الدور المتوقع لوسطاء التأمين في العراق:
تقييم تصوري للمنافع التي يحملها وسيط التأمين لسوق التأمين
مصباح كمال
تقديم
تهدف هذه الورقة إلى إبراز دور وسيط التأمين النموذجي[1] ومساهمته في إغناء سوق التأمين الوطني. ونأمل أن يأتي اليوم الذي يجد فيه الوسيط العراقي حضوراً له في سوق التأمين العراقي ليساهم في إكمال بنية السوق وتطوره نحو الأحسن.
بعض الأفكار الواردة هنا مستلة من ورقة أعددناها بناءً على طلب إحدى الجهات في أحدى الدول العربية لإقناع وزارة معنية بموضوع وساطة التأمين للدفع باتجاه التشريع للسماح بفتح سوق التأمين أمام عمل شركات الوساطة. بالنسبة للعراق فإن قانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005 أفرد بضعة بنود لوظيفة الوسيط التأميني، وقد قمنا بدراستها سابقاً.
تنحاز الورقة نحو إبراز جانب اقتصادي لوساطة التأمين، وكذلك التركيز على دور الوسطاء في التأمين على أعمال المؤسسات التجارية والصناعية تميزاً له عن التأمين على التأمينات الشخصية. نود أيضاً لفت نظر القارئ إلى أن التطبيقات العملية لوساطة التأمين تتخذ أشكالاً عديدة لا يمكن رصدها جميعاً في هذه الورقة. على القارئ أن يأخذ هذا بالحسبان إن كانت تجربته لا تستقيم مع بعض المقولات التي أوردناها.
في غياب دور وسيط التأمين والحاجة له
في دراسة نشرناها في المدونة Iraq Insurance Review في 4/9/2008 تحت عنوان "عن الوساطة ووساطة التأمين في العراق" ذكرنا أن سوق التأمين العراقي لم يهتم بموضوع "وساطة التأمين كعنصر مكّمل للعملية التأمينية، ومساهمة الوساطة في تطوير سوق التأمين من حيث زيادة حجم الأعمال المكتتبة، وتطوير بنية السوق، وإصدار التشريعات المناسبة."
وحاولنا في تلك الدراسة تقديم تعليل لعدم الاهتمام بوساطة التأمين عندما ذكرنا:
"أن المنتجات التأمينية ومطالب المؤمن لهم لم تكن بالتعقيد الذي يتطلب دوراً لشخص أو مؤسسة محترفة لتقديم المشورة الفنية وتوفير الخدمات الإضافية لتحليل الخطر وتحويل آثاره من خلال آلية التأمين .. الخ. إضافة لذلك، فإن السنوات الممتدة من 1964 لغاية 2000، وهي كامل عمر صناعة التأمين المؤممة، لم تشهد تنافساً بين شركات التأمين قد يستلزم مساعدة طرف متمرس ومحترف (وسيط التأمين) للمفاضلة بين الشركات من حيث الأسعار ونطاق التغطية ومستوى الخدمات."
وتوسعنا في التحليل لإبراز العوامل التي تساعد في تأسيس دور لوساطة التأمين:
"إن تباين الحاجات بين طالبي التأمين وتعقد الأخطار القابلة للتأمين وتعقد بنية السوق من حيث عدد الشركات التي تعرض الحماية التأمينية وأنواع المنتجات التأمينية المعروضة، أو تلك التي يتطلبها طالب التأمين، يوفر الفرصة لبروز دور الوسيط. وهذا هو الحال في الأسواق القائمة على التنافس. مقابل ذلك ترى أن الأسواق الأخرى، المقيدة أو التي تخضع للتخطيط المركزي، تميل إلى خلق نسق موحد للحاجات يلغي دور الوسيط وقد نجد ما يشبه هذا الوضع، فيما يخص المنتجات التأمينية، في الأسواق التنافسية عندما يصار إلى تقنين هذه المنتجات من خلال التشريع مثلاً وعندها تصبح خاضعة لتعرفة ثابتة."[2]
وهكذا فإن تباين الحاجات بين طالبي التأمين وتعقد الأخطار القابلة للتأمين وتعقد بنية السوق عناصر أساسية لتشكيل الأرضية التي يقوم عليها نشاط التوسط التأميني. ولعل الدراسة الملموسة لتطور بعض أسواق التأمين العربية يمكن أن تكشف صحة هذه الأطروحة أو تقييدها لتتناسب مع الواقع التاريخي.
فيما يلي سنحاول تقديم صورة نموذجية تقريبية، تصورية، لأهمية قيام نشاط وساطة التأمين. صحيح أن سوق التأمين العراقي ما زال هشاً وضعيفاً وليس هناك إقبال قوي على شراء الحماية التأمينية، من قبل الأفراد والشركات، لكن تطور الاقتصاد العراقي ونموه سيوفر فرصة لولوج بعض المستثمرين، بالتعاون مع متمرسين في صناعة التأمين العراقيين، حقل الوساطة التأمينية. قد يبدو هذا طموحاً واهماً لكن تعقيد الحياة الاقتصادية، وازدياد دور القطاع الخدمي، والنزوع نحو التخصص يؤشر على إمكانية نهوض وساطة التأمين مستقبلاً.
دور وسطاء التأمين والمساهمة في النمو الاقتصادي
يتميز وسطاء التأمين وإعادة التأمين المحترفون (فيما يلي سنشير إليهم اختصاراً بالوسطاء أو الوسيط حسب مقتضى السياق) عن غيرهم من الوسطاء أو وكلاء التأمين بامتلاكهم معرفة واسعة بأسواق التأمين، والمنتجات التأمينية (أغطية التأمين وإعادة التأمين)، وأسعار التأمين، والقدرة الاستيعابية لشركات التأمين. كما أنهم يمتلكون المهارات الضرورية لتلبية حاجات طالبي التأمين ومتطلبات شركات التأمين وإعادة التأمين في الأسواق المحلية والعالمية.
ويقوم الوسطاء بتسهيل عملية شراء الحماية التأمينية المباشرة أو الإعادية بتفويض من زبائنهم ونيابة عنهم. ويقومون أيضاً بتقديم الخدمات للزبائن وشركات التأمين وإعادة التأمين كعنصر مكمل في عملية إجراء التغطية التأمينية المباشرة أو الإعادية. وفي الحالة النموذجية، فإن الوسطاء يعملون لصالح طالب التأمين والذود عن مصالحه والتصرف باستقلالية مهنية في التعامل مع شركات التأمين. ويقومون كذلك بمساعدة الزبائن في انتقاء أفضل الخيارات التأمينية للحماية من الأخطار، من حيث نطاق التغطية والأسعار، وانتقاء شركة التأمين التي ستقوم بالاكتتاب بوثيقة التأمين، من حيث قدرتها على تقديم الخدمات خلال فترة نفاذ التأمين وعلى رأسها تسوية التعويضات وتسديد مستحقاتها.
ونود هنا أن نلفت الانتباه إلى أن دور الوسطاء، كم ذكرناه، يجب أن ينظر إليه في إطار الحماية التأمينية ودورها في الاقتصاد المعاصر. فالمعروف، وكما يشهد التاريخ الاقتصادي للغرب، أن القطاع الخاص، في غياب الحماية التأمينية، لا يستطيع الاستمرار في الأداء والإقدام على المخاطرة والإنفاق على البحث والتطوير والإبداع بدون حماية تأمينية. مؤسسات القطاع الخاص معرضة للتوقف عن العمل والهلاك الاقتصادي إن لم تستطع تمويل خسائرها المادية وتلك المترتبة على مسؤولياتها القانونية تجاه الأغيار[3] بكلفة اقتصادية معقولة (من خلال تسديد أقساط اقتصادية للتأمين، وهي الأقل كلفةً، أو الحصول على قروض ميسرة من المصارف لجبر الخسائر وهي ليست متوفرة دائماً لأن الشركة التي تعمل تحت وطأة الخسارة ليست بالزبون المرغوب).
وما ذكرناه بشأن توقف الأعمال والتعرض للهلاك ينطبق على مؤسسات القطاع العام مع فارق أن تمويل الخسارة لدى القطاع العام، في غياب الحماية التأمينية، يتم من خلال خزينة الدولة – أي أن التمويل في نهاية المطاف هو من دافعي الضرائب أو، في حالة العراق، من الريع النفطي وهو المورد الأساسي للخزينة. القطاع الخاص، في غياب الحماية، لا يمتلك مثل هذا الامتياز وعليه أن يتدبر تمويل الخسارة من رأسماله أو بالاقتراض من المصارف – هذا إن كانت المصارف مستعدة لتقديم قروض لمؤسسة تعرضت لخسارة كبيرة. إذاً، لا محيص عن التأمين – الآلية الأكثر كفاءة واقتصاداً في تمويل الخسارة.
التأمين وسيلة تمتاز بكفاءة كلفتها الاقتصادية في تحويل عبء أخطار الأعمال إلى شركات التأمين. وبهذا المعنى فإن الحماية التأمينية تساهم في دعم التقدم العلمي والتكنولوجي في مختلف المجالات كالطب والصناعات الدوائية، وتطوير المنتجات، واستكشاف الفضاء والتطبيقات التكنولوجية وغيرها. ويلعب وسطاء التأمين دوراً أساسياً في ترتيب عقود التأمين في هذه المجالات.
ويساهم الوسطاء، جنباً إلى جنب مع شركات التأمين وإعادة التأمين، في تيسير أداء الاقتصاد الوطني والدولي لوظائفه. ففي غياب الدور التأميني، تمييزاً له عن دور استثماري، لشركات التأمين ووسطاء التأمين للحماية من أخطار الطبيعة وتلك المرتبطة بالإنتاج والفعل البشري، يتأثر النشاط الصناعي والتجاري سلباً بالتباطؤ أو التوقف. هذه النتيجة، التباطؤ والتوقف، تؤدي إلى تباطؤ النمو الاقتصادي وهذا بدوره يترجم نفسه بتباطؤ وتوقف المنافع المالية التي يمكن أن تجنيها الأعمال والعاملين من استمرار النمو الاقتصادي.
دور توزيعي لوسطاء التأمين
يتخذ توزيع المُنتج التأميني أشكالاً مختلفة. ففي العديد من الأسواق، وخاصة في الدول المتقدمة، يتم القسم الأعظم من التوزيع من خلال الوسطاء فهم يشكلون رابطاً أساسياً بين شركات التأمين التي ترغب ببيع منتجاتها من وثائق التأمين وجمهور المستهلكين الذي يبحث عن الحماية التأمينية المناسبة.
بصفتهم التوزيعية فإن الوسطاء يقومون بتوفير منتجات التأمين وإدارة الخطر لأولئك الذين يحتاجونها. وهم بذلك يساهمون في تعزيز المبادرة على دخول مخاطر اقتصادية استثمارية. ويقترن هذا الدور التوزيعي بمزايا أخرى نذكر بعضاً منها فيما يلي.
إدخال وسائل تسويقية جديدة
إدخال الممارسات الجديدة إلى السوق يقوم أساساً على تعميق وعي طالبي التأمين وجمهور المستهلكين عموماً بأنواع الحماية التي يوفرها التأمين باعتباره أحد الوسائل الفعالة والكفوءة لتحويل عبء الأخطار ووضعها على عاتق شركات التأمين. ويرتبط بهذا الجهد التسويقي تمايز وسيط التأمين في بيان الخيارات الحمائية المتوفرة لطالبي التأمين.
قد يكون هناك تداخل بين وسيط التأمين وشركة التأمين في نشر أنماط من الوعي بأهمية التأمين لكن الوسيط يختلف عن شركة التأمين، التي تهتم بترويج المنتجات الخاصة بها، كونه حراً في عرض خدمات مختلف الشركات وفي تقديم خيارات لإدارة الخطر. إضافة إلى أن الوسيط يساهم في وضع طالب التأمين في مصاف شركة التأمين من حيث المعلومات الفنية والسعرية وشروط التأمين – أي الموازنة بين طرفي العقد وسنعرضه فيما بعد.
