلك الوقت، صدرت في الفترة من 1523 إلى 1604.  وتشمل هذه الوثائق وثيقة تأمين على الحياة صادرة عام 1583 قام بشرائها ريتشارد مارتن للتأمين على حياة ويليام غيبونز لمدة 12 شهراً.

إن الكتاب مكتوب من وجهة نظر قانونية، ويتتبع كيف تم اشتقاق مدونة لندن جزئياً من مختلف المدونات التأمينية المشابهة في المدن الأوروبية مثل أنتويرب Antwerp [هولندا] وبرشلونة Barcelona [إسبانيا] وبروج Bruges [بلجيكا] وجنوة Genoa [إيطاليا] وروان Rouen [فرنسا]، ويوضح الأحكام التي كانت أصولها تعود إلى لندن.  ويحدد الكتاب ما يعتبره المؤلف صراعاً مستمراً للولاية القضائية على مسائل التأمين بين نظام المحاكم البريطاني الرسمي وغرفة ضمان لندن Assurance Chamber of London، حيث كان مفوضو الغرفة عادة تجاراً يعينهم رئيس بلدية المدينة.

ويرد في الكتاب تحليل لوثائق التأمين الأربعين المعروفة في لندن للأعوام 1573-1591.  كان متوسط المبلغ المؤمن عليه 506 جنيه إسترليني، في حين كان المبلغ المؤمن عليه في 62% من الوثائق أقل من 400 جنيه إسترليني و 5% منها كان مبلغ تأمينها 1,400 جنيه إسترليني أو أكثر.  كانت هناك مجموعة صغيرة من حوالي 40 مكتتب للتأمين ظهرت أسماؤهم خمس مرات على الأقل والذين ربما لذلك كان لهم التأثير الأكبر في السوق، لكن كان هناك حوالي 200 مكتتب لم تظهر اسماؤهم بشكل متكرر وغالباً ما كانت تظهر مرة واحدة فقط.  وقد تباين عدد المكتتبين المشاركين في وثيقة التأمين بشكل كبير، من 3 إلى 47 مكتتب.  ويحدد الجدول 3.2 الأقساط المطبقة على 24 رحلة خلال الفترة من 1579 إلى 1593.  وكان أدنى معدل للأقساط 3%، أو في حالة واحدة 2% لرحلة قصيرة من هاريتش Harwich إلى لندن، بينما في الحالات الأربع من شهر تشرين الثاني/نوفمبر 1586 فصاعداً كان سعر التأمين 10% أو 11%، مما يعكس زيادة التوتر الدولي.

لأي شخص يرغب في الحصول على فكرة جيدة عن قواعد سوق التأمين في لندن في عهد إليزابيث لتغطية الحوادث المختلفة التي قد تلحق بسفينة أو بضاعة مشحونة، فإن هذا الكتاب سيكون ذا قيمة كبيرة.  ومع ذلك، فإنه لا يلقي ضوءاً إضافياً على التأمين على الحياة في ذلك الوقت، والتي أصبحت قواعدها معروفة جيداً بالفعل.

(*)     محاضر في التاريخ القانوني الأوروبي، جامعة أدنبره
(**)   مدير تقاعد متقاعد، أدار صناديق معاشات لعدد من كبريات الشركات البريطانية





[2] أقرَّ البرلمان البريطاني هذا القانون تحت عنوان:
An Act Concerning Matters of Assurances Used Among Merchants
وكان الهدف منه وضع نظام لحل المنازعات بين التجار عن طريق التحكيم، إلا أن هيئة التحكيم الخاصة لم تنجح في الفصل في الخلافات، كما يقول جمال الحكيم.  راجع:
Frederik Martin, The History of Lloyd’s and of Marine Insurance in Great Britain (London: Macmillan and Co, 1876), p 34-35.

[3] جمال الحكيم، التأمين البحري (القاهرة: مطبعة القاهرة الجديدة، 1979.  الطبعة الأولى، 1955)، ص 11.

[4] Guido Rossi, Insurance in Elizabethan England – The London Code (Cambridge University Press, 2016), p 27.

