إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

2018/06/23

Mutual Insurance, 1550-2015: From Guild Welfare and Friendly Societies to Contemporary Micro-Insurers


مراجعة كتاب

ماركو ه. د. ليوين*: التأمين التبادلي: 1550-2015: من رفاهة النقابات وجمعيات الأخوة إلى شركات التأمين المتناهية الصغر المعاصرة

مراجعة: تيموثي غيناني**

Marco H. D. Van Leeuwen, Mutual Insurance, 1550-2015: From Guild Welfare and Friendly Societies to Contemporary Micro-Insurers. Basingstoke, UK: Palgrave Macmillan, 2016. xiii + 321 pp. $120 (cloth), ISBN: 978-1-137-53109-4.

Reviewed for EH.Net by Timothy Guinnane, Department of Economics, Yale University.

Published by EH.Net (May 2018)


ترجمة: مصباح كمال***

نشرت هذه الترجمة في موقع شبكة الاقتصاديين العراقيين:

تقديم

 

تعلمنا في المدرسة شيئاً عن الأصناف الحرفية في تاريخ العراق، وكذلك تاريخ بلدان عربية أخرى.  وهناك كتابات منشورة في الشبكة العنكبوتية، عن الموضوع، لكن الملاحظ أن هذه الأصناف/النقابات لم تكن تقدم خدمات "تأمينية" لأعضائها – كما هو الحال في المجتمعات الغربية، وكما يتبين من قراءة هذه الترجمة.

 

يرد في كتاب عن تاريخ التأمين في مصر أنها عرفت "جمعيات الأخوة منذ آلاف السنين وكوّن قدماء المصريين جمعيات لمواجهة تكاليف دفن الموتى، وتدل الوثائق التاريخية على أنه منذ أكثر من 4500 عام قبل الميلاد قام المصريون القدماء بتأسيس جمعيات تأمينية تقوم بدفع مبالغ معينة لأعضائها عند الوفاة، كما عرف اليونان والرومان جمعيات مماثلة تؤدي نفس الغرض تقريبا، ففي عهد الإمبراطورية الرومانية تكونت أيضاً جمعيات تمنح للورثة مبالغ معينة من النقود عند وفاة أي عضو من أعضائها."[1]

 

أتمنى على كل من يهتم بموضوع الأصناف والجمعيات التبادلية تنويرنا بشأن وجود أو غياب أشكال أولية للتأمين في ممارساتها.

 

مصباح كمال

14 حزيران 2018


يبدو أن دولة الرفاه الاجتماعي، على الرغم من تعرضها للهجوم من مختلف الجهات، سمة دائمة في المجتمعات الرأسمالية المتقدمة.  فمعظم مواطني البلدان الغنية لا يعاني (من كامل العبء المالي على الأقل) للمرض، أو الحوادث، أو الشيخوخة، أو البطالة.  وتختلف طريقة ضمان المجتمعات لهذه الأحداث بشكل كبير.  لنأخذ مثلاً على ذلك، فقد قامت بعض البلدان بتحويل الرعاية الطبية بفعالية إلى وظيفة تقوم بها الدولة، في حين يعتمد البعض الآخر على مزيج من الرعاية الطبية التي تقدمها الدولة مباشرة وتلك التي تقدمها الكيانات الخاصة مثل شركات التأمين.

يتطلب أي فهم معقول لدولة الرفاهية الاجتماعية اليوم بعض الفهم التاريخي لكيفية تطور هذه الأنظمة.  إن الاقتصاديين ليسوا الوحيدين في النظر إلى الانتقال إلى أنظمة بيروقراطية مركزية على أنها نتيجة لـ "خلق" دولة الرفاهية.  إن هذا النهج يخلط التغييرات في الأساليب، والتكلفة، والنطاق، والتغطية مع الأصول الفعلية لتوفير الرعاية الاجتماعية.  (للحصول على مثل جيد حديث يتجنب هذا الخلط إلى حد كبير، راجع كتاب Peter Lindert, Growing Public: Social Spending and Economic Growth since the Eighteenth Century, Cambridge University Press, 2004).).

إن مشاريع التأمين الاجتماعي اليوم قد أزاحت إلى حد كبير أشكال الدعم السابقة التي تنظمها وتمولها المجتمعات المحلية، أو الهيئات الدينية، أو الكيانات الخاصة الأخرى.  طلاب التاريخ الإنكليزي، على سبيل المثل، ضليعين في معرفة تعقيدات قانون الفقراء Poor Law، القديم والجديد منه على حد سواء.  لقد اختلفت أنظمة إغاثة الفقراء عن نظيرتها الإنجليزية في نواحي عديدة، التي عادة ما كانت تعتمد بشكل أقل على الضرائب واعتماد أكثر على الإحسان.  (للحصول على نظرة عامة جيدة، انظر Peter Solar, “Poor Relief and English Economic Development before the Industrial Revolution,” Economic History Review, 1995)

إن التعرف على أنظمة إغاثة الفقراء القديمة مسألة مهمة لأنه عندما قام "التأمين الاجتماعي" فإن البرامج الجديدة كانت مبنية في الغالب على أو تعكس نقاط الضعف السابقة في نظام الإغاثة.  على سبيل المثل، يعود تاريخ الخدمات الصحية الوطنية في بريطانيا في شكلها الراهن إلى عام 1948.  ولم تكن الرعاية الطبية التي تمولها الدولة على أي حال جديدة فقانون الفقراء في القرن التاسع عشر وفّر الرعاية الطبية لأكبر عدد من السكان، بما في ذلك غير الخاضعين في الجوهر لتخفيف الفقر.  وتعكس السمات الأخرى لدولة الرفاهية عدم قدرة النظم القديمة على التعامل مع بعض العواقب الجديدة للحياة الصناعية.  اعتمدت أنظمة إغاثة الفقراء على الضرائب المحلية أو الموارد المحلية الأخرى.  فالضرائب المحلية على المرافق الخطرة مثل المصانع أو المناجم لم تكن تعكس الضغط الذي يمكن أن تحدثه كارثة وحيدة على موارد الصندوق المحلي.  ويرجع التأمين ضد الحوادث في أماكن العمل الألمانية (1884) في جزء منه إلى حالات مشهورة بسوء آثارها حيث كانت الحوادث تخلّف وراءها المزيد من الأرامل والأيتام أكثر مما يمكن أن تتعامل بها الموارد المحلية.

إن أدبيات التاريخ الاقتصادي تعطي مكاناً محترماً لأنظمة الإغاثة التي تعتمد على فرض الضرائب الصريحة أو النظم الخيرية المؤسسية مثل الكنائس والمؤسسات الأخرى.  لكننا وعلى أي حال نعلم أن الناس وجدوا طرقاً أخرى لتأمين أنفسهم ضد المصائب.  وقد كانت بعض الآليات غير رسمية إلى حدّ التساؤل عن الفرق بين التأمين التبادلي غير الرسمي وبين جار كريم.  وقد جعلت بعض المنظمات وظيفة التأمين جزءاً محدداً، كان صغيراً في العادة، من أنشطتها.

لقد كانت المكونات الفردية لهذا العالم المفقود موضع اهتمام أكاديمي، ولكن لم يبذل جهد يذكر لوضع كل ذلك معاً ورسم خطوط التطور التاريخي.  لذلك فإن جهود ماركو فان ليوين مهمة وهي موضع ترحيب.  وهو يستعرض عالم التأمين التبادلي (كما يسميه) في هولندا بجميع أشكاله من 1550 إلى الوقت الحاضر، مشددًا على كل من وظائف التأمين الفردي والطريقة التي تفاعلت بها مع بعضها البعض والنمو المستمر لدولة الرفاهية.

إن النقابات جزء مهم من هذه القصة.  في الكثير من المناطق الحضرية في هولندا (وكانت هولندا حضرية للغاية)، كانت النقابات تسيطر على القدرة على إنتاج وتوزيع مجموعة واسعة من السلع والخدمات.  ويكرّس فان ليوين اهتماماً كبيراً للتأمين الذي كانت تقوم به النقابات ذلك لأنه خلال هذه الفترة الطويلة، ما يقرب من قرنين ونصف القرن، حاولت النقابات باستمرار (ولكن ليس بشكل شامل) العثور على طرق لتأمين أعضائها دون أن تتعرض للعجز المالي.  فقد ضَمِنوا للأعضاء العمل وريع الاحتكار، لكن بعض تلك الريوع المستحقة للأعضاء كانت بمثابة تأمين ضمني أو صريح.  ويوثّق فان ليوين مجموعة من المشاريع، بما في ذلك دفع التكاليف الطبية، ودعم الأرامل والأيتام، وتكاليف الدفن.  كانت بعض النقابات تملك صناديق تأمين صريحة استمرت لفترة وجيزة بعد إلغاء النقابات في عام 1820.

كان للهولنديين جمعيات أخوة.  كانت هذه المنظمات الطوعية توفر لأعضائها فضاءاً للتفاعل الاجتماعي sociability وشعوراً بقيمة المكانة المحلية.  كما أنها تقوم بالتأمين على أعضائها (وفي بعض الحالات الباقين على الحياة من أسر الأعضاء) ضد المرض، وكذلك التأمين على مصاريف الدفن.  وكانت وظائف التأمين ثمرة لهذا التفاعل.  فعندما يكون أحد الأعضاء مريضاً، يقوم زملاءه بزيارته، وعندما يتوفى أحد الأعضاء، يقومون بواجبات دفن لائق له.


اشتهرت جمعيات الأخوة الإنجليزية بإهمالها للمبادئ الاكتوارية في أواخر القرن التاسع عشر، حيث كانت تفرض رسوماً أعلى [على تأمين أعضائها] من أي وقت مضى، وهو ما حال دون تشجيع الأفراد الأصغر سناً والأكثر صحة [للانتماء لها] في محاولة لتغطية التكاليف المتزايدة لفوائد أعضائها الأكبر سناً.  (للتعرف على مناقشة سليمة من الناحية الاقتصادية لهذه القضية لجمعيات الأخوة في السياق الكندي، انظر George Emery, A Young Man’s Benefit: The Independent Order of Odd Fellows And Sickness Insurance in the United States and Canada, 1860-1929, Montreal and Kingston: McGill-Queen’s University Press, 1999)..

ومع ازدياد عدد المسنين والمرضى من الأعضاء، كان الحل الوحيد الواضح هو زيادة الرسوم بشكل أكبر، مما أدى إلى تفاقم المشكلة.  لعبت دوامة حالات الوفاة الناشئة من سوء الانتقاء adverse-selection دوراً ما في قانون معاشات الشيخوخة في المملكة المتحدة لعام 1908 (Old Age Pensions Act of 1908).  يوثق فان ليوين مشاكل مماثلة في جمعيات الأخوة الهولندية، لكنه يلاحظ (كما فعل البعض بالنسبة لإنجلترا) أن انخفاض معدلات الوفيات قد أعطى متنفساً مؤقتاً للمنظمات التي تجاهلت الاكتواريين.

لقد نشأت النقابات العمالية لزيادة القدرة التفاوضية لأعضائها في أسواق العمل، ولكنها كانت تقدم أيضاً منافع التأمين لهم.  يلاحظ فان ليوين أن النقابة تتمتع ببعض المزايا كمؤمِن؛ فالالتزام الذي يجذب شخص ما إلى التنظيم النقابي العمالي قد يدفعه إلى الامتناع عن إساءة استغلال المنافع والإبلاغ عن زملائه الأعضاء الذين فعلوا ذلك.  ومن ناحية أخرى، قد يؤدي اشتراط التأمين إلى تثبيط العضوية وبالتالي إحباط مهمة الاتحاد الأساسية.  ولعل الميزة الأكبر هي حجم النقابة، ونطاقها الجغرافي، والبنية التحتية البيروقراطية، التي وفّرت الكثير من الشروط للتأمين منخفض التكلفة.

قدمت النقابات وجمعيات الأخوة والنقابات العمالية التأمين كأحد منافع العضوية في تنظيم كان هدفه الأساسي شيء آخر.  يوثق فان ليوين أيضاً التاريخ الطويل لمشاريع التأمين "البحتة" التي تم تنظيمها على أساس تبادلي، أو في وقت لاحق في القرن التاسع عشر، بهدف الربح.  وكان العديد منها تقوم بدفع تكاليف الدفن، مجنبة أسرة المؤمَّن عليه هذا العبء (الذي عادةً ما كان مرتبطاً مع ضغوط مالية أخرى، مثل فقدان الأجور)، وتجنب الدفن المذلّ للفقير.  إن تأمين الدفن بسيط نسبيا؛ فحالات الوفاة يمكن إدراكها، وتكاليف الدفن هي نفقات ثابتة تتكبدها الأسرة لمرة واحدة.  يمكن لشركات التأمين التي تستفيد من جداول الحياة، التي صارت متاحة من أوائل القرن التاسع عشر، تسعير هذه التغطية لتحقق التعادل [بين الأقساط المكتسبة والتعويضات المسددة] (لشركة تأمين تبادلية)، أو لاحقاً في القرن التاسع عشر، لتحقيق الربح.  لم تُسعّر جميع شركات التأمين تغطيتها بشكل مناسب، وبالتالي فإنها تعرّضت للفشل.

إن شركات التأمين اليوم هي من بين الشركات الأكثر خضوعاً للنظم الرقابية.  وتعكس هذه النظم، من الناحية النظرية، الحاجة إلى ضمان قيام الشركات بدفع الفوائد الموعودة.  تشير الأمثلة التي ذكرها فان ليوين إلى اهتمام مختلف للدولة: فالناس الذين يعتمدون على وعود شركات التأمين التبادلية الركيكة [غير القادرة على تسديد التعويضات] سيتجهون إلى نظام إغاثة الفقراء.  في بعض الحالات، دعمت الحكومات مشاريع التأمين على أمل أن يقلل التأمين من الاعتماد على إغاثة الفقراء.

إن الكتاب يدور بشكل كامل حول هولندا، مع عدد قليل من المباحث القريبة منها وهذه تقتصر على بريطانيا.  إن هذا التركيز على بلد واحد أمر مفهوم، نظراً لنطاق الكتاب.  لكننا نعلم أن هولندا اختلفت في مناحي مهمة عن المجتمعات الأخرى؛ فهي تضم عدداً قليلاً نسبياً من سكان الحضر يتحدثون بلهجة ألمانية غريبة، وقد يبدو بأنها المكان المثالي لازدهار التأمين التبادلي.  يثير كتاب فان ليوين مجموعة من الأسئلة المقارنة، وأحد فضائل هذا الكتاب هو أنه يدعو ضمناً إلى إجراء بحوث مماثلة في مجتمعات أخرى.

يحقق فان ليوين توازنًا بارعاً بين الاهتمام بالتحليل واحترام الأدلة.  إن مقدم التأمين يواجه مشاكل الانتقاء المعاكس adverse selection (قد لا يجتذب برنامج التأمين إلّا الأفراد الذين تكون مصالحهم التأمينية ذات طبيعة خطرة نسبياً، وبالتالي مكلفة)؛ وإن التأمين قد يحفز المؤمن عليه على تحمل المزيد من الخطر (الخطر المعنوي moral hazard)؛ وبالنسبة لبعض أنواع التأمين، قد يضطر مقدم الخدمة التأمينية إلى تعويض العديد من المطالبات دفعة واحدة.  إن هذا الخطر المترابط قد تواجهه شركة تأمين على الحياة، على سبيل المثل، إذا تسببت الأوبئة في حدوث طفرات في الوفيات بين المؤمن عليهم.  إن فان ليوين يأخذ هذه المشاكل في الحسبان عند مناقشة نقاط القوة والضعف في مشاريع التأمين المختلفة.

في بعض الأحيان، يولي الاقتصاديون الذين ينظرون إلى المؤسسات التاريخية اهتماماً أكبر لنماذجهم models أكثر من الاهتمام بالأدلة، ويرون في أي ذكر لقاعدة أو ممارسة مؤشرات تدل على تقدير لدقائق تصميم الآلية.  إن فان ليوين أكثر حذراً.  فهو يلاحظ، على سبيل المثل، أن مشاريع التأمين على [تكاليف] الدفن كانت تفرض عادة شرط انقضاء فترة بين الوقت الذي انضم فيه فرد ما للمشروع، وبدأ سريان تسديد التعويض، وذلك لتثبيط انتهازية أولئك الذين يقتربون من بوابة الموت [ويلجؤون للتأمين].  وهو يمتنع عن الادعاءات المتعلقة بمقدمي التأمين الذين يقدمون عقداً مثالياً، ويشدد على الطرق المتخصصة والغامضة في الغالب التي تعامل بها المؤمنون مع عدم التوافق بين الأصول والخصوم.

الفصل الأخير المهم يتعلق بالفترة 1965-2015، عندما حققت دولة الرفاهية الهولندية شكلها الحالي.  وتتعلق بعض جوانب هذه المناقشة بجهود الإصلاح (أقرأ: "تحديد تكلفة") دولة الرفاهية، وهناك بعض المناقشات المتعلقة باستمرار بقاء مشاريع التأمين التبادلي.  انه، وبحكمة، لا يذهب بعيداً في إعلاء شأن التأمين التبادلي في هولندا الحديثة.  ويبدو أن فان ليوين متصالح مع حقيقة أن التنظيم البيروقراطي، وسلطة الدولة في فرض الضرائب، والعلوم الاكتوارية قد وضعت نهاية للتأمين التبادلي الأقل رسمية التي تقوم بها جمعيات الأخوة وما شابهها، على الأقل في البلدان الغنية.

يتمثل أحد الاهتمامات الثابتة لدى فان ليوين بالتفاعل بين التأمين الخاص ونظام الإغاثة.  على سبيل المثل، عرف الهولنديون الفقراء أن أراملهم وأيتامهم قد يحصلون على مساعدة متواضعة من الإغاثة المحلية، وأن قانون الفقراء لن يدعم من يبقى على الحياة [من أفراد الأسرة] ممن يمتلكون أصولاً أو تدفقات نقدية من صندوق التأمين.  ومن ثم، فإن الضريبة الضمنية لنظام الإعانات تحدُّ من جاذبية مشاريع التأمين الخاصة وتزيد من تكلفتها؛ ولم تكن هناك فائدة كبيرة من دفع الأقساط لتأمين أرملة المرء إذا لم تتجاوز المنافع، بمقدار كبير، ما يمكن أن يوفره نظام الإغاثة.  نحن معتادون على التفكير بدولة الرفاهية الحديثة على أنها طاردة للمبادرة الخاصة، لكن أنظمة إغاثة الفقراء السابقة وفّرت للتأمين الخاص [شركات التأمين الخاصة] فرصة الاطلاع على تعقيداتها.

يورد فان ليوين تقارير دقيقة، ولو أنها، بصراحة، حدسية، عن عدد الأشخاص الذين يشملهم كل نوع من أنواع التأمين.  توفر هذه الأرقام تحذيراً لأي شخص يحاول أن يستخلص من مزاعمه حول الفردوس القائم (نيرفانا) في بحر الشمال.  لقد كان تأمين تكاليف الدفن أكثر أنواع التأمين شيوعًا.  لكن النقابات في الفترة بين عامي 1800 و1810، غطت بهذه الطريقة في أحسن الأحوال 7% من الهولنديين.  ارتفعت التغطية بموجب مشاريع تأمين الدفن كافة إلى أكثر من 50% بحلول عام 1890، لكن هذا الرقم يقزّم أرقام الأنواع الأخرى من التأمين.  شمل التأمين على تكاليف الرعاية الطبية نحو %16 من السكان في ذلك العام؛ والتأمين ضد فقدان الدخل بسبب المرض 9%.  أما تأمين الشيخوخة أو التأمين على الترمل فإنه شمل في أحسن الأحوال 1% من الهولنديين.

هناك الكثير مما يمكن الإعجاب به في مقاربة فان ليوين المفتوحة والصريحة لموضوعه.  فهو يقاوم إغراء الوقوع في حب المؤسسات التي يدرسها، مدركاً، على سبيل المثل، أن النقابات تدين بنجاحها (النسبي) كمقدمي خدمات تأمين إلى قدرتها على تقييد الدخول إلى صفوفها.  كما أن النقابات تستطيع أيضاً استغلال العمال غير الأعضاء الذين دعمت أجورهم المنخفضة نسبياً جميع أنشطة النقابة، بما في ذلك التأمين.  (لا يشير إلى أنه من خلال السماح للأرامل بتشغيل متاجر أزواجهم المتوفون، في تحد للقاعدة المعتادة على عدم السماح للأنثى أن تكون رئيساً (مُعلّم)، فإن النقابات قدّمت شكلاً سخياً من أشكال التأمين على الأرملة).  وبالمثل، فإن ليوين يقارب التفسير التاريخي السابق بحذر مناسب.  يرفض المؤرخون اليساريون في بعض الأحيان منظمات المجتمع المدني، والخدمات التي تقدمها، باعتبارها تهديداً لتضامن الطبقة العاملة.  وهذا يخلط ما فعلته منظمات المجتمع المدني بالفعل مع ما يريده المؤرخون اليوم.  في حين ينظر آخرون إلى أن نصف رغيف هو أسوأ من لا شيء، وينقلون الانطباع الكاذب بأن المشاريع المبكرة لم تقدم خدمات ذات قيمة لأعضائها لمجرد أنهم لم يقدموا الخدمات التي توفرها دولة الرفاهية اليوم.  إن حس فان ليوين التاريخي حفظه من الوقوع في هذه الفخاخ.

إن كتاب التأمين التبادلي يوفر رواية واضحة الرؤية سهلة القراءة وشاملة لموضوع مهمل.  وسيجذب اهتمام أي شخص معني بالمنظمات التبادلية أو التأمين، ويجب أن يقرأه أي شخص يدرس دولة الرفاهية اليوم أو في الماضي.


(*) ماركو ه. د. ليوين
زميل باحث فخري، المعهد العالمي للتاريخ الاجتماعي، أستاذ علم الاجتماع التاريخي، جامعة أوتريخت.

للتعرف على مؤلفاته، أفتح هذا الرابط:

(**) تيموثي غيناني
تيموثي دبليو، غيناني، أستاذ كرسي فيليب غولدن بارتليت للتاريخ الاقتصادي، قسم الاقتصاد، جامعة ييل.

(***) مصباح كمال
كاتب في قضايا التأمين.


[1] الاتحاد المصري للتأمين، صناعة التأمين في مصر عبر قرن ونصف (القاهرة: الاتحاد، 2014)، ص 191.
لم يذكر مؤلفو هذا الكتاب المهم، إذ لا يوجد ما يشبهه في توثيق صناعة التأمين في بلدان عربية أخرى، مصدر المعلومات عن جمعيات التأمين في مصر الفرعونية.

بالنسبة لليونان والرومان يمكن الرجوع إلى:
C F Trenerry, The Origin and Early History of Insurance (London: P S King & Sons Ltd, 1926), pp 171-180.

هناك ملاحظة في هذا الكتاب، ص 179-180، بشأن جمعية/نقابة لدفن الموتى في مصر القديمة قبل 4,500 سنة.