إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

2017/08/14

Assassination of Doctors in Iraq & Malpractice Insurance


اغتيال الأطباء في العراق والتأمين من المسؤولية المهنية

 

 

نشرت أصلاً في موقع شبكة الاقتصاديين العراقيين:


 

 

اغتيال الأطباء والقيم العشائرية وانزياح التأمين

 

بتاريخ 3 تموز 2017 وجَّهت ثلاث منظمات عراقية (رابطة الأكاديميين العراقيين، والجمعية الطبية العراقية-العالمية، والجمعية الطبية العراقية-بريطانيا) "مذكرة إدانة لجرائم اغتيال العلماء والأطباء وأساتذة الجامعات في العراق" إلى رئيس جمهورية العراق، ورئيس مجلس الوزراء، ورئيس مجلس النواب.

 

جاء في مقدمة المذكرة ما يلي:

 

تتصاعد من حين لآخر ظاهرة مأساوية وكارثية تتعلق باغتيال العلماء والأطباء وأساتذة الجامعات في العراق، لأسباب متعددة، بعضها يتعلق بطبيعة الصراع الداخلي بكل أبعاده، وبعضها يعود لأجندات خارجية تهدف إلى استنزاف الكفاءات العلمية العراقية، لاسيما التركيز على علماء الفيزياء والكيمياء والمهندسين وأساتذة الجامعات في كل الاختصاصات المهمة. أما الأطباء فلهم نصيب وافر من التهديد بالقتل والاختطاف بحكم طبيعة عملهم المباشر مع كل شرائح المجتمع، فهم في خطر حقيقي مهددين من عصابات الجريمة المنتشرة بسبب ضعف القانون، ومن التهديد العشائري المتخلف الذي يريد فرض إرادته نتيجة تحميل الطبيب المسؤولية عن أي عملية جراحية لم يكتب لها النجاح بسبب اعتقاد ذوي المريض بأن الطبيب هو من تسبب في ذلك، وبالتالي مطالبته بالخضوع للقيم العشائرية ودفع التعويضات.

 

إن ظاهرة التهديد بالقتل والاختطاف والقتل الفعلي ليست بالجديدة فقد بدأت بعد الغزو الأمريكي للعراق واحتلاله.  وقتها لم تكن هوية القتلة محددة على وجه الدقة وتضاربت الآراء بشأنها بسبب البعد الطائفي الذي كان يحيط بهذه الظاهرة، ولم تعمل الحكومات العراقية على الكشف عن القتلة أو تعويض عوائل الضحايا.[1]  وقد ارتبطت الظاهرة هذه الآن بإعادة إحياء القيم العشائرية أو قل تزايد حضور هذه القيم، وهو امتداد لما تمَّ ترويجه من قبل النظام الدكتاتوري ولأغراض سياسية.  ونقتطف هنا ما كتبه المرحوم د. سليم الوردي لأهميته في إلقاء الضوء على استمرارية القيم العشائرية عندما تكون الدولة في أزمة:[2]

 

"وانحسر دور القضاء في حل المنازعات المدنية والجزائية لصالح "الفصل" العشائري. ووجد الكثير من الناس أن فض نزاعاتهم بالأسلوب العشائري أجدى من تقديم شكاواهم إلى مركز الشرطة، التي ما أسهل أن يتحوّل فيها المدّعي إلى متهم، والمتهم إلى بريء، حسب موازين التأثير المالي (الرشوة) والنفوذ العشائري للأطراف المتنازعة. وتروى في هذا المجال قصص غريبة لا يكاد يصدّقها العقل.  ونشطت في مجال الفصل العشائري مكاتب غير رسمية، لا تقل في حيوية نشاطها عن مكاتب المحامين، وظيفتها التوسط لفض المنازعات بالأسلوب العشائري.  مقابل أتعاب (عمولة) تفوق نسبتها ما يحصل عليه كبار المحامين.  وراح من يُبتلى بمنازعة مع طرف عشائري، يلوذ بهذه المكاتب، بسبب جهله بتقنيات العرف العشائري، سياقاته وقواعده ومصطلحاته.

 

لم يقتصر تشجيع السلطة للعلاقات العشائرية على دعمها مادياً ومعنوياً، بل وعلى إضعاف فاعلية بعض القوانين المدنية المصممة لتسوية النـزاعات المدنية، مما فتح الباب على مصراعيه لإحلال أسلوب الفصل العشائري بديلاً عنها.  وكنت شاهداً على مثال حي يتعلق بتطبيقات قانون التأمين الإلزامي من حوادث السيارات، بحكم عملي في شركة التأمين الوطنية:

 

منذ أواسط الستينات من القرن الماضي، وضحايا حوادث السيارات يتقدمون بمطالبات التعويض إلى شركة التأمين الوطنية، بموجب قانون التأمين الإلزامي على السيارات.  وكان لتطبيقات هذا القانون دور ملحوظ في خلق الشعور لدى المواطنين في الحق المدني والمطالبة به.  وتشير الإحصاءات أن تعويضات مجزية نسبياً كانت تدفع لضحايا حوادث السيارات. كان معدّل التعويض الذي يدفع سنة 1980 زهاء 3500 دينار بما يقابل 11900 دولار أميركي.  بينما أصبح معدل مبلغ التعويض زهاء 5350 دينار في سنة 1995، أي بما يقابل (بسبب التضخم الجامح) في حدود 3 دولارات فقط.  ولم يعد من المعقول أن يقتنع الضحايا بمبلغ تعويض تافه كهذا. وقد طالبت شركة التأمين الوطنية ديوان الرئاسة بتعديل قسط التأمين المحسوب بمعدّل عشرة فلوس على اللتر الواحد من وقود السيارات عندما كان سعر اللتر 90 فلساً.  ولكن ديوان الرئاسة أصر على عدم التعديل وإبقاء السعر من دون زيادة، على الرغم من ارتفاع سعر لتر الوقود إلى عشرات المرات.  بما يعني فعلاً أن ديوان الرئاسة لم يكن يكترث بانفضاض أصحاب الحق المدني من ضحايا حوادث السيارات عن شركة التأمين، وانصرافهم لتسوية حقهم المدني بأسلوب الفصل العشائري، الذي يحقق تعويضات أكبر بمئات الأضعاف."

 

سنحاول في هذه الورقة تقديم بعض الملاحظات والإشارة إلى دور التأمين في التخفيف من آثار القيم العشائرية وجبروتها على شريحة مهمة في المجتمع العراقي، الأطباء والجراحون والمخدرون ومن يماثلهم.

 

دور التأمين

 

ليس بإمكان مؤسسة التأمين التخلص من القيم العشائرية لكنها تساهم في التقليل من وقعها من خلال توفير آلية بديلة لهذه القيم متى ما انتشرت ثقافة التأمين في المجتمع.  يجب الإقرار بأن التأمين لا يوفر علاجاً لجميع العلل التي ابتلي بها العراق خاصة وأن مؤسسة التأمين العراقي ضعيفة.

 

ربما لا تشجع التجربة في زمن الدكتاتورية وزمن المحاصصة (في مجال تسوية مطالبات التعويض بموجب التأمين الإلزامي من حوادث السيارات) الاستفادة من آلية التأمين للتعويض عن الأخطاء المهنية للعاملين في المجال الطبي، لكن ذلك يجب ألّا يكون عائقاً أمام إدخال وثائق تأمين المسؤولية المهنية للأطباء قيد الاستعمال أو تأسيس صندوق تأميني من قبل النقابات المهنية.  نقول هذا لأن القيم العشائرية لا تشكل مرجعية للتعويض لدى كل شرائح المجتمع العراقي لا بل أنها مستهجنة لأنها علامة على التخلف المرفوض على مستوى الفكر.  وفي ظل الأوضاع القائمة يظل هاجس الخوف والقلق النفسي مصاحباً للعاملين في المجال الطبي فلا أقل من أن يخففوا من هذا الحال بالاعتماد على التأمين، فهو، في نظر البعض، آلية لتقليص عدم التأكد والقلق.[3]

 

إن العديد من الدراسات التأمينية تتحدث عن الدور، أو الوظيفة، أو القيمة، الاقتصادية والاجتماعية للتأمين كونه آلية حماية للتخفيف من الآثار المالية للحوادث الخارجية التي تحصل للأفراد (وأصحاب المعامل والمحلات التجارية) وهي في مجملها حوادث خارج سيطرتهم كالمرض والوفاة والكوارث الطبيعية والحوادث على أنواعها، من خلال التعويضات التي يحصلون عليها من شركة التأمين.[4]  كما تبين هذه الدراسات أن التأمين يساهم في الحفاظ على أنماط الاستهلاك ذلك لأن الفرد لا يُموّل تصليح الضرر اللاحق بأمواله أو مواجهة تبعات مسؤولياته عن الضرر الذي يسببه تجاه الغير من دخله وإنما من التعويض الذي تقدمه شركة التأمين.

 

لكن هذه الدراسات لا تشير إلى دور التأمين في التخفيف من النزاع بين الأفراد عند وقوع حادث: من المسؤول عن الضرر الناتج.  مثال، انتشار الحريق من دار تعرَّض للحريق إلى دار أو دور الجيران، أو المسؤولية عن حادث سير، أو خطأ طبي أو أي خطأ مهني آخر.

 

في المجتمعات التي يُشكّل فيها التأمين عنصراً مهماً لمواجهة آثار الأخطار التي تحيق بالناس فإن التنازع بين شخص وآخر في موضوع خاضع للتأمين لا يتحول إلى وسيلة ابتزاز أو اعتداء جسدي إذ أن عبء الآثار المالية لموضوع التأمين (الحريق، التصادم) يُحوّل على عاتق شركة التأمين.  وقد لعبت مؤسسة التأمين العراقي هذا الدور أيضاً.  على سبيل المثل، فإن احتمال انتشار الحريق من دار مؤمن عليها إلى دار مجاور يصبح موضوعاً للتعويض بموجب ملحق خاص لوثيقة التأمين من الحريق (تأمين المسؤولية القانونية تجاه الجيران).  وكذا الأمر بالنسبة لتصادم سيارتين (خاصة مع تشريع قانون التأمين الإلزامي من المسؤولية المدنية الناشئة عن حوادث السيارات لسنة 1964، وبعده قانون التأمين الإلزامي من حوادث السيارات لسنة 1980).

 

لقد شكّلت هذه القوانين نقلة نوعية مهمة في تنظيم جانب صغير من العلاقات بين الناس خارج قيم النظام العشائري.  لقد كانت خطوة محمودة في حماية الناس من الآثار الاقتصادية السلبية وغيرها، التي تتركها حوادث السيارات على مسببي الحوادث وضحاياها على حد سواء.  وهي في ذلك تقوم بوظيفة اجتماعية عصرية تتجاوز الأطر التقليدية في جبر الضرر من خلال تحويل عبء الخلاف بين الضحية ومسببها إلى طرف آخر هي شركة التأمين للنظر في النزاع بينهما بدلاً من الاعتماد على الفصل العشائري.  لم تندحر القيم العشائرية ذلك لأن العادات قاهرات، كما يقول المثل، إلا ان القوانين الحديثة سجّلت بداية لتجاوزها.  ويمكن للتأمين أن يلعب نفس الدور فيما يخص أخطاء المهنة وتعويض المتضررين منها.

 

التعريف بالمسؤولية المهنية

 

يقول الأستاذ بهاء بهيج شكري إن

 

المسؤولية المهنية هي شكل من أشكال المسؤولية المدنية بفرعيها التقصيرية والعقدية، وتقوم على نفس أركانها، وهي الخطأ والضرر والعلاقة السببية، مع اختلاف في وصف الخطأ وصفة الفاعل.  فالمسؤولية المهنية هي نتاج خطأ مهني يتصل بالمستلزمات الفنية والعلمية والقانونية للمهنة التي يمارسها شخص محترف ومؤهل لها وفق المتطلبات القانونية التي تحكمها.  كمسؤولية الطبيب والصيدلي والمهندس والمحامي وغيرهم من ذوي الاختصاص المدني، التي يكون مصدرها ارتكاب خطأ يرتبط بموجبات وأصول مهنتهم بمعزل عن نشاطهم الشخصي، كما لو دهس شخصاً أثناء قيادته لسيارته، فمثل هذا الخطأ لا يوصف بالخطأ المهني ولا تنشأ عنه مسؤولية مهنية.  بل ما ينتج عنه هو مسؤولية تقصيرية اعتيادية.  أما لو وصف علاجاً لمريض لا يتفق مع طبيعة مرضه، فنجم عن ذلك وفاة المريض، فإن مسؤولية الطبيب في هذه الحالة هي مسؤولية مهنية لأنها نشأت عن خطأ مرتبط بأصول مهنة الطب التي تلزم الطبيب بالتثبت من توافق العلاج مع الحالة المرضية.  ومع ذلك فليست جميع الأخطاء التي يرتكبها المهني أثناء ممارسته المهنة تعتبر أخطاء مهنية، فمعيار التمييز بين الخطأ العادي والخطأ المهني هو مدى الارتباط الخطأ بأصول ومستلزمات المهنة.[5]

 

ويذكر الأستاذ شكري أن تحديد طبيعة المسؤولية الطبية يتوقف "على معرفة شروط ممارسة مهنة الطب والواجبات الملقاة على عاتق الطبيب وفقاً لضوابطها القانونية والعلمية والأخلاقية والإنسانية.  فالطبيب بشكل عام يعد مخطئاً وتنهض مسؤوليته عند مخالفته هذه الضوابط في جميع مراحل علاقته بالمريض." (ص 338)

 

التأمين الإلزامي للمسؤولية المهنية في السوق التأميني التجاري

 

يمكن التأمين على المسؤولية المهنية ذاتياً من قبل المنظمات الخاصة بأصحاب المهن كالأطباء والمحامين وغيرهم من خلال أقساط تُجبى من كل عضو (تأمين تبادلي لا يستهدف تحقيق الربح)، كما يمكن التأمين على هذه المسؤولية لدى شركات التأمين (تأمين تجاري).  كما يمكن أيضاً الجمع بين التأمين التبادلي والتأمين التجاري.

 

لقد كان التأمين الإلزامي للمسؤولية المهنية من بين تمنياتي التأمينية التي كتبتها للعام 2014، وقد ذكرتُ هذا التمني بالصيغة التالية:

 

"إلزامية التأمين على خطر الحريق، ومسؤولية رب العمل، والمسؤوليات المهنية، والمسؤولية العشرية."[6]

 

وقد تحقق بعض هذا التمني، كمشروع رسمي، في برنامج الحكومة الذي نشر في أيلول 2014 في جريدة الصباح.[7]  وكتبتُ التالي عنه:

 

"لأول مرة يرد ذكر التأمين في خطاب رسمي وضمن ما يبدو أنه بداية اعتماد سياسة أو موقف تجاه جوانب من التأمين تمثّلَ بالبنود التالية:[8]

 

§       اعتماد نظام التأمين الصحي للمواطنين كافة وتطبيق نظام طبيب الأسرة.

§       جعل التأمين على المُنْتَجْ والمسؤولية المهنية فيما يتعلق بالسلع والخدمات المنتجة اجبارياً وذلك لحماية حقوق المستهلك.

§       توفير مظلة فاعلة من التأمين الزراعي تحمي المزارعين من الخسائر الناجمة عن الكوارث الطبيعية.

 

هذه البنود الثلاثة، كما هي، لا تعدو أن تكون غير عناوين عريضة بحاجة إلى دراسات تفصيلية ومناقشات ومديات زمنية للتطبيق وتحديد الأطراف التي ستقوم بها وقنوات تمويلها ... الخ."[9]

 

كما كتبتُ الآتي فيما يخصُّ تأمين المسؤولية المهنية في البرنامج الحكومي، وهو موضوع اهتمامنا في هذه الورقة:[10]

 

"ها أنا أرى أن التأمين الإجباري على المسؤولية المهنية يقترب من إحدى تمنياتي.  ويصبُّ الإعلان عن هذا المشروع، متى ما تحقق، لصالح تطوير سوق التأمين العراقي.  والمطلوب أن تتقدم الحكومة أولاً بمشروع قانون عن المسؤولية المهنية يُعرض على مجلس النواب ويكون أساساً لأجراء التأمين من قبل أصحاب المهن (من العراقيين والأجانب العاملين في العراق).  ونفترض أن مشروع القانون سيحدد المهن التي ستخضع للتأمين، كالأطباء، والمحامين، والمحاسبين، والمهندسين المعماريين وغيرهم.

 

من المطلوب أن تقوم جمعية التأمين العراقية بتقديم ورقة موقف تجاه هذه السياسة المعلنة في المنهاج، وتقوم بصياغة وثيقة/وثائق تأمين نموذجية تمثل الحدود الدنيا للغطاء التأميني للمسؤولية، ويترك لشركات التأمين حرية التوسع في الغطاء بالاتفاق مع أصحاب المهن.  ومن المفيد أيضاً أن تقوم الجمعية، كإجراء آني، بتوزيع بعض الدراسات عن المسؤولية المهنية على أعضائها.  وكذلك استمزاج رأي أصحاب المهن المنضوين في نقابة أو جمعية إذ أن بإمكان هذه النقابات إدارة صندوق تأمين لتغطية مسؤوليات أعضائها من مطالبات الأطراف الثالثة المتضررة من خرق الواجب المهني أو سوء التطبيق.[11]

 

سيساهم جعل هذا التأمين إجبارياً في تعظيم أقساط شركات التأمين العراقية والتي يفترض أن تقوم بالاكتتاب به لوحدها أو بالتعاون مع معيدي التأمين أو ضمن ترتيبات خاصة مع النقابات والجمعيات المهنية العراقية."[12]

 

أردتُ من هذا الاقتباس الطويل التنبيه على مَهمّة جديدة لشركة إعادة التأمين العراقية وهي العمل على توفير اتفاقية لأعمال تأمين المسؤولية المهنية، والتعاون الوثيق بشأنها مع شركات التأمين المباشر ممثلة بجمعية التأمين العراقية، وكذلك المساهمة في تقديم الأفكار لصياغة قانون التأمين على المسؤولية المهنية.

 

قد يكون توفير اتفاقية منفردة للمسؤولية المهنية صعباً ويتعين لذلك على الإعادة العراقية وضع اتفاقية أوسع للمسؤوليات لتغطية مسؤوليات قانونية متنوعة بضمنها المسؤولية المدنية الناشئة عن استعمال السيارات فيما يخص تضرر ممتلكات الشخص الثالث.

 

نقابة أطباء العراق وتأمين الأخطاء الطبية Medical Malpractice

 

عندما كتبنا هذه الملاحظات حول التأمين الإلزامي للمسؤولية المهنية لم نكن مطلعين على موقف أصحاب المهن ونقاباتهم ومنها نقابة أطباء العراق من التأمين.  من خلال بحث سريع لأغراض هذه الورقة، لم نستطع التعرف على موقف النقابات المهنية من تأمين مسؤولياتها باستثناء نقابة أطباء العراق.

 

لنقابة أطباء العراق "قانون مجلس الدفاع الطبي والتامين عن المسؤلية المهنية للاطباء (غير مشرع)" يتكون من 21 مادة، ولفائدة القراء نقتبس بعض مواد هذا القانون:[13]

 
المادة 8
يكون التامين عن المسؤلية المهنية للاطباء الزاميا وتحديد اقساط التامين بموجب تعليمات تصدرها النقابة وفق الاسس التي تضعها لهذا الغرض

المادة 9
يتم دفع قسط التامين عند الانتماء الى النقابة او تجديد اجازة الممارسة سنوسا ولايجوز ممارسة المهنة داخل العراق الابعد الانتماء الى النقابة والتامين على المسؤلية المهنية

المادة 10
يؤسس في النقابة ( المقر العام) صندوق يتمتع بالشخصية المعنوية والاستقلال المالي يمول من اقساط التامين غايته صرف مبالغ التعويض وفقا لاحكام هذا القانون

المادة 11
تدير الصندوق لجنة مؤلفة من رئيس وعضوين يتم اختيارهم من قبل مجلس النقابة

المادة 12
تودع اموال الصندوق باسم اللجنة لدى المصرف الذي تختاره ويتم التوقيع على الصكوك وفق الاجراءات القانونية النافذة

المادة 13
تخضع حسابات الصندوق لرقابة ديوان الرقابة المالية

المادة 14

يحتفظ الطبيب بحقه في اقامة الدعوى المقابلة ورد الاعتبار والحصول على التعويض عن الضرر الذي يصيب سمعته الادبية والمهنية والاجتماعية الناجمة عن الشكاوي الكيدية وعمليات الابتزاز وتعويضه بمبالغ تساوي المبالغ الذي يمكن ان تدفع للمريض ويتحمل المريض او عائلته دفعها اضافة الى التعويض الاجتماعي والمعنوي ووفقا للقوانين النافذة


المادة 15

يمنع بموجب هذا القانون النظر في اي دعوى او مطالبة بالتعويض او مائلة الطبيب الا من خلال المجلس الطبي والمحكمة الطبية الخاصة وعدم اتباع الطرق غير القانونية في المطالبة بالتعويضات ويعرض المخالف نفسه الى العقوبات المنصوص عليها في القوانين والقرارات النافذة.

 

بموجب هذه المواد فإن النقابة تقوم بتنظيم وإدارة صندوق للتأمين للتعويض عن الأخطاء الطبية، ويكون التأمين إلزامياً إذ لا يجوز ممارسة مهنة الطب "الا بعد الانتماء الى النقابة والتامين على المسؤلية المهنية."

 

متى ما تم تشريع القانون وتراكمت الخبرة في إدارة صندوق التأمين يمكن مراجعة كفاية أقساط التأمين للتعويض عن مطالبات التعويض.  ربما يجد مجلس الدفاع الطبي والتأمين أن الأقساط المتجمعة في صندوق التأمين ليست كافة لمقابلة كلفة التعويضات، عندها قد تضطر إلى زيادة أقساط التأمين على الأطباء الأعضاء في النقابة و/أو اللجوء إلى شراء حماية إعادة التأمين من سوق التأمين التجاري.  كما يمكن التفكير بتوسيع الحماية التأمينية ليشمل، إضافة إلى تأمين الخطأ الطبي، الإصابات البدنية بسبب الإيذاء المتعمد، والإضرار بالأجهزة المهنية الطبية، وتكاليف الدعاوى أمام المحاكم.[14]

 

الاخطاء الطبية ومشاكلها في الواقع العراقي


 

هذا هو عنوان خبر ورد في موقع نقابة أطباء العراق[15] صياغته ضعيفة، ولا يحمل تاريخاً، عن ندوة حول الأخطاء الطبية تم تنظيمها من قبل مركز التدريب والتطوير في وزارة الصحة بالتعاون مع WHO (منظمة الصحة العالمية).  أنقل نص الخبر كما هو منشور في موقع النقابة بدون تصحيح الأخطاء:

 

تم التطرق الى موضوع الاخطاء الطبية ومشاكلها في الواقع العراقي الطبي من وجهة نظر الموسسسات الحكومية وقانون المسالة الطبية المزمع العمل به والدور العشائري وتنامي ضاهرة الفصل العشائري والاعتداء على الاطباء وتم مداخلة ممثل نقيب الاطباء عضو مجلس نقابة الاطباء المركز على المحاور التالية

 

1 – عدم اعطاء الاهمية وتمثيل الاطباء في القطاع الخاص والممثل الشرعي هونقابة الاطباء وقد اعتذر المنظمون الندوة عن هذا السهو غير المقصود من مدير عام الدائرة الفنية د. فائز


2 – رفض نقابة الاطباء الفصل العشائري والتجاوزات التي يواجهه الاطباء في عملهم اليومي وشجب النقابة لبعض نشاطات الروع بعقد اجتماعات والاتجاه للعشائر والتسليط الاعلامي على ذا الموضوع وايجاد الحلول القانونية لهذا الموضوع والاعلان على مشروع نقابة المركز بالتشجيع باتجاه التامين على الاخطاء الطبية وفق الظوابط والتعليمات القانونية بهذا الاتجاه


3 –
خطاء الطبية وفق الظوابط والتعليمات القانونية بهذا الاتجاه
3 – الاسراع بقانون بديلا عن قانون حماية الاطباء وتفعليه بشكل جدي .


4 – طلب النائب الدكتور عضو للجنة الصحة والبيئة باشتراك عضو مجلس النقابة د منتظر الفضلي بشكل بعد لمس الحضور الجدية والموضوعية عند تقديمنا الشرح الوافي بعدد القانونين والقوانين الطبية السائدة


5- طلب من نقابة الاطباء بالتسليط على موضوع الوصفة المشفرة واتخاذ الاجراءات الازمة من قبل نقابة الاطباء وقد خرج الموتمر بتوصيات بعقد ندوات وموتمرات حول الموضوع على ان تكون نقابة الاطباء شريك فعلي باعداد قانون المسالة الطبية.

 

ترى هل هناك رابط بين الصياغة الهزيلة لهذا الخبر والأخطاء الطبية التي تنشرها بعض المواقع الإعلامية؟  نقرأ التالي في موقع رصيف22 تحت عنوان "الأخطاء الطبية في العراق تنافس جرائم الإرهاب":[16]

 

وبيّنت لجنة الصحة في البرلمان العراقي وقوع أكثر من ثلاثة آلاف خطأ طبي خلال السنوات العشر الماضية بسبب ضعف هيبة الدولة وغياب المؤسسات الصحية المثالية وعدم احترام الإنسانية، وفقاً لعضو اللجنة سهام الموسوي. وأكّدت الموسوي لرصيف22 أن "أكثر الأطباء في المستشفيات لا يؤدون عملهم بالشكل الصحيح، وهذا نتيجة للشهادات المزورة التي أتوا بها من خارج العراق، ما أفقد التخصص قيمته"، مضيفةً أن "هنالك إهمالاً في الحفاظ على حياة المواطن، وتجري عمليات جراحية بدون ضوابط خاصة في المستشفيات الأهلية".

 

لا نريد من إيراد هذه الاقتباسات التخفيف من إدانة الاعتداء على الأطباء لكن المجتمع الطبي مطالب بأن يراجع ويحقق في أسباب الأخطاء المعزوة لبعض الأطباء، ويعمل على تشريع القانون المناسب للتأمين على الأطباء وأخطائهم والحفاظ على سمعتهم وسمعة الطب العراقي.  أليس التهديد العشائري، رغم رفضنا له، يؤشر على وضع بحاجة إلى تحقيق؟

 

 

12 آب 2017



[1] يقدم لنا الأدب الروائي العراقي صورة لهذه الأوضاع المرعبة، على سبيل المثل: برهان شاوي، مشرحة بغداد (بيروت: الدار العربية للعلوم ناشرون، 2012)، وكذلك متاهاته الأولى ومنها متاهة قابيل (بيروت: الدار العربية للعلوم ناشرون، 2013).
 
[2] د. سليم الوردي مقتربات إلى المشروع السياسي العراقي، 1921-2003 (بغداد: د.ن، 2005)، ص 107.
 
[3] Irving Peffer, David R. Klock, Perspectives on Insurance (Englewood Cliffs, New Jersey: Printice-Hall, Inc.), Ch 14: Psychological Perspectives.
[4] John H. Magee, General Insurance (Chicago: Richard D. Irwin, Inc., 1945),1st Ed 1936, Chapter III: Social Value, pp 42-53.
[5] بهاء بهيج شكري، التأمين من المسؤولية في النظرية والتطبيق (عمّان: دار الثقافة، 2010)، الفصل الثالث: التأمين من المسؤولية المهنية، ص327-410.
 
[6] أنظر: مصباح كمال، "تمنيات تأمينية عراقية لسنة 2014: عودة إلى تمنيات لم تتحقق،" مجلة التأمين العراقي:
 
[7] جريدة الصباح، "أولويات الستراتيجية للبرنامج الحكومي ... توفير السكن والخدمات والضمان الاجتماعي"، 9 أيلول 2014.
 
[8] لم يتحقق أي من بنود البرنامج الحكومي حتى الوقت الحاضر، ولم ينشر مستشارو الحكومة أية دراسات أو أوراق بشأنها.
[9] مصباح كمال، "التأمين في المنهاج الحكومي: قراءة أولية،" الثقافة الجديدة، العدد 370، تشرين الثاني 2014، ص 51-63.  نشر أيضاً في موقع مجلة التأمين العراقي:
 
[10] مصباح كمال، "مهام جديدة-قديمة أمام شركة إعادة التأمين العراقية،" مجلة التأمين العراقي http://misbahkamal.blogspot.co.uk/2015/12/new-tasks-before-iraq-reinsurance-co.html
 
[11] بالنسبة للأطباء، على سبيل المثال، يمكن الاستفادة من تجربة مجلس الدفاع الطبي (Medical Defence Union)، أو بالنسبة للمحامين الصندوق التبادلي للدفاع عن المحامين (Solicitors Mutual Defence Fund) في بريطانيا (توقف الصندوق عن العمل لأسباب مالية نظراً لازدياد حجم المطالبات بالتعويض ضد الأعضاء).
 
[12] مصباح كمال، "التأمين في المنهاج الحكومي: قراءة أولية،" الثقافة الجديدة، العدد 370، تشرين الثاني 2014، ص 51-63.  نشر أيضاً في موقع مجلة التأمين العراقي:
[13] لقراءة النص الكامل لهذا القانون غير المُشرّع، راجع الموقع الرسمي لنقابة أطباء العراق: https://iraqma.com/?p=313
لا يضم هذا القانون غير المشرع ملحقاً لنموذج وثيقة التأمين، ولا يُفهم من أحكامه أن المجلس الطبي سيصدر وثيقة تأمين لأعضائه.
[14] للتعرف على ما يقدمه مجلس الدفاع الطبي البريطاني، أنظر موقعه الرسمي: https://www.themdu.com/
 
لا نعرف مدى صحة المعلومات المذكورة في هذا الموقع.  حسب علمنا، ليست هناك إحصائيات موثقة عن عدد الأخطاء الطبية، وأنواعها، والمقترفين لها، وتوزيعها الجغرافي.