إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

2017/05/11

Notes on Insurance in the Monetary & Fiscal Context



 

على هامش كتاب لهب عطا عبد الوهاب:

سرعة تداول النقود بين النظرية الاقتصادية والتطبيق العملي[1]

 

 

نشرت هذه المقالة أصلاً في موقع شبكة الاقتصاديين العراقيين:


 

 

[1]    مقدمة

 

هذا كتاب مهم في موضوعه، سرعة تداول النقود، قدمه المؤلف بأستاذية ونأمل، أن ينتبه إليه المختصون.  هو ليس كتاباً في التأمين لكنه يضم إشارات سريعة عابرة للتأمين في بعض المواضع سنقوم بإبرازها في هذه الورقة بقدر ما تسمح به إمكانياتنا في فهم الظواهر الاقتصادية المالية والنقدية منها بشكل خاص.  هذه الورقة ليست معنية بسرعة تداول النقود ولذلك فهو لا يشكل موضوعاً للتعليق لكننا سنستفيد من بعض نصوص الكتاب والمفاهيم الواردة فيها لعرض بعض جوانب التأمين مع الإشارة، قدر الإمكان، إلى واقع النشاط التأميني في العراق.

 

لولا هذا الكتاب الذي أهداه المؤلف لي لما بادرت إلى كتابة هذه الورقة لوضع التأمين ارتباطاً بالنظام النقدي والمالي.  فله أجزل الشكر على هديته الكريمة وعلى توفير فرصة الكتابة عن جوانب من النشاط التأميني.

 

لتوفير السياق المناسب لتعليقاتنا سنقتبس نصوصاً طويلة من الكتاب، لإظهار ورود إشارة للتأمين فيها، وفي هذا فائدة أيضاً لمن لا يتوفر على نسخة من الكتاب.

 

تضم محاولتنا عرض الموضوعات التالية:

 

§      هل هناك علاقة بين كلفة الاحتفاظ بالنقد وشراء التأمين؟

§      تخفيض الضرائب والطلب على التأمين

§      التأمين كمؤسسة مالية وسيطة غير مصرفية

§      ضيق نطاق الأسواق النقدية والمالية واستثمار شركات التأمين

§      السوق النقدية المنظمة، الوعي المصرفي/الوعي التأميني، النضج المالي/النضج التأميني

 

[2]   هل هناك علاقة بين كلفة الاحتفاظ بالنقد وشراء التأمين؟

 

التغيرات في معدلات الفائدة وأثرها على التأمين

تحت عنوان العوامل التي تؤثر على كلفة الاحتفاظ بالنقد تناول المؤلف (1) التغيرات التي تطرأ على معدلات الفائدة و (2) التغيرات التي تطرأ على المستوى العام للأسعار.

 

(1) التغيرات التي تطرأ على معدلات الفائدة

إن ارتفاع معدلات الفائدة على الموجودات البديلة للنقود (كالودائع الزمنية والسندات الحكومية) ستدفع بالأفراد نحو الاقتصاد في أرصدتهم النقدية لتكلفة الفرصة opportunity cost المرتفعة للاحتفاظ بالنقود (والتي لا تدر عائداً مقارنة بعوائد الموجودات غير النقدية).  ومن هنا ميل الأفراد إلى تخفيض أرصدتهم النقدية بدلاً من تفضيل السيولة، الأمر الي سيفضي إلى ارتفاع في سرعة تداول النقود. (ص 28)

 

لا يرد في هذا النص أي ذكر للتأمين لكننا اقتبسناه لإبراز مدى تأثير معدلات الفائدة على بعض جوانب التأمين.  لا نظن أن ارتفاع معدلات الفائدة سيخلق ميلاً لدى الأفراد لتخفيض أرصدتهم النقدية وإنفاقها، أو بعض منها، على شراء وثائق التأمين كموجودات بديلة للنقود، باستثناء بعض أشكال التأمين على الحياة.  فشركات التأمين المتخصصة بأعمال التأمين على الحياة تطرح للبيع وثائق تأمين ادخارية (وهي غير الشهادات الادخارية، أوعية استثمارية تطرحها البنوك، إذ أن وثائق التأمين الادخارية تغطي خطر وفاة صاحب وثيقة التأمين) لجذب عملاء جدد.  فمن آثار ارتفاع معدلات الفائدة الضغط على شركات التأمين على الحياة لطرح منتجات جديدة بعوائد استثمارية أعلى تتناسب مع هذا الارتفاع في محاولة لجذب الأفراد لشراء وثائق التأمين كبديل أو مكمل للاستثمار في الشهادات الادخارية.  وكذلك العمل على تخفيض أقساط التأمين بفضل ارتفاع العوائد الاستثمارية، ويأتي هذا مقترناً بحالة التنافس بين الشركات للإبقاء على عملائهم وجذب الجدد منهم.

والمعروف أن ارتفاع معدلات الفائدة يُحسّن من العوائد الاستثمارية على وثائق التأمين على الحياة، ومن هنا ربما الميل لاقتناء وثائق التأمين على الحياة إذ أن معدل الفائدة على هذه الوثائق تراكمي ويحتسب على أساس مبلغ التأمين وليس القسط المسدد.  فعند حلول أجل الوثيقة أو وفاة صاحبها فإن شركة التأمين تسدد له أو لورثته مبلغ التأمين إضافة إلى الفائدة على هذا المبلغ.

 

ويساهم ارتفاع معدلات الفائدة إيجابياً في تحسين ربحية شركات التأمين على الحياة وغير الحياة (ما يعرف بالتأمينات العامة) من خلال العوائد على الأرصدة المستثمرة.

 

مقابل ذلك فإن انخفاض معدلات الفائدة، كما هو حاصل في الاقتصادات الغربية منذ عدة سنوات، يؤثر سلباً على العوائد الاستثمارية وربحية شركات التأمين وصناديق التقاعد.  وتتفق الدراسات المختصة على استمرار النظرة المستقبلية السلبية لغالبية أسواق التأمين على الحياة على الصعيد العالمي.[2]

 

التغيرات في المستوى العام للأسعار وأثرها على التأمين

 

(2) التغيرات التي تطرأ على المستوى العام للأسعار

إن الارتفاع في المستوى العام للأسعار وتوقع الجمهور استمراراً في ارتفاعه مستقبلاً بحيث أن الأخير يمكن أن ينظر إليه باعتباره نذيراً لتضخم متوقع – هو عامل مهم يمكن أن يؤثر على سرعة تداول النقود على المدى القصير والطويل معاً – من خلال تأثيره على "كلفة الاحتفاظ بالنقود"، إذ أن ارتفاع الأسعار سيعني انخفاضاً في القيمة الحقيقية للقوة الشرائية للنقود الأمر الذي سيدفع الأفراد نحو شراء السلع الآن (بدلاً من تفضيل السيولة).  (ص 28-29)

 

الملاحظ أن الانخفاض في القيمة الحقيقية للقوة الشرائية للنقود تدفع الأفراد نحو شراء السلع بدلاً من الاحتفاظ بالنقود.  المنتج التأميني هو سلعة بمعنى ما ينطوي عليه من منافع (التعويض عند حصول ضرر أو خسارة) يحصل عليها حامله لإشباع حاجاته (التحوط من الأخطار المحيطة به والتخفيف من عدم التأكد بما يخبئه المستقبل).  ليس لدينا دراسة تفيد في شرح العلاقة بين انخفاض القوة الشرائية للنقود (التضخم) والإقبال على شراء المنتجات التأمينية.  إن هذا الإقبال، لو كان قائماً حقاً، فإنه يساهم، إلى حدٍ ما، في الحدِّ من الضغوط التضخمية الناشئة من وفرة (زيادة) كمية النقود في التداول العام، وذلك لأن الإقبال على شراء الحماية التأمينية يعمل على حجز أرصدة نقدية ربما كانت ستنفق على شراء سلع مادية وخدمات أخرى.

 

إن الانخفاض في القوة الشرائية للنقود، من المنظور التأميني، يترجم نفسه في زيادة كلفة شراء حماية إعادة التأمين من الخارج (بسبب تدني سعر صرف العملة الوطنية)، وإلى خسارة أو هبوط في قيمة موجودات شركات التأمين، وكذلك هبوط قيمة وثائق التأمين على الحياة (مدخرات المؤمن لهم) وتآكل قيمة الأموال المادية المؤمن عليها وما ينشأ عنها من اختلاف في تسوية مطالبات تعويض الأضرار المادية بسبب التباين في مبالغ التأمين عند ابتداء التأمين وعند تسوية المطالبة.

 

الادخار الفردي لأغراض التقاعد، وخاصة في الاقتصادات الغربية، هو الآخر يتأثر سلبياً من انخفاض القوة الشرائية للنقود إذ يظل هاجس انخفاض معدلات الفائدة في المستقبل وقت بلوغ مرحلة التقاعد عاملاً مؤرقاً للعاملين والعاملات، خاصة مع التحول من نظام التقاعد على أساس المنفعة المحددة defined benefit إلى نظام الاشتراكات defined contribution والاعتماد على الأسواق المالية (أي الاعتماد على أداء استثمارات صناديق التقاعد) في توفير المعاشات التقاعدية.[3]

 

وقد لوحظ في سنوات الحصار الاقتصادي على العراق (2003-1990) هبوط قيمة موجودات شركات التأمين، وخشيةً من استمرار هذا الهبوط بادرت شركات التأمين إلى تحويل جزء[4] من الأرصدة النقدية المتراكمة لديها لشراء الأصول العينية كالعقارات.  وقد كتبنا التالي بشأن هذا الموضوع في دراسة سابقة[5] نقتبس منه ما يلي:

 

أدت العمليات العسكرية والعقوبات الاقتصادية وتوسع النظام في طبع النقود الورقية إلى إضعاف قيمة الدينار العراقي.  وما يهمنا هنا هو الإشارة إلى أن التضخم المفرط أدى إلى تدهور قيمة رأسمال شركات القطاع واحتياطياتها بحيث جعلها مكشوفة للإفلاس إن هي تعرضت لخسائر كبيرة لا تقوى على التعويض عنها اعتماداً على مواردها الذاتية وتلك التي توفرها شركة إعادة التأمين العراقية.[6]  لذلك لجأ القطاع مبكراً إلى استبدال الأصول النقدية الآيلة إلى الهبوط الحاد في قيمتها إلى أصول مادية من خلال الاستثمار في العقارات لميل أقيامها إلى الزيادة.  ليست هناك معلومات دقيقة موثقة منشورة عن هذا الأمر، ولا على القيود القانونية على الأرصدة النقدية التي يجب على شركات التأمين الاحتفاظ بها في جميع الحالات للوفاء بالالتزامات تجاه حملة وثائق التأمين، ونسبة الاستثمارات العينية وما يمكن استثماره في أسهم الشركات التجارية وغيرها.

 

حسب المعلومات المتوفرة لدينا فإن المحفظة الاستثمارية للشركات الحكومية الثلاث (شركة التأمين الوطنية، شركة التأمين العراقية وشركة إعادة التأمين العراقية) تضم الفقرات التالية وبنسب متباينة: عقارات، أوراق مالية حكومية وغير حكومية، إيداعات في البنوك، قروض مضمونة (وأخرى غير مضمونة)، أسهم وودائع داخل وخارج العراق.  والمعروف عن الشركات الثلاث أنها تمتلك مباني عديدة بعضها مستخدمة كمقرات لها والبعض الآخر مؤجر للغير.

[3]   تخفيض الضرائب والطلب على التأمين

 

يتناول المؤلف في المبحث الثاني من المحور الرابع في الكتاب (ص 108-114) وسائل السلطات النقدية في التأثير على سرعة تداول النقود، ويحصر هذه الوسائل بالآتي: زيادة الانفاق الحكومي، تخفيض الضرائب، إعادة تسديد الدين العام، تخفيض معدلات الفائدة، الاقناع الأدبي والدعاية، إزالة القيود على الشراء بالأقساط، توفر "السلع المغرية، والزيادة في تكرار المدفوعات.

 

تناولنا تأثير معدلات الفائدة في الفقرات الأولى من هذه الورقة، وسنحصر التعليق هنا بتخفيض الضرائب.  وبهذا الشأن، ودائماً ضمن موضوع سرعة تداول النقود، يقول المؤلف:

 

إن أي تخفيض في الضرائب المباشرة – دون أن يرافقها تخفيض مماثل في الانفاق العام – ستعمل على رفع القوة الشرائية لأفراد المجتمع... كما أن تخفيضاً في الضرائب غير المباشرة، حيث سيغري الانخفاض في الأسعار الأفراد إلى الشراء والانفاق.  على سبيل المثال، قيام الدولة بتخفيض ضريبة المشتريات (على السيارات مثلاً) الأمر الذي سيؤدي إلى زيادة الطلب عليها.  (ص 111)

 

لا توجد ضرائب على إصدار وثائق التأمين في العراق، كما هو الحال في العديد من البلدان الأوروبية.[7]  هناك فقط، في الوقت الحاضر، جباية لرسم الطابع، بنسب مختلفة، على وثائق التأمين على الحياة والحوادث الشخصية، والتأمين البحري، والتأمين غير البحري.

فرض الضريبة أو زيادتها على وثائق التأمين قد تدفع باتجاه التقليل من الطلب على شراء الحماية التأمينية، مثلما قد يؤدي إلغاء الضريبة أو التقليل من نسبتها إلى زيادة الإقبال على الانفاق على الحماية التأمينية.  ما لم يكن شراء التأمين إلزامياً فإن زيادة الضريبة على وثائق التأمين تؤثر سلبياً على شراء التأمين وقد يدفع باتجاه التهرب والتغاضي عن التأمين.  بالطبع، هناك عوامل عديدة تؤثر على شراء الحماية التأمينية والضريبة المفروضة عليها هي واحدة منها إلى جانب حجم الدخل النقدي المتوفر لدى الأفراد، وتأصل أعراف التدبر تجاه ما يخبئه المستقبل، وترجيحات تكلفة الفرصة opportunity cost وغيرها.

وتتمتع وثائق التأمين على الحياة بمعاملة تفضيلية من قبل دوائر الضريبة، فالمبالغ التي تدفع للمستفيدين من وثيقة التأمين، مثلاً، لا تخضع غالباً للضريبة.

 

وبالنسبة لشركات التأمين فإن أقساط التأمين المكتسبة تخضع للضريبة (صافي الأرباح الاكتتابية)، وكذلك عوائد الاستثمار، ونتائج الأعمال السنوية.  وهناك رسوم أخرى تدفع لديوان التأمين وجمعية التأمين العراقية وغيرها، وهي مصدر شكوى البعض.[8]

 

[4]   التأمين كمؤسسة مالية وسيطة غير مصرفية

 

يكتب المؤلف تحت عنوان ثانوي، التطورات المؤسسية في الأسواق النقدية، ما يلي:

 

ويُشار بهذا الصدد إلى النمو الواسع والمضطرد في "المؤسسات المالية الوسيطة غير المصرفية* Nonbank Financial Intermediaries في الاقتصادات الصناعية من منتصف الخمسينات كأحد العوامل التي أضعفت من فاعلية السلطات المركزية في السيطرة على المعروض النقدي لما تتمتع به من مطلوبات هذه المؤسسات من سيولة عالية بحيث "أتاحت للجمهور" منفذاً جديداً وفعالاً للاقتصاد بأرصدته النقدية إذ بدلاً من الاحتفاظ بأرصدتهم النقدية عاطلة يمكن للجمهور من تحويلها إلى الالتزامات التي تصدرها هذه المؤسسات (ودائع الادخار، حصة في مؤسسات الادخار والإقراض، بوالص التأمين ... الخ) والتي تدر عائداً كبيراً من ناحية كما يمكن قلبها إلى نقد بسهولة وبأدنى كلفة أو خسارة ممكنة من ناحية أخرى.  (ص 121)

 

* ويذكر في هامش بأن أهم المؤسسات الوسيطة غير المصرفية "مؤسسات الادخار thrift institutions مثال ذلك بنوك الادخار، مؤسسات الادخار والإقراض بالإضافة إلى اتحادات الائتمان وشركات التأمين، والتي تعمل "كوسيط" في نقل الأرصدة النقدية من المقرضين النهائيين (الدائنين النهائيين) إلى المقترضين النهائيين.

 

تُصنف شركات التأمين والصناديق التقاعدية والتبادلية وغيرها كمؤسسات مالية وسيطة غير مصرفية.  سنحصر تعليقنا فيما يلي بشركات التأمين.  لقد شهدت العقود الأخيرة قبل الألفية الثانية قيام شركات إعادة التأمين الكبرى ووسطاء التأمين في المراكز العالمية للتأمين، كسوق لندن وبرمودا، ابتكار وتطوير أدوات بديلة لتحويل الأخطار alternative risk transfer (ART) خارج الأنماط التقليدية لآليات التأمين.  وقد أنصبَّتْ هذه الأدوات على التعامل مع الأخطار الكبيرة ذات الطبيعة الكارثية، كالزلازل والفيضانات والمسؤوليات القانونية كتلك المرتبطة بالأسبستوس التي تعود أصولها إلى ما قبل النصف الثاني من القن العشرين، التي ولَّدت خسائر لشركات التأمين تقدر بعدة مليارات في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي.  لم يكن ابتداع الوسائل لتمويل الخطر risk financing ضمن الآليات التقليدية كافية، كخيارات تجزئة مبالغ الأخطار الكبيرة المؤمنة إلى شرائح layered options وغيرها لتسهيل تغطيتها بأسعار اقتصادية معقولة.  وهكذا نشأ التحول نحو الاستفادة من سوق رأس المال (استخدام السندات bonds لتغطية الخسائر المترتبة على الكوارث، وخيارات البيع المستقبلية futures/put options) والتوريق الذي بدأ في سبعينيات القرن الماضي[9] securitization وغيرها.[10]

 

وعلى مستوى الأفراد كانت جمعيات بناء المساكن تمارس دورها في تقديم القروض لشراء دور السكن ثم بدأت في أواسط ثمانينيات القرن الماضي، في بريطانيا، بتقديم خدمات مصرفية للأفراد.  واستمر التداخل بين العمل المصرفي والتأميني حتى أن المصارف أخذت تمارس نشاطاً تأمينياً bancasssurance (بدأ في فرنسا في ثمانينيات القرن الماضي وانتشر في أوروبا وخارجها).  وبذلك أصبحت البنوك قنوات توزيعية مهمة للمنتجات التأمينية، مثلما أخذ بعض البنوك بممارسة التأمين المباشر والبعض الآخر أسس كيانات لوساطة التأمين خاصة بها.  وقد شهدت بعض البلدان العربية تبني نموذج التأمين عبر المصارف.

 

ويذكر المؤلف، فيما يخدم أطروحته في سرعة تداول النقود، الميل المتزايد لدى "الجمهور" لتحويل الأرصدة النقدية إلى المؤسسات غير المصرفية لقاء الالتزامات التي تقدمها (ودائع الادخار، حصة في مؤسسات الادخار والإقراض، بوالص التأمين ... الخ).  (ص 121).  ما يعنينا هنا هو الإشارة إلى وضع بوالص التأمين بين هذه الالتزامات التي "تدر عائداً كبيراً من ناحية كما يمكن قلبها إلى نقد بسهولة وبأدنى كلفة أو خسارة ممكنة من ناحية أخرى."  إقحام بوالص التأمين هنا ربما أنصبَّ على بعض وثائق التأمين على الحياة التي تتضمن عنصراً ادخارياً مرتبطاً أيضاً بالأرباح التي تحققها شركة التأمين على استثماراتها لصندوق أقساط التأمين، وكذلك صندوق التقاعد الفردي المربوط بأرباح الشركة.  وخلاف ذلك فإن وثائق التأمين لا تدر العوائد لحَمَلتها

 

أما موضوع قلب بوالص التأمين إلى نقد بسهولة وبأدنى كلفة ممكنة، فهو يحتاج إلى تكييف بسبب وجود ضوابط على هذا القلب، أي إلغاء بوالص التأمين، إذ أن ما يحصل عليه حامل البوليصة من قسط التأمين الذي سدده ابتداءً أو على دفعات لا يعادل هذا القسط بالكامل ذلك لأن شركة التأمين تتكبد مصاريف إدارية في الاكتتاب وفي إصدار بوليصة التأمين، كما أنها تكون مسؤولة عن تعويض حامل البوليصة عن الضرر أو الخسارة المُبلَّغ عنها قبل تاريخ قيامه بإشعار شركة التأمين بالإلغاء.  ومن المعروف أن معظم بوالص التأمين تُطبق ما يُعرف بجدول المدة القصيرة Short Rate Cancellation Table.

 

[5]      ضيق نطاق الأسواق النقدية والمالية واستثمارات شركات التأمين

 

تحت هذا العنوان الثانوي يذكر المؤلف أن هذه الأسواق في البلدان النامية تتميز "بالضيق والذي يرجع إلى قلّة التعامل بالأوراق التجارية، وقلة ما يصدر من أذونات الخزينة، واقتصار الأسواق المنظمة فيها أساساً على البنوك التجارية ..."  ويلاحظ بالنسبة لسوق رأس المال "محدودية البائعين والمشترين – مما يفيد انخفاض حجم المبادلات – غياب المتعاملين الذين يتحملون مخاطر تقلبات القيمة الرأسمالية للسندات."  ويلاحظ المؤلف أيضاً "أن أكثر من 80% من السندات [الحكومية] القابلة للتداول في الأسواق يحوزها البنك المركزي والبنوك التجارية وشركات التأمين ..."[11] [التأكيد من عندي]

 

ما الذي يدفع شركات التأمين لحيازة السندات الحكومية؟  أولاً، عنصر الضمانة العالي لهذه السندات.  وثانياً، سهولة بيعها في أسواق المال للحصول على السيولة النقدية المطلوبة لتعويض المطالبات الكبيرة عندما تكون الموارد النقدية داخل الشركة غير كافية.  ويمكن وضع الموضوع في إطار القيود المفروضة على السياسة الاستثمارية لشركات التأمين.  وقد كتبنا في دراسة سابقة عن:

 

"التقلبات في نتائج الأعمال نتيجة لخبرة الخسارة المتغيرة.  وهذا يتطلب من شركة التأمين الإبقاء على احتياطات كبيرة زيادة عن احتياطاتها الفنية، إذ أن الأموال المتجمعة لديها يمكن أن تكون عرضة للنضوب خلال فترة زمنية قصيرة بسبب المطالبات بالتعويض (بعد كارثة مثلا).  يقتضي مثل هذا الواقع من شركة التأمين الإبقاء على أموالها في حالة سيولة معقولة: كأن تكون بهيئة ودائع مصرفية قابلة للسحب الفوري أو سندات قصيرة الآجل يمكن تسييلها دون التعرض لخسارة كبيرة.

 

هناك بالطبع اعتبارات عديدة حول المفاضلة بين الأصول المالية القابلة للتسويق.  فالمعروف أن الإبقاء على الأصول بهيئة نقد لا يوفر عائداً لشركة التأمين.  كما أن الاستثمار في السندات الحكومية يكون مردوده محدوداً.  مقابل ذلك فإن الاستثمار في الأسهم يمكن أن يوفر مكاسب رأسمالية capital gains لا تخضع للضريبة إلا عند تحقق هذه المكاسب.  مثل هذا الاستثمار ينطوي على المخاطر التي تطرأ على سوق الأسهم، وهي ضمن قابلية التسويق الفوري تعتبر غير مناسبة لشركة التأمين.  ولهذا فإن بعض شركات التأمين تميل إلى تنويع محافظها الاستثمارية كي تستطيع مواجهة التعويضات والحصول على عوائد معقولة.

 

ومن القيود التي تفرض نفسها على الاستثمار إمكانية انخفاض دخل أقساط التأمين.  إن تقلص حجم الأعمال المكتتبة، لأي سبب كان، يعني أن التدفق النقدي لشركة التأمين لن يكون كافياً لبناء الاحتياطيات والاستثمار.

 

هناك القواعد الرقابية الانضباطية التي تفرض على شركات التأمين الإبقاء على هامش معين للملاءة المالية.[12]  وهذا يعني إخضاع أصول الشركة لقواعد التقييم الرقابية كوضع حد أو سقف للأصول المالية التي يمكن للشركة أن تحتفظ بها والتي تتعرض لتقلبات كبيرة كالأسهم والسندات الطويلة الأجل والأصول العينية دون الإضرار بالسيولة النقدية للشركة كي تستطيع تسديد التعويضات في أوانها.

 

إضافة إلى ذلك يتوجب على شركة التأمين أن تأخذ بنظر الاعتبار النمو المتوقع في حجم الأعمال.  فالتباطؤ في معدل النمو قد يؤدي إلى نتائج سلبية على التدفق النقدي.  مقابل ذلك فإن المعدلات العالية في نمو حجم الأعمال لها مشاكلها الخاصة فقد تؤدي إلى مشاكل في تمويل الاحتياطيات الفنية (التي يجب تأسيسها) وكذلك زيادة هامش الملاءة المالية.

 

كما أن شركة التأمين قد تواجه عدم توفر حماية إعادة التأمين لأسباب عديدة: عدم توفر الطاقة الاستيعابية للمحافظ الاكتتابية للشركة، انسحاب شركات إعادة التأمين من الاكتتاب في بلد معين بسبب عدم الاستقرار ...إلخ.

 

إن المحافظ الاستثمارية لشركات التأمين ليست متجانسة بسبب طبيعة الأعمال التي تكتتب بها.  فالعقود التي تكتتبها شركات التأمينات العامة ذات آجال قصيرة، وعادة تمتد لسنة واحدة، في حين أن عقود شركات التأمين على الحياة قد تمتد لعدة عقود.  وبفضل القدرات الاكتوارية المتوفرة لها تستطيع التنبؤ بحجم المسؤوليات التعاقدية التي تترتب على أعمالها بدقة أكبر من شركات التأمينات العامة، وبالتالي تستطيع توظيف احتياطياتها في أدوات مالية ذات أجل أطول."[13]

 

[6]   السوق النقدية المنظمة، الوعي المصرفي/الوعي التأميني، النضج المالي/النضج التأميني

 

السوق النقدية المنظمة وغير المنظمة وموقع التأمين فيها

يُميّز المؤلف بين السوق النقدية المنظمة والسوق النقدية غير المنظمة.  فالسوق النقدية المنظمة تشتمل "عادة على البنك المركزي والمصارف التجارية والمؤسسات المالية الأخرى مثل شركات التأمين."  وهذه تخضع لقوانين تحكم نشاطها من حيث التأسيس، وحجم رأس المال المطلوب، ورخصة مزاولة العمل ومؤهلات العاملين وغيرها.  في حين أن السوق النقدية غير المنظمة "غير متجانسة، حيث تضم المرابين والتجار وأصحاب المتاجر، الأصدقاء والأقرباء، ملاك الأراضي، والذين يخرجون عن نطاق التحكم والرقابة المباشرة للبنك المركزي." (ص 127-128).

 

ويلاحظ أن السوق غير المنظمة، على العموم وعلى شاكلة اقتصاد الظل أو السوق السوداء، تكاد أن تكون غير موجودة في قطاع التأمين[14] نظراً لطبيعة "السلعة" التأمينية غير المنظورة (وعد مستقبلي بالتعويض عن خسارة أو ضرر مادي قد يحصل أو لا يحصل في المستقبل)، وطبيعة الإنتاج التأميني الذي يوصف بأنه قلب أو عكس دورة الإنتاج inversion of the production cycle، فشركات التأمين تبيع منتجاتها وتستلم قسط التأمين عنها مقدماً قبل فترة من إنتاج السلعة المتمثل بتسوية وتسديد المطالبة بالتعويض.  وبهذه الصفة فإن السلعة التأمينية ليست ذات جاذبية في السوق غير المنظمة، إذ أن الأنشطة غير المشروعة تقوم على البيع والربح والاستهلاك الاني وليس الانتظار للانتفاع من موضوعها في المستقبل.

 

الوعي المصرفي/الوعي التأميني

يقدم المؤلف عرضاً عن الوعي المصرفي ينطبق برأينا على قطاع التأمين فهو يقول:

 

إن النظام المصرفي في اقتصاد ما ينمو عندما تتأصل العادة المصرفية أو الوعي المصرفي في نفوس الأفراد وعندما تنتشر المؤسسات المصرفية في شتى ربوع البلاد في الاقتصادات التي يوجد فيها قطاع خاص "وأن ما يراد بالوعي المصرفي" هو زيادة ميل الأفراد الى التعامل مع البنوك بفتح حسابات إيداع مختلفة ..." (ص 129-130)

 

وبتطبيق معطيات هذا العرض يمكن القول إن نظام التأمين يأخذ بالنمو عندما تتأصل العادة التأمينية أو الوعي التأميني، بعيداً عن القيم العشائرية (كالتسوية العشائرية لحوادث السيارات الذي بدأ في عهد الدكتاتورية وما يزال مستمراً)؛ وعندما تنتشر شركات التأمين وفروعها والوكالات والمنتجين في ربوع البلاد؛ وأن ما يراد بالوعي التأميني هو زيادة ميل الأفراد إلى التعامل مع شركات التأمين بشراء وثائق التأمين منها.  والصورة الأخرى لهذا الوعي التأميني هي عادة التدبر للمستقبل.

 

هذا التطابق بين الوعي المصرفي والتأميني لا يستنفد مكونات الوعي التأميني، وبالأحرى الثقافة التأمينية.  وقد كتبت في مكان آخر[15] ملاحظات بهذا الشأن يمكن أن تكون نواة لدراسة موسعة:

 

"يرُجِع البعض تدني الوعي التأميني إلى الحرب العراقية الإيرانية (1988-1980) والغزو العراقي للكويت (1990) وما تبعه من تحرير الكويت، والغزو الأمريكي للعراق (2003).  ويمكن أن نضيف إليها سنوات العقوبات الدولية (2003-1990) التي ساهمت بشكل مباشر في تآكل دخل المواطنين وإفقارهم بحيث صار شراء الحماية التأمينية ترفاً لا يقدر عليه إلا قلة منهم.  لكن هذه الإحالة لم تقترن بدراسة موثقة تجمع بين السبب والنتيجة إذ أنها وردت في سياق مقابلات صحفية سريعة، وغالباً ما يتركز التعليل على مقارنة بين الوضع القائم وما كان عليه في سبعينيات القرن الماضي.  لا تتوفر لدينا الإحصائيات لقياس مستوى الوعي التأميني في تطوره التاريخي فهذه مهمة بحثية تقع خارج إمكانياتنا الحالية.

 

يتعين علينا أن نتذكر بأن التأمين سلعة غير منظورة، هو وعدٌ بتعويض المؤمن له في المستقبل إن تعرَّض هو أو أسرته أو أمواله إلى ضرر.  معظم الناس لا يستشعرون الحاجة لمثل هذا الوعد دونكم توفر القدرة المالية لديهم على شراء هذا الوعد.  هم أكثر قناعة، بفعل الموروث الديني، وبقراءة سلبية له، بالقبول بالقضاء والقدر: "قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ." (سورة التوبة، الآية 51)

 

ديوان التأمين مُلزم بقوة القانون للقيام بدوره في مجال زيادة الوعي التأميني.  فقد جاء في المادة 6-البند 4 من قانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005 أن الديوان يهدف إلى:

 

تنظيم قطاع التامين والاشراف عليه بما يكفل تطويره وتامين سوق مفتوح وشفاف وامن ماليا، وتعزيز دور صناعة التامين في ضمان الاشخاص والممتلكات ضد المخاطر لحماية الاقتصاد الوطني ولتجميع المدخرات الوطنية وتنميتها واستثمارها لدعم التنمية الاقتصادية، وله في سبيل ذلك القيام بالمهام الاتية:

 

زيادة الوعي التأميني وإجراء الدراسات والبحوث التأمينية وطباعتها.

 

المعلومات المتوفرة لا تدل على أن الديوان قد قام بتنفيذ مهمة زيادة الوعي، أو إجراء الدراسات والبحوث التأمينية، وهذه من شأنها أن توسع دائرة الاهتمام بالتأمين خارج نطاق شركات التأمين.

 

ومن رأي أن ديوان التأمين وجمعية التأمين العراقية، التي تمثل شركات التأمين، ليس لديها برنامج خاص بنشر ثقافة التأمين.  صحيح أن بعض الشركات تلجأ إلى الإعلان التجاري أو الاتصال ببعض الشركات والمنظمات بهدف بيع وثائق التأمين لها أو التعاون معها بهذا الشأن فيما يخص أعضاء هذه التنظيمات، إلا أن هذا الجهد ينصبُّ على التعريف بشركة التأمين وبمنتجاتها من وثائق التأمين.  وهذا الجهد يقابله ما تقوم به جمعية التأمين من خلال الندوات والمحاضرات التي تنحصر فائدتها بمنظميها وبعض المشاركين فيها.

 

فقر ثقافة التأمين يعكس نفسه في ضعف وربما أحياناً غياب الحملات الإعلانية المركزة، والمتخصصين الاستشاريين في شؤون التأمين، أو المحامين المتخصصين في تفسير عقود التأمين، ومقيّمي الأصول لأغراض التأمين، والكاشفين على الأخطار المعروضة للتأمين (ومعظم هؤلاء لا يرقون في مهاراتهم الفنية إلى ما هو متوقع منهم مهنياً وبالمقارنة مع ما هو متوفر عالمياً)، والصحفيين الذين يتمتعون بمعرفة تأمينية رفيعة.

 

ويجد هذا الفقر انعكاساً له في غياب مجلة تأمينية إلكترونية أو ورقية بعد توقف مجلة (رسالة التأمين) أواخر ثمانينيات القرن الماضي.  مثلما ينعكس في غياب حملات أسبوعية أو شهرية، حسب الحاجة، لترويج منتجات تأمينية محددة.  (لم تقم أية شركة لتأمين بنشر المعرفة عن تأمينات الحياة من خلال حملات خاصة للتوعية.  مثال ذلك شريط فيديو للتوعية بتأمينات الحياة).  وكذلك إجراء مسح ميداني حول الموقف من الخطر (الخطر الطبيعي، الخطر في المسكن وفي موقع العمل)، والوسائل التي يلجأ لها الناس للتدبر ضد آثار الخطر، ومكانة التأمين ضمن هذه الوسائل ... الخ.

 

ونجده أيضاً بالحضور الضعيف أو الغائب عند وقوع حوادث كبيرة، قد تكون لها تداعيات تأمينية، كاحتلال داعش للموصل، وحادث التفجير الإرهابي في الكرادة، أو حوادث تفجير/انفجار عدد من آبار النفط.  كما نجده في الصمت المطبق من قطاع التأمين عند وضع مشاريع لقوانين لها آثار تأمينية على سبيل المثل، مشروع قانون شركة النفط الوطنية العراقية ومشروع قانون صندوق الإعمار والتنمية العراقي.  كما أن قطاع التأمين غائب عند إعداد موازنة الحكومة.  ثم أن علاقة شركات الـتأمين والجمعية والديوان بوكالات الأنباء والصحف ضعيفة ويباشرها الصحفيون.  وأكاد أن أجزم أن شركات التأمين والجمعية والديوان ليس له موظف مختص لإصدار البيانات الصحفية عن شؤون عامة ذات علاقة بالتأمين، أو إطلاق منتج تأميني، أو تنظيم فعالية معينة.  بعبارة أخرى، فإنها تفتقر إلى التواصل مع الجمهور، ومع الشركات الصناعية والتجارية، والدوائر الحكومية وغير الحكومية.

 

وباختصار، فإن التأمين يكاد أن يكون غائباً في الحياة العامة إلا من خلال شراء نسبة صغيرة من السكان لوثائق التأمين، وهو موضوع يستحق من يبحث فيه.  ولعله من المفيد الإشارة إلى أن الوعي بمؤسسات أخرى للدولة الحديثة لا تقتصر على التأمين بل تشمل أيضاً، على سبيل المثل، ما يمكن تسميته بضعف/غياب الوعي الضريبي."

 

النضج المالي/النضج التأميني

يرتبط الوعي المصرفي/الوعي التأميني بأطروحة أخرى للكاتب ربط فيها "سرعة التداول الداخلية للنقود في البلدان العربية" بما اسماه "درجة النضج المالي Financial Deepening لهذه الأقطار."  يقول المؤلف في ص 141 نقلاً عن د. عبد المنعم السيد علي (دور الجهاز المصرفي والبنك المركزي في تنمية الأسواق المالية في البلدان العربية، دراسات استراتيجية، مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية، العدد 16، أبو ظبي، 1988، ص 29-30)، "إن النضج المالي لاقتصاد ما يكمن [يمكن] قياسه من خلال المؤشرات التالية:

 

1-    أن يتوافر جهاز مصرفي واسع ذو موجودات لا تقل عن عشر الثروة القومية.

2-   أن ينجز قسم كبير من الأعمال عن طريقة مشروعات أو شركات مساهمة، مع فوائد عالية على السندات من الصنف الممتاز.

3-  ألا يقل متوسط الادخار غير الموزعة مصدراً أساسياً لتمويل التوسع في المشروعات.

4-  أن تشكل الأرباح غير الموزعة مصدراً أساسياً لتمويل التوسع في المشروعات."

 

يمكن الاستفادة من هذه المؤشرات تأمينياً لتقييم النضج المالي للاقتصاد الوطني من خلال دراسة: توفر نظام تأميني واسع بأشكال مختلفة (عامة، خاصة، تعاونية، تبادلية/تكافلية)، يقوم بالتأمين على الأصول القائمة بأنواعها والمشاريع المختلفة تحت الإنشاء والمسؤوليات القانونية والتعاقدية، ويساهم في الاستثمارات، ضمن القواعد الرقابية المكيفة لعمل شركات التأمين، ويخلق المنتجات التي تساهم في تعظيم الادخار الفردي.

 

إضافة لمثل هذا الدراسة يمكن تقييم النضج المالي، وتحديداً مساهمة التأمين فيه، من خلال مؤشرين أساسين هما التغلغل التأميني والكثافة التأمينية بالاستفادة من البيانات الخاصة بعدد السكان والناتج المحلي الإجمالي وأقساط التأمين المكتتبة.  لقياس التغلغل التأميني يُنسب دخل أقساط التأمين إلى الناتج المحلي الإجمالي، وهو مؤشر يكشف مكانة التأمين في الاقتصاد الوطني فإذا ارتفعت هذه النسبة كان ذلك دليلاً على تزايد سرعة نمو قطاع التأمين مقارنة مع سرعة نمو الاقتصاد الوطني.  أما الكثافة التأمينية فهي تؤشر على ما ينفقه الفرد على شراء الحماية التأمينية ويُمثّل ذلك بنسبة إجمالي أقساط التأمين المتحققة إلى عدد السكان.

 

 

 

 

[7]   من باب الختام – دراسة التأمين ضمن عناصر النظام المالي في العراق

 

من المعروف أن النظام المالي، وخاصة في الاقتصادات المتطورة، يضم عناصر عديدة: مؤسسات مالية (مصارف ومؤسسات مالية غير مصرفية)، أسواق المال (الأسواق التي يتم فيها تداول الأوراق المالية والسلع والأصناف القابلة للاستهلاك)، الأدوات المالية (موجودات مالية قابلة للتداول بما فيها المشتقات)، الخدمات المالية (الاتحادات الائتمانية، والبنوك، وشركات بطاقات الائتمان، وشركات التأمين، وساطة الأوراق المالية، وصناديق الاستثمار)، والهياكل المالية التحتية (الأنظمة التي تسهل حركة تسديد الالتزامات الآلي أو عبر المصارف والتحويل والمقاصة).  والمعروف أيضاً أن شركات التأمين تحتل مكاناً ضمن المؤسسات المالية الوسيطة غير المصرفية، مثلما تصنف ضمن الشركات التي تتعاطى بالنقود وإدارتها.  وقد تعرضنا إلى موضوع التداخل بين العمل المصرفي والتأميني.

 

النظام المالي في العراق ليس متطوراً ولا يتميز بالتعقيد في الوقت الحاضر، ونتمنى أن يقوم أحد الباحثين بدراسة مكانة التأمين ضمن هذا النظام ليكشف طبيعة ما هو قائم والدور المتوقع للتأمين ضمن هذا النظام وبخاصة في مجال التداخل والتقارب بين المصارف وشركات التأمين.

 

ومن المفيد التذكير هنا بأن القطاع المصرفي بحاجة إلى الحماية التأمينية من خلال الوثيقة المصرفية الشاملة Bankers Blanket Bond وتأمين الأخطار السِيبرانية Cyber Risks الآخذة بالنفاذ في التعاملات المالية تاركة وراءها خسائر مختلفة مادية ومعنوية على المصارف وعلى مصالح العملاء.  وهذا موضوع يستحق هو الآخر بحثاً مناسباً.

 

9 أيار 2017



[1] لهب عطا عبد الوهاب، سرعة تداول النفود بين النظرية الاقتصادية والتطبيق العملي (بيروت: المؤسسة العربية للدراسات والنشر، 1999).
[2] فيما يخص النظرة المستقبلية السلبية أنظر:
حيث يرد في توقعات وكالة التصنيف "موديز" فيما يخص مخاطر الائتمان الرئيسية لشركات التأمين على الحياة ما يلي:
“historically low interest rates will remain the primary credit risk for global life insurance companies in 2017, continuing to depress the sector's investment returns and profitability, and being the main driver for the outlook change to negative …”
أنظر أيضاً:
 
[3] باتريك م. ليدتكي، كي-أووي شانز، التخطيط للتقاعد: التحديات والحلول التأمينية (بيروت: منتدى المعارف، 2015).  ترجمة: تيسير التريكي ومصباح كمال.
 
[4] القيود الرقابية المفروضة على شركات التأمين تستوجب احتفاظها بسيولة نقدية مناسبة لمواجهة طلبات التعويض إذ أن تسييل الأصول العينية يستغرق وقتاً في حين أن المطالبات بالتعويض تستدعي التسوية الآنية والسريعة.
 
[5] مصباح كمال، "التأمين وعقوبات الأمم المتحدة"، فصل في الكتاب الجماعي دراسات في الاقتصاد العراقي (لندن: المنتدى الاقتصادي العراقي، 2002)، ص 82.
 
[6] في موازاة ذلك فإن عقود تأمين الحياة هي الأخرى تعرضت لهبوط حاد في أقيامها، وبالتالي فإن المؤمن عليهم هم الخاسرون الحقيقيون.  ولا تتوفر لدينا معلومات عن قيام شركات التأمين بإعادة تقييم مبالغ التأمين، وعدد الوفيات وما ترتب عليها من تعويضات للورثة المستحقين أو المستفيدين من عقود التأمين على الحياة.
 
[7] بدأ تطبيق نظام جباية ضريبة على وثائق التأمين في المملكة المتحدة عام 1994 بواقع 2.5% واعتباراً من 1 حزيران/يونيو 2017 ستكون الضريبة 12% وتضاف إلى قسط التأمين.
[8] سعدون مشكل الربيعي، شركات التأمين الخاصة وقطاع التأمين العراقي (مكتبة التأمين العراقي، 2014)، ص 46. نشر ككتاب إلكتروني وهو متوفر بصيغة بي دي إف لدى كاتب الورقة لمن يرغب الحصول على نسخة منه.
[9] Securitization – new opportunities for insurers and investors, Swiss Re: sigma, No. 7/2006.
[10] Alternative Risk Financing: Changing the Face of Insurance (London: Jim Bannister Development Limited in association with Aon Group and Zurich International, 1998),
[11] لهب عطا عبد الوهاب، مصدر سابق، ص 126.
[12]  بسبب طبيعة العمل الذي تقوم به شركة التأمين ـ الالتزام بالوفاء بما تعاقدت عليه مع المؤمن له لتوفير الأمان المالي له أو لورثته في المستقبل عند وقوع حادث معين تصبح الملاءة المالية للشركة مسألة في غاية الأهمية.  ولذلك يلجأ المُشرّع إلى تعريفها بصرامة قد لا تنطبق على الشركات التجارية الأخرى.  ولهذا لن يكتفي التشريع أن تكون أصول الشركة كافية لتغطية المسؤوليات المتعاقد عليها بل يجب أن تزيد بهامش معين، وحسب معادلات معينة عن الأقساط والتعويضات، وخلافاً لذلك فإن شركة التأمين تُجبر على تصفية أعمالها وتتوقف عن الاكتتاب بأعمال جديدة.  أنظر:
Jim Bannister, Insurance Solvency Analysis (London: LLP Ltd, 1997)
 
[13] مصباح كمال، التأمين في كوردستان العراق: دراسات نقدية (مكتبة التأمين العراقي، 2014)، ص 26-28.
 
[14] نجد أشكال أولية لنشاطات اجتماعية ذات طابع تعاوني تضم بعض عناصر التأمين، كالبر بالوالدين، و"العونه" وقت الأضرار التي تحدثها عوامل الطبيعة، وما يعرف ب"ﮔعقدة العرب".
 
اقتصاد الظل هو اقتصاد خفي غير رسمي وغير معلن يضم الأنشطة غير المدرجة في الحسابات القومية أو غير الخاضعة للرقابة والمتهربة من الضرائب، وهي بهذه الصفة أنشطة غير مشروعة.
[15] مصباح كمال، "مقابلة حول النشاط التأميني في العراق،" شبكة الاقتصاديين العراقيين: