إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

2009/04/27

Position of Women in the National Insurance Co

واقع المرأة في شركة التأمين الوطنية

 إيمان شياع

 مقدمة
 مما لاشك فيه أن حضور المرأة في كافة ميادين الحياة المعاصرة كان له الأثر الكبير في بناء شخصيتها وتنامي قدرتها في الإبداع والتقدم. إن أي نظرة على واقع المرأة، العربية بشكل عام والعراقية بشكل خاص، في ظل الظروف الاجتماعية والمعتقدات التي اتسمت بها مجتمعاتنا توضح حجم المسؤولية الملقاة على عاتقها لتثبت قدرتها وإمكانيتها، وتحقيق ذاتها، والاعتماد على نفسها، فلا يخفى أن المجتمع لا زال ينظر إليها على أنها كائن ضعيف ومحدود "ناقص في العقل والدين" على الرغم من إنها شاركت في كافة المجالات وتعلمت في نفس الجامعات أسوة بالرجل. هناك سببان لتعثر المرأة في مسيرتها العملية، أولها اجتماعي يتمثل بنظرة المجتمع السلبي، وخاصة المجتمع الذكوري، وكذلك التقاليد المتوارثة في عدم إعطائها الفرصة للتعبير عن نفسها، وإبداء كفائتها، والسماح لها بالتطور. والسبب الثاني يعود إلى المرأة نفسها فقد ساهمت، عن قصد أو بدونه، في حصر نفسها واكتفت بدور المتفرج وتنازلت عن حقها في تقرير مصيرها حاضرا ومستقبلا. ومع ذلك لا نعمم هذه الحالة على الجميع فهناك من استطاعت أن تتخذ لها موطئ قدم وان تنافس الرجل في شتى المجالات وان يكون لها دور فاعل وايجابي في أي مجال تعمل فيه متحدية بذلك الإرث الثقيل للتقاليد والنظرة الاجتماعية القاصرة. واستطيع أن أورد هنا عشرات الأمثلة ولكن ما يهمني هنا هو أن أتحدث عن عمل المرأة في مجال التامين تحديدا باعتباري عاملة في هذا المجال واستطيع أن ارصد إلى حد ما واقع المرأة فيه.[1]

حضور المرأة في شركة التأمين الوطنية
 إن سياقات العمل الحكومي تكاد أن تكون متشابهة في معظم دوائر الدولة ولكن قطاع التأمين يملك من الخصوصية المهنية ما يجعله يختلف عن بقية القطاعات الاقتصادية الأخرى، فموظف التأمين يجب أن يتمتع بميزات قد لا يحتاجها من يعمل في مجال آخر فما بالك إذا كان هذا الموظف امرأة؟ إن التأريخ الطويل، نسبياً، للتأمين في العراق والذي يعود إلى بداية خمسينيات القرن الماضي، وما حصل من تطور حين وضعت قيد التنفيذ في سنة 1960 سياسة لتعريق شركات الـتأمين وصولا إلى عام 1964 حين صدر قانون تأميم شركات التـأمين في العراق، واستمرارا إلى العقود اللاحقة، نقول: إن كل هذا التأريخ الطويل اكسب صناعة التامين في العراق خبرات وكفاءات عالية متمثلة بنخبة ممتازة من الفنيين العراقيين. التأمين أو قل الحماية التأمينية، كما هو معروف، "سلعة" يجب تسويقها، فهي ليست من السلع التي لا يستغني عنها الإنسان وخاصة في مجتمعاتنا، مما يتطلب من العاملين فيه مؤهلات خاصة به ومعرفة ودراية بعملية التسويق على المستوى المحلي. هذا إضافة إلى تسلحهم باللغة الأجنبية، وخاصة الإنجليزية، وإحاطة بأسواق إعادة التأمين العالمية وما يحدث فيها من تغييرات. ولم تكن النساء العاملات في الشركة ببعيدات عن هذه المتطلبات بفضل المؤهلات الجامعية التي حصلن عليها، وممارسة العمل اليومي.

 ونرى أن موقع المرأة في الشركة قد تعزز بفضل تطورات الوضع الداخلي للعراق إذ أثرت السياسة والحروب في النشاط الاقتصادي ومنها قطاع التأمين. لقد ولّدت هذه الأوضاع، وخاصة خلال الحرب العراقية الإيرانية (1980-1988)، نتائج غير متوقعه في تأثيرها على المجتمع وعلى المرأة بالخصوص. مشاركة الرجال في الحرب خلقت شواغر لصالح النساء على المستوى المهني لكنها، في ذات الوقت، حولت النساء إلى معيلات لأسرهن. باتت معظم الدوائر، وبضمنها شركات التأمين طبعا، تعتمد على العنصر النسوي في تمشية العمل حيث ارتفعت نسبة النساء العاملات في شركة التامين الوطنية إلى 75%. إذا استثنيانا عقد السبعينات من القرن الماضي، والذي شهد استقراراً سياسياً واقتصادياً نوعا ما، كانت هناك مشاركة ايجابية لبعض النساء في العمل. ففي عام 1975 مثلا، كان عدد العاملين في شركة التامين الوطنية، حسب الكتيب الذي صدر بمناسبة اليوبيل الفضي للشركة، 891 فرداً بما فيهم العمال والمستخدمين وبلغ عدد النساء العاملات في الشركة للعام المذكور 148 سيدة يعملن في مختلف الوظائف. وكانت بعضهن في مواقع قيادية مهمة، وخاصة في الإدارة العامة في الشركة، في وقت آن سوقاً تأمينياً عريقاً مثل لويدز، كما عرفت مؤخرا، لم يكن يسمح نظامه الداخلي بعمل النساء في تلك الفترة. ورغم وجود هذه النسبة المرتفعة من الكادر النسوي استمرت هيمنة الرجل على المراكز القيادية العليا. لا نريد أن نلقي اللوم على الرجل في ذلك لان المجتمع والتركة الثقيلة للتقاليد هو الذي يمنحه هذا الحق حتى من المرأة نفسها أحيانا. وهكذا بقيت المرأة بعيدة عن مركز القرار مع وجود بعض السيدات اللواتي كان لهن دور واضح وايجابي في الشركة وكن على مستوى عالي من المسؤولية.

 بعد غزو الكويت (آب 1990) وخضوع العراق تحت طائلة العقوبات الدولية وفرض الحصار الاقتصادي عليه (1990-2003) تأثر قطاع التأمين كثيرا إذ توقفت أعمال الكثير من الفروع كفرع البحري والسفن والطيران والهندسي وإعادة التأمين وكل ما له علاقة مباشرة بالحركة الاقتصادية التي شلتها عقوبات مجلس الأمن. وهذا الوضع المتردي أثر بطبيعة الحال بشكل كبير على موظف التأمين وذلك لقلة المردود المادي والذي دفع الكثير من الموظفين، رجالا ونساءً، إلى ترك الشركة والعمل أما في القطاع الخاص، البعيد كل البعد عن التأمين، أو بالسفر إلى الخارج لاقتناص فرصة أفضل للعمل. إن المرأة طيلة العقود السابقة لم تكن بعيدة عن التامين ولكنها كانت مركونة لتفرد الرجل واستحواذه على معظم القرارات الوظيفية ولكنها كانت تكتسب الخبرة سواء أكانت معاونة للمدير الرجل أو تعمل في نفس مجاله. لذلك، وبفضل الخبرة والمهارات المتراكمة لدى العناصر النسائية، برزت الحاجة إليها بعد أن تركت معظم القيادات الرجالية مكانها حتى بعد بع الغزو والاحتلال سنة 2003 وسقوط النظام وقيام فرصة للتغيير وإعادة التأسيس للمؤسسات.

 الحضور الحالي للمرأة في الشركة
 حاليا تشغل المرآة في شركة التامين الوطنية المراكز التالية: مدير الحسابات الأقدم وعضو مجلس الإدارة، مدير فرع الحريق والحوادث، مدير فرع السيارات، مدير فرع كركوك، مدير فرع الموصل، مدير القسم الفني، مدير قسم التخطيط والمتابعة، مدير قسم الحاسبة الالكترونية، إدارة مكتبة الشركة. هذا إضافة إلى العديد من المديرات ومعاونات المدير اللواتي يقمن بكافة الأعمال الفنية والقانونية والحسابية. وهناك العديد من السيدات اللواتي يقمن بالعمل الإنتاجي رغم كل الصعوبات اليومية المعروفة من تفجيرات وأعمال عنف وانعدام الأمن أو النظرة الاجتماعية المتخلفة للمرأة العاملة في هذا المجال حيث أن هناك من لا يحبذ العمل بالتأمين أصلا. ومع ذلك نجد أن هناك مُنتجات في بعض المحافظات تقمن بإنتاج الوثائق وأحيانا يتفوقن على الرجال في بيع وثائق التأمين وفي استحصال الأقساط عنها.

عندما أخبرت احد زملائي عن عدد المراكز التي تشغلها المرأة في الشركة علق ساخرا: "الم تري كيف أن الشركة في تدهور مستمر." إنها النظرة التقليدية المسبقة نفسها الذي تحاول اختزال أسباب التدهور الذي لحق بالشركة، وبقطاع التأمين عموماً، بعمل المرأة. اهو عمل المرأة الذي يفسر الوضع القائم أم حروب النظام وسياساته وسنوات الحصار وآثار الغزو وتفشي القيم العشائرية والبدوية ومحاولات حجر المرأة في عتمة زمن ثقافي لا علاقة له بمتطلبات العصر ودينامكيته؟ قد يكمن السبب في احتكار الرجل لمواقع القرار وهو ما يجسده شكوى بعض النساء العاملات من عدم إشراكهن في اتخاذ الكثير من القرارات التي تهم الشركة والتي هي من صميم اختصاصهن. أود أن أبين هنا بعض الأرقام: بلغ عدد موظفي شركة التامين الوطنية لغاية عام 2008 (699) موظفاً عدد الذكور (280) في حين بلغ عدد الإناث (419) بنسبة زيادة قدرها 60%. بلغ عدد النساء العاملات بالإنتاج 92 منتجة من أصل 305 منتجا تجلب البعض منهن أقساطا عالية وكبيرة للشركة. يبلغ عدد الحاصلات على شهادة البكالوريوس في عموم الشركة (132) في مختلف الاختصاصات التي تحتاجها الشركة سواء كانت حسابية أو قانونية أو إدارية آو في تخصص اللغة أو التأمين أو أي من التخصصات الهامة الأخرى.

 قد يكون وضع المرأة في شركة التامين ايجابيا بالقياس إلى بقية الشركات. إن التحول الذي طرأ بعد عام 2003 يحمل الكثير من الوعود والآمال وفي مختلف الأصعدة. فعلى الرغم من الخسارات الشخصية فان هناك أمل في أن يتسع دور المراة في المشاركة في بناء مجتمعنا وذلك عن طريق توعيتها بدورها الفاعل من خلال الحملات الدعائية والإعلامية ومنظمات المجتمع المدني التي نشطت بعد التغيير. التوعية يجب أن تطال الرجل أيضاً وغربلة القيم الموروثة أياً كانت مصادرها. ونرى أن تبدأ التوعية في مختلف مراحل التعليم لتأسيس الرؤية الإيجابية.

إيمان شياع
بغداد، 22 نيسان 2009
[1] أود تنبيه القارئ والقارئة إلى أنني لن أتناول بالتعليق في هذه الورقة جوانب نظرية في القضية النسوية أو التعارض والصراع بين المرأة والرجل. كما أنني لن أعلق على الترتيبات الخاصة بعمل النساء كأمهات أو تفضيلات النساء أنفسهن فيما يخص التوفيق بين مطالب العمل والمطالب الحياتية الأسرية، أو الموازنة بين التقدم الوظيفي وبين تكوين أسرة. لن أحاول في هذه الدراسة عرض وضع المرأة العاملة في قطاع التأمين العراقي بأكمله وآمل أن تتوفر الفرصة للقيا م بذلك مستقبلا. لعل غيري ينهض بمهمة البحث والتوسع في هذا المجال.

2009/04/15

الدراسة الأكاديمية للتامين في العراق تقييم سررنا جداً عندما قبل الزميل مروان هاشم دعوتنا له بالبحث في موضوع الدراسة الأكاديمية للتأمين في العراق. يشكل البحث الذي قام به، والمعروض في هذه المدونة، أول محاولة من نوعها، في رأينا، في الكتابة عن هذا الموضوع. لقد وضع لنا الزميل هاشم أساساً يمكن البناء عليه، والتوسع فيه في دراسات لاحقة لتطوير الدراسة الأكاديمية لموضوع التأمين - وهو أمر يهم شركات التأمين وإعادة التأمين العراقية وكذلك المؤسسات الأكاديمية العراقية. ونأمل أن نقرأ المزيد عن الموضوع. مصباح كمال، لندن 15 نيسان 2009. مروان هاشم مقدمة أتناول في هذه الورقة الجانب التاريخي للدراسة الأكاديمية للتامين في العراق من البدايات إلى زمن كتابة هذه الورقة، محاولا الجمع بين ما يستحق أن يدون وبين تقييم ونقد لمراحل وتفاصيل هذا التاريخ. وقد أسجل ما لا يتوفر مستقبلا لقلة المصادر وخصوصا بعد أن فقدنا الكثير حرقا ونهبا في أحداث 2003 من المدون في سجلاتنا. لذا سأعتمد على جمع شهادات وأحاديث مجموعة من الموظفين في قطاع التأمين إضافة إلى التدريسيين والطلبة، مسجلا ما هو متواتر من أحداث التأريخ فيما يخص الماضي ومشاركتهم في توصيف ونقد الحاضر. أود التأكيد على أن هذه الورقة سوف لن تكتمل أو تحقق أهدافها دون إضافات الزملاء والزميلات بالمعلومات التأريخية التي لم تذكر سهواً وبغير قصد والى مشاركات مطلوبة منهم في النقد والتقييم والاقتراح لما يمكن أن نتفق أو نختلف عليه والذي سيدعم الموضوع ويزيده أهمية. نبذه تأريخية لمراحل التطور لا يشترط على القارئ الالتزام بهذا التصنيف التأريخي، والذي سيتم ذكره لاحقا، فهو مبني على اجتهاد شخصي قد لا نتفق عليه. مثلا، يعتبر البعض أن عام 1958، عام الثورة، أو عام 1964، عام التأميم[1] لقطاع الـتأمين، بداية لفترة لها خصوصية مؤثرة. ولكن من المؤكد أن الجميع يتفق على أن سنوات الحصار 1990-2003 فترة زمنية مميزة جدا تستحق أن تصنف وتدرس لوحدها. ومهما كان الاختلاف في تحديد هذه المراحل زمنيا فإنه لا يؤثر على قيمة الموضوع وخصوصا ان التداخل بين هذه المراحل كبير وواضح. المرحلة الأولى 1945-1975 بعد تأسيس أول شركة تأمين أهلية عام 1946 (شركة الرافدين) وأول شركة تأمين حكومية عام 1950 (شركة التأمين الوطنية) لحقتها شركات عديدة. وجاء هذا التأسيس ليعبر عن حاجة السوق لخدمات التأمين وخصوصا بعد التطور الاقتصادي والاجتماعي لبلدنا العزيز. وكان لمشاريع التنمية العمرانية الكبيرة والخدمية مثل إنشاء السدود والمباني والمرافئ الجوية والبحرية .. الخ دوراً كبيراً في تعظيم الطلب على الحماية التأمينية. وكانت وراء إدخال الاكتتاب بوثائق التأمين الهندسي والطيران والسفن التي كانت تعتبر وثائق غير تقليدية في حينها.
بعد ثورة 1958 انهي عقد آخر مدير عام أجنبي في شركة التأمين الوطنية وأصبح الاتجاه العام يقوم على لاعتماد على الخبرات الوطنية. وجاء تأسيس شركة إعادة التأمين العراقية عام 1960 ليؤكد الطلب المتزايد لهذه الخبرات. أدت هذه التطورات إلى قيام الحاجة الملحة لموظف تأمين صاحب اختصاص أكاديمي في التأمين. في هذه المرحلة لم تكن في العراق إي فرصة للدراسة الأكاديمية لموضوع التأمين إلا من خلال كلية الحقوق/القانون والسياسة وكلية التجارة/الإدارة والاقتصاد فيما بعد. لم يكن لموضوع التأمين حيزا في هذه الدراسات أكثر من دراسة عقد التأمين وتحديد المسؤولية في الكلية الأولى ونبذ تأريخية للتأمين البحري والتأمينات الأخرى وتعريفها مع مدخل بسيط ومتواضع في هذا العلم في الكلية الثانية. ولا يمكن القول ان هذه المعلومات كافية ليكون لهذه الكليات أي دور أكاديمي محسوس لدراسة لا تتجاوز الفصل الواحد في جميع الأحوال ولمادة واحدة وبشكل عام. ولم تساهم هذه الكليات إلا فيما ندر في جانب البحوث العلمية أو التأليف والنشر. دفع هذا الوضع طالبي هذا العلم للتوجه إلى خارج العراق للالتحاق بجامعات ومعاهد العالم وخصوصا بريطانيا للحصول على فرصة التخصص الأكاديمي في هذا المجال. ولم يحصل على هذه الفرصة للدراسة على حسابه الخاص إلا القلة من الطلبة لكون تحقيق ذلك الهدف في حينه ما يزال مكلفا جدا. وساهمت الدولة في إرسال بعثات إلى خارج العراق بهذا المجال لم تكن أعدادها تزيد على عشرة طلاب خلال عقدين من الزمن. كما ساهمت الشركات الحكومية للتأمين بتوفير فرص الدراسة لبعض موظفيها وخصوصا في معهد التأمين القانوني/لندن للحصول على المعرفة الأكاديمية فتجاوز معظمهم وبنجاح امتحانات فصلية في هذه الدراسات. وبالرغم من قلة إعداد المتخصصين في دراسة التأمين أكاديميا من خلال القنوات المذكورة أود ان أؤكد على الدور الريادي الذي كانوا يقومون به في مجالات التالية: 1- الدور القيادي والتأسيسي في إدارة شركات التأمين المباشر وإعادة التأمين. 2- الدور المؤثر والواضح في التأليف والبحث والنشر والتدريب في مجال التأمين. 3- الدور المؤثر لبعض المتخصصين والذين مارسوا عملهم في الجامعات إضافة إلى مشاركة زملائهم في شركات التأمين لتأسيس مرحلة جديدة وذلك ما سنذكره في المرحلة الثانية استطاعت ان تثمر بتكوين قاعدة إنتاج وطنية للاختصاصات التأمينية في المجال الأكاديمي من داخل العراق ولمعرفة الدور الريادي لهذه الجيل ما علينا سوى المقارنة بين الناتج الفكري والبحثي لهؤلاء القلة قياسا إلى ناتج ما يزيد عن المئة من حاملي شهادة التخصص الأكاديمي حاليا. المرحلة الثانية 1975 - 1990 اثمر تعاون المؤسسة العامة للتأمين[2] وشركاتها من جهة وبين وزارة التعليم العالي/جامعة بغداد ومؤسسة المعاهد الفنية من جهة أخرى وبنجاح في تأسيس الدراسات الأكاديمية المتخصصة في التأمين لتحقيق هدف إشباع سوق التأمين المحلي والمؤسسات التعليمية من التخصصات العلمية. وسنحاول توصيف أهم قنوات التعليم في هذا المجال وكما يلي: 1- قسم الدراسات العليا في كلية الإدارة والاقتصاد/جامعة بغداد تخرج من القسم ثلاثة دورات دراسية للأعوام 1977- 1979 وصل عددهم إلى خمسين طالبا كانت شركات التأمين ومؤسسات الدولة والجامعات في أمس الحاجة لهم، وما زالت رسائلهم المطبوعة من المصادر المهمة في مكتبات شركات التأمين. وكانت الدراسة لمدة سنتين، بعد البكالوريوس في الإدارة، يمنح الطالب شهادة الدبلوم العالي في التأمين. وما زال بعضهم يزاول عمله في شركات التأمين كموظف أو تدريسي في جامعات العراق، وكثير منهم اختار الهجرة بعد عام 1991 وهذا ما سنذكره في المرحلة الثالثة. كما استطاع قسم منهم إكمال دراسته لنيل شهادة الدكتوراه خارج أو داخل العراق. 2- أقسام الدراسات العليا في كلية القانون والسياسة/ جامعة بغداد أو الدراسات العليا في جامعات العراق المختلفة وخصوصا البصرة والموصل وكذلك الجامعة المستنصرية وتمتاز هذه الدراسات بأنها لم تسر على منهج ما ذكرناه في الفقرة الأولى من حيث العدد أو التخطيط بين الإدارة الأكاديمية وبين مؤسسات التأمين ولكنها ساهمت كذلك في سد النقص الحاصل في هذا الاختصاص وخصوصا ان معظم الخريجين توجه نحو التدريس الجامعي. وقد تركزت هذه الدراسات في كليات القانون أو الإدارة والاقتصاد حيث أنجزت العديد من البحوث في علم التأمين من الناحية القانونية والإدارية. 3- البعثات الخارجية استمرت وزارة التعليم العالي بإرسال بعض الطلبة وخصوصا الحاصلين على شهادة الدبلوم العالي لدراسة الدكتوراه في هذا المجال خارج العراق وبفترات متباعدة لذا كان عددهم لا يتجاوز خمسة طلاب خلال هذه الفترة كان أخرهم يتخصص في دراسة أغطية التأمين ضد أخطار الحرب. ولم يسعفه هذا الاختصاص من درء خطر الحرب عنه فتم إبعاده من بريطانيا بسب نشوب الحرب العراقية في الكويت لولا دعم إدارة جامعة كارديف/ويلز بان أرسلت لجنة المناقشة إلى داخل سجن الموقف ومنح من هناك شهادة الدكتوراه. قد يعتبر البعض ان ما ذكرته هو خروج عن الموضوع ولكني رغبت ان أبين هذا السلوك المسؤول لجامعة أجنبية مع طالب غريب بلده في حالة حرب مع بلد هذه الجامعة. فهل تدعم جامعات العراق ومعاهده أساتذتها وطلبتها من أبناء البلد بهذا الشكل أو ما يشابهه؟ 4- مؤسسة المعاهد الفنية/معهد الإدارة الرصافة/قسم التأمين كان لابد من رفد كادر وسطي من الموظفين المتعلمين أكاديميا في شركات التأمين أو أقسام التأمين في الشركات الحكومية مثل قسم التأمين في شركة الخطوط الجوية العراقية أو شركة ناقلات النفط أو وزارة التجارة .. الخ لتغطي حاجتها من الموظفين على إدارة خدمة التأمين كمؤمن أو مؤمن له. وبالرغم من ان هذا المعهد قد خرج أكثر من 2400 طالب خلال ثلاثة عقود فهو لم يحقق هدفه الذي ذكرناه أعلاه. ويبدو ان معظم الطلبة الملتحقين بهذا المعهد من أصحاب المعدلات المنخفضة والذين لا يملكون خيارات متعددة ولم تكن الرغبة في التعلم هي هدفهم بل إبعاد تأريخ الالتحاق بالخدمة العسكرية الإلزامية للطلبة وكخيار أفضل من الجلوس في البيت بالنسبة للطالبات ما عدا قليل منهم شق طريقه في هذا المجال عمليا وبنجاح وخصوصا الدورات الأولى. ويبدو ان المختصين في اقتصاديات التعليم والتخطيط وجدوا ان التكاليف المدفوعة والجهد المبذول لإعداد هؤلاء الطلاب لا يوازي الفائدة والمردود المتوقع منهم وبدلا من مناقشة هذه المشكلة بشكل جدي من قبل المعنيين بالموضوع تم إغلاق هذا القسم ودمجه مع الأقسام المالية والمصرفية. (تم غلق القسم عام 2008) 5- مشروع أو فكرة تأسيس كلية أو جامعة للتأمين رفض البعض اعتبار هذا الموضوع كمشروع متكامل ومدروس إنما هو مجرد فكرة طرحت عام 1988 و 1996 أمام المسؤولين من خلال شركات التأمين أو بعض الأكاديميين. وقد تتحول هذه الفكرة إلى مشروع ممكن تحقيقه بعد توفر مستلزماته. ومن المؤكد ان البعض شعر بان هناك فجوة بين خريجي معهد التأمين وبين مشروع الدراسات العليا لهذا التخصص يمكن أن تردم من خلال تحقيق هذه الفكرة أو المشروع وعندها تقوم الكلية أو الجامعة بمنح شهادة البكالوريوس في هذا الاختصاص. 6- حجز مقاعد دراسية في معهد التأمين القانوني/لندن في العام 1990 تم حجز ستة مقاعد دراسية من قبل شركة التأمين الوطنية في معهد التأمين القانوني/لندن ولم يتحقق هذا المشروع بسبب بداية الحرب العراقية–الكويتية وقد تم مصادرة المبلغ المدفوع لغرض حجز هذه المقاعد والبالغ 70000 ألف باون وضاعت على الشركة وموظفيها هذه الفرصة مع المبلغ المدفوع. وقد تحقق في هذه المرحلة الثانية أهم انجاز في سوق التأمين العراقي والمؤسسات الأكاديمية بتأسيس قاعدة الإنتاج الأكاديمي، وهو الأصعب. وسيكون تطوير وتوسيع هذه القاعدة أقل صعوبة بفضل الخبرة التي تراكمت في هذه المرحلة. المرحلة الثالثة 1990 - 2003 وتمتاز هذه الفترة وهي فترة الحصار بما يلي: 1- هجرة عدد كبير من الكفاءات الوطنية من قطاع سوق التأمين أو من جامعات ومعاهد العراق ليتوزعوا على دول العالم وبنسبة كبيرة منهم في دول الخليج والأردن واليمن كموظفين وخبراء ومدراء لشركات التأمين وإعادة التأمين أو محاضرين في جامعات عديدة. 2- تقلص دراسات التأمين لنيل شهادة الماجستير والدكتوراه من داخل العراق وبشكل واضح قياسا إلى العدد في المرحلة الثانية، وانقطاع البعثات الخارجية. أحد أسباب هذا الانكماش هو تقلص العمل في سوق التأمين بسبب التدهور الاقتصادي الذي رافق هذه المرحلة. 3- انخفاض المستوى العلمي بشكل ملحوظ في كافة جامعات ومعاهد العراق لأسباب عديدة منها المستوى المعاشي للأساتذة وانقطاعهم عن العالم الخارجي والذي حرمهم من فرص المشاركة والاتصال مع الآخرين لاستيعاب التطور الحاصل عالميا. وبالرغم من هذا الحال لم ترفع المؤسسات الأكاديمية راية الاستسلام وبقيت تجاهد لتحافظ ما استطاعت على قيم هذه المؤسسة وقد اعتبرها بعض التدريسيون والطلبة خير ملاذ يحتمون به من التأثيرات السلبية التي كانت تنهش في جسد العراقيين وقيمهم واستطاعت ان تستمر في عطائها وان أصابها بعض الضرر. المرحلة الرابعة 2003 أرجو ان يفهم ان النقد والتقييم لهذه المرحلة يعود لأهميتها فلا قدرة لنا في تغير نتائج الماضي وقد ولى سوى الاستفادة من التجارب واستنتاج العبر أما الحاضر فهو ما نعيشه ونؤثر في حركته ونتأثر من حركة الآخرين لنكّون سوية قاعدة الانطلاق نحو مستقبل أفضل. وقد شارك في وصف وتقييم هذه المرحلة مجموعة من الأساتذة والطلاب من خلال استبيان آرائهم وكانت إجاباتهم متقاربة إلى حد كبير. وبشكل عام لا يعتبر مستوى النقد الموجه للمؤسسة الأكاديمية موقفاً بحد ذاته ضدها إنما هو تأكيد المجتمع وحرصه على هذه المؤسسة التي ينتظر منها الكثير وهي الأمل في إنتاج النخبة من التكنوقراط اللذين سيكون لهم دور كبير في حركة الحياة نحو الأفضل وكانت أهم نتائج هذا الاستبيان حول الدراسة الأكاديمية للتأمين كما يلي: 1- تأثر معظم الأساتذة والطلبة بالوضع الأمني السائد وان أكد الكثير منهم بوجود تحسن محسوس في السنة الأخيرة (2008). 2- مساندة إدارة الجامعات للاساتذه والطلبة في حل مشاكلهم العلمية والإدارية. 3- توفر المصادر الأجنبية والعربية وتقديم خدمة الانترنيت مجانا للأساتذة والطلبة وان أكد الكثير منهم بطء هذه الخدمة وعانى بعضهم من عدم كفاية المصادر وقدمها. 4- تأييد الجميع لإعادة إحياء مشروع إقامة كلية أو جامعة متخصصة بالتأمين. 5- اعتراف معظم الأساتذة بضرورة رفع المستوى العلمي للدراسة وتحفيز الطلبة بزيادة اجتهادهم. 6- انخفاض عدد التدريسيين المتخصصين في مجال التأمين حيث يبلغ عددهم من 30 إلى 35 تدريسي تقريبا في كافة جامعات العراق. 7- رفض الأساتذة والطلبة قرار الغاء قسم التأمين في معهد الإدارة ومطالبتهم بإعادة دراسة الموضوع من قبل العمادة. 8- وقد شهدت هذه المرحلة إعادة فتح فرع التأمين في المعهد العالي للدراسات المالية والمحاسبية عام 2007 وتكليف الدكتور علاء البلداوي صاحب الخبرة الطويلة في تدريس مادة التأمين في جامعات ومعاهد متعددة لرئاسة هذا الفرع والذي استوعب لحد الآن ثلاثة دورات بمعدل 17 طالبا سنويا. ومدة الدراسة فيه سنتين يمنح الطالب بعدها شهادة معادلة للماجستير. كما عادت جامعات أخرى بمنح شهادة الماجستير في التأمين ولكن بأعداد قليلة. وأكد جميع الأساتذة غياب التخطيط بين الجامعة وسوق التأمين الذي تسيطر وزارة المالية من خلال شركات التأمين العامة على معظم نشاطه إضافة إلى شركات القطاع الخاص. وبينما كنا نكتب تفاصيل هذه الورقة وصل كتاب وزارة المالية الذي يطلب فيه من شركات التأمين رأيهم ومشورتهم في عملية إعادة التواصل والتخطيط المشترك مع وزارة التعليم العالي/الجامعات والمعاهد. وعودة مرة ثانية لتقييم هذه الدراسة، نؤكد على ضرورة رفع مستوى التعليم ليكون حامل الشهادة قادرا على تحمل مسؤولية درجته العلمية ولا ننسى ونحن نحصي الأرقام عن عدد الخريجين ومستواهم العلمي قصة سمعناها ونحن أطفال عن حوار دار بين أرنبة ولبوة عندما تفاخرت الأولى بأنها تنجب 12 ارنبا في السنة فأجابت الأخرى بأنها تنجب واحد فقط ولكنه أسد. كما نؤكد على ضرورة رفع مستوى الطلبة في اللغة الانكليزية التي هي اللغة العالمية لموضوع التأمين وحاجة السوق كبيرة للتواصل مع الأسواق العالمية وكذلك معاهد وجامعات العالم. وكاتب هذه السطور يؤكد من خلال تجربته العملية عن ما فاته وما يشعر به من ندم لعدم إحاطته بهذا الموضوع وما زال الزمن لصالحهم. ونشير إلى ضرورة استحقاق أساتذة وطلاب قسم التأمين في المعهد العالي للدراسات المالية والمحاسبية وجامعات العراق التي تدرس موضوع التأمين لفرص الدراسة في البعثات الخارجية التي تعد وزارة التعليم العالي بتوفيرها لغرض تحفيز الطلبة على التنافس الايجابي وإعادة التواصل مع العالم الخارجي في هذا المجال في جانبه الأكاديمي. ومن المؤسف ان الأساتذة والطلبة أكدوا عدم توفر مثل هذه الفرص ولعل المسؤولين ينتبهوا لذلك. وفي النهاية، إذا كان التخطيط في كل مجال هو سمة التقدم فهل هناك تخطيط واضح ومشترك بين المؤسسات الأكاديمية والسوق العراقي للتأمين لتحقيق حاجة السوق من الكفاءات العراقية؟ رفع المستوى المعاشي للأساتذة ميزة مهمة لهذه المرحلة حيث أعادت إليهم ما يستحقونه من حقوق تحفظ لهم مكانتهم الاجتماعية وتساعد على تفرغهم لعملهم الأكاديمي. الدراسة الأكاديمية لإدارة الخطر يبين الدكتور سليم الوردي[3] وهو تدريسي ولفترة طويلة لمادة إدارة الخطر والتأمين ما نود بيانه في هذه الورقة حول هذا الموضوع كما يلي وبالوضوح الذي عودنا عليه: "دأبت أقسام إدارة الأعمال في جامعاتنا على تدريس مادة التأمين كمادة ساندة وفي مطلع الثمانينيات بدل اسم المادة إلى إدارة الخطر والتأمين وبدأت بعض المفردات الجديدة تشق طريقها إلى هذه المادة خاصة مفاهيم الخطر وأساليب معالجته وصفات مدير الخطر. ان تغييرا جوهريا لم يحدث إذ بقيت آليات التأمين القانونية والفنية تحتل الجزء الأكبر. أما مفاهيم إدارة الخطر فلا تحتل إلا رقعة متواضعة منها ولعل ذلك يعد انعكاس للواقع الموضوعي لإدارة الأعمال في منشأتنا الذي يتمثل في عدم تبلور اتجاهات إدارة الخطر بعد لكونها في المرحلة الجنينية من تطورها." وهناك تدريسيون لا يتجاوز عددهم الخمسة مختصون في هذه المادة إضافة إلى قيام بعض الطلبة بتقديم رسائل الماجستير حول هذا الموضوع وتطبيقاته في المجال الصناعي خصوصا وبعدد متواضع. وتدرس مادة إدارة الخطر كمادة مساندة في معاهد وكليات الإدارة وبشكل أكثر تركيزا في الدراسات العليا. دور شركات التأمين في دعم الجانب الأكاديمي ليس تحيزا لشركة التأمين الوطنية لكوني احد منتسبيها ولكن لكونها الشركة الأعرق من حيث التأريخ والأكثر سعة من حيث الاكتتاب لعبت دورا مهما في دعم الجانب الأكاديمي لدراسة التأمين مع التأكيد على ما قامت به شركة التأمين العراقية والإعادة العراقية في هذا المجال من خلال ما يلي: 1- تدريب طلبة معهد التأمين لفترات لا تقل عن شهر واحد في السنة في أقسامها المختلفة ولم تكن جدية الطلبة من الاستفادة من هذه الفرصة بالمستوى المطلوب للأسباب التي سبق ذكرها حول طلبة هذا المعهد. 2- استضافة طلاب الدراسات العليا والذين هم أكثر جدية واجتهاداً ورفدهم بالمعلومات الإحصائية والفنية المطلوبة. 3- اشرف بعض الموظفين، وخصوصا في زمن المرحلة الثانية، على رسائل الدبلوم والدكتوراه ولكن هذه الحالة لم تدم وذلك لسببين. الأول، ظهور جيل من التدريسيين في الجامعات قادر على أداء هذه المهمة. والثاني، تسرب معظم الكفاءات من أصحاب التحصيل العلمي العالي من شركات التـأمين. وقد تعرفنا في مكتبة التأمين الوطنية على ما لا يقل عن عشرين رسالة ماجستير أشرف عليها موظفين من شركات التأمين ومنها شركة إعادة التأمين العراقية. ونقترح لغرض دعم وتطوير هذا الدور ما يلي: 1- مشاركة التدريسيين ذوي الخبرة في مجالس إدارة الشركات الثلاث (التأمين الوطنية، العراقية، وإعادة التأمين) لتحقيق الفائدة المتبادلة من اطلاعهم على الواقع العملي واستفادة الشركات من إمكانياتهم العلمية. وقد تشكل مثل هذه المشاركة بادرة جيدة للربط بين قطاع التأمين والمؤسسات الأكاديمية. 2- نتيجة لفترة الحصار التي سبق ذكرها ظهرت هوة كبيرة بين الكادر القيادي للشركة وبين الكادر المتوسط من حيث المستوى ونظرا إلى ان الكادر المتقدم قد تقاعد أو هو قريب من زمن الإحالة على التقاعد فلا بد من توفير فرص التعيين من طلبة الدراسات العليا وخصوصا المتفوقين منهم لتهيئة الخط الثاني والبديل للكادر المتقدم. ويمتاز هؤلاء الطلبة باستعدادهم الفكري والعملي للقيام بهذه المهمة. ولا ننسى في عام 1981 حصل احد أصحاب الدراسات العليا وهو الأستاذ باقر المنشئ على منصب مدير فرع الإعادة وتأمين السفن والطيران وهو بعمر ال33 عاما.[4] وشغل أصحاب الشهادات العليا كثيرا من المناصب القيادية في الشركات الثلاث وبمراحل زمنية قصيرة من حيث الإعداد. وفي نهاية هذا البحث أرجو ان أكون قد وفقت في إيصال صورة تأريخية لتطور الدراسة الأكاديمية للتأمين وتوصيف ونقد التأريخ بشكل صحيح ما استطعت. ولعلي نجحت في مسعاي، وانتظر من الآخرين سماع رأيهم في هذه الورقة. أسجل أخيرا شكري لإدارة شركة التأمين الوطنية وقسم التسويق واخص بالذكر السيدة سعاد البيطار مسؤولة المكتبة لتعاونها والذي أكد عليه مجموعة الطلبة والأساتذة الزائرين. كما اشكر الأستاذ علاء البلداوي، رئيس قسم الدراسات العليا في التأمين، والأستاذ علاء الدين محمود كريم، التدريسي في المعهد التقني والمصرفي، ومجموعة من طلبة الدراسات العليا على تعاونهم. مروان هاشم ر. ملاحظين شركة التأمين الوطنية، بغداد 8 نيسان 2009 الهوامش [1] صدرت قوانين التأميم للقطاع التأميني والمصرفي في هذا العام وأصبح القطاع التأميني مكوناً من المؤسسة العامة للتامين التي تضم شركة التأمين الوطنية والتي تزاول التأمينات العامة وشركة التأمين على الحياة وشركة إعادة التأمين العراقية. [2] ألغيت المؤسسة العامة للتأمين بعد صدور قرارات ترشيق الهيكل الإداري عام 1986 وأصبح اتصال شركات التأمين مباشراً مع وزارة المالية. [3] ترك الدكتور سليم الوردي مجموعة كبيرة من المؤلفات والمقالات والبحوث والكتب المترجمة، كما حاضر في الدراسات العليا وكلية التراث واشرف على عدد من رسائل الماجستير وكان نموذجا للعطاء والمثابرة ونكران الذات وهو من شباب الجيل الأول. أنظر: سليم الوردي، التأمين وإعادة الخطر (بغداد، د.ن ، 1999)، ص 4،5. [4] رغبت ذكر اسم السيد محمد باقر المنشئ الذي كان له الدور الرئيسي في إعدادي الفكري والفني في موضوع التأمين وإعادة التأمين لأسجل احترامي وتقديري لأستاذي الأول في هذه المناسبة. * جميع الأرقام الإحصائية في هذا البحث قد لا تتطابق كليا مع الأرقام الحقيقية وذلك لصعوبة التوفر عليها، ولكننا نؤكد إن الانحرافات الحاصلة لا تمثل سوى نسب معقولة لا تؤثر على الاتجاه العام لهذه الدراسة.

2009/04/09

مقاربة لتاريخ التأمين في العراق ملاحظات أولية

مصباح كمال
نشرت هذه الورقة في مجلة الثقافة الجديدة، بغداد، العدد 328، 2008، ص67-76.

مصباح كمال

نزعم أن تاريخ التأمين في العراق لم يكتب بعد، وأن ما كتب عنه لا يتعدى العرض السريع لبضعة قوانين، وفي كل الأحوال يكون العرض مفصولاً عن البيئة الاقتصادية والسياسية. ولا ترقى الملاحظات التالية إلى دراسة تاريخية لعدم توفر المصادر وغياب المراجع، ولذلك فهي تتركز على مجموعة من نصوص قوانين التأمين التي وقعت بأيدينا.



لا ندعي أننا نمتلك أدوات البحث التاريخي للقيام بما لم يقم به غيرنا من زملاء المهنة أو من الأكاديميين. لكن الأمل يحدونا أن يقوم أحدهم بهذه المهمة لوصل الحاضر بالماضي، وتحليل تأثير التشريعات التأمينية على بنية السوق، والكشف عن مكانة النشاط التأميني في الاقتصاد العراقي. وما يرجى من هذه المحاولة هو تشجيع الغير على المساهمة في تجميع وتصنيف ودرس المعلومات والبيانات ذات العلاقة. وفي ظننا أن المساهمة يمكن أن تتخذ أشكالاً مختلفة: كتابة المذكرات أو السير الذاتية، تصنيف ببلوغرافيا بالمطبوعات التأمينية (كتب ومقالات)، تجميع البيانات الإحصائية، مراجعة التقارير السنوية وسجلات وثائق التأمين والتعويضات في شركات التأمين (نفترض بأنها محفوظة وتحتاج لمن يكشف عنها)، قرارات المحاكم في قضايا تأمينية، تحليل السياسة الاستثمارية، تطور الكثافة التأمينية، العلاقة بين شركات التأمين الخاصة والدولة في ظل الأنظمة المختلفة، الإنتاج، دور المرأة العراقية في شركات التأمين، الآثار الاقتصادية والتنظيمية لقوانين التأمين .. الخ. وسيكون مفيداً جداً لو تم العثور على أول وثيقة تأمين للحياة أو الحريق أو غيرها من فروع التأمين صدرت في العراق من قبل إحدى شركات التأمين. وكل هذا يستدعي وضع أرشيف للتأمين في العراق.



لسنا هنا بصدد التعريف بالمصادر المختلفة التي يمكن الكشف عنها والبحث فيها، إضافة إلى المراجع المطبوعة، لكننا نود الإشارة إلى أن بعض الكتابات في الشأن التأميني تتحيز لصالح الاعتماد على الأرقام والمستندات والحقائق الجافة، ولا عيب في ذلك وهي مطلوبة في حد ذاتها لخدمة إشباع موضوع معين عرضاً وتحليلاً، لكننا ننسى أحياناً أن التكنولوجيا الأساسية في صناعة التأمين تتمثل بالبشر من الإداريين والفنيين والحقوقيين وغيرهم من العاملين فيه. إذا سلمنا بهذه الأطروحة أصبح سهلاً أن نتمنى على شيوخ التأمين في العراق كتابة سيرهم الذاتية أو مذكراتهم. وحسب علمنا لم يقدم أحد من قطاع التأمين على الكتابة والنشر في هذا المجال في حين نشهد عدداً متزيداً من كتب المذكرات السياسية التي تساهم في إجلاء ما هو معتم في تطور العراق السياسي.



أدب السيرة آخذ في الانتشار في العراق وقام أكاديميون بالبحث في سيرة العديد من السياسيين العراقيين لكن الاهتمام بالسيرة لم يتوسع ليشمل دراسة اقتصاديين وقانونيين دونكم من عمل في قطاع التأمين. وكنا قد اقترحنا على أحد زملاءنا كتابة ما يشبه السيرة العمليه لبعض العناصر التي لعبت دوراً في الارتقاء بصناعة التأمين من خلال مواقف معينة أو رسم سياسات عملت في التطبيق على دعم الصناعة وسياسات أخرى كانت آثارها سلبية. قد نتحرج في الكتابة بهذا الشأن لكن وسيلتنا في التغلب على الحرج هي اتخاذ موقف أكاديمي موضوعي صارم عند الحديث عن الأشخاص في إطار البيئة التي كانوا يعملون فيها.



قد لا يختلف وضع سوق التأمين العراقي عن غيره من الأسواق العربية لكننا نطمح أن يتسنم أحدنا هذه المهمة ليكون من بين الأوائل في سد ثغرة البحث في تاريخ التأمين في العراق. هل أننا حالمون إن قلنا أن مشروع كتابة تاريخ التأمين يمكن أن يدخل في برنامج عمل جمعية شركات التأمين وإعادة التأمين في العراق؟ إن كان ذلك متعذراً، وهو ما لا نرجوه، أو ليس بمكنة الشركات العامة الثلاثة أن تكلف من يقوم ببحث وكتابة تاريخ كل منها؟ عمر شركة التأمين الوطنية يزيد عن نصف قرن وعمر الشركة العراقية للتأمين وشركة إعادة التأمين العراقية يقترب من ذلك سريعاً. ألا يستحق نصف قرن من الاستمرارية في العمل توثيقاً تاريخياً موضوعياً؟ لم نذكر شركات التأمين الخاصة لأنها حديثة العهد (2000) بعد أن أنهي وجود شركات التأمين الخاصة بقرارات التأمين سنة 1964. ولكن هل تدفع حمية من يود الدفاع عن القطاع الخاص نحو المساهمة في كتابة تاريخ التأمين أو بعضه؟

البحث والكتابة في تاريخ التأمين في العراق

نزعم أيضاً أن التأمين كفكرة أو آلية للتعامل مع الأخطار، أو ممارسة مهنية، أو نشاط اقتصادي متميز في العراق لا يجد له حضوراً في مجالات عدة: في برامج الأحزاب السياسية، وفي الصحافة، والدراسات الاقتصادية. وإن وجد له مكاناً، كما هو الحال في الصحافة أحياناً، فإنه يفتقر إلى العرض الجيد كما يفتقر إلى التحليل. أما الإشارة في الدراسات الاقتصادية للتأمين فهي عابرة إذ لا يتوقف الكُتّاب عندها رصداً وتحليلاً رغم الدور الاقتصادي المتوقع من صناديق التأمين في المساهمة في التنمية الاقتصادية. ونحن نميل في تفسير هذه الحالة إلى أن شحة الإشارة والمعالجة للتأمين في الأدبيات الاقتصادية يعود إلى المكانة المهيمنة للريع النفطي في الاقتصاد العراقي وعدم الاهتمام بالدور الاقتصادي الكامن للأموال المتجمعة لدى شركات التأمين وسبل تعظيمها وتدويرها لأغراض الاستثمار.



لكن التأمين يجد له حضوراً قانونياً طاغياً فهناك عدد كبير نسبياً من القوانين التي تنظم تأسيس وعمل شركات التأمين، وتنظيم سوق التأمين والرقابة عليه، إضافة إلى مجموعة من القوانين والتعليمات التي تنضم أنماطاً معينة من التأمين (الضمان) لقطاعات معينة خارج سوق التأمين التجاري. نقول هذا وفي بالنا القوانين الخاصة بصناديق ضمان موظفي الدولة، أطباء الأسنان، الصيادلة، الجمعيات الفلاحية، المعلمين، وقوانين التقاعد والضمان الاجتماعي للعمال، والرعاية الاجتماعية .. الخ. ولم يلق هذا النمط من التأمين دراسة متخصصة تحت عنوان ما يعرف بالتأمين الاجتماعي واقتصادياته. ويمكننا القول، من باب التعميم، أن اقتصاديات قوانين التأمين ذاتها لم تلق عناية الباحثين في العراق إذ أن الكلفة الاقتصادية لتطبيق القوانين وآثارها الاقتصادية، قد تكون مضمرة في ذهن الشارع، لكنها لا تترجم في دراسات مستقلة. وقد آن الأوان الانتباه لهذا الأمر وترويج البحث العلمي في مصادر تمويل ما يشرع من قوانين وما يترتب عليها من نتائج اقتصادية وغيرها من نتائج منظورة وغير منظورة.

البحث في الاقتصاد الجزئي والكلي للتأمين في العراق

يقودنا هذا العرض السريع إلى تأكيد جانب آخر يكاد أن يكون مفقوداً في الدراسات التأمينية في العراق ونعني به الاقتصاد الكلي والجزئي للتأمين ليس فقط من المنظور النظري وإنما في تطوره التاريخي. ويمكن رسم ملامح دراسة النشاط التأميني ضمن التاريخ الاقتصادي له باستحضار عناوين معروفة في الدراسات النظرية نجملها كما يلي.

الاقتصاد الجزئي للتأمين

الدور الاقتصادي للتأمين.

التأمين كخدمة منتجة للدخل (التفريق بين قطاع إنتاج المنتجات المادية وقطاع إنتاج الدخول).

عرض التأمين: القيود الاكتتابية، القيود الرقابية، التكاليف الثابتة والمتغيرة، العرض في المدى القصير والمدى الطويل، وفورات الحجم.

الطلب على التأمين: العوامل السياسية، العوامل الاقتصادية، العوامل الشخصية.

سعر التأمين.



الاقتصاد الكلي للتأمين

الناتج الوطني الإجمالي.

التأمين على الحياة كوسيلة ادخارية: مؤمنو التأمين على الحياة كوسطاء ماليين، مزايا التأمين على الحياة كوسيلة للتوفير/الادخار، فرادة التأمين على الحياة كوسيلة ادخارية، استقرار الوسيلة الادخارية في التأمين على الحياة.

الاستثمار: طبيعة الاستثمار التأمين في الحياة وفي غير الحياة.

العمالة والنشاط التأميني.

إعادة توزيع الدخل.

التضخم ودورة الأعمال.

التغيير السكاني.

السياسة المالية: الإنفاق العام/الحكومي، الضرائب، الرقابة/السيطرة/الإقناع الأخلاقي.

السياسة النقدية: أدوات السياسة النقدية، تأثير السياسة النقدية.

التجارة الدولية.



وتحتاج مثل هذه الدراسة الانتباه إلى بنية السوق (شركات خاصة وعامة للتأمين المباشر وإعادة التأمين وصناديق التأمين خارج السوق التجاري للتأمين) وخضوع السوق للمنافسة أو الاحتكار.



دراسة التاريخ الاقتصادي للتأمين في العراق، رغم عمره القصير، كفيل بأن يكشف لنا العلاقة الوثيقة بين النظام السياسي (سلطة التشريع) والاقتصادي وطبيعة النشاط التأميني. ففي الفترة السابقة للاستقلال عندما كان العراق تحت الاحتلال الإنجليزي، كان النشاط التأميني مقصوراً على فروع ووكالات شركات التأمين الأجنبية، وربما كان هذا امتداداً لما كان قائماً قبل الاحتلال. تغير الوضع قليلاً مع صدور قانون شركات التأمين رقم 74 لسنة 1936، إبان وزارة ياسين الهاشمي الثانية، من خلال وضع ضوابط معينة على عمل الشركات (وسيكون هذا القانون موضوعاً للمعالجة في فصل قادم).



وفي الفترة التي أعقبت الحرب العالمية الثانية، ومع نمو الإمكانيات المالية للرأسمالية الوطنية، تم تشكيل أول شركة تأمين عراقية برأسمال عراقي 40% وأجنبي 60%. ومع نمو الريع النفطي وتأسيس مجلس الإعمار (1950) دخلت الدولة لأول مرة حقل التأمين بتأسيس شركة التأمين الوطنية سنة 1950 (بدء العمل الحقيقي سنة 1952). وشكلت ثورة تموز 1958 انعطافة مهمة في تطور التأمين في العراق إذ تأسست شركتين عراقيتين خاصتين في 1958 (شركة بغداد للتأمين) و 1959 (شركة التأمين العراقية). تبع ذلك تأسيس أربع شركات خاصة أخرى. وفي سنة 1960 تأسست شركة إعادة التأمين العراقية في محاولة لتعزيز سوق التأمين والحد من تصدير العملة الصعبة لشراء حماية إعادة التأمين من الخارج وكان ذلك متناغماً مع المنهج الاقتصادي الذي ستركز عليه الأونكتاد.



وجاءت قوانين التأميم في تموز 1964، التي شملت شركات التأمين، لتجهز على القاعدة الاقتصادية الضعيفة للرأسمالية الوطنية إذ لم تكن هناك ضرورة اقتصادية أو سياسية للتأميم وإنما تقليداً لما جرى في مصر وهرولة نحو تطبيق مواقف إيديولوجية شعاراتية. ما ترتب على تأميم شركات التأمين من نتائج على بنية سوق التأمين وتطوره اللاحق يستحق الدراسة الموضوعية المتأنية قبل إطلاق الأحكام، ونكتفي هنا بالقول أن السوق أصبح حكراً على ثلاث شركات متخصصة هي شركة التأمين العراقية (تأمين الحياة)، شركة التأمين الوطنية (التأمينات العامة) وشركة إعادة التأمين العراقية (إعادة التأمين).



مع تعاظم الريع النفطي بعد تأميم شركات النفط الأجنبية (1972-1975) أزداد الطلب على التأمين، وخاصة التأمين البحري على البضائع والتأمين الهندسي على المشاريع، ليسجل أرقاماً قياسية في فترة ما يسمى "خطة التنمية الانفجارية" وهي ذات الفترة التي شهدت تعزيز النظام الاستبدادي الإرادوي ونهج الدولة الريعية وإعادة التوزيع الطبقي لموارد الدولة لبناء نظام الاستبداد الحزبي والعائلي.



حروب النظام (الحرب العراقية الإيرانية 1980-1988 وغزو الكويت 199) وما تبعها من عقوبات اقتصادية عملت على تآكل قطاع التأمين العراقي، وخسارته لحماية إعادة التأمين الدولية، وعودة النظام الاستبدادي إلى وضع قوانين تسمح بعمل القطاع الخاص (1997) من خلال قانونين جديدين للشركات الخاصة والعامة. وبدأت أول شركات التأمين الخاصة عملها سنة 2000.



وجاء قانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005 ليعكس منهج الليبرالية الجديدة المحمول إلى العراق على المدافع الأمريكية وهو قانون أمريكي بامتياز رغم توقيع رئيس الوزراء العراقي عليه في حزيران 2005. وبفضل هذا القانون تم تأسيس ديوان التأمين العراقي (أول جهاز متخصص للإشراف والمراقبة على قطاع التأمين رغم قصوره في أداء مهامه لأسباب تستحق الدرس) وجمعية شركات التأمين وإعادة التأمين في العراق). ومع مرور الوقت، واعتماداً على الدستور العراقي الذي أقر في استفتاء 15 تشرين الأول 2005، من المؤمل أن يتشكل سوق تأميني فيدرالي رغم أن الواقع الحالي لا يشير إلى ذلك.



هذه باختصار بعض ملامح صورة التأمين العراقي خلال نصف قرن، وقد عرضناها كمحاولة أولية لتحفيز البحث في تاريخ قطاع التأمين ضمن ارتباطه بالأوضاع الاقتصادية والسياسية، وقد نعود إليها بعد توفر بعض المراجع.



مصباح كمال

لندن 12 تشرين الأول 2008




 
[i]، قرارات المحاكم في قضايا تأمينية، تحليل السياسة الاستثمارية لشركات التأمين، تطور التغلغل والكثافة التأمينية، العلاقة بين شركات التأمين الخاصة والدولة في ظل الأنظمة المختلفة، الإنتاج، دور المرأة العراقية في شركات التأمين، الآثار الاقتصادية والتنظيمية لقوانين التأمين، تأثير الحروب والعقوبات الاقتصادية .. الخ. وسيكون مفيداً جداً لو تم العثور على أول وثيقة تأمين للحياة أو الحريق أو غيرها من فروع التأمين صدرت في العراق من قبل إحدى شركات التأمين. وكل هذا يستدعي العمل على وضع أرشيف للتأمين في العراق. لسنا هنا بصدد التعريف بالمصادر المختلفة التي يمكن الكشف عنها والبحث فيها، إضافة إلى المراجع المطبوعة، لكننا نود الإشارة إلى أن بعض الكتابات في الشأن التأميني تتحيز لصالح الاعتماد على الأرقام والمستندات والحقائق الجافة، ولا عيب في ذلك وهي مطلوبة في حد ذاتها لخدمة إشباع موضوع معين عرضاً وتحليلاً، لكننا ننسى أحياناً أن التكنولوجيا الأساسية في صناعة التأمين تتمثل بالبشر من الإداريين والفنيين والحقوقيين وغيرهم من العاملين فيه رجالاً ونساءًً. إذا سلمنا بهذه الأطروحة أصبح سهلاً أن نتمنى على شيوخ التأمين في العراق كتابة سيرهم الذاتية أو مذكراتهم. وحسب علمنا لم يقدم أحد من قطاع التأمين على الكتابة والنشر في هذا المجال في حين نشهد عدداً متزيداً من كتب المذكرات السياسية التي تساهم في إجلاء ما هو معتم في تطور العراق السياسي.[ii] أدب السيرة آخذ في الانتشار في العراق وقام أكاديميون وغيرهم بالبحث في سيرة العديد من السياسيين العراقيين لكن الاهتمام بالسيرة لم يتوسع ليشمل دراسة مفكرين اقتصاديين وقانونيين دونكم من عمل في بناء قطاع التأمين. وكنا قد اقترحنا على أحد زملاءنا كتابة ما يشبه السيرة العمليه لبعض العناصر التي لعبت دوراً في الارتقاء بصناعة التأمين من خلال مواقف معينة أو رسم سياسات عملت في التطبيق على دعم الصناعة وسياسات أخرى كانت آثارها سلبية. لكن هذا الاقتراح لم يلق الاستجابة. قد نتحرج في الكتابة بهذا الشأن لكن وسيلتنا في التغلب على الحرج هي اتخاذ موقف أكاديمي موضوعي صارم عند الحديث عن الأشخاص في إطار البيئة التي كانوا يعملون فيها. قد لا يختلف وضع سوق التأمين العراقي بهذا الشأن عن غيره من الأسواق العربية لكننا نطمح أن يتولى أحدنا هذه المهمة ليكون من بين الأوائل في سد ثغرة البحث في تاريخ التأمين في العراق.[iii] هل أننا حالمون إن قلنا أن مشروع كتابة تاريخ التأمين يمكن أن يدخل في برنامج عمل جمعية شركات التأمين وإعادة التأمين في العراق؟ إن كان ذلك متعذراً، وهو ما لا نرجوه، أو ليس بمكنة الشركات العامة الثلاث أن تكلف من يقوم ببحث وكتابة تاريخ كل منها؟ عمر شركة التأمين الوطنية يزيد عن نصف قرن وعمر الشركة العراقية للتأمين وشركة إعادة التأمين العراقية يقترب من ذلك سريعاً. ألا يستحق نصف قرن من الاستمرارية في العمل توثيقاً تاريخياً موضوعياً؟ لم نذكر شركات التأمين الخاصة لأنها حديثة العهد (2000) بعد أن أنهي وجود شركات التأمين الخاصة بقرارات التأمين سنة 1964. ولكن هل تدفع حمية من يود الدفاع عن القطاع الخاص التحرك نحو المساهمة في كتابة تاريخ التأمين أو بعضه؟ هناك أُسر تجارية عراقية ساهمت في تأسيس شركات خاصة لم يقم أحد أفرادها بتأرخة دورها الاقتصادي أو في الحياة العامة، ولم ينهض مؤرخ أكاديمي ببحث دور مثل هذه الأسر عن كثب غير ما قام به الباحث الفلسطيني المرحوم حنا بطاطو.[iv] نزعم أيضاً أن التأمين كفكرة أو آلية للتعامل مع الأخطار، أو ممارسة مهنية، أو نشاط اقتصادي متميز في العراق لا يجد له حضوراً في مجالات عدة: في برامج الأحزاب السياسية، وفي الصحافة، والدراسات الاقتصادية. وإن وجد له مكاناً، كما هو الحال في الصحافة أحياناً، فإنه يفتقر إلى العرض الجيد كما يفتقر إلى التحليل.[v] أما الإشارة في الدراسات الاقتصادية للتأمين فهي عابرة إذ لا يتوقف الكُتّاب عندها رصداً وتحليلاً رغم الدور الاقتصادي المتوقع من صناديق التأمين في المساهمة في التنمية الاقتصادية.[vi] ونحن نميل في تفسير هذه الحالة إلى أن شحة الإشارة والمعالجة للتأمين في الأدبيات الاقتصادية يعود إلى المكانة المهيمنة للريع النفطي في الاقتصاد العراقي وعدم الاهتمام بالدور الاقتصادي الكامن للأموال المتجمعة لدى شركات التأمين وسبل تعظيمها وتدويرها لأغراض الاستثمار، معترفين في نفس الوقت بضآلة الموارد المالية التي ينتجها قطاع التأمين ومساهمته في توفير فرص العمالة، مثلاً، مقارنة بالقطاع النفطي، ولذلك فهو لا يلقى عناية الباحثين. لكن التأمين يجد له حضوراً قانونياً يكاد أن يكون طاغياً، فهناك عدد كبير نسبياً من القوانين التي صدرت منذ ثلاثينات القرن العشرين والتي تنظم تأسيس وعمل شركات التأمين، وتنظيم سوق التأمين والرقابة عليه، إضافة إلى مجموعة من القوانين والتعليمات التي تنضم أنماطاً معينة من التأمين (الضمان) لقطاعات معينة خارج سوق التأمين التجاري. نقول هذا وفي بالنا القوانين الخاصة بصناديق ضمان موظفي الدولة، أطباء الأسنان، والصيادلة، والجمعيات الفلاحية، والمعلمين، وقوانين التقاعد والضمان الاجتماعي للعمال، والرعاية الاجتماعية .. الخ. ولم يلق هذا النمط من التأمين غير التجاري دراسة متخصصة تحت عنوان ما يعرف بالتأمين الاجتماعي واقتصادياته. ويمكننا القول، من باب التعميم، إن اقتصاديات قوانين التأمين ذاتها لم تلق عناية الباحثين في العراق إذ أن الكلفة الاقتصادية لتطبيق القوانين وآثارها الاقتصادية (على سبيل المثال، دراسة تمويل صندوق الضمان الاجتماعي أو الآثار الاقتصادية لقوانين التأمين الإلزامي على حوادث السيارات) قد تكون مضمرة في ذهن الشارع، لكنها لا تترجم في دراسات مستقلة. وقد آن الأوان الانتباه لهذا الأمر وترويج البحث العلمي في مصادر تمويل ما يشرع من قوانين وما يترتب عليها من نتائج اقتصادية وغيرها من نتائج منظورة وغير منظورة.
البحث والكتابة في تاريخ التأمين في العراق نزعم أن تاريخ التأمين في العراق لم يكتب بعد، وأن ما كتب عنه لا يتعدى العرض السريع لبضعة قوانين، وفي كل الأحوال يكون العرض مفصولاً عن البيئة الاقتصادية والسياسية. ولا ترقى الملاحظات التالية إلى دراسة تاريخية لعدم توفر المصادر وغياب المراجع، ولذلك فهي تتركز على مجموعة من نصوص قوانين التأمين التي وقعت بأيدينا. لا ندعي أننا نمتلك أدوات البحث التاريخي للقيام بما لم يقم به غيرنا من زملاء المهنة أو من الأكاديميين. لكن الأمل يحدونا أن يقوم أحدهم بهذه المهمة لوصل الحاضر بالماضي، وتحليل تأثير التشريعات التأمينية على بنية السوق، والكشف عن مكانة النشاط التأميني في الاقتصاد العراقي. وما يرجى من هذه المحاولة هو تشجيع الغير على المساهمة في تجميع المصادر وتصنيف ودرس المعلومات والبيانات ذات العلاقة. وفي ظننا أن المساهمة يمكن أن تتخذ أشكالاً مختلفة: كتابة المذكرات أو السير الذاتية، تصنيف ببلوغرافيا بالمطبوعات التأمينية (كتب ومقالات وأخبار متناثرة في الصحف والمجلات)، تجميع البيانات الإحصائية، مراجعة التقارير السنوية وسجلات وثائق التأمين والتعويضات في شركات التأمين (نفترض بأنها محفوظة وتحتاج لمن يكشف عنها)

 البحث في الاقتصاد الجزئي والكلي للتأمين في العراق يقودنا هذا العرض السريع إلى تأكيد جانب آخر يكاد أن يكون مفقوداً في الدراسات التأمينية في العراق ونعني به الاقتصاد الكلي والجزئي للتأمين ليس فقط من المنظور النظري وإنما في تطوره التاريخي. ويمكن رسم ملامح دراسة النشاط التأميني ضمن التاريخ الاقتصادي له باستحضار عناوين معروفة في الدراسات النظرية للتأمين نجملها كما يلي.[vii] الاقتصاد الجزئي للتأمين الدور الاقتصادي للتأمين في تجميع واستثمار الأرصدة النقدية والمساهمة في التنمية الاقتصادية. التأمين كخدمة منتجة للدخل (التفريق بين قطاع إنتاج المنتجات المادية وقطاع إنتاج الدخول). عرض التأمين: القيود الاكتتابية، القيود الرقابية، التكاليف الثابتة والمتغيرة، العرض في المدى القصير والمدى الطويل، وفورات الحجم. الطلب على التأمين: العوامل السياسية، العوامل الاقتصادية، العوامل الشخصية. سعر التأمين ومحدداته السوقية (المنافسة بين الشركات، العرض والطلب، القدرات الاستيعابية للشركات) والقانونية (أسعار التأمين الإلزامي كما هو الحال في بعض البلدان ومثالها التأمين الإلزامي على السيارات). الاقتصاد الكلي للتأمين الناتج الوطني الإجمالي ومساهمة قطاع التأمين. التأمين على الحياة كوسيلة ادخارية: مؤمنو التأمين على الحياة كوسطاء ماليين، مزايا التأمين على الحياة كوسيلة للتوفير/الادخار، فرادة التأمين على الحياة كوسيلة ادخارية، استقرار الوسيلة الادخارية في التأمين على الحياة. الاستثمار: طبيعة الاستثمار في التأمين على الحياة وفي غير الحياة. العمالة والنشاط التأميني. إعادة توزيع الدخل. التضخم ودورة الأعمال. التغيير السكاني وأثره على الطلب على التأمين. السياسة المالية: الإنفاق العام/الحكومي، الضرائب، الرقابة/السيطرة/الإقناع الأخلاقي. السياسة النقدية: أدوات السياسة النقدية، تأثير السياسة النقدية على قطاع التأمين. التجارة الدولية وميزان المدفوعات. وتحتاج مثل هذه الدراسة الجمع بين طرائق البحث التاريخي، والأساليب الإحصائية في البحث والاستعانة بالنظريات الاقتصادية في فهم نشوء وتطور النشاط التأميني وتطبيق ذلك، حسب الحاجة والمعطيات المتوفرة، كمثال، على بنية السوق (شركات خاصة وعامة للتأمين المباشر وإعادة التأمين، وصناديق التأمين خارج السوق التجاري للتأمين، والكيانات الرقابية المنظمة لسوق التأمين، والجمعيات المهنية التأمينية) وخضوع السوق للمنافسة أو الاحتكار وتأثره بالمتغيرات التي تحصل في سوق التأمين العالمي .. الخ. دراسة التاريخ الاقتصادي للتأمين في العراق، رغم العمر القصير لنشاط التأمين في العراق، كفيل أيضاً بأن يكشف لنا العلاقة القائمة بين النظام السياسي (سلطة التشريع) والاقتصادي وتكييفه لطبيعة النشاط التأميني. القانون لا يؤسس النشاط بل هو انعكاس لهذا النشاط ومتى ما قامت العلاقة بينهما يأخذ القانون بالتأثير على هذا النشاط. ولعل خير مثال على ذلك تشريعات التأمين الإلزامي على السيارات في مختلف البلدان إذ تضع هذه القوانين الضوابط السعرية للتأمين ونطاق التغطية الخ.

 مراحل في تطور التأمين في العراق في ما يلي نقدم محاولة أولية لتحقيب تاريخ التأمين العراقي تخلو من التفاصيل بأمل أن يقوم غيرنا بالبحث فيها. ويمكن تعديل هذه المحاولة بربط تاريخ التأمين بصدور أول قانون للتأمين في العراق (1936)، تأسيس أول شركة تأمين عراقية خاصة (1946)، تأسيس أول شركة تأمين مملوكة للدولة (1950)، دور القانون الجديد لتنظيم أعمال التأمين (1960)، تأميم شركات التأمين (1964)، تأميم النفط وتطور التأمين (1972-1980)، حروب النظام الشمولي وبدء تآكل قطاع التأمين (1980-2003)، الاحتلال الأمريكي للعراق (2003- حتى الوقت الحاضر).

فترة ما قبل الاستقلال في الفترة السابقة للاستقلال، عندما كان العراق تحت الاحتلال الإنجليزي، كان النشاط التأميني مقصوراً على فروع ووكالات شركات التأمين الأجنبية، وربما كان هذا امتداداً لما كان قائماً قبل الاحتلال حيث كانت الشركات الأجنبية تعمل بموجب الامتيازات الممنوحة لها في العهد العثماني. وقتها لم يكن الطلب الوطني على الحماية التأمينية في العراق فعّالاً بسبب غياب الصناعة الحديثة (وسيادة الانتاج الحرفي) والاعتماد الأساسي على الانتاج الزراعي. ويشهد تاريخ التأمين على المستوى العالمي أن تطور التأمين كان معتمداً على التجارة الخارجية وعلى تحول المانيفكتورات إلى الصناعة الحديثة ونهوض طبقة اجتماعية تتمتع بالثراء وتعمل على الحفاظ عليه من خلال التأمين. وقد تغير الوضع التأميني قليلاً مع صدور قانون شركات التأمين رقم 74 لسنة 1936، إبان وزارة ياسين الهاشمي الثانية، من خلال وضع ضوابط معينة على عمل الشركات (وسيكون هذا القانون موضوعاً للمعالجة في فصل قادم) مما يؤشر على تطور في التجارة وفي الصناعة والتكوينات الطبقية الجديدة في العاصمة بغداد والمدن الرئيسية الأخرى التي شهدت نمواً سكانياً وعمرانياًً.

فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية في الفترة التي أعقبت الحرب العالمية الثانية، ومع نمو الإمكانيات المالية للرأسمالية الوطنية، تم تشكيل أول شركة تأمين عراقية برأسمال عراقي 40% وأجنبي 60%. ومع نمو الريع النفطي وتأسيس مجلس الإعمار (1950) دخلت الدولة لأول مرة حقل التأمين بتأسيس شركة التأمين الوطنية سنة 1950 (بدأ العمل الحقيقي للشركة سنة 1952). وشكّلت ثورة تموز 1958 انعطافة مهمة في تطور التأمين في العراق إذ تأسست شركتين عراقيتين خاصتين: شركة بغداد للتأمين سنة 1958 وشركة التأمين العراقية سنة 1959. تبع ذلك تأسيس أربع شركات خاصة أخرى. وفي سنة 1960 تأسست شركة إعادة التأمين العراقية (شركة مختلطة) في محاولة وطنية لتعزيز سوق التأمين وتطوير قدراته الذاتية والحد من تصدير العملة الصعبة لشراء حماية إعادة التأمين من الخارج. وكان ذلك متناغماً مع المنهج الاقتصادي الذي ستركز عليه منظمة الأونكتاد خلال ستينات وسبعينات القرن العشرين. وهكذا شهدنا تأسيس شركات عربية لإعادة التأمين.

 تأميم قطاع التأمين وجاءت قوانين التأميم في تموز 1964، التي شملت شركات التأمين، لتجهز على القاعدة الاقتصادية الضعيفة للرأسمالية الوطنية إذ لم تكن هناك ضرورة اقتصادية أو سياسية للتأميم وإنما جاء التأميم تقليداً لما جرى في مصر وهرولة نحو تطبيق مواقف إيديولوجية شعاراتية. ما ترتب على تأميم شركات التأمين من نتائج على بنية سوق التأمين وتطوره اللاحق، سلبياً أو إيجابياً، يستحق الدراسة الموضوعية المتأنية قبل الاستغراق في إطلاق الأحكام، ونكتفي هنا بالقول أن السوق في هذه المرحلة أصبح حكراً على ثلاث شركات متخصصة هي شركة التأمين العراقية (تأمينات الحياة)، شركة التأمين الوطنية (التأمينات العامة) وشركة إعادة التأمين العراقية (إعادة التأمين).

قطاع التأمين بين الازدهار والتآكل مع تعاظم الريع النفطي بعد تأميم شركات النفط الأجنبية (1972-1975) أزداد الطلب على التأمين، وخاصة التأمين البحري على البضائع والتأمين الهندسي على المشاريع، ليسجل أرقاماً قياسية في فترة ما يسمى "خطة التنمية الانفجارية" وهي ذات الفترة التي شهدت تعزيز النظام الاستبدادي الإرادوي وتعزيز نهج الدولة الريعية وإعادة التوزيع الطبقي لموارد الدولة لبناء نظام الاستبداد الحزبي والعشائري العائلي. إن تحليل إحصائيات هذه الفترة يمكن أن يلقي ضوءاً على مدى ارتباط التوسع في أعمال التأمين باستخدام معيار الكثافة التأمينية (الإنفاق الفردي على شراء الحماية التأمينية، أي إجمالي أقساط التأمين منسوباً إلى عدد السكان) ومعيار التغلغل التأميني (نسبة دخل أقساط التأمين إلى الناتج المحلي الإجمالي لتحديد أهمية قطاع التأمين في الاقتصاد الوطني، وكلما كانت هذه النسبة مرتفعة دلّ ذلك على أن نمو قطاع التأمين يفوق سرعة نمو الاقتصاد الوطني) كنتيجة لهذه السياسة الاقتصادية أو انعكاساً للجهود الذاتية لشركات التأمين. شهدت بدايات الثمانينيات إصدار قانون التأمين الإلزامي على السيارات وكانت وقتها خطوة متقدمة جداً قائمة على مبدأ افتراض المسؤولية عن الضرر دون الاعتماد على إثبات المسؤولية التقصيرية لسائق المركبة. كما شهد أيضاً ميلاد الصندوق العربي لتأمين أخطار الحرب الذي جاء كرد فعل على الزيادات الكبيرة في تأمين أخطار الحرب على السفن المتجهة إلى الخليج. لكن حروب النظام (الحرب العراقية الإيرانية 1980-1988 وغزو الكويت 1990) وما تبعها من عقوبات اقتصادية فرضها مجلس الأمن الدولي (1990-2003) عملت على تآكل قطاع التأمين العراقي وهبوط قيمة الأصول المالية المتجمعة لديه، وخسارته لحماية إعادة التأمين الدولية، ووقف التأمين في كوردستان العراق بعد سحب المؤسسات الرسمية من الإقليم، وتهجير الكفاءات بحجة التبعية .. الخ.

إعادة هيكلة السوق وبحلول 1997 تحول النظام الاستبدادي نحو وضع قوانين تسمح بعمل القطاع الخاص من خلال قانونين جديدين للشركات: قانون الشركات رقم 21 لسنة 1997 وقانون الشركات العامة رقم 22 لسنة 1997. واعتماداً على هذه القوانين بدأت أول شركات التأمين الخاصة عملها سنة 2000.

قطاع التأمين منذ الاحتلال الأمريكي ازداد عدد شركات التأمين الخاصة (14 شركة حتى وقت كتابة هذه الورقة) بعد سقوط النظام الشمولي في نيسان 2003 إلا أن دورها وحجم أعمالها ما زال ضعيفاً. وجاء قانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005 ليعكس منهج الليبرالية الجديدة المحمول إلى العراق على المدافع الأمريكية وهو قانون أمريكي بامتياز رغم توقيع رئيس الوزراء العراقي عليه في حزيران 2005.[viii] وبفضل هذا القانون تم تأسيس ديوان التأمين العراقي (أول جهاز متخصص للإشراف والمراقبة على قطاع التأمين رغم قصوره في أداء مهامه في الوقت الحاضر لأسباب تستحق الدرس) وجمعية شركات التأمين وإعادة التأمين في العراق التي لم تثبت فاعليتها بعد). ومع مرور الوقت، واعتماداً على الدستور العراقي الذي أقر في استفتاء 15 تشرين الأول 2005، من المؤمل أن يتشكل سوق تأميني فيدرالي رغم أن الواقع الحالي لا يشير إلى ذلك.[ix] ويرتبط هذا الموضوع بمهمة إعادة النظر في قانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005 وتعديل الأحكام الضارة لهذا القانون التي لا تنسجم مع مصالح شركات التأمين العراقية. ويثير هذا الموضوع أيضاً ضرورة العمل على إجراء التأمين مع شركات تأمين مسجلة في العراق لوقف تسرب أقساط التأمين إلى الخارج وذلك من خلال وقف التجاوز الفظ لشركات التأمين العراقية، من قبل الشركات الأجنبية العاملة في العراق والمؤسسات الحكومية وحكومة إقليم كوردستان، شركات التأمين العراقية أولى بها، لبناء قطاع تأمين فيدرالي وطني. هناك، من بين أمور عديدة أخرى، التهيؤ، الآن، لمواجهة الآثار التي ستطال قطاع التأمين عند دخول العراق في عضوية منظمة التجارة العالمية. إن كان قطاع التأمين ومؤسساته غير قادر على الارتقاء بالنشاط التأميني، الذي يكاد أن يكون مهملاً رسمياً، فالأولى أن ينهض بعض أعضاء البرلمان أو الأحزاب السياسية تبني مشروع إخراج قطاع التأمين من وهدته. هذه باختصار بعض الملامح عن تطور قطاع التأمين العراقي خلال ما يزيد عن نصف قرن، وقد عرضناها كمحاولة أولية لتحفيز البحث في تاريخ قطاع التأمين ضمن ارتباطه بالأوضاع الاقتصادية والسياسية، وقد نعود إليها بعد توفر بعض المراجع.

 مصباح كمال
لندن 20 تشرين الأول 2008

[i] هناك قوانين بشأن الحفاظ على الوثائق وإتلافها ومنها قانون المركز الوطني للوثائق رقم 142 لسنة 1963، وقانون إتلاف الأوراق الرسمية رقم 141 لسنة 1972، والتعليمات رقم 2 "تقييم الوثائق الخاصة بوزارة المالية" المنشورة في الوقائع العراقية - رقم العدد:2990 بتاريخ:4/23/1984 والصادرة بموجب قانون الحفاظ على الوثائق رقم 70 لسنة 1983 وتشمل وثائق المؤسسة العامة والمنشآت التابعة لها.

[ii] في بحث عن موضوع في الشبكة العنكبوتية قرأنا عرضاً لكتاب عبد الكريم محمد رؤوف القطان، مذكرات من جنوب العراق.. من الطفولة إلى المنفى (بيروت: دار الساقي، 2005) بقلم نضير الخزرجي (http://www.annabaa.org/nbahome/nba81/027.htm) يذكر فيه بعضاً من تجربة القطان بعد أن ذكر بأنه [القطان] كان في نيويورك في رحلة عمل خاصة بشركة التامين التجاري العراقية. ما نتمناه هو التوسع في الذاكرة. كم كان مفيداً للباحث لو تعرفنا على عمل القطان، وهو الاقتصادي، في هذه الشركة. لم نطلع على كتابه بعد.

 [iii] مصباح كمال "مداخلة حول تحديث البحث في التأمين وتاريخه في العالم العربي" (لندن: آب 2008، لم ينشر بعد. من المؤمل أن ينشر أواخر 2008 في التأمين العربي، مجلة الاتحاد العام العربي للتأمين، القاهرة). الفقر في دراسة النشاط التأميني لا يقتصر على العراق بل هو حالة عامة في العالم العربي، فلو تفحصنا فهرس مجلة المستقبل العربي لن نعثر على ذكر للتأمين. راجع: فهرس مجلة المستقبل العربي من السنة الأولى حتى السنة الثلاثين، أيار/مايو 1978- نيسان/أبريل 2008 (بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، ط 1، 2008).

 [iv] حنا بطاطو العراق: الطبقات الاجتماعية والحركات الثورية من العهد العثماني حتى قيام الجمهورية، الكتاب الأول، ترجمة عفيف الرزاز (بيروت: مؤسسة الأبحاث العربية، ط1،1992).

[v] قمنا بتحليل عينة صغيرة جداً من أخبار التأمين في الصحافة التي وقعت بأيدينا في مقالة نشرناها في مدونة Iraq Insurance Review تحت عنوان: "أخبار العراق التأمينية في الصحافة" يمكن قرأتها باستعمال الرابط التالي: http://misbahkamal.blogspot.com/2008_07_01_archive.html [vi] علقنا على هذا الوضع في دراسة سابقة نقتبسها كما يلي: "كانت النتيجة المباشرة للحرب ونظام العقوبات شل الاقتصاد العراقي في جميع قطاعاته الإنتاجية والتوزيعية والخدمية. يقول د. محمد علي زيني: "ولم يقتصر انهيار الناتج المحلي الإجمالي على القطاعات السلعية، فقد انهار في سنة 1991 إلى أقل من النصف الناتج المحلي الإجمالي للقطاعات الإنتاجية والتوزيعية، حيث ضمرت ضموراً شديداً كافة الأنشطة الاقتصادية المتعلقة بالتجارة والمطاعم والفنادق والنقل والمواصلات والتخزين والمؤسسات المالية والتأمين." محمد علي زيني، الاقتصاد العراقي في ظل نظام صدام حسين (لندن: مؤسسة الرافد للنشر، 1995)، الفصل الثاني عشر: النتائج الاقتصادية لحرب الخليج الثانية، ص 364-423. وذكرنا في هامش دراستنا أن "هذه الإشارة اليتيمة للتأمين هي الوحيدة التي استطعت رصدها في الأدبيات الاقتصادية المتوفرة لدي. ولعل مرد ذلك أن قطاع التأمين لا يرقى في أهميته إلى قطاع النفط المهيمن على تفكير الاقتصاديين العراقيين. وحتى العاملين في قطاع التأمين لم يدرسوا أهميته في المساهمة في الحفاظ على الثروات الوطنية (أي المساهمة في تجديد الأصول المتضررة من خلال تمويل التصليحات أو الاستبدال)، وكذلك دوره كوسيلة ادخارية فعّالة (وخاصة تأمينات الحياة)، والمساهمة في تكوين رأس المال، وإمكانية توفير فرص كبيرة للعمالة، وأخيراً دوره الحضاري في التقليل من النزاع الاجتماعي وتحويل عبء الاختلاف بين الأفراد إلى لشركات التأمين (كما في تأمين المركبات). وبعبارة أخرى، فإن دور التأمين في التنمية الاقتصادية لم يلقَ ما يستحقه من عناية الباحثين." مصباح كمال: "التأمين في العراق وعقوبات الأمم المتحدة"، نشرت كمساهمة في الكتاب الجماعي دراسات في الاقتصاد العراقي (لندن: المنتدى الاقتصادي العراقي، 2002) ص 79، الهامش 18 ص 92.

[vii] الأفكار الواردة هنا مستلة من: Irving Pfeffer & David R Klock, Perspectives on Insurance (Englewood Cliffs, New Jersey.: Prentice-Hall Inc, 1974) p 219-270.

 [viii] كتبنا غير مرة عن قانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005 من منظور نقدي يبرز سلبياته وإيجابياته وبعضها منشور في الثقافة الجديدة (العدد 319، 2007) والمدونة الإلكترونية Iraq Insurance Review http://misbahkamal.blogspot.com/2008_07_01_archive.html

[ix] أنظر بهذا الشأن الدراسات التالية للكاتب المنشورة في مدونة Iraq Insurance Review: "ضوابط تنظيم أعمال التأمين في إقليم كوردستان العراق: ملاحظات نقدية" "متى تستطيع شركات التأمين العراقية العمل في إقليم كوردستان العراق؟" http://misbahkamal.blogspot.com/2008_02_01_archive.html "التأمين في كوردستان العراق بين حكومة الإقليم والدولة الفيدرالية" http://misbahkamal.blogspot.com/2008_03_01_archive.html