إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

2021/03/08

Karl Kautsky on Social and Agricultural Insurance

 

كاوتسكي والتأمين الاجتماعي والزراعي

 

 مصباح كمال

نشرت أصلًا في موقع شبكة الاقتصاديين العراقيين تحت عنوان "التأمين الاجتماعي والزراعي في الفكر الاشتراكي-كارل كاوتسكي نمذجًا":

http://iraqieconomists.net/ar/wp-content/uploads/sites/2/2021/03/Misbah-Kamal-Kautsky-and-Insurance-IEN.pdf

 

 

كغيره من الكتاب الاشتراكين فإن كارل كاوتسكي (1854-1938)[1] لم يكتب دراسة مستقلة عن التأمين، لكن التأمين يرد ذكره متناثرًا في بعض كتاباته، كما أنه يكرس يعض الصفحات من كتابه المسألة الزراعية لعرض أفكاره حول التأمين الزراعي ودور الدولة، وهو ما سنحاول الكشف عنه ضمن المصادر التي استطعنا الوصول إليها.  لعل المهتمين بالموضوع يكشفون المزيد من الإشارات للتأمين عند هذا المفكر الاشتراكي.

 

القسم الأول: التأمين الاجتماعي

 

لقد كانت ألمانيا سبّاقة على غيرها من الدول في تطوير قوانين الحماية في حالة الشيخوخة والعجز والمرض والحوادث الصناعية خلال ثمانينيات القرن التاسع عشر.  وبفضل هذه القوانين دشنت ألمانيا عصر التأمين الاجتماعي من خلال تطبيق التأمين ضد المرض في عام 1883، والتأمين من حوادث العمل في عام 1884، والتأمين ضد الشيخوخة والعجز في عام 1889.[2]  ولعب مستشار ألمانيا أوتو فون بسمارك (1815-1898) دورًا أساسيًا في هذا المضمار.  وكان للحركة الاشتراكية أثرها المباشر في ظهور هذه الأشكال من التأمين.[3]

 

من المؤكد أن المستشار لم يكن إنسانيًا عظيمًا، لكنه كان ممارسًا جيدًا للسياسة الواقعية، أي اتباع المنهج البراغماتي.  كان في ألمانيا في زمانه حركة ماركسية واشتراكية نشطة للغاية، وكانت الحماية الاجتماعية للعمال على رأس جدول أعمال الحركة.[4]  وكانت الحركة بمثابة شوكة كبيرة في جانب بسمارك، لا سيما بالنظر إلى حاجته إلى جبهة داخلية مستقرة بينما كان يسعى إلى بناء إمبراطورية.  لذلك لجأ بادئ الأمر إلى القمع السياسي المباشر، وفي عام 1878 حظر نشاط الحزب الديمقراطي الاجتماعي.[5]

 

لكن بسمارك كان داهية.  فأثناء قمعه لمؤسسات خصومه الاشتراكيين، حافظ على ولاء المواطن البروسي العادي من خلال اختيار السمات الرئيسية لجدول أعمالهم.  كان أهمها نظام التأمين الاجتماعي الذي كانت الحركة الاشتراكية تطالب به.  كانت أولى خطواته في هذا المجال سن قانون مسؤولية أرباب العمل عام 1871، الذي يوفر حماية اجتماعية محدودة للعمال في بعض المصانع والمحاجر والسكك الحديدية والمناجم.  في وقت لاحق، والأهم من ذلك بكثير، سن قانون التأمين من حوادث العمل في عام 1884، حيث أنشأ أول نظام حديث لتعويض العمال من إصابات العمل.  تبع ذلك على مدى السنوات القليلة التالية تأمين التقاعد العام الذي قدم راتباً للعمال العاجزين بسبب أمراض غير متعلقة بالعمل، كما أتاحت الإعانة العامة ظهور شبكة أمان لأولئك الذين لا يتمكنون من العمل بسبب الإعاقة.[6]  كما أنشأ النظام البروسي الذي تديره الدولة سابقة مهمة: فقد اعتبر هذا النظام على أنه "علاج حصري" لمشكلة تعويض العمال، ولا يمكن للعمال لذلك مقاضاة أرباب العمل بموجب النظام من خلال المحاكم المدنية.[7]

 

كان تمويل منافع بعض هذه التأمينات من حصيلة الضرائب.  وكان معيار الاستحقاق هو بلوغ الشخص 60 عامًا شريطة ألّا يكون قد حصل على إعانة الفقراء خلال السنوات العشر السابقة للاستحقاق.  كما كانت المنافع تخضع لاختبار الحالة المادية للمنتفع.  أما أرباب العمل الخاضعين لتأمين عمالهم من حوادث العمل فإنهم كانوا يلجئون لتأمينهم مع شركات التأمين الخاصة.

 

تقوم مخططات الضمان الاجتماعي على مساهمة العمال في برنامج تأمين عام إلزامي.  يشمل التأمين عادةً تكوين مخصصات [صناديق] نقدية لتوفير معاشات التقاعد والإعانات للباقين على قيد الحياة، والتعويض عن الإعاقات الدائمة والمؤقتة، والبطالة واستمرار الدخل أثناء فترة إجازة الوالدين بعد ولادة الأطفال.  على عكس التأمين الخاص، تستند المشاريع التأمينية الحكومية إلى القوانين العامة بدلاً من العقود؛ لذلك، قد تتغير المساهمات والمنافع بمرور الوقت، وتستند أيضًا إلى التضامن بين المشاركين.  ويتم تمويلها على أساس مستمر من خلال إسهامات العاملين، دون علاقة مباشرة بالالتزامات المستقبلية.

 

لم يكن لكاوتسكي موقف نظري تجاه مؤسسة التأمين أو دورها الاقتصادي الاجتماعي في مجال التأمينات الاجتماعية (عكس الحال فيما يخص التأمين الزراعي كما سنبين في القسم الثاني) لكن بالإمكان أن نستشف ملامح من هذا الموقف من خلال قراءة ما كتبه تحت العنوان الفرعي "الأهمية الاقتصادية للدولة" في كتابه الصراع الطبقي المنشور سنة 1892.[8]  ففي استعراض سريع لمكانة وبروز الدولة يشير إلى أن الوظائف المتعلقة برعاية الفقراء والمسنين والعجزة ووظائف أخرى (بناء الطرق وبعض الأمور العامة والمهمة المتعلقة بالإنتاج) في مجتمعات العصور الوسطى كانت تقع على عاتق الإدارات الحاكمة في المدن والهيئات الدينية، ولم "تهتم دولة العصور الوسطى بمثل هذه الوظائف."

 

مع تطور النظام الرأسمالي توسعت هذه الوظائف لدرجة أن الدولة اضطرت تدريجياً إلى تولي حتى تلك الوظائف التي لا تهتم بها بنفسها.  على سبيل المثل، اضطرت بفعل الحاجة إلى الاستيلاء على نظام المؤسسات الخيرية والتعليمية بأكملها، مثلما تولّت ابتداءً وظيفة سك النقود وإدارة الغابات، وإمدادات المياه، وبناء الطرق وغيرها.

 

لقد نمت هذه الوظائف من يوم لآخر مع تطور النظام الرأسمالي نفسه.  لم تكن الطبقة الرأسمالية قابلة لتزايد تدخل الدولة في الاقتصاد (عبَّرت الليبرالية الاقتصادية، مدرسة مانشستر، عن رفضها لهذا التدخل).  ويقول كاوتسكي إن رجال الدولة بالأساس كانوا دبلوماسيين وقانونيين.  "اليوم يجب، أو ينبغي، أن يكونوا اقتصاديين.  المعاهدات والامتيازات، والبحوث في المصادر القديمة والسوابق [القانونية]، قليلة الفائدة في حل المشاكل السياسية الحديثة؛ لقد أصبحت المبادئ الاقتصادية الحجج الرائدة.  ما هي المسائل الرئيسية التي يهتم بها رجال الدولة اليوم؟  أليست هي المالية، وشؤون الاستعمار، والتعرفة [الكمركية]، والحمائية وتأمين العمال؟" (التأكيد من عندي)

 

تأمين العمال، الذي اتخذ أشكالًا عديدة، كان واحدًا من الوظائف التي يتوجب على الدولة القيام بها.  وكان من ضمن مطالب الحركة الاشتراكية المتنامية في ألمانيا وغيرها من الدول الأوربية في النصف الثاني من القرن التاسع عشر.  في محاولة لوقف نمو هذه الحركة قام مستشار ألمانيا (رئيس الوزراء) بسمارك بإصدار القوانين المناهضة للاشتراكية anti-socialist laws سنة 1878 لتقليص فرص فوز الحزب الديمقراطي الاجتماعي في الانتخابات البرلمانية (تحريم اجتماعات الحزب، وجمعياته وصحفه).  ولما فشلت هذه القوانين بفضل تزايد الحضور البرلماني للحزب، لجأ بسمارك إلى إصدار قوانين لتأمين العمال.  وصار مطلب التأمين، والتأمين الاجتماعي، منذ تسعينيات القرن التاسع عشر واحدًا من وظائف الدولة.

 

وهكذا عندما كان كاوتسكي رئيسًا لهيئة تحويل الملكية للمجتمع Commission for Socialization في تشرين الثاني 1918، وكانت هيئة استشارية لتقديم المقترحات لتحويل ملكية الشركات إلى ملكية جماعية، فقد

 

أوصت الهيئة أولا وقبل كل شيء تحويل ملكية القطاعات الاحتكارية، وخاصة مناجم الفحم والحديد، والعقارات والغابات الكبيرة، وشركات التأمين وبنوك الرهن العقاري، مع تعويض مالكيها السابقين.[9]

 

وكان قد وصف النظام القائم في ألمانيا في أوائل ثمانينيات القرن التاسع عشر بأنه قد وصل إلى نهايته.  وكتب واصفًا "إصلاحات" بسمارك (التأمين ضد الحوادث، احتكار التبغ، ملكية الدولة للسكك الحديدية) بأنها ليست أكثر من محاولات متأخرة لإنقاذ سفينة تغرق.[10]  وهو ينطلق في ذلك من قناعة

 

إن الأحزاب الاشتراكية لا تناضل فقط من أجل ساعات عمل أقصر وأجور أعلى، وتأمين البطالة، ومجالس المصانع [المجالس العمالية]، ولكن أيضًا من أجل الحرية والمساواة والأخوة لجميع البشر، بغض النظر عن العرق أو الدين أو الأصل.[11]

 

وبعبارة أخرى فإن كاوتسكي كان في هذه الفترة "ملتزمًا أيضًا بإثبات أن التشريع الاجتماعي الذي قدمه بسمارك لن يُحدث فرقًا كبيرًا في حياة العامل ولا يمكنه أن يلغي الحاجة إلى ثورة اجتماعية."[12]

 

الاشتراكية ليست مثل التأمين، فهي مفهوم يعود أصولها إلى زمن بعيد.  فالمساعدة التبادلية والتعاون تشكل جزءًا طبيعيًا من حياة الإنسان في المجتمع (شكل أولي للتأمين)، في حين تسعى الاشتراكية إلى توسيع مثل هذه الآليات لتوفير نظام شامل للرعاية الاجتماعية والصحية.  ولكن لا يمكن لأي نظام أن يعمل بسهولة بدون نظام معين للأمان والحماية من المخاطر الحتمية المرتبطة بوجود البشر والشركات والمؤسسات ومن هنا منشأ التأمين كمؤسسة قائمة بذاتها استجابة لهذه المخاطر.  وهو ما لم يلقَ اهتمامًا تفصيليًا من كاوتسكي فيما يخص التأمينات الاجتماعية.

 

لقد "اعتقد كاوتسكي أن نظامًا جديدًا [اشتراكيًا] سيوفر تأمينًا اجتماعيًا واسع المدى وتشريعات لحماية العمال، وأن الاقتصاد المختلط سينمو في الصناعة.  ومن أجل استمرار الإنتاج دون عائق، يجب الحفاظ على الممتلكات الاجتماعية واسعة النطاق ويمكن لها أن تحافظ على نفسها إذا تم تحرير العمال ونقاباتهم ومجالسهم، وكذلك المديرين، من السيطرة البيروقراطية.  يجب أن تتنافس الشركات الخاصة والمجتمعية [العائدة للدولة] والتعاونية مع الشركات المملوكة للدولة."[13]

 

 

القسم الثاني: التأمين الزراعي

 

نقرأ التالي في كتاب باللغة الإنجليزية بعنوان "حول دلالة التنمية: بحث عن التمويل الصغير والصحة والاستخدام" وفي فصل حول "تطور تأمين المحاصيل الزراعية على المستوى العالمي":

 

لقد تم وضع الأسس النظرية لمختلف أشكال التأمين على المحاصيل من قبل كُتاب مثل JH G Von Just، 1780؛ بول ماييت Paul Mayet، 1888، أدولف بوخنبرغر Adolph Buchenburger، 1896، وكارل كاوتسكي Karl Kautsky، 1890.  لقد أثرت كتاباتهم على صانعي السياسات في العديد من البلدان الأوروبية لتجربة أنواع مختلفة من التأمين على الأخطار التي تتعرض لها المحاصيل.  وقد جرى تأمين المحاصيل من أضرار البَرَد hail insurance لأول مرة في ألمانيا عام 1791 من قبل جمعية براونشفايغ لأضرار البرد Hail Damage Society of Braunschweig.  في وقت لاحق انتشر هذا النوع من التأمين على المحاصيل إلى بلدان أخرى في أوروبا وأمريكا.[14]

 

وقد دفعتنا هذه الإشارة إلى مزيد من البحث واستهدينا إلى مساهمة كاوتسكي في بيان قيمة التأمين على المحاصيل الزراعية والمواشي في كتابه الذي يحمل عنوان المسألة الزراعية.[15]  وهذه المساهمة مفصلة في الفصل الرابع عشر وتحت العناوين الفرعية التالية: مكافحة الأوبئة، التأمين من قبل الدولة، التعاونيات-نظام التدريب الزراعي (ص 401-409).  فيما يلي سنعرض ما قدمه كاوتسكي حول الأوبئة والتأمين وإهمال التعاونيات لأغراض هذه الورقة.

 

يرجع تاريخ التأمين على المحاصيل الزراعية والمواشي إلى عدة قرون خلت، واتخذ شكل مشاريع الإعانة بين الفلاحين (يشير كاوتسكي إلى أن محاولات تنظيم تأمين الثروة الحيوانية للفلاحين ترجع إلى نقابات الأبقار cow guilds في القرن السادس عشر).  ومنذ أواخر القرن الثامن عشر بدأت مشاريع التأمين على الثروة الحيوانية والمحاصيل الزراعية في ألمانيا وفرنسا، وانتشرت بعد ذلك في العديد من الدول الأوروبية وكذلك الولايات المتحدة حيث بدأ تدخل الحكومة في أواخر ثلاثينيات القرن الماضي باعتماد التأمين الفيدرالي للمحاصيل عام 1938.  وانتشرت مشاريع التأمين بعد ذلك ابتداءً من الخمسينيات في البلدان النامية.[16]

 

لقد كان التأمين ينصبُّ آنذاك على محاصيل حقلية أساسية، لتعويض المزارعين عن خسارة المحاصيل قبل حصادها نتيجة لسقوط البَرَد hail.  تطور فيما بعد ليشمل تأمين الإنتاج النباتي بأنواعه، أي التأمين على زراعة الخضروات وبساتين الفواكه، وكذلك الإنتاج النباتي في البيوت الزجاجية أو تحت الأغطية البلاستيكية، إضافة للمحاصيل الحقلية كالحنطة والشعير.  وشمل التطور تأمين مصادر أخرى لخسارة الإنتاج النباتي كالحريق والصاعقة والعواصف والفيضان والتجمد وتساقط الثلوج والآفات الزراعية والجفاف وغيرها.

 

فيما يلي سنحاول إبراز بعض الأفكار التي تنتظم فكر كاوتسكي تجاه مؤسسة التأمين، ويمكن للقراء الرجوع إلى ترجمتنا لما كتبه حول التأمين الزراعي في ملحق هذه الدراسة.

 

يلاحظ أن كاوتسكي في اقترابه من موضوع التأمين الزراعي (تأمين المحاصيل والثروة الحيوانية) يكشف عن معرفة بتاريخ وممارسة التأمين في بروسيا وفي غيرها من الولايات الألمانية والأوروبية وفي سياق الاقتصاد.  ويكشف عن فهم لدور التأمين وما صار يعرف في زماننا بإدارة الخطر وبضمنها وسائل تحسين الخطر.  فتحت عنوان "السيطرة على الآفات" في كتابه المسألة الزراعية كتب:

 

إن مكافحة الآفات التي تهدد المواشي والمحاصيل، وبالتالي ظروف الوجود الإنساني المتحضر، لا تقل أهمية عن القيام بالتحسينات. (ص 401)

 

وكتب أيضًا:

 

فالوقاية، كما هو الحال دائمًا، هي أفضل سياسة.  لا ينبغي فقط حماية وتكثير المضادات المحتملة للآفات ... ولكن يجب أيضًا اتخاذ أي تدابير وقائية ضرورية في الأساليب الفعلية للزراعة أو ترتيب اصطبلات الحيوانات.  وكما هو الحال مع المساكن البشرية، يمكن إصدار لوائح النظافة الخاصة بالإسطبلات وتنفيذها من خلال دائرة تفتيش. (ص 402)

 

وكتب في سياق آخر عن إدارة البيئة المحيطة بالأخطار المرتبطة بالإنتاج الزراعي والحيواني، ويعتبرها "ذات أهمية أكبر بكثير من التأمين" وهو بذلك، من رأينا، يصنّف حماية التأمين كواحدة من وسائل استراتيجية إدارة الخطر:

 

إن الإدارة الرشيدة للغابات والمياه، التي تحدُّ من أضرار الفيضانات والبَرَد؛ أعمال الري التي تكافح الجفاف؛ الصرف ضد التشبع بالمياه؛ التربية العقلانية لسلالات النباتات والحيوانات التي لا تزيد فقط من إنتاجيتها بل تزيد من مقاومتها؛ حماية الطيور الآكلة للحشرات؛ اصطبلات صحية للحيوانات؛ التغذية المناسبة وما شابه - هذه كلها تدابير ذات أهمية أكبر بكثير من التأمين. (ص 407)

 

لقد كشف كاوتسكي أيضًا عن فهمه لآلية التأمين:

 

ليس من الممكن التأمين ضد المصائب الكارثية التي تصيب الزراعة: التأمين مناسب فقط لتلك المحن التي تصيب عددًا قليلاً من الأفراد من بين عدد أكبر بكثير، بحيث يكون المبلغ الصغير الذي يدفعه كل فرد كافياً لتقديم تعويض مناسب لمن تعرّض للمصيبة.  لكن الجفاف أو الأمطار الصيفية والشتاء القاسي والفيضانات هي مصائب تؤثر على مناطق بأكملها أو حتى على البلدان، مما يتسبب في بؤس هائل بحيث يكون التأمين عاجزًا تمامًا عن المساعدة. (ص 403-404)

 

شهد تاريخ التأمين أشكالًا متباينة تقوم على التعاون بين المجموعات البشرية قبل أن يزدهر التأمين التجاري الرأسمالي إلا أن الآلية الأساسية التي كان يقوم عليها ظلت محتفظة بقيمتها، وهي مساهمة الجماعة في تحمل عبء الضرر الذي يلحق بأحد أفرادها.  وهذا هو ما يعنيه كاوتسكي، بالنسبة للتأمين الحديث: توفر عدد كبير نسبيًا من الأفراد (المؤمن لهم) يدفع كل واحد منهم مبلغًا صغيرًا (قسط التأمين) لصندوق تقوم شركة التأمين بإدارته ومنه يتمُّ تعويض من يصيبه الضرر في ماله أو نفسه.

 

ونرى أن نقرأ قوله إنه "ليس من الممكن التأمين ضد المصائب الكارثية التي تصيب الزراعة" في سياق الإمكانيات التي كانت متاحة لصناعة التأمين في زمانه.  لقد تطورت هذه الإمكانيات بعد ذلك من حيث تعاظم القدرة الاكتتابية لشركات التأمين، وتوفر حماية إعادة التأمين لهذا الشركات وإعادة إعادة التأمين، ودور الدولة في توفير التأمين لأخطار معينة أو أن تكون الدولة الملاذ الأخير لتأمين بعض هذه الأخطار، مثلما حصل بالنسبة لتأمين الأخطار السياسية (كمصادرة الأموال، إلغاء العقود، عدم القدرة على تحويل العملة الصعبة، عدم القدرة على إعادة المكائن والمعدات إلى وطن المقاول) في أول عهدها، والأخطار النووية، وخطر الإرهاب بعد تفجير برجي التجارة العالمي في نيويورك في 11 أيلول/سبتمبر 2001، وخطر الفيضان.  لقد توسعت الإمكانيات المتوفرة لصناعة التأمين بحيث صار بمقدورها التأمين على الكوارث الطبيعية (كالزلازل) والصناعية (مثل انفجار المصانع البتروكيماوية) ضمن شروط.

 

لقد شهدت العقود القليلة الماضية تطورًا مستمرًا في توفير حماية التأمين من خلال ما يعرف بالتمويل البديل للأخطار alternative risk financing ومنها سندات الكوارث catastrophe bonds وتوريق التأمين insurance securitization ومثل هذه الوسائل تتجاوز النمط التقليدي للتأمين وإعادة التأمين وتشترك فيها أسواق رأس المال.

 

دور الدولة في إدارة أخطار المحاصيل والمواشي

 

يتخذ تدخل الدولة في فكر كاوتسكي شكل إلزامية تطبيق بعض الإجراءات الوقائية كتلقيح المواشي للسيطرة على الأوبئة، والمساهمة في تطوير التعامل الجماعي لتأمين المحاصيل والمواشي من خلال جمعيات التأمين المحلية، أو التوفير المباشر للحماية التأمينية عندما تكون الموارد المالية لدى شركات التأمين غير كافية لمواجهة الخسائر والأضرار الناجمة عن الكوارث، كما عرضناه في الفقرات السابقة.

 

فبما يخص إلزام الدولة للحماية من الآفات فإنه يعرضها في البدء على خلفية الإجراءات المتخذة للسيطرة على الحيوانات والنباتات التي قد تكون مُصابة، المستوردة أو المحلية.  ويعتبر "عمليات التفتيش على الحدود عديمة الجدوى إذا لم يتم استكمالها بمكافحة قوية للأوبئة داخل هذه الحدود نفسها." (ص 401)

 

في فقرة لاحقة في نفس الصفحة يعتبر كاوتسكي الملكية الخاصة عائقًا أمام إجراءات السيطرة:

 

إن السيطرة على الوباء، سواء أكان نباتًا أم حيوانًا، لا طائل من ورائها ما لم يتم القيام بها بشكل متزامن وقوي وشامل في جميع المواقع المهددة بالخطر.  إن فشل أصحاب المواشي في تطهير اصطبلاتهم هو بحد ذاته كافٍ للسماح للآفة المنبوذة بالعودة.  إذا قرر جميع أصحاب مزارع الكروم في منطقة معينة معالجة الفيلوكسيرا phylloxera  [نوع من قمل النبات]، لكن أحدهم تراجع، فستعود آفة العنب باستمرار وتبتلي الآخرين بها.  في مثل هذه الحالة يجب تعليق حقوق الملكية مؤقتًا على الأقل: ويجب أن يكون للإلزام من قبل الدولة الأسبقية على الحرية الاقتصادية الفردية. (ص 401)

 

لكن "اللجوء لهذا [الإجراء] ليس الوحيد المستحسن في محاربة المشكلة بمجرد ظهورها." ويؤكد، كما ذكرنا في بداية هذا القسم، على أن الوقاية

 

كما هو الحال دائمًا، هي أفضل سياسة.  لا ينبغي فقط حماية وتكثير المضادات المحتملة للآفات - تلك التي تهاجم خنفساء كولورادو Colorado beetle على سبيل المثل - ولكن يجب أيضًا اتخاذ أي تدابير وقائية ضرورية في الأساليب الفعلية للزراعة أو ترتيب اصطبلات الحيوانات.  وكما هو الحال مع المساكن البشرية، يمكن إصدار لوائح النظافة الخاصة بالإسطبلات وتنفيذها من خلال دائرة تفتيش. (ص 402)

 

ويشير إلى التلقيح الإجباري لمكافحة أمراض الحيوانات، كما في فرنسا حيث تخضع "جميع المواشي المستوردة للتلقيح."  وإذا ثبُت فعالية لقاح معين "فإننا بالتأكيد سنشيد بتطبيقه الإجباري."  وبالنسبة للموقف السياسي من التلقيح الإجباري فإن "وجود حقوق الملكية لن يدفع الديموقراطية الاجتماعية [الحزب الديمقراطي الاجتماعي] للتخلي عن أي تدابير إلزامية ضرورية لمكافحة الآفات في الزراعة.  وبالطبع، فإنه سيضمن أيضًا أن الطريقة الأكثر ملاءمة للتنفيذ ستكون هي الطريقة المعتمدة."

 

ويستنتج من هذا العرض أن "الضرورة، وليس الرغبة، تجبر الدولة بالفعل على التدخل في حقوق الملكية لمكافحة الآفات النباتية والحيوانية" رغم المعارضة الشديدة لها من قبل الفلاحين بسبب "القصور الذاتي والجهل" والتشكيك "بأجهزة الدولة، التي عادة ما تواجههم كأداة للقمع والاستغلال، كضابط شرطة أو جابي ضرائب."  ولذلك

 

وكلما امتد إلزام الدولة إلى مجال مكافحة الآفات، زادت الحاجة الملحة لتنوير سكان الريف - ليس فقط بشكل تدريجي ولكن على أساس منهجي.  وهذا يحتاج إلى دعم من خلال إصدار وتنفيذ التدابير الإجبارية من قبل المتخصصين المدربين نظريًا وعمليًا - وليس المحامين وضباط الشرطة والتابعين السابقين – وبأعلى درجة ممكنة من الاتفاق مع الأجهزة المحلية للإدارة الذاتية في الأبرشيات أو المناطق الإدارية. (ص 403)

 

التأمين من قبل الدولة

 

في شرحه لتدخل الدولة كمؤمِن للمحاصيل الزراعية والثروة الحيوانية، كتب كاوتسكي الآتي:

 

كثيرًا ما يُزعم أن التأمين يلعب دورًا مختلفًا في الزراعة عن دوره في الصناعة؛ وعلى الرغم من أن تأمين الدولة ضد كل مصيبة محتملة قد يُنظر إليه على أنه لا يمكن تصوره للمؤسسات الصناعية الخاصة، إلا أن هذا يعتبر ضروريًا للزراعة بسبب تعرضها لتقلبات الطبيعة، التي تمَّ ترويضها في الصناعة. (ص 403)

 

وهو في دعوته لتدخل الدولة لا يدعو إلى إزاحة دور شركات التأمين الخاصة في توفير الحماية للمحاصيل والمواشي ويكتفي بتقييد هذا التدخل:

 

طالما أن الديموقراطية الاجتماعية ليس لديها سبب وجيه للمطالبة بتأميم نظام التأمين بأكمله في كل من المدينة والريف، فمن النادر أن تقترح ببساطة تأميم التأمين الزراعي بأكمله.  هذا لا يعني أن فروع التأمين الفردية الخاصة بالزراعة لا تستحق درجة معينة من التدخل من قبل الدولة: على سبيل المثل، التأمين على الثروة الحيوانية والتأمين ضد البَرَد. (ص 404)

 

وهو يضع تدخل الدولة للتأمين من الأوبئة، التي قد تصيب المواشي، في إطار عام يتمثل بالتدابير التي تلجأ إليها الدولة ضد الأوبئة بشكل عام:

 

يتسم التأمين على الثروة الحيوانية بطابع مزدوج: يأتي التأمين ضد تهديد الأوبئة تحت إشراف الدولة كجزء من تدابير الدولة ضد الأوبئة بشكل عام.  بالإضافة إلى ذلك، هناك تأمين ضد نفوق المواشي غير الناجم عن الأمراض.

 

ويبدو أن كاوتسكي، اعتمادًا على موقفه بعدم وجود سبب وجيه لتأميم صناعة التأمين، يحصر تأمين الثروة الحيوانية لدى المزارع الصغيرة لتربية المواشي، ويقدم تعليلًا اقتصاديًا كما يلي:

 

إن نفوق حيوان واحد لن يؤدي في مؤسسة أكبر إلى تعطيل عمل المزرعة بشكل خطير.  كلما زاد حجم القطيع، كلما زادت فرصة نفوق أحد أفراد القطيع: مثل هذه الأحداث هي عناصر لا مفر منها في تكاليف المؤسسة.  مثل مالكي السفن الكبار، فإن أصحاب القطعان الكبيرة من المواشي هم أفضل المؤمنين عليها.

 

الفلاحون الصغار في وضع مختلف.  قد يؤدي نفوق بقرة إلى إلحاق ضرر كبير بهم، وفي كثير من الأحيان يكون عائقًا يؤثر على جميع عمليات الزراعة الخاصة بهم.  ذلك لأن دخولهم هزيلة للغاية بحيث لا تسمح بالتخصيص المنتظم لصندوق لتقليل تكلفة الخسارة لماشيتهم، كما أن الحوادث الفردية يمكن أن تقضي على ما لديهم منها قبل بلوغ نهاية حياتها النافعة. (ص 403)

 

إزاء هذا الوضع ما هي الخيارات أمام الفلاح الذي لا يمتلك وثيقة للتأمين؟  هناك، كما يكتب كاوتسكي، خيار اللجوء إلى قرض من تاجر المواشي؛ وخيار اتحاد الفلاحين الذين يملكون المواشي فيما بينهم والتأمين من حادث نفوقها

 

بحيث يتحمل الجميع تكاليف أي حادث فردي.  هذا النوع من التأمين على الثروة الحيوانية هو من بين تلك المساعي التي تسعى إلى منح مزايا المزرعة الكبيرة للمزرعة الأصغر من خلال التعاون المتبادل.  على الرغم من أن هذه الجهود مفيدة وضرورية، فهي لا تمثل سوى بديل ضئيل للمؤسسة الكبيرة." (ص 403)

 

رغم نجاعة نمط التأمين القائم على التعاون المتبادل إلا أن كاوتسكي لم يعتبره فعّالًا مقارنة بمزايا المزرعة الكبيرة إذ يزعم أن هذه المزرعة، من خلال التأمين على نفسها لا تضحي بالمال، ولا تفقد الاهتمام باتخاذ التدابير الوقائية لتجنب الخسائر، أي إدارة أخطار المزرعة.  في حين أن "قلة المال، وسوء التغذية ورداءة الاصطبلات" يعرّض الثروة الحيوانية للفلاحين الصغيرة إلى "المزيد من المخاطر منذ البداية.  ومن المؤكد أن دفع قسط [التأمين على] الثروة الحيوانية لا يفعل شيئًا لتحسين وضعهم في هذا الصدد." (ص 403-404)

 

المضمر في هذا الحكم على العمل الجماعي للفلاحين الصغار في مجال التأمين يعكس موقفًا سياسيًا لكاوتسكي من الفلاحين سواء ما تعلق منه بحمايتهم أو كسبهم كحلفاء للحركة الاشتراكية، وذلك لأن حركة التاريخ تقضي بتركز الملكيات وتقلص الأعمال الصغيرة، وهي من بقايا نمط إنتاجي سابق، في اقتصاد يقوم على الصناعة الرأسمالية.  وهو في هذا يقرأ أفكار ماركس بشكل ضيق.

 

في فقرة لاحقة يؤكد على وجود خطر معنوي كامن لدى الفلاحين.  ففي حين أن الفلاحين يعوّضون "إلى حد ما افتقارهم إلى الموارد من خلال الرعاية الأكبر التي يمنحونها لمواشيهم" إلا أن فرصة التكسّب على حساب شركة التأمين تدفعهم إلى أن يكونوا أقل ميلًا لرعاية ما لديهم من ماشية، وهو ما يؤكد عليه بالقول إن "التأمين يجعل هذه الرعاية تبدو غير ضرورية: إغراء ترك حيوان مُعتلّ يهلك من أجل استبداله بآخر أفضل على حساب شركة التأمين." (ص 405).  وفي نفس الصفحة يقول "إن التأمين الرأسمالي للثروة الحيوانية عُرضة لخطر دائم يتمثل في احتيال الفلاحين.  وإذا أراد الرأسماليون كسب المال، فسيحاولون بدورهم الاحتيال على الفلاحين.  إن تجارة المواشي على نطاق صغير لا تناسب رأس المال الكبير.  ونتيجة لذلك، فإنه يتنازل بسخاء عن التأمين على الثروة الحيوانية للدولة والكوميونات - وهو أيضًا شكل من أشكال الاشتراكية."

 

وهو هنا إذ يعفي شركات التأمين الرأسمالية من وظيفة توفير الحماية التأمينية يترك هذه الوظيفة للدولة والكوميونات (الجمعيات المحلية التي تقدم المساعدة لأعضائها في حالة الخسارة التي تصيبهم).  وبفضل محليتها فإن الأعضاء يعرفون بعضهم جيدًا، ولذلك يصبح التحكم في السلوك (الخطر المعنوي moral hazard) سهلًا مثلما يصبح الإضرار بالجميع من خلال الإهمال أو حتى الخداع من قبل الفرد أمرًا صعبًا للغاية. (ص 405).  لكن هذه المزايا تحتاج إلى ضبط "مقابل عيوب العدد القليل من أولئك الذين يشكلون دائرة المؤمن عليهم" إذ يمكن أن تفشل الجمعية بسهولة في حالة التراكم المحلي لإصابات المواشي، مما جعل فكرة التأمين برمتها وهمية."

 

تراكم الخسائر يمكن أن يؤدي إلى دمار شركة التأمين، لكن شركة التأمين تلجأ في العادة إلى حماية إعادة التأمين للمساهمة في تمويل هذه الخسائر.  جمعيات التأمين المحلية ليست لها مثل هذه الحماية.  إن غياب مثل هذه الحماية والاحتياطيات المالية ورأس المال لدى الجمعيات تفسر لماذا تكون "فكرة التأمين برمتها وهمية" في حال الجمعيات المحلية.  إزاء هذا الوضع يؤكد كاوتسكي على حلّين:

 

أن تتدخل الدولة، إما ببساطة من خلال ربط الجمعيات المحلية الفردية ببعضها البعض، والسماح لأي عبء قصير الأجل ولكنه ثقيل للغاية على واحدة أو أكثر من هذه الجمعيات أن يتحملها الآخرون وبالتالي تخفيفها، أو عن طريق إصدار مرسوم عضوية إلزامية لأصحاب المواشي الأفراد، وبالتالي توسيع دائرة المؤمن عليهم. (ص 405)

 

في عرضه لهذين الحلّين (ربط الجمعيات المحلية لتشكّل اتحادًا كبيرًا وإلزام أصحاب المواشي من الأفراد بالانتماء إلى الجمعيات) يتبنى موقفًا براغماتيًا:

 

حيثما تستطيع فإن البروليتاريا تفضّل التنظيم الديمقراطي الحر على التنظيم الذي تفرضه بيروقراطية الدولة.  ينطبق هذا أيضًا على مؤسسات التأمين: فهي لا تتطلب مساعدة الدولة لتوسيع نقاباتها العمالية وصناديق المنافع benefit funds في جميع أنحاء البلاد.  ومع ذلك، إذا شعر الفلاحون بالحاجة إلى اتحاد وطني لجمعيات التأمين المحلية، لكنهم يعلنون عن عدم قدرتهم على تحقيق ذلك بأنفسهم ويطلبون مساعدة بيروقراطية الدولة غير الودودة، لا ينبغي للبروليتاريا أن تسعى إلى وضع عقبات في طريقها.  وإذا كان ذلك يمكن أن يكون مفيدًا، فلا يوجد سبب للممانعة. (ص 405-406)

 

إن اللجوء إلى الدولة هو من باب الاضطرار، فهو يتوجس من بيروقراطية الدولة والجهاز القمعي لها وخاصة قمع الحركة الاشتراكية الذي اختبرها من خلال القوانين المناهضة للاشتراكية، كما أشرنا في القسم الأول.  لكنه في ذات الوقت حريص على ما يمكن للدولة أن تقدمه من إعانة:

 

كانت الصورة ستتغير بالطبع لو كانت مثل هذه الدعوة إلى الدولة وسيلة يمكن من خلالها لعدد من المزارعين الحصول على الدعم على حساب دافعي الضرائب؛ على سبيل المثل، إذا كانت الدولة، من خلال توفير صناديق التأمين، ستسمح للمزارعين بتجديد مواشيهم على نفقة الدولة.  لا يمكن لحزب بروليتاري أن يدعم مثل هذا السخاء. (ص 406)

 

وهو بهذا يقول إن التأمين الذي تقدمه الدولة يجب أن لا يكون وسيلة لحلب مواردها، وانتفاع شريحة معينة في المجتمع من ميزانية الدولة المولة من الضرائب.

 

الفرق بين تأمين البَرَد وتأمين المواشي

 

هناك اختلاف بين تأمين البَرَد وتأمين المواشي يوجزها كاوتسكي بالآتي:

 

يختلف تأمين البَرَد عن تأمين المواشي.  إن وجود مثل هذا التأمين لا يمكن أن يؤدي إلى ممارسات زراعية قائمة على الإهمال أو الاحتيال.  من ناحية أخرى، فإن تهديد البَرَد يُخيّم على المزرعة الكبيرة تمامًا مثل الصغيرة – يمكن لعاصفة البَرَد أن تدمر كليهما.  في حين أن التأمين على المواشي، في ظل ظروف معينة، قد يصبح عقبة أمام التنمية الزراعية ويدعم المزرعة الصغيرة المتداعية على حساب الدولة، فإن هذا مستحيل تمامًا مع التأمين ضد البَرَد. (ص 406)

 

إن التأكيد على أن تأمين البرد "لا يمكن أن يؤدي إلى ممارسات زراعية قائمة على الإهمال أو الاحتيال" ينطوي على تعميم في ضوء وثائق التأمين الزراعي الحديثة التي تستثني، على سبيل المثل، الأضرار الناجمة عن التقصير المتعمد للمؤمن له أو مستخدميه؛ والأضرار الناجمة عن عدم التقيّد بالطرق العلمية لمكافحة الآفات الزراعية القابلة للسيطرة وفي أوقاتها المحددة؛ والأضرار التي تلحق بالمحصول الزراعي بما فيها انخفاض نوعيته من جرّاء عدم اتباع الطرق العلمية في العملية الزراعية.

 

يختلف تأمين البرد أيضًا عن تأمين المواشي من خلال حقيقة أنه في حين أن تأمين المواشي يحمي من المخاطر التي تؤثر على قطيع المزارعين الفرديين، فإن التأمين ضد البرد يغطي المخاطر التي تشلُّ تمامًا كل مزرعة في منطقة ما، أو حتى منطقة بأكملها.  في هذا السياق تشبه أضرار البرد الأضرار الناجمة عن الفيضانات، على الرغم من أنها عادة ما تقتصر على مناطق أصغر.  وبالتالي، فإن التأمين ضدها يصبح ممكنًا دون فرض عبء مفرط على المشاركين، طالما أنهم كافون من حيث العدد.  لقد تبيّن عدم جدوى تنظيم التأمين على البَرَد في مساحة صغيرة في انهيار جمعيات التأمين على البَرَد في وييرتمبيرغ وهيس Wiirttemberg and Hesse، وحقيقة أن الجمعيات التبادلية الصغيرة غالبًا ما تضطر إلى جمع مساهمات [أقساط] كبيرة بشكل غير عادي (على سبيل المثل، سيريس Ceres في برلين في السنوات 1887-90: 175 في المائة، و 99 في المائة، و 133.3 في المائة، و 100 في المائة من القسط الأولي). (ص 406)

 

وهنا أيضًا فإن حصر آثار مخاطر تأمين المواشي بقطيع المزارعين الفرديين بحاجة إلى تكييف في ضوء التجارب الحديثة فيما يخص انتشار هذه المخاطر.  فمرض الحمى القلاعية foot-and-mouth disease في بريطانيا (1997، 2001، 2007) نتج عنه التخلص من أعداد كبيرة من الحيوانات وفي العديد من المزارع وبكلف عالية.

 

إن اضطرار الجمعيات التبادلية الصغيرة إلى جمع أقساط أكبر في أعقاب وقوع الأضرار ظاهرة معروفة في عالم التأمين التجاري.  وتبريره أن الأضرار الكبيرة التي تصبح موضوعًا للتعويض تقلص من حجم صندوق الأقساط وبالتالي يتوجب على شركات التأمين سد النقص الحاصل باستيفاء أقساط أعلى عند تجديد وثائق التأمين أو الاكتتاب بوثائق جديدة، وحتى التشدد في شروط التأمين.

 

ويقدم كاوتسكي سببًا آخر لتدخل الدولة فعندما "يُترك التأمين للمؤسسات الخاصة، فإن عدم انتظام البَرَد في معظم المناطق يمثل عائقًا أمام تعميم التأمين مثله مثل تفضيل [تأمين] البرد في مناطق معينة ... فالمناطق المُعرَّضة بشكل خاص لخطر البرد لا ترحب بها الشركات الخاصة، أو أنها تقبل بالتأمين على الخطر فقط مقابل دفع أقساط باهظة." (ص 406)

 

لذلك، هناك حاجة واضحة لدور الدولة لتنظيم التأمين من قبل الدولة: لقد تم إدخال هذا بالفعل إلى حد ما في بافاريا وبادن.  يمكن أيضًا تبرير الطلب على تأمين الدولة الإلزامي بالدمار الذي يمكن أن تسببه عاصفة البَرَد والذي يمكن أن تخلق مثل هذه المحنة حيث لا يتوفر تأمين ضدها في كثير من الحالات، كما هو الحال مع أضرار الفيضانات حيث تكون الدولة مُلزمة بالتدخل وتقديم المساعدة.  إن الحاجة إلى مساعدة الدولة في حالة فشل التأمين [من قبل الشركات الخاصة] تبرر أيضًا الدعم من قبل الدولة لأنه يخفف عنها عبء التكاليف اللاحقة لإجراءات الطوارئ. (ص 407)

 

موقف كاوتسكي البراغماتي يظهر ثانية هنا عندما يقول: "خلافًا للقليل الذي كنا نطالب به لتوسيع السلطات والوظائف الاجتماعية للدولة البوليسية، يبدو أن تأمين الدولة ضد البرد إجراء مفيد للغاية."

 

مع تقييمه الإيجابي للتأمين الذي تقوم بها شركات التأمين أو الدولة في تعويض الأضرار التي تصيب الأفراد إلا أنه يثير مسألة تمويل تدخل الدولة في التأمين لأن قيام الدولة بهذه الوظيفة "يمثل ضريبة جديدة لأولئك الذين يتعين عليهم تحمُّل التكاليف [للتعويض عن الأضرار التي تصيب البعض]، وهي ضريبة تزداد كلما زاد عدد مجالات التأمين وزاد حجم الأضرار المؤمن عليها. (ص 407).  أي أن جزءًا من حصيلة الضرائب المفروضة يستخدم لأغراض التأمين، وتبرير ذلك هو التعاضد المُضمر في الاجتماع البشري والمشاركة فيه من قبل الجميع لتقديم الإعانة لمن يستحقها.  لعل أقرب مثال على ذلك هو ما تقدمه دول الرفاه من إعانة لأولياء الأطفال لحد سن معين.  فمن ليس له أطفال يساهم بشكل غير مباشر، من خلال ما يدفعه من ضرائب، في إعانة الآخرين وهو ما يعرف بالإعانة أو الدعم المتبادل cross-subsidisation

 

بدايات أولى للوعي الإيكولوجي

 

لم يكن كاوتسكي بعيدًا عن المفكرين الاشتراكيين الآخرين الذين ساهموا في التمهيد للفكر الإيكولوجي الحديث منذ أواسط القرن التاسع عشر وحتى القرن العشرين.[17]  الفقرة التالية تشير إلى فهمه لما يسببه نمو الزراعة الحديثة (وبالطبع الإنتاج الصناعي الرأسمالي) إلى جانب الكوارث الطبيعية من إضرار بالبيئة، إذ يتزايد احتمال وقوع الضرر

 

بشكل مُطَّرد مع نمو الزراعة الحديثة - ليس فقط لأنها تسبب بشكل متزايد الأوبئة للحيوانات وتضر بالمحاصيل، إلى جانب الفيضانات، ولكن أيضًا ... المزيد من البرد، والذي يتشكل بسهولة أكبر في تلك المناطق التي تم فيها تجريد الأرض المرتفعة من الأشجار من خلال تقليل مساحة الغابات. (ص 407)

 

ويذكر في مكان آخر أن استبدال الانتقاء الطبيعي بالانتقاء الاصطناعي في نمو النباتات تعمل على تقليص مقاومتها للأمراض والآفات الزراعية.[18]  أي ان التلاعب بالتوازن الموجود في الطبيعة يجلب معه آثارًا سلبية.

 

قبل أن تتعزز الملكية الفردية لموارد الطبيعة، ومنها الغابات، فإنها كانت مشاعات commons غير قابلة للتصرف (غير قابلة للبيع) تعود لأفراد المجتمع الذين يتمتعون بحقوق مشتركة ومتساوية فيها.  "إن عامة الناس لديهم مصلحة في حمايتها على المدى الطويل، بدلاً من المكسب الفوري الذي يمكن تحقيقه من تدميرها."[19]  إلا أن الاستحواذ التدريجي على هذه الموارد، من خلال ما يعرف بحركة التسييج enclosure movement في إنجلترا منذ القرن الثالث عشر، أتاح للمالكين الجدد للأرض التصرف بها؛ وهذا ربما هو ما أراده كاوتسكي لكنه لم يتوسع في التحليل والتعليق.  وله موقف من الاستدامة الزراعية وضرورة إعادة تدوير المخلفات العضوية.[20]

 

ينتقل بعد ذلك إلى عقد مقارنة فيها شيء من الانتقاص لقيمة التأمين، إذ يقول:

 

إن التأمين يترك أسباب الضرر دون مساس: إنه يفشل كما أشرنا أعلاه عندما ننتقل إلى أخطر المشاكل التي يعاني منها المزارعون.  وبالتالي، لا يمكن النظر إلى التأمين إلا على أنه بديل ضعيف للتدابير المصممة لجعل المزارعين أكثر استقلالية عن مزاج الطبيعة، وإخضاع هذه التقلبات لسيطرتهم. (ص 407)

 

المقارنة هنا هي بين التأمين وما يعرف في زماننا باسم إدارة الخطر وهي في أبسط صورها: تشخيص مصادر الخطر، وتقدير آثارها المادية والمالية، وسبل معالجتها هندسيًا وإجرائيًا، وتقدير كلفة القبول بتبعاتها أو تأمينها ذاتيًا (بتخصيص صندوق أو تأسيس شركة تأمين مقبوضة captive insurance company) أو تحويلها إلى طرف آخر (شركة التأمين).

 

بحكم الممارسة والخبرة الجماعية المتوارثة فإن المزارعين يمتلكون وسائلهم التقليدية للتعامل مع تقلبات الطبيعة "وإخضاع هذه التقلبات لسيطرتهم" أو التقليل من آثارها.  لكن القول "إن التأمين يترك أسباب الضرر دون مساس" ربما كان صحيحًا في الماضي إلا أنه لا يستقيم مع ممارسات شركات التأمين الكبيرة في أسواق التأمين المتقدمة.  فهذه الشركات تضم مهندسين ومتخصصين في مجالات مختلفة، أو تشتري خدمات أصحاب الاختصاص للتعرف، بعمق، على الأسباب التي تؤدي إلى وقوع الأضرار، وتقديم الإرشادات، أو توصيات أو فرض شروط لتحسين محل التأمين المؤمن عليه risk improvement recommendations.  ويأتي هذا التقديم بعد المعاينة الميدانية.  كما أنها تصدر باستمرار دراسات ذات طابع علمي عن الظواهر الطبيعية المسببة للأضرار كالزلازل والفيضانات والأوبئة وغيرها.

 

 

كانون الثاني 2021


ملحق

 

كارل كاوتسكي: المسألة الزراعية

 

 

فيما يلي ترجمة لمقتطفات من الفصل الرابع عشر من كتاب المسألة الزراعية تحت العناوين الفرعية التالية: مكافحة الأوبئة، التأمين من قبل الدولة، التعاونيات-نظام التدريب الزراعي (ص 401-409 من الترجمة الإنجليزية).[21]

 

صفحة 401

 

مكافحة الآفات

 

إن مكافحة الآفات التي تهدد المواشي والمحاصيل، وبالتالي ظروف الوجود الإنساني المتحضر، لا تقل أهمية عن القيام بالتحسينات.

 

لقد لاحظنا بالفعل في الجزء الأول أن نمط الإنتاج الحديث يولّد مخاطر جدية متزايدة على صحة الحيوانات والمحاصيل، ويفتح الباب أمام الأوبئة الحيوانية والنباتية.

 

إن الإجراءات الأخيرة للسيطرة على استيراد الحيوانات والفواكه هي إحدى نتائج ذلك.  ومع ذلك، نظرًا للأهمية البالغة للخطر الحقيقي المتمثل في تدمير مناطق وبلدان بأكملها بسبب استيراد العينات المريضة، غالبًا ما تكون القيود المفروضة على الاستيراد مجرد شكل مُقنّع من الحمائية.  فهي لا تزيد من صعوبة استيراد المواشي المصابة فحسب، بل تمنع استيراد المواشي تمامًا.  لا ينبغي أن يكون الطلب عائقًا أمام الاستيراد من الخارج ولكن أمام حركة جميع القطعان المريضة، سواء أكانت أجنبية أو محلية المنشأ.  في الواقع، تعتبر القطعان المحلية أكثر خطورة لأنها أقرب وأكثر تفاعلًا مع الريف المحلي.  ستكون عمليات التفتيش على الحدود عديمة الجدوى إذا لم يتم استكمالها بمكافحة قوية للأوبئة داخل هذه الحدود نفسها.

 

مرة أخرى تظهر الملكية الخاصة على أنها أكبر عائق.  إن السيطرة على الوباء، سواء أكان نباتًا أم حيوانًا، لا طائل من ورائها ما لم يتم القيام بها بشكل متزامن وقوي وشامل في جميع المواقع المهددة بالخطر.  إن فشل أصحاب الماشية في تطهير اصطبلاتهم هو بحد ذاته كافٍ للسماح للآفة المنبوذة بالعودة.  إذا قرر جميع أصحاب مزارع الكروم في منطقة معينة معالجة الفيلوكسيرا phylloxera [نوع من قمل النبات]، لكن أحدهم تراجع، فستعود آفة العنب باستمرار وتبتلي الآخرين بها.  في مثل هذه الحالة يجب تعليق حقوق الملكية مؤقتًا على الأقل: ويجب أن يكون للإلزام من قبل الدولة الأسبقية على الحرية الاقتصادية الفردية.

 

إن اللجوء لهذا [الإجراء] ليس الوحيد المستحسن في محاربة المشكلة بمجرد ظهورها.

 

صفحة 402

 

فالوقاية، كما هو الحال دائمًا، هي أفضل سياسة.  لا ينبغي فقط حماية وتكثير المضادات المحتملة للآفات - تلك التي تهاجم خنفساء كولورادو Colorado beetle على سبيل المثل - ولكن يجب أيضًا اتخاذ أي تدابير وقائية ضرورية في الأساليب الفعلية للزراعة أو ترتيب اصطبلات الحيوانات.  وكما هو الحال مع المساكن البشرية، يمكن إصدار لوائح النظافة الخاصة بالإسطبلات وتنفيذها من خلال دائرة تفتيش.

 

لقد تم اقتراح التلقيح الإجباري بالتيوبركولين tuberculin [مجموعة من البروتينات المستخدمة لتشخيص السل]، وعزل الحيوانات المريضة عن الحيوانات السليمة، وإطعام العجول باللبن المعقم كوسيلة لمكافحة مرض السل البقري.  في فرنسا، تخضع جميع الماشية المستوردة للتلقيح.  نحن لا نحكم على فعالية لقاح التيوبركولين، ولكن إذا ثبت فعاليته فإننا بالتأكيد سنشيد بتطبيقه الإجباري.

 

إن وجود حقوق الملكية لن يدفع الديموقراطية الاجتماعية [الحزب الديمقراطي الاجتماعي] للتخلي عن أي تدابير إلزامية ضرورية لمكافحة الآفات في الزراعة.  وبالطبع، فإنه سيضمن أيضًا أن الطريقة الأكثر ملاءمة للتنفيذ ستكون هي الطريقة المعتمدة.

 

فالضرورة، وليس الرغبة، تجبر الدولة بالفعل على التدخل في حقوق الملكية لمكافحة الآفات النباتية والحيوانية.  وعلى الرغم من أن هذه الإجراءات تصبُّ في مصلحة الزراعة نفسها، إلا أنها لا تزال تواجه معارضة شديدة.  إن القصور الذاتي والجهل ليسا السببين الوحيدين: فالفلاحون يشككون أيضًا بأجهزة الدولة، التي عادة ما تواجههم كأداة للقمع والاستغلال، كضابط شرطة أو جابي ضرائب.  والفلاحون لا يتوقعون من البيروقراطية، بحذلقتها البالية، أن تظهر أي فهم لاحتياجات الزراعة.

 

وكلما امتد الإلزام من قبل الدولة إلى مجال مكافحة الآفات، زادت الحاجة الملحة لتنوير سكان الريف - ليس فقط بشكل تدريجي ولكن على أساس منهجي.  وهذا يحتاج إلى دعم من خلال إصدار وتنفيذ التدابير الإجبارية من قبل المتخصصين المدربين نظريًا وعمليًا - وليس المحامين وضباط الشرطة والتابعين السابقين – وبأعلى درجة ممكنة من الاتفاق مع الأجهزة المحلية للإدارة الذاتية في الأبرشيات أو المناطق الإدارية.  ولكن من يتحمّل تكاليف هذه الإجراءات؟  الدولة؟  وهذا يعني فرض جزء من تكاليف الإنتاج الزراعية على المستهلكين - رفع إيجارات الأرض على حساب المستهلك.  من ناحية أخرى، سيكون من غير العدل فرض العبء المالي على المزارعين الذين تعاني مزارعهم من آفة معينة، لأن تدابير مكافحة الآفات تصبُّ في مصلحة جميع المزارعين.  إن مثل هذه السياسة ستخلق أيضًا حافزًا قويًا للفرد للتستر على أي تفشي للوباء على ممتلكاته.

 

صفحة 403

 

لذلك غالبًا ما يتم فرض التكاليف على جميع المزارعين المعنيين، وقد تم إحراز تقدم في بعض الأمراض الوبائية - مثل آفات الماشية والطاعون الرئوي والجمرة الخبيثة – بحيث يتم دفع تعويض للإخطار الفوري إذا أصبح الذبح ضروريًا أو تم تكبد الخسائر.  يمثل هذا تأمينًا ضد بعض الآفات فيما يتعلق بالمالك، وحيثما يتحمل جميع أصحاب الثروة الحيوانية كلفة دفع التعويض، يمكن للمرء أن يتحدث عن التأمين الإلزامي ضد الوباء.  وعليه ينبغي الموافقة على رغبة سكان الريف في إدراج أمراض الآفات الأخرى في التأمين الإجباري ضد الآفات، ولا سيما السل في الأبقار والطاعون الأحمر في الخنازير (Buchenberger, Grundziige der deutschen Agrarpolitik, p. 188).  لا يمكن إبداء أي اعتراض على هذا النوع من تأمين الدولة.  لكنه يقودنا إلى سؤال آخر - أهمية تأمين الدولة في الزراعة.

 

التأمين من قبل الدولة

 

كثيرًا ما يُزعم أن التأمين يلعب دورًا مختلفًا في الزراعة عن دوره في الصناعة؛ وعلى الرغم من أن تأمين الدولة ضد كل مصيبة محتملة قد يُنظر إليه على أنه لا يمكن تصوره للمؤسسات الصناعية الخاصة، إلا أن هذا يعتبر ضروريًا للزراعة بسبب تعرضها لتقلبات الطبيعة، التي تم ترويضها في الصناعة.

 

ومع ذلك، فإن الإنتاج المستمر بالنسبة لمُنتِج السلعة يعتمد على العوامل الاجتماعية وكذلك الطبيعية - وهذه العوامل أكثر تقلبًا في الصناعة منها في الزراعة.  وعلى الرغم من أن الزراعة قد تكون أكثر اعتمادًا على الحالة المتقلبة للطبيعة، إلا أنها أقل اعتمادًا على الحالة المتقلبة للسوق.  إن المواد الخام والمواد المساعدة التي يتعين على الصناعيين شرائها يمكن عادة إنتاجها من قبل المزارعين لأنفسهم: وحتى في ظل المنافسة الأجنبية، فإن سوق المزارعين أكثر أمانًا وأقل ضحية للموضة من سوق الصناعة.  في الواقع، يمكن للأسواق أن تحول أخطاء الطبيعة بسرعة إلى نقيضها فيما يتعلق بالمزارع: فضعف الحصاد يمكن أن يؤدي إلى زيادة الأسعار، وهو ما يعوض عن انخفاض الغلّة.

 

علاوة على ذلك، ليس من الممكن التأمين ضد المصائب الكارثية التي تصيب الزراعة: التأمين مناسب فقط لتلك المحن التي تصيب عددًا قليلاً من الأفراد من بين عدد أكبر بكثير، بحيث يكون المبلغ الصغير الذي يدفعه كل فرد كافياً لتقديم تعويض مناسب لمن تعرّض للمصيبة.  لكن الجفاف أو الأمطار

 

صفحة 404

 

الصيفية والشتاء القاسي والفيضانات هي مصائب تؤثر على مناطق بأكملها أو حتى على البلدان، مما يتسبب في بؤس هائل بحيث يكون التأمين عاجزًا تمامًا عن المساعدة.  إن ما يمكن أن يساعد تحديدًا هو إنفاق جميع الموارد الموجودة تحت تصرف المجتمع، وحتى في هذه الحالة لا تكون الموارد متاحة دائمًا بالشكل المطلوب.

 

طالما أن الديموقراطية الاجتماعية ليس لديها سبب وجيه للمطالبة بتأميم نظام التأمين بأكمله في كل من المدينة والريف، فمن النادر أن تقترح ببساطة تأميم التأمين الزراعي بأكمله.

 

هذا لا يعني أن فروع التأمين الفردية الخاصة بالزراعة لا تستحق درجة معينة من التدخل من قبل الدولة: على سبيل المثل، التأمين على الثروة الحيوانية والتأمين ضد البَرَد.

 

يتَّسم التأمين على الثروة الحيوانية بطابع مزدوج: يأتي التأمين ضد تهديد الأوبئة تحت إشراف الدولة كجزء من تدابير الدولة ضد الأوبئة بشكل عام.  بالإضافة إلى ذلك، هناك تأمين ضد نفوق الماشية غير الناجم عن الأمراض.

 

يقتصر هذا النوع من التأمين على مزارع تربية الماشية الصغيرة.  إن نفوق حيوان واحد لن يؤدي في مؤسسة أكبر إلى تعطيل عمل المزرعة بشكل خطير.  كلما زاد حجم القطيع، كلما زادت فرصة نفوق أحد أفراد القطيع: مثل هذه الأحداث هي عناصر لا مفر منها في تكاليف المؤسسة.  مثل مالكي السفن الكبار، فإن أصحاب القطعان الكبيرة من الماشية هم أفضل المؤمنين عليها.

 

الفلاحون الصغار في وضع مختلف.  قد يؤدي نفوق بقرة إلى إلحاق ضرر كبير بهم، وفي كثير من الأحيان يكون عائقًا يؤثر على جميع عمليات الزراعة الخاصة بهم.  ذلك لأن دخولهم هزيلة للغاية بحيث لا تسمح بالتخصيص المنتظم لصندوق [احتياطي] لتقليل تكلفة الخسارة لماشيتهم، كما أن الحوادث الفردية يمكن أن تقضي على ما لديهم منها قبل بلوغ نهاية حياتها النافعة.

 

إذا حدث هذا، فلن يكون أمام الفلاح غير المؤمن عليه خيار آخر سوى قبول قرض من تاجر الماشية، الذي يحصل بعد ذلك على الفرصة، كوسيط ومرابي، لاستغلال الفلاح - وبفعالية كبيرة أيضًا.

 

يبدو أن الحل الواضح هو أن يتحد الفلاحون الذين يملكون الماشية في القرية معًا ويؤمنوا أنفسهم ضد مثل هذه الحوادث بحيث يتحمل الجميع تكاليف أي حادث فردي.  هذا النوع من التأمين على الثروة الحيوانية هو من بين تلك المساعي التي تسعى إلى منح مزايا المزرعة الكبيرة للمزرعة الأصغر من خلال التعاون المتبادل.  على الرغم من أن هذه الجهود مفيدة وضرورية، فهي لا تمثل سوى بديل ضئيل للمؤسسة الكبيرة.

 

من خلال التأمين على نفسها، لا تُضحّي المزرعة الكبيرة بالمال ولا تفقد الاهتمام باتخاذ التدابير الوقائية لتجنب الخسائر.  تختلف الأمور تمامًا بالنسبة للفلاحين.  فقلة المال، وسوء التغذية

 

صفحة 405

 

ورداءة الاصطبلات يعرض ثروتهم الحيوانية بالفعل لمزيد من المخاطر منذ البداية.  ومن المؤكد أن دفع قسط [التأمين على] الثروة الحيوانية لا يفعل شيئًا لتحسين وضعهم في هذا الصدد.

 

يمكن للفلاحين أن يعوضوا إلى حد ما افتقارهم إلى الموارد من خلال الرعاية الأكبر التي يمنحونها لمواشيهم.  ومع ذلك، فإن التأمين يجعل هذه الرعاية تبدو غير ضرورية: إغراء ترك حيوانٍ مُعتلّ يهلك من أجل استبداله بآخر أفضل على حساب شركة التأمين. [الخطر المعنوي]

 

نتيجة لذلك، على الرغم من حقيقة أن محاولات تنظيم تأمين الثروة الحيوانية للفلاحين ترجع إلى نقابات الأبقار cow guilds في القرن السادس عشر، وعلى الرغم من حرص رأس المال على إيجاد مجالات جديدة للسيطرة عليها، إلا أن رأس المال كان حريصًا حتى الآن على الابتعاد عن تأمين الثروة الحيوانية، وحيثما دخل هذا المجال، فإن نتائج التجربة كانت في الغالب غير مقبولة.  وعندما يؤمّن الفلاحون فيما بينهم، يمكنهم ممارسة بعض السيطرة المتبادلة على رعايتهم للمواشي.  هذا مستحيل تمامًا حين يتم تنظيم التأمين على الثروة الحيوانية من خلال المؤسسات الرأسمالية.  إن التأمين الرأسمالي للثروة الحيوانية عُرضة لخطر دائم يتمثل في احتيال الفلاحين.  وإذا أراد الرأسماليون كسب المال، فسيحاولون بدورهم الاحتيال على الفلاحين.  إن تجارة الماشية على نطاق صغير لا تناسب رأس المال الكبير.  ونتيجة لذلك، فإنه يتنازل بسخاء عن التأمين على الثروة الحيوانية للدولة والكوميونات - وهو أيضًا شكل من أشكال الاشتراكية.

 

لم يتوسع التأمين على الثروة الحيوانية حتى الآن إلى ما هو أبعد من الجمعيات المحلية الصغيرة التي تقدم المساعدة، بطريقة أو بأخرى، إلى العضو الفرد في حالة الخسارة.  هذه الجمعيات هي لأشخاص يعرفون بعضهم البعض جيدًا؛ التحكم سهل وبسيط، والإضرار بالجميع من خلال الإهمال أو حتى الخداع من قبل الفرد أمر صعب للغاية.  ومع ذلك، يجب ضبط هذه المزايا مقابل عيوب العدد القليل من أولئك الذين يشكلون دائرة المؤمن عليهم: يمكن أن تفشل [الجمعية] بسهولة في حالة التراكم المحلي لإصابات الماشية، ربما نتيجة لنقص العلف، مما جعل فكرة التأمين برمتها وهمية.

 

هنا يجب أن تتدخل الدولة، إما ببساطة من خلال ربط الجمعيات المحلية الفردية ببعضها البعض، والسماح لأي عبء قصير الأجل ولكنه ثقيل للغاية على واحدة أو أكثر من هذه الجمعيات أن يتحملها الآخرون وبالتالي تخفيفها، أو عن طريق إصدار مرسوم عضوية إلزامية لأصحاب الماشية الأفراد، وبالتالي توسيع دائرة المؤمن عليهم.

 

حيثما تستطيع فإن البروليتاريا تفضل التنظيم الديمقراطي الحر على التنظيم الذي تفرضه بيروقراطية الدولة.  ينطبق هذا أيضًا على مؤسسات التأمين: فهي لا تتطلب مساعدة الدولة لتوسيع نقاباتها العمالية وصناديق المنافع benefit funds في جميع أنحاء البلاد.  ومع ذلك، إذا شعر الفلاحون بالحاجة إلى اتحاد وطني لجمعيات التأمين المحلية،

 

صفحة 406

 

لكنهم يعلنون عن عدم قدرتهم على تحقيق ذلك بأنفسهم ويطلبون مساعدة بيروقراطية الدولة غير الودودة، لا ينبغي للبروليتاريا أن تسعى إلى وضع عقبات في طريقها.  وإذا كان ذلك يمكن أن يكون مفيدًا، فلا يوجد سبب للممانعة.

 

كانت الصورة ستتغير بالطبع لو كانت مثل هذه الدعوة للدولة وسيلة يمكن من خلالها لعدد من المزارعين الحصول على الدعم على حساب دافعي الضرائب؛ على سبيل المثل، إذا كانت الدولة، من خلال توفير صناديق التأمين، ستسمح للمزارعين بتجديد مواشيهم على نفقة الدولة.  لا يمكن لحزب بروليتاري أن يدعم مثل هذا السخاء.

 

يختلف تأمين البَرَد عن تأمين الماشية.  إن وجود مثل هذا التأمين لا يمكن أن يؤدي إلى ممارسات زراعية قائمة على الإهمال أو الاحتيال.  من ناحية أخرى، فإن تهديد البَرَد يخيم على المزرعة الكبيرة تمامًا مثل الصغيرة - يمكن لعاصفة البَرَد أن تدمر كليهما.  وفي حين أن التأمين على الماشية، في ظل ظروف معينة، قد يصبح عقبة أمام التنمية الزراعية ويدعم المزرعة الصغيرة المتداعية على حساب الدولة، فإن هذا مستحيلٌ تمامًا مع التأمين ضد البَرَد.

 

يختلف تأمين البرد أيضًا عن تأمين الماشية من خلال حقيقة أنه في حين أن تأمين الماشية يحمي من المخاطر التي تؤثر على قطيع المزارعين الفرديين، فإن التأمين ضد البرد يغطي المخاطر التي تشل تمامًا كل مزرعة في منطقة ما، أو حتى منطقة بأكملها.  في هذا السياق تشبه أضرار البرد الأضرار الناجمة عن الفيضانات، على الرغم من أنها عادة ما تقتصر على مناطق أصغر.  وبالتالي، فإن التأمين ضدها يصبح ممكنًا دون فرض عبء مفرط على المشاركين، طالما أنهم كافون من حيث العدد.  لقد تبيّن عدم جدوى تنظيم التأمين على البَرَد في مساحة صغيرة في انهيار جمعيات التأمين على البَرَد في وييرتمبيرغ وهيس Wiirttemberg and Hesse، وحقيقة أن الجمعيات التبادلية الصغيرة غالبًا ما تضطر إلى جمع مساهمات كبيرة بشكل غير عادي (على سبيل المثل، سيريس Ceres في برلين في السنوات 1887-90: 175 في المائة، و 99 في المائة، و 133.3 في المائة، و 100 في المائة من القسط الأولي) – (Buchenberger, Grundzuge der deutschen Agrarpolitik, p. 176).

 

ومع ذلك، عندما يُترك التأمين للمؤسسات الخاصة، فإن عدم انتظام البَرَد في معظم المناطق يمثل عائقًا أمام تعميم التأمين مثله مثل تفضيل [تأمين] البرد في مناطق معينة.  يتراكم الشعور بالأمان بسهولة في المناطق التي لم يسقط فيها البرد لفترة طويلة: وهذا يُثني الأفراد من الحصول على التأمين، وخاصة الفلاحين الذين لا يعانون من فائض في النقد.  وتلك المناطق المعرضة بشكل خاص لخطر البرد لا ترحب بها الشركات الخاصة، أو أنها تقبل بالتأمين على الخطر فقط مقابل دفع أقساط باهظة.

 

لذلك، هناك حاجة واضحة لدور الدولة لتنظيم التأمين من قبل الدولة: لقد تمَّ إدخال هذا بالفعل إلى حد ما في بافاريا وبادن.  يمكن أيضًا تبرير الطلب على تأمين الدولة الإلزامي بالدمار الذي يمكن أن تسببه عاصفة البَرَد والذي يمكن

 

صفحة 407

 

أن تخلق مثل هذه المحنة حيث لا يتوفر تأمين ضدها في كثير من الحالات، كما هو الحال مع أضرار الفيضانات حيث تكون الدولة مُلزمة بالتدخل وتقديم المساعدة.  إن الحاجة إلى مساعدة الدولة في حالة فشل التأمين [من قبل الشركات الخاصة] تبرر أيضًا الدعم من قبل الدولة لأنه يخفف عنها عبء التكاليف اللاحقة لإجراءات الطوارئ.

 

خلافًا للقليل الذي كنا نطالب به لتوسيع السلطات والوظائف الاجتماعية للدولة البوليسية، يبدو أن تأمين الدولة ضد البرد إجراء مفيد للغاية.

 

لا ينبغي الاستهانة بالآثار المحتملة للتأمين، الخاص أو العائد للدولة.  على الرغم من كونه مفيدًا للأضرار التي يعاني منها الفرد، إلا أنه يمثل ضريبة جديدة لأولئك الذين يتعين عليهم تحمل التكاليف، وهي ضريبة تزداد كلما زاد عدد مجالات التأمين وزاد حجم الأضرار المؤمن عليها.

 

تتزايد احتمالات مثل هذا الضرر بشكل مُطَّرد مع نمو الزراعة الحديثة - ليس فقط لأنها تسبب بشكل متزايد الأوبئة للحيوانات وتضر بالمحاصيل، إلى جانب الفيضانات، ولكن أيضًا، إذا كانت نظرية رئيس الغابات في أرغاو Aargau، هير رينيكر Herr Rinicker، صحيحة، المزيد من البرد، والذي يتشكل بسهولة أكبر في تلك المناطق التي تم فيها تجريد الأرض المرتفعة من الأشجار من خلال تقليل مساحة الغابات.  إن التأمين يترك أسباب الضرر دون مساس: إنه يفشل كما أشرنا أعلاه عندما ننتقل إلى أخطر المشاكل التي يعاني منها المزارعون.  وبالتالي، لا يمكن النظر إلى التأمين إلا على أنه بديل ضعيف للتدابير المصممة لجعل المزارعين أكثر استقلالية عن مزاج الطبيعة، وإخضاع هذه التقلبات لسيطرتهم.

 

إن الإدارة الرشيدة للغابات والمياه، التي تحدُّ من أضرار الفيضانات والبرد؛ أعمال الري التي تكافح الجفاف؛ الصرف ضد التشبع بالمياه؛ التربية العقلانية لسلالات النباتات والحيوانات التي لا تزيد فقط من إنتاجيتها بل تزيد من مقاومتها؛ حماية الطيور الآكلة للحشرات؛ اصطبلات صحية للحيوانات؛ التغذية المناسبة وما شابه - هذه كلها تدابير ذات أهمية أكبر بكثير من التأمين.  لكن يجب أن ندرك أنه حتى بعضها يتعارض كثيرًا مع ظروف وجود الفلاح الصغير!  هل يمكن للمرء أن يطالب بجدية بضرورة أن يمارس الفلاحون الصغار تربية عقلانية وتربية في اسطبلات نظيفة فيها تهوية؟

 

التعاونيات – نظام التدريب الزراعي

 

يعتبر التأمين على الثروة الحيوانية على المستوى المحلي في الأساس محاولة للحصول على مزايا المزرعة الكبيرة من خلال التنظيم التعاوني.  كما تطرقنا إلى مسألة التعاونيات في مناقشتنا للتحسينات.  نختتم ملاحظتنا حول طرق النهوض بالزراعة ببضع كلمات عن النظام التعاوني.  نتناول هذا الموضوع بإيجاز إذ

 

ص 408

 

سبق أن تناولنا دور التعاونيات بمزيد من التفصيل أعلاه.

 

يمكن للمرء أن يقول إن الديموقراطية الاجتماعية متعاطفة مع النظام التعاوني بشكل عام، والتعاونيات الزراعية بشكل خاص.  لكننا لا نبالغ في تقديرها؛ نحن لا نعتبرها وسيلة لإنقاذ الزراعة الفلاحية، حيث يمكن استخدام فوائدها بشكل جيد على قدم المساواة من قبل المزارع الكبيرة والصغيرة.  وحيثما يقوى الأخير، فإنه يحول صاحبه إما إلى مُستَغِل رأسمالي أو مُستَغَل.  علاوة على ذلك، لا نعتبر تعاونيات المزارعين كمرحلة انتقالية للاشتراكية، إلا بمعنى أن أي شركة ذات مسؤولية محدودة، وأي شركة كبيرة بشكل عام، تمثل مثل هذه المرحلة الانتقالية.  ومع ذلك، تُعَدُّ التعاونيات - وفي الزراعة أكثر منها في الصناعة - وسيلة قوية لتعزيز التنمية الاقتصادية والانتقال من المؤسسة الصغيرة إلى المؤسسة الكبيرة، وهي أفضل بكثير من الوسائل الرأسمالية النموذجية لتحقيق هذا التطور، وهي مصادرة الأملاك الصغيرة.  لا يمكننا منع الطريقة الأخيرة للتطور في المجتمع الحالي، لكن لا يتعين علينا دعمها.  ومع ذلك، يمكننا دعم النظام التعاوني.

 

ومع ذلك، ينبغي ألا يتجاوز دعمنا إزالة العقبات القانونية التي قد تعترض تنميتها.  إن الإعانات الحكومية لن تمثل أكثر من السماح لمجموعات فردية من المُلاك بتحسين وضعهم الشخصي من خلال منحة من البروليتاريا.  ومن خلال تشجيع المؤسسات المشبوهة والسلوك المالي المتهور، فإن مثل هذه الإعانات لن تكون حتى في مصلحة التعاونيات نفسها.  وهذا يترك جانبًا حقيقة أن السيطرة على صندوق لدعم التعاونيات يمكن أن تصبح وسيلة لشراء التعاطف السياسي، ووسيلة للفساد مثل صناديق Guelf funds

 

إن جزءًا كبيرًا من التعاونيات نفسها يرفض إعانات الدولة (انظر مقال الدكتور هـ. كروجر حول هذا الموضوع في Soziale Prazis, VI, p. 338, VII, p. 203).  قد يسمي المرء هذا الرفض بالمانشسترية Manchesterism،[22] لكن مساعدة الدولة لتعزيز المصالح الخاصة للأفراد ليست جزءًا من الاشتراكية.  إن الإصلاح الاجتماعي الذي يحافظ على إنتاج السلع الزراعية من خلال ترك الأرباح لرائد الأعمال entrepreneur والمخاطر التي تتعرض لها للدولة، أي جمهور السكان - هو بلا شك نموذجًا مغريًا للمصالح الزراعية، لكن مثل هذه السياسة لا يمكن تنفيذها على نطاق واسع الحجم، كما أنه ليس في مصلحة البروليتاريا.

 

هناك طريقة أخرى لتعزيز الزراعة لا تعيق التنمية الاقتصادية - وفي الواقع، فإنها تسرّعها بشكل ملحوظ: توسيع نطاق التدريب المتخصص.

 

لقد علَّقنا بالفعل على أهم جوانب هذه القضية في مناقشتنا لنظام التعليم.  ليست هناك حاجة إلى مزيد من الحجج

 

ص 409

 

لإثبات استعداد الديمقراطية الاجتماعية لتعزيز كل من التدريب الزراعي والصناعي إلى ما بعد مستوى التعليم الابتدائي والثانوي بأي طريقة ممكنة، واستعدادها لإنفاق ما هو مطلوب على إدخال أو تحسين المدارس الثانوية الزراعية والكليات والمختبرات الزراعية والمحطات التجريبية وإقامة المزارع النموذجية وتنظيم المعارض ونحوها.

 

(لم نترجم بقية الفقرات)



[1] يعتبر أحد أبرز الماركسيين قبل الحرب العالمية الأولى وأبرز منظر للحزب الديمقراطي الاجتماعي في ألمانيا.  تعرّف على ماركس وإنجلز في لندن عام 1881 وظل قريبًا من إنجلز.  له العديد من المؤلفات (المادية التاريخية، أصول المسيحية، توماس مور وكتابه اليوتوبيا، الصراع الطبقي، المسألة الزراعية وغيرها. بعض مؤلفاته متوفرة في موقع https://www.marxists.org/archive/kautsky/)، وهو مؤسس مجلة Die Neue Zeit (الأزمنة الحديثة)، 1883-1923، التي صارت المجلة النظرية للحزب الديمقراطي الاجتماعي.  تحول تدريجيًا من قيم الاشتراكية الثورية إلى اشتراكية وسطية متأثرًا بأفكار إدوارد برنشتين، وكان موضوعًا لنقد لينين في كتابه الثورة البروليتارية والمرتد كاوتسكي.  تضم الشبكة العنكبوتية خليطًا من المعلومات والدراسات عنه.

 

[2] Petersen, K., Andersen, L., & Petersen, J. H. (2011). German social insurance as a negative foil in Danish policy debates during the formative years of “social legislation”. Paper presented at Key Concepts in the Nordic Welfare: Transnational and moving key concepts, Villa Lante, Rome, 10-12 January 2010, Italy.

https://vbn.aau.dk/ws/portalfiles/portal/59459878/german_insurance.pdf

راجع أيضًا: د. فتحي المرصفاوي، التأمينات الاجتماعية والضمان الاجتماعي في القانون الليبي (بنغازي: المكتبة الوطنية، 1974)، ص 65-77 حول "الأمن الاجتماعي في ألمانيا".

 

[3] Lorraine Boissoneault,Bismarck Tried to End Socialism’s Grip—By Offering Government Healthcare,’ Smithsonian Magazine, https://www.smithsonianmag.com/history/bismarck-tried-end-socialisms-grip-offering-government-healthcare-180964064/

July 14, 2017

 

[4] كان كارل ماركس (1818-1883) وفردريك إنجلز (1820-1895) مشاركان في نقاشات الحركة الاشتراكية في ألمانيا.

 

[5] Gregory P Guyton, ‘A Brief History of Workers' Compensation’

https://www.ncbi.nlm.nih.gov/pmc/articles/PMC1888620/

[6] للتعرف على تاريخ التأمين الصحي في ألمانيا، راجع:

European Observatory on Health Care Systems, Health Care Systems in Transition-Germany, 2000

https://www.euro.who.int/__data/assets/pdf_file/0010/80776/E68952.pdf, pp 7-10.

 

[7] Gregory P Guyton, op. cit.

 

[8] Karl Kautsky, Class Struggle, IV: The Commonwealth of the Future:

https://www.marxists.org/archive/kautsky/1892/erfurt/ch04.htm

 

[9] Massimo L. Salvadori, Karl Kautsky and the Socialist Revolution, 1880-1938 (London: Verso, 1979), p. 235.

 

[10] Salvadori, op cit, p. 21.

 

[12] Dick Geary, Karl Kautsky (Manchester: Manchester University Press, 1978), p. 8.

 

[14] Dr Subhasis Bhattacharya, Dr Navin Kumar Rajpal, Signifying Development: A Search on Micro-Finance, Health and Employment (Raleigh, NC: Lulu Publication, 2017), p 79.

https://www.google.co.uk/books/edition/Development_A_Search_on_Finance_Health_a/SqQ0DwAAQBAJ?hl=en&gbpv=1&dq=karl+kautsky+and+insurance&pg=PA79&printsec=frontcover

[16] سيمر وقت طويل قبل أن يشهد العراق التأمين الزراعي فقد بدأت ممارسته من قبل شركة التأمين الوطنية سنة 1982.  راجع:

فاروق يونس، كامل العضاض، مصباح كمال، "تعليقات ورسائل حول التأمين الزراعي،" موقع شبكة الاقتصاديين العراقيين:

http://iraqieconomists.net/ar/wp-content/uploads/sites/2/2018/04/فاروق-يونس،-كامل-العضاض،-مصباح-كمال-تعليقات-ورسائل-حول-التأمين-الزراعي-نسخة-معدلة-1.pdf

 

[17] John Bellamy Foster, The Return of Nature: Socialism and Ecology (New York: Monthly Review Press, 2020).

وبالنسبة لمساهمة كاوتسكي فقد تناوله المؤلف سابقًا:

John Bellamy Foster, Marx’s Ecology (New York: Monthly Review Press, 2000), p 239-240.

 

[18] Kautsky, The Agrarian Question, p 216-217, as per Foster, ibid.

 

[19] George Monbiot, “Common Wealth,” the Guardian 27th September 2017: http://www.monbiot.com/2017/10/02/common-wealth/

 

[20] John Bellamy Foster, Ecology Against Capitalism (New York: Monthly Review Press, 2002), p. 161-162.

[21] Karl Kautsky, The Agrarian Question, two volumes, translated by Pete Burgess, with an Introduction by Hamza Alavi and Teodor Shanin (London: Zwan Publications, 1988).

 

First published 1899 in German by Verlag J.H.W. Dietz Nachf, Stuttgart.

 

[22] المانشسترية أو المدرسة الاقتصادية لمانشستر قامت بشرح الآثار الاجتماعية والاقتصادية للتجارة الحرة ورأسمالية عدم التدخل، وتبنّت نظريات الليبرالية الاقتصادية التي دعا إليها الاقتصاديون الكلاسيكيون مثل آدم سميث وجعلتها أساسًا لسياسة الحكومة.  كما روجت لمعارضة الحرب والعسكرة ومكافحة الرق وحرية الصحافة وفصل الكنيسة عن الدولة.  راجع:

https://en.wikipedia.org/wiki/Manchester_Liberalism