إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

2017/08/08

Absence of Insurance & Social Market in Workshop on Maximising State Revenues


غياب التأمين وخطاب اقتصاد السوق الاجتماعي في ورشة "توجهات تعظيم موارد الدولة"

 

 

نشر هذا التعليق أصلاً في موقع شبكة الاقتصاديين العراقيين:


 

 

من خلال قراءة تقرير السيد ليث محمد رضا عن ورشة "توجهات تعظيم موارد الدولة" التي نظمها منتدى بغداد الاقتصادي بالمشاركة مع الأمانة العامة لمجلس الوزراء في 2 آب/أغسطس 2017،[1] المنشور في موقع شبكة الاقتصاديين العراقيين لاحظتُ غياب ذكر ورقة عن قطاع التأمين في أعمال الورشة.  ولكن ربما حضر ممثلٌ عن القطاع ضمن "نخبة من المسؤولين المعنيين والشخصيات الاقتصادية المحلية،" وربما ساهم في المناقشات الجارية.

 

مناقشة سريعة لموضوع التأمين في ورقة السيد فارس آل سلمان

 

مع ذلك جرى ذكرٌ للتأمين في ورقة رئيس منتدى بغداد الاقتصادي السيد فارس آل سلمان: (تعظيم موارد الدولة ... أفكار وتجارب ناجحة(. وجاء في التقرير أن السيد آل سلمان أكد "على ضرورة تحديد هوية الاقتصاد العراقي والعقيدة الاقتصادية، مع وضع رؤية حقيقية طموحة للخارطة الاستثمارية ووضع الاولويات وطرق استقطاب التمويل، والتركيز على الصناعات التجميعية والصناعات التحويلية من خلال الشراكة بين القطاع العام والخاص."  وهذه تأكيدات مهمة تستحق اهتماماً من الاقتصاديين رغم أنها معروضة بصيغ مختلفة منذ ما يزيد عن عقد.[2]

 

وفيما يخص موضوع هذا التعليق يقول كاتب التقرير أن آل سلمان أشار" إلى أهمية الدعم الحكومي الذكي، من خلال تشجيع الصناعات الصغيرة والمتوسطة من خلال انشاء المناطق الصناعية وصناديق دعم الصادرات، وتحريك قطاع المال والتأمين والعقارات وخدمات الاعمال، والتشييد والبناء، والتجارة والمطاعم والفندقة وتوفير الكهرباء." (التأكيد من عندنا).

 

لا يسع المرء، في ظل تهميش قطاع التأمين، إلا أن يشكر السيد فارس آل سلمان على إدراجه للتأمين ضمن إشارته لما سمّاه الدعم الحكومي الذكي.  تفيد هذه الإشارة، ضمناً، إلى عدم وجود دعم حقيقي لقطاع التأمين المكوّن حالياً من شركات تأمين عامة وخاصّة (قد يكون الإلزام بالتأمين على الصناعات الصغيرة والمتوسطة، مثلاً، مُضمراً في هذا الدعم الحكومي الذكي).  وربما يأخذ السيد آل سلمان على عاتقه توسيع رؤيته بشأن ما ذكره عن هذا الدعم وعن التأمين لإفادة صانعي القرار ممن لهم علاقة بالواقع الحالي لقطاع التأمين وتطويره.  نعرف أن هيئة الاستشاريين في مجلس الوزراء استعان ببعض الاقتصاديين للنظر في مستقبل القطاع وآفاق تطوره إلا أن شيئاً من دراساتهم ودراسات آخرين ارتبطوا بهم لم يظهر للعلن ليكون موضوعاً للمناقشة المفتوحة.  (منذ أيام "المستبد بأمره" بول بريمر الثالث بقي التأمين، الذي اعتبِره يتيم القطاع المالي، مهملاً).  وحسب علمي، ليس هناك موقفٌ حكومي رسمي واضح تجاه مصائر القطاع دونكم وجود سياسة لقطاع التأمين، وهو موضوع ناقشناه في كتابات سابقة.

 

عوداً إلى أطروحة السيد آل سلمان بشأن الدعم الحكومي الذكي لقطاع التأمين، أرى أنها تستدعي التفكير بمفردات الدعم (في مجال التشريع، تعديل ما هو قائم منه وإضافة الجديد، والتعليمات الرسمية الخاصة بتأمين عقود الدولة مثلاً) والأطراف التي تقوم بها رسماً وتنفيذاً ومتابعةً.  مثل هذا الدعم مطلوب بحد ذاته لكن هناك دور لقطاع التأمين ذاته: شركات التأمين العامة والخاصة، جمعية التأمين العراقية وديوان التأمين.  لم نقرأ عن مبادرات محددة من هؤلاء لتفعيل القطاع وإخراجه من وضعه الحالي.  لم يمارس القطاع ضغطاً على الحكومة لتعديل قانون تنظيم أعمال التأمين مثلاً، أو الضغط لتطبيق شرط التأمين في شروط المقاولة لأعمال الهندسة المدنية والكهربائية والميكانيكية والكيمياوية في العراق.[3]

 

إن الشكوى من حالة التطور البطيء للقطاع مستمرة لكن الحلول المقترحة تظل غارقة في العمومية، أو لا تُترجم إلى مشاريع قانونية تُعرض على الحكومة لتبنيها وعرضها على البرلمان، وحتى ما تتبناه الحكومات في برامجها لا تتجسد في قوانين أو تعليمات ملزمة يمكن أن تحدث نقلة في نشاط القطاع التأميني (يرد في بالنا هنا التأمين الصحي وتأمين المسؤولية المهنية).  نفهم أن البيئة الاقتصادية الحالية، والقوانين المنظمة للنشاط التأميني، وثقافة التأمين المتدنية، وضعف مهنية ممارسة النشاط اليومي في شركات التأمين، وقصور الحكومة في التشريع لإلزامية بعض أنواع التأمين ... الخ كلها تعمل في غير صالح القطاع.  لكن السؤال الكبير هو: إلى متى يستمر هذا الوضع؟

 

اقتصاد السوق الاجتماعي وما يعنيه بالنسبة للنشاط التأميني وإعادة هيكلة المصارف الحكومية

 

جاء في التقرير أن الدكتور ماجد الصوري، الذي قام بإدارة الورشة، "دعا إلى تحديد هوية واضحة للاقتصاد العراقي، وتحديد استراتيجية التنمية الاقتصادية والاجتماعية ووضع الخطط اللازمة لتنفيذها وفق جدول زمني، وتحديد مسؤوليات التنفيذ، والمتابعة والرقابة على تنفيذها (الخطة الجديدة تبنت اقتصاد السوق الاجتماعي)."  وهو بهذا يقترب من تأكيدات السيد فراس آل سلمان التي أوردها كاتب التقرير، لكنه يربط ما ذكره باقتصاد السوق الاجتماعي.  وهذه الأفكار كانت قيد التداول منذ 2003.

 

وقد كتبنا في مقال سابق ما يعنيه اقتصاد السوق الاجتماعي لنشاط التأمين.[4]  نود هنا اقتباس ما كتبنا بدلاً من الإحالة إلى المصدر خاصة وأنه لم يلق اهتماماً من الغير وقت النشر:

 

ماذا يعني ذلك [اقتصاد السوق الاجتماعي] بالنسبة للنشاط التأميني؟  ربما يعني خروج الدولة من السوق التجاري للتأمين.  ويقتضي هذا خصخصة شركات التأمين وإعادة التأمين التابعة لها، وحصر دورها (دور الدولة) بتوفير أنماط من التأمين الاجتماعي، أو تطوير ما هو قائم منها، كما هو الحال في الديمقراطيات الغربية، أو تكوين مُجمّع تأميني لمقابلة الخسائر والأضرار المادية المترتبة على الكوارث أو خطر الإرهاب.  وقد يكون هذا المجمع ممولاً من الميزانية العامة أو من مساهمة الشركات أو رسوم مفروضة على وثائق تأمين معينة، وقد يكون مشروعاً مشتركاً بين شركات التأمين والدولة.  لكننا نستبق ما سيسفر أو لا يسفر عنه المستقبل.

 

يعني ذلك أيضاً ضمان الدولة للمنافسة (منع الاحتكار) بين شركات التأمين، وتوفير الشروط لتحقيق تكافؤ الفرص بين الكيانات الاقتصادية (عدم تفضيل شركة تأمين على غيرها في التأمين على الأصول المادية والمسؤوليات المادية) وتعطيل سيطرة فئة على مقاليد النشاط التأميني (الاندماج بين مجموعة من شركات التأمين بهدف السيطرة على السوق لتعظيم أرباحها)، وتدخل الدولة عند فشل شركات التأمين في أداء دورها (دور اضطراري ربما قد تلجأ إليه عند إفلاس شركة تأمين للحفاظ على حقوق حملة وثائق التأمين كما هو الحال بالنسبة للمودعين في المصارف).  وقد يضاف إلى هذه السياسات تدخل الدولة لتوجيه الإنفاق والاستثمار لتلبية حاجات اجتماعية (وهو ما تمارسه الدولة من خلال الإنفاق العام الذي يخلق فرص جديدة لشراء أغطية التأمين، وتحديد مجالات استثمار صناديق التأمين، والسياسة الضريبية الخاصة بالنشاط التأميني ومنها عدم فرض ضريبة على عقود التأمين على الحياة لتشجيع الادخار، أو وثائق التأمين الصحي لتقليل الضغط على الخدمات الصحية التي تقدمها الدولة).

 

وبودنا هنا أن نربط مسألة اقتصاد السوق الاجتماعي مع ما أشار إليه الدكتور الصوري حول "أهمية اعادة هيكلة جريئة للمؤسسات المالية في العراق وبالذات المصارف الحكومية، ومن ذلك دمج المصارف الحكومية التجارية في مصرف واحد، وكذلك جميع المصارف المتخصصة في مصرف تنموي كبير، وضبط التجارة الخارجية والمنافذ الحدودية، البرية والجوية والبحرية، التي تعتبر مجالا حيويا للفساد المالي، وعاملا مهما في عرقلة الانتاج المحلي والتنمية الاقتصادية، وتوفير البيئة الملائمة لتطوير القطاع الخاص الانتاجي والخدمي في جميع المجالات والعمل على تمكينه من التعاون مع القطاع العام."

 

لقد حصر الدكتور الصوري اعادة الهيكلة الجريئة للمؤسسات المالية في العراق بالمصارف الحكومية وأهمل ذكر شركات التأمين الحكومية (شركة التأمين الوطنية، شركة التأمين العراقية، شركة إعادة التأمين العراقية) وشركات التأمين الخاصة (يقرب عددها من ثلاثين شركة)، التي هي أيضاً بحاجة إلى إعادة هيكلة - رغم أن هذه الشركات مؤسسات مالية وسيطة تقوم باستثمار فوائضها المالية في رأسمال عيني أو أوراق مالية (أسهم وسندات)، وهي بذلك ليست بعيدة عن واحدة من الوظائف التي يقوم بها القطاع المصرفي.  ربما جاء هذا الإهمال لصغر حجم أعمال هذه الشركات مقارنة بأعمال المصارف الحكومية، أو أن إعادة الهيكلة ستطال الشركات الحكومية عاجلاً أو آجلاً.

 

إن خلق الكيانات المصرفية الكبيرة من خلال عمليات الدمج من شأنه أن يؤدي إلى تزايد الاستقطاب بين المصارف الحكومية المدمجة والمصارف الخاصة، واستمرار سيطرة المصارف الحكومية على مجمل الأعمال المصرفية ما لم يرتبط الدمج بقيود وقواعد انضباطية تحول دون قيام وضع شبه احتكاري، وهو ما لا يرغب به دعاة ومروجي الاقتصاد الحر على المستوى النظري.  مثل هذا الوضع لا يتماشى مع متطلبات خلق اقتصاد السوق الاجتماعي الذي وصفنا بعض ملامحه بالنسبة لقطاع التأمين.  ذات الأمر، الاستقطاب والميل إلى وضع شبه احتكاري، ينطبق على دمج شركة التأمين الوطنية وشركة التأمين العراقية (صدر قرار من وزارة المالية في آذار 2017 يقضي بدمج الشركتين لكن إجراءات الدمج، حتى الآن، ليست معروفة لنا).

 

نأمل أن يأخذ منتدى بغداد الاقتصادي على عاتقه متابعة ما أورده رئيسها السيد فارس آل سلمان عن التأمين من خلال التعاون والتنسيق مع غرفة تجارة بغداد وجمعية التأمين العراقية، والقيام بالدراسات المناسبة[5] وصياغة المقترحات.  ونتمنى أن تتجاوز المقترحات وضع قائمة طويلة بها دون أن تقترن بالأرقام والحجج لكيلا تضيع في عمومياتها.

 

مصباح كمال

4 آب/أغسطس 2017



[2] أنظر، على سبيل المثل، صبري زاير السعدي، نموذج اقتصادي جديد للعراق: الرؤيا المستقبلية وشركات الدولة الكبرى والريع النفطي (Saarbrucken: Noor Publishing, 2017)
[3] أنظر: وزارة التخطيط، بغداد، شروط المقاولة لأعمال الهندسة المدنية، المادة الخامسة والعشرون "عدم قيام "المقاول" بالتأمين،" ص 198-199.  وكذلك وزارة التخطيط، بغداد، شروط المقاولة لأعمال الهندسة الكهربائية والميكانيكية والكيمياوية، المادة السادسة عشرة، "العناية "بالأعمال" والتأمين والتعويضات،" ص 261-264.
 
أنظر أيضاً:
مصباح كمال، "شركة عامة لا تؤمن على عقودها،" نشرت في المواقع التالية:
 
 
[4] مصباح كمال، "التأمين: موضوع مهمل في الكتابات الاقتصادية العراقية،" مجلة الثقافة الجديدة، العدد 336، 2010، ص36-49.
[5] يمكن الاستفادة من الطاقات المحلية وتكليفها مقابل أجر مناسب لإجراء المسوح والدراسات.

ليست هناك تعليقات: