إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

2021/08/27

Memory of Arab Insurance-dialogues by Tayser Treky & Misbah Kamal

 التعريف بكتاب تأميني جديد

ذاكرة التأمين العربي-حوارات-الجزء الثالث

 

 

صدر عن دار منتدى المعارف - بيروت كتاب جديد للمجتهدين تيسير التريكي ومصباح كمال بعنوان ذاكرة التأمين العربي- حوارات، الجزء الثالث.

 

في تقديمه للكتاب يقول الأستاذ خالد الحسن أنه "بأجزائه الثلاثة هو محاولة لتكوين فكرة عن نشوء قطاع التأمين الوطني في البلدان العربية وعن وضع سوق التأمين قبل استقلال تلك البلدان.  وبالتالي، فهو محاولة لإقامة جسر بين تجربة الآباء المؤسسين لشركات التأمين الوطنية وتجربة الجيل الذي يتولى حاليا مقاليد الامور في الاسواق العربية.  واحسب ان الكتاب موجه بشكل أساسي لجيل الشباب الحالي حرصا على تواصل الذاكرة والتجربة وربطا للماضي مع الحاضر الذي سوف يغدو مستقبلا.  فلا مستقبل لمن ليس له حاضر ولا حاضر لمن ليس له ماض."

 

يقدم هذا الكتاب حوارات أجراها التريكي وكمال مع مجموعة من رجال التأمين العربي.  من قطر/سوريا، يحاوران أحمد الحريري، ومن المغرب أحمد زينون، ومن الكويت أمير المهنا و خليل الشامي، ومن السودان حسن السيد، ومن البحرين سمير الوزان، ومن العراق عبد الباقي رضا و منعم الخفاجي، ومن اليمن عبد اللطيف القباطي، ومن عُمان مرتضى إبراهيم الجمالاني.

 

إن مجموعة المحاورين (بفتح الواو) قد لعبوا أدوارهم المشهودة في مجال التأمين وإعادة التأمين في أسواقهم الوطنية وفي بعض الأسواق العربية لعدة عقود خلت ومعظمهم ما يزال ناشطًا بشكل أو آخر.

 

وكما ذكر الكاتبان عند التعريف بالجزء الأول من ذاكرة التأمين العربي فإن قراءة الحوارات تؤشر إلى اهتمام المحاورين (بكسر الواو) بتاريخ تلك العقود التي بات يفصلنا عنها ما يربو على نصف قرن.  غير أن التريكي وكمال لم يضعا نصب أعينهما توفير منبر لكتابة تاريخ تلك الحقبة التأمينية.  ان التاريخ الذي يحاول الكاتبان ارتياده من خلال الحوارات مع مخضرمي صناعة التأمين العربية ما هو إلا تاريخ الفترة التي ابتدأت فيها شركات ومؤسسات التأمين العربية الوطنية بالظهور في خمسينيات وستينيات القرن العشرين، مع الإقرار بوجود استثناءات محدودة، لتكوين ما يسميانه لمحة عن تاريخ التأمين في الحقبة آنفة الذكر.  لم يلجأ الكاتبان إلى الغوص في الوثائق والارشيفات العائدة لصناعة التأمين، بل آثرا أن ينقّبا عن المعلومة في ذاكرات نَفَر من رجال التأمين الذين عاصروا مرحلة تأسيس التأمين الوطني.

 

المحاوران قريبان زمنياً إلى حدٍ ما من المرحلة التأسيسية التي يسعيان إلى الكشف عن النقاط المضيئة فيها.  فهما عملا في قطاع التأمين في سبعينيات القرن الماضي.  ويبدو أن ما يطرحانه من أسئلة تدفع باتجاه إسباغ نوع من التبجيل لتلك الفترة.

 

أول المستهدفين بالكتاب هم جيل الشباب الذين يتولون مقاليد الأمور راهنا في قطاع التأمين العربي.  ذلك أن هذا الجيل قد لا يعرف كثيراً عن المرحلة التأسيسية لصناعة التأمين العربية وعن الشخصيات التي لعبت أدوارًا كبيرة في تلك المرحلة.  ومرد هذا النقص المعرفي في الأساس هو غياب الدراسات التاريخية عن التأمين.

 

يمكن أن ينظر إلى الكتاب على أنه محاولة للحفاظ على ذاكرة صناعة التأمين العربية ببناء جسر بين مرحلة التأسيس والتجربة المعاصرة الحية.  وهو فضلاً عن ذلك إشادة بجهود وتضحيات نَفَر من رجالات التأمين العرب الذين أعطوا عطاء وفيراً في ظروف صعبة بل ومريرة أحياناً، كما هو تذكير للمعاصرين بأن لمهنتهم تاريخ فيه ما يستحق العناية والدراسة كما هو تاريخ، في بعض وجوهه، يعتبر مصدرًا للاعتزاز لا بل وللإلهام.

 

لا يقف التريكي وكمال عند الأحياء من رجالات ذلك الزمن البعيد بل يمضيان إلى استذكار نَفَر من رجالات وسيدات مرحلة التأسيس أو القريبين منها الذين لم يعودوا بيننا.  ويستذكران في هذا الجزء من ذاكرة التأمين العربي-حوارات: الحاج امحمد بن الجيلالي بناني، الحاج محمد الزيزي، الصديق محمد الأمين الضرير، بدر سعيد الفاهوم، زليخة نصري، سليم الوردي، عــــزالدين الســـــــــــــيد محمــــد، هدى الصفواني، مع نبذة عن كل واحد منهم.  ومن باب الوفاء والاحترام لهؤلاء الراحلين فهما يهديان الكتاب لذكراهم العطرة.

 

هذا هو الجزء الثالث من الكتاب، ويأمل المحاوران استكمال مشروع الحوارات قي كتاب قادم.

 

أيلول/سبتمبر 2021

 

يمكن الحصول على كتاب ذاكرة التأمين العربي من الناشر مباشرة على العنوان التالي:

 

منتدى المعارف

بناية "طبارة" – شارع نجيب العرداتي – المنارة – رأس بيروت

ص. ب. 7494-113 حمرا – بيروت 11032030 – لبنان

بريد إلكتروني info@almaarefforum.com.lb

 

 

2021/08/26

Compulsory Motor Third Party Insurance in Iraq-Notes on the Position of the Prsident's Office and the Iraqi Bar Association

 رئاسة الجمهورية ونقابة المحامين ومشروع تعديل قانون التأمين الإلزامي من حوادث السيارات رقم 52 لسنة 1980

 

مصباح كمال

 نشر في موقع شبكة الاقتصاديين العراقيين:

مصباح كمال*: رئاسة الجمهورية ونقابة المحامين ومشروع تعديل قانون التأمين الإلزامي من حوادث السيارات رقم 52 لسنة 1980 – شبكة الاقتصاديين العراقيين (iraqieconomists.net)

 

http://iraqieconomists.net/ar/wp-content/uploads/sites/2/2021/08/Misbah-Kamal-Compulsory-Motor-Insurance-Comment-on-Iraqi-Bar-Association-IEN.pdf

 

 

هذه الورقة ليست بحثًا في موضوع تعديل قانون التأمين الإلزامي من حوادث السيارات بل جملة ملاحظات على سلوك رئاسة الجمهورية والدور المناط من قبلها لنقابة المحامين لاقتراح تعديل القانون.  سيلاحظ القارئ/ة كثرة الاقتباسات وتبريري لها هو التعريف بها وتسهيل متابعة المصادر من قبل المهتمين.

 

 

يبدو أن الذاكرة التاريخية مفقودة لدى رئاسة الجمهورية ونقابة المحامين إذ أنهما لم يذكرا أن مشروع تعديل قانون التأمين الإلزامي من حوادث السيارات رقم 52 لسنة 1980 وتعديلاته (فيما يلي قانون 1980) كان معروضًا للمناقشة أمام مجلس النواب سنة 2015.[1]  ومن خلال قراءة المخاطبات بين مكتب رئاسة الجمهورية ونقابة المحامين، كما نشرتها النقابة في موقعها الإلكتروني، نكتشف بعض ما هو غريب بالنسبة لنا.  ففي تقديمها لهذه المخاطبات بتاريخ 9 تموز 2021 تذكر النقابة أن

 

رئاسة الجمهورية تخاطب نقابة المحامين لصياغة مشروع [تعديل] قانون التأمين الإلزامي من حوادث السيارات، والنقابة تكمل المشروع لغرض إرساله لمجلس الدولة ومناقشته تمهيداً لإرساله لمجلس النواب العراقي لأجل تشريعه.[2]

 

ليس واضحًا لماذا تتولى رئاسة الجمهورية مخاطبة نقابة المحامين لصياغة مشروع لتعديل قانون 1980 خاصة وأن صلاحيات رئيس الجمهورية محددة حصرًا في المادة 73 من الدستور، فقد جاء في الفقرة ثالثًا من هذه المادة أن رئيس الجمهورية "يصادق ويصدر القوانين التي يسنها مجلس النواب، وتعد مصادقا عليها بعد مضي خمسة عشر يوما من تاريخ تسلمها."[3]

 

وبهذا الشأن من المفيد أن نقتبس الفقرة التالية من دراسة إسراء صالح داؤد[4]

 

أولًا ـــ فيما يخص مقترح نقابة المحامين الذي قدمته مؤخرًا إلى مجلس النواب [مكتب رئيس الجمهورية] الذي يؤخذ عليه ما يلي:

 

1)     كان يفترض أن يقدم إلى ديوان التأمين باعتباره الجهة المختصة قانونًا فيما يخص إعداد القوانين والأنظمة والتعليمات، حيث نصت المادة 8 من قانون تنظيم أعمال التأمين رقم 10 لسنة 2005 المعدل على أن: "يتولى رئيس الديوان: سادساً – إعداد مشاريع القوانين والأنظمة والتعليمات المتعلقة بأعمال التأمين ورفعها إلى الجهات المعنية"، وهذا بحد ذاته مخالفة قانونية وكان على مجلس النواب إحالة المشروع للديوان حسب الاختصاص لغرض دراسته.[5]

 

ترى هل أن رئاسة الجمهورية تتصرف خارج نطاق السلطة المخولة لها في الدستور؟  وهل هناك خلط أو عدم دقة في ممارسة الصلاحيات.[6]

 

بافتراض أن رئاسة الجمهورية تتمتع بصلاحية صياغة مشاريع للقوانين مباشرة من خلال مستشاريها أو من خلال الاعتماد على هيئات مختصة، ترى هل قامت بدعوة شركة التأمين الوطنية، التي تقوم، وبقوة القانون، بإدارة صندوق التأمين الإلزامي وتسوية مطالبات التعويض الناشئة من حوادث السيارات، أو شركات التأمين الأخرى ممثلة بجمعية التأمين العراقية، أو ديوان التأمين، لتقديم رؤيتها لتعديل قانون 1980؟

 

عندما تنهض الحاجة إلى تغيير قوانين قائمة يتم اللجوء في العديد من أسواق التأمين المتقدمة إلى إصدار دعوات للاستئناس بأفكار الاطراف المتأثرة بهذه القوانين وكذلك أصحاب الاختصاص.  وقد تلجأ إلى إصدار أوراق استشارية consultation papers لتحفيز النقاش.  لكن شيئًا من هذا لم يحصل بالنسبة لمشروع تعديل القانون.  هذا الوضع، لو كان تقييمنا له صحيحًا، يؤشر على غياب رؤية لدى رئاسة الجمهورية لتعديل القانون، ولذلك فإنها أحالت الموضوع إلى اجتهاد نقابة المحامين.  أما لماذا نقابة المحامين وليس غيرها فهو ما سنناقشه لاحقًا.  جاء في كتاب رئاسة الجمهورية إلى النقابة بتاريخ 16 حزيران 2021[7]

 

إشارة لكتابكم ذي العدد (2162) في 9/3/2021، تفضلكم بإعداد مشروع قانون لتعديل قانون التأمين الإلزامي من حوادث السيارات رقم (52) لسنة 1980، متضمناً المبادئ والأسس التي وردت في كتابكم أعلاه وإرساله إلى مجلس الدولة لمناقشته بحضور الوزارات والجهات المعنية تمهيداً لإحالته إلى مجلس النواب للتصويت عليه، للتفضل بالاطلاع واتخاذ ما يلزم.

 

يلاحظ على هذا الكتاب غياب إيجاز/ملخص لما تريده الرئاسة من تعديل القانون ونطاق عمل النقابة بهذا الشأن، والاكتفاء بالـ "المبادئ والأسس" التي وردت في كتاب النقابة (هذا الكتاب ليس متوفرًا لنا).  يعنى هذا أن المهتمين بالموضوع، خارج الرئاسة والنقابة، ليس لهم دور إلا أثناء مناقشة مجلس الدولة بحضور [ممثلي] "الوزارات والجهات المعنية" [ربما يكون ديوان التأمين أو جمعية التأمين العراقية من بينها وكذلك من يمثل شركة التأمين الوطنية].  ويعني هذا أيضًا أن رئاسة الجمهورية قد تركت للنقابة تقرير التعديل على قانون 1980.

 

 

لقد اجتهدت النقابة في تقديم جملة من المقترحات لتعديل القانون[8] ضمت موضوعات سبق وأن كانت موضوعًا للمناقشة في ثمانينيات القرن الماضي،[9] وقد كتب عن بعضها مؤخرًا موفق حسن رضا[10] وإسراء صالح داؤد.[11]  إن ما قدمته النقابة تدوير لأفكار كانت متداولة لدى شركات التأمين الخاصة وبعض الكتاب، لكن النقابة قامت بتجميع هذه الأفكار في ورقة واحدة دون الإشارة إلى من قام بالكتابة عنها سابقًا.

 

لم يكن مقترح النقابة خاليًا من مصلحة يصبُّ لصالح المحامين.  ففي تقديمها للمخاطبات مع رئاسة الجمهورية عبَّرت عن هذه المصلحة كما يلي:

 

يذكر أن إقرار هذا القانون سيوسع من موارد عمل المحامين عن طريق إقامة دعاوى التأمين، أمام المحاكم المختصة.

 

ومنشأ هذه الموارد الجديدة هو إلغاء اللجان القضائية لتقدير التعويض واقتراح "تقدير تعويض الأضرار من قبل محاكم البداءة في محل الحادث" كما جاء في البند الثالث من المبادئ التي جاءت بها النقابة

 

يتم تقدير تعويض الأضرار من قبل محاكم البداءة في محل الحادث وتلغى اللجان القضائية في شركة التأمين الوطنية التي تتولى تقدير التعويض حاليا ليتم احتساب التعويض من قبل المحاكم اعتمادا على خبراء مختصين تحددهم المحكمة لضمان التعويض المتناسب مع الضرر الحقيقي، إذ في المحاكم الاعتيادية يستطيع المتضررون الاستعانة بالمحامين لإيضاح مدى الضرر وضمان تعادل التعويض المقدر مع الضرر الحقيقي بخلاف الحال في اللجان الاقتصادية التي تكاد تكون تعويضاتها محددة ومتماثلة رغم اختلاف الأشخاص واختلاف إصاباتهم.  ويعود جزء من ذلك إلى غياب دور المحامي (القضاء الواقف) في الوصول لتقدير التعويض الفعلي اذ عل فرض وجود محامي فإن دوره يقتصر في الوقت الحاضر على تقديم استمارة طلب التعويض وجلب الأوراق التحقيقية والتقارير الطبية وتستقل اللجنة في تقدير التعويض الذي يكاد يكون متماثلا إضافة لقلته وعدم تناسبه مع الضرر ذلك الضرر الذي يهدف التأمين تعويضه.

 

لقد كان بهاء بهيج شكري سباقّا في النقد الصارم للقانون بشكل عام ولهذه اللجان خصوصًا[12]   إذ كتب أن

 

ضآلة مبالغ التعويضات التي درجت تلك اللجنة المذكورة على تقديرها لم تكن لتغطي 10% من الضرر الفعلي الذي يصيب الشخص المضرور، مما أعاد "النظام العشائري" المعروف بنظام "الفصل والدية" للظهور والذي سبب إعادة تطبيقه إرهاقًا كبيرًا لمالكي المركبات، هذا النظام الذي اختفى نهائيًا بتشريع قانون التأمين الإلزامي القديم وما رافقه من إلغاء نظام دعاوى العشائر.[13]

 

وكتب أيضًا أن

 

... تشكيل هذه اللجنة يتعارض مع النظام العام إذ أن المدين (شركة التأمين الوطنية) هو واحد من أعضائها، فلا يجوز قانونًا تنصيب المدين حكمًا للبت في حقوق الدائن (المضرور)، وقد ثبت من مستوى مبالغ التعويض التي كانت هذه اللجنة تقدرها مدى الإجحاف الذي لحق بحقوق المضرور.[14]

 

جاء تأسيس اللجان القضائية بموجب قرار مجلس قيادة الثورة (المنحل) رقم 815 بتاريخ 20 حزيران 1982[15] للحيلولة دون التربح من مطالبات التعويض من قبل المحامين.  كتب موفق حسن رضا الآتي بهذا الشأن:

 

لقد أستغل البعض عدم معرفة المتضررين بحقوقهم وسهولة الحصول عليها، فبرزت ظاهرة متابعة الحصول على التعويض، على الرغم من سهولتها، لقاء أتعاب مبالغ فيها، قرب البعض منها الى نصف مبلغ التعويض.  لذلك كان لابد من التحرك لحماية هذه الشريحة من المواطنين وقطع الطريق على من يحاول استغلالها، فقد أستقر الرأي على تشكيل لجان تختص بالنظر في تقدير التعويض وفقا لأحكام قانون التأمين الإلزامي من حوادث السيارات رقم 52 لسنة 1980 تتشكل من ثلاثة أعضاء برئاسة قاض وعضوية حقوقي من شركة التأمين، وجامعي من المؤسسة العامة للرعاية الاجتماعية، ويطعن بقرارات هذه اللجان أمام محكمة التمييز.  وحدد القرار المذكور أتعاب المحاماة بنسبة لا تتجاوز 10%، وبحد أقصى مقداره 500 دينار.

 

لقد كان عمل اللجان ينصب بشكل كلي على تقدير التعويض، آخذين بعين الاعتبار ظروف كل متضرر، ذلك ان مسؤولية شركة التأمين عن تسديد التعويض ثابته، بصرف النظر عن توفر ركن الخطأ.  وبات من الممكن للمتضررين أن يحصلوا على التعويض خلال فترة قصيرة جدا، بعد أن كان البعض من المتضررين ينتظرون سنين للحصول على التعويض من خلال المحاكم.[16]

 

وهو ما أكدته مؤخرًا إسراء صالح داؤد:

 

من خلال عملي كعضو للجنة القضائية عن شركة التأمين الوطنية فإن اللجنة القضائية لها الصلاحية في اتخاذ ما يلزم في حسم التعويض بالاستعانة بالخبراء او كسماع الشهود...الخ متى ما اقتضت الضرورة ذلك، علما أن شركة التأمين تتحمل أجور الخبراء

 

إن ظاهرة متابعة الحصول على التعويضات في حالات الحوادث الشخصية والمسؤولية المدنية معروفة في العديد من أسواق التأمين ومنها أسواق التأمين في البلدان الغربية.  فقد عرفت الولايات المتحدة ما يعرف بظاهرة مطاردة سيارت الإسعاف ambulance chasing، من قبل محامين أو من يمثلونهم، التي تنقل المصابين إلى المستشفيات بغية الحصول على توكيل لمتابعة مطالباتهم مع شركات التأمين لقاء أتعاب تُستحصل من مبالغ التعويض، وفي المحصلة النهائية يصبح المحامي شريكًا مع الطرف النتضرر للانتفاع من مبلغ التعويض الذي تقدمه شركة التأمين أو تقضي به المحكمة المختصة.[17]

 

وكان لاستشراء دور المحامين في أول عهد قانون 1980 في المبالغة بالمطالبة بالتعويض أثره على تقييد هذا الدور من خلال تأسيس اللجان القضائية للبت في تقدير التعويض.

 

يبدو أن الإشكاليات التي تنطوي عليها تشكيل اللجان القانونية وإجراءاتها حقيقية، كما بينها بهاء بهيج شكري وأشارت إليها نقابة المحامين.  لكن مجرد الإشارة إليها أو إبراز التناقض في تشكيلها الذي "يتعارض مع النظام العام إذ أن المدين (شركة التأمين الوطنية) هو واحد من أعضائها، فلا يجوز قانونًا تنصيب المدين حكمًا للبت في حقوق الدائن (المضرور)" كما يقول بهاء بهيج شكري، ليس كافيًا.  فهناك حاجة ملحة للتقييم التاريخي لعمل هذه اللجان مع دراسة حالات.  إن المقتربات النقدية لمضامين القانون ولتجربة التطبيق ودور شركة التأمين الوطنية لم يلقَ حتى الآن ما يستحقه من اهتمام قانوني واقتصادي وتأميني (خاصة في الجانب الاكتتابي بخطر تأمين المسؤولية المدنية الناشئة من حوادث السيارات، وهو جانب مُغيّب بقوة القانون إذ أن الاكتتاب القائم يقتصر على مجرد تحديد العلاوة على سعر الوقود).  وكما كتبت في مقال سابق "ربما آن الأوان لمناقشة الآثار الاقتصادية لقانون سنة 1980 على شركة التأمين الوطنية المفوضة بتسوية المطالبات بالتعويض وعلى شركات التأمين وتقييم السجل التاريخي لهذا القانون."[18]  وكذلك إخضاع تجربة تطبيق القانون منذ 1980 لتحليل اكتواري.

 

إن أطروحة بهاء بهيج شكري بعدم جواز تنصيب المدين (شركة التأمين الوطنية) حكمًا للبت في حقوق الدائن (المضرور) صائبة لكنها ليست سببًا كافيًا لإلغاء اللجان القضائية، إذ أن إعادة تشكيل هذه اللجان، من خلال تعديل القانون الحالي، باستبعاد ممثل شركة التأمين الوطنية من عضويتها واستبداله بممثل آخر يتمتع بالاستقلالية، من خارج الشركة، يضع نهاية لتضارب المصالح.  إن تعديل تركيبة اللجان بحاجة إلى دراسة مستقلة ووضع قواعد وضوابط لعملها وتحصينها من أية مؤثرات تنتقص من استقلاليتها.

 

وفيما يخص اطروحته حول عودة "النظام العشائري" المعروف بنظام "الفصل والدية" للظهور بسبب ضآلة مبالغ التعويضات التي كانت الجان القضائية تقدرها فإنه بحاجة إلى دراسة سوسيولوجية وإحصائية.  وبهذا الشأن من المفيد، كمؤشر على مثل هذه الدراسة، ما كتبه سليم الوردي:

 

منذ أواسط الستينات من القرن الماضي، وضحايا حوادث السيارات يتقدمون بمطالبات التعويض إلى شركة التأمين الوطنية، بموجب قانون التأمين الإلزامي على السيارات.  وكان لتطبيقات هذا القانون دور ملحوظ في خلق الشعور لدى المواطنين في الحق المدني والمطالبة به.  وتشير الإحصاءات أن تعويضات مجزية نسبياً كانت تدفع لضحايا حوادث السيارات. كان معدّل التعويض الذي يدفع سنة 1980 زهاء 3500 دينار بما يقابل 11900 دولار أميركي.  بينما أصبح معدل مبلغ التعويض زهاء 5350 دينار في سنة 1995، أي بما يقابل (بسبب التضخم الجامح) في حدود 3 دولارات فقط.  ولم يعد من المعقول أن يقتنع الضحايا بمبلغ تعويض تافه كهذا. وقد طالبت شركة التأمين الوطنية ديوان الرئاسة بتعديل قسط التأمين المحسوب بمعدّل عشرة فلوس على اللتر الواحد من وقود السيارات عندما كان سعر اللتر 90 فلساً.  ولكن ديوان الرئاسة أصر على عدم التعديل وإبقاء السعر من دون زيادة، على الرغم من ارتفاع سعر لتر الوقود إلى عشرات المرات.  بما يعني فعلاً أن ديوان الرئاسة لم يكن يكترث بانفضاض أصحاب الحق المدني من ضحايا حوادث السيارات عن شركة التأمين، وانصرافهم لتسوية حقهم المدني بأسلوب الفصل العشائري، الذي يحقق تعويضات أكبر بمئات الأضعاف.[19]

 

أما أطروحة نقابة المحامين لإلغاء المجالس القضائية واللجوء إلى المحاكم فإنها لا تقوم على دراسة موثقة منشورة.  من المعروف أن مطالبات التعويض عن الأضرار لا تنتهي دائمًا للبت أمام المحاكم في العراق وغيره من بلدان العالم.  كما أن اللجوء إلى المحاكم ليس حلًا سحريًا وكما كتبت إسراء صالح داؤد فإنه

 

قد يتسبب في التأخير ويستغرق وقتاً لحسم تسوية التعويض، وإذا ما علمنا أن العديد من الدول سارية في التوجه في فض النزاعات عبر هيئات الوساطة والتحكيم قانونيًا أو اتفاقيًا، إذ أن المطالبة أمام المحاكم تتطلب سلسلة من إجراءات عند التقاضي، فضلًا عن أنها تثقل كاهل طالب التعويض بالرسوم والمصاريف القضائية وأجور المحاماة والخبراء إذا ما قورنت بأعمال اللجنة القضائية.[20]

 

وفي حين ان الإجراءات القضائية تنطوي على تكلفة مالية، تتحملها شركة التأمين والطرف المتضرر، فإن إجراءات التأمين بما فيها تسوية المطالبات بالتعويض لا يترتب عليها مثل هذه التكلفة، إضافة إلى خلوّها من التعقيدات القضائية.  وهذا بالإضافة إلى التلكؤ في إصدار الأحكام القضائية.  ومن المفيد هنا أن نقتبس ثانية مما كتبه موفق حسن رضا أنه

 

بات من الممكن للمتضررين أن يحصلوا على التعويض خلال فترة قصيرة جدا، بعد أن كان البعض من المتضررين ينتظرون سنين للحصول على التعويض من خلال المحاكم

 

 

بعد نشر مقالي "ملاحظات سريعة ودعوة للمناقشة حول التأمين الإلزامي من حوادث السيارات" أثار معي أحد زملاء المهنة في العراق سؤالين:

 

1-    لماذا التعويض محصور في شركة التأمين الوطنية؟

2-   لماذا لا تشارك شركات القطاع الخاص في هذا الموضوع

 

في محاولة للاقتراب من هذين السؤالين قدمت الملاحظات التالية.

 

في الفترة التي شرع أثناءها قانون سنة 1980 كان قطاع التأمين العراقي يتكون من شركتين: الشركة العراقية للتأمين على الحياة (شركة التأمين العراقية حاليا) المتخصصة بتأمينات الحياة وشركة التأمين الوطنية المتخصصة بالتأمينات العامة.  لذلك وفي سياق تركيبة سوق التأمين آنذاك فإن تكليف التأمين الوطنية بإدارة صندوق التأمين الإلزامي وبوظيفة التعويض يكون أمرًا مفهومًا.

 

ليس هناك ضرورة ماسة كي تقوم شركة التأمين الوطنية بإدارة الصندوق والتعويض، فبالإمكان إنشاء صندوق خاص تجمع فيه أقساط التأمين، المستوفاة من سعر الوقود، لتسديد المطالبات منه.  وبهذا ينتفي دور التأمين الوطنية أو أي شركة/شركات تأمين أخرى، إذ يمكن تفويض إدارة الصندوق لهيئة مستقلة لا علاقة لها بأي من شركات التأمين العامة أو الخاصة.  وهذا يتماشى مع توجهات القانون إذ أن القانون ألغى الوظيفة الاكتتابية التي تقوم بها شركات التأمين في تقييم الأخطار ووضع الشروط والأسعار المناسبة للتأمين عليها.  وبهذا المعنى ليس هناك مبرر لأن تقوم شركة التأمين الوطنية بوظيفة التعويض.

 

فيما يخص الجانب الآخر من سؤالك: مشاركة شركات القطاع الخاص في وظيفة التعويض فإن المشاركة غير ممكنة.  أقول هذا مسترشدًا بما هو معهود في حالات مشاركة شركتين أو أكثر في الاكتتاب بخطر ما (co-insurance) ومن ثم الاتفاق بينها على أن تكون إحداها هي الشركة القائدة (leading company) في وضع الشروط والأسعار وتسوية التعويضات.  مثل هذه المشاركة غير ممكنة في ظل قانون 1980 سواء ما تعلق بالاكتتاب أو التعويض.

 

بالنسبة للنظام السائد بفضل قانون 1980، كيف يمكن لشركات القطاع الخاص المشاركة في وظيفة التعويض وهي لا تستلم أقساط التأمين الإلزامي للمسؤولية المدنية الناشئة من حوادث السيارات؟

 

على أي حال، إن الموضوع يحتمل الكثير من النقاش، وهو بحاجة إلى مشاركة طيف واسع من ممارسي التأمين والقانونيين والاقتصاديين وغيرهم.

 

إن الإبقاء على القانون وحتى تعديله كما ترغب رئاسة الجمهورية وكما تقترح نقابة المحامين لا يسمح بقيام دور لشركات التأمين الأخرى للتأمين على المسؤولية المدنية الناشئة من حوادث السيارات إذ أن الوظيفة التعويضية تظل محصورة بشركة التأمين الوطنية.

 

إلغاء القانون يعني التراجع عن مبدأ الحق المفترض بقوة القانون، وليس العقد، للشخص المتضرر (الطرف الثالث) بالحصول على التعويض باعتماد قاعدة تحمل التبعة وإقصاء ركن الخطأ لتحديد قيام المسؤولية على مسبب الضرر.

 

كما أن إلغاء القانون يعني اللجوء إلى التأمين التجاري لحماية الذمة المالية للمؤمن له تجاه من يتسبب بتضرره في بدنه أو في ممتلكاته؛ أي استعادة نموذج قانون التأمين الإلزامي من المسؤولية المدنية الناشئة من حوادث السيارات رقم 205 لسنة 1964 مع تحديثه، وهو القانون الذي عملت شركة التأمين الوطنية من أجل تحقيقه في ذلك الوقت.

 

من المؤسف أن مشروع تعديل قانون 1980 لم يخضع لنقاش عام ربما كان سيرشح منه سرداً لتجارب شخصية، وآراء لأطراف مستقلة، وأخرى تأمينية وقانونية واقتصادية، وتحليل لتأثير القيم الاجتماعية على ثقافة التأمين.

 

25 آب 2021

 

 

 



[1] راجع: مصباح كمال، "وقفة مع مداخلات مجلس النواب العراقي في القراءة الثانية لمشروع قانون تعديل قانون التأمين الالزامي من حوادث السيارات رقم (52) لسنة 1980،" مجلة التأمين العراقي:

https://misbahkamal.blogspot.com/2015/07/iraqi-parliament-debates-amendment-of.html

لعل رئاسة الجمهورية ونقابة المحامين قد تباحثا بشأن مشروع التعديل السابق ولهما مخاطبات بشأنه ولكن ما هو متوفر لي لا يشير إلى ذلك.  أرجو ممن يتوفر على معلومات أفضل الكشف عنها لتصحيح الموقف.

 

[2] موقع نقابة المحامين: https://lawyers.gov.iq/news/1775/

 

[3] دستور العراق الصادر عام 2005:

https://www.constituteproject.org/constitution/Iraq_2005.pdf?lang=ar

 

[4] جميع الأسماء ستذكر مع حفظ الألقاب.

 

[5] اسراء صالح داؤد، "دعوات لمشروع جديد لقانون التأمين الإلزامي من المسؤولية المدنية عن حوادث السيارات،" موقع شبكة الاقتصاديين العراقيين:

http://iraqieconomists.net/ar/wp-content/uploads/sites/2/2021/08/مشروع-قانون-جديد-للتامين-الالزامي-من-المسؤولية-المدنية-عن-حوادث-السيارات-IEN-Edit-3.pdf

 

[6] من المفيد هنا قراءة ما كتبه هادي عزيز علي: "رسالة الى السيد رئيس الجمهورية المحترم ... عن قانون العقوبات الجديد،" ودفاعه عن دور القضاة، المدى:

https://almadapaper.net/view.php?cat=245433

 

[7] راجع نص كتاب رئاسة الجمهورية الملحق بهذه الورقة.

[8] راجع ما قدمته نقابة المحامين لرئاسة الجمهورية تحت عنوان "مقترح تشريع قانون جديد للتأمين الإلزامي من حوادث السيارات" الملحق بهذه الورقة. هذا العنوان يذكر "مقترح تشريع قانون جديد" في حين أن المطلوب هو تعديل القانون القائم.

 

[9] أشرت إلى بعضها في ورقتي "ملاحظات سريعة ودعوة للمناقشة حول التأمين الإلزامي من حوادث السيارات،" موقع شبكة الاقتصاديين العراقيين:

http://iraqieconomists.net/ar/wp-content/uploads/sites/2/2021/07/Misbh-Kamal-Compulsory-Motor-Insurance-IEN.pdf

 

[10] راجع: موفق حسن رضا، "تعقيب على مقال "ملاحظات سريعة ودعوة للمناقشة حول التأمين الإلزامي من حوادث السيارات،" موقع شبكة الاقتصاديين العراقيين:

http://iraqieconomists.net/ar/wp-content/uploads/sites/2/2021/07/Muwafaq-H.-Ridha-Comulsory-Motor-TPL-Law-52-of-1980-critical-comments-final.pdf

 

[11] راجع: إسراء صالح داؤد، مصدر سابق.

[12] بهاء بهيج شكري، "مبحث خاص: ملاحظات حول قانون التأمين الإلزامي العراقي رقم 52 لسنة 1980،" فصل في كتابه التأمين من المسؤولية في النظرية والتطبيق (عمان: دار الثقافة، 2010)، ص 582-598.

 

[13] شكري، ص 585-586.

[14] شكري، ص 594.

 

[15] نص القرار منشور في مجموعة قوانين التأمين الإلزامي على السيارات في البلاد العربية، القاهرة: الاتحاد العام العربي للتأمين، 1996، ص 153-154.

 

[16] موفق حسن رضا، مصدر سابق.

[17] للتعريف بهذه الظاهرة راجع:

https://en.wikipedia.org/wiki/Ambulance_chasing

 

[18] مصباح كمال، مصدر سابق.

[19] د. سليم الوردي مقتربات إلى المشروع السياسي العراقي، 1921-2003 (بغداد: د.ن، 2005)، ص 107.

 

[20] إسراء صالح داؤد، مصدر سابق.