إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

2022/08/27

Deductibles in Construction & Engineering Insurance and its Irresponsible Use by Iraqi Insurers

ممارسة غير مسؤولة لاستخدام الخسارة المهدرة في التأمين الهندسي

 

 

مصباح كمال

 

 

من باب التقديم: ممارسة تأمينية غريبة

 

التقيت في أوائل شهر آب بأحد زملاء التأمين الشباب، وخلال اللقاء تحدثنا عن بعض قضايا التأمين العراقي.  ذكر لي ممارسة غريبة لدى بعض شركات التأمين والوسطاء في فروع معينة للتأمين: إصدار شركة التأمين لوثيقة التأمين بخسارة مهدرة (فقرة تحمّل/استقطاع) تعادل 100% من مبلغ التأمين.[1]

 

تمثل هذه الممارسة، حسب علمي، ظاهرة غريبة وغير معهودة في ممارسة التأمين في أي مكان في العالم.  للحصول على معلومات إضافية استنجدت بزميل آخر في العراق.  أكدَّ لي، مستعيناً بتجربته، ان بعض شركات التأمين تمنح حمايه تأمينية بخساره مهدره تصل الى 100 بالمائة مقابل قسط زهيد وحسب طلب الزبون وخاصه لوثائق التامين الهندسي كون ان المشروع المطلوب تغطيته على وشك الانتهاء وتسليمه لصاحب المشروع، ولكي يحصل المقاول على السلفة النهائية عليه تقديم وثيقة تأمين للمشروع والذي كان يتوجب على صاحب المشروع الحصول على الوثيقة عند البدء بالعمل.  وأضاف أن بعض الزبائن طلبوا منه مثل هذه الوثيقة وابلغوه استعدادهم لتزويده بكتاب موقّع من جانبهم بعدم مطالبتهم عن أي حادث قد يحصل مقابل تحديد سعر بائس للخطر.  وأنه، وهو على صواب، كان يرفض مثل هذه الطلبات كونها تمثل استغفالًا وصورة من صور الفساد لصاحب المشروع سواء كان حكوميا او خاصا إذ أن وثيقة التأمين هي البيّنة على تفاصيل العقد بين المؤمن والمؤمن له وليس الكتاب الدخيل على العقد.  وفي تبريرهم لهذا الإجراء كان الزبائن يؤكدون له أن هناك العديد من الشركات مستعدة لإصدار هكذا حمايه.

 

موقف جمعية التأمين العراقية وديوان التأمين

 

من الغرائب أن جمعية التأمين العراقية و ديوان التأمين لهما علم بهذه الممارسة إذ أنها كانت موضوعا للمناقشة في اجتماعات الجمعية وحتى أن رأياً قد تبلور يدعو إلى قيام الديوان بإصدار التعليمات المناسبة لوقف الممارسة.  ولكن لم يتحقق أي شيء على أرض الواقع رغم أن قانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005 يفوّض الديوان ممارسة سلطته الرقابية على وثائق التأمين.  نقرأ في المادة-39- أولا- من القانون ما يلي:

 

يزود المؤمن الديوان بنماذج وثائق التأمين وملاحقها المعتمدة في أعماله والتي يجب أن تتضمن شروط التأمين العامة والخاصة والأسس الفنية العامة لهذه الوثائق ومعدلات الأقساط الملحقة بها، كما يزود المؤمن الديوان بجدول استرداد أقيام وثائق التأمين على الحياة ومعدلات الأقساط الملحقة بها.

 

يعني هذا أن الديوان يستطيع من خلال فحص نصوص وثائق التأمين ووسائل أخرى التأكد من سلامة "شروط التأمين العامة والخاصة والأسس الفنية العامة لهذه الوثائق ومعدلات الأقساط الملحقة بها."

 

شيء من التاريخ القريب

 

تذكّرنا ممارسة إصدار شركة التأمين لوثيقة التأمين بخسارة مهدرة تعادل 100% من مبلغ التأمين مقابل قسط زهيد، أي وثيقة تأمين لا توفر غطاءً تأمينياً، بالترتيبات التي كانت تجري في زمن الدكتاتورية والمعروفة تحت عنوان "أجور المثل" أو ما يجري منذ 2003 تحت عنوان "وصل القبض" كبديل عن التأمين الحقيقي.  وقد تناولنا هذه المسألة في مقال سابق نقتبس منه الآتي:

 

كان هناك في الماضي الذي خبرناه ما كان يعرف باسم أجور المثل، وكانت تصدر بشكل رسالة إلى جهة حكومية أو إلى من يهمه الأمر.  كانت الرسالة الصادرة من شركة التأمين الوطنية (وقتها كانت الشركة الوحيدة التي تمارس التأمين العام) أشبه ما يكون بمذكرة تغطية صغيرة (دون منح غطاء) يذكر فيها اسم المقاول، واسم رب العمل، واسم المشروع ومبلغ التأمين، ونوع وثيقة التأمين، وأجر المثل (قسط التأمين التي كانت الشركة ستطلبه لو أن المقاول قدم طلباً للتأمين قبل بدء أعمال المشروع).  ولم تكن شركة التأمين تتقاضى قسطاً للتأمين أو رسماً لقاء إصدار رسالة أجر المثل.  كانت وظيفة الرسالة تسهيل التحاسب بين المقاول ورب العمل بعد إكمال المشروع وإبراء ذمة الطرفين، إذ كان رب العمل يستقطع أجر المثل (قسط التأمين) من استحقاقات المقاول.  وهذا الاستقطاع يقوم على مبدأ تضمُّن سعر المقاولة لكلفة إجراء التأمين على المشروع من قبل المقاول.[2]

 

وصل القبض ووثيقة التأمين التي تصدر بدون توفير غطاء للتأمين تلغي سبب وجود مؤسسة التأمين حيث يحتل الوعد التأميني مكانة القلب فيها بالتعويض عن الأضرار والخسائر.  إن موافقة شركة التأمين على هذه الممارسة (إصدار وصل القبض ووثيقة التأمين بخسارة مهدرة تعادل 100% من مبلغ التأمين) تكون بهذا قد ألغت الوفاء بوعد التعويض بالكامل عن الأضرار.  وهي بذلك قد تحولت إلى مكتب جباية لقسط تأمين وهمي مقابل قيامها بإصدار ورقة لا تضم أية التزامات.

 

اجتماع تدهور القدرات الاكتتابية مع جهل المقاول والتواطؤ الضمني لصاحب المشروع

 

تكشف هذه الممارسة عن غياب وفي أحسن الأحوال تدني فهم مؤسسة التأمين ووظيفتها، وكذلك تدني مريع في القدرات الاكتتابية لدى الشركات التي تكتتب بأخطار التأمين الهندسي وغيرها من فروع التأمين.  كما أن الممارسة هذه تؤكد على تخلي هذه الشركات عن دورها في التعريف المهني بالخطر والقواعد القانونية المنظمة لعقد التأمين.

 

تُرى هل أن مكتتب التأمين الهندسي في هذه الشركات، بافتراض وجود مكتتب متخصص في هذا الفرع من التأمين، قام بدراسة حقيقية لاستمارة طلب التأمين الذي يتضمن وصفاً عاماً للمشروع، والتفاصيل الضرورية المُفترض من المقاول تقديمها أو يطلب المكتتب منه تقديمها قبل إبرام عقد التأمين لتقدير الأخطار الكامنة في المشروع المعروض للتأمين في ضوء المخططات الهندسية والمواصفات specifications وجدول الكميات وشروط عقد الإنشاء الخاصة بالمشروع، وخبرة المقاول في إنشاء مشاريع مماثلة، قبل احتساب قسط التأمين المطلوب، وتحديد شروط التأمين، والحدود الدنيا لفقرة الخسارة المهدرة، وتطبيق التظهيرات/الملاحق endorsements المناسبة لطبيعة المشروع؟

 

من المؤسف ملاحظة وجود فجوة في المستوى المهني والكفاءة، فيما يخص المعرفة المتعمقة بالتأمين والمهارات المرتبطة به، بين عدد قليل يتقلص باستمرار من الكوادر المتقدمة، كبيرة العمر وتقاعدت عن العمل، وبين الجيل الجديد العامل في شركات التأمين وكذلك مسؤولي التأمين في وزارات ودوائر الدولة.