[5] "ملحوظة: من المتفق عليه أن الغلال والحبوب والأسماك، والملح، والفواكه، والدقيق، والبذور، لا تكون مضمونة إلا إذا كانت العوارية عمومية أو جنحت السفينة.  ومن المتفق عليه أيضاً أن السكر، والتبغ، والقنب، والكتان، والجلود الخام بأنواعها لا تكون مضمونة إلا إذا بلغت العوارية 5%، أما البضائع الأخرى فلا تكون مضمونة إلا إذا بلغت العوارية 3% ما لم تكن العوارية عمومية أو جنحت السفينة."

نص الملحوظة في وثيقة لويدز التقليدية كما ورد في ترجمة جمال الحكيم، مصدر سابق، ص 63.

2019/05/08

Insurance Culture, the Iraqi Insurance Association and its Prospects




مصباح كمال


نشرت هذه الورقة أصلاً في موقع شبكة الاقتصاديين العراقيين


[1]

استلمت رسالة غير مؤرخة وغير موقعة من شركة التأمين الوطنية كُتبت على خلفية تعليق مقتضب نشر في جريدة الصباح بتاريخ 3 نيسان 2019 وتحت عنوان "تغطية أخطار الحياة العامة تنشر ثقافة التأمين":

قال المختص بشؤون التأمين مصباح كمال إن "ربط قطاع التأمين بما يدور في الحياة العامة، يجعل هذا القطاع يسهم في إشاعة ثقافة التأمين في المجتمع."

أضاف كمال لـ "الصباح" ان "الإعلان عن حضور التأمين كآلية من آليات إدارة الخطر بإمكانه أن يوفر شكلاً من أشكال الحماية المادية لأصحاب المنشآت والمشاريع والورش وغيرها، الى جانب حماية العاملين فيها والمستفيدين من خدماتها أو منتجاتها".

وبيّنَ كمال ان "الحوادث والاخطار الطبيعية، بصورة عامة، تطال تأثيراتها العامة على المجتمع ككل"، مؤكدا ان "توفير الوثائق الخاصة بتغطية اخطارها يوفر فرصة لمؤسسة التأمين كي تعلن عن قدراتها في ادارة اخطار مثل هذه الحواد".

وتابع "ربما يصبح التأمين، بمرور الوقت، متجذراً في التفكير الجمعي كآلية من آليات التعامل مع الخطر وآثاره المادية والمالية وهو ما يسعى المختصون بشؤون التأمين الى القيام به، داعيا جمعية التأمين الى أخذ زمام المبادرة، كونها الجهة الممثلة الرسمية لشركات التأمين العراقية، فإن لم تفعل فلتقم شركات التأمين، منفردة، بهذه المهمة."

وقد اعتمدت الجريدة على ما كتبته في رسالة لي وزعتها على قائمة بريدي بتاريخ 29 آذار 2019 مرفقاً بها رابط[1] مقالتي "نظرة على بعض الآثار الاقتصادية والتأمينية لـ"فاجعة" غرق العبّارة في الموصل"، وذكرت الآتي في رسالتي:

عندما كتبتُ بأنني لم أقرأ رأياً أو موقفاً من أية شركة تأمين أو من جمعية التأمين العراقية، لم يكن ذهني منصرفاً إلى العمل اليومي الإنتاجي لشركات التأمين بل موقف مؤسسة التأمين العراقية من حادث غرق العبّارة.  لقد كان غرضي من إثارة السؤال عن الموقف هو أن حوادث من هذا النوع الذي يطال تأثيره العام المجتمع ككل، كما أثبتت التقارير الصحفية والتغطية المرئية في القنوات الفضائية العراقية والعربية، توفّر فرصةً لمؤسسة التأمين كي تعلن عن نفسها، وما تستطيع أو كانت تستطيع أن تقدمه عند وقوع مثل هذه الحوادث.  بمعنى آخر، هو ربط مؤسسة التأمين بما يدور في الحياة العامة، وبذلك تساهم المؤسسة في إشاعة ثقافة التأمين في المجتمع.  لذلك، لم يكن الغرض هو انتهاز الفرصة لبيع وثيقة تأمين معينة بل الإعلان عن حضور التأمين كآلية من آليات إدارة الخطر تستطيع أن توفر شكلاً من أشكال الحماية المادية لأصحاب المنشآت، السياحية وغيرها، والعاملين فيها والمستخدمين لخدماتها أو منتجاتها.  وهكذا، ربما، يصبح التأمين، بمرور الوقت، متجذراً في التفكير الجمعي كآلية من آليات التعامل مع الخطر وآثاره المادية والمالية.  وهذا هو ما حاولت أن أقوم به، وأتمنى أن تقوم الجمعية به وهي الممثلة الرسمية لشركات التأمين العراقية.  فإن لم تفعل فلتقم شركات التأمين، منفردة، بهذه المهمة.

