إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

2020/07/29

Anastas Mari Al-Karmali writes about Lloyd's





أنستاس ماري الكرملي يكتب عن لويدز

مصباح كمال

مقدمة

نشرت أصلًا في موقع شبكة الاقتصاديين العراقيين:

وصلني مؤخرًا من أحد الأصدقاء رابط كتاب أنستاس ماري الكرملي، خلاصة تاريخ العراق منذ نشوئه إلى يومنا هذا (وندسور، إنجلترا: مؤسسة هنداوي، 2020، صدرت الطبعة الأولى سنة 1919)، عدد الصفحات 174.[1]  وهو كتاب ممتع وسهل القراءة، كتبه الكرملي (1866-1947) لتدريس مادة التاريخ في المدارس العراقية.  وما استهواني فيه، بحكم الاهتمام بموضوع التأمين، كتابته عن هيئة اللويدز ضمن فقرات برقم (10-2) تحت عنوان " سلطة البحر" (ص 143-147).  بعد هذه المقدمة سأقتبس كامل الفقرات الخاصة بلويدز (ص 146-147).

لا يرد في الكتاب ذكر المصدر الذي استقى منه المعلومات عن لويدز[2] لكنه يذكر في مقدمة الكتاب أنه استخلص مادته من "نحو ستين مُصَنَّفًا بين عربي وفرنسي وإنكليزي وتركي ولاتيني."[3]  وأيًا كان المصدر فإن ذكره للويدز يدلّ على سعة اطلاعه في وقت لم يشهد العراق وجود شركات تأمين أجنبية أو عراقية، ذلك لأن أول فرعين لشركتين بريطانيتين دخلتا إلى العراق هما: بروفينشيال إنشورنس كومباني Provincial Insurance Company و ﮔارديان أشورنس كومباني Guardian Assurance Company وكان ذلك سنة 1920.[4]  ربما كانت هناك، قبل هذا التاريخ، وكالات تأمين أو وكالات تجارية عامة تمارس أعمال التأمين بتفويض من شركات تأمين في المتروبولات الغربية.  وقد وردت إشارات لمثل هذه الوكالات، فيما بعد، في دليل العراق التجاري لسنة 1936.[5]  ربما كان للويدز وكيل في العراق، لكن هذا قول تحزّري بحاجة إلى تحري.  ونعرف، اعتمادًا على البيانات الحالية للويدز أن لها وكيل في بغداد ووكيل فرعي في البصرة.[6]  ويذكر الكرملي في حديثه "ولهذه الشركة البسيطة في أصل وضعها ونشوئها فروع وشُعب في جميع الديار." (ص147).  ومن الطريف أن الكرملي يذكر بأن "البصرة تكون عن قريب مدينة أكبر من بغداد، وسوف يزيد سكانها على سكان دار السلام، وسوف تكون تجارتها من أكبر ما يمكن أن تكون لهذه البلاد، وسوف يكثر فيها الغرباء والمحلات الأجنبية، حتى تكون من المدن التي تضاهي الحواضر الكبرى في ديار الإفرنج. (ص153)

لعل الكرملي هو أول كاتب عراقي عمل على تقديم نبذة عن لويدز للقراء في العراق، وهذا هو سبب اهتمامنا بعرض ما كتبه.  ونأمل من الباحثين الكشف عن كتابات أخرى لتأكيد سَبَقه من عدمه في مجال التأمين.

هو يصف لويدز بأنها شركة وهي لم تكن كذلك؛ هي كما يكتب جمال الحكيم "جماعة التأمين بالاكتتاب" إذ ينقل تعريف القانون المصري رقم 156 لسنة 1950 (قانون الإشراف والرقابة عل هيئات التأمين) لمثل هذه الجماعات:

في تطبيق هذا القانون، يقصد بجماعات التأمين بالاكتتاب كل جماعة تؤسس على النظام المعروف باسم "لويدز" الذي يقضي بأن كل عضو مشترك في جماعة يصبح مسئولا عن نصيب معلوم من مجموع مبلغ وثيقة التأمين سواء أكان هذا النصيب مهينا أو نسبيا.[7]

لويدز  Lloyd's of Londonليست شركة تأمين بل هيئة اعتبارية تحكمها قانون لويدز لعام 1871 و 1911 والقوانين اللاحقة، تعمل إلى حد ما كسوق تبادلي، كانت تتكون تاريخيًا من عدد من الممولين يعرفون بالأسماء Names، مجمعين في نقابات اكتتابية syndicates، تكتتب بالأخطار، كل منها بنسبة تمثل حصتها من قسط التأمين ومن الخسارة.  الأخطار يكتتب بها الأعضاء من الأسماء الأفراد (تقلص عددهم إلى حد كبير منذ تسعينيات القرن العشرين) ومن الشركات التي باتت الممول الرئيس لرأس المال.  وتعمل الهيئة كمنظم رقابي لعمل الأعضاء ومقدم خدمات للجميع.  ويضم سوق لويدز وسطاء التأمين وإعادة التأمين brokers الذين يجمعون بين المشتري، المؤمن له، مع البائع، المكتتب، للوصول إلى أفضل الحلول لتغطية الأخطار.  ويضم أيضًا وكلاء إدارة النقابات managing agents

يقول الكرملي أن لويدز نشأت في القرن الثامن عشر، وهو تاريخ ليس دقيق إذ أن المتفق عليه بين المؤرخين أنها تأسست سنة 1686 في مدينة لندن في المقهى الذي حمل اسم إدوارد لويدز.  جاء تأسيس لويدز بعد حريق لندن الكبير Great Fire of London سنة 1666

قدّم وصفًا دقيقًا لموقع لويدز في لندن والنشاط الذي يجري في بنايته إذ يذكر "كتاب الخسائر" الشهير Loss Book، وجريدة لويدز لست Lloyd’s List المستمرة في الصدور (ولكن بوسائل مختلفة في زماننا)، وآلات قياس الريح والجو وغيرها.

عرضه للويدز ومكانتها لا علاقة مباشرة له بتاريخ العراق، لكنه أراد من خلال هذا العرض الإشارة إلى تقدم الأمم البحرية.  وقد خصَّ لبريطانيا مكانًا متميزًا.  أن يفرد عدة فقرات للتعريف بلويدز دليل على شمولية المعرفة.  أعتقد بأن الكرملي ما كان سيفوته ذكر التأمين في العراق لو كان موجودًا في الوقت الذي كتب فيه خلاصة تاريخ العراق منذ نشوئه إلى يومنا هذا.

مقتطفات من الكتاب - الفقرة (10-2) لويدز

في بدء القرن الثامن عشر كان في لندن في الشارع المعروف باسم "لمبرد ستريت" بالقرب من البورصة نوع من القهوة، صاحبها رجل اسمه لويد وكانت هذه القهوة مجمع تُجار المدينة (أي السِّتِي) من أصحاب المراكب ومُستأجري السفن والسماسرة وضامني المراكب.  وفي سنة ١٧٢٧ اجتمع هؤلاء الرجال (رجال الأشغال) بصورة شركة، انتقل مقرها بعد ذلك بكثير إلى بناية البورصة، وهو هناك إلى اليوم، وسمَّوا شركتهم "لويد" وهو الاسم الذي اتخذته سائر الشركات البحرية غير الإنكليزية التي أنُشئت على طَرْز هذه الشركة، فترى اليوم يجتمع هناك أصحاب السفن والضامنين وأهالي رءوس الأموال، حيث يجدون جميع الإفادات اللازمة لسير الحركة التجارية والبحرية، مع ذكر البلايا والنكبات التي تحل برُكَّاب البحار.  يجدون هناك قوائم وإعلانات يُذكر فيها يوم إقلاع السفن ويوم وصولها إلى الموانئ من إنكليزية وغيرها، كما يُصَرَّح فيها أيضًا غرقها واصطدامها وجنوحها وعُطلها وضررها وإنقاذ مَن غرق من رُكابها وهلاك مَن لم يُنقذ، إلى غيرها من الفوائد التي يجب أن يقف عليها كل مَن يعنيه البحر وما يقع فيه. وهناك كتاب يسمونه «كتاب الخسائر» أو «الكتاب الأسود» فيستشيره أو يتصفحه كل من يُحب أن يقف على الحقائق، وأخباره هي آخر الأخبار الواردة إلى لندن؛ لأنها تجيء ليلًا على لسان البرق اللاسلكي، (وسابقًا على لسان البرق السلكي البحري)، فتُلتَقَط وتُدَوَّن حالًا، وما يكاد ينشق إهاب الفجر عن جبينه إلا وقد طُبعت تلك الأنباء البرقية "قائمة لويدز" (لويدس لست)، وهي بمثابة جريدة بحرية من أقدم جرائد هذا النوع؛ لأن عهدها يرتقي إلى سنة ١٧٤٥ في أقل ما يُظن.

وفي ذلك المحل الكبير تجد آلات تتحرك من نفسها، كمقياس الجو، ومقياس الأرياح وغيرهما، فترسم على الحيطان بقلم من رصاص تقلُّبات الجو وسير العواصف؛ فبهذه الإفادات المختلفة التي تُؤخذ يوميٍّا، وبالإفادات التي تأتي من كل موقع وموضع من أنحاء العالم « تبعث وقائع البحر ظلها على تلك الحيطان فترتسم » بموجب تعبير الإنكليز، وحينئذٍ لا يقف رجال الأشغال على المعاملات البحرية والتجارية فقط، بل يقفون — وهذا أهم من ذلك — على ما يحلُّ من تلك الغمرات من الويلات ليتخذوا وسائل يمنعون بها وقوعها، ويدفعون عن ركاب البحر المصائب التي تتهددهم وتتهدد مراكبهم وبضائعهم وأموالهم.

ولهذه الشركة البسيطة في أصل وضعها ونشوئها فروع وشُعب في جميع الديار التجارية، وقد انضمت إليها شركات أخرى قوية.  والخِدَم التي خدمت بها التجارة والمنافع البريطانية التي أدَّتها هي فوق كل تصوير، يكفيك أن تعلم أنها تخسر أسبوعيٍّا نحو ستين سفينة؛ أي نحو ٣٠٠٠ سفينة في السنة من باب الحساب المُعَدَّل.

رأيت قوة بريطانية العظمى التجارية، أمَّا قوتها البحرية فهي فوق هذه.  وكيف لا تكون فوقها وحياتها متوقفة عليها؟  إلا أن دولة ألمانية لما رأت أن لا مندوحة لها عن النجاح إذا لم تُرَقِّ حالة أسطولها، أخذت تفرغ وسعها لتُجاريها أو لتغلبها، حتى خيف على إنكلترة من الوقوف في تقدُّمها، ولا سيما لأن رجالها البحريين دون رجال الألمان عددًا.  غير أن شبوب الحرب بين القومين جاء فاصلًا لهذا النزاع؛ ولهذا يُنتظر أن ترجع ألمانية القهقرى وتسير بريطانية في وجهها بدون أن يُثَبِّط عزمها مُثَبِّط.

هذه هي نتيجة القوة البحرية.  إنها ترفع الدولة إلى حيث لا تنال، وتحميها من هجوم الأعادي، وتُذلل أمامها العقبات، وترفع مقامها بين الدول.  وإذا ضعفت فيها هذه القوة سطا عليها كل قوي وعركها عرك الرحى بثفالها، وربما لاشاها وأزالها من عالم الوجود، وأصبحت أثرًا بعد عَين.


27 تموز 2020


[1] يمكن تحميل الكتاب باستخدام هذا الرابط: https://www.hindawi.org/books/46069628.pdf
[2] يقول في مقدمة الكتاب، ص 7، " ولولا أن هذا التأليف موضوع للمدارس لذكرتُ أسماء المناهل التي وردتُها بلوغًا لهذه الأمنية."
[3] ربما يكون قد قرأ كتاب
Frederick Martin, History of Lloyd’s and of Marine Insurance in Great Britain (London: Macmillan and Co., 1876)واستقى معلوماته منها أو من غيرها من المصادر.
[4] اعتمادًا على معلومات منقولة من مطبوعة لشركة سويس ري:
Abdul Zahra Abdullah Ali, Insurance Development in the Arab World (London: Graham and Trotman, 1985), p 2.
[5] مصباح كمال، "وكالات التأمين في العراق عام 1936: محاولة في التوثيق،" مجلة التأمين العراقي الإلكترونية:
[6] الموقع الرسمي للويدز http://agency.lloyds.com/map/#iraq,0
ويرجع البعض بدايات ظهور وكيل لويدز إلى أوائل أربعينيات القرن الثامن عشر: Martin, op cit, p 115.
ويعتبر وكلاء لويدز مصدرًا مهمًا لجمع المعلومات الخاصة بحركة السفن والملاحة والخسائر، وتوفير الخدمات محليًا في مجال الفحص وتسوية المطالبات نيابة عن المكتبين في لندن.
[7] جمال الحكيم، التأمين البحري (القاهرة: مطبعة القاهرة الجديدة، الطبعة الثانية 1979.  صدرت الطبعة الأولى سنة 1955)، ص 18.

2020/07/25

Intellectual Honesty in Journalism and Academic Presentation of Insurance Ideas



مصباح كمال

نشر أصلاً في موقع شبكة الاقتصاديين العراقيين



أرسل لي د. بارق شبّر هذا اليوم، 21 تموز 2020، رسالة قصيرة جاء فيها أن مواقع التواصل الاجتماعي تناولت "خبر انعقاد ندوة عن التأمين في بغداد"، وارفق معها بعض النماذج التي وجدها، وسأل إن كان لدي علم بهذا النشاط وتعليقي عليه.  النماذج تضم نسخة إلكترونية من جريدة الزمان ليوم 18 تموز 2020 وتضم مادة في الصفحة 5 بعنوان مطبوع بحروف صغيرة "ندوة علمية تناقش واقع شركات التأمين في العراق 2-2، وعنوان بحروف كبيرة "ضعف وعي الجمهور يعوق نشاط التأمين إلى جانب قلة الاهتمام الإداري."[1]  ونسخة إلكترونية من الصباح الاقتصادي ليوم 16 تموز 2020 بعنوان "قطاع التأمين على طاولة الخبراء."[2]

أشكر الدكتور بارق على مبادرته خاصة وأنني لم أكن أعلم بانعقاد هذه الندوة عبر منصة الاقتصاد أولاً، ولم يتبرع أي من العاملين في قطاع التأمين العراقي بإعلامي بها رغم تواصلي مع البعض منهم ورفدي لسوق التأمين العراقي بعشرات المقالات وبعض الكتب وتوزيعها على أكثر من مائة عنوان داخل العراق منذ سنوات عديدة.  في حين أن منظمي مؤتمر التأمين العراقي (انعقد في بغداد يوم السبت 3 آذار 2018 بدعوة من مركز الإبداع لتنمية الشباب والمجتمع) أعلموني به ودعوني للمشاركة.[3]  لست متعجبًا من هذا الوضع لكنه يثير عندي أسفًا لغياب مجتمع تأميني عراقي فاعل يحترم كل المساهمين فيه من كتاب ومواقع نشر وغيرها، ولعلي لا أكون مبالغًا بالقول إن جمهرة كبيرة من العاملين في قطاع التأمين العراقي لم يعرفوا، مثلي، بانعقاد هذه الندوة.  ترى من كان جمهور هذه الندوة؟

لا شك أن الندوات والمؤتمرات التأمينية هي واحدة من الوسائل التي تساهم في تعزيز ثقافة جمعية تركّز على مؤسسة التأمين العراقية وتوفر منابر مفتوحة لمراجعة ما هو قائم ولمناقشة قضايا أساسية وتقديم مقترحات للتطوير.

فيما يلي سأقدم بعض الملاحظات السريعة على التغطية الصحفية لهذه الندوة، وعلى الأفكار المنتحلة ومصادرها غير المعلنة وتجاوز الأمانة الفكرية وأتوقف قليلاً عند بعض النقاط.

ملاحظة
لمن يرغب بالاطلاع على موقفي تجاه قطاع التأمين العراقي وتطويره مراجعة مقالي الموسوم "قطاع التأمين العراقي: قضايا ومقترحات للتطوير" المنشور في موقع شبكة الاقتصاديين العراقيين:


تغطية الندوة في جريدة الزمان

التغطية الصحفية للندوة في جريدة الزمان هزيلة شكلاً ومضمونًا، فليس هناك تقسيم للمادة إلى فقرات تسهل القراءة.  ويبدو لي أنها لم تخضع للتحرير أو المراجعة اللغوية، والنص عمومًا غير متماسك بدءًا من العبارة الأولى التي تقول:

وكانت هناك مداخلة للدكتور مصطفى كامل مفادها تعد محاضرة رائعة عن شركات التأمين العراقية وكما هو معروف ان مؤسسات التامين العراقية عليها قطع شوط كبير ...

لم يعلمنا المُحرر ما هو المفاد من مداخلة الدكتور مصطفى كامل، وأين تكمن روعة المداخلة.

ويجتمع عدم التماسك في التعبير مع نقص الفهم لعملية شراء التأمين وأدوار اللاعبين فيها في العبارة التالية:

اعتقد بضرورة ان نعمل كشركات تامين على نشر الوعي التأميني من خلال ترويج الوثائق المحلية (الوطنية) المتعددة لما توفره من تغطيات متنوعة وعدم تعرض مصالح الشركات المحلية الى مخاطر تحتال من خلالها الشركات الأجنبية النفطية وغيرها لتسرب الأقساط للشركات المعيدة لقاء عمولات المستفيد منها المنتج بالدرجة الأولى والمتبقي منها يخضع الى ضرائب ورسوم محلية ومصاريف إدارية.

إن عدم الوضوح في هذه العبارة يرقى إلى مستوى التهويش.  فمن هو "المنتج" المستفيد بالدرجة الأولى من العمولات؟  وكيف يخضع المتبقي من هذه العمولات إلى "ضرائب ورسوم محلية ومصاريف إدارية؟"

ليس هذا بالمكان المناسب لمناقشة مضمون هذه التغطية الصحفية برمته خاصة وأنني قد عالجت مفرداته المختلفة في العديد من مقالاتي المنشورة في موقع شبكة الاقتصاديين العراقيين وكذلك مدونة مجلة التأمين العراقي.  وكذلك كي لا أظلم من ساهم في الندوة إذ أن أفكارهم ربما لم تُنقل بدقة علمية في التغطية الصحفية.

لاحظت أن بعض الأفكار المعروضة في هذه التغطية سبق وأن كتبتُ عنها مثلما كتب عنها غيري دون الإشارة إلى مصادرها من قبل المساهمين في الندوة، ولكني لم أستطع اقتفاء مكانها جميعًا.  إحدى الأفكار الخاصة وردت تحت العنوان الثانوي "وثائق التأمين" جاء فيها

إن وثيقة التأمين من الحريق المعتمدة في شركات التأمين العراقية، وأيضا في أكثر الدول العربية، أصلها وثيقة صممت خلال ثلاثينيات القرن الماضي من قبل شركات التأمين البريطانية لاعتمادها خصيصا في الدول المستعمرة من قبل بريطانية العظمى تحتاج أن تكون متطابقة مع نصوص القوانين العراقية.

وقد كتب عنها الزميل منعم الخفاجي[4] (وهو خبير تأميني عريق لم يُذكر اسمه بين خبراء التأمين في هذه التغطية وله مقالات منشورة في موقع شبكة الاقتصاديين العراقيين، مثلما لم يذكر اسم الأستاذ عبد الباقي رضا.  كلاهما يقيمان في بغداد)؛ وقد ذكرتُ موضوع تحديث وثائق التأمين في مكان آخر وأشار إليه الزميل منعم في مقاله من باب الأمانة.

من غرائب هذه التغطية الصحفية أن القسم الثاني منها يكرر العديد من فقرات القسم الأول (المنشور في جريدة الزمان، العدد 6711، الخميس 16 تموز 2020).[5]

في عرض واقع شركات التأمين العراقية المبتور هناك معلومات يبدو لي من قراءتها أنها مقتبسة من منشورات دعائية وترويجية، وهذا ما ينطبق على الشركات العامة الثلاث: شركة التأمين الوطنية، شركة التأمين العراقية، شركة إعادة التأمين العراقية، وحتى أن مُقدّم هذه المعلومات لم يُتعب نفسه للتخلص من بعض الكلمات التي تفيد بأنها صادرة من الشركات؛ كالقول بالنسبة لشركة التأمين الوطنية:

تقوم الشركة بإعادة النظر في الاتفاقيات سنوياً (اتفاقيات إعادة التأمين) وتحديد وسائل تحسينها وكافة الأمور الفنية والمتعلقة ومتابعة كافة المستجدات التي تخص شروط ونصوص الاتفاقيات النافذة والطلب بتزويدنا بكافة الأساليب المتعلقة بطرق التأمين وإعادة التامين المستخدمة في أسواق إعادة التامين الدولية وشركات إعادة AON-RFIB-UIB)) التأمين الدولية وخصوصاً المعيد القائد ميونخ ري والوسطاء (IRC) فضلا عن العلاقة المستمرة مع مستشاري الشركة في لندن عربيا ودوليا ...

كلمة "بتزويدنا" تؤكد صحة تأكيدنا على أن هذه المعلومات جاءت من مصدر لم يكشف عنها المحاور.  وعدا ذلك وعدا ركاكة التعبير فإن هذه الفقرة تكشف عن سوء فهم، أو عدم فهم، لهوية الشركات المذكورة والعلاقات بينها وبين شركة التأمين الوطنية.

§    الشركات AON-RFIB-UIB ليست شركات لإعادة التأمين بل هي شركات لوساطة إعادة التأمين، معتمدة من قبل الشركات العامة الثلاث؛
§    منذ عدة سنوات لم تعُد ميونخ ري معيد التأمين القائد لاتفاقيات إعادة التأمين التي تديرها شركة إعادة التأمين العراقية لصالح شركة التأمين الوطنية وشركة التأمين العراقية وما يقرب من عشرين شركة تأمين خاصة؛
§    IRC ليست شركة وساطة للتأمين وإعادة التأمين بل هي شركة مسجلة في بريطانيا ومعتمدة منذ سنة 2005 من قبل الشركات العامة الثلاث لتوفير استشارة لها والتنسيق حسب الحاجة مع وسطاء إعادة التأمين الثلاثة ومع معيد التأمين القائد.

لم أفهم ما هو المقصود "مع مستشاري الشركة في لندن عربيا ودوليا."

يلي ذلك تبجيل إنشائي لسؤال أثاره "الدكتور باسم عبد الهادي الإبراهيمي المشرف العام على منصة الاقتصاد أولا [وهو] تساؤل عميق الأثر الذي ينم عن دراية وقراءة مستفيضة واقعية للاقتصاد العراقي ...: ما هي اثار وانعكاسات تطوير وتنمية القطاع التأميني على الواقع الاقتصادي والمالي في العراق؟"  وكانت الإجابة من "الباحث المحمداوي بالتأكيد وبشكل قطعي له انعكاسات واثار مباشرة على دعم الاقتصاد العراقي ..." متبوعًا بلغة إنشائية مماثلة، وبعدها مقتبسًا، دون الإشارة إلى المصدر، مما كتبته تحت عنوان "المادة 81 من قانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005 (الأمر رقم 10): المدخل لتغيير القانون"[6]

بعد ذلك يرد في التغطية الصحفية النص التالي بين قوسين: (وكان هناك مداخلة قيمة للأستاذ الدكتور ميثم لعيبي شكرا للأستاذ عقيل جبر على طرح موضوع على درجة عالية من الأهمية كانت الأسئلة والردود مفيدة ووافية أيضا)، متبوعًا باقتباس من مقالي الذي أشرت إليه دون ذكر المصدر.  سأقتبس نص الفقرات التي اُنتحلت أدناه تحت عنوان "تغطية الندوة في الصباح الاقتصادي."

هناك إشارة قصيرة وناقصة في الجزء الأول من التغطية الصحفية لجائحة كورونا لكنها مشوشة.[7]

تغطية الندوة في الصباح الاقتصادي

جاء تغطية الندوة بعنوان "قطاع التأمين على طاولة الخبراء" بقلم السيد حسين ثغب.  التغطية محررة بشكل مريح للعين والنص متماسك.  وأنا أقرأ هذه المادة بدا لي كأنني قرأت بعضًا منها سابقًا خاصة لأن لغة بعض المقاطع لا تختلف عن اللغة التي استعملها في صياغة أفكاري.  لا أدري إن كانت هذه المادة من عنديات المحرر أو من الخبراء الذين ذكرهم.  وأيًا كان فإنها تثير مسألة النزاهة الفكرية.

إن ما ورد تحت العناوين الفرعية: إعادة هيكلة، المنح والقروض، سوق وطنية، مقتطعة ودون تغيير، من مقال نشرته سنة 2012 ولكن دون الإشارة إليه من قبل المحرر حسين ثغب أو الدكاترة المذكورين في التغطية.  فيما يلي سأقتبس فقرات من مقالي[8] ذات علاقة بالأفكار المعروضة، المنتحلة، في تغطية الصباح الاقتصادي.

بعض الآثار الاقتصادية
النتائج الاقتصادية لتجاهل دور شركات التأمين العراقية واضحة فأقساط التأمين المنفقة على شراء الحماية التأمينية للأصول الموجودة داخل العراق تُحوّل إلى الخارج إما جهلاً أو قصداً بدلاً من إنفاقها داخل العراق.  وهو ما يُحرِمُ هذه الشركات من فرصة النمو والنهوض للتعامل مع متطلبات تأمين المشاريع في مختلف مراحلها وما يفرضه عليها تطور الاقتصاد من تحديات فنية ومالية.  وللأسف فإن هذا الوضع يعكس حالة عامة تتمثل بإعادة تصدير المنافع الاقتصادية خارج العراق بدلاً من الاستفادة منها في تعزيز التراكم الاقتصادي الوطني.  ويكفي هنا أن نتذكر مصير الأرصدة في صندوق تنمية العراق والمنح والقروض والمعونات العينية التي أقرها مؤتمر المانحين في مدريد في تشرين الأول 2003 فقد أُنفقت نسبة كبيرة منها خارج العراق بالتعكز على سوء الأوضاع الأمنية.  أي أنها لم تصب مباشرة في حركة الاقتصاد العراقي إضافة إلى التبذير والسرقة التي تعرضت لها.

الأموال العراقية العامة، المنقولة وغير المنقولة، تخضع لأشكال متعددة من التسرب وسوء الاستعمال والسرقة وكلها تؤثر على حركة الاقتصاد العراقي وعلى قطاع التأمين.  على سبيل المثال، فإن الإنفاق على شراء الحماية التأمينية من الخارج، دون المرور بشركات التأمين العراقية، هو أحد أشكال تسريب الأموال وهو في ذات الوقت خسارة للدخل بالنسبة لهذه الشركات مثلما هو خسارة لمصدر ضريبي (ضريبة الدخل على شركات التأمين).

ما يعنينا من هذا كله هو الدور المحتمل لصناعة التأمين في العراق في المساهمة في التنمية الاقتصادية.   فالقانون، كما هو عليه، وطريقة إجراء التأمين خارج العراق يحرم قطاع التأمين من المساهمة الفعلية في التنمية في المستقبل المنظور عندما تتضح معالم هذا القانون في التطبيق ومجافاة بعض أحكامه، كالمادة 81، لمشروع تأسيس سوق وطني عراقي مشترك للتأمين.

مزاولة نشاط التأمين
اعتقد بأن إعادة النظر يجب أن تتجاوز مجرد رصد الأخطاء والثغرات بل تمتد لتشمل الرؤية التي يقوم عليها هذا القانون.  وكما بينت في دراسة سابقة فإن أحكام هذا القانون تنطوي على تناقض مستتر يتيح فرصة عدم الالتزام به.  فالمادتين 13 و 14 تنصان على ما يلي:

المادة-13- لا يجوز مزاولة أعمال التأمين في العراق إلا من [قبل]:

أولا- الشركات العراقية العامة.
ثانيا- الشركات العراقية المساهمة الخاصة أو المختلطة.
ثالثا- فروع شركات التأمين الأجنبية المسجلة في العراق.
رابعا- كيانات تأمين التكافل أو إعادة التكافل.
خامسا- مؤمن أو معيد تأمين آخر يعتبره رئيس الديوان مؤهلا وذو [وذا] قدرة مالية شرط التزامه بأحكام هذا القانون.

المادة-14- أولا- لا يجوز لأي من المنصوص عليهم في المادة (13) من هذا القانون أن يمارس أعمال التأمين إلا بعد حصوله على إجازة بذلك وفقا لأحكام هذا القانون.

لكن الملاحظ، وبشهادة شركات التأمين العراقية ومستشاريها القانونيين، أن شركات التأمين وإعادة التأمين غير العراقية وغير المسجلة لدى وزارة التجارة وغير المجازة من قبل الديوان تقوم بالاكتتاب بالأعمال العراقية في أوطانها وبذلك تحرم شركات التأمين العراقية، المسجلة والمجازة من قبل ديوان التأمين العراقي وتدفع الضرائب والرسوم عن نشاطها، من حقها القانوني في الاكتتاب بأعمال التأمين على الأصول العراقية بما فيها الأشخاص.  وقد نشأ هذا الوضع، الذي خسرت شركات التأمين العراقية بسببه ملايين الدولارات من الأقساط مثلما خسرت الخزينة إيرادات رسم الطابع على وثائق التأمين الصادرة وكذلك إيرادات الضريبة على دخل شركات الـتأمين، لأن قانون تنظيم أعمال التأمين لا يضم مواد إضافية لضبط الاكتتاب وضمان الالتزام بهاتين المادتين.  فالمادة 13 تظلُّ غير فعّالة ما لم يحدد القانون، بوضوح، التزام طالبي التأمين، من العراقيين والأجانب، بإجراء التأمين على أصولهم ومسؤولياتهم القانونية لدى شركات تأمين مجازة بموجب قانون التأمين.  ولكن خلافاً لذلك فإن القانون يؤكد على حرية شراء منتجات التأمين وخدماته من أي شركة للتأمين أو إعادة التأمين، بما فيها ضمناً الشركات الأجنبية، كما جاء في المادة 81 من قانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005.

الأمانة الفكرية واحترام المصادر

تُرى هل هناك ما يخسره الخبير أو الأكاديمي أو المحرر الصحفي بالكشف عن مصادر أفكاره؟  أو ليس تقتضي قواعد البحث العلمي ذكر المصادر؟  ولكن يبدو أن هؤلاء يريدون إيهام القارئ بأنهم ابتدعوا الأفكار في مجال التأمين والتأمين العراقي بالذات.  إن ما يدعو إلى الغيظ هو توفر مصدر مهم في الوقت الحاضر للنشر التأميني الأكاديمي والمهني، وأعني به شبكة الاقتصاديين العراقيين التي يضم موقعها الإلكتروني 180 مقال وبحث وكتاب (165 منها تعود لي) في موضوع التأمين.  إنها، في تقديري الشخصي، تلعب دورًا رياديًا في نشر الثقافة التأمينية.  قد يبدو هذا التقييم قائمًا على مصلحة شخصية، لكني أدعو القراء إلى مقارنة نوعية ما ينشر في موقع الشبكة حول التأمين مع غيرها من المواقع والمنابر للحكم على مدى صحة تقديري.

ترى هل أن هذا المصدر غير معروف للخبراء والأكاديميين المذكورين في التغطية الصحفية؟  أستبعد ذلك لأن بعضهم ينشر في موقع الشبكة ويعلق على ما ينشر فيه.  هل أن إهمال الشبكة والمادة التأمينية المنشورة في موقعها مُتعمد؟  إن من يدّعي الخبرة والمعرفة بالتأمين ثم ينتحل أفكار الغير وينسبها لنفسه مطالب أن يشرح موقعه للقارئ.  إن عدم الإحاطة بالمصادر دليل على قصور علمي واستخفاف بذكاء القراء.

المعرفة تقوم على التراكم، لا شيء ينشأ من فراغ، والاعتراف بمساهمات الغير لا ينتقص من قيمة الخبير والأكاديمي والصحفي بل يعزز موضوعة النزاهة الفكرية.  أتمنى على من يمسه مضمون هذا المقال التعليق عليه وبذلك نخلق فرصة للآخرين للمناقشة.

قد أبدو قاسياً في الحكم على بؤس ما تنشره الصحافة العراقية حول التأمين خاصة وأن ما يصلني منها قليل وهذا ليس كافياً للتقييم العلمي، لكنني أترك الأمر لحنكة القراء بعد الاطلاع على كتابات سابقة لي عنها[9] وبعد مقارنة النصوص الصحفية مع نصوصي المنشورة في موقع شبكة الاقتصاديين العراقيين ومدونة مجلة التأمين العراقي.

22 تموز 2020




[2] النص الإلكتروني للصباح الاقتصادي في نهاية هذا المقال.

[3] مصباح كمال، "هوامش نقدية على مؤتمر التأمين العراقي وتوصياته،" نشرت لأول مرة في موقع شبكة الاقتصاديين العراقيين:
أنظر أيضًا: مصباح كمال، "محافظ البنك المركزي العراقي وقطاع التأمين،" نشر هذا المقال في موقع شبكة الاقتصاديين العراقيين
وكذلك، مصباح كمال، "مستشار وزارة المالية والتأمين،" نشر هذا المقال أصلاً في موقع شبكة الاقتصاديين العراقيين:

تعمدت التوسع في الإحالة لكي يتعرف القراء على مدى انشغالنا بالشأن التأميني في العراق، ودور شبكة الاقتصاديين العراقيين كمصدر رائد في الوقت الحاضر لنشر الثقافة التأمينية، وهو ما سأعلق عليه في ختام هذا المقال.
[4] منعم الخفاجي، "حول إعادة صياغة نصوص بعض وثائق التأمين،" موقع شبكة الاقتصاديين العراقيين:

[6] قانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005: تقييم ودراسات نقدية (بغداد: منشورات شركة التأمين الوطنية، 2014)، ص 171-182.  الكتاب متوفر في مكتبة شبكة الاقتصاديين العراقيين:

[7] للتعريف الأولي بتعامل قطاع التأمين مع جائحة كورونا راجع: مصباح كمال، "ملاحظات سريعة على "فيروس كورونا والتأمين" واستجابة قطاع التأمين العراقي،" موقع شبكة الاقتصاديين العراقيين:

[8] مصباح كمال، "المادة 81 من قانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005 (الأمر رقم 10): المدخل لتغيير القانون،" الثقافة الجديدة، عدد مزدوج 353-354، كانون الأول 2012، http://www.iraqicp.com/2010-11-21-17-19-16/28074-----353-354-----.html

ويشكل المقال فصلاً من كتابي قانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005: تقييم ودراسات نقدية (بغداد: منشورات شركة التأمين الوطنية، 2014)، ص 171-182.  والكتاب متوفر في مكتبة شبكة الاقتصاديين العراقيين، وهذا هو الرابط:
[9] على سبيل المثل: مصباح كمال، "جريدة العراق اليوم وشركة الحمراء للتأمين: مثال آخر على الكتابة الصحفية عن التأمين،" مجلة التأمين العراقي:

مصباح كمال، "التأمين في الصحافة العراقية وتضليل الفرد العادي: حالة التأمين الإلزامي من حوادث السيارات،" مجلة التأمين العراقي