إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

2020/04/09

Catastrophe and Economic Recovery


جاك هيرشلايفر

الكوارث والانتعاش الاقتصادي[1]


جاك هيرشلايفر (1925-2005)
كان لحين وفاته أستاذاً للاقتصاد في جامعة كاليفورنيا، لوس أنجليس

ترجمة: مصباح كمال

نشرت في موقع شبكة الاقتصاديين العراقيين:


هُزمت ألمانيا واليابان في الحرب العالمية الثانية وتعرضتا إلى القصف والدمار بالقنابل، ومع ذلك فقد شهدتا انتعاشاً بعد انتهاء الحرب أذهل العالم.  ففي غضون عشر سنوات أصبحت هاتان الدولتان، مرة أخرى، قوتان اقتصاديتان كبيرتان.  وبعد عقد من الزمان، استعاد كل منهما ليس فقط الازدهار ولكن تجاوزتا أيضاً، من الناحية الاقتصادية، وفي نواح مهمة، بعض المنتصرين في الحرب.

شهدت العصور السابقة أيضاً السرعة المفاجئة للتعافي من الكوارث.  فقد علَّق جون ستيوارت ميل [1806-1873]

إن ما يثير العجب غالباً السرعة الكبيرة التي تتعافى فيها البلدان من حالة الدمار، والاختفاء، في وقت قصير، لكل أثر للخسائر التي تحدثها الزلازل والفيضانات والأعاصير، وويلات الحرب.  عدوٌ يخرّبُ بلداً بالنار والسيف، ويدمر أو ينهب تقريباً جميع الثروات المنقولة الموجودة فيها، ويلحق الأضرار بجميع السكان ولكن في غضون سنوات قليلة بعد ذلك يعود كل شيء كما كان عليه من قبل. (ميل 1896، الكتاب 1، الفصل 5، الفقرة I.5.19)

ومع ذلك، فإن الانتعاش الناجح هو بأي حال من الأحوال ليس أمراً عاماً.  حضارة كريت القديمة ربما دمرها الزلزال أو لم يدمرها، وحضارة المايا دمرتها أو لم تدمرها الأمراض، ولكن في الحالتين كلتيهما فإن هاتين الحضارتين لم تشهدا انتعاشاً بعد الويلات التي لحقتهما.  وأشهر مثال، بطبيعة الحال، هو العصور المظلمة التي تلت سقوط روما والتي استمرت لعدة قرون.

لقد قام علماء الاجتماع وعلماء النفس والمؤرخون ومخططو السياسات بدراسات مستفيضة لطبيعة ومصادر وعواقب الكوارث والانتعاش اللاحق، لكن الأدبيات الاقتصادية لم تُولِ الموضوع حقه من الاهتمام إلا بشكل غير منتظم وهو أمر مقلق.  وكمثال واضح على ذلك المجلدات الأربعة السميكة لقاموس بالغريف الجديد: قاموس الاقتصاد The New Palgrave: A Dictionary of Economics (1987) التي أهملت هذه المواضيع تماماً حتى أن عبارة "كارثة" و "انتعاش" لا تظهر في فهرس هذا العمل الموسوعي.  وفوق ذلك، فإن الكوارث هي تجارب اقتصادية طبيعية، وهي موازية لاختبارات درجة الدمار التي يقوم بها المهندسون وعلماء الطبيعة لمعرفة قوة المواد والآلات.  إن فهم السلوك تحت وطأة الظروف الشديدة التوتر تلقي الكثير من الضوء على الحياة الاقتصادية العادية.

السجل التاريخي


على الرغم من أن المآسي اليومية الصغيرة الحجم مثل حوادث السيارات والأمراض المعوقة وخيمة بما فيه الكفاية بالنسبة لأولئك الذين يتعرضون لها، فإن ما يعنينا هنا هو الأحداث الأكبر حجماً.  ومن المفيد أن نميّز ابتداءً بين المصائب (متوسطة الحجم) التي تلحق بمجتمع محلي مثل الأعاصير والفيضانات أو الغارات الجوية، وبين الكوارث (كبيرة الحجم) التي تلحق المجتمع الأكبر كتلك المرتبطة بالمجاعة واسعة الانتشار والثورة الاجتماعية المدمرة، أو الهزيمة والقهر بعد حرب شاملة.  ففي المجتمع المحلي فإن نسيج النظام الاجتماعي الأوسع يوفر شبكة أمان ضد المصائب، في حين أن وقوع الكوارث الواسعة النطاق التي تلحق بالمجتمع الأكبر تهدد النسيج الاجتماعي نفسه برمته.  قد تؤدي المصائب في المجتمع المحلي إلى وقوع مئات أو آلاف القتلى، في حين أن الكوارث التي تصيب المجتمع الأكبر تؤدي إلى وقوع مئات الآلاف أو الملايين من القتلى.  (كحالة خاصة، تعتبر حالات التضخم الجامح والكساد الاقتصادي الكبير أحداثاً تمتد آثارها على نطاق المجتمع الأكبر لا تؤدي مباشرة إلى خسائر بشرية كبيرة ومع ذلك فإن لها عواقب وخيمة).

تعتبر الكوارث متوسطة الحجم الني تصيب المجتمع المحلي أحداثاً متكررة نسبياً، مما يجعل التعميم التجريبي ممكناً.  فقد لوحظ في مثل هذه الكوارث تكيّف الأفراد والمجتمعات المحلية مع آثارها.  فالناجين من الضحايا ليسوا مغلوبين على أمرهم، فبعد وقت قصير جداً من الصدمة يبدأون بمساعدة أنفسهم وبعضهم البعض.  وفي الفترة التي تلي وقع الصدمة مباشرة يكون التماهي مع المجتمع قوياً، مُعززاً للجهود التعاونية والإيثارية الرامية إلى الإنقاذ والإغاثة والإصلاح.  بعد زلزال سان فرانسيسكو عام 1989، على سبيل المثال، هُرع سكان حي فقير عفوياً للمساعدة على إنقاذ سائقي السيارات المحاصرين بسبب انهيار طريق سريع.  وبعد الزلزال الذي أصاب مدينة أنكورج [في ولاية ألاسكا] عام 1964 خفَّضت محلات السوبرماركت المحلية أسعار المواد الضرورية في حين تعاون المستهلكون عموماً مع هذا السلوك من خلال تقنين المشتريات.

من ناحية أخرى، هناك بعض الحالات الخطيرة للسلوك المعادي للمجتمع.  ففي حين أن حسن النية والتعاون ساد في مدينة نيويورك خلال انقطاع التيار الكهربائي عام 1965، فإن انقطاع التيار الكهربائي ثانية في عام 1977 جلب معه العنف والنهب الكبير.  تجارب سيئة مشابهة وقعت بعد إعصار هيوﮔو Hurricane Hugo الذي ضرب الجزر العذراء Virgin Islands عام 1989.  ومع ذلك، وكما بيّن راسل دينز وتوماس درابيك Russel Dynes & Thomas Drabek، فإن السلوك الاجتماعي الإيجابي كان، تاريخياً، هو الغالب في مثل هذه الحالات.  وفي حين أن الحالات المعاكسة ليست نادرة فإن لهذه الحالات عادة جذوراً واضحة إلى حدٍ ما – ومنها، على سبيل المثال، وجود شعور قوي سابق بالظلم لدى أعضاء المجتمع المحلي.  وكتعميم أكثر موثوقية فإن الأزمات تُطلق دائماً تقريباً تدفقاً للدعم من خارج المنطقة المنكوبة، وهي الظاهرة التي أصبحت تعرف بـ "السلوك التآزري “convergence behavior”."[2]  والمثير للدهشة في كثير من الأحيان، أن المجتمعات التي تسير صوب التعافي تتجاوز المعدلات السابقة للتقدم نظراً لظهور قادة جدد، وتعزز التماسك الاجتماعي، وإبطال العمل بالمواقف والقواعد التي عفَّ عليها الزمن.

وكمثال محدد، فإن الغارات بالقنابل على هامبورغ في تموز/يوليو وأغسطس 1943 كانت كوارث مكثفة للغاية أصابت المجتمع الأكبر.  وكما يحدث عادة في مثل هذه الحالات، أثبت الناس أنهم أشد صلابة من الهياكل المادية.  دمرت الغارات نحو 50 في المائة من المباني في المدينة، في حين أن الأربعين ألف شخص الذين قتلوا كانوا يشكلون أقل من 3 في المائة من السكان المعرضين للخطر.  غادر المدينة حوالي نصف الناجين وعاد حوالي 300,000 منهم في فترة التعافي، في حين أن حوالي 500,000 تم إجلاؤهم بشكل دائم إلى مناطق أخرى في أنحاء ألمانيا.  وأُغلقت "المنطقة الميتة" “dead zone” من المدينة للتركيز على الإصلاحات في المناطق التي كانت أقل تعرضاً لأضرار بالغة.  الكهرباء والغاز والخدمات البرقية أصبحت كلها كافية في غضون بضعة أيام بعد انتهاء الهجمات.  وظلت إمدادات المياه مشكلة صعبة واستخدمت الشاحنات الصهريجية لتوفير المياه.  نظام النقل تعافى جزئياً فقط بسبب الأضرار الجسيمة وحركة المرور الكثيفة، ولكن خدمات الخطوط الرئيسية للسكك الحديدية استؤنفت في غضون أيام قليلة.  في اليوم السابع أعيد فتح البنك المركزي لهامبورغ وبدأ نشاط الأعمال يجري بشكل طبيعي.  هامبورغ لم تكن مدينة ميتة، ففي غضون بضعة أشهر، حسبما ذكرت الهيئة الأمريكية لمسح القصف الاستراتيجي US Strategic Bombing Survey، استعادت المدينة 80 في المائة من طاقتها الإنتاجية السابقة.

لننظر الآن إلى كارثة واسعة النطاق حقاً: المحاولة البلشفية لفرض "شيوعية الحرب" “War Communism في روسيا بدءاً من 1917 حتى 1921، بالاستغناء عن الأسواق[3] وحتى استخدام النقود.  لقد كان الاقتصاد الروسي يسير نحو الانحدار الشديد خلال الحرب الأهلية السابقة فقد انخفض الإنتاج الصناعي إلى 20 في المائة فقط من مستوى ما قبل الحرب، وتقلصت المساحة المزروعة في القطاع الزراعي إلى نحو 70 في المائة.  وبعد الانتصار الأحمر النهائي فإن الاقتصاد، بدلاً من أن يتعافى، دخل في دوامة الانحدار الكلي.  وبهذا الصدد يستشهد ألكسندر بايكوف بلينين:

على الجبهة الاقتصادية، وفي محاولتنا للتحول نحو الشيوعية، عانينا، مع حلول ربيع عام 1921، هزيمة أكثر خطورة من أي وقت سابق لحقت بنا من قبل كولجاك و دينيكين و بيلسودسكي Kolchak، Denikin، Pilsudsky.  إن الاستيلاء الإلزامي في القرى والنهج الشيوعي تجاه مشاكل إعادة الإعمار في المدن - هذه هي السياسة التي ... أثبتت أنها السبب الرئيسي لأزمة اقتصادية وسياسية عميقة. (Baykov 1947، ص 48)

يبدو التفسير أنه، في البداية، كان البلاشفة قد أسسوا السيطرة المباشرة فقط على "الصروح الشامخة" للصناعة (أي السيطرة على عدد صغير نسبياً من المصانع الكبيرة الموجودة أساساً في المدن الكبرى).  خارج هذا القطاع، حافظت طائفة متنوعة من المشروعات الخاصة والتعاونية على استمرار سير الصناعة والتجارة في حدها الأدنى على الأقل.  لقد سمح الانتصار العسكري للشيوعيين توجيه انتباههم إلى تصفية هذه المشروعات المتبقية.  إضافة إلى ذلك، فإن العديد من الرأسماليين الصغار الذين بقوا في البلاد على أمل هزيمة السوفيت رحلوا في النهاية وتخلوا عن أعمالهم ومشاريعهم.  وهكذا نرى قيام مفارقة الانهيار الاقتصادي بعد الانتصار السياسي والعسكري.

التحول في منتصف عام 1921 إلى السياسة الاقتصادية الجديدة New Economic Policy (NEP) (النيب)، واستعادة التبادل النقدي، وتوسيع المجال أمام المشاريع الخاصة، أدى على الفور تقريباً إلى انتعاش كبير.  إن هذا الانتعاش نفسه، بوصفه سمة ملحوظة، والذي خلق طلباً على العملة كوسيلة للتبادل، سمح للسوفيت استخدام المطابع للحصول على الأموال من خلال الزيادة الكبيرة في كتلة النقود في التداول.  لقد وفرت السياسة الاقتصادية الجديدة للاقتصاد فرصة لالتقاط الأنفاس قبل الشروع في الخطط الخمسية الستالينية، والدفع نحو العمل الجماعي والتصنيع.

العوامل المساعدة والمعوقة للانتعاش


أحد العوامل المواتية للانتعاش هو الانكماش الحتمي للطلب على الحاجات الأقل ضرورة، الذي يحرر الموارد للإنقاذ العاجل والإصلاح وإعادة التأهيل.  وفي جانب العرض، تتدفق الموارد المستوردة (الهدايا، وعائدات التأمين، والقروض التجارية، وغيرها) من مناطق الدعم الخارجي إلى المناطق المتضررة.  والأكثر أهمية، وخاصة في المدى الطويل، هو احتياطي الطاقة الإنتاجية.  فالعمال يعملون لساعات أطول، والأطفال يتركون المدرسة، ويعود كبار السن المتقاعدون إلى العمل.  كما يمكن تشغيل المكائن وهياكل الإنتاج بطاقتها القصوى.  وكذلك إحلال البدائل، مثل الخيام بدلاً من المنازل، أو الشاحنات بدلاً من الحافلات والقطارات – والتي تساهم في التوسع في توفير الضروريات.  وأخيراً، يمكن الاسترخاء في تطبيق الضوابط الرقابية التي تخنق التجارة والصناعة أو تعليق هذه الضوابط.  كما يمكن وضع الأنشطة الضارة اجتماعياً، مثل الجريمة والتقاضي الطفيلي، تحت سيطرة أكثر صرامة.

بالنسبة للكوارث متوسطة الحجم فإن المشاكل الرئيسية تكنولوجية وتوزيعية (على سبيل المثال، ندرة الموارد المحلية أو توفر تعويض عادل).  ولكن بالنسبة للمصائب واسعة النطاق فإن بقاء النظام الاجتماعي نفسه هو الذي يكون على المحك.  إن انتشار المجاعات والأوبئة والثورات الاجتماعية المدمرة، والحروب المدمرة، وحتى الكساد التجاري الحاد وحالات التضخم النقدي الجامح جميعها تهدد شبكة الترتيبات التي تدعم التقسيم المحكم للعمل الذي تعتمد عليه الاقتصادات الحديثة.

تاريخياً، فإن الجانب الأكثر انكشافاً لآثار الكوارث على هذا التقسيم للعمل كان تبادل المواد الغذائية والسلع المصنعة، من خلال النقود، بين المناطق الريفية والحضرية.  بالمقابل، فإن العلامة الأكثر وضوحاً على الانهيار [عقب الكوارث] هي حركة السكان من المدن إلى الريف، كما حصل بوضوح في العصور القديمة من إفراغ المدن من سكانها مع تدهور الإمبراطورية الرومانية.  وفي العصور الحديثة انخفض سكان موسكو وبطرسبورغ بنسبة تزيد على 50 في المائة بين عامي 1917 و 1920، أثناء الحرب الأهلية الروسية.  وبالمثل، ولكن ليس إلى ما يقرب من ذلك بدرجة كبيرة، انخفض عدد السكان في المناطق الحضرية الألمانية واليابانية على حد سواء انخفاضاً كبيراً في نهاية وفي أعقاب الحرب العالمية الثانية.  وحتى في الولايات المتحدة، فقد شهدت فترة الكساد 1929-1935 توقفاً، وإلى حد ما تغيراً في الاتجاه على المدى البعيد نحو التحضر.

لقد كان السبب وراء انهيار التبادل النقدي في ظل شيوعية الحرب الروسية يكمن في قرار مؤدلج لمحاولة تحطيم نظام الحوافز الخاصة التي سبق لها أن عملت لتغذية المدن [من قبل الريف].  وبالنسبة لليابان وألمانيا، فقد كانت هناك عملية مختلفة نوعاً ما، "تضخم مقموع"، كما كان يحدث غالباً في وقت سابق، وعلى سبيل المثال خلال الثورة الفرنسية والكونفدرالية الجنوبية خلال الحرب الأهلية الأمريكية.

وتبدأ عملية التدهور مع وطأة الضغوطات العسكرية أو الاقتصادية، كالخسائر الإقليمية، وتعطل وسائل النقل، أو التدابير التضخمية لتمويل الحرب، التي تستتبع معها بالضرورة ندرة في المواد الغذائية.  والخطوة الحاسمة الخادعة إزاء ذلك هو اللجوء إلى وضع سقف أعلى لأسعار المواد الغذائية، وذلك بهدف توزيع "الحصص بعدل" أو ببساطة كبح الاضطرابات في المناطق الحضرية.  ولكن النتيجة هي أن المزارعين يعملون على الحد من إرسال المواد الغذائية إلى المدن.  في ظل هذه الأوضاع تظهر آليات غير رسمية للتوزيع: الأسواق السوداء، والمقايضة، والرحلات المضنية (رحلات يومية مضنية لسكان المدن إلى الريف)، وكلها تنطوي على خسائر ناجمة عن ارتفاع تكاليف المعاملات transaction costs.  ومع بدء فقد المدن لسكانها ينخفض الإنتاج الصناعي.  في غضون ذلك قد تحاول الحكومة مصادرة المحاصيل الزراعية باستخدام القوة العسكرية.  وهذا يهدد بالتسبب في انهيار عام لإنتاج الغذاء.  عند هذه النقطة، إن لم يكن قبلها وكما يشهد التاريخ، تتنازل الحكومات عن سياستها.  على سبيل المثال، عندما وقعت الحكومة البلشفية تحت الضغط لجأت إلى إدخال السياسة الاقتصادية الجديدة.  في ألمانيا واليابان بعد الحرب العالمية الثانية، ولحسن الحظ، فإن دوامة الانحدار لم تتقدم بما يكفي نحو القاع قبل قيام ايرهارد Erhard (انظر المعجزة الاقتصادية الألمانية) وإصلاحات دوج Dodge [Joseph Morell Dodge] باستعادة سير العمل بنظام الأسعار.

قضايا السياسات العامة: دور الحكومة


هناك اتفاق واسع النطاق على أن الحكومة يجب أن تتحمل مسؤولية صيانة وترميم البنية التحتية الاقتصادية - نظام القانون ونسق الانضباط، بالإضافة إلى وسائل النقل الأساسية والاتصالات.

وبالنسبة للكوارث متوسطة الحجم التي تلحق بمجتمع محلي، فإن السؤال الرئيسي لخطة العمل هو مدى الأنشطة الإضافية التي يتعين على الحكومة القيام بها، سواء في مرحلة التخطيط أو مرحلة التعافي، والتي قد تعرقل أو تحلّ محل جهود القطاع الخاص.  فالمنح أو القروض المدعومة تعمل على تخريب البواعث للحماية الذاتية لدى القطاع الخاص.  على سبيل المثال، فإن التأمين على الفيضانات المدعم من الحكومة يدفع نحو الإفراط في البناء في المناطق المعرضة للفيضانات.  وبالمثل، فإن بعض أشكال الإغاثة الحكومية يعيق تعافي النشاطات التجارية العادية.  فالتوزيع المجاني للأغذية، على سبيل المثال، قد يؤدي إلى إبطاء استعادة قنوات التسويق العادية.  وهناك أمرٌ آخر، وهو أيضاً قابل للمناقشة، وهو إلى أي مدى يجب على الحكومة تقديم حوافز إضافية للاستعداد لمواجهة الكوارث فضلاً عن توفيرها، كراعية، شبكة أمان بالنسبة لأولئك الذين كانوا في وضع يسمح لهم بالتصرف الخاص لكنهم فشلوا في القيام بذلك [بسبب خطط الحكومة].  وكما ذكر جورج هوروفيتش Horwich George، على الرغم من أن الحكومة خلقت المثبطات للتصرف الخاص، فقد ظهرت إلى حيز الوجود شركات تجارية لمجابهة الكوارث (على سبيل المثال، شركة Disaster Masters في مدينة نيويورك) جنباً إلى جنب مع إصدار نشرة خاصة بهذا النشاط تحت عنوان المجلة الشهرية للمخاطر Hazard Monthly.

عندما يتعلق الأمر بالكوارث كبيرة الحجم التي تطال المجتمع الأكبر، على أي حال، فإن أطراف القطاع الخاص بالكاد تستطيع أن تحمي نفسها ما خلا اللجوء ربما إلى الهجرة.  وتشير التجربة التاريخية إلى أن التعافي والانتعاش يتوقف على قدرة الحكومة على صون أو استعادة حقوق الملكية جنباً إلى جنب مع نظام السوق الذي يدعم التقسيم الاقتصادي للعمل.

مع تبني نظرة أكثر اتساعاً، يمكن اعتبار موضوع الكوارث والتعافي منها كحالة خاصة ضمن المشكلة العامة للتنمية الاقتصادية.  وكما برهنت الأحداث في ثمانينيات وتسعينيات القرن العشرين بقوة، فإن الاشتراكية عرّضت دول أوروبا الشرقية لعقود من الكوارث الاقتصادية.  بعضها، مثل بولندا واستونيا وجمهورية التشيك، بدأت تتعافى بشكل جيد من هذه الكوارث، والبعض الآخر، مثل أوكرانيا، ما زالت تناضل.

مراجع إضافية للمزيد من الاطلاع
[هذه المراجع من وضع كاتب المقالة-المترجم]

Anderson, J. L., and Eric L. Jones. “Natural Disasters and the Historical Response.” Australian Economic History Review 28 (1988): 3–20.
Baykov, Alexander. The Development of the Soviet Economic System. New York: Macmillan, 1947.
Dacy, Douglas C., and Howard Kunreuther. The Economics of Natural Disasters. New York: Free Press, 1969.
Douty, Christopher M. The Economics of Localized Disasters. New York: Arno Press, 1977.
Drabek, Thomas E. Human System Responses to Disaster. New York: Springer-Verlag, 1986.
Dynes, Russell R. Organized Behavior in Disasters. Lexington, Mass: Heath Lexington Books, 1970.
Fritz, Charles E. “Disaster.” In R. K. Merton and R. A. Nisbet, eds., Contemporary Social Problems. New York: Harcourt, Brace, Jovanovich, 1961.
Hirshleifer, Jack. Economic Behaviour in Adversity. Chicago: University of Chicago Press, 1987.
Horwich, George. “Disasters and Market Response.” Cato Journal 9 (1990): 531–555.
Iklé, Fred Charles. The Social Impact of Bomb Destruction. Norman: University of Oklahoma Press, 1958.
Mill, John Stuart. Principles of Political Economy. New York: D. Appleton, 1896. Available online at: http://www.econlib.org/library/Mill/mlP.html
Prince, Samuel Henry. Catastrophe and Social Change. New York: Columbia University Press, 1920.
Sorokin, Pitirim A. Man and Society in Calamity. New York: Dutton, 1942.

Copyright ©2008

تعليق المترجم

هذه الدراسة مكتوبة من موقف ليبرالي وقد آثرنا ترجمتها للعربية لأن لها بعض العلاقة بالحماية التأمينية وكذلك بالدمار متعدد الأوجه الذي حلَّ بالعراق جراء سياسات النظام الدكتاتوري البائد وحروبه والغزو والاحتلال الأمريكي.  تضم الدراسة أفكاراً مهمة بشأن الكوارث الطبيعية والبشرية من منظور اقتصادي وتأميني أيضاً.

والملاحظ أن رؤية كاتب الدراسة، رغم الإشارات التي يوردها بشأن التعاضد الاجتماعي عند وبعد وقوع الكوارث، تقوم على التقليل من دور الحكومات في مجابهة آثار الكوارث، والتأكيد على دور النشاط الفردي الخاص.  فالكوارث من هذا المنظور تصبح سلعة قابلة للتسعير والتسويق من قبل شركات متخصصة يشير إلى إحداها بالاسم.

والكاتب بالطبع لا يستسيغ الاشتراكية ويستخدم تطبيقها السوفيتي كمثال للكوارث البشرية المدمرة.

ولو كان حياً في زماننا لربما أشار إلى الكساد المالي العظيم الذي أنتجه النظام الرأسمالي منذ عام 2008 ككارثة مالية كانت ستؤدي إلى عواقب وخيمة غير ما اختبرناه لولا تدخل الحكومات التي يحصر دورها بتحمل "مسؤولية صيانة وترميم البنية التحتية الاقتصادية - نظام القانون ونسق الانضباط، بالإضافة إلى وسائل النقل الأساسية والاتصالات."

هو لم يتحدث عن نهب "العالم الثالث" من المنظور التاريخي البعيد المدى longue durée كنمط من الكوارث البشرية التي ألحقت الدمار باقتصادات هذا العالم.

قد لا نختلف معه بشأن تقييمه لتطبيق الاشتراكية لكننا نود تقديم التعليق التالي.  تقوم الاشتراكية، في نموذجها السوفيتي، على أساس اقتصاد مخطط مركزياً تسيطر فيه الدولة على جميع وسائل الإنتاج.  وقد نشأت الاشتراكية تاريخياً كاستجابة للاختلال الاقتصادي والأخلاقي للرأسمالية. واقترنت تطبيقات الاشتراكية في القرن العشرين أيضاً بخلل اقتصادي وقسوة أخلاقية.  ومع ذلك فإن فكرة ومثل الاشتراكية ما زالت قائمة كبديل للرأسمالية، ولكن ليس معروفاً إن كانت الاشتراكية، في شكل ما، ستعود في نهاية المطاف كقوة تنظيمية كبرى للشؤون الإنسانية.  ولكن لا يمكن لأحد تقييم آفاقها بدقة دون الأخذ في الاعتبار دراما نشوء وانهيار الاشتراكية في التطبيق.




[1] Jack Hirshleifer, Disaster and Recovery, The Concise Encyclopaedia of Economics, Liberty Fund Inc, 2008.
This article is translated, with permission, from David R. Henderson, ed., The Concise Encyclopedia of Economics, Liberty Fund, 2008.
تمت ترجمة هذه المقالة بإذن خطي من ديفيد آر هندرسون، صاحب الحقوق، الموسوعة الوجيزة للاقتصاد، صندوق الحرية، 2008.
نشرت الترجمة العربية كفصل من كتاب مقالات ومراجعات حول الخطر والتأمين، ترجمة وإعداد مصباح كمال، تحرير تيسير التريكي (بيروت: منتدى المعارف، 2019)، ص 79-90.
[2] هذا السلوك نجد ما يماثله في البلدان العربية تحت عنوان "الفزعة" أو "العونة" التي تتجسد بتأثير من القيم الاجتماعية غير المكتوبة في قيام الجماعة بالتكاتف والتعاضد أمام المصائب والرزايا الطبيعية والبشرية لتقديم الإغاثة للمحتاج والمصاب والمتضرر.  ولطالما ذكرتُ الفزعة كشكل بدائي لفكرة التأمين: تعاون الجماعة لإغاثة الفرد.  وهو تحرك، سلوك، غير رسمي، وتحرك تلقائي من قبل الناس نحو منطقة الكارثة لتقديم ما يستطيعونه.  (المترجم)
[3] لقد كانت المدن والقوات المسلحة على حافة الجوع خلال الحرب الأهلية، وأدى الحرب بالتزامن مع انهيار العملة، وشلل النقل، وانهيار التجارة الدولية إلى استحالة استمرار علاقات السوق العادية.  وهذا الوضع هو الذي دفع الحكومة السوفيتية الفتية إلى إرسال فرق الاستيلاء الإلزامي على الحبوب ومكافحة الكولاك (الفلاحين الأغنياء) وخزنهم للحبوب لتوفير الغذاء للمدن.  (المترجم).