وقد أثنيتُ على كاتب التعليق في جريدة الصباح واستفادته مما كتبتُ، وأكدت على "أملي أن يلتقط العاملون والعاملات في قطاع التأمين الفكرة التي دأبتُ على عرضها وهي أن ثقافة التأمين لا تأتي من خلال مجرد الإعلان التجاري عن المُنتج التأميني بل حضور مؤسسة التأمين في الحياة العامة."

[2]

منطلق رسالة شركة التأمين اعتمدَ على هذه الخلفية في تقديم جملة من الإيضاحات أعرضها فيما يلي.

"إن شركات التأمين المحلية تسعى لإشاعة ثقافة التأمين من خلال التسويق لتغطيات مختلفة تمس حياة المواطنين."

هذا السعي، سواء لقي قبولاً أو قوبل باللامبالاة أو الرفض من جمهور المؤمن لهم المرتقبين، يساهم في نشر ثقافة التأمين: إشاعة الوعي بوجود منتجات تأمينية معينة، وإدراك الأخطار التي تحيط بالناس وموجوداتهم.  وهنا، وباختصار، تواجه شركات التأمين مشكلة اقتصادية ذلك أن عرض منتجات التأمين لا يخلق الطلب الفعّال على الحماية التأمينية، فالطلب يعتمد على وجود فائض نسبي في دخل الأفراد يمكن أن يوظف لشراء منتج تأميني.  ومن جانب آخر، تواجه شركات التأمين، وكما ذكرتُ في مناسبات سابقة، مشكلة الضعف في وعي هذه الثقافة واستيعابها.  ويمكن التنظير لهذا الموضوع في إطار اعتبار الوعي التأميني انعكاساً للوعي الاجتماعي.  وإذا كان هذا صحيحاً فإنه لا يمكن أن نتوقع أن يكون الوعي التأميني متقدماً عندما يكون الوعي الاجتماعي متخلفاً، متشظياً ومحكوماً وموزعاً بين القيم الدينية والتقليدية القبلية مع ضعف القيم العلمية غير المتجذرة بعد في كل الأذهان.  وهناك عوامل تساهم في تجذير تخلف الوعي الاجتماعي ومنها: بروز الأمية في المدينة والريف بفعل الفقر، تراجع مستوى المعيشة، التهجير، ضعف كفاءة النظام التعليمي، تفاقم العادات والتقاليد البالية وإحياء العشائرية (توظيف قيم العشيرة وأعرافها البالية بالتزامن مع دور مُكمّل لقوى الإسلام السياسي في توظيف هذه القيم لصالح مشروعها، وكإحدى آليات السيطرة السياسية).

[3]

ويرد في رسالة شركة التأمين الوطنية

إن "جمعية التأمين بعيدة كل البعد عن واقع حال الشركات والمواطنين.  لا يعرض في جمعية التأمين سوى مشاكل إدارات الشركات مع بعضها ومصالحها الخاصة ومدى قدرتها على تحدى القطاع العام في السوق."

لم يُعرف عن جمعية التأمين العراقية[2] أنها قامت بنشاطات مستمرة تفيد في توطيد مكانة التأمين في الاقتصاد والمجتمع كالتي تقوم بها جمعيات مماثلة في أسواق التأمين العربية والأجنبية؛[3] وربما يرجع سبب ذلك إلى النقص في كوادرها الفنية وافتقارها للباحثين بالشأن التأميني.  وقد كانت لي وقفة قبل سنوات تجاه رسم برنامج لعمل مجلس إدارة الجمعية.[4]  لا يعني هذا الانتقاص من قيمة ما قامت به الجمعية بل التنبيه بأن هناك فضاء مفتوح لعملها.[5]

لقد كانت الجمعية في السنوات الأولى بعد تأسيسها خاضعة لتأثير شركات التأمين العامة من حيث انتخاب رئيس الجمعية، ثم صارت خاضعة لشركات التأمين الخاصة.[6]

يبدو أن وضع الجمعية قد تأثر سلباً في الآونة الأخيرة إذ أن "كل شركة تريد أن تفرض قناعات إداراتها الخاصة دون النظر إلى مستوى الخدمة ومستوى رقي هذا القطاع" كما يرد في رسالة شركة التأمين الوطنية.  ويبدو أيضاً أن هذا الوضع ليس بالجديد تماماً، ففي عام 2016 قام جمع من رجال الأعمال، بضمنهم مدراء لشركات تأمين خاصة، بتأسيس "رابطة تنمية قطاع التأمين في العراق" تُعنى بتنمية وتطوير قطاع التأمين في العراق.  إن الدافع/الدوافع وراء تأسيس الرابطة ليس معروفاً لكن نظامها يقول بأنها "تهدف الى اقامة علاقات بين شركات التأمين مع بعضها البعض وبينها وبين الشركات الاخرى ورجال الاعمال والاقتصاديين والمواطنين وتوعية المواطن على الفائدة من التأمين للمال والنفس."  لكنني لا أمتلك معلومات عن نشاطها ووضعها الحالي.

إن اهتمام الجمعية بمصالح أعضائها من الشركات يقع في صلب أهدافها، كما جاء في المادة 84-ثانياً من قانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005:

ثانياً- تهدف الجمعية لرعاية مصالح أعضائها والعمل على تطبيق القانون وأخلاقيات التأمين وتمثيل المصالح الجماعية للمؤمنين ومعيدي التأمين أمام الديوان وغيرها من الأمور المتعلقة بأعمال التأمين.

المهم فيما يخص موضوع هذه الورقة هو "الأمور الأخرى المتعلقة بأعمال التأمين" فهو نص مفتوح لتوسيع نشاط الجمعية ليشمل نشر ثقافة التأمين، واتخاذ مواقف تجاه قضايا عامة ذات بعد تأميني في المجتمع وفي الاقتصاد وفي الإدارة الحكومية.  وهذا هو الذي كنت أثيره في العديد من المناسبات بدءاً من الانتخابات البرلمانية والصوم في شهر رمضان وانتهاء بحادث غرق العبّارة في الموصل.  لم تتحرك الجمعية في هذا الفضاء الواسع لتسجل حضور مؤسسة التأمين في الحياة العامة.

تشير رسالة شركة التأمين الوطنية أيضاً إلى وجود ما يمكن وصفه بصراع داخل الجمعية إذ "لا يعرض في جمعية التأمين سوى مشاكل إدارات الشركات مع بعضها ومصالحها الخاصة ومدى قدرتها على تحدى القطاع [التأميني] العام في السوق."  هناك إشكالية قانونية واقتصادية في العلاقة بين شركات التأمين العامة وشركات التأمين الخاصة.

ترجع الإشكالية القانونية إلى أحكام الأمر رقم 10 الذي وضعته سلطة الاحتلال الأمريكية إذ نصت المادة 81 على الآتي:

أولاً- لأي شخص طبيعي أو معنوي عام أو خاص الحق في الاختيار بشراء منتجات التأمين أو خدماته من أي مؤمن أو معيد تأمين ما لم ينص القانون على خلاف ذلك.

ثانياً- لا يجوز اجبار شخص طبيعي أو معنوي عام أو خاص على شراء منتجات خدمات التأمين من مؤمن أو معيد تأمين أو وكيل أو وسيط أو مقدم خدمات تأمين محدد، ما لم ينص القانون على خلاف ذلك.

ثالثاً- يجري التأمين على الأموال العامة والاخطار التي ترغب الوزارات أو دوائر الدولة في التأمين ضدها بالمناقصة العلنية وفقاً لأحكام القانون، ولجميع المؤمنين المجازين في العراق حق الاشتراك فيها.

وهذا يتعارض مع قانون تأسيس شركة التأمين الوطنية الذي ينص في المادة 7 على ما يلي:

"على دوائر الحكومة والمؤسسات الرسمية أن تعهد حصراً إلى الشركة بمعاملات التأمين التي تجريها."

وهذا القانون لا يزال نافذاً إذ أن الأمر 10 لم يقضي بإلغاء قوانين التأمين السابقة، وهكذا فإنه أطلق حرية شراء التأمين وخلق بذلك تناقضاً قانونياً.[7]

أما الجانب الاقتصادي في الإشكالية فإنه يتمثل، باختصار، بقوة الموارد المالية، والقدرات الفنية العالية نسبياً لشركات التأمين العامة، وقدرتها الاحتفاظية مقابل التطور البطيء وضعف موارد شركات التأمين الخاصة.  نحن هنا أمام قوتان غير متكافئتان.

ومع هذا فإنه من المفترض أن تقف جمعية التأمين العراقية على مسافة واحدة من جميع أعضائها، الكبيرة والصغيرة، العامة والخاصة، كما جاء في المادة 84-ثانياً من قانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005، وكما أكده نظام الجمعية في المادة 6:

تهدف الجمعية لرعاية مصالح أعضاءها، وتعمل على تطبيق القانون، وأخلاقيات مهنة التأمين، وتمثيل المصالح الجماعية لشركات التأمين وإعادة التأمين ...

يبدو لي إن القائمين على إدارة شؤون الجمعية منغلقون على أنفسهم ضمن دائرة تمثيل المصالح الجزئية للشركات التابعين لها بدلاً من "المصالح الجماعية"، وابتعادهم عن رؤية تكوين وتطوير قطاع تأميني وطني اتحادي، وحل الإشكاليات ضمن هذه الرؤية.

إن حال ومآل الجمعية حالة خاصة للوضع والفكر السياسي والاقتصادي القائم على المحاصصة بألوانها المختلفة؛ فالكل يبحث عن غنيمة.  وكما قلت في سياق آخر "يظل الاهتمام بحضور العام في الخاص مطلباً ضرورياً لتوسيع دائرة فهم ما يحصل حولنا من حوادث وظواهر."[8]

[4]

لقد ساء وضع الجمعية إلى الحد الذي دفع شركة التأمين الوطنية العامة وشركة التأمين العراقية العامة إلى إعلان الانسحاب من جمعية التأمين العراقية لفشلها في "تقريب وجهات النظر بالاختلافات الحاصلة بين الشركات."  ووصل الأمر إلى "إيقاف عمل الجمعية لعدم قانونيتها حيث لم يتم نشر نظامها الداخلي في الجريدة الرسمية في حينه."  كما أن رئيس الجمعية، استقال أو اعتزل منصبه ولسبب غير معلن.

من المعروف أن الاختلاف في المواقف الفكرية وتضارب المصالح الشخصية داخل المؤسسات تؤثر على عملها، وتضم الكتب المتخصصة بمناهج الإدارة ما يفيد احتواء الاختلاف والتضارب وإيجاد الحلول لها لضمان انتظام عمل المؤسسة وتحقيق الهدف المرسوم لها.  أن تنسحب شركتين مهمتين في قطاع التأمين من الجمعية يؤشر على وجود خلل كبير ربما لم يستطع مجلس إدارة الجمعية إيجاد حلٍ له.

ترى ما هي الإجراءات المتوقعة بعد إيقاف عمل الجمعية؟  هل سيُصار إلى إعادة تأسيس الجمعية وتسجيلها لدى الأمانة العامة لمجلس الوزراء/دائرة المنظمات غير الحكومية، أو جهة أخرى، لضمان وضعها القانوني؟  وهل ستتوقف شركات التأمين خلال فترة التوقف من تسديد الرسوم للجمعية؟[9]  للجمعية دور في إدارة مجمعات التأمين المختلفة نيابة عن شركات التأميم.  من سيتولى إدارة هذه المجمعات؟

ما لم نتعرف على وجهات النظر والاختلافات بين إدارات شركات التأمين الخاصة والعامة لا يمكن إبداء رأي أو تحديد موقف منها.  قد ينجح العمل الهادئ بين المعنيين على إيجاد حل مناسب يرضي الجميع.  وقد يكون من المفيد عرض بعض الإشكاليات للنقاش العام بين ممارسي التأمين، فالتفكير الجماعي قد يساهم في تقديم مقترحات للوصول إلى الحل الأمثل.

أن يظلَّ قطاع التأمين العراقي بدون جمعية ليس في صالح القطاع وأعضائه من الشركات، فهذا الوضع يؤدي إلى خلق صورة سلبية لدى الناس والشركات عن مؤسسة التأمين العراقية.  هذه المؤسسة هي أصلاً في وضع ضعيف ويجب العمل على وقف تدهوره.  لعلَّ المعنيين بمصير الجمعية وآفاق تطور قطاع التأمين يسترشدون بما جاء في المادة 7-و من نظام الجمعية:

تعزيز الثقة بقطاع التأمين في العراق وتحقيق التعاون والتنسيق مع الجهات ذات الصلة محلياً وعربياً ودولياً ونقل تجارب الأسواق العالمية إلى العراق.

[5]

أشكر من كان وراء رسالة شركة التأمين الوطنية لأنها تدل على اهتمام بما ينشر عن النشاط التأميني في العراق، ولأنها تناقش ما هو منشور وتقدم أفكارها.  ليت شركات التأمين الأخرى تحذو حذو شركة التأمين الوطنية لإغناء النقاش ورفع مستواه والعمل على تجاوز معضلات قطاع التأمين.


10 نيسان 2019





[2] تأسست الجمعية سنة 2005 وكان اسمها وقتذاك جمعية المؤمنين ومعيدي التأمين العراقية، كما ورد في قانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005 (المادة 84).

[3] على سبيل المثل فإن جمعية شركات التأمين البريطانية تقول بأن دورها هو جمع أشخاص مناسبين للمساعدة في إثراء مناقشة السياسات العامة، والتواصل مع السياسيين، وصانعي السياسات والمنظمين داخل وخارج المملكة المتحدة؛ وأن تكون الجمعية الصوت العام لقطاع التأمين، وتعزيز قيمة منتجاتها وتسليط الضوء على أهميتها للاقتصاد؛ والمساعدة في تشجيع فهم المستهلك لمنتجات وممارسات القطاع؛ ودعم التنافس في صناعة التأمين في المملكة المتحدة وخارجها. https://www.abi.org.uk/

[4] مصباح كمال، "جمعية شركات التأمين وإعادة التأمين في العراق: ملاحظات عن الخلفية والمهمات القادمة،" مجلة التأمين العراقي:http://misbahkamal.blogspot.co.uk/2008/10/blog-post.html

[5] راجع، على سبيل المثال مقالة فلاح حسن، "نشاط جمعية التأمين العراقية 2016،" مرصد التأمين العراقي:

[6] أنظر: مصباح كمال، "ملاحظة حول انتخاب مجلس إدارة جمعية شركات التأمين وإعادة التأمين في العراق 2008،" مجلة التأمين العراقي:http://misbahkamal.blogspot.com/2008/08/2008-16.html

[7] للتعرف على هذه الإشكالية وبعض الحلول المقترحة راجع: مصباح كمال "قراءة أولية لمشروع حصر تأمينات الدولة بشركة التأمين الوطنية،" موقع شبكة الاقتصاديين العراقيين:

[8] خانة التعليقات على مقال "العيد الحزين وغياب ادارة الخطر والتأمين عن حادث غرق عبارة في جزيرة ام الربيعين السياحية،" موقع شبكة الاقتصاديين العراقيين:

[9] تسدد شركة التأمين الوطنية العامة مبلغ 20,000,000 (عشرون مليون) دينار لقاء الانتماء السنوي لجمعية التأمين العراقية.