 

تكشف هذه الممارسة أيضاً أن صاحب المشروع/رب العمل بدلاً من مطالبة المقاول بإبراز وثيقة تأمين أصولية صادرة من شركة تأمين مرخصة من قبل ديوان التأمين يقبل بوثيقة تأمين "وهمية" صادرة من شركة التأمين كمستند ودليل على وجود غطاء التأمين.  يعني هذا أن أطرافاً ثلاثة تواطأت فيما بينه لتمرير هذه الممارسة: صاحب المشروع، المقاول، شركة التأمين.  وكنت قد كتبت في الماضي في سياق وصل القبض أن هذا جهل ما بعده جهل فيما يخص التأمين.  فلا المقاول ولا رب العمل يعرف تفاصيل ما هو مؤمن عليه، ونطاق التغطية.

 

قد نفهم جهل المقاول بالتأمين فربما يكون أمياً بالمعنى الضيق للكلمة أو أمياً ثقافياً، وقد عرف سوق التأمين العراقي هذا النمط من المقاولين أيام الدكتاتورية، وخاصة بالنسبة لعقود الانشاء المدنية الصغيرة التي كانت ترسى عليهم لا لأهليتهم في مجال معين في صناعة الإنشاء وإنما لارتباطهم بالحزب الحاكم أو لإرشائهم لبعض المسؤولين عن العقود.  وشهدت الفترة بعد 2003 ولا تزال وجود مثل هؤلاء المقاولين ولكن هذه المرة لارتباطهم بالتنظيمات الطائفية وربما الميليشاوية وفي ظل نظام متكامل للفساد.[3]

 

إن ما يدعو للقلق أن يكون الموظف الرسمي الذي يمثل صاحب المشروع في تعامله مع المقاول المنفذ لأعمال المقاولة المتعاقد عليها جاهلاً بالتأمين لأنه بسبب عدم مطالبته من المقاول إبراز وثيقة تأمين أصولية يكون بذلك قد ألغى ما أسميته في السابق بالكفاءة البيروقراطية (بالمعنى الجيد) في إدارة جانب من الشأن العام والحفاظ على مصالح الدولة.  بعبارة أخرى، فإن هذا الجهل، على صغره، يؤشر على غياب بناء الدولة العصرية المحايدة.

 

بعض تداعيات الممارسة الغريبة

 

تتخذ هذه الممارسة أحياناً شكل إصدار وثيقة التأمين الهندسي بخسارة مهدرة عالية.  قد يلجأ المقاول إلى الخسارة المهدرة العالية كوسيلة للتوفير في قسط التأمين، وهذا يدل على قصر نظر من قبله وغياب فهم ما يعنيه تشخيص الخطر ومصادره، وقياس آثاره، والسيطرة عليه، واعتماد الوسائل المناسبة للحيلولة دون وقوعه وعند وقوعه الحد من تفاقمه وحجم وتكرارية حالات الضرر والتلف التي قد يتعرض له المشروع، ذلك لأنه سيكون مسؤولاً عن تمويل كلفة تصليح الأضرار التي تكون مبالغها دون الخسارة المهدرة العالية.  وإذا كانت موارده المالية الداخلية (رأس المال والاحتياطات لأغراض الطوارئ، بافتراض وجودها، وسيولته النقدية) ليست متوفرة للسحب لمقابلة تكاليف التصليح أو أنها مطلوبة لأغراض أخرى، فمن أين سيمول تصليح الأضرار؟  هل سيلجأ إلى الاقتراض من البنوك؟

 

وعدا ذلك فإن اللجوء إلى الخسارة العالية قد تعرّض مصالح رب العمل للخطر في حال عدم كفاية الحماية التأمينية وعدم توفر القدرة المالية والسيولة النقدية لدى المقاول لتصليح الأضرار، وما يترتب على ذلك من تأخير في إكمال أعمال المشروع وتسليمه ضمن المدة المقررة في عقد الإنشاء.

 

مقابل ذلك هناك ميل لدى بعض المقاولين لطلب خسارة مهدرة واطئة جداً لضمان الحصول على تعويض عن الأضرار والخسائر الصغيرة.  ومن الملاحظ أن مكتتب التأمين الجيد يميل إلى عدم قبول الاكتتاب بخسارة واطئة جداً رغم إغراء القسط الأعلى الذي يقتضيه، ذلك لأن الخسارة الواطئة تعني تعبئة موارد الشركة (كوادر ومصاريف إدارية) لإدارة المطالبات الصغيرة، وبالتالي زيادة تكاليف إدارة العملية التأمينية.

 

إن هذه الممارسة تنطوي على إساءة لتاريخ ولسمعة قطاع التأمين العراقي: شركات تقوم بجباية أقساط التأمين، مقابل غطاء وهمي، ولا تقوم بالتعويض.  شركات التأمين التي تمارس هذا النمط من "الاكتتاب" لا يهمها صورة القطاع في الداخل والخارج وتساهم من حيث لا تدري في تشويه سمعة مؤسسة التأمين.  والملاحظ أن هذه الممارسة تكاد أن تكون محصورة بعدد من شركات التأمين الخاصة.  ونقرأ في الورقة البيضاء وفي بيان إنجازات وزارة المالية[4] عن خطط لإعادة هيكلة (خصخصة) شركات التأمين العامة لكن أصحاب القرار والمستشارين المعتمدين من العراقيين والأجانب ليسوا معنيين بالانحطاط الموجود لدى العديد من شركات التأمين الخاصة.  هل هم حقاً معنيين بمصائر قطاع التأمين العراقي وتطوره؟  عندما يكون الدافع الرئيسي هو تحقيق الربح للمساهمين بأي ثمن تتراجع الاعتبارات المهنية الأخلاقية.

 

قروض البنك الدولي والتأمين

 

قبل أن ننهي ملاحظاتنا نود الإشارة إلى مثال حقيقي لما نتحدث عنه في هذه الورقة.  والمثال هو جدول وثيقة التأمين الهندسي (الرديء في الإخراج) على تأهيل محطة ضخ رئيسية لمياه الأمطار في محافظة ديالى ضمن مشاريع قرض البنك الدولي الطارئ لإعادة إعمار المناطق المحررة في محافظتي ديالى وصلاح الدين.  صاحب المشروع المذكور في الجدول: وزارة الإعمار والإسكان والبلديات والأشغال العامة/مكتب الإدارة الستراتيجية.  سعر المقاولة هو بحدود ربع مليون دولار.

 

الغريب أن هناك وثيقتي تأمين على نفس المشروع صادرتين من قبل شركتي تأمين خاصتين وبنفس سعر المقاولة، إحداهما بخسارة مهدرة 100% والأخرى بخسارة مهدرة تكاد أن تقترب من 50% من سعر المقاولة.

 

ما نود التوقف عنده هو أن المشروع هو من ضمن المشاريع التي يمولها البنك الدولي.  من المعروف أن البنك له اهتمام عميق بالحماية التأمينية للمشاريع التي يكون طرفاً فيها.  فهو، كمقرض، يهتم بنطاق التغطية التأمينية، والاستثناءات، والخسارات المهدرة، والملاءة المالية لشركات التأمين، وتمثيل مصالحه في وثيقة التأمين.  البنك الدولي، كغيره من المؤسسات التمويلية العالمية، له برنامج للحدود الدنيا من متطلبات التأمين minimum insurance requirements ويتعامل مع وسطاء تأمين دوليين وله ذراعه التمويلي الخاص بتشجيع القطاع الخاص في الدول النامية: مؤسسة التمويل الدولية International Finance Corporation (IFC).  في حالتنا لا نعرف إن كان البنك قد أفرد فقرة خاصة لتأمين مشاريع إعادة الإعمار، أو أنه ترك هذا الأمر لوزارة الإعمار والإسكان والبلديات والأشغال العامة.  (اطلعنا على إحدى مناقصات الوزارة التي تدعو فيها المقاولين لتقديم عطاءاتهم لكنها كانت خالية من الإشارة للتأمين).

 

ختاماً، نسأل إن قرأ مكتتبو التأمين الهندسي في هاتين الشركتين، وشركات التأمين الأخرى، العامة والخاصة، الكتب المعنية بالتأمين الهندسي باللغة العربية والإنجليزية؟

 

 

18 آب 2022



[1] للتعريف بأهمية الخسارة المهدرة أنظر: مصباح كمال، التأمين: مقتربات تاريخية واقتصادية ومعاصرة (بيروت: منتدى المعارف، 2022)، الفصل العاشر، "محاولة للتفسير الاقتصادي للخسارة المهدرة التي تفرضها شركات التأمين،" ص 139-142.

 

يمكن قراءة هذا التعليق في موقع شبكة الاقتصاديين العراقيين:

http://iraqieconomists.net/ar/2017/03/17/%d8%af-%d8%b3%d9%86%d8%a7%d8%a1-%d8%b9%d8%a8%d8%af-%d8%a7%d9%84%d9%82%d8%a7%d8%af%d8%b1-%d9%85%d8%b5%d8%b7%d9%81%d9%89-%d9%85%d8%a7-%d9%87%d9%8a-%d8%b3%d9%80%d9%80%d9%80%d8%a8%d9%84-%d9%86%d8%ac/

[2] مصباح كمال، وصل القبض بديلاً عن التأمين،" مجلة التأمين العراقي:

http://misbahkamal.blogspot.co.uk/2013/02/receipt-voucher-or-insurance-policy.html

 

[3] كما جاء في كتاب استقالة وزير المالية، على عبد الأمير علاوي، المؤرخ 16 آب 2022.

[4] مصباح كمال، "وزارة المالية العراقية ومعهد آدم سميث البريطاني ودراسة سو التأمين في العراق،" موقع شبكة الاقتصاديين العراقيين:

http://iraqieconomists.net/ar/wp-content/uploads/sites/2/2022/07/Adam-Smith-Institute-and-Iraqs-Insurance-Sector-IEN-Draft-2-002.pdf

 


2022/06/20

Insuring Oil Pipeline Company - Correction

 

تصحيح بعض ما ورد في مقال 

هل تم إفشال مشروع عقد تأمين فاسد؟

التأمين على شركة خطوط الأنابيب النفطية العراقية

 مصباح كمال

تم نشر هذا المقال أصلا في موقع شبكة الاقتصاديين العراقيين:

http://iraqieconomists.net/ar/2022/06/17/%d9%85%d8%b5%d8%a8%d8%a7%d8%ad-%d9%83%d9%85%d8%a7%d9%84-%d8%aa%d8%b5%d8%ad%d9%8a%d8%ad-%d8%a8%d8%b9%d8%b6-%d9%85%d8%a7-%d9%88%d8%b1%d8%af-%d9%81%d9%8a-%d9%85%d9%82%d8%a7%d9%84-%d9%87%d9%84-%d8%aa/

 مصباح-كمال-تصحيح-بعض-ما-ورد-في-مقال-هل-تم-إفشال-مشروع-عقد-تأمين-فاسد-التأمين-على-شركة-خطوط-الأنابيب-النفطية-العراقية.pdf (iraqieconomists.net)

 

مقدمة

 

لقد كتبت مقال "هل تم إفشال مشروع عقد تأمين فاسد؟  التأمين على شركة خطوط الأنابيب النفطية العراقية" المنشور في موقع شبكة الاقتصاديين العراقيين[1] اعتمادًا على معلومات وردتني من زملاء المهنة في العراق.  وقد كانت بعض هذه المعلومات مبتورة، غير مكتملة، كما أشرت إلى ذلك في المقال.  لذلك ارتأيت كتابة هذا التصحيح.

 

بعد نشر المقال وردتني رسالة من زميل لي في العراق أفاد فيها:

 

ان موضوع التأمين ينصب على انابيب قديمة من ثمانينيات القرن الماضي مع الاستمرار في عمليات الصيانة وهذه لأول مرة يتم التأمين عليها حيث كانت هذه الشركة تغطي الخسائر التي تلحق بهذه الانابيب من خلال تكوين صندوق مخصص لها وقد ساهمت شركة إعادة التأمين العراقية [في وثيقة التأمين الحالية] بنسبة عشرة بالمائة منها علما ان هنالك حدود للمسؤولية وان الوسيط الذي حصل على هذا المشروع هو وسيط عراقي جديد ومجاز من قبل ديوان التأمين ولكن توزيعها على شركات خاصة ذات إمكانيات فنية ومالية ضعيفة هو ما ستواجهه شركة التأمين العراقية من مشاكل مالية وفنية في حال حصول تعويضات كبيرة او متكررة كما وان شركة التأمين العراقية ليس لديها الكادر الفني المقتدر على الاكتتاب في مثل هكذا مشاريع كما ومن الطبيعي هنالك شبهات فساد كما ذكرت لان هذا هو حال العراق الان الفساد مستشري ليس على المستوى الحكومي وإنما على المستوى الشعبي مع الأسف تم تغيير الكثير من المفاهيم في العراق فأصبحت الرشوة اكرامية او مكافأة واصبحت السرقة شطارة وذكاء وهكذا لباقي المصطلحات.

 

وقد ثبتُّ هذه الإفادة في رسالة توزيع المقال المنشور على قائمة بريدي لتنبيه القراء إلى مضمونها.

 

ماذا نكتشفه من رسالة هذا الزميل الفاضل؟

 

(1)           صندوق لتمويل تصليح الأضرار والتحول إلى التأمين

 

إن شركة خطوط الأنابيب النفطية رغم أنها لم تمتلك وثيقة للتأمين على ممتلكاتها قبل الآن، فإنها كانت قد خصصت صندوقًا لتمويل تكاليف تصليح الأضرار المادية التي تلحق بالأنابيب.  المعلومات الإضافية التي حصلنا عليها تفيد أن الرصيد المخصص لهذا الصندوق هو بحدود خمسة وثلاثون مليار دينار سنويًا (وهو ما يعال 24 مليون دولار تقريبًا).  لم نستطع الحصول على معلومات بخصوص تاريخ تشكيل هذا الصندوق، والمشرفين على إدارته (قسم المحاسبة أو قسم تأمين متخصص)، وآلية عمله، وضمان عدم استنفاد موارده بسبب تكرر وقوع الحوادث المسببة للأضرار.

 

إن تخصيص صندوق للطوارئ لمجابهة الحوادث وآثارها منهج معروف في إدارة الخطر، وتلجأ إليه الشركات الكبيرة كبديل، أحيانًا، لشراء الحماية من السوق التجاري للتأمين التي قد تكون أسعارها عالية، مستفيدة من أقساط التأمين، التي كانت ستدفعها إلى شركة التأمين، لتمويل الصندوق.  وهو بذلك شكلٌ من أشكال التأمين الذاتي.

 

ويبدو أن لجوء شركة خطوط الأنابيب النفطية إلى شراء حماية التأمين جاء بسبب تكرر حوادث تضرر الأنابيب وتجاوز تكاليف تصليحها الرصيد المخصص للصندوق.  وفي شرح هذا الوضع ذكر أحد الزملاء أنه عند وقوع حادث فإن الفريق المتخصص في شركة خطوط الأنابيب النفطية لا يقوم بتصليح الأنبوب المتضرر بل استبداله مما يزيد من التكاليف.[2]

 

وفيما يخص الحد الأقصى لمسؤولية شركة التأمين فإنه لا يتجاوز مائة مليار دينار سنويًا (ما يعادل 68,555,000 دولار) لجميع المطالبات بالتعويض عن الأضرار – فإذا تجاوزت قيمة التعويضات هذا الحد فإن المبالغ التي تزيد عن هذا الحد لا تقع ضمن مسؤولية شركة التأمين.

 

المعلومات الإضافية التي وردتنا تؤكد على أن الصندوق سيُلغى حال اصدار وثيقة التأمين.  لكن الوثيقة لم تصدر، أو تعطل إصدارها، بسبب عدم وجود تخصيص مالي لدى شركة خطوط الأنابيب النفطية للتأمين، قامت على إثر ذلك بمفاتحة وزارة النفط لتوفير قسط التأمين المُقدر بأكثر من عشرين مليون دولار سنويًا.

 

أليس غريبًا، إن صحّت هذه المعلومات، أن تُقدم مشركة خطوط الأنابيب النفطية على شراء حماية التأمين دون أن تتأكد أولًا من وجود رصيد مالي لتسديد قسط التأمين!

 

(2)           وسيط التأمين

 

إن وسيط التأمين المُعيّن من قبل شركة خطوط الأنابيب النفطية، أو من قبل شركة التأمين العراقية، التي قيل أن مناقصة التأمين قد رسا عليها، خلافًا لما جاء في مقالي، هو وسيط جديد تأسس حديثًا وهو مرخص لمزاولة أعمال وساطة التأمين من قبل ديوان التأمين (الهيئة الرقابية).  لكنه حتى الآن ليس معروفًا لنا إن كان هذا الوسيط مرخصًا للعمل كوسيط لأعمال التأمين المباشر أو وسيط لأعمال إعادة التأمين (عمل هذين الصنفين من الوسطاء محكوم بتعليمات صادرة بقوة القانون من ديوان التأمين سنة 2006).

 

إن طريقة اختيار الوسيط، سواء من قبل شركة خطوط الأنابيب النفطية أو شركة التأمين العراقية، ليس معروفًا حتى الآن.

 

(3)           شركة التأمين العراقية وقدراتها الفنية

 

إن شركة التأمين التي قامت بالاكتتاب بمخاطر شركة خطوط الأنابيب النفطية هي شركة التأمين العراقية،[3] وهي شركة عامة تابعة لوزارة المالية.  وكما جاء في المعلومات التي وصلتنا فإن هذه الشركة ليس لديها الكادر الفني المؤهل للاكتتاب بأخطار شركة خطوط الأنابيب النفطية، وهي أخطار متنوعة، كما بينا في مقالنا المنشور، تتطلب معرفة متخصصة وقدرات فنية وخاصة في فرع التأمين على توقف الأعمال (خسارة الأرباح).

 

(4)          إشراك شركات التأمين الخاصة

 

يشير زميلي في رسالته إلى أن توزيع مشروع تأمين أخطار شركة خطوط الأنابيب النفطية على شركات خاصة ذات إمكانيات فنية ومالية ضعيفة هو ما ستواجهه شركة التأمين العراقية من مشاكل مالية وفنية في حال حصول تعويضات كبيرة أو متكررة.

 

يُفهم من هذا الكلام أن شركة التأمين العراقية، باعتبارها الشركة القائدة leading company التي وضعت أسعار وشروط التأمين (أو أنها أسعار وشروط أتى بها وسيط التأمين من وسيط أجنبي آخر أو من شركة أجنبية لإعادة التأمين)، قامت بعرض حصص من تأمين شركة خطوط الأنابيب النفطية على شركات تأمين خاصة (هناك أكثر من ثلاثين شركة تأمين خاصة) إما على أساس التأمين المشترك/المشاركة في التأمين co-insurance أو المشاركة في إعادة التأمين الاختياري facultative reinsurance لوثيقة التأمين التي اكتتبت بها شركة التأمين العراقية.

 

ليس معروفًا لنا بأي صفة تشترك شركات التأمين الخاصة أو شركة التأمين الوطنية (وهي شركة عامة) في مشروع التأمين.

 

وورد إلى علمنا أن شركة إعادة التأمين العراقية، وهي شركة عامة، ساهمت بنسبة 10% في الأخطار التي أمّنت عليها شركة التأمين العراقية.  ليس معروفًا إن ساهمت شركة التأمين الوطنية بحصة، وكذلك ليس معروفًا حصص شركات التأمين الخاصة.  ترى هل أن المتانة المالية لهذه الشركات يبرر مشاركتها، وهل تأكدت شركة التأمين العراقية من مواردها المالية والفنية وقدراتها على تسديد حصتها من التعويضات؟

 

(5)           المناقصات

 

يؤكد زميلي كاتب الرسالة على استشراء الفساد في العراق.  من قراءتي للمعلومات التي وصلتني ازداد قناعة أن هناك جوانب مخفية في مشروع تأمين شركة خطوط الأنابيب النفطية أجمل بعضها في الآتي:

 

1        هل قامت شركة خطوط الأنابيب النفطية بتعيين وسيط التأمين؟  وهل كان اختيار الوسيط قائمًا على استدراج عروض من عدة وسطاء للمفاضلة بينهم؟

2        هل أن وسيط التأمين قام بتصميم مشروع التأمين وعرضه على شركة خطوط الأنابيب النفطية التي وافقت عليه دون اعتبار لمتطلبات القانون – كما بيّنا في مقالنا المنشور.

3        من الذي يتولى إعادة تأمين مشروع التأمين؟  أهي شركة التأمين العراقية أم وسيط التأمين؟

 

من المعروف أن المؤسسات الرسمية وشركات القطاع العام في الدول المتقدمة تعتمد أسسًا معروفة للحصول على السلع والخدمات التي تحتاجها.  وهذ الأسس تنطبق على شراء حماية التأمين، وتختلف هذه الأسس من دولة إلى أخرى.  على العموم فإن عملية الشراء في المملكة المتحدة، على سبيل المثل، تعتمد على مبدأ القيمة مقابل المال value for money ويقتضي هذا المبدأ اختيار مجهزي السلع والخدمات الذين يقدمون عروضًا تتضمن جودة عالية وبأقل الأسعار.  ويُراد من هذا المنهج تحقيق العدالة في الشراء والشفافية في التعامل.

 

تتضمن عملية الشراء عدة مراحل تضم:

 

أ        تشخيص الحاجة.

 

ب       رسم إطار ما هو مطلوب وما يتطلبه من تخصيصات في ميزانية الشركة، والجدول الزمني، وعدد المجهزين.

 

ج       تحديد طريقة الشراء: مناقصة مفتوحة، أي المناقصة القائمة على المنافسة بين المجهزين، أو مناقصة مقصورة على عدد محدد من المجهزين المؤهلين.  وفي العادة فإن المجهزين يجب أن يكونوا مؤهلين، أي يستوفون متطلبات معينة يحددها صاحب المناقصة.

 

د        مواصفات العقد: السلع والخدمات المطلوبة، معايير الجودة والأسعار، الجدول الزمني للتسليم، الأحكام والشروط.

 

هـ       الإعلان عن المناقصة في الصحف أو المجلات المتخصصة أو وسائل أخرى.

 

و        تقييم العطاءات.  ويتخذ أشكالًا عديدة والأكثر شيوعًا منها هو تقييم العطاء الأكثر فائدة من الناحية الاقتصادية، ويشار إليه بالإنجليزية اختصارًا MEAT (Most Economically Advantageous Tender)

 

ز       مرحلة منح العقد للمجهز المختار، وإخطار المجهزين الآخرين غير الناجحين في الحصول على العقد مع ملاحظات مناسبة.[4]

 

المناقصات واستدراج العطاءات معروف في العراق، وربما تتبع المؤسسات الحكومية وشركات القطاع العام الخطوات التي أتينا على ذكرها.  السؤال هنا هو: هل قامت شركة خطوط الأنابيب النفطية باستدراج العطاءات للتأمين على ممتلكاتها وتوقف أعمالها ومسؤوليتها المدنية؟

 

إن ملابسات مشروع تأمين شركة خطوط الأنابيب النفطية ستظل قيد الكتمان ما لم تخضع لتحقيق مستقل.  من الضروري الكشف عن هذه الملابسات لاستنباط الدروس منها والاستفادة منها لتحسين منهج شراء التأمين من قبل شركات القطاع العام، وتحقيق العدالة في التعامل مع مجهزي خدمات التأمين (شركات تأمين أو وسطاء تأمين)، وضمان تحقيق الشفافية في جميع مراحل عملية شراء الحماية التأمينية.

 

دعوة للمناقشة

 

آمل أن تحظى هذه الملاحظات باهتمام زملاء المهنة في العراق، وتوفير ما أمكن من معلومات لسد الثغرات في حكاية مشروع تأمين شركة خطوط الأنابيب النفطية.  آمل أيضًا أن نقرأ تعقيباتهم وتقييماتهم.  سأكون شاكرًا لكل من ينبهني على خطأ في المعلومات أو قصور في التقييم والاستنتاج، وبذلك نكون قد اشتركنا معًا في رسم صورة قريبة من الواقع واستبعاد كل ما من شأنه الإساءة لمؤسسة أو أشخاص.

 

إن النشاط الفكري الجماعي من شأنه أن يخلق المناخ المناسب للنقاش المفتوح المجرد من الهوى والمصالح، ويؤكد على المناهج السليمة في العملية التأمينية بدءًا من المؤمن لهم ومرورًا بوسطاء وشركات التأمين وانتهاءً بإعادة التأمين.

 

14 حزيران 2022



[2] هذا الشرح ليس وافيًا، فالمعروف أن طرق تصليح الأنابيب المتضررة تتم في الغالب بقطع جزء من الأنبوب واستبدال هذا الجزء، بعد وقف تشغيل الأنبوب وربما حقن الأنبوب بغاز خامل (نيتروجين) للحيلولة دون حدوث حريق/انفجار.  وبعد التصليح يخضع الأنبوب لاختبارات السلامة.

[3] تأسست سنة 1959، واختصت بتأمينات الحياة بعد قرارات التأمين سنة 1964، وألغي تخصصها في أواخر ثمانينيات القرن الماضي لتعود لممارسة فرع التأمين على الحياة وغير الحياة.

[4] هذه المعلومات مستلة من مصادر متوفرة في الشبكة العنقودية، وبعضها يعكس تجربة شخصية في استدراج عروض للتأمين على مشاريع إنشائية لمقاولين كبار في مجال الطاقة.