نشر المعلومات بين الزبائن وشركات التأمين
من خلال مساهمتهم التسويقية في تعميق فهم التأمين يقوم الوسطاء برفع مستوى الزبائن في تقييم حاجاتهم التأمينية، والخيارات البديلة المتوفرة لهم وكلفة تبني أو عدم تبني أي من الخيارات المناسبة لحمايتهم.
ومن خلال خدمة حاجات الزبائن يقوم الوسطاء أيضاً بتجميع المعلومات عن الخسارات والأضرار التي يتكبدها الزبائن، وأقساط التأمين التي يسددونها، وإجراءات السيطرة على مصادر الأخطار التي يتعرضون لها وغيرها من معلومات. ومقابل ذلك يقوم الوسطاء بتجميع معلومات مختلفة عن شركات التأمين التي تؤمن على أخطار الزبائن. تنسيق وتحليل هاتين الفئتين من المعلومات تساعدان وسيط التأمين في تحسين نطاق التغطية التأمينية القائمة أو إدخال أغطية تأمينية إضافية أو جديدة.
هذا النمط من العمل الاحترافي يساهم في رفع مكانة سوق التأمين من حيث مستوى المعارف، العملية والنظرية، لدى السوق، وكذلك صقل مستوى المهارات - وهذه من شأنها أن تساهم في جذب استثمارات جديدة لقطاع التأمين.
دعم المنافسة
هناك حوافز قوية (الاحتفاظ بتأمين محفظة أعمال المؤمن له، تعزيز قامته في سوق التأمين لجذب المزيد من الزبائن، توسيع حصته في السوق، تحقيق هامش جيد للربح وغيرها) تدفع الوسيط نحو خلق حالة من التنافس بين شركات التأمين للحصول على أفضل ما تستطيع أن تقدمه من أسعار وشروط وخدمات للزبائن. وتزداد أهمية المنافسة مع تطور وصقل إمكانيات الزبائن. ويجب أن نتذكر هنا أن العديد من الزبائن يفرضون التنافس بين وسطاء التأمين من خلال استدراج العروض من عدة وسطاء. في مثل هذه الأوضاع يتعين على شركات التأمين رفع مستوى أدائها لتستطيع مقابلة تحديات المنافسة التي يديرها الوسيط. إن الوضع التنافسي الذي يديره الوسيط سيترجم نفسه لصالح المؤمن له في صيغة منافع مختلفة تشمل تخفيض الأقساط وإدخال تحسينات على غطاء وثيقة التأمين وغيرها.
تقليص الكلفة
وسيط التأمين باعتباره منتجاً للأعمال يساهم في تقليص كلفة الإنتاج لدى شركة التأمين. ففي غياب وسيط التأمين يتوجب على شركة التأمين إنتاج أعمالها بذاتها وتحمّل تكاليفها. صحيح أن الوسيط يُكافأ على خدماته إلا أن مستوى هذه المكافأة (من خلال الأجور أو العمولة) هي أقل من كلفة الإنتاج التي تتحملها شركة التأمين في الإنتاج المباشر.[4] وهكذا فإن وسيط التأمين يساعد في تقليص تكاليف البيع والتسويق عند شركة التأمين.
وفي ذات السياق فإن الوسيط يقلل أو يلغي كلفة البحث التي يتحملها طالب التأمين عند بحثه عن المنتج التأميني المناسب لأخطاره وشركة التأمين القادرة على تقديم أسعار تنافسيه للحماية من الأخطار مقرونة بمستوى الخدمات التي يرتضيها طالب التأمين.
ولو توسعنا قليلاً في التحليل سنرى أن الاقتصاد سيستفيد من حضور وسيط التأمين في تخفيف وتقليص كلفة التأمين. تتحمل المؤسسات الصناعية والتجارية تكاليف التأمين، كعنصر أساسي في إنتاج السلع المادية أو الخدمات، للحماية من الآثار الضارة لمسببات الخطر غير المتوقعة (الطبيعية والبشرية وتلك المتعلقة بديناميكية تعقد العملية الإنتاجية) التي تؤثر على استمرارية الإنتاج وحتى فرص بقائها كمؤسسات منتجة. وفي أسواق التأمين المتقدمة لا تستطيع المؤسسات أن تقوم بأعمالها بدون ترتيب مجموعة من وثائق التأمين بعضها تفرضها قواعد حسن الإدارة لضمان البقاء في سوق تنافسي وبعضها مفروضة بقوة القانون.
ولأن الوسيط يتمتع بالكفاءة في معرفة سوق التأمين (الأخطار التي يتعرض لها طالب التأمين وشركة التأمين المستعدة للتأمين على هذه الأخطار) فإنه يمارس دوراً مهماً في تخفيف عدم التأكد لدى طالب التأمين فيما يخص احتمال وقوع خسائر احتمالية والآثار المالية لهذه الخسائر. وفي هذا السياق فإن عدم التأكد يتخذ بعداً آخر وهو حقيقة أن طالب التأمين قد لا يعرف المتانة المالية لشركة التأمين وأحوال السوق من حيث توفر غطاء التأمين المناسب وشركات التأمين التي يمكم أن تكتتب بالغطاء بأسعار وشروط مناسبة.. الخ. ومقابل ذلك، فإن شركة التأمين أيضاً قد لا تعرف كل المعلومات عن طالب التأمين.
ولذلك فإن إحدى الوظائف التي يقوم بها وسيط التأمين هي تجميع المعلومات الضرورية عن المشتري (طالب التأمين) والبائع أو المجهز (شركة التأمين)، وتصنيفها وعرضها بشكل مفهوم من قبل الطرفين: المشتري و البائع. هناك كلفة اقتصادية يتضمنها تجميع المعلومات وتصنيفها وتشذيبها لأغراض الاكتتاب بالتأمين وهو ما يتحملها وسيط التأمين. هذا لا يعني إعفاء طالب التأمين من تقديم المعلومات التي يعمل الوسيط على إعادة ترتيبها لأغراض الاكتتاب. ولا يعني، أيضاً، أن شركة التأمين لا تتحقق من المعلومات.
موازنة العلاقة بين طالب التأمين وشركة التأمين
القوة التفاوضية لطالب التأمين لا تعادل غالباً مثيلتها لدى شركة التأمين. وينطبق هذا القول على المؤسسات الصغيرة ومتوسطة الحجم عند تفاوضها مع شركات التأمين. إلا أن حضور الوسيط في العملية التفاوضية يخلق حالة من التوازن بين طرفي العقد، المشتري والبائع، وذلك لأن الوسيط، بحكم مؤهلاته، يستخدم خبرته المهنية وكذلك محفظة الأعمال التي يديرها للتفاوض مع شركة التأمين من موقع الندية معها للحصول على شروط تنافسية منها لصالح طالب التأمين.
إضافة إلى ذلك، فإن الوسيط، أيضاً بفضل مؤهلاته، يفحص ويدقق المتانة المالية لشركة التأمين وقدرتها على تسديد المطالبات بالتعويض. طالب التأمين العادي ليس في وضع يؤهله للقيام بالوظيفة التدقيقية التي يقوم بها الوسيط.
ومن المناسب التذكير هنا أن حجم أقساط محفظة طالب تأمين، عندما تكون كبيرة تمارس، بحد ذاتهاً ضغطاً كبيراً على تسعير الخطر من قبل شركة التأمين. وقد تكون العلاقة لذلك بين الطرفين غير متكافئة. ولهذا فإن شركة التأمين في هذه الحالة تعتمد على براعة وسيط التأمين والمعلومات المتوفرة لديه في موازنة العلاقة بحيث لا يكون سعر التأمين هو العنصر الأساس والوحيد في الاكتتاب.[5]
الوسطاء وإدارة الخطر
وسيط التأمين المحترف يوسع نطاق خدماته ليشمل تحليل تعرض طالب التأمين وموجوداته لمسببات الخسارة، ووسائل الحد من هذا التعرض والسيطرة عليه، وكذلك تحسين نوعية الخطر، بمعنى قدرة طالب التأمين على منع حدوث الأضرار وتحجيم نطاق آثارها عند وقوعها. وغالباً ما يقوم مهندسو وخبراء وسيط التأمين الآخرين بتنفيذ هذه الخدمة من خلال تقديم التوصيات المناسبة للمؤمن له.
العديد من وسطاء التأمين العالميين يقدمون خدمات تتجاوز الخدمات التقليدية المرتبطة بتحويل عبء الخسارة من المؤمن لهم إلى شركات التأمين. هؤلاء الوسطاء يقدمون خدمات إضافية لها علاقة بالإدارة الكلية للمؤسسة الصناعية أو التجارية والتي قد تضم:
· وسائل بديلة عن التأمين لتمويل الخسائر الاحتمالية.
· وضع استراتيجيات لإدارة الخطر: التأمين الذاتي وتأسيس شركات التأمين المقبوضة كأدوات بديلة عن التأمين التجاري في الأسواق المفتوحة.
· إدارة المطالبات بالتعويض.
وفي معظم الأحيان يجري تقديم هذه الخدمات الإضافية لقاء أجور يجري الاتفاق بشأنها مع طالب التأمين.
الوسيط وزيادة الإنتاج
من الملاحظ أن أسواق التأمين العربية الأكثر تقدماً من حيث حجم أقساط التأمين هي التي يلعب فيها الوسطاء، المحليون والعالميون، دوراً بارزاً في ظل قوانين وتعليمات رقابية تتحسن باستمرار لتماشي مطالب المؤسسات التجارية والمالية الدولية. ولعل خير مثال على ذلك هو سوق التأمين في دولة الإمارات العربية المتحدة والمغرب.
ويعني زيادة الإنتاج ارتفاع الكثافة التأمينية insurance density والتغلغل التأميني insurance penetration وهما مؤشران لتحديد أهمية قطاع التأمين في الاقتصاد الوطني. فالكثافة التأمينية معنية بقياس إنفاق الفرد على شراء الحماية التأمينية، وبالتالي فهي تعبر عن إجمالي أقساط التأمين المتحقق في البلد منسوباً إلى عدد السكان.
أما مؤشر التغلغل التأميني فإنه يقيس نسبة دخل أقساط التأمين إلى الناتج المحلي الإجمالي، وهو بذلك يؤشر على أهمية قطاع التأمين في الاقتصاد الوطني وتطور هذا القطاع بالنسبة للاقتصاد الوطني ككل. إن كانت هذه النسبة مرتفعة فإن ذلك يعني أن قطاع التأمين ينمو بسرعة أكبر من سرعة نمو الاقتصاد الوطني.
إن دراسة إحصائية بسيطة ستؤكد في تقديرنا على أن الكثافة التأمينية في العراق متدنية. ونرجو أن يقوم أحد الزملاء بدراسة النشاط التأميني العراقي من منظور تاريخي بالاستفادة من هذين المقياسيين.
الوسيط المعنوي العالمي وتوطين ممارسات الوساطة العالمية بين التوجس والتوقع
لو افترضنا قيام وسيط عالمي، من سوق لندن مثلاً حيث يخضع الوسيط للقوانين الرقابية للمملكة المتحدة، بالحصول على إجازة للعمل في العراق فإننا نتوقع منه إدخال ثقافة الشفافية في العمل والممارسات المرتبطة بها، والتأكيد على حماية مصالح المؤمن لهم، والحرفية المهنية. والأمل هو قيام مثل هذا الوسيط الأجنبي (المعنوي) بتطوير ممارسة حرفة الوساطة من خلال استيراد وتوطين الممارسات العالمية الجيدة والمتعارف عليها وتدريب العاملين لديه من العراقيين على اكتسابها ووسائل تطبيقها العملي. مثل هذا التطوير يعرف بانتشار spillover)) التأثيرات الجانبية للاستثمارات الأجنبية المباشرة. إن وسيطاً معنوياً من هذا النمط، بفضل خبرته العالمية، سيعكس هذه الخبرة في عمله في العراق أو هذا ما نتمناه أن يتحقق.
في دراستنا التي أشرنا إليها في مستهل هذه الورقة، ذكرنا بعضاً من مخاوفنا، في ظل بقاء قانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005 على حاله دون تغيير، بشأن تحول الوسيط الأجنبي إلى "واجهة لخدمة الشركات الأجنبية العاملة في العراق وشركات التأمين وإعادة التأمين العالمية في الخارج والتي تكتتب بأعمال التأمين مباشرة في العراق دون أن يكون لقطاع التأمين العراقي أي دور في الاكتتاب بأعمال هذه الشركات. إذا ساد هذا الوضع ربما لن تحصد شركات التأمين العراقية من الوسيط والشركة الأجنبية غير وثائق تأمين بسيطة أو توفير وظيفة الواجهة لشركات التأمين وإعادة التأمين العالمية."
اختتمنا دراستنا السابقة بالفقرة التالية عن تصورنا لتطور سوق التأمين العراقي ودور وسطاء التأمين، وهي ما نود اختتام هذه الورقة بها:
"قد يشهد سوق التأمين العراقي، بعد استقرار الأوضاع الأمنية واستعادة الحياة الاعتيادية وتعاظم الدخول وازدياد عدد الشركات الصناعية والتجارية، وكذلك انتشار المعرفة بالتأمين ونهوض ثقافة الحقوق وما يترتب على ذلك من قيام المسؤوليات القانونية، تأسيس شركات عراقية لوساطة التأمين. قد يستغرق تأسيس مثل هذه الشركات زمناً طويلاً لكننا نتوقع أن تتطور وكالات الإنتاج الفردية إلى شركات وساطة أولاً. ويقتضي كل ذلك قيام ثقافة لإدارة الأعمال تشمل دوراً للوساطة يقوم على التخصص. شركات التأمين هي المعنية هنا إذ أن إنتاج الأعمال مقابل عمولة للوسيط يقتضي تغيراً في السياسة التسويقية وفي تقدير أقساط التأمين بافتراض أن شركات التأمين هي التي تكون مسئولة عن مكافأة الوسيط وليس المؤمن له."[6]
مصباح كمال
لندن 9 شباط 2009
[1] نعني بالوسيط في هذه الدراسة وسيط التأمين المعنوي المنظم كشركة تجارية مسجلة لدى الدوائر الرسمية ومجازة للعمل في وساطة التأمين وتخضع للرقابة، وليس الوسيط الشخصي.
[2] مصباح كمال، "عن الوساطة ووساطة التأمين في العراق" مدونة Iraq Insurance Review
http://misbahkamal.blogspot.com/search?updated-min=2008-01-01T00%3A00%3A00Z&updated-max=2009-01-01T00%3A00%3A00Z&max-results=44
[3] نتحدث هنا عن الخسائر القابلة للتأمين وليس ما يعرف بالخسائر التجارية كخسارة المستهلكين: عدم شراء منتجات المؤمن له لتغيير في الأذواق أو لدخول منتجات جديدة أقل سعراً من منتجات مماثلة.
[4] ليس هذا بالمكان المناسب لتحليل كلفة الإنتاج عند شركة التأمين ويكفي أن نقول إن هذه الكلفة تضم الرواتب (للإدارة والتسويق والبيع)، المساهمات في صندوق التقاعد، أيجار المكاتب أو كلفة صيانتها والرسوم المترتبة عليها إن كانت مملوكة للشركة، تكاليف التدريب، مراقبة العمل .. الخ. اعتبارات الكلفة تفسر ميل شركات التأمين في الأسواق المتقدمة للاعتماد على وسطاء التأمين في الإنتاج رغم أن هناك ميلاً جديداً للبيع المباشر لوثائق التأمين الشخصية من قبل بعض شركات التأمين بفضل الفرص التي توفرها التكنولوجيا الإلكترونية.
[5] نجد تعبيراً لهذا الوضع في المناقصات، ومنها مناقصات التأمين، حيث ينص على أن طالب التأمين ليس ملزماً بقبول أوطأ الأسعار، أي أن هناك اعتبارات أخرى لاتخاذ قرار بشأن قبول أي عرض.
[6] مصباح كمال، "عن الوساطة ووساطة التأمين في العراق"، مصدر سابق.
2009/03/04
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق