إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

2008/06/06

غياب شركات التأمين العراقية في مذكرات التفاهم الاستثمارية مصباح كمال جاء في خبرين للوكالة المستقلة للأنباء (أصوات العراق) في 22 أيار 2008 نقلاً عن محافظ الديوانية "أن مذكرة تفاهم قد وقعت بين المحافظة ومجموعة شركات (GEM) الأوربية للاستثمار على هامش المؤتمر الاستثماري الذي عقد في القاهرة الأسبوع الماضي ... " ونقلت عنه أيضاً: "سيصلنا وفد رفيع المستوى من مجموعة الشركات الأسبوع المقبل للإطلاع والتباحث حول توقيع عقود في مجال المكننة الزراعية والمكننة الصناعية والألبان وبناء مجمعات سكانية ومعامل إنشائية في الديوانية." وذكرت الوكالة أيضاً نقلاً عن محافظ صلاح الدين "إنه وقع مذكرات تفاهم مع عدد من الشركات المصرية في مجال إنشاء المعامل والاستثمارات السياحية والعقارية والصناعات الإنتاجية في صلاح الدين." وذكرت الوكالة أن حديث المحافظين جاء على هامش مشاركتهما في "المؤتمر الثاني للأعمال والاستثمار في العراق، الذي عقد في (القاهرة) خلال الفترة من (14-16) آيار/مايو الجاري، تحت شعار (العراق اليوم موطن للاستثمار) .." هذان الخبران في موضوع واحد يؤشران على تقدم في استقدام الاستثمار العربي والأجنبي للعراق من قبل بعض المحافظات العراقية وقد سبقتها في ذلك حكومة إقليم كردستان. وهو تقدم على الورق كما يبدو وسيمر وقت ليس بالقليل قبل أن يترجم هذا النشاط في عقود إنشائية توضع قيد التنفيذ.[1] يهمنا في هذين الخبرين، وأخبار مماثلة عن عقود إنشائية ومشاريع أخرى، ملاحظة غياب أية إشارة للتأمين. ونلاحظ أيضاً أن العديد من الوفود التي تتوجه للخارج لحضور الاجتماعات الخاصة بتطوير الأعمال والمشاريع التنموية وغيرها من اللقاءات، لا تضم بين أعضائها ممثلاً عن شركات التأمين العراقية. مسألة الغياب هي، في تقديرنا، بالدرجة الأولى، من صنع شركات التأمين ذاتها. نعرف بأن العديد من هذه النشاطات كانت وما زالت تعقد في الأردن لكننا لا نجد ممثلاً عن قطاع التأمين العراقي فيها وكأن منظميها لا يعرفون أهمية التأمين كقطاع خدمي مكمل في بنية الاقتصاد لكي يوجهوا الدعوة لشركات التأمين لحضورها أو المشاركة فيها. هب إن الأمر هو كذلك، ألا يحسن بشركات التامين ذاتها الانتباه للأمر والعمل على تداركه أم أنها غير معنية بتعظيم دخلها من الأقساط وتعزيز مكانتها؟ شركات التأمين العامة، ونرجو أن لا نكون ظالمين لها، تعمل وفق منهج الإنتاج المتوارث عندما كانت هي الشركات الوحيدة في السوق، تقتسم الأعمال فيما بينها مع التأكيد على أعمال التأمين على الحياة بالنسبة للشركة العراقية للتأمين. ويقوم هذا المنهج أساساً على انتظار طالبي التأمين ليطرقوا أبوابها أو اضطرار بعضهم لشراء الحماية التأمينية كما كان الحال مع العقود الإنشائية فرب العمل لا يصرف مستحقات المقاول ما لم يبرز وثيقة التأمين المناسب أو شهادة بها صادرة من شركة التأمين. هذه الشركات قلما تبادر إلى إنتاج حقيقي ومتابعة الفرص لعرض حمايتها لمن يحتاجها من الشركات والمؤسسات الرسمية. وباختصار، يبدو أن الأساليب الحديثة في التسويق والبيع تكاد أن تكون غائبة كلياً لدى إدارات شركات التأمين العامة. وتتعكز هذه الشركات في سياساتها وفي تحركها الإنتاجي وعدم قدرتها على المشاركة في المؤتمرات واللقاءات خارج العراق على تابعيتها لوزارة المالية التي لا تولي قطاع التأمين العام ما يستحقه من اهتمام لكنها تتدخل في تعيين مدرائها وتقرير إيفاد موظفي الشركات خارج العراق لأي غرض كان. ويبدو لنا أن إدارات ومجالس هذه الشركات لا تمتلك الإرادة المستقلة وبرنامج العمل الواضح لفك الارتباط مع الوزارة وتتصرف كما لو أن الشركات التي تديرها هي أقسام في الجهاز البيروقراطي للوزارة. أما شركات التأمين الخاصة التي تأسست بعد 1997 وبدأت تعمل في 2000 وازداد عددها بعد الغزو الأمريكي وسقوط النظام الديكتاتوري، فإنها هي الأخرى بعيدة عن التواجد مع الوفود العراقية المشاركة في الاجتماعات الاستثمارية واللقاءات المماثلة خارج العراق. ربما تتعكز إدارات هذه الشركات على التكاليف العالية لحضور اللقاءات خارج العراق قياساً بحجم دخلها وربما انعدام الفائدة الآنية المتوقعة منها. هذا التبرير، إن كان صحيحاً، يؤشر على غياب عنصر المغامرة وفقر في التخطيط لإنتاج الأعمال، وخاصة الأعمال الاستثمارية وهي، في السياق العراقي الحالي، ستكون كبيرة. جمعية شركات التأمين وإعادة التأمين العراقية، التي تكاد أن تكون معطلة عن أداء مهامها بسبب قرار الحكومة في الحجز على أموالها (وأموال منظمات مدنية أخرى) وكأنها منظمة إجرامية أو إرهابية يستوجب قطع التمويل عنها، فهي الأخرى بعيدة عن المشاركة في ترويج مصالح أعضائها في المؤتمرات الاستثمارية وغيرها من اللقاءات.. لا نعرف ما يكفي لعرض دور المؤسسات الأخرى كغرف التجارة والأقسام المعنية في وزارة التخطيط وغيرها في التغاضي عن الاهتمام بدور شركات التأمين العراقية في عقود إعادة الإعمار والمشاركة في عملية التنمية الاقتصادية. ونتمنى أن يقوم أحد الزملاء بمتابعة الموضوع. وما يهمنا أيضاً من هذين الخبرين أعلاه هو الفرص التأمينية التي ستتولد عن النشاط الاستثماري والتي نرجو أن تكون لصالح شركات التأمين العراقية. رجاؤنا، الذي يحمل الشك، هو عدم انتباه الكثير من المؤسسات العراقية الرسمية لموضوع التأمين إلا بعد أن يكون الطرف غير العراقي قد قام بصياغة العقد وأدخل فيه ما يناسبه من بنود بشأن التأمين. والتجربة المنقولة إلينا تفيد أن التأمين يتم في الغالب خارج العراق: " ... هناك ظاهرة لجوء الشركات والمؤمن لهم إلى شركات التأمين العربية وحتى الأجنبية دون الرجوع إلى شركات التأمين المحلية. وهذا ما يحصل الآن إذ اننى، كخبير تأمين ومسوي خسائر ومحامى، أُكلف دوما من شركات التأمين الأردنية والأجنبية وغيرها بإجراء الكشف والمعاينة على كثير من المشاريع في العراق التي يراد التأمين عليها لدى تلك الشركات، وكذلك على البضائع التي ترد إلى العراق وتصيبها الأضرار خلال عملية النقل ولأنواع كثيرة من الأسباب. ظاهرة أخرى هي عدم تعاون الوزارات والمؤسسات العراقية الرسمية وغيرها مع شركات التأمين العراقية التي بإمكانها الطلب من كافة المؤسسات والشركات سواء أكانت حكومية أو أهلية أو أشخاص متعاقدين معها بالتأمين لدى شركات تأمين عراقية. إن تجاهل شركات التأمين المحلية يشكل إضرارا لمصالحها ويحرمها من فرصة تعزيز مكانتها حيث أن جميع العقود، مهما كانت، لا تنص على إجراء التأمين مع شركات التأمين المحلية."[2] وهنا تنهض ضرورة تنبيه الجهات ذات العلاقة لعدم التهاون في الاستفادة من طاقات شركات التأمين العراقية وإلا فإن صناعة التأمين في العراق ستبقى ضعيفة ومهمشة وتتحول، في أحسن الحالات، إلى واجهة لشركات التأمين وإعادة التأمين الأجنبية. ويقتضي ذلك، وفي سياق هذه الورقة، ضرورة النص في العقود على التأمين لدى شركات تأمين عراقية. ويبدو أن هذه الدعوة لم تلق عناية الجهات الرسمية ولم ينقل إلينا صدور قرار ملزم بهذا الشأن. من المحزن أن لا يكون هناك مشروع أو منهج فكري واضح لبناء صناعة تأمين وطنية عراقية، ضمن النظام الفيدرالي قيد التشكل، فالاتجاه هو دوماً نحو الخارج في جميع المجالات. وقد لخص د. محمد علي زيني، خبير في النفط والاقتصاد في مركز دراسات الطاقة العالمية، لندن، هذه الظاهرة، في حقل اختصاصه، في محاضرة له عن ما سماه حقاً الأولويات المقلوبة في مسودة قانون النفط والغاز كما يلي: "وضعت مسودة قانون النفط و الغاز العراقي من قبل ثلاثة خبراء عراقيين تشرف عليهم شركة قانونية مختصة عينتها أمريكا. القانون، من أوله إلى آخره يعالج جهة واحدة من الصناعة النفطية وهي مسألة استغلال النفط الخام، بما يشمل ذلك من عمليات استكشاف، تطوير، استخراج وتسويق. إن القانون هذا يخص السوق العالمية فقط. إنه يخص إشباع الطلب العالمي على النفط، ولكن ماذا عن إشباع الطلب المحلي للمشتقات النفطية؟ ماذا عن تلبية حاجات العراقيين إلى البانزين (الغازولين) وإلى الديزل وإلى الغازويل وإلى النفط الأبيض (الكيروسين) وإلى الغاز السائل؟ القانون لا يتطرق إلى هذا، وكأن العراق بلا شعب. حينما يتحدث القانون عن شركة النفط الوطنية فهو يتحدث عن شركة تتعامل بالنفط الخام فقط، أي بما يحتاجه العالم الخارجي، ولا علاقة لهذه الشركة بما يحتاجه الشعب من مشتقات نفطية."[3] يذكرنا هذا النص بقانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005 مع الفارق أن هذا القانون لم يحرره خبراء التأمين العراقيين وقد كتبنا عن ذلك غير مرة.[4] التركيز على ما يريده العالم الخارجي هو الذي ينتظم مراسيم وقوانين أخرى كتلك التي أصدرها "المستبد بأمره" بول بريمر أو بعض القوانين الصادرة في إقليم كردستان (قانون الاستثمار في إقليم كردستان العراق رقم 4 لسنة 2006 الذي يجيز للمستثمر الأجنبي، في المادة 7، شراء التأمين من شركات أجنبية). في أوائل 1971 أصدرت الهيئة التوجيهية لمجلس التخطيط قراراً تضمن بعض الضوابط لتوفير الحماية التأمينية للمشاريع الحكومية ومنها: اعتماد نص موحد لشروط التأمين في عقود المقاولات الهندسية المدنية كافة والتي تنفذ لصالح القطاع العام، وعدم توقيع العقد مع المقاول ما لم يقدم استشهاداً من شركة التأمين يفيد بأن معاملة التأمين هي قيد الإنجاز، وكذلك عدم صرف طلبات السلف أو المستحقات المالية للمقاول ما لم تشفع بوثيقة التأمين المنصوص عليه في العقد. ترى هل قامت وزارة التخطيط والتعاون الإنمائي بتأكيد دورها في تطوير النص الموحد لشروط المقاولات وبما يضمن، ولو بعض الحماية، لشركات التأمين العراقية لأداء دورها في حماية الأصول العراقية؟ لا يراد من هذه الدعوة الانتقاص من الاستقلالية التي تتمتع بها المحافظات وتلك المنتظمة في إقليم بضمانة الدستور العراقي ولكن موازنتها بمتطلبات تنمية اقتصاد وطني عراقي يلعب فيه قطاع التأمين دوره المتوقع منه. وما لم تجابه شركات التأمين العراقية تحديات تأمين المشاريع الكبيرة فإنها ستبقى صغيرة وتتقزم أمام دخول شركات التأمين الأجنبية ومقارنة بشركات التأمين في العالم العربي. نأمل أن يقوم زملاء المهنة بتوسيع البحث في القضايا المثارة في هذه الورقة: حضور ممثلي شركات التأمين العراقية للاجتماعات الاستثمارية التي تعقد داخل أو خارج العراق، إقناع المحافظات لإدخال فقرة التأمين في مشاريعها الاستثمارية ولصالح شركات التأمين المسجلة في العراق، تبني نموذج وطني موحد لعقود الدولة. نأمل أيضاً أن يقوم الزملاء بتصحيح أية أخطاء في الورقة وإكمال نواقصها. مصباح كمال 6 حزيران 2008 [1] لا تشكل هذه الاستثمارات جزءاً من خطة وطنية للنهوض بالاقتصاد الوطني وتنميته فليست هناك سياسة اقتصادية واضحة. كل ما في الأمر هو الاستمرار في الاعتماد على الريع النفطي في تمويل الميزانية والتخصيص للوزارات وبرنامج استثماري غير مخطط. استثمارات المحافظات لذلك هي أشبه بقائمة مشتريات منفصلة عن بعضها. لتعرف على موقفنا راجع: مصباح كمال " النفط والدولة والسياسة الاقتصادية في العراق" الثقافة الجديدة، العدد 322-323، 2007. [2] منذر عباس الأسود "شركات التأمـين العراقية إلى أين؟" المقالة منشورة في المدونة: Iraq Insurance Review http://misbahkamal.blogspot.com/2008/06/blog-post_03.html [3] محمد علي زيني "النفط العراقي: أولويات مقلوبة ومستقبل قد يضيع" محاضرة ألقاها أمام جمعية الأكاديميين العراقيين في لندن في 12 نيسان 2008. ونشر نص المحاضرة في جريدة الزمان http://216.239.59.104/search?q=cache:UOGKCl1ENRwJ:www.azzaman.com/index.asp%3Ffname%3D2008%255C05%255C05-07%255C817.htm%26storytitle%3D+%D9%85%D8%AD%D9%85%D8%AF+%D8%B9%D9%84%D9%8A+%D8%B2%D9%8A%D9%86%D9%8A+%D8%A7%D9%84%D8%B2%D9%85%D8%A7%D9%86&hl=en&ct=clnk&cd=1&gl=uk [4] أنظر على سبيل المثال: مصباح كمال "قانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005: مراجعة للخلفية وبعض الآثار الاقتصادية، الثقافة الجديدة، العدد 319، 2006 http://www.althakafaaljadeda.com/index319.htm

ليست هناك تعليقات: