إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

2020/08/10

Actuarial Tables: Egypt Leading While Iraq is Stagnating

 

الجداول الاكتوارية

ريادة سوق التأمين المصري وركود سوق التأمين العراقي

 

 

مصباح كمال

 

 

نشر هذا المقال أصلًا في موقع شبكة الاقتصاديين العراقيين:

http://iraqieconomists.net/ar/2020/08/09/%d9%85%d8%b5%d8%a8%d8%a7%d8%ad-%d9%83%d9%85%d8%a7%d9%84-%d8%a7%d9%84%d8%ac%d8%af%d8%a7%d9%88%d9%84-%d8%a7%d9%84%d8%a7%d9%83%d8%aa%d9%88%d8%a7%d8%b1%d9%8a%d8%a9-%d8%aa%d8%b9%d9%84%d9%8a%d9%82-%d8%b9/

 

 

(1)

قرأت في نشرة إلكترونية[1] أن هيئة الرقابة المالية المصرية قد اتخذت الخطوات التنفيذية لإنشاء أول جدول اكتواري[2] في مصر يخدم صناعة تأمينات الحياة، وأن هذه الخطوة تأتي بعد تعاقد الهيئة مع واحدة من المكاتب الاستشارية الدولية المتخصصة في الخبرة الاكتوارية [Barnett Waddingham].

 

وجاء في النشرة أن شركات التأمين على الحياة في مصر كانت تعتمد على الجداول الاكتوارية البريطانية التي تعود إلى منتصف القرن العشرين في تسعير منتجات التأمين.

 

ونعلم من التغطية الصحفية المصرية أن دراسة الموضوع لوضع جداول محلية قد بدأ في هيئة الرقابة المالية عام 2019 مع تشكيل لجنة متخصصة تضم في عضويتها "خبراء اكتواريين من كبرى شركات تأمينات الحياة والتي تمثل 80% من السوق في مصر، بجانب عدد من الاكتواريين بالهيئة في تشكيل الأمانة الفنية للجنة أٌسند إليهم جمع وفحص وتدقيق البيانات وتحديث الجداول في المستقبل."  وكانت الهيئة قد أبرمت بروتوكول تعاون مع الشركة الإفريقية لإعادة التأمين تضمن قيام صندوق المسؤولية الاجتماعية التابع للشركة بتقديم الدعم المادي والفني للهيئة لإعداد أول جدول اكتواري مصري لتأمينات الحياة لتطوير صناعة التأمين في السوق المصرية وأسواق القارة الإفريقية.

 

وبهذا تعتبر سوق التأمين المصري سباقة في إنشاء جداول الحياة في العالم العربي.

 

إن هذا التطور يؤشر على استمرار تعميق المدخلات الوطنية في مؤسسة التأمين رغم أنه يأتي بشراء الخبرة من مكتب استشاري متخصص في بريطانيا.  ونشهد تطورات، ليس بالضرورة في مجال تأمينات الحياة، في بلدان عربية أخرى في مجال تعزيز العناصر المحلية في صناعة التأمين في مختلف جوانبها.  ولا نستبعد وضع جداول حياة محلية في هذه البلدان مع تطور تأمينات الحياة.

 

وقد جاء في التغطية الصحفية المصرية أن إنشاء جداول لمعدلات الوفاة والعجز الكلي والجزئي والأمراض الحرجة، والجداول المرضية لاستحداث منتجات تأمينية لحماية الدخل في حالة المرض لأهميتها، خاصة للعمالة الموسمية التي قد تتعرض لنقص أو انقطاع الدخل أثناء فترات المرض، حيث أن تلك المنتجات لا تتوفر حاليا في معظم الشركات.[3]

 

(2)

ولنا في الخطوات المتخذة في دولة الإمارات العربية في السنوات القليلة الماضية مثال جيد على تحقيق درجة عالية من الاعتماد على العناصر المحلية وخاصة في مجال توطين العمالة ليكون إماراتيًا.  وفي المملكة العربية السعودية تقوم مؤسسة النقد العربي السعودي (ساما) باستبدال لائحة العمل الاكتواري لشركات التأمين وإعادة التأمين العاملة في المملكة" بنظام جديد لمواكبة التغير السريع في عمل شركات التأمين، والتحول نحو أنظمة إدارة المخاطر وتنظيمها على أسس رقمية والتركيز على حماية المستهلك، كما أوردته نشرة تأمينية مختصة بالشرق الأوسط في آذار 2020.[4]  ويهدف هذا التحديث التنظيمي إلى تشجيع نمو مهنة اكتوارية مزدهرة وعالية الأداء لمساهمتها الفعالة في صناعة تأمين قوية ومزدهرة في المملكة.

 

ونقلت النشرة عن ساما أن الخبراء الاكتواريين يلعبون دورًا مهمًا في التشغيل السليم لشركات التأمين وإعادة التأمين، وتصميم المنتجات والتسعير وإعداد التقارير المالية وإدارة المخاطر والضوابط الداخلية.  ومن المتوقع أن يؤدي هذا التطور إلى ظهور اكتواريين سعوديين.

 

(3)

إن وجود الاكتواريين في شركات التأمين العربية سيرفع مستوى العمل والأداء ذلك لأن الاكتواري يقوم بجملة من الوظائف على المستوى الفني ويوفر قاعدة للآخرين لاتخاذ القرارات.  وتضم هذه الوظائف:[5]

 

1. تحديد التسعير الأساسي للتأمين على الحياة وفروع التأمين الأخرى: حساب احتمالية وقوع الأحداث، وحساب نسبة التحميل على قسط التأمين والأسعار جنبًا إلى جنب مع حساب الربحية الفنية المتوقعة للمُنتج التأميني.

2. تقدير ربحية عقود التأمين باستخدام النماذج الرياضية والمفاهيم الإحصائية والبرمجيات المتخصصة.

3. تحليل البيانات الإحصائية لتحديد الاتجاهات في مجالات ذات علاقة بالتأمين (كمعدل الولادات والوفيات)، وتطوير منتجات جديدة.

4. تقديم المشورة للمكتتبين في تعاملهم مع العملاء، سواء من حيث تطبيق التعريفات أو الشروط الفنية.

5. حساب المسؤولية التراكمية للكوارث الطبيعية وتلك الناشئة من الفعل البشري.  تستهدف حسابات التراكم هذه أيضًا منتجات تأمينية محددة، لا سيما في مجال التأمين على الحياة.

6. تحديد القدرات الاستيعابية للأخطار التي يمكن للمكتتبين في الشركة استعمالها في تغطية الأخطار.

7. توفير الخبرة المتوفرة لديهم في مراقبة وحساب الاحتياطيات الفنية، وحساب هوامش الملاءة المالية، والامتثال للقواعد الرقابية.

 

(4)

الفكر الاكتواري في مجال التأمين له تاريخ طويل في أوروبا، وقد قدّم لنا د. شريف محسن مؤخرًا دراسة ممتعة بعنوان "أقدم إنذار اكتواري في تاريخ التأمين" عرض فيها أفكار عالم الرياضيات الفرنسي أبراهام دي مُويْفَر Abraham de Moivre (1667–1754) ومساهمته في تطوير الأسس الرياضية التي تُجنّب شركات التأمين من الانهيار ونظرية الاحتمالات والعلوم الاكتوارية عمومًا.[6]

 

ليس لنا في العالم العربي ما يماثل ثراء الفكر الاكتواري وتطبيقاته في الغرب، وهو غائب بالمرة في العراق.  وليس هذا فحسب إذ أن العراق فاتته فرصة تكوين كادر اكتواري يمكن أن يعمل في قطاع التأمين وفي مؤسسات أخرى كالضمان الاجتماعي وهيئة التقاعد.

 

كان لي بعض الاهتمام بموضوع الدراسة التأمينية الأكاديمية المتخصصة للتأمين في العراق، ومنها رياضيات التأمين، وقد نشرت مقالة صغيره حوله قبل سنوات.[7]  لا أدري إن حصل تقدم بهذا الشأن.  وأظن بأن الموضوع ما يزال عالقًا يبحث من يهتم به ويعمل على الترويج له في ديوان التأمين وشركات التأمين ومؤسسات التأمين الأخرى.

 

بعض أسواق التأمين العربية تضم اكتواريين أو تستفيد من الخدمات الفنية للخبراء الاكتواريين (لبنان، على سبيل المثل).

 

وتشترك هذه الأسواق مع العراق بعدم امتلاكها لجداول الحياة المصنفة محليًا فشركات التأمين على الحياة تعتمد على جداول أجنبية، مثلما كان الحال في مصر، وهو في طريقه إلى التغيير قريبًا.  ومنذ خمسينيات القرن الماضي يعتمد العراق على جداول الحياة الإنجليزية التي قدمتها الشركة السويسرية لإعادة التأمين لشركة التأمين العراقية (تأسست سنة 1959) كمساعدة فنية إضافة إلى فرص التدريب في تأمينات الحياة.[8]

 

ليس معروفًا إن كان هناك محاولات على استبدال هذه الجداول أو تعديلها لتعكس الواقع الديمغرافي والصحي للعراق.  وأيًا كان الحال، أتمنى على الباحثين الشباب البحث في تاريخ جداول الحياة منذ أواخر خمسينيات القرن الماضي وعلاقتها بتسعير منتجات التأمين على الحياة، ودورها في حساب الاحتياطيات الحسابية وغيرها.

 

7 آب 2020



[2] تتخذ هذه الجداول تسميات مختلفة: جداول الوفيات mortality tables، جداول الحياة life tables، جداول اكتوارية actuarial tables، جداول الإعلال morbidity tables لكنها في جوهرها تضم بيانات بعدد الوفيات لفئة عمرية معينة خلال فترة زمنية محددة، وهي بذلك تعكس معدل عمر الإنسان لفئات عمرية مختلفة خلال هذه الفترة.  ونقرأ في معجم تأميني التعريف التالي لجداول الوفيات mortality tables: "يشير هذا المصطلح إلى جداول اكتوارية تبين معدل الوفيات للفئات العمرية المختلفة من بين كل مائة ألف حال.  ويعتمد الخبير الاكتواري هذه الجداول في احتساب قسط التأمين على الحياة لكل من الفئات العمرية المختلفة." بهاء بهيج شكري، المعجم الوسيط في مصطلحات وشروط التأمين (عمّان: دار الثقافة، 2016)، الجزء الثاني، ص 182.

[5] هذه المعلومات حول وظائف الاكتواري مستلّة من مجلة Atlas Magazine ومترجمة بتصرف: https://atlas-mag.net/en/article/the-actuary-s-business-qualifications-duties-and-profession-s-evolution

 

[6] د. شريف محسن، موقع التأمين للعرب: https://www.insurance4arab.com/2020/06/blog-post_26.html

وقد أشار محرر الموقع أن المقالة نشرت أصلًا في مجلة البيان الاقتصادية، العدد رقم 583، حزيران/يونيو 2020.

 

[7] مصباح كمال، "الدراسة التخصصية الأكاديمية للتأمين في العراق"، نشرت هذه الورقة أصلاً في موقع شبكة الاقتصاديين العراقيين: Actuarial and Insurance Studies in Iraq وكذلك في موقع:

https://www.academia.edu/34686636/Academic_Study_of_Insurance_in_Iraq

 

[8] "في عام 1960 أو 1961 اتفقت إدارة التأمين العراقية مع إعادة التأمين السويسرية على مساعدة الشركة في البدء بممارسة هذا النوع من التأمين لتكون أول شركة عراقية في هذا المجال.  انتدبت السويسرية الصديق لاري كريانوف لهذا الغرض فعاش معنا في العراقية فكلفت بملازمة الخبير كريانوف والعمل معه.  بذل كريانوف مساعي للعثور على شخص مناسب ذي خلفية في الرياضيات لتعيينه مديراً للقسم الجديد بعد تأهيله.  أتذكر اني زرت معه كلية العلوم لمقابلة أحد أساتذة الرياضيات ولم تفلح مساعيه.  قرر أخيراً اختياري لهذه المهمة ورتب لي منهاجاً للتدريب في إعادة التأمين السويسرية في قسم الحياة حصراً ودام ذلك أربعة أشهر من صيف 1961." عبد الباقي رضا، رسائل في السيرة الذاتية والتأمين، 2013)، ص 35-36. كتاب مخطوط يضم مجموعة من رسائل الأستاذ عبد الباقي رضا للكاتب، لم ينشر بعد.