إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

2009/03/05

الشركات الأجنبية وشركات التأمين العراقية وضرورة تعديل قانون تنظيم التأمين لسنة 2005 مصباح كمال كتبنا هذه الورقة بوحي من ورقتنا المعنونة "الاتفاقية الأولية" بين وزارة النفط وشركة شيل لمشروع غاز الجنوب والتأمين على أخطار المشروع المشترك (لندن 29 كانون الأول 2009) التي وزعناها على شركات التأمين العراقية. وكنا قد عرضنا بعض الأفكار الواردة في الورقة الحالية على أحد زملاء المهنة في العراق لاستمزاج الرأي، ولعله يكتشف بعض النصوص التي ثبتناها في تخاطبنا معه. القدرات الحالية لشركات التأمين العراقية متدنية عند مقارنتها مع مثيلاتها في أسواق التأمين العربية. ويعود هذا التدني لأسباب عديدة بعضها تاريخية والبعض الآخر منها يعود للتركيبة الداخلية لشركات التأمين. ويشمل هذا التدني، من بين أمور أخرى، نوعية الكوادر الإدارية العليا والمتوسطة، والتفاوت في قدراتها، ومستوى الأداء، والمستوى المعرفي للعاملين. ونعرف أن الإطار القانوني الحالي لعمل شركات التـامين يعمل في غير صالحها، كما أن المؤسسات التأمينية الأخرى (الديوان والجمعية) ليست فعّالة وتكاد أن تراوح في مكانها، وقد يمضي بعض الوقت قبل أن تستطيع تكييف عملها وفرض الدور المتوقع منهما. واعتماداً على هذه القناعة فإن شركات التأمين العراقية ليست قادرة بالوفاء بالمتطلبات التأمينية للشركات الصناعية والتجارية العالمية التي تعمل أو ستعمل في العراق. الأطروحة الذي حاولنا ونحاول توصيلها، وبتواضع، للعاملين في سوق التأمين العراقي، تقوم على التنبيه إلى أهمية دراسة القوانين الحالية وممارسات طالبي التأمين من العراقيين والأجانب ومحاولة تغييرها لصالح شركات التأمين العراقية. وهي أطروحة تبدو بسيطة لكن العمل على تحقيقها يحتاج إلى جهود جماعية، وتحرك مؤسسي نظراً للمصالح المترسخة التي تقف وراء الوضع الحالي لقطاع التأمين العراقي. نشر بضع مقالات هنا وهناك وفي مدونة مجلة التأمين العراقي لا يفي بالمرام إن لم يتبعه نقاش واسع، وتحديد لرؤى يصار إلى توصيلها للجهات صاحبة القرار السياسي-الاقتصادي والتشريعي. ونرى أن حالة شبه الركود في قطاع التأمين العراقي ناتج عن غياب رؤية أو عدم وضوح الرؤية لما يراد لهذا القطاع من دور يؤديه سواء بين العاملين فيه أو لدى مؤسسات الدولة المعنية به. نعلم أن الرؤية العامة للاقتصاد العراقي ليست واضحةً والتأمين، ربما، يعبر عن ذات عدم الوضوح العام. لكن ذلك لا يعفي أهل التأمين من إعادة ترتيب بيتهم الوطني، الفيدرالي، المشترك. وهو مسعى يستلزم بذل الكثير من الجهد وليس الاكتفاء بالوقوف على تخوم الأمنيات أو انتظار ما ستؤول إليه الأوضاع. التحدي الحقيقي هو النهوض بمستوى العمل، في مختلف وجوهه، لمواجهه الواقع وثقله غير العادي على شركات التأمين العراقية لأداء ما يتطلبه برنامج تأميني رفيع المستوى لشركة أجنبية تعمل في العراق قد يكون فيه الكثير من التعقيد، وقد يضم تغطيات جديدة لم تعهدها هذه الشركات. يحصل التقدم عندما تتعامل شركات التأمين العراقية مع متطلبات الزبون العالمي بالتعاون فيما بينها ومع من تختاره من وسطاء التأمين العالمين. هناك تفاصيل عديدة وسيناريوهات لدى الزبون الأجنبي لا نعرف الآن عنها إلا القليل من خلال تجارب سابقة لنا (ولكن ليس من المناسب إسقاط تجارب شخصية في بعض الأسواق العربية وغيرها على سوق التأمين العراقي الحالي). قد يأتي الزبون العالمي محملاً بسلة من المطالب التي حددها سلفاً؛ قد يأتي لوحده أو بمعية وسيط إعادة التأمين الذي اتفق معه على إدارة محفظة التأمين؛ وقد يهمل الاتصال بالمرة بشركات التأمين العراقية دون أن يتعرض للمساءلة: أو ليس هو مستثمر أجنبي يحق له التأمين لدى شركة تأمين عراقية أو أجنبية كما يرتأي وكما يقضي به قانون الاستثمار العراقي؟ ربما يستفيد من غطاء تأميني قائم في موطنه الأصلي يستطيع أن يدرج أخطاره العراقية تحته، ربما يستفيد من شركة تأمين مقبوضة. الخيارات والمشاهد لمواجهة أخطار المشروع عديدة ومختلفة. ما يهم الشركة الأجنبية، غالباً، هو إجراء التأمين على أصولها ومسؤولياتها القانونية خارج منظومة القواعد الرقابية التأمينية العراقية. ويوفر قانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005 الغطاء القانوني لإجراء التأمين خارج نظام الرقابة والإشراف على أعمال التامين. أي أن الشركة الأجنبية تقوم بإبرام عقد التامين على أصولها في العراق مع شركة تأمين غير مرخص لها مزاولة أعمال التأمين في العراق non-admitted. المهم بالنسبة لشركات التأمين العراقية اقتناص الفرصة والعمل على عدة جبهات الآن وليس بانتظار ما سيسفر عنه المستقبل بالنسبة للقوانين العراقية أو تحرك الزبائن العالميين ووسطائهم. (هناك مسائل تفصيلية تستحق من يعمل لها كالاتصال بوزارة النفط أو شركة نفط الجنوب وغيرها من الوزارات والمحافظات والشركات، العراقية والأجنبية، التي تتعامل بعقود كبيرة، التنسيق بين شركات التأمين في المرحلة الحالية بدلاً من استفراد واحدة منها بالعمل على الأخطار الكبيرة.. الخ) يثار السؤال عن مدى مواكبة شركات التأمين العراقية للمعايير الفنية والمالية (وهي متباينة في أوضاعها المالية وقدراتها على تسديد المطالبات وخدمة وثائق التأمين) التي تضعها الشركات العالمية عند التعامل مع المؤمن المحلي. قد يكون الجواب بالنفي. لكن هذه هي الفرصة للعمل الدءوب من قبل إدارات شركات التأمين للتعرف على هذه المعايير ومواكبتها. لا نستسهل الأمر في ظل مستوى المهارات والمعارف القائمة وضعف الإلمام باللغة الإنجليزية لكن "رحلة الألف ميل تبدأ بخطوة واحدة." ولسنا هنا في معرض توصيف ما يجب على شركات التأمين القيام به من تغيير في المواقف وفي اتخاذ الإجراءات التنظيمية المناسبة داخل الشركات وفيما بينها. المطلوب البدء بعملية استكشاف بدائل لما هو قائم وعلى مستوى استراتيجي. فعلى سبيل المثال، نعرف أن تأسيس كيانات تأمينية كبيرة من خلال الاندماج أو الاستحواذ ليس ممكناً في الوقت الحاضر: القوانين لا تفرض رسملة عالية قد تدفع باتجاه الاندماج كما حصل في الأردن؛ الشركات الخاصة كيانات أشبه ما تكون بالعائلية يُغير أصحابها عليها للاستفادة من أرباحها. إزاء هذا الوضع، الذي قد يتغير متى ما توفر الرأسمالي (فرد أو مؤسسة) الذي يستطيع شراء شركتين أو ثلاث بهدف دمجها (لكن هذا يقع، حالياً، في باب الحلم). لذلك تظل فرصة التعاون وتعزيزه بين شركات التأمين القائمة موضوعاً يستحق العمل من أجله لصالح الجميع. أما رغبة الدولة، أو فلنقل رغبة مجموعة من المنتفعين من وجودهم داخل مؤسسات الدولة، في استجلاب المستثمرين الأجانب لقطاع التأمين، فإنهم لا يملكون القرار النهائي في تحديد مصائر هذا القطاع إن كان أهل هذا القطاع مدركين لما يريدونه بشأن تكوين وتطوير سوق وطني عراقي، ويضغطون على الشارع العراقي لتعديل القوانين والقرارات التوجيهية القائمة. من المناسب هنا أن نؤكد بأننا لسنا ضد الاستثمار الأجنبي (العربي وغير العربي) في قطاع التأمين العراقي. صدرت قوانين بشأن الاستثمار، وقانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005 يسمح لشركات التأمين الأجنبية فتح فروع لها في العراق لمزاولة أعمال التأمين. ما يهمنا في المرحلة الحالية هو تعزيز دور الرأسمالية الوطنية ومساهمتها في شركات التأمين القائمة كي تصل إلى درجة مناسبة من الندية مع رأسمال الأجنبي. أنظر إلى أسواق التأمين في البلدان العربية سترى أن الشركات الوطنية هي المكون الأساسي للسوق. المطلوب من الدولة ليس إرضاء الأجنبي إلا في الحدود التي تخدم المصالح العراقية دون تفريط بأي منها. نحن لا ندعو إلى الانغلاق بل إلى حماية المصالح العراقية لأن الاقتصاد العراقي مازال ريعياً ومنكشفاً أمام تقلبات أسعار النفط وأسعار الصرف، ويحتاج إلى سياسات قوية لتنويع الموارد ويدخ التأمين في ضمن هذه الموارد. نعرف أن التجاذبات السياسية والطائفية والإثنية أدت إلى الالتباس في هذه المصالح لكننا نعتقد أن الشأن التأميني هو الأقل عرضة للتجاذب، وبالتالي هناك كوة يمكن النفاذ منها نحو تشكيل رؤية وطنية مشتركة لقطاع التأمين. قد نكون متفائلين فيما نقول ولعل الأيام تسفر عن خطل أو صحة هذه الموضوعة. كانت جميع محاولاتنا ولا تزال تصب في حث القطاع على النهوض من كبوته وخموده والخروج من العقلية القديمة التي يجري على هديها ممارسة العمل المكبل بالبيروقراطية وفقر التفويض للمراتب الوسطى. وطالما ظل القطاع ضعيفاً طالما زادت فرص المنتفعين أو الجاهلين في الدولة ومؤسساتها لتجاوز شركات التأمين. خمود القطاع يذكرنا بمواقف بعض أركانه، خاصة بين شركات التأمين العامة، عندما كانت بيرنغ بوينت إنكBearingPoint Inc تحاول الخصخصة الفورية لهذه الشركات سنة 2003 بعد شهور قليلة من الاحتلال، وبعد ذلك قيام السيد مايك بيكنز Mike Pekins بطلب من الوكالة الأمريكية للتنمية العالمية في تدبيج مسودة قانون تنظيم أعمال التأمين باللغة الإنجليزية اعتماداً على قانون التأمين الأردني[i] وما تبعه من استهانة بالرأي العراقي وخوف مدراء الشركات العامة من اتخاذ موقف نقدي قوي تجاه مسودته. ستظل مثل هذه المواقف ومشاعر الخوف قائمة، وبعضها من تركة الماضي، ما لم ينهض موقف قوي لدى القطاع، بجميع مكوناته، لتعزيز مكانة الشركات (مراجعة وتعديل قانون 2005) وعمل الشركات ذاتها للارتقاء بمستواها على جميع الأصعدة. في رسالة لنا لأحد زملاء المهنة في العراق اقترحنا التحرك الجماعي من خلال عدد من النشطاء في قطاع التأمين للعمل على تحفيز الجمعية والديوان للتحرك. ويمكن أن يبدأ تحرك مجموعة النشطاء باقتراح جدول أعمال لاجتماع عام أو مؤتمر، وكذلك إجراء البحوث بشأن بنود الجدول واختيار الأشخاص الذين سيقومون بالبحث وكتابة الأوراق كي تكون جاهزة للتوزيع قبل انعقاد الاجتماع. لاحظ بأننا تحدثنا عن إجراء البحوث وكتابة الأوراق فما نشر حتى الآن يدخل في باب التحليل العام والإشارة إلى بعض السياسات ولذلك فإن التحليل الملموس لقضايا السوق ما زال قائماً كاقتراح خلق كيانات تأمينية كبيرة، على سبيل المثال، تستطيع التناغم مع متطلبات الشركات الأجنبية الكبيرة التي سيزداد دورها في تنفيذ المشاريع الكبيرة، وغيرها من قضايا تستحق الدراسة كفكرة المؤمن القائد والمشاركة في التغطية وإدارة ترتيبات الواجهة .. الخ. الاستمرار في المناقشة ضروري لبلورة المواقف والسياسات لكننا نرى أن تكون بين العاملين في القطاع لتطوير الخطاب المناسب لهم وتوجيهها للسياسيين والمشرعين للوصول إلى التغيير المطلوب وليس مجرد التناقش معنا، كما يفعل بعض الزملاء، فأنا لست إلا مشاهداً عن بُعد لا أتوفر على تفاصيل كافية لما يجري داخل السوق. أملنا حقا هو أن يتسع النقاش بين العاملين ليكون في العلن. إن كان هناك حرج عند البعض للمشاركة فلا ضير من الاستمرار بدونهم. أو إن كان النقاش العلني لا يؤدي الغرض المطلوب منه فليتم ذلك في لقاء مغلق بين ممثلي الشركات. خلاف ذلك لعل في تجربة المؤتمر العراقي الدولي للمصارف الذي عقد في بغداد في نهاية كانون الثاني 2009 تحت شعار "نظام مصرفي عراقي متين وسيلة لإرساء عراق مزدهر" مثالاً لعقد مؤتمر مماثل لقطاع التأمين دون أن يكون دولياً بل يقتصر على العراقيين في الداخل، المكتوين بثقل تركة الماضي، والحيف القانوني الواقع على شركاتهم. مصباح كمال لندن 3 آذار 2009 [i] لا نستهين بقدرات الرجل فقد كان مفوض التأمين (1997-2005) لولاية أركنساس في الولايات المتحدة الأمريكية. وقد كرمه مجلس الشيوخ في الولاية بالثناء والإطراء على عمله في العراق في قرار صدر بتاريخ 14 آذار 2005. يمكن الإطلاع على نص هذا القرار باستخدام الرابط التالي: http://www.arkleg.state.ar.us/assembly/2005/R/Bills/SR13.pdf

ليست هناك تعليقات: