إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

2010/01/29

وكالات التأمين: مقاربة لفهم الخدمة التأمينية

محمد الكبيسي

من باب التقديم: مقارنة أولية للعمل في القطاع الخاص والقطاع العام

العمل في وكالة تامين بالتأكيد ليس كالعمل لدى الحكومة فالفرق بينهما هو كالفرق بين العمل الخاص والعمل العام، ومعروف كيف يدار العمل الخاص وكيف يدار العمل العام. فالموظف في العمل العام يستطيع أن ينعم بالراحة خلال ساعات العمل ولديه متسع من الوقت لتناول الشاي والقهوة أثناء تبادل الحديث الشيق مع الزملاء عن ابرز أحداث سهرة الأمس في النادي وما بينها وما قبلها وما بعدها، بينما الموظف في القطاع الخاص لا يتناول قهوته إلا وهو يمعن النظر في كشوفات أو قوائم أو يدقق هذا ويمحص ذاك من الأوراق المكدسة أمامه. وكثيرا ما يفعل الشئ نفسه بالنسبة للوجبة السريعة التي يتناولها في ساعة الظهيرة عكس زميله في القطاع العام الذي لا يقبل بأقل من ساعة لممارسة طقوس تناول وجبته حتى إذا كان هناك طابورا من المراجعين بانتظار أن يعود إلى عمله الذين لا يتنفسون الصعداء إلا بعد أن يطلب الشاي ليحبس، بعدها لن يضطروا لانتظارٍ طويل فتدخين سيكارته لن يطول إلا، طبعا، إذا كان من مدخني السيكار او ربما الاركيلة. أما الجنس اللطيف، وخصوصا المتزوجات منهن، فالأحاديث المشتركة قد تطول قليلا وهي عادة ما تبدأ بقصص البيت والاولاد وتنتهي بقصص الزملاء والزميلات واخرها قصص المديرين والمديرات. ولكي لا يزعل علينا الزملاء في القطاع العام نقول ان ذلك ليس من دون استثناءات.

جاذبية العمل في وكالة للتأمين: تجربة شخصية

من هذا المدخل أردت أن ارسم ملامح تجربتي في العمل في وكالة تأمين كانت يومها تعتبر من أنشط وكالات التامين في العراق وذلك خلال آذار 1970 ألا وهي وكالة مجيد الياسين للتامين ومقرها في عمارة الخليلي في منطقة الشورجة بشارع الجمهورية ببغداد. وكانت من الوكالات القليلة التي تعاقدت كوكيلة للشركتين المملوكتين للدولة وهما شركة التامين الوطنية والشركة العراقية للتامين على الحياة، والسبب طبعا معروف وهو لتخصص كل منهما بفرع من فروع التامين فالوطنية كانت تمارس التأمينات العامة والعراقية تمارس تأمينات الحياة فقط كما يدل الاسم على ذلك.

شاركت في بداية العام 1970 في دورة أساسية أعدتها الوكالة في المركز التدريبي التابع لشركة التامين الوطنية في شارع السعدون قرب ساحة النصر، على ما اذكر، تلقينا فيها محاضرات نظرية من السادة شوقي سلبي وجميل نظام سامي وبصري محمد صالح وفاروق جورج والأستاذ بهاء بهيج شكري وآخرين غيرهم لا تحضرني أسماؤهم. ثم اختارتني الوكالة للعمل فيها براتب قدره خمسة عشر دينار بدوام كامل من الثامنة صباحا حتى الواحدة ظهرا ومن الرابعة حتى الثامنة مساء كموظف، إضافة إلى تعاقدها معي للعمل معها كمنتج غير متفرغ. وهكذا بدأت أولى خطواتي في عالم هذه الصناعة التي سرعان ما عشقتها ربما بسبب ما قدمته لي من تطوير لوضعي المالي بسرعة هائلة. فمنذ اليوم الأول لي في العمل شاهدت طوابير المنتجين الذين كانوا يأتون بطلبات التامين وخاصة الحياة لإيصالها للوكالة. فالمنتج الذي يقدم طلبا للتامين على الحياة بطريقة الدفع السنوي للقسط يمكن أن يتقاضي فورا عشرين دينارا (إذا رغب) فيما تدفع الشركة [شركة التأمين] للوكالة خمسة وعشرون دينارا. أما إذا كانت طريقة دفع الأقساط ربع سنوية فتدفع الوكالة ستة عشر دينارا في حين تستلم عشرين دينار من الشركة. وهكذا كان للمنتج حرية اختيار أن لا ينتظر طويلا لاستلام عمولته من الشركة.

أثار انتباهي وحفزني هذا الأمر فعزمت أن أتعلم أصول العمل وأساسياته. وفعلا تم لي ذلك. وبدون أيما تردد باشرت بالعمل مستفيدا من وجود أهدافي حول مقر الوكالة فسوق الشورجة وشارع الجمهورية وشارعي الرشيد والنهر وما حولهما تزخر بالعملاء المرتقبين. ولعله من المهم الإشارة إلى أن الوكيل المرحوم مجيد الياسين وجد في رغبتي هذه مصلحة للوكالة فشجعني وأمدني بوصولات تأمينات الحياة لتحصيلها متخذا إياها مدخلا لي للتعرف والتقرب من العملاء أولئك. وفعلا تمكنت بفترة قياسية من تحقيق نجاح رفع من دخلي عشرات المرات الأمر الذي حفزني أكثر فأكثر.

لماذا يفضل طالبي التامين وحملة الوثائق التعامل مع وكالة؟

خطر هذا السؤال ببالي كثيرا فسئلت عددا من الزبائن عن السبب وتلقيت عدة إجابات عنها فيما تم الإجماع على التالي منها:

1. الخدمة التي يقدمها الوكيل لزبائنه أفضل بكثير من الخدمة التي يتلقاها الزبون من الموظف الحكومي.

2. الوكيل ينهج أسلوبا تجاريا في تحصيل الأقساط من زبائنه ضمن سياسة مرنه يرتاح لها الزبون، وتتركز على فتح سجل لذمم الزبائن يقيد فيه الأقساط الدائنة والمدينة التي يقوم الوكيل بتسديدها للشركة عن العملاء من أمواله الخاصة، طبعا بعد أن يتحصل على موافقتهم الهاتفية مسبقا على أن يقوموا بتسديدها لاحقا. وهذه السياسة حيوية مع شريحة التجار المتواجدين في الأسواق المحيطة بالوكالة إذا علمنا أن مهلة الدفع قد تم تمديدها إلى حين ميسرة، فالعديد من التجار، كما هو معروف، لا تتوفر له في بعض الأحيان السيولة بمستويات ثابتة تكفي دوما لتسديد جميع التزاماته فنجده يضطر إلى اعتماد ما كان يعرف في مصطلحات السوق بـ ( الشاطر يداور فلوسه) أي يناور بها فيأخذ من تخصيصات عملية ما إلى عملية أخرى يعتقد انها ستعطي ثمارا أسرع من الأخرى، أو لأنه يرغب بالتوسع في نشاطه فيناور برأس المال هنا وهناك حسب مقتضى الحال فتراه يوما يمتلك سيوله كبيرة وفي يوم آخر تبلغ تلك السيولة مستوى الصفر! وهكذا.

يحرص ويفضل بل ويفرح الوكيل بالأعمال، وهذه مسألة مهمة جدا، التي تتجدد سنويا أكثر من الأعمال التي تنتهي خلال سنة أو اقل أو أكثر كأعمال البحري والهندسي وسواها في حين أن تأمينات الحياة قد وزعت العمولة الممنوحة عنها لثلاث سنوات أو أكثر كما انها حتى عندما تنتهي عمولاتها في السنة الرابعة تظل مصدر إيراد للوكيل حيث يتقاضي عمولات تحصيل وان كانت اقل بكثير من عمولات الإنتاج إلا أن التراكم يعتبر عاملا حاسما في مضاعفة ايراداته سنة بعد أخرى. كما أن تأمينات الحريق والحوادث تتجدد سنويا هي الاخرى وتتجدد معها العمولات الممنوحه عنها مما ينتج عنه نوع من الراحة عندما يعلم الوكيل ان نسبة 70% "على سبيل المثال" من اعمال السنة السابقة ستتجدد تلقائيا. فإذا ما استمرت جهوده التسويقية بنفس المعدلات المخطط لها مع اضافة نسبة نمو فان ذلك من شانه ان يعاونه على تحقيق الخطة الانتاجيه المرسومة له بدون كثير صعوبة مما يدفعه إلى اعتماد كل الوسائل المتاحة له للوصول الى ذلك ومنها التسهيلات التي يقدمها للزبون في تسديد اقساطهم وان كنت لا ادعي ان ذلك كان امرا مطلق النجاح ففي بعض الأحيان كان يواجه حالات اعسار الزبون عن التسديد ولكنها لم تزد عن القدر المحسوب الذي يمكن تحمله.

3. يحرص الوكيل على وصول كافة مواد الترويج والدعاية التي كانت تعدها الشركتان وتوزعها على منتجيهما ووكلائهما، بما يضمن لهما اقصى فائدة ممكنة سواء من الاعمال القديمة او لتحقيق اعمال جديدة تغذى بها متطلبات الخطة الانتاجية المرسومة له. وأتذكر أن هذه المواد كانت ذات قيمة لا باس بها فالتقاويم وحقائب الجلد والاقلام والزجاجيات كالاقداح واستكانات الشاي وغيرها كثير كانت تفعل فعلها في تسديد الاقساط وانتاج الاعمال الجديدة. [1]

4. يفضل الزبون ان لا يذهب بعيدا للحصول على الخدمة التامينية ويهمه كثيرا تقليص مراجعاته لدوائر الدولة قدر الامكان بسبب الروتين والاجراءات الاخرى المعروفة اضافة الى انه عند مراجعته للوكيل القريب منه عادة ما يحضى بكرسي وثير للاستراحة وبقدح من الشاي او القهوة وبمن يهتم بشكل واضح بطلبه ويحاول ان ينجزه له باسرع مايمكن وان كان الامر في واقع الحال لا يختلف عن ذلك كثيرا في الفروع الانتاجية للشركتان المنتشرة في ارجاء العاصمة ومراكزها التجارية وفي محافظات العراق كافة الا ان الوكيل كان يحاول منافستها وتقديم الافضل فكما هو معروف ان التنافس انما ينصب على نوع الخدمة المقدمة فاسعار التامين هي واحدة في مكاتب الشركتين او لدى وكلائها اومنتجيها فلا يتبقى ما يتم التنافس على تقديمه سوى الخدمة والعلاقات العامة حيث نجد وبمرور الزمن ان الوكيل والمنتج والموظف المنتج قد أصبح العديد من زبائنه من مقربيه واصدقائه الشخصيين.[1]

5. تتقاضى الوكالة عمولة اكبر من عمولة المنتج مما يتيح لها تغطية جانب من كلفها الادارية ويمكّنها ذلك أيضا من إعداد مواد ترويج تحمل اسمها اضافة الى ما تستلمه من حصة من مواد معدة من قبل الشركة.

6. بعض وكلاء شركة التامين الوطنية وخاصة القدماء منهم تتمتع وكالاتهم بصلاحيات اصدار بحدود معينة من مبالغ التامين مباشرة الامر الذي نستطيع معه القول ان طلبات التامين الصغيرة نسبيا كانت تصدر من الوكالة وبذا تختصر الوقت وتخفف من الضغط على مركز الشركة. وهذه ميزة مهمة اذ ان النسبة العظمى من الانتاج كان من طلبات التامين الصغيرة نسبيا.

7. الكادر الإنتاجي الذي يقوم الوكيل بتهيئه وتدريبه وتأهيله انما يساهم في واقع الامر في زيادة انتاج الشركة مما يساعدها على تحقيق خططها الانتاجية ويعمل على نشر الوعي التاميني بين صفوف الجمهور.

إن هذه الأمور، وكلها ايجابية، لا تعني أبدا عدم وجود سلبيات فالوكلاء لا يتساوون في إنتاجيتهم ولا في كفاءاتهم الإدارية أو التسويقية ولا نستطيع القول إن الأمور جميعها كانت تجري بسلاسة ونعومة ولعل استعراض ابرز تلك السلبيات سيكون مما يتصدى له بالبحث والتقصي زميل آخر.

وأخيرا، كانت الوكالات من ملامح وصور صناعة التامين في الخمسينات وحتى بداية الثمانينات ولا يمكن لأي باحث أن ينسى أو يتجاهل أهمية ما لعبته من ادوار في زيادة ونشر التوعية التأمينية، وما قدمته من خدمة للشركات الموكلة ولنفسها في ذات الوقت.

أربيل 26 كانون الثاني 2010

هوامش

1 اذكر عندما كنت مديرا لقسم التسويق في الشركة العراقية للتامين على الحياة في الثمانينات من القرن الماضي ان الشركة قامت باستيراد مواد دعائية بكميات كبيرة من اليابان بتوسط المؤسسة العامة لاستيراد وتوزيع الاجهزة الدقيقة وهي عبارة عن ساعات وادوات مكتب وحاسبات جيب من الانواع الراقية جدا التي كانت غير متوفره للبيع في الأسواق. وقد لاقت قبولا كبيرا من جمهور المؤمن لهم لسنوات عديده ولغاية التسعينات.

2 بعد احالتي على التقاعد سنة 1989 تعاقدت مع شركة التامين العراقية للعمل معها كوكيل فانتقلت اعمال معظم زبائني الشخصيين الى الوكالة وانتقلت مرة اخرى الى الشركة التي كنت مديرها المفوض سنة 2000-2006 وثالثة الى الشركة التي اعمل فيها حاليا. وليس جميع الزبائن من بغداد فمنهم من هو في جنوب العراق الان ومنهم من هم خارج العراق. ولا اختص انا بذلك بل هو الحال مع معظم منتسبي القطاع خصوصا مع عمل منهم في حقل الانتاج لسنوات طويله.



وكالات التأمين في العراق:

محاولة أولية لاستثارة البحث


مصباح كمال ومشاركة منذر الأسود وفؤاد شمقار

[1 ] مقدمة
تضم هذه الورقة بعض الرسائل المتبادلة بين كاتب الورقة والزميلين منذر الأسود وفؤاد شمقار، تشكل محتوياتها محاولة أولية لاستثارة البحث في أحد العناصر المكونة لسوق التأمين العراقي (وكالات التأمين)، يساهم وجوده في التأثير على بنية السوق. ونعني بالبنية هنا عدد وقوة المؤمن لهم (المستهلكين: المؤمن لهم)، والقوة النسبية للبائعين ومدى الاتحاد بينهم في الحد من المنافسة (البائعين: شركات التأمين)، وأشكال التنافس (التنافس في الأسعار والخدمات وفي شروط التأمين وغيرها)، والتمييز بين المنتجات التأمينية (المفاضلة بين وثائق التأمين)، وسهولة دخول الشركات إلى سوق التأمين والخروج منها (القيود الرقابية على تشكيل وتسجيل وترخيص شركات التأمين ووكالات التأمين).
والمعروف في الأدبيات الاقتصادية أن بنية السوق تتوزع بين أربع فئات هي: البنية القائمة على المنافسة التامة perfect competition (عدد كبير من البائعين والمشترين لا يستطيع أي واحد منهم التأثير على العرض والطلب ومستوى الأسعار)، احتكار القلة من البائعين oligopoly (عدد صغير من كبار البائعين يسيطرون على العرض ومستوى الأسعار)، احتكار البيع monopoly (بائع واحد له السيطرة شبه التامة على العرض وعلى الأسعار) واحتكار الشراء monopsony (مشتري واحد له السيطرة شبه التامة على الطلب وعلى الأسعار).

هذه هي، مع التبسيط، الخلفية الاقتصادية للبحث في دور وكالات التأمين والمنتجين في سوق التأمين العراقي، وهو دور لم يلق اهتماماً من ممارسي التأمين في العراق أو الباحثين في شؤونه رغم أهميته في التأثير على بنية السوق التأميني، والطلب على التأمين، ومنافذ توزيع المنتجات التأمينية، وإشاعة وعي تأميني وليس في مقدورنا الآن دراسة هذا الموضوع. فيما يلي سنعرض نصوص الرسائل المتبادلة، وبعدها نقوم بعرض بعض ما توفر لنا من نصوص قانونية منظمة للوكالات، وكذلك إثارة مجموعة من الأسئلة يمكن أن توفر مفاتيح أولية لإجراء بحوث معمقة.

[2] تعريف أولي بدور وكالات التأمين
كتب مصباح كمال في 5 آب 2009 الرسالة أدناه إلى الزميلين فؤاد شمقار ومنذر الأسود:
"تعرفان بأن وكالات التأمين، بفضل احتكاكها المباشر بطالبي التأمين، لعبت دوراً مهماً في ترويج الحماية التأمينية والمساهمة في زيادة الطلب عليها على مستوى الأفراد والشركات التجارية والصناعية الصغيرة والمتوسطة الخاصة. وأذكر منها وكالة الدرزي، ومجيد الياسين، وبيرسي سكويرا وربما يكون هناك غيرها كانت نشطة في الفترة التي كنت أعمل فيها في بغداد (1968-1977) إلا أن ذاكرتي لا تسعفني في استعادة أسمائها.

هل لكما أن تقوما بالكتابة عن وكالات التأمين، وإن كان ذلك متعذراً عليكما، لسبب أو لآخر، هل لكما أن تدلاني على من يمكنه البحث في الموضوع، أو تُحّولان له/لها هذه الرسالة؟

الهدف من هذه الدراسة هو سد النقص في الكتابات عن سوق التأمين العراقي التي تشكل الوكالات أحد عناصره إضافة إلى شركات التأمين، والمؤمن لهم من الأفراد والشركات والمؤسسات الرسمية، وهيئات الرقابة والإشراف، وجمعيات شركات التأمين، ومؤسسات الدولة ذات العلاقة، وخبراء المعاينة وتسوية الخسائر وتقييم الممتلكات والحقوقيون المتمرسين ممن اختصوا بقضايا التأمين والترافع عنها أمام المحاكم العراقية (وهؤلاء أيضاً بحاجة إلى من يقوم بالكتابة عنهم).

صحيح أن بعض الأوراق المنشورة في مدونة مجلة التأمين العراقي تشير إلى هذه العناصرإلا أن المعالجة المستقلة لها باتت مطلوبة لذاتها للتعريف بهذه العناصر من منظور تاريخي وكذلك دور الوكالات ومنتجي شركات التأمين في الإنتاج وتمهيد السبيل لتطوير دورها في تقديم الخدمة التنافسية وتحولها، بمرور الزمن، إلى مؤسسات احترافية. وهدفي الأكبر من القيام بمثل هذه البحوث هو التفكير بأهمية تكامل السوق الـتأميني وكيفية تحقيقه.

وأنا مستعد للتعاون مع من تبحث في هذا الموضوع من خلال القراءة النقدية لما يكتب أو من خلال تبادل الآراء حول نهج المعالجة.

آمل أن أقرأ رأيك بهذا الشأن."

[3] صعوبة وأمل الحصول على المعلومات
رد منذر الأسود بتاريخ 5 آب 2009

أخي العزيز إن الموضوع الذي أشرت إليه مهم جدا وأشكركم على طلبكم إلينا بان نقوم بالكتابة عنه. إنني سأحاول وابذل الجهد المطلوب من اجل ذلك. واعتقد، مما يؤسف له، انه سيكون من الصعوبة العثور على المعلومات ولكن، على كل حال، نأمل أن نوفق أنا والأخ شمقار على ذلك وسأتصل معه بهذا الخصوص. وعلى ما اذكر كانت هناك وكالة باسم - الدبوني - وغيرها.

[4] إتلاف مصادر البحث وجرد أسماء وكالات التأمين
رد فؤاد شمقار بالرسالة التالية في 8 آب 2009:

إن اهتمامكم بالسوق قد وصل إلى حد لا يأتي في بال أحد ولم يفكر أحد في تدوينه والكتابة عنه وإبراز دور وكالات التأمين في العراق ومنتجيه في توزيع الحماية التأمينية ومساهماتهم في رفد شركات التأمين بطلبات التأمين من كافة الجهات.

إن الكتابة عن هذا الموضوع ليس بالأمر السهل لعدم وجود معلومات وصعوبة الحصول عليها وعلى الأوليات من الجهات ذات العلاقة، ولعل المكان الذي يمكن فيه الحصول على المعلومات هو (معمل الورق) في العمارة إذ أن أوليات الدوائر والوزارات تذهب إل هناك دون تدقيق وتحميص لمعرفة ما يجب إتلافها وما يجب المحافظة عليها إذ أن المهم عند الفرز سنة الإصدار دون أهمية بقاء هذه الأوليات. إن الغاية من إرسال الأوليات هي عجنها مجدداً واستخدامها في صنع الورق. لذلك فإن المراجعة للمعمل سوف لن تأتي بالمفيد لأن الورق قد أعيد تصنيعه وبذلك ضاعت كل المعالم. (هنالك مقولة كنا نسمعها دائماً – هذه أوراق قديمة، أوليات قديمة، أوليات قديمة فلتذهب إلى المخزن).

إن تكليفكم لنا أنا والسيد منذر للكتابة عن هذا الموضوع مبعث فرح. ولعل مهمة السيد الأسود – لقربه من المعلومات في بغداد من قسم التسويق – أسهل من مهمتي، ومع ذلك سوف نتعاون. وقد اتصل بي السيد منذر بالأمس كما وأرسل لي الأوليات فشكري له على ذلك.

أخي العزيز، إذا قام السيد منذر بتذكيركم بوكالة الدبوني فأنا أذكركم وأقول لكم إن الوكالات التي كانت في السوق، ومنها وكالات بوزن شركة تأمين بذاتها، هي:

الدرزي، مجيد الياسين، بيرسي سكويرا، عبد الحميد الهلالي، الدبوني، جورج نعيم، البحراني، نزهت غزالة، فيكتور كوريه، حسن النجفي، أست حنا، فؤاد حبّه، عجينه، سمير جرجس بوتا، ملكونيان، الاعتماد، سليم جاسم شاهين، العنبكي، فالح حسن، محمد جواد حسن سعيد.
 لعل هناك غيرهم ولكن الذاكرة تخونني الآن في تذكرهم. أما بالنسبة إلى المنتجين القدماء في السوق وعلى ما أذكر هم كل من:

بهنام صفر، عبد الرضا المغازجي، أمطشر موسى، عبد علي كريم، عبد الغني الخشاب، داخل عباس، جمعه صكبان، طارق شهاب، سعيد جواد، عبد الغني محمد يونس، طه النجدي، نجيب يوسف، رياض يعقوب، فائق محمود عسكر، سمير فيليب، حميد الساعدي، اليعقوبي وغيرهم.

أرجو أن أكون قد أعدت بكم بالذاكرة إلى أيام السبعينيات.

[5] غياب التوثيق وجرد أسماء إضافية لوكالات التأمين
ورد منذر الأسود بتاريخ 10 آب 2009 برسالة ثانية:

حاولت خلال الأيام الماضية الاتصال ببعض الأصدقاء اللذين كانوا يعملون أو متواجدين الآن في شركات التامين لغرض الحصول على معلومات تفيدنا في موضوع شركــــــــــــات التامين الأجنبية ووكالات التامين قبل تأسيس شركة التأمين الوطنية وبعد ذلك. ولكن مـــــــــع الأسف الشديد لم استطع لاعتذارهم، بسبب عدم توفر ذلك لديهم حتى ولو على معلومات بسيطة.

قمت صباح اليوم 10/8/ 2009 بزيارة إلى السيد شاكر الحسني مدير التسويق لشركــــــة التامين الوطنية الآن والتقيت به وتداولت معه بخصوص الموضوع لكي احصل منه على أية معلومة أو مستند لدى الشركة تشير إلى تلك الشركات ووكـــــالات التامين ولكن مع الأسف اعتذر لعدم توفر أية معلومة أو مستند لأنه لم يتم توثيق أي شيء لديهم.

وحاولت البحث في مكتبتي المتواضعة وبعد البحث في مجلة رسالة التامين لغايـــــة عام 1980 حصلت على أسماء بعض وكالات التأمين في العراق وعناوينهم وذلك من خــــــلال الإعلانات التي كان يتم نشرها في المجلة وهي:

- وكالة احمد الدبوني للتأمين –عمارة الدفتردار
- وكالة فريد شاكر كوريا للتأمين – عمارة الأديب – شارع السعدون
- شركة حمزة وعباس الدرزي للتأمين – عمارة بنك الرافدين – شارع البنوك
- وكالة عبد الحميد الهلالي للتأمين –عمارة جميل حافظ- شارع الرشيد
- وكالة مجيد الياسين للتأمين – عمارة الخليلي –الشورجة – شارع الجمهورية
- وكالة بيرسي سكويرا للتأمين – عمارة ميناس – الباب الشرقي
- مكتب هادي الجزائري للتأمين – عمارة سامي سعد الدين – شارع الرشيد
- شركة أيل فورستر وصباغ – شارع الرشيد – الباب الشرقي
- وكالة فؤاد قطة للتأمين – عمارة البدوي – شارع الرشيد
- وكالة بشير عجاج للتأمين –عمارة اسكندر اسطيفان – شارع السعدون
- وكالة عريس للتأمين – عمارة حمدي الباجه جي – الباب الشرقي

إضافة إلى ما ذكره الأخ شمقار في رسالته المؤرخة 8/8/2009

هذا وإنني أعلمتكم برسالتي في 5/8/2009 (واعتقد مما يؤسف له انه سيكون من الصعوبة العثور على المعلومات) وقد تداولت مع الأخ شمقار بالهاتف والايميل وأعلمني اليوم انه من الصعوبة الحصول على المعلومات وعلى أي مستند من الجهات ذات العلاقة، وليس الأمــــــر سهلاً لعدم توثيق أي شيء. وإنني أشيركم لرسالة الأخ شمقار بخصوص الموضوع.

عليه وبالرغم من الجهود التي بذلت من قبلنا تعذر الحصول على أية معلومة من أي جهــــــة كانت وكان اهتمامنا أنا والأخ شمقار أن نقوم بالدراسة والكتابة عن إبراز دور شركات التأمين الأجنبية ووكلاء شركات التامين للفترة قبل عام 1950 وما بعد ذلك، وكما قلت أنت (إن الهدف من الدراسة هو سد النقص في الكتابة عن سوق التأمين العراقي التي تشكل الوكالات احد عناصره إضافة إلى شركات التأمين). ولكن مع الأسف لم نتمكن ذلك وقد خاب ظننا بذلك.

نأمل انه قد وفقنا للحصول على بعض المعلومات ولو بسيطة.

[6] دراسة أولى من نوعها
في 9 آب 2009 بعث مصباح كمال بالرسالة التالية لفؤاد شمقار:

تحية طيبة وشكراً على تقييمك والمعلومات التي ذكرتها في رسالتك. ها أنك والزميل منذر تراكمان المعلومات الأولية عن وكلاء ومنتجي التأمين، وبعدها ستضيفون المزيد من المعلومات والتحليل القانوني للوكلاء والمنتجين وربما مناهج عملهم في الإنتاج. طالما أبقيتم الموضوع حياً فإنكما ستنجزان دراسة اعتقد بأنها ستكون الأولى من نوعها في العراق. وأنتما تعدان الدراسة ستذكران معوقات البحث (ومنها مصير المستندات الرسمية وقد يكون من المناسب هنا الإشارة إلى قانون حفظ الوثائق الرسمية وأهميته البحثية والقانونية).

سأكون معكما لتقديم ما أستطيعه من مساعدة في إعدادكم للبحث. أتمنى لكما النجاح في هذا المسعى وهو مهم بالنسبة لي لأنه يؤكد على إمكانية العمل المشترك.

[7] صعوبة البحث العلمي في نشاط التأمين في العراق
في 20 آب 2009 بعث مصباح كمال بالرسالة التالية لمنذر الأسود:

البحث العلمي في شؤون التأمين في العراق أصبح صعباً. كنتُ أتوقع أن تجدوا ضالتكم لدى شركة التأمين الوطنية وشركة التأمين العراقية إلا أن جهودكم أثبتت انعدام المعلومات والمستندات. إزاء هذا الوضع المحزن هل لكما توثيق ما توصلتما له في مقالة قصيرة لنقوم بنشرها في مجلة التأمين العراقي؟ وأرى، إن كنتم تتفقان معي، عرض بعض الجوانب القانونية لموضوع الوكالة والتفريق بينها وبين الإنتاج المباشر لشركات التأمين، والتعليق على مستقبل وكالات التأمين في سوق التأمين العراقي في ظل قانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005 وانفتاح السوق أمام الشركات الأجنبية. ومن يدري لعل أحدهم يهتم بالموضوع بعد نشره.

أشكركما على جهودكما.

[8] وكالات التأمين في القوانين العراقية
من رأينا أن تاريخ الوكالات، الأجنبية والوطنية، مرتبط بتاريخ التأمين في العراق. وقد ذكرناً شيئاً من هذا التاريخ في دراسة لنا "إطلالة على بواكير التأمين والرقابة على النشاط التأميني في العراق" (الثقافة الجديدة، العدد 331، 2009، ص 45-46. يمكن الرجوع إلى الدراسة في مدونة مجلة التأمين العراقي http://misbahkamal.blogspot.com/2009/09/331-2009-44-52.html) وفيها قلنا الآتي:

"لم ينشأ النشاط التأمين في صورته الحديثة في العراق لحاجة اقتصادية أو اجتماعية محلية في حماية الأفراد والأصول المادية من عوارض الطبيعة وأخطار التجارة والصناعة الملازمة للإنتاج كما كان الحال في بلدان أخرى كبريطانيا وغيرها من الدول الغربية. فقد دخل التأمين إلى العراق، كما في البلدان العربية، من خلال تأسيس وكالات لشركات التأمين الغربية.
كانت وكالات التأمين الأجنبية في العراق والبلدان العربية مرتبطة أساساً بالتجارة الخارجية للمتروبولات الأوروبية، وكانت هذه الوكالات الشكل الأولي الذي اتخذه النشاط التأميني في البلاد العربية الخاضعة للحكم العثماني. وكان التأمين البحري على البضائع هو الأهم من بين أنواع التأمين التي تتعاطى بها الوكالات الأجنبية لكننا لا نعدم وجود التأمين على المؤسسات التجارية ضد أخطار الحريق. وارتبط هذا النوع من التأمين بالمؤسسات المالية، كالبنوك، التي كانت تقدم القروض لتمويل التجارة وتقوم بإصدار خطابات الاعتماد وإلزام المقترض توفير ضمانة التأمين."

ومضينا بالقول:

"بعد صدور قانون شركات التأمين رقم 74 لسنة 1936 صدر نظام إجازات وكلاء شركات التأمين رقم 25 لسنة 1936 (الوقائع العراقية، العدد 1522، 6/18/1936) وضم خمس مواد.

"مادة 1

يجب أن تستوفى الإجازة المنصوص عليها في المادة الثامنة من قانون شركات التامين رقم 74 لسنة 1936 للقيام بأعمال وكالة شركة من شركات التامين الشروط التالية: 
1- أن يكون لدى الوكيل وكالة تخوله الصفة القانونية .... 
2 - أن يكون الوكيل:
ا - قد بلغ 21 سنة من العمر.
ب – غير محكوم عليه بجناية أو بجنحة مخلة بالشرف.
ج - غير محكوم عليه بالإفلاس إلا إذا استعاد اعتباره.
د - معروفا بالاستقامة وحسن السلوك.
هـ - أن يكون مسجلا في غرفة التجارة.

وقد خضع هذا النظام للتعديل بموجب نظام تعديل نظام إجازات وكلاء شركات التأمين رقم 25 لسنة 1936 (الوقائع العراقية تاريخ 30 أيار 1938). أنصب التعديل على الفقرة 2 من المادة 1 وبموجبه ألغيت الفقرة 2 من المادة الأولى وحلت محلها الفقرة التالية:

"2 – أن يكون الوكيل:

ا – شخصا حكميا معترفا بشخصيته الحكمية بمقتضى القوانين العراقية النافذة ومسجلا في غرفة التجارة.
ب – شخصا حقيقيا بالغا 21 سنة من العمر، ومعروفا بالاستقامة وحسن السلوك وغير محكوم عليه بجناية أو جنحة مخلة بالشرف ولا بالإفلاس إلا إذا استعاد اعتباره ومسجلا في غرفة التجارة."

أهمية هذا التعديل تكمن في الاعتراف بالوكيل التأميني كشخصية حكمية إضافة إلى الوكيل كشخصية طبيعية. وهذا يؤشر إما على تطور في مزاولة التأمين خلال سنتين أو انتباه المشرّع لنقص في نظام إجازات وكلاء شركات التأمين رقم 25 لسنة 1936.

وجاء في المادة 3 من نظام إجازات وكلاء شركات التأمين رقم 25 لسنة 1936 نص بوقف إجازة شركة التأمين أو وكيلها:

"مادة 3

1 على وزير المالية أن يوقف الإجازة الممنوحة بموجب المادة الأولى من هذا النظام لمدة لا تتجاوز الستة أشهر أو يلغيها في كل من الأحوال التالية:

ا - إذا خالفت الشركة أو وكيلها أحكام القانون رقم 74 لسنة (1936) بأية طريقة كانت.

ب - إذا ثبت بصورة قاطعة أن احد حملة الصكوك بوليسات التامين في العراق قد طالب شركة التامين بطلب غير منازع فيه فأهملته الشركة أو وكيلها مدة تسعين يوما أو إذا امتنع الوكيل أو الشركة عن تنفيذ حكم اكتسب الصورة القطعية.

ج - إذا طرا على اعتبار الشركة المالي أي خلل يستوجب تزييد الضمانة الواجبة الوضع أو هبطت أسعار قيمة السندات المعتاض بها عن مبلغ الضمانة وامتنعت الشركة أو وكيلها عن تسديد ذلك.
2 على وزير المالية أن يعيد الإجازة إذا نفذت أحكام القانون المذكور في أعلاه بظرف ستين يوما من تاريخ الإيقاف أو الإلغاء.

3 تبطل الإجازة إذا فقد الوكيل احد الشروط المنصوص عليها في المادة الأولى من هذا النظام."

نلاحظ أن وقف الإجازة يتأسس على ثلاث شروط (مخالفة أحكام قانون شركات التأمين رقم 74 لسنة 1936، إهمال حقوق حملة وثائق التأمين، خلل في الوضع المالي لشركة التأمين يستوجب زيادة الضمانة أو هبوط قيمة الضمانة). هذه الشروط يراد منها حماية حقوق المؤمن له إلا أن النص، كما هو عليه، لا يتوسع فيما يخص استرداد مثل هذه الحقوق من الشركة المخالفة لأحكام القانون. كما أن النص لا يذكر فرض غرامة مالية معينة على الشركة المخالفة.

هكذا بدأت بواكير الرقابة على النشاط التأميني في العراق. والموضوع يستحق المزيد من البحث."

ليس بوسعنا، دون توفر المصادر والمراجع، رصد جميع التشريعات والتعليمات الخاصة بعمل وكلاء التأمين، ولذلك سنعرض هنا ما تيسر لنا من معلومات، ونكتفي بالإشارات التي ترد عن وكالات التأمين والتعليق عليها باختصار.

قانون شركات ووكلاء التامين رقم (49) لسنة 1960 [4/6/1960]

ألغى قانون سنة 1960 قانون شركات التأمين وتعديلاته رقم 74 لسنة 1936 ونظام إجازات وكلاء التأمين رقم 25 لسنة 1936 الصادر بموجبه. والغي قانون 1960 بموجب قرار إعطاء وزارة المالية صلاحية القيام بنشاط التأمين وإعادة التأمين لأغراض قانون الشركات رقم 21 لسنة 1997.

يرد في المادة 1، الفقرة 3 تعريف لوكيل التأمين كما يلي:

"3 - وكيل التأمين – هو الشخص الطبيعي أو المعنوي الذي يمنحه الوزير أجازة بصفة وكيل تأمين بموجب مواد الفصل الخامس من هذا القانون."

يفهم من هذا النص أن الوكيل يمكن أن يكون فرداً (شخص طبيعي) أو شركة (شخص معنوي).

يضم الفصل الخامس، ويحمل عنوان وكلاء التأمين، المواد الآتية:
"المادة 23

يشترط في وكيل التأمين توفر الشروط التـاليـة:

1- أن يكون عراقي الجنسية بالغاً سن الحادية والعشرين ومعروفاً بالاستقامة وحسن السلوك وغير محكوم عليه بجناية أو جنحة مخلة بالشرف ولا بالإفلاس ولم يعد [يستعد] اعتباره بعد. وأن يكون مسجلاً في إحدى غرف التجارة."

هذه الشروط مماثلة لتلك التي نص عليها نظام إجازات وكلاء شركات التأمين رقم 25 لسنة 1936 في المادة 2، الخاصة بالوكيل الفرد، التي نصت على أن يكون الوكيل:

"ا - قد بلغ 21 سنة من العمر.

ب – غير محكوم عليه بجناية أو بجنحة مخلة بالشرف.

ج - غير محكوم عليه بالإفلاس إلا إذا استعاد اعتباره.

د - معروفا بالاستقامة وحسن السلوك.

هـ - أن يكون مسجلا في غرفة التجارة."

هناك فرق فيما يخص هوية وكيل التأمين إذ أن نظام 1936 لم يشترط عليه أن يكون عراقياً كما جاء في قانون 1960. ويمكن قراءة هذا الفرق في تباين الرؤية الاقتصادية العامة التي كانت سائدة خلال حقبة ثلاثينات وستينات القرن الماضي. أو يمكن تفسيرها من منظور تطور الكوادر البشرية العراقية المتمكنة من استخدام أدوات التأمين في الستينات. وربما تكون النزعة نحو الاستقلالية في إدارة النشاط الاقتصادي هي الأهم، وهي التي وسمت التوجهات الأساسية لثورة 14 تموز 1958. هذه التكهنات تبقى كذلك إلى أن تحسم من خلال الدراسة التاريخية.

وتجد هذه النزعة حضوراً لها في الفقرة 2 من هذه المادة:

"2- أو أن يكون شركة مؤسسة في العراق على أن لا تقل نسبة ما يملكه العراقيون من رأس مالها عن (60%) دائماً ويجب أن تتوفر الشروط المطلوبة في شخص الوكيل الطبيعي في جميع الأشخاص المتضامنين في شركات الأشخاص إذا كانت الشركة شركة أشخاص."
وكذلك في النص على عدم إجازة أي شخص "أن يؤمن خارج العراق مباشرة على أشخاص أو عقارات أو أموال موجودة في العراق." يضاف إل ذلك التأكيد على تأسيس وكالات التأمين كشركات في العراق، واشتراط الملكية العراقية فيها بما لا يقل عن 60% من رأسمالها. هذا إضافة إلى وجوب توفر الشروط الخاصة بالوكيل الطبيعي لدى جميع الأشخاص المتضامنين بالنسبة لشركة الأشخاص. وهذا الشرط الأخير نراه مطلوباً من قبل بعض السلطات الرقابية على التأمين في الغرب مضافاً إليها المؤهل المهني أو ممارسة التأمين لبضعة سنوات.

ولنا أن نضيف أن المشروع الاقتصادي لثورة تموز 1958 كان يستهدف توسيع دائرة مشاركة الرأسمال الوطني في مختلف القطاعات. وبالنسبة لقطاع التأمين فقد جاء في الأسباب الموجبة لتشريع القانون رقم 49 لسنة 1960

"إن هذا القانون يستهدف تشجيع استثمار رأس المال الوطني في حقل التأمين والسعي تدريجياً لإحلاله محل رأس المال الأجنبي على أن يلاحظ خلال ذلك كفاءة خدمات التأمين المتوفرة في البلاد بالنسبة لحاجة السوق إليها وفي هذا الهدف تتصل لائحة شركات التأمين الجديدة مع قانون تأسيس شركة إعادة التأمين رقم 21 لسنة 1960 ويعتبر القانونان متكاملين في السعي لتعريف ميدان التأمين وفتحه أمام رأس المال الوطني."

ولكن لاحظ كيف أن الإحلال التدريجي لرأس المال الأجنبي يرتبط في ذهن الشارع مع اشتراط "كفاءة خدمات التأمين المتوفرة في البلاد بالنسبة لحاجة السوق إليها." ولعلنا نستبق الزمن في مقارنة هذا الموقف العقلاني مع الإجراءات "الثوروية" لسلطة الاحتلال الأمريكي عند تشريع الأمر رقم 10 (قانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005) والتي لم تأخذ بعين الاعتبار واقع قطاع التأمين العراقي وتاريخه بضمنه التشريعات القانونية المرتبطة به، واكتفت بنقل يكاد أن يكون حرفياً لنصوص قانونية من خارج العراق.

وعند مقارنة الفقرة 2 من القانون رقم 49 لسنة 1960 مع نظام تعديل نظام إجازات وكلاء شركات التأمين رقم 25 لسنة 1936 (أنصب التعديل على الفقرة 2 من المادة 1 وبموجبه ألغيت الفقرة 2 من المادة الأولى وحلت محلها الفقرة التالية: "2 – أن يكون الوكيل: ا – شخصا حكميا معترفا بشخصيته الحكمية بمقتضى القوانين العراقية النافذة ومسجلا في غرفة التجارة.") نلاحظ غياب اشتراط الهوية العراقية، والحد الأدنى للمساهمة العراقية في رأس المال والشروط الأخرى.

"المادة 24

يجب أن تكون لدى وكيل التأمين وكالة خاصة من شركة تأمين تتوفر فيها الشروط المطلوبة في هذا القانون ويشترط أن تتضمن الوكالة بصورة خاصة مـا يلـي:

1- تمثيل شركة التأمين أمام المحاكم والوزير وجميع الهيئات الأخرى.

2- تسلم الإنذارات والتبليغات والمخابرات الموجهة إلى شركات التأمين من المحاكم أو من الوزير أو أي سلطة أخرى.

3- تزويد الوزير بالمعلومات المطلوبة وفقاً لأحكام هذا القانون أو أي قانون آخر.

4- أن يخول دفع التعويضات الناتجة عن حدوث الأخطار المؤمن عليها بموجب عقود التأمين من قبله عن الشركة."

مع التحفظ نقول إن هذه الشروط تجعل من وكيل التأمين كياناً يكاد أن يماثل شركة التأمين إذ أن دوره يتجاوز مجرد الإنتاج، وهو الدور الذي يستحضر في الذهن كلما جاء ذكر لوكيل التأمين. فقد جاء في الأسباب الموجبة لإصدار هذا القانون أنه "اشترط على الوكيل أن يكون لديه وكالة كاملة تحفظ حقوق المؤمن لهم من المماطلة أو التسويف." وبالطبع مثل هذا القول يحتاج إلى بحث في التكوين التنظيمي لوكلاء الـتأمين، وكيفية ممارستهم لصلاحياتهم وما كان ينشأ من تضارب بين دورهم وشركة التأمين التي يحملون وكالة خاصة منها (العلاقة العقدية بين الوكيل والموكل). ويستدعي النص على "المماطلة والتسويف" مراجعة لسلوك شركات التأمين ووكلائها في تلك الحقبة إذا أن هذا النص يعكس، في رأينا، واقعاً وربما كان موضوعاً لحديث دائر بين الأوساط المعنية كالمؤمن لهم، ومحاميهم وغيرهم.

النظام الداخلي لشركة التأمين الوطنية رقم (1) لسنة 1987
الوقائع العراقية، العدد، 3150، 5/18/1987

الغي هذا النظام بموجب النظام الداخلي لشركة التأمين الوطنية، رقم 1 لسنة 1998

يأتي ذكر وكلاء التأمين في هذا النظام في المادة 9 كما يلي:

"يتولى المدير العام الواجبات والصلاحيات الآتية:

تاسع عشر: منح إجازة منتج تامين طبقا للقواعد التنظيمية المقررة لأعمال وكلاء التامين ومنتجي التامين."

ويرد ذكر وكالة التأمين ضمن المجموعة الثانية من اختصاصات وصلاحيات مجلس الإدارة (المادة 7) تحت الفقرة ج:

"إقرار السياسة العامة لإنتاج أعمال التامين المباشر ووضع قواعد وشروط وامتيازات منافذ بيع الخدمة التأمينية ومنح إجازة وكالة تامين طبقا للقواعد التنظيمية المقررة لأعمال وكلاء التامين ومنتجي التامين."

نتعرف من هذين النصين على أن السياسة العامة لمنح إجازة وكالة التأمين هي من اختصاص مجلس إدارة الشركة، ويتولى المدير العام صلاحية منح إجازة منتج تأمين. ونتوقف عند منتج التأمين فهو ضمن هذه المعطيات قد يكون موظفاً براتب شهري لدى الشركة (وهو ما نعرفه من تجربة شخصية في أواخر ستينات وأوائل سبعينات القرن الماضي) أو قد يكون منتجاً مستقلاً. ولا سبيل لنا للتعرف بدقة على نمط الإنتاج فالقواعد التنظيمية المقررة لأعمال وكلاء التامين ومنتجي التامين والمعلومات الأخرى ذات العلاقة غير متوفرة.

ولنا أن نضيف أن تطوراً قد حصل في صلاحية منح الإجازة للوكلاء ففي حين كانت هذه الصلاحية محصورة لدى الوزير المختص بموجب قانون شركات ووكلاء التامين رقم (49) لسنة 1960، أصبحت هذه الصلاحية من اختصاصات المدير العام لشركة التأمين وفق القواعد التنظيمية المقررة لوكلاء ومنتجي التأمين في النظام الداخلي لشركة التأمين الوطنية (1987).

النظام الداخلي لشركة التامين الوطنية (1998)
الوقائع العراقية، العدد 3750، 11/30/1998

لا يرد في هذا النظام الداخلي ذكر لوكيل التأمين أو وكالة التأمين. لكن الفقرة (و) من المادة 17 في شرحها لمهام قسم التخطيط والتسويق تذكر أن القسم يقوم باقتراح "السياسات التسويقية وإعداد البرامج التسويقية والإشراف على تنفيذها، ومتابعة إنتاج الفروع والمكاتب والقنوات التسويقية المرتبطة بها." [التأكيد من عندنا]. ولعل وكالات التأمين كانت تشكل جزءاً من القنوات التسويقية، كما أن المادة 24 تنص: "فيما لا يتعارض مع ما ورد في هذا النظام يستمر العمل بالصلاحيات والواجبات والتعليمات النافذة عند صدوره ولحين إعادة النظر فيها." أي أن القواعد السابقة المنظمة لعمل الوكالات تظل سارية. وهذا الرأي يستوجب البحث لتأكيده أو تعديله بالرفض.

النظام الداخلي لشركة التأمين العراقية رقم (2) لسنة 1988
الوقائع العراقية، العدد 3216، 8/22/1988

نلاحظ أن النظام الداخلي لشركة التأمين العراقية لسنة 1988 (الملغى) بشأن وكلاء التأمين يضم تفصيلاً أكبر مقارنة بنظام شركة التأمين الوطنية. فالمادة 15 تقرر:

"أولا ¬ ترتبط بالشركة وكالات تامين أهلية تجاز من قبل الشركة ومنتجون أهليون متعاقدون معها وفق عقود وشروط تقررها الشركة للتوسط في استحصال طلبات التامين من الجمهور في نوع أو أكثر من أنواع التامين وحسب توجيهات وتعليمات الشركة.

ثانيا ¬ يحدد المدير العام الجهة التي ترتبط بها الوكالات والمنتجون الأهليون المتعاقدون ويصدر التعليمات التنظيمية لأعمالها."

نقرأ هنا عن "وكالات تأمين أهلية" وعن "منتجون أهليون" وكلتا الفئتين تقومان بالتوسط في استحصال طلبات التأمين. وقراءتنا لهذه المادة هو أن وكالات التأمين والمنتجون أطراف مستقلة عن الشركة وتتقاضى عمولة على الإنتاج. لكننا لا نعرف المزيد لأننا لم نستطع الإطلاع على "توجيهات وتعليمات الشركة" و "التعليمات التنظيمية" التي يحددها "المدير العام" لتعين الجهة التي ترتبط بها الوكالات والمنتجون. ويظهر هنا أن للمدير العام دور تنظيمي في تحديد جهة الارتباط داخل الشركة.

عندما حل النظام الداخلي لشركة التامين العراقية العامة لسنة 1999 (الوقائع العراقية، العدد 3760، 2/8/1999) محل النظام الداخلي لسنة 1988 لم يتغير النص سوى جمع الفقرتين في نظام 1988 ضمن فقرة واحدة كم جاء في المادة 16:

"ترتبط بالشركة وكالات تامين أهلية تجاز من قبل الشركة ومنتجون أهليون متعاقدون معها وفق عقود وشروط تقررها الشركة للتوسط في استحصال طلبات التامين من الجمهور في نوع أو أكثر من أنواع التامين وحسب توجيهات وتعليمات الشركة ويحدد المدير العام جهة ارتباطها."

التعليمات المرقمة 12 لسنة 1999 الصادرة من وزير المالية وتحمل عنوان تعليمات ممارسة التامين وإعادة التامين

تضم هذه التعليمات جملة من الأحكام نقتبس نص البعض منها كما يلي:

"المادة 14

للشركة أن تمنح وكالة تامين لغرض عرض أو التوسط أو إبرام عقد التامين لحسابها وفق هذه التعليمات لقاء مرتب أو مكافأة أو عمولة إنتاج.

المادة 15

يجب توفر الشروط التالية في وكيل التامين:

ا – إذا كان وكيل التامين شخصا طبيعيا:

أولا – أن يكون عراقي الجنسية بالغا سن الخامسة والعشرين ومعروفا بالاستقامة وحسن السلوك وغير محكوم عليه بجناية أو جنحة مخلة بالشرف أو بالإفلاس.

ثانيا – أن يكون مسجلا في إحدى غرف التجارة.

ثالثا – له خبرة تأمينية لمدة لا تقل عن خمس سنوات وحائزا على شهادة الإعدادية في الأقل.

ب – إذا كان وكيل التامين شخصا معنويا:

أولا – أن يكون شركة مؤسسة في العراق.

ثانيا – أن تتوفر الشروط المطلوبة في شخص الوكيل الطبيعي في جميع الأشخاص المتضامنين في شركات الأشخاص أو المدير المفوض في غيرها."

وتنظم أحكام المواد 16-20 ضوابط تسجيل وعمل وكالة التأمين نوجزها كما يلي:

16 – تقديم شركة التأمين طلب إلى مراقب التأمين بخصوص استخدام وكيل للتأمين.
17 – تقديم مراقب التأمين توصية لوزير المالية بالموافقة على وكالة التأمين.
18 – اشتراط قيام شركة التأمين بتبليغ مراقب التأمين بأي تغيير يطرأ على الوكالة أو بتغيير وكيل التأمين.
19 – تحديد التزامات وكيل التأمين: مسك سجلات محاسبية أصولية، أن لا يكون وكيلاً لأكثر من شركة واحدة، الالتزام بأصول وقواعد المهنة وبقرارات شركة التأمين وتعليماتها، أن يسجل في السجل التجاري،إذا كان وكيل التأمين شخصاً معنوياً يشترط أن يكون أحد المخولين بالتوقيع تتوفر فيه الشروط المطلوبة في وكيل التأمين الطبيعي.
20 – إلغاء الوزير وكالة التأمين وشطب اسم الوكيل من السجل بتوصية من مراقب التأمين إذا خالف هذه التعليمات أو القوانين والأنظمة ذات العلاقة بأعمال الوكالة.

هذه الشروط قريبة من الشروط الواردة في قانون رقم 49 لسنة 1960 (الملغى) خاصة فيما يتعلق بنهج التأكيد على عراقية وكيل التأمين الطبيعي والمعنوي.

نقرأ في المادة 14 أن منح وكالة تامين هو "لغرض عرض أو التوسط أو إبرام عقد التامين لحسابها وفق هذه التعليمات لقاء مرتب أو مكافأة أو عمولة إنتاج." هذا الغرض يشمل ثلاثة أشكال من العمل: العرض (مما يعني أن وظيفة الوكيل تنحصر بعرض طلب التأمين على شركة التأمين دون الانشغال بتفاصيل اكتتابيه وغيرها)؛ التوسط (القيام بدور وسيط التأمين مما يتطلب أعمالا إضافية من الوكيل، وهو أمر مستغرب لأن القوانين السائدة آنذاك لم تغطي دور الوسطاء)؛ وإبرام العقد (أي أن الوكيل يتصرف كما لو أنه شركة تأمين على الأقل من جهة الاكتتاب). لم تتوسع المادة في الشرح وما وصفناه بين قوسين قد لا يكون صحيحاً.

ويرد في هذه المادة أيضاً أن عمل الوكيل يكون "لقاء مرتب أو مكافأة أو عمولة إنتاج." أي أن هناك ثلاثة أشكال لتسديد أتعاب الوكيل: عن طريق المرتب (ولم تعرف المادة إن كان هذا المرتب أسبوعياً أو شهرياً أو ربع سنوي مثلاً)؛ أو المكافأة (ويبدو أن هذا الأجر لقاء وثيقة واحدة)؛ أو عمولة إنتاج (وربما تكون هذه العمولة مبلغاً مقطوعاً أو نسبة مئوية من الأقساط المكتتبة). وكما ذكرنا آنفاً فإن هذا الوصف قد لا يكون صحيحاً.

ونقرأ في المادة 15 حكماً يشترط على وكيل التأمين أن يمتلك "خبرة تأمينية لمدة لا تقل عن خمس سنوات وحائزا على شهادة الإعدادية في الأقل." وهو اشتراط مهم يستهدف حصر الوكالات بمن يتمتع بخبرة عملية أو يحمل شهادة مدرسية. مثل هذا الاشتراط مستقى من الأنظمة الغربية، والميل المتزايد في التأكيد عليه هو رفع مستوى العمل التأميني وإضفاء قيمة على ممارسة أعمال التوكيل.

نظام الخبراء مخمني التامين للكشف والتقدير وتسوية الأضرار رقم (16) لسنة 1974
الوقائع العراقية، رقم 2342، 4/22/1974.

أخترنا هذا النظام لإبراز مسألة التوجه نحو التخصص في ممارسة المهن المرتبطة بقطاع التأمين. وهو موضوع لم يلق عناية الكتاب والباحثين سواء في قطاع التأمين أو القطاعات الأخرى.

المادة 10
لا يجوز للخبير المخمن أن يكون وكيل تامين لإحدى هيئات التامين أو عاملا فيها أو أن تكون له مصلحة خاصة بها، كما لا يجوز أن يكون مثمنا في بيع ما أجرى الكشف عليه مما لا ترى هيئة التامين قيامها هي ببيعه.

وكان الشارع العراقي يميل تدريجياً نحو إدخال التخصص في المهن المرتبطة بصناعة التأمين كما تبين لنا هذه المادة. مثل هذه الضوابط التنظيمية مطلوبة لذاتها كي لا تظل المهن مفتوحة لكل من يرغب بها دون أن يكون حاصلاً على مؤهل مدرسي أو عملي مناسب. لكن مثل هذا التقييد له آثاره الاقتصادية في الحد من توسيع الدوائر التي يمكن لها أن تساهم في بيع المنتجات التأمينية. وقد سار قانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005 في ذات النهج عندما نصَّ في المادة 75 على حرمان أي شخص "أن يقوم بأعمال وكيل التأمين إلا بعد إجازته من الديوان وبعد تزويده بالاتفاق المبرم بينه وبين المؤمن والذي ينص على اعتماده وكيلاً لها." وعلى أي حال، فإن هذه القضية إشكالية خاصة في قطاع اقتصادي لم يكتمل نضوجه مقارنة بما يماثله في أسواق التأمين المتقدمة، كما أن التحفظ في تضييق منافذ التسويق سياسة صائبة لحين قيام سوق تأميني عراقي اتحادي متكامل.

أمر رقم (10) لسنة 2005 قانون تنظيم أعمال التأمين

اقتبسنا آنفاً شيئاً من هذا القانون ومن المفيد للقارئ أن يتعرف على كامل نصوصه بشأن تنظيم عمل وكلاء التأمين. وهي الآتي:

المادة-2- لأغراض هذا القانون يراد بالتعابير والألفاظ التالية المعاني المبينة إزاءها:

سابعاً- الوكيل: الشخص المجاز من الديوان والذي تعتمده إحدى شركات التأمين العاملة في العراق لممارسة أعمال التأمين نيابة عنها أو عن أحد فروعها ويشمل ذلك الشخص الطبيعي أو الشخص المعنوي.

المادة-75- أولاً- تنظم أعمال وكيل التأمين ومتطلبات إجازته والمؤهلات المطلوبة والمسؤوليات المترتبة عليه بمقتضى تعليمات يصدرها رئيس الديوان.

ثانياً- لا يجوز لأي شخص أن يقوم بأعمال وكيل التأمين إلا بعد إجازته من الديوان وبعد تزويده بالاتفاق المبرم بينه وبين المؤمن والذي ينص على اعتماده وكيلاً لها، ويجوز أن يعمل وكيل التأمين مع أكثر من مؤمن.

هذه النصوص لا تختلف في جوهرها عن الأحكام المنظمة لعمل وكيل ووكالة التأمين منذ ثلاثينات القرن الماضي.

حسب المعلومات المتوفرة لدينا فإن رئيس الديوان لم يقم بإصدار التعليمات الخاصة بتنظيم أعمال وكيل التأمين. ولم نسمع أو نقرأ ما يفيد أن هذا الموضوع قد أثير للنقاش بين شركات التأمين العراقية أو جمعية شركات التأمين وإعادة التأمين العراقية. أيدل هذا على أن موضوع توسيع المنافذ التسويقية لا يشغل بال إدارات شركات التأمين وجمعيتهم؟ من المناسب أن نذكّر القارئ أن رئيس ديوان التأمين بالوكالة كان قد أبدى اهتماماً بموضوع تأسيس شركات وساطة للتأمين وإعادة التأمين في العراق لكنه لم يأتي على ذكر وكالات التأمين واكتفى بالإشارة للمنتجين. (راجع مصباح كمال، عن الوساطة ووساطة التأمين في العراق، مجلة التأمين العراقي http://misbahkamal.blogspot.com/2008/09/blog-post.html

[عند مراجعة النص من قبل الزميل منذر الأسود بين لنا أن "رئيس ديوان التامين وكالة قد اصدر تعليمات تحت رقم 11 لسنة 2008 عن إجازة وكيل التامين وتنظيم أعماله ومسؤولياته، وقد نشرت في جريدة الوقائع العراقية العدد 4103 في 30-12-2008." وأرفق نسخة من التعليمات وكذلك نموذج من عقد وكالة تأمين "الذي يستخدم من قبل شركة الحمراء للتامين وبقية الشركات الأخرى التي لا تخرج عن مضمون هذا النموذج."] ونتناول بالتعليق أدناه بعض ما ورد من أحكام في التعليمات وفي نموذج عقد وكالة تأمين.

[9] ديوان التأمين العراقي: تعليمات إجازة وكيل التامين وتنظيم أعماله ومسؤولياته
عند كتابتنا للورقة راجعنا موقع ديوان التأمين العراقي http://www.iraqinsurance.org/index.asp?LanguageAction=arabic لكننا لم نعثر فيه على التعليمات، وهذا ما دعانا أن نقول بأن رئيس الديوان لم يقم بإصدار التعليمات الخاصة بتنظيم أعمال وكيل التأمين.

سنكتفي بتعليقات مختصرة على بعض مواد هذه التعليمات (تتألف من 12 مادة). بعض هذه المواد شبيهة بما جاء في تعليمات وقوانين سابقة من حيث مؤهلات الوكيل والدور المتوقع منه لكنها تتمايز عنها كونها أكثر تفصيلاً ولا تحصر الوكالة بالعراقيين.

تذكر التعليمات (المادة 2) فيما يخص الشخص الطبيعي "أن يكون حاصلاً على شهادة الإعدادية في الأقل وله خبرة عملية في ممارسة أعمال التأمين أو يكون قد اجتاز دورة تدريبية متخصصة بأعمال التأمين لا تقل مدتها عن (15) خمسة عشر يوماً في حالة عدم توفر الخبرة العملية لديه." هناك تناقض ظاهري في هذه المادة فمن يرغب أن يكون وكيلاً يجب أن يكون (1) حاصلاً على شهادة الإعدادية وله خبرة عملية لم تحدد مدتها أو (2) اجتاز دورة تدريبية متخصصة مدتها لا تقل عن 15 يوماً. ترى كيف تتعادل الدورة التدريبية القصيرة لوحدها مع الشهادة الإعدادية والخبرة العملية مجتمعتين؟ هل كان الشارع يعني الشهادة الإعدادية أو الخبرة العملية أو الدورة التدريبية؟

ويرد في نفس المادة 2 شرط اجتياز "أي اختبار يقيمه الديوان" أليس في عبارة "أي اختبار" عمومية غير مناسبة ولا تساعد من يرغب لأن يكون وكيلاً الاستعداد لاختبار معين أو مجموعة اختبارات؟

وفي ذات المادة، فيما يخص الشخص المعنوي (البند ثانياً)، نقرأ أن يكون الشخص المعنوي "شركة أو فرع لشركة أجنبية مسجلة لدى دائرة تسجيل الشركات." هل المقصود بالشركة هنا شركة عراقية؟ نعتقد ذلك إذ أن المادة (3) تطلب من طالب الإجازة التعريف باسمه "وجنسيته" (وهو ينطبق ضمناً على من هو أجنبي) مثلما تطلب "صورة من هوية الأحوال المدنية" (وهو ما ينطبق على من هو عراقي أو عراقية).

المادة (7) تحدد مهام وكيل التأمين وهي: اجتذاب طلبات التأمين وتقديم عوض التأمين التي يعدها المؤمن، تسلم أقساط التأمين بموجب وصل تسليم يزوده بها المؤمن، إصدار وثائق التأمين بموجب اتفاق مع المؤمن، الإجابة على استفسارات طالب التأمين، والعمل كساعي بريد بين المؤمن والمؤمن لهم بشأن مطالبات التعويض. هذه المهام تجعل من الوكيل مجر جهاز إنتاجي تنفيذي.

وتنص المادة (9) على عدم جواز "منح إجازة تجمع بين أعمال وكيل التأمين أو وسيط التأمين أو وسيط إعادة التأمين أو الإكتواري أو أي من مقدمي الخدمات التأمينية." تؤسس هذه المادة قاعدة للتخصص في ممارسة نشاطات لها علاقة بالتأمين لكنها في ذات الوقت تحد من التوسع في بيع المنتجات التأمينية خاصة وأن المهام المطلوبة من الوكيل لا تتعدى الوظيفة الإنتاجية – كما جاء في المادة 7. أي إن التخصص في بيع المنتج التأميني، في المرحلة الحالية، ليس مطلوباً حيث يشهد سوق التأمين العراقي ضعفاً في الطلب الفعال على الحماية التأمينية. لكن المادة (10) من التعليمات يوفر حلاً من خلال جواز "توسيع صلاحية وكيل التأمين من الأشخاص المعنوية بموجب قرار من رئيس الديوان .." وهكذا يبقى الباب مفتوحاً للجمع بين الوكالة والوساطة مثلاً.

نلاحظ أن عدم جواز الجمع بين أعمال تأمينية مختلفة مبدأ ثابت في التعليمات الصادرة من الديوان. ففي التعليمات رقم 12 لسنة 2008 – تعليمات تسجيل خبراء الكشف وتقدير الأضرار وتسويتها – يرد النص التالي في المادة 2 – ثانياً:

"لا يجوز منح إجازة تجمع بين أعمال خبير الكشف وتقدير الأضرار وتسويتها وبين أعمال وكيل التامين أو وسيط إعادة التأمين أو الإكتواري أو أي من مقدمي الخدمات التأمينية."

خلت التعليمات من أية إشارة للنظر في تظلم طالبي التأمين من تصرفات وكيل التأمين، وكذلك تدقيق أعمال الوكالات. ربما كان هذا مقصوداً للتخفيف من أعباء الديوان وإحالة التظلم والتدقيق لشركات التأمين وكما يظهر في نموذج عقد وكالة التأمين المعتمد من قبل شركة الحمراء للتأمين (وبقية الشركات الأخرى التي لا تخرج عن مضمون هذا النوذج – كما أفادنا بذلك الزميل منذر الأسود) إذ يرد في المادة 10 منه: "للشركة ممارسة التدقيق والرقابة على أعمال الوكيل." وليس معروفاً إن كانت مثل هذه الرقابة دورية أو تجري دون سابق إنذار.

موضوع آخر ربما كان من المناسب الإشارة إليه وهو تشجيع تأسيس جمعية لوكلاء التأمين للاهتمام بشؤونهم وتمثيل مصالحهم الجماعية.

[10] إكمال النقص في المعلومات والتحليل
من المؤسف أن وكالات التأمين العراقية قد فقدت مكانتها وأهميتها واختفى معظمها من ساحة الإنتاج وحتى أن البعض من أصحابها غادروا العراق نهائياً، ومن بقي منها ليس لها دور إنتاجي كبير في الوقت الحاضر.

نزعم أن موضوع وكالات التأمين في العراق لم يبحث، ولا يرد للموضوع ذكر مناسب في الكتب العراقية عن التأمين. ولم نعثر على دراسة بشأنه فيما يخص الجوانب القانونية في تنظيم عمل الوكالات (العلاقة بين الموكل والوكيل والقضايا التي تنشأ عنها، استقلالية الوكالات، ارتباطها حصراً بشركة واحدة أو عدة شركات للتأمين، صلاحيتها في الاكتتاب والتعويض)، أو الدور الاقتصادي للوكالات في التأثير على بنية السوق، أو مقارنة عمل الوكالات في العراق مع عمل الوكالات في أسواق أخرى، أو الجوانب التنظيمية الداخلية للوكالات وفيما إذا كانت تعمل في العاصمة بغداد فقط و من خلال فروع ومكاتب في أنحاء أخرى من العراق، ومؤهلات العاملين فيها وعددهم في كل وكالة، أو الجوانب التاريخية (متى تأسست أول وكالة عراقية للتأمين).

هذه العناوين لا تستنفذ نطاق البحث، وإشارتنا إليها هي حث المهتمين بمتابعتها والإضافة إليها والبحث عنها. ربما تصلح هذه العناوين لأن تكون موضوعاً للبحث الأكاديمي. ويرد في بالنا هنا إمكانية مشاركة شركات التأمين العامة (شركة التأمين الوطنية والشركة العراقية للتأمين) في تمويل البحوث فهي شركات تمتلك قدرات مالية جيدة مقارنة مع شركات التأمين الخاصة.

يعود الفضل في كتابة هذه الورقة إلى الزميلين منذر الأسود، وقد تبرع بتقديم العديد من التعليمات الصادرة من الديوان، وفؤاد شمقار. وكلاهما من الجيل الذي شهد قيام وتطور وكالات التأمين ولولا المعلومات التي قاما بتوفيرها ما كان لنا أن نتشجع على محاولة الكتابة عن موضوع غائب في تاريخ صناعة التأمين العراقية. نأمل أن تلقى محاولتنا استجابة من زملاءنا في العراق وتنبهنا إلى أي خطأ في الحقائق أو الآراء.


مصباح كمال
لندن 13 كانون الثاني 2010