إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

2009/04/09

مقاربة لتاريخ التأمين في العراق ملاحظات أولية

مصباح كمال
نشرت هذه الورقة في مجلة الثقافة الجديدة، بغداد، العدد 328، 2008، ص67-76.

مصباح كمال

نزعم أن تاريخ التأمين في العراق لم يكتب بعد، وأن ما كتب عنه لا يتعدى العرض السريع لبضعة قوانين، وفي كل الأحوال يكون العرض مفصولاً عن البيئة الاقتصادية والسياسية. ولا ترقى الملاحظات التالية إلى دراسة تاريخية لعدم توفر المصادر وغياب المراجع، ولذلك فهي تتركز على مجموعة من نصوص قوانين التأمين التي وقعت بأيدينا.



لا ندعي أننا نمتلك أدوات البحث التاريخي للقيام بما لم يقم به غيرنا من زملاء المهنة أو من الأكاديميين. لكن الأمل يحدونا أن يقوم أحدهم بهذه المهمة لوصل الحاضر بالماضي، وتحليل تأثير التشريعات التأمينية على بنية السوق، والكشف عن مكانة النشاط التأميني في الاقتصاد العراقي. وما يرجى من هذه المحاولة هو تشجيع الغير على المساهمة في تجميع وتصنيف ودرس المعلومات والبيانات ذات العلاقة. وفي ظننا أن المساهمة يمكن أن تتخذ أشكالاً مختلفة: كتابة المذكرات أو السير الذاتية، تصنيف ببلوغرافيا بالمطبوعات التأمينية (كتب ومقالات)، تجميع البيانات الإحصائية، مراجعة التقارير السنوية وسجلات وثائق التأمين والتعويضات في شركات التأمين (نفترض بأنها محفوظة وتحتاج لمن يكشف عنها)، قرارات المحاكم في قضايا تأمينية، تحليل السياسة الاستثمارية، تطور الكثافة التأمينية، العلاقة بين شركات التأمين الخاصة والدولة في ظل الأنظمة المختلفة، الإنتاج، دور المرأة العراقية في شركات التأمين، الآثار الاقتصادية والتنظيمية لقوانين التأمين .. الخ. وسيكون مفيداً جداً لو تم العثور على أول وثيقة تأمين للحياة أو الحريق أو غيرها من فروع التأمين صدرت في العراق من قبل إحدى شركات التأمين. وكل هذا يستدعي وضع أرشيف للتأمين في العراق.



لسنا هنا بصدد التعريف بالمصادر المختلفة التي يمكن الكشف عنها والبحث فيها، إضافة إلى المراجع المطبوعة، لكننا نود الإشارة إلى أن بعض الكتابات في الشأن التأميني تتحيز لصالح الاعتماد على الأرقام والمستندات والحقائق الجافة، ولا عيب في ذلك وهي مطلوبة في حد ذاتها لخدمة إشباع موضوع معين عرضاً وتحليلاً، لكننا ننسى أحياناً أن التكنولوجيا الأساسية في صناعة التأمين تتمثل بالبشر من الإداريين والفنيين والحقوقيين وغيرهم من العاملين فيه. إذا سلمنا بهذه الأطروحة أصبح سهلاً أن نتمنى على شيوخ التأمين في العراق كتابة سيرهم الذاتية أو مذكراتهم. وحسب علمنا لم يقدم أحد من قطاع التأمين على الكتابة والنشر في هذا المجال في حين نشهد عدداً متزيداً من كتب المذكرات السياسية التي تساهم في إجلاء ما هو معتم في تطور العراق السياسي.



أدب السيرة آخذ في الانتشار في العراق وقام أكاديميون بالبحث في سيرة العديد من السياسيين العراقيين لكن الاهتمام بالسيرة لم يتوسع ليشمل دراسة اقتصاديين وقانونيين دونكم من عمل في قطاع التأمين. وكنا قد اقترحنا على أحد زملاءنا كتابة ما يشبه السيرة العمليه لبعض العناصر التي لعبت دوراً في الارتقاء بصناعة التأمين من خلال مواقف معينة أو رسم سياسات عملت في التطبيق على دعم الصناعة وسياسات أخرى كانت آثارها سلبية. قد نتحرج في الكتابة بهذا الشأن لكن وسيلتنا في التغلب على الحرج هي اتخاذ موقف أكاديمي موضوعي صارم عند الحديث عن الأشخاص في إطار البيئة التي كانوا يعملون فيها.



قد لا يختلف وضع سوق التأمين العراقي عن غيره من الأسواق العربية لكننا نطمح أن يتسنم أحدنا هذه المهمة ليكون من بين الأوائل في سد ثغرة البحث في تاريخ التأمين في العراق. هل أننا حالمون إن قلنا أن مشروع كتابة تاريخ التأمين يمكن أن يدخل في برنامج عمل جمعية شركات التأمين وإعادة التأمين في العراق؟ إن كان ذلك متعذراً، وهو ما لا نرجوه، أو ليس بمكنة الشركات العامة الثلاثة أن تكلف من يقوم ببحث وكتابة تاريخ كل منها؟ عمر شركة التأمين الوطنية يزيد عن نصف قرن وعمر الشركة العراقية للتأمين وشركة إعادة التأمين العراقية يقترب من ذلك سريعاً. ألا يستحق نصف قرن من الاستمرارية في العمل توثيقاً تاريخياً موضوعياً؟ لم نذكر شركات التأمين الخاصة لأنها حديثة العهد (2000) بعد أن أنهي وجود شركات التأمين الخاصة بقرارات التأمين سنة 1964. ولكن هل تدفع حمية من يود الدفاع عن القطاع الخاص نحو المساهمة في كتابة تاريخ التأمين أو بعضه؟

البحث والكتابة في تاريخ التأمين في العراق

نزعم أيضاً أن التأمين كفكرة أو آلية للتعامل مع الأخطار، أو ممارسة مهنية، أو نشاط اقتصادي متميز في العراق لا يجد له حضوراً في مجالات عدة: في برامج الأحزاب السياسية، وفي الصحافة، والدراسات الاقتصادية. وإن وجد له مكاناً، كما هو الحال في الصحافة أحياناً، فإنه يفتقر إلى العرض الجيد كما يفتقر إلى التحليل. أما الإشارة في الدراسات الاقتصادية للتأمين فهي عابرة إذ لا يتوقف الكُتّاب عندها رصداً وتحليلاً رغم الدور الاقتصادي المتوقع من صناديق التأمين في المساهمة في التنمية الاقتصادية. ونحن نميل في تفسير هذه الحالة إلى أن شحة الإشارة والمعالجة للتأمين في الأدبيات الاقتصادية يعود إلى المكانة المهيمنة للريع النفطي في الاقتصاد العراقي وعدم الاهتمام بالدور الاقتصادي الكامن للأموال المتجمعة لدى شركات التأمين وسبل تعظيمها وتدويرها لأغراض الاستثمار.



لكن التأمين يجد له حضوراً قانونياً طاغياً فهناك عدد كبير نسبياً من القوانين التي تنظم تأسيس وعمل شركات التأمين، وتنظيم سوق التأمين والرقابة عليه، إضافة إلى مجموعة من القوانين والتعليمات التي تنضم أنماطاً معينة من التأمين (الضمان) لقطاعات معينة خارج سوق التأمين التجاري. نقول هذا وفي بالنا القوانين الخاصة بصناديق ضمان موظفي الدولة، أطباء الأسنان، الصيادلة، الجمعيات الفلاحية، المعلمين، وقوانين التقاعد والضمان الاجتماعي للعمال، والرعاية الاجتماعية .. الخ. ولم يلق هذا النمط من التأمين دراسة متخصصة تحت عنوان ما يعرف بالتأمين الاجتماعي واقتصادياته. ويمكننا القول، من باب التعميم، أن اقتصاديات قوانين التأمين ذاتها لم تلق عناية الباحثين في العراق إذ أن الكلفة الاقتصادية لتطبيق القوانين وآثارها الاقتصادية، قد تكون مضمرة في ذهن الشارع، لكنها لا تترجم في دراسات مستقلة. وقد آن الأوان الانتباه لهذا الأمر وترويج البحث العلمي في مصادر تمويل ما يشرع من قوانين وما يترتب عليها من نتائج اقتصادية وغيرها من نتائج منظورة وغير منظورة.

البحث في الاقتصاد الجزئي والكلي للتأمين في العراق

يقودنا هذا العرض السريع إلى تأكيد جانب آخر يكاد أن يكون مفقوداً في الدراسات التأمينية في العراق ونعني به الاقتصاد الكلي والجزئي للتأمين ليس فقط من المنظور النظري وإنما في تطوره التاريخي. ويمكن رسم ملامح دراسة النشاط التأميني ضمن التاريخ الاقتصادي له باستحضار عناوين معروفة في الدراسات النظرية نجملها كما يلي.

الاقتصاد الجزئي للتأمين

الدور الاقتصادي للتأمين.

التأمين كخدمة منتجة للدخل (التفريق بين قطاع إنتاج المنتجات المادية وقطاع إنتاج الدخول).

عرض التأمين: القيود الاكتتابية، القيود الرقابية، التكاليف الثابتة والمتغيرة، العرض في المدى القصير والمدى الطويل، وفورات الحجم.

الطلب على التأمين: العوامل السياسية، العوامل الاقتصادية، العوامل الشخصية.

سعر التأمين.



الاقتصاد الكلي للتأمين

الناتج الوطني الإجمالي.

التأمين على الحياة كوسيلة ادخارية: مؤمنو التأمين على الحياة كوسطاء ماليين، مزايا التأمين على الحياة كوسيلة للتوفير/الادخار، فرادة التأمين على الحياة كوسيلة ادخارية، استقرار الوسيلة الادخارية في التأمين على الحياة.

الاستثمار: طبيعة الاستثمار التأمين في الحياة وفي غير الحياة.

العمالة والنشاط التأميني.

إعادة توزيع الدخل.

التضخم ودورة الأعمال.

التغيير السكاني.

السياسة المالية: الإنفاق العام/الحكومي، الضرائب، الرقابة/السيطرة/الإقناع الأخلاقي.

السياسة النقدية: أدوات السياسة النقدية، تأثير السياسة النقدية.

التجارة الدولية.



وتحتاج مثل هذه الدراسة الانتباه إلى بنية السوق (شركات خاصة وعامة للتأمين المباشر وإعادة التأمين وصناديق التأمين خارج السوق التجاري للتأمين) وخضوع السوق للمنافسة أو الاحتكار.



دراسة التاريخ الاقتصادي للتأمين في العراق، رغم عمره القصير، كفيل بأن يكشف لنا العلاقة الوثيقة بين النظام السياسي (سلطة التشريع) والاقتصادي وطبيعة النشاط التأميني. ففي الفترة السابقة للاستقلال عندما كان العراق تحت الاحتلال الإنجليزي، كان النشاط التأميني مقصوراً على فروع ووكالات شركات التأمين الأجنبية، وربما كان هذا امتداداً لما كان قائماً قبل الاحتلال. تغير الوضع قليلاً مع صدور قانون شركات التأمين رقم 74 لسنة 1936، إبان وزارة ياسين الهاشمي الثانية، من خلال وضع ضوابط معينة على عمل الشركات (وسيكون هذا القانون موضوعاً للمعالجة في فصل قادم).



وفي الفترة التي أعقبت الحرب العالمية الثانية، ومع نمو الإمكانيات المالية للرأسمالية الوطنية، تم تشكيل أول شركة تأمين عراقية برأسمال عراقي 40% وأجنبي 60%. ومع نمو الريع النفطي وتأسيس مجلس الإعمار (1950) دخلت الدولة لأول مرة حقل التأمين بتأسيس شركة التأمين الوطنية سنة 1950 (بدء العمل الحقيقي سنة 1952). وشكلت ثورة تموز 1958 انعطافة مهمة في تطور التأمين في العراق إذ تأسست شركتين عراقيتين خاصتين في 1958 (شركة بغداد للتأمين) و 1959 (شركة التأمين العراقية). تبع ذلك تأسيس أربع شركات خاصة أخرى. وفي سنة 1960 تأسست شركة إعادة التأمين العراقية في محاولة لتعزيز سوق التأمين والحد من تصدير العملة الصعبة لشراء حماية إعادة التأمين من الخارج وكان ذلك متناغماً مع المنهج الاقتصادي الذي ستركز عليه الأونكتاد.



وجاءت قوانين التأميم في تموز 1964، التي شملت شركات التأمين، لتجهز على القاعدة الاقتصادية الضعيفة للرأسمالية الوطنية إذ لم تكن هناك ضرورة اقتصادية أو سياسية للتأميم وإنما تقليداً لما جرى في مصر وهرولة نحو تطبيق مواقف إيديولوجية شعاراتية. ما ترتب على تأميم شركات التأمين من نتائج على بنية سوق التأمين وتطوره اللاحق يستحق الدراسة الموضوعية المتأنية قبل إطلاق الأحكام، ونكتفي هنا بالقول أن السوق أصبح حكراً على ثلاث شركات متخصصة هي شركة التأمين العراقية (تأمين الحياة)، شركة التأمين الوطنية (التأمينات العامة) وشركة إعادة التأمين العراقية (إعادة التأمين).



مع تعاظم الريع النفطي بعد تأميم شركات النفط الأجنبية (1972-1975) أزداد الطلب على التأمين، وخاصة التأمين البحري على البضائع والتأمين الهندسي على المشاريع، ليسجل أرقاماً قياسية في فترة ما يسمى "خطة التنمية الانفجارية" وهي ذات الفترة التي شهدت تعزيز النظام الاستبدادي الإرادوي ونهج الدولة الريعية وإعادة التوزيع الطبقي لموارد الدولة لبناء نظام الاستبداد الحزبي والعائلي.



حروب النظام (الحرب العراقية الإيرانية 1980-1988 وغزو الكويت 199) وما تبعها من عقوبات اقتصادية عملت على تآكل قطاع التأمين العراقي، وخسارته لحماية إعادة التأمين الدولية، وعودة النظام الاستبدادي إلى وضع قوانين تسمح بعمل القطاع الخاص (1997) من خلال قانونين جديدين للشركات الخاصة والعامة. وبدأت أول شركات التأمين الخاصة عملها سنة 2000.



وجاء قانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005 ليعكس منهج الليبرالية الجديدة المحمول إلى العراق على المدافع الأمريكية وهو قانون أمريكي بامتياز رغم توقيع رئيس الوزراء العراقي عليه في حزيران 2005. وبفضل هذا القانون تم تأسيس ديوان التأمين العراقي (أول جهاز متخصص للإشراف والمراقبة على قطاع التأمين رغم قصوره في أداء مهامه لأسباب تستحق الدرس) وجمعية شركات التأمين وإعادة التأمين في العراق). ومع مرور الوقت، واعتماداً على الدستور العراقي الذي أقر في استفتاء 15 تشرين الأول 2005، من المؤمل أن يتشكل سوق تأميني فيدرالي رغم أن الواقع الحالي لا يشير إلى ذلك.



هذه باختصار بعض ملامح صورة التأمين العراقي خلال نصف قرن، وقد عرضناها كمحاولة أولية لتحفيز البحث في تاريخ قطاع التأمين ضمن ارتباطه بالأوضاع الاقتصادية والسياسية، وقد نعود إليها بعد توفر بعض المراجع.



مصباح كمال

لندن 12 تشرين الأول 2008




 
[i]، قرارات المحاكم في قضايا تأمينية، تحليل السياسة الاستثمارية لشركات التأمين، تطور التغلغل والكثافة التأمينية، العلاقة بين شركات التأمين الخاصة والدولة في ظل الأنظمة المختلفة، الإنتاج، دور المرأة العراقية في شركات التأمين، الآثار الاقتصادية والتنظيمية لقوانين التأمين، تأثير الحروب والعقوبات الاقتصادية .. الخ. وسيكون مفيداً جداً لو تم العثور على أول وثيقة تأمين للحياة أو الحريق أو غيرها من فروع التأمين صدرت في العراق من قبل إحدى شركات التأمين. وكل هذا يستدعي العمل على وضع أرشيف للتأمين في العراق. لسنا هنا بصدد التعريف بالمصادر المختلفة التي يمكن الكشف عنها والبحث فيها، إضافة إلى المراجع المطبوعة، لكننا نود الإشارة إلى أن بعض الكتابات في الشأن التأميني تتحيز لصالح الاعتماد على الأرقام والمستندات والحقائق الجافة، ولا عيب في ذلك وهي مطلوبة في حد ذاتها لخدمة إشباع موضوع معين عرضاً وتحليلاً، لكننا ننسى أحياناً أن التكنولوجيا الأساسية في صناعة التأمين تتمثل بالبشر من الإداريين والفنيين والحقوقيين وغيرهم من العاملين فيه رجالاً ونساءًً. إذا سلمنا بهذه الأطروحة أصبح سهلاً أن نتمنى على شيوخ التأمين في العراق كتابة سيرهم الذاتية أو مذكراتهم. وحسب علمنا لم يقدم أحد من قطاع التأمين على الكتابة والنشر في هذا المجال في حين نشهد عدداً متزيداً من كتب المذكرات السياسية التي تساهم في إجلاء ما هو معتم في تطور العراق السياسي.[ii] أدب السيرة آخذ في الانتشار في العراق وقام أكاديميون وغيرهم بالبحث في سيرة العديد من السياسيين العراقيين لكن الاهتمام بالسيرة لم يتوسع ليشمل دراسة مفكرين اقتصاديين وقانونيين دونكم من عمل في بناء قطاع التأمين. وكنا قد اقترحنا على أحد زملاءنا كتابة ما يشبه السيرة العمليه لبعض العناصر التي لعبت دوراً في الارتقاء بصناعة التأمين من خلال مواقف معينة أو رسم سياسات عملت في التطبيق على دعم الصناعة وسياسات أخرى كانت آثارها سلبية. لكن هذا الاقتراح لم يلق الاستجابة. قد نتحرج في الكتابة بهذا الشأن لكن وسيلتنا في التغلب على الحرج هي اتخاذ موقف أكاديمي موضوعي صارم عند الحديث عن الأشخاص في إطار البيئة التي كانوا يعملون فيها. قد لا يختلف وضع سوق التأمين العراقي بهذا الشأن عن غيره من الأسواق العربية لكننا نطمح أن يتولى أحدنا هذه المهمة ليكون من بين الأوائل في سد ثغرة البحث في تاريخ التأمين في العراق.[iii] هل أننا حالمون إن قلنا أن مشروع كتابة تاريخ التأمين يمكن أن يدخل في برنامج عمل جمعية شركات التأمين وإعادة التأمين في العراق؟ إن كان ذلك متعذراً، وهو ما لا نرجوه، أو ليس بمكنة الشركات العامة الثلاث أن تكلف من يقوم ببحث وكتابة تاريخ كل منها؟ عمر شركة التأمين الوطنية يزيد عن نصف قرن وعمر الشركة العراقية للتأمين وشركة إعادة التأمين العراقية يقترب من ذلك سريعاً. ألا يستحق نصف قرن من الاستمرارية في العمل توثيقاً تاريخياً موضوعياً؟ لم نذكر شركات التأمين الخاصة لأنها حديثة العهد (2000) بعد أن أنهي وجود شركات التأمين الخاصة بقرارات التأمين سنة 1964. ولكن هل تدفع حمية من يود الدفاع عن القطاع الخاص التحرك نحو المساهمة في كتابة تاريخ التأمين أو بعضه؟ هناك أُسر تجارية عراقية ساهمت في تأسيس شركات خاصة لم يقم أحد أفرادها بتأرخة دورها الاقتصادي أو في الحياة العامة، ولم ينهض مؤرخ أكاديمي ببحث دور مثل هذه الأسر عن كثب غير ما قام به الباحث الفلسطيني المرحوم حنا بطاطو.[iv] نزعم أيضاً أن التأمين كفكرة أو آلية للتعامل مع الأخطار، أو ممارسة مهنية، أو نشاط اقتصادي متميز في العراق لا يجد له حضوراً في مجالات عدة: في برامج الأحزاب السياسية، وفي الصحافة، والدراسات الاقتصادية. وإن وجد له مكاناً، كما هو الحال في الصحافة أحياناً، فإنه يفتقر إلى العرض الجيد كما يفتقر إلى التحليل.[v] أما الإشارة في الدراسات الاقتصادية للتأمين فهي عابرة إذ لا يتوقف الكُتّاب عندها رصداً وتحليلاً رغم الدور الاقتصادي المتوقع من صناديق التأمين في المساهمة في التنمية الاقتصادية.[vi] ونحن نميل في تفسير هذه الحالة إلى أن شحة الإشارة والمعالجة للتأمين في الأدبيات الاقتصادية يعود إلى المكانة المهيمنة للريع النفطي في الاقتصاد العراقي وعدم الاهتمام بالدور الاقتصادي الكامن للأموال المتجمعة لدى شركات التأمين وسبل تعظيمها وتدويرها لأغراض الاستثمار، معترفين في نفس الوقت بضآلة الموارد المالية التي ينتجها قطاع التأمين ومساهمته في توفير فرص العمالة، مثلاً، مقارنة بالقطاع النفطي، ولذلك فهو لا يلقى عناية الباحثين. لكن التأمين يجد له حضوراً قانونياً يكاد أن يكون طاغياً، فهناك عدد كبير نسبياً من القوانين التي صدرت منذ ثلاثينات القرن العشرين والتي تنظم تأسيس وعمل شركات التأمين، وتنظيم سوق التأمين والرقابة عليه، إضافة إلى مجموعة من القوانين والتعليمات التي تنضم أنماطاً معينة من التأمين (الضمان) لقطاعات معينة خارج سوق التأمين التجاري. نقول هذا وفي بالنا القوانين الخاصة بصناديق ضمان موظفي الدولة، أطباء الأسنان، والصيادلة، والجمعيات الفلاحية، والمعلمين، وقوانين التقاعد والضمان الاجتماعي للعمال، والرعاية الاجتماعية .. الخ. ولم يلق هذا النمط من التأمين غير التجاري دراسة متخصصة تحت عنوان ما يعرف بالتأمين الاجتماعي واقتصادياته. ويمكننا القول، من باب التعميم، إن اقتصاديات قوانين التأمين ذاتها لم تلق عناية الباحثين في العراق إذ أن الكلفة الاقتصادية لتطبيق القوانين وآثارها الاقتصادية (على سبيل المثال، دراسة تمويل صندوق الضمان الاجتماعي أو الآثار الاقتصادية لقوانين التأمين الإلزامي على حوادث السيارات) قد تكون مضمرة في ذهن الشارع، لكنها لا تترجم في دراسات مستقلة. وقد آن الأوان الانتباه لهذا الأمر وترويج البحث العلمي في مصادر تمويل ما يشرع من قوانين وما يترتب عليها من نتائج اقتصادية وغيرها من نتائج منظورة وغير منظورة.
البحث والكتابة في تاريخ التأمين في العراق نزعم أن تاريخ التأمين في العراق لم يكتب بعد، وأن ما كتب عنه لا يتعدى العرض السريع لبضعة قوانين، وفي كل الأحوال يكون العرض مفصولاً عن البيئة الاقتصادية والسياسية. ولا ترقى الملاحظات التالية إلى دراسة تاريخية لعدم توفر المصادر وغياب المراجع، ولذلك فهي تتركز على مجموعة من نصوص قوانين التأمين التي وقعت بأيدينا. لا ندعي أننا نمتلك أدوات البحث التاريخي للقيام بما لم يقم به غيرنا من زملاء المهنة أو من الأكاديميين. لكن الأمل يحدونا أن يقوم أحدهم بهذه المهمة لوصل الحاضر بالماضي، وتحليل تأثير التشريعات التأمينية على بنية السوق، والكشف عن مكانة النشاط التأميني في الاقتصاد العراقي. وما يرجى من هذه المحاولة هو تشجيع الغير على المساهمة في تجميع المصادر وتصنيف ودرس المعلومات والبيانات ذات العلاقة. وفي ظننا أن المساهمة يمكن أن تتخذ أشكالاً مختلفة: كتابة المذكرات أو السير الذاتية، تصنيف ببلوغرافيا بالمطبوعات التأمينية (كتب ومقالات وأخبار متناثرة في الصحف والمجلات)، تجميع البيانات الإحصائية، مراجعة التقارير السنوية وسجلات وثائق التأمين والتعويضات في شركات التأمين (نفترض بأنها محفوظة وتحتاج لمن يكشف عنها)

 البحث في الاقتصاد الجزئي والكلي للتأمين في العراق يقودنا هذا العرض السريع إلى تأكيد جانب آخر يكاد أن يكون مفقوداً في الدراسات التأمينية في العراق ونعني به الاقتصاد الكلي والجزئي للتأمين ليس فقط من المنظور النظري وإنما في تطوره التاريخي. ويمكن رسم ملامح دراسة النشاط التأميني ضمن التاريخ الاقتصادي له باستحضار عناوين معروفة في الدراسات النظرية للتأمين نجملها كما يلي.[vii] الاقتصاد الجزئي للتأمين الدور الاقتصادي للتأمين في تجميع واستثمار الأرصدة النقدية والمساهمة في التنمية الاقتصادية. التأمين كخدمة منتجة للدخل (التفريق بين قطاع إنتاج المنتجات المادية وقطاع إنتاج الدخول). عرض التأمين: القيود الاكتتابية، القيود الرقابية، التكاليف الثابتة والمتغيرة، العرض في المدى القصير والمدى الطويل، وفورات الحجم. الطلب على التأمين: العوامل السياسية، العوامل الاقتصادية، العوامل الشخصية. سعر التأمين ومحدداته السوقية (المنافسة بين الشركات، العرض والطلب، القدرات الاستيعابية للشركات) والقانونية (أسعار التأمين الإلزامي كما هو الحال في بعض البلدان ومثالها التأمين الإلزامي على السيارات). الاقتصاد الكلي للتأمين الناتج الوطني الإجمالي ومساهمة قطاع التأمين. التأمين على الحياة كوسيلة ادخارية: مؤمنو التأمين على الحياة كوسطاء ماليين، مزايا التأمين على الحياة كوسيلة للتوفير/الادخار، فرادة التأمين على الحياة كوسيلة ادخارية، استقرار الوسيلة الادخارية في التأمين على الحياة. الاستثمار: طبيعة الاستثمار في التأمين على الحياة وفي غير الحياة. العمالة والنشاط التأميني. إعادة توزيع الدخل. التضخم ودورة الأعمال. التغيير السكاني وأثره على الطلب على التأمين. السياسة المالية: الإنفاق العام/الحكومي، الضرائب، الرقابة/السيطرة/الإقناع الأخلاقي. السياسة النقدية: أدوات السياسة النقدية، تأثير السياسة النقدية على قطاع التأمين. التجارة الدولية وميزان المدفوعات. وتحتاج مثل هذه الدراسة الجمع بين طرائق البحث التاريخي، والأساليب الإحصائية في البحث والاستعانة بالنظريات الاقتصادية في فهم نشوء وتطور النشاط التأميني وتطبيق ذلك، حسب الحاجة والمعطيات المتوفرة، كمثال، على بنية السوق (شركات خاصة وعامة للتأمين المباشر وإعادة التأمين، وصناديق التأمين خارج السوق التجاري للتأمين، والكيانات الرقابية المنظمة لسوق التأمين، والجمعيات المهنية التأمينية) وخضوع السوق للمنافسة أو الاحتكار وتأثره بالمتغيرات التي تحصل في سوق التأمين العالمي .. الخ. دراسة التاريخ الاقتصادي للتأمين في العراق، رغم العمر القصير لنشاط التأمين في العراق، كفيل أيضاً بأن يكشف لنا العلاقة القائمة بين النظام السياسي (سلطة التشريع) والاقتصادي وتكييفه لطبيعة النشاط التأميني. القانون لا يؤسس النشاط بل هو انعكاس لهذا النشاط ومتى ما قامت العلاقة بينهما يأخذ القانون بالتأثير على هذا النشاط. ولعل خير مثال على ذلك تشريعات التأمين الإلزامي على السيارات في مختلف البلدان إذ تضع هذه القوانين الضوابط السعرية للتأمين ونطاق التغطية الخ.

 مراحل في تطور التأمين في العراق في ما يلي نقدم محاولة أولية لتحقيب تاريخ التأمين العراقي تخلو من التفاصيل بأمل أن يقوم غيرنا بالبحث فيها. ويمكن تعديل هذه المحاولة بربط تاريخ التأمين بصدور أول قانون للتأمين في العراق (1936)، تأسيس أول شركة تأمين عراقية خاصة (1946)، تأسيس أول شركة تأمين مملوكة للدولة (1950)، دور القانون الجديد لتنظيم أعمال التأمين (1960)، تأميم شركات التأمين (1964)، تأميم النفط وتطور التأمين (1972-1980)، حروب النظام الشمولي وبدء تآكل قطاع التأمين (1980-2003)، الاحتلال الأمريكي للعراق (2003- حتى الوقت الحاضر).

فترة ما قبل الاستقلال في الفترة السابقة للاستقلال، عندما كان العراق تحت الاحتلال الإنجليزي، كان النشاط التأميني مقصوراً على فروع ووكالات شركات التأمين الأجنبية، وربما كان هذا امتداداً لما كان قائماً قبل الاحتلال حيث كانت الشركات الأجنبية تعمل بموجب الامتيازات الممنوحة لها في العهد العثماني. وقتها لم يكن الطلب الوطني على الحماية التأمينية في العراق فعّالاً بسبب غياب الصناعة الحديثة (وسيادة الانتاج الحرفي) والاعتماد الأساسي على الانتاج الزراعي. ويشهد تاريخ التأمين على المستوى العالمي أن تطور التأمين كان معتمداً على التجارة الخارجية وعلى تحول المانيفكتورات إلى الصناعة الحديثة ونهوض طبقة اجتماعية تتمتع بالثراء وتعمل على الحفاظ عليه من خلال التأمين. وقد تغير الوضع التأميني قليلاً مع صدور قانون شركات التأمين رقم 74 لسنة 1936، إبان وزارة ياسين الهاشمي الثانية، من خلال وضع ضوابط معينة على عمل الشركات (وسيكون هذا القانون موضوعاً للمعالجة في فصل قادم) مما يؤشر على تطور في التجارة وفي الصناعة والتكوينات الطبقية الجديدة في العاصمة بغداد والمدن الرئيسية الأخرى التي شهدت نمواً سكانياً وعمرانياًً.

فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية في الفترة التي أعقبت الحرب العالمية الثانية، ومع نمو الإمكانيات المالية للرأسمالية الوطنية، تم تشكيل أول شركة تأمين عراقية برأسمال عراقي 40% وأجنبي 60%. ومع نمو الريع النفطي وتأسيس مجلس الإعمار (1950) دخلت الدولة لأول مرة حقل التأمين بتأسيس شركة التأمين الوطنية سنة 1950 (بدأ العمل الحقيقي للشركة سنة 1952). وشكّلت ثورة تموز 1958 انعطافة مهمة في تطور التأمين في العراق إذ تأسست شركتين عراقيتين خاصتين: شركة بغداد للتأمين سنة 1958 وشركة التأمين العراقية سنة 1959. تبع ذلك تأسيس أربع شركات خاصة أخرى. وفي سنة 1960 تأسست شركة إعادة التأمين العراقية (شركة مختلطة) في محاولة وطنية لتعزيز سوق التأمين وتطوير قدراته الذاتية والحد من تصدير العملة الصعبة لشراء حماية إعادة التأمين من الخارج. وكان ذلك متناغماً مع المنهج الاقتصادي الذي ستركز عليه منظمة الأونكتاد خلال ستينات وسبعينات القرن العشرين. وهكذا شهدنا تأسيس شركات عربية لإعادة التأمين.

 تأميم قطاع التأمين وجاءت قوانين التأميم في تموز 1964، التي شملت شركات التأمين، لتجهز على القاعدة الاقتصادية الضعيفة للرأسمالية الوطنية إذ لم تكن هناك ضرورة اقتصادية أو سياسية للتأميم وإنما جاء التأميم تقليداً لما جرى في مصر وهرولة نحو تطبيق مواقف إيديولوجية شعاراتية. ما ترتب على تأميم شركات التأمين من نتائج على بنية سوق التأمين وتطوره اللاحق، سلبياً أو إيجابياً، يستحق الدراسة الموضوعية المتأنية قبل الاستغراق في إطلاق الأحكام، ونكتفي هنا بالقول أن السوق في هذه المرحلة أصبح حكراً على ثلاث شركات متخصصة هي شركة التأمين العراقية (تأمينات الحياة)، شركة التأمين الوطنية (التأمينات العامة) وشركة إعادة التأمين العراقية (إعادة التأمين).

قطاع التأمين بين الازدهار والتآكل مع تعاظم الريع النفطي بعد تأميم شركات النفط الأجنبية (1972-1975) أزداد الطلب على التأمين، وخاصة التأمين البحري على البضائع والتأمين الهندسي على المشاريع، ليسجل أرقاماً قياسية في فترة ما يسمى "خطة التنمية الانفجارية" وهي ذات الفترة التي شهدت تعزيز النظام الاستبدادي الإرادوي وتعزيز نهج الدولة الريعية وإعادة التوزيع الطبقي لموارد الدولة لبناء نظام الاستبداد الحزبي والعشائري العائلي. إن تحليل إحصائيات هذه الفترة يمكن أن يلقي ضوءاً على مدى ارتباط التوسع في أعمال التأمين باستخدام معيار الكثافة التأمينية (الإنفاق الفردي على شراء الحماية التأمينية، أي إجمالي أقساط التأمين منسوباً إلى عدد السكان) ومعيار التغلغل التأميني (نسبة دخل أقساط التأمين إلى الناتج المحلي الإجمالي لتحديد أهمية قطاع التأمين في الاقتصاد الوطني، وكلما كانت هذه النسبة مرتفعة دلّ ذلك على أن نمو قطاع التأمين يفوق سرعة نمو الاقتصاد الوطني) كنتيجة لهذه السياسة الاقتصادية أو انعكاساً للجهود الذاتية لشركات التأمين. شهدت بدايات الثمانينيات إصدار قانون التأمين الإلزامي على السيارات وكانت وقتها خطوة متقدمة جداً قائمة على مبدأ افتراض المسؤولية عن الضرر دون الاعتماد على إثبات المسؤولية التقصيرية لسائق المركبة. كما شهد أيضاً ميلاد الصندوق العربي لتأمين أخطار الحرب الذي جاء كرد فعل على الزيادات الكبيرة في تأمين أخطار الحرب على السفن المتجهة إلى الخليج. لكن حروب النظام (الحرب العراقية الإيرانية 1980-1988 وغزو الكويت 1990) وما تبعها من عقوبات اقتصادية فرضها مجلس الأمن الدولي (1990-2003) عملت على تآكل قطاع التأمين العراقي وهبوط قيمة الأصول المالية المتجمعة لديه، وخسارته لحماية إعادة التأمين الدولية، ووقف التأمين في كوردستان العراق بعد سحب المؤسسات الرسمية من الإقليم، وتهجير الكفاءات بحجة التبعية .. الخ.

إعادة هيكلة السوق وبحلول 1997 تحول النظام الاستبدادي نحو وضع قوانين تسمح بعمل القطاع الخاص من خلال قانونين جديدين للشركات: قانون الشركات رقم 21 لسنة 1997 وقانون الشركات العامة رقم 22 لسنة 1997. واعتماداً على هذه القوانين بدأت أول شركات التأمين الخاصة عملها سنة 2000.

قطاع التأمين منذ الاحتلال الأمريكي ازداد عدد شركات التأمين الخاصة (14 شركة حتى وقت كتابة هذه الورقة) بعد سقوط النظام الشمولي في نيسان 2003 إلا أن دورها وحجم أعمالها ما زال ضعيفاً. وجاء قانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005 ليعكس منهج الليبرالية الجديدة المحمول إلى العراق على المدافع الأمريكية وهو قانون أمريكي بامتياز رغم توقيع رئيس الوزراء العراقي عليه في حزيران 2005.[viii] وبفضل هذا القانون تم تأسيس ديوان التأمين العراقي (أول جهاز متخصص للإشراف والمراقبة على قطاع التأمين رغم قصوره في أداء مهامه في الوقت الحاضر لأسباب تستحق الدرس) وجمعية شركات التأمين وإعادة التأمين في العراق التي لم تثبت فاعليتها بعد). ومع مرور الوقت، واعتماداً على الدستور العراقي الذي أقر في استفتاء 15 تشرين الأول 2005، من المؤمل أن يتشكل سوق تأميني فيدرالي رغم أن الواقع الحالي لا يشير إلى ذلك.[ix] ويرتبط هذا الموضوع بمهمة إعادة النظر في قانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005 وتعديل الأحكام الضارة لهذا القانون التي لا تنسجم مع مصالح شركات التأمين العراقية. ويثير هذا الموضوع أيضاً ضرورة العمل على إجراء التأمين مع شركات تأمين مسجلة في العراق لوقف تسرب أقساط التأمين إلى الخارج وذلك من خلال وقف التجاوز الفظ لشركات التأمين العراقية، من قبل الشركات الأجنبية العاملة في العراق والمؤسسات الحكومية وحكومة إقليم كوردستان، شركات التأمين العراقية أولى بها، لبناء قطاع تأمين فيدرالي وطني. هناك، من بين أمور عديدة أخرى، التهيؤ، الآن، لمواجهة الآثار التي ستطال قطاع التأمين عند دخول العراق في عضوية منظمة التجارة العالمية. إن كان قطاع التأمين ومؤسساته غير قادر على الارتقاء بالنشاط التأميني، الذي يكاد أن يكون مهملاً رسمياً، فالأولى أن ينهض بعض أعضاء البرلمان أو الأحزاب السياسية تبني مشروع إخراج قطاع التأمين من وهدته. هذه باختصار بعض الملامح عن تطور قطاع التأمين العراقي خلال ما يزيد عن نصف قرن، وقد عرضناها كمحاولة أولية لتحفيز البحث في تاريخ قطاع التأمين ضمن ارتباطه بالأوضاع الاقتصادية والسياسية، وقد نعود إليها بعد توفر بعض المراجع.

 مصباح كمال
لندن 20 تشرين الأول 2008

[i] هناك قوانين بشأن الحفاظ على الوثائق وإتلافها ومنها قانون المركز الوطني للوثائق رقم 142 لسنة 1963، وقانون إتلاف الأوراق الرسمية رقم 141 لسنة 1972، والتعليمات رقم 2 "تقييم الوثائق الخاصة بوزارة المالية" المنشورة في الوقائع العراقية - رقم العدد:2990 بتاريخ:4/23/1984 والصادرة بموجب قانون الحفاظ على الوثائق رقم 70 لسنة 1983 وتشمل وثائق المؤسسة العامة والمنشآت التابعة لها.

[ii] في بحث عن موضوع في الشبكة العنكبوتية قرأنا عرضاً لكتاب عبد الكريم محمد رؤوف القطان، مذكرات من جنوب العراق.. من الطفولة إلى المنفى (بيروت: دار الساقي، 2005) بقلم نضير الخزرجي (http://www.annabaa.org/nbahome/nba81/027.htm) يذكر فيه بعضاً من تجربة القطان بعد أن ذكر بأنه [القطان] كان في نيويورك في رحلة عمل خاصة بشركة التامين التجاري العراقية. ما نتمناه هو التوسع في الذاكرة. كم كان مفيداً للباحث لو تعرفنا على عمل القطان، وهو الاقتصادي، في هذه الشركة. لم نطلع على كتابه بعد.

 [iii] مصباح كمال "مداخلة حول تحديث البحث في التأمين وتاريخه في العالم العربي" (لندن: آب 2008، لم ينشر بعد. من المؤمل أن ينشر أواخر 2008 في التأمين العربي، مجلة الاتحاد العام العربي للتأمين، القاهرة). الفقر في دراسة النشاط التأميني لا يقتصر على العراق بل هو حالة عامة في العالم العربي، فلو تفحصنا فهرس مجلة المستقبل العربي لن نعثر على ذكر للتأمين. راجع: فهرس مجلة المستقبل العربي من السنة الأولى حتى السنة الثلاثين، أيار/مايو 1978- نيسان/أبريل 2008 (بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، ط 1، 2008).

 [iv] حنا بطاطو العراق: الطبقات الاجتماعية والحركات الثورية من العهد العثماني حتى قيام الجمهورية، الكتاب الأول، ترجمة عفيف الرزاز (بيروت: مؤسسة الأبحاث العربية، ط1،1992).

[v] قمنا بتحليل عينة صغيرة جداً من أخبار التأمين في الصحافة التي وقعت بأيدينا في مقالة نشرناها في مدونة Iraq Insurance Review تحت عنوان: "أخبار العراق التأمينية في الصحافة" يمكن قرأتها باستعمال الرابط التالي: http://misbahkamal.blogspot.com/2008_07_01_archive.html [vi] علقنا على هذا الوضع في دراسة سابقة نقتبسها كما يلي: "كانت النتيجة المباشرة للحرب ونظام العقوبات شل الاقتصاد العراقي في جميع قطاعاته الإنتاجية والتوزيعية والخدمية. يقول د. محمد علي زيني: "ولم يقتصر انهيار الناتج المحلي الإجمالي على القطاعات السلعية، فقد انهار في سنة 1991 إلى أقل من النصف الناتج المحلي الإجمالي للقطاعات الإنتاجية والتوزيعية، حيث ضمرت ضموراً شديداً كافة الأنشطة الاقتصادية المتعلقة بالتجارة والمطاعم والفنادق والنقل والمواصلات والتخزين والمؤسسات المالية والتأمين." محمد علي زيني، الاقتصاد العراقي في ظل نظام صدام حسين (لندن: مؤسسة الرافد للنشر، 1995)، الفصل الثاني عشر: النتائج الاقتصادية لحرب الخليج الثانية، ص 364-423. وذكرنا في هامش دراستنا أن "هذه الإشارة اليتيمة للتأمين هي الوحيدة التي استطعت رصدها في الأدبيات الاقتصادية المتوفرة لدي. ولعل مرد ذلك أن قطاع التأمين لا يرقى في أهميته إلى قطاع النفط المهيمن على تفكير الاقتصاديين العراقيين. وحتى العاملين في قطاع التأمين لم يدرسوا أهميته في المساهمة في الحفاظ على الثروات الوطنية (أي المساهمة في تجديد الأصول المتضررة من خلال تمويل التصليحات أو الاستبدال)، وكذلك دوره كوسيلة ادخارية فعّالة (وخاصة تأمينات الحياة)، والمساهمة في تكوين رأس المال، وإمكانية توفير فرص كبيرة للعمالة، وأخيراً دوره الحضاري في التقليل من النزاع الاجتماعي وتحويل عبء الاختلاف بين الأفراد إلى لشركات التأمين (كما في تأمين المركبات). وبعبارة أخرى، فإن دور التأمين في التنمية الاقتصادية لم يلقَ ما يستحقه من عناية الباحثين." مصباح كمال: "التأمين في العراق وعقوبات الأمم المتحدة"، نشرت كمساهمة في الكتاب الجماعي دراسات في الاقتصاد العراقي (لندن: المنتدى الاقتصادي العراقي، 2002) ص 79، الهامش 18 ص 92.

[vii] الأفكار الواردة هنا مستلة من: Irving Pfeffer & David R Klock, Perspectives on Insurance (Englewood Cliffs, New Jersey.: Prentice-Hall Inc, 1974) p 219-270.

 [viii] كتبنا غير مرة عن قانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005 من منظور نقدي يبرز سلبياته وإيجابياته وبعضها منشور في الثقافة الجديدة (العدد 319، 2007) والمدونة الإلكترونية Iraq Insurance Review http://misbahkamal.blogspot.com/2008_07_01_archive.html

[ix] أنظر بهذا الشأن الدراسات التالية للكاتب المنشورة في مدونة Iraq Insurance Review: "ضوابط تنظيم أعمال التأمين في إقليم كوردستان العراق: ملاحظات نقدية" "متى تستطيع شركات التأمين العراقية العمل في إقليم كوردستان العراق؟" http://misbahkamal.blogspot.com/2008_02_01_archive.html "التأمين في كوردستان العراق بين حكومة الإقليم والدولة الفيدرالية" http://misbahkamal.blogspot.com/2008_03_01_archive.html

ليست هناك تعليقات: