إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

2009/03/27

ملاحظات سريعة عن تقرير سوق التأمين العراقي المقدم إلى المؤتمر السابع والعشرون للاتحاد العام العربي للتأمين، المنامة، البحرين، 26-28 شباط 2008 مصباح كمال مقدمة نشر هذا التقرير في مجلة التأمين العربي، المجلة الفصلية للاتحاد العام العربي للتأمين، العدد 99، كانون الأول/ديسمبر 2008 ص 40-48.[1] إن ما يدفعنا لكتابة هذه الملاحظات هو التنبيه على مُعدّي التقارير للارتقاء بمستوى كتابتها في المستقبل.[2] ولا نظن أن شركة التأمين الوطنية، التي تتولى إعداد التقرير، تفتقر إلى من له معرفة جيدة باللغة العربية يناط به مهمة التدقيق اللغوي والاطمئنان على صحة ووضوح التعبير؛ وكذلك لا تفتقر الشركة إلى المخضرمين من ممارسي التأمين، داخل الشركة أو لدى شركات التأمين الأخرى، ممن لهم الدراية الكافية بتاريخ سوق التأمين العراقي وتطوره. يجب أن نتذكر أن ما ينشر قد يصبح موضوعاً للقراءة، وبالتالي يتوجب على معدي التقارير الانتباه لسلامة اللغة، وحسن التعبير ووضوح المعنى. وباختصار علينا احترام ذكاء القارئ. تقتصر ملاحظاتنا (وهي انتقائية لأن التفصيل فيها ربما يؤدي إلى ملل القارئ وهو لا يتوفر على نسخة من التقرير) على السرد الذي ورد في أول التقرير، وسنقتبس منه مطولاً لفائدة القارئ إذ أن مجلة التأمين العربي التي نشرت التقرير ليست متوفرة في الموقع الإلكتروني للاتحاد. ولن نخوض في تحليل الإحصائيات المدرجة في الجداول ونكتفي بالقول إن الأرقام الواردة فيها، وكما قلنا في قراءتنا لتقرير سابق، "تؤشر على الحالة المتدنية لحجم الأقساط المكتتبة الذي يعكس بدوره حالة الانهيار الاقتصادي وانهيار الطبقة الوسطى وازدياد الفقر، وتزايد التعويل على الإيرادات المتأتية من استثمار الودائع في المصارف بالاستفادة من المعدلات العالية لأسعار الفائدة في دعم الأقساط المكتتبة." ونضيف الآن أن النشاط آخذ بالنمو المستمر رغم صغر حجمه. يتوزع التقرير على العناوين التالية: أولاً: الإطار القانوني المنظم لصناعة التأمين. ثانياً: المناخ الاقتصادي وانعكاسه على النشاط التأميني خلال فترة التقرير [2004-2006]. [ثالثاً:] نظرة مستقبلية. جداول إحصائية من 1-7 مدخل التقرير سنغض النظر في هذه الملاحظات عن الأخطاء الطباعية ولكننا نتوقف أولاً عند الفقرة الافتتاحية تحت عنوان الإطار القانوني المنظم لصناعة التأمين. ماذا تقول هذه الفقرة؟ "سوق التأمين العراقية مثل سائر بقية أسواق التأمين الأخرى، لم يكن تأسيسها وتطورها يحصل بفعل سلسلة متتابعة من القواعد والتشريعات القانونية المنظمة لها، بل يتحقق هذا التنظيم نتيجة إصدارات تنظيمية تتأثر في قوانين مختلفة حاولت الحكومات المختلفة فيما بعد على إعادة النظر في توحيدها في قوانين متخصصة تعالج قضايا التأمين وتجعل النشاط التأميني محكوماً بقواعد وأصول قانونية مستقلة." أقل ما يقال عن هذه الفقرة أنها فذلكة لا تعبر عن معنى واضح، وكان الأحرى بمعد التقرير غض النظر عن محاولة "التفلسف" التاريخي وهو أمر يبدو أنه ليس مؤهلاً له. التركيب اللغوي هو الآخر يساهم في غموض المقصود من هذه الفقرة. هناك تكرار ("سائر" و "بقية"، يدلان على نفس المعنى) وهناك عدم وضوح ("إصدارات تنظيمية تتأثر في قوانين مختلفة") ربما يعكس كسلاً فكرياً. وعند انتهاءنا من قراءة هذه الفقرة لا نعرف إن كان تأسيس وتطور السوق بفعل سلسلة من القوانين أو ما يسميه معد التقرير "إصدارات تنظيمية." هل فات معد التقرير التاريخ الطويل للتأمين في أشكاله المختلفة، وإنه آلية للاستجابة للنتائج التي تترتب على أخطار الطبيعة وتلك المرتبطة بالإنتاج المادي والعلاقات البشرية والمسؤوليات القانونية والتعاقدية .. الخ؟[3]

التأمين في العراق قبل 1958 "كانت القوانين التي تحكم قطاع التأمين في العراق قبل عام 1958، موزعة على عدة قوانين وأحكام القوانين [التأمين؟] مشتتة بينها ولا يجمعها وحدة هدف. حيث كانت تلك القوانين مشرعة لأهداف أخرى غير تنظيم أعمال شركات التأمين الأجنبية العاملة في العراق، وهي قوانين غير رقابية بل كانت تراقب تطبيق تعريفات [هكذا وردت في الأصل] السوق البريطانية وبالتالي تحقيق المصالح الأجنبية في عملية استنزاف الثروات الاقتصادية بتصدير كامل الأقساط المتحققة في سوق التأمين العراقية التي امتلأت بالشركات الأجنبية حصراً .. " نتفق مع معد التقرير أن أحكام التأمين كانت موزعة في عدة قوانين (كقانون الضمان (السيكورتاه) العثماني وقانون التجارة البرية والقانون المدني العراقي وغيرها) ولكننا نتوقف عند القول إن هذه القوانين لم تستهدف تنظيم ورقابة شركات التأمين إذ لا نعدم وجود قانون تنظيمي رقابي ونعني به قانون شركات التأمين رقم 74 لسنة 1936 الذي يضم 13 مادة ربما كان يشكّل أول محاولة جادة في الإشراف على عمل شركات التأمين المحلية والأجنبية. وتبع ذلك صدور نظام إجازات وكلاء شركات التأمين رقم 25 لسنة 1936.[4] ولذلك فإن أحكام القوانين ذات العلاقة بالتأمين لم تكن محصورة بمراقبة تعرفات السوق البريطانية، وحصر الرقابة بالتعرفات لا يستنفذ الوظيفة الرقابية. وتبقى مسألة استنزاف الثروات وعدم وجود شركات تأمين عراقية قبل 1946 بحاجة إلى بحث تاريخي اقتصادي لا نعتقد أن أحداً قد قام به. ولذلك فإن إطلاق الكلام ليس بديلاً عن التشخيص الموضوعي وتحليل البيانات، إن كانت متوفرة. ويبقى موضوع البحث المعمق قائماً.[5] ومن المفارقات أن التقرير يذكر استنزاف الثروات في مرحلة ما قبل عام 1985 لكنه يهمل الاستنزاف الذي طال سوق التأمين العراقي بعد 2003، وما زال يعاني منه بسبب قانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005 وتوجيهات وزارة التخطيط وتهميش دور شركات التأمين .. الخ. هناك الآن وضع مؤسسي للاستنزاف نأمل أن تتكاتف جهود الكيانات التأمين في العراق على تقويضه. كان من المناسب لو أشار التقرير، في مرحلة م بعد 1958، إلى قانون شركات ووكلاء التأمين رقم 49 لسنة 1960 إذ شكل صدور هذا القانون انعطافة جديدة في تاريخ النشاط التأميني في العراق.

ملاحظة على بعض الجداول يبين الجدول رقم (2) القوى العاملة في سوق التأمين العراقية إلا أن القارئ يقرأ في أعلى يسار الجدول أن "الأرقام بآلاف الدنانير"! وهو طبعاً سهو كان بالإمكان تلافيه من خلال تدقيق مسودات التقرير. وذات الملاحظة تنطبق على الجدول رقم (1)، بيانات بعدد الشركات والهيئات العامة في سوق التأمين العراقية كما هي في 31/12/2004، فالقوى العاملة وعدد الشركات لا يقاس بالدنانير. جداول [هكذا في الأصل] رقم (A3)، نشاط التأمينات العامة (أقساط إعادة التأمين) في سوق التأمين العراقية عن عام 2004، تنحصر البيانات الواردة في الجدول بينة 2004. ترى هل توقف السوق عن تجميع البيانات للسنوات اللاحقة؟ أليست البيانات متوفرة لدى شركة إعادة التأمين العراقية؟ ألم يكن بإمكان شركة التأمين الوطنية، معدة التقرير، الحصول على هذه البيانات؟ يرد في الجدول رقم (4)، نشاط التأمينات العامة، أقساط التأمين المباشر في سوق التأمين العراقية، بيان بشأن أقساط "سيارات الإلزامي" و "سيارات التكميلي" للسنوات 2004-2006. وسؤالنا هو: ألم يكن من المناسب شرح أو وضع هامش بخصوص أقساط التأمين الإلزامي إذ أن آلية إجراء هذا النوع من التأمين، وبعد صدور قانون التأمين الإلزامي من حوادث السيارات رقم 52 لسنة 1980 وتعديلاته، لم يعد خاضعاً لجباية قسط تأميني بالطريقة التقليدية بل صار القسط جزءاً من سعر الوقود الذي يشتريه مستخدم السيارة. وتتمة للتساؤل: ماذا تمثل أقساط "سيارات الإلزامي" في هذا الجدول والتي كانت كما يلي: 541,063,000 (2004) 2,079,504,000 (2005) 1,437,350,000 (2006)

نظرة مستقبلية لن نُفصّل في تقديم الملاحظات عن هذا الجزء من التقرير ونكتفي بالقليل منها فيما يلي لأنه بحاجة إلى إعادة كتابة، وخطابيته لا تستقيم مع تقريرٍ من المفروض أن يكون دقيقاً، موضوعياً، وشاملاً للسوق برمته. لم يفرد التقرير مكاناً للمرحلة منذ الغزو والاحتلال الأمريكي سنة 2003 حتى نهاية فترة التقرير في 2006 رغم أن ما يسميه التقرير "إحداث [أحداث]9/4/2003" دشنت مرحلة جديدة في تاريخ التأمين في العراق لعل أبرزها الاستنزاف الذي أتينا على ذكره، والتعامل مع تركة النظام السابق والحصار الاقتصادي (1990-2003). ولا نرى أن توصيف الغزو والاحتلال، وهو ما أقره مجلس الأمن في القرار رقم 1483 الصادر في أيار 2003، يمكن أن يدرج تحت عنوان "أحداث" كما لو أن الأعمال الحربية العسكرية والدمار البشري والمادي الذي ترتب عليها هي من نمط حوادث الشغب والاضطرابات. لن نجهد في التعليق على هذا الموضوع كي نجنب معدو التقرير الحرج من الإفصاح عما كان يدور في ذهنهم بهذا الشأن عند صياغة التقرير. لا نعرف مدى صحة المعلومات الواردة بشأن "انسحاب غالبية المعيدين من الاتفاقيات التي عقدت على مدى عشرات السنين .." فهذا الانسحاب جاء مباشرة بعد غزو العراق للكويت في 2 آب 1990 وتحت طائلة عقوبات مجلس الأمن، المفروضة على العراق بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة. ولم يكن معيدو التأمين في وضع اختيار الإبقاء على التزاماتهم التعاقدية من عدمه فكل من يخرق قراراته يخضع للمساءلة. يمضي التقرير في التأكيد على "ان هذه التطورات [الحصار الاقتصادي الدولي، الذي لم يحدد تاريخه، أحداث 9/4/2003، الانبهار الذاتي بإدخال التأمين على خطر الإرهاب] أفصحت عن مستقبل مشرق لسوق التأمين العراقي تتمثل في حصول اتجاهات جديدة بعد صدور قانون التأمين الجديد الذي تم بموجبه إنشاء ديوان التأمين وجمعية لشركات التأمين الخاصة ["الخاصة" هكذا ورد في الأصل. المقصود هو جمعية شركات التأمين وإعادة التأمين العراقية] وبالتالي فتح الأبواب على مصراعيها [هكذا] للرجوع إلى السوق الدولية بنفس جديد وقوي باعتباره سوقاً واعداً .." لا نعرف كيف أن "هذه التطورات أفصحت عن مستقبل مشرق" وما زال حجم أقساط قطاع التأمين العراقي لا يزيد عن قسط تأمين أخطار مؤسسة صناعية واحدة في دولة أوروبية. ربما أراد معد التقرير ربط المستقبل المشرق بصدور قانون التأمين الجديد (قانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005) لكن بعض مواد هذا القانون موضوع شكوى من قبل شركات التأمين ومنها شركة التأمين الوطنية. كما لا نعرف كيف أن القانون الجديد فتح باب الرجوع للأسواق الدولية. هناك قطعاً أسباب أخرى تستدعي الرجوع إلى معيدي التأمين الدوليين ليس للقانون الجديد أي دور فيه، فتاريخ العلاقات بين الشركات المسندة وشركات إعادة التأمين يشهد أن هذه العلاقات لم تكن مشروطة بوجود قانون للتأمين. الربط المنطقي للمقدمات بالنتائج ضروري دونكم الوقوف على الحقائق. لا نعتقد أن الاحتفاء بالقليل المنجز أو الرضا عنه كفيل "لصناعة" التقدم المنشود على مستوى القانون، وتفعيل ديوان التأمين العراقي وجمعية شركات التأمين وإعادة التأمين العراقية، وأداء شركات التأمين وبناء القدرات، وكذلك وقف نزيف الأقساط إلى الخارج. من باب الختام إن مستوى هذا التقرير لم يتطور منذ التقارير الماضية المقدمة لمؤتمرات الاتحاد العام العربي للتأمين. ونحن بانتظار التقرير القادم لنحكم على التحسن الحاصل في مضمونه وفي صياغته. ونود أن نقتبس هنا فقرات من مقالتنا "قراءة سريعة لتقرير سوق التأمين العراقي المقدم إلى المؤتمر السادس والعشرون للاتحاد العام العربي للتأمين، دمشق، أيار 2006" "كاتبو التقرير يتذكرون الماضي عندما كان سوق التأمين العراقي يتمتع بموقع الريادة في العالم العربي وكان السوق يتمتع باحترام معيدي التأمين لكن المحزن أن استحضار هذا التاريخ لا يلهم القائمين على إدارة النشاط التأميني في ترجمته إلى إجراءات وسياسات للخروج من الواقع الصعب والارتقاء بالنشاط. وإنصافاً لهم فإن الكثير مما يعرقل هذا النشاط هو خارج إرادتهم وبالتالي فإن المساحة التي يمكن أن يتحركوا فيها ضيقة، دونكم أعباء وتبعات الأوضاع الأمنية. المهم هو توسيع هذه المساحة باستمرار. نحن بانتظار أن نقرأ عن الدور الذي تمارسه جمعية شركات التأمين وإعادة التأمين العراقية، وعن تعزيز الكادر الإداري والفني لديوان التأمين العراقي الذي أغفله التقرير. وبودنا أن نقرأ عن الاجتماعات التي تقام داخل العراق من أجل النهوض بصناعة التأمين العراقية والأوراق البحثية التي تقدم فيها. لعل الضعف في التقرير يعود إلى عدم مشاركة واسعة من ممثلي شركات التأمين العراقية فيه. لعله كُتب ولم يوزع على الغير للمراجعة. أليس هناك من يستطيع أن يدلي بدلوه في هذا المجال ويضيف ويصحح ما ذكرناً وينصف من قام بكتابة وإعداد التقرير؟" مصباح كمال لندن 28 كانون الثاني 2009 [1] كنت قد نشرت "قراءة سريعة لتقرير سوق التأمين العراقي المقدم إلى المؤتمر السادس والعشرون للاتحاد العام العربي للتأمين، دمشق، أيار 2006" في المدونة ويبدو أن معدي تقرير 2008 لم ينتبهوا إلى الملاحظات التي أوردتها كان بإمكانهم الاستفادة منها عند إعداد تقريرهم الجديد. http://misbahkamal.blogspot.com/2008_03_01_archive.html [2] أذكر أن أ. عبد الباقي رضا، عندما كان المدير العام لشركة التأمين الوطنية، دأب على قراءة العديد من الكتب الصادرة من أقسام الإدارة العامة، وكان يؤشر تصحيحاته وتعليقاته على نسخ هذه الكتب بالحبر الأخضر. مثل هذا الاهتمام من رأس الشركة ساعد العديد من زملائنا على الانتباه لسلامة اللغة وصحة التعبير. [3] راجع بعض المقالات المنشورة في هذه المدونة ومنها: مصباح كمال "نظرات تاريخية في الـتأمين" http://misbahkamal.blogspot.com/2008_07_01_archive.html وكذلك: مصباح كمال "مداخلة في تحديث البحث عن التأمين وتاريخه في العالم العربي" التأمين العربي، العدد 99، ديسمبر 2008، ص 29-30. [4] كتبنا بحثاً صغيراً بعنوان "إطلالة على بواكير التأمين والرقابة على النشاط التأميني في العراق" (لندن: كانون الأول 2008) سنقوم بنشره مستقبلاً. [5] هل فكرت إدارة شركة التأمين الوطنية، وهي أغنى شركات التأمين في العراق، بتشجيع وتمويل البحث التاريخي للنشاط التأميني في العراق؟

ليست هناك تعليقات: