أخبار العراق التأمينية في الصحافة
مصباح كمال
[1]
نشرنا في هذه المدونة تعليقاً قصيراً في 5 آذار 2008 بعنوان: "ملاحظة نقدية على خبر توقيع مذكرة تفاهم في مجال التأمين بين العراق وإيران" نقتبس منه الفقرة التالية لعلاقتها بموضوعنا الحالي "أخبار التأمين في الصحافة":
"قلما تنشر الصحافة العراقية أخباراً وتعليقات عن النشاط التأميني في العراق. وقد يعود سبب ذلك إلى عدم اهتمام قراء الصحف بهذا النشاط أو عدم اهتمام المحررين بالموضوع. ونضيف إلى ذلك ضعف، أو قل انعدام المبادرة، لدى شركات التأمين ذاتها في ترويج دورها وإصدارها لمواد صحفية للنشر وهو أمر مألوف في العلاقات العامة. هذه الحالة ليست مقتصرة على العراق إذ أن صحافة العديد من الدول العربية أيضاً لا تبالي كثيراً بقطاع التأمين. ولعل هذا الوضع يفصح عن الدور الثانوي والضعيف الذي يحتله التأمين في مجمل النشاط الاقتصادي لهذه البلاد. وإن نهضت الفرصة لتوريد خبر أو نشر تعليق فإنه يكتب بلغة ضعيفة وعدم اهتمام بصحة المعلومات والصياغة اللغوية." http://misbahkamal.blogspot.com/2008_03_01_archive.html
لا ندعي معرفة جيدة باللغة العربية للتعليق على سلامة الصياغة اللغوية في ما ينشر من أخبار وتعليقات وتحقيقات وما يسمى تجاوزاً حوارات وغيرها عن النشاط التأميني لكننا نزعم بأننا نعرف بعض جوانب هذا النشاط عن كثب، وهو ما يدعونا إلى تقديم أمثلة، من مصادر مختلفة، عن الكتابة الصحفية الضعيفة المهلهلة، والمضللة للمواطن أحياناً، والمستهينة بحصافة القارئ. وهدفنا من ذلك هو التنبيه على أهمية الصياغة الدقيقة للأخبار وتقديم المعلومات الصحيحة لردم الفجوة المعرفية بالتأمين لدى المواطنات والمواطنين.
[2]
لنبدأ بقراءة الخبر التالي بقلم روبرت نورث تحت عنوان "ازدهار التأمين ضد الإرهاب في العراق" وعنوان ثانوي "شركة تأمين مملوكة للدولة: أبوابنا مفتوحة حتى للمقاتلين." (جريدة الشرق الأوسط، 22 آذار 2006) http://www.aawsat.com/details.asp?section=1&article=354345&issueno=9976
نلاحظ أولاً أن الخبر مترجم من اللغة الإنجليزية وهذا ربما يفسر ضعف التعبير في الفقرة التالية حيث يظهر اسم شركة التأمين العراقية وكأنها إحدى شركات التأمين الخاصة وهي ليست كذلك إذ أنها شركة عامة كانت متخصصة في تأمينات الحياة حتى أواخر ثمانينات القرن الماضي وعندها بدأت الاكتتاب في فروع التأمين الأخرى. ونلاحظ الإثارة الصحفية في العنوان: "أبوابنا مفتوحة للمقاتلين."
"انتعشت نشاطات شركات التأمين في العراق منذ سقوط نظام صدام حسين، رغم حالة الكساد التي يعاني منها الاقتصاد. لكن ذلك يعود جزئياً إلى «التأمين على الإرهاب»، الذي استحدث بسبب أعمال العنف. ففي عام 2004 أنشئت ست شركات تأمين خاصة، أصبحت تتنافس مع الشركات المملوكة للدولة وأبرزها «شركة التأمين العراقية»."
ثم يأتي الخبر على أن "فكرة توفير التأمين للناس العاديين في العراق" تعود "إلى مدير «شركة التأمين العراقية» عباس شهيد الطائي الذي يعتبر الأمر «نوعا من الهدية للشعب العراقي»، إذ «وسعنا مبادئ التأمين على الحياة لتغطية كل شيء يحدث في العراق». ... ويشير إلى أن البوليصة التي تغطي الإرهاب لا تميز بين من يطلق النار أو يفجر القنابل. وهو على استعداد لتوفير التأمين حتى للمقاتل رغم أنه لم يقم بذلك حتى الآن، على حد علمه. ويبرر ذلك بكونها [من هي. أهو المقصود التأمين؟] «سوقا، لا تعرف الفرق (بين الزبائن). نحن نقيّم جيوب الناس قبل كل شيء»".
لا نعرف إن كان حصر امتلاك الفكرة لشركة التأمين العراقية صحيحاً ولعل زملاء المهنة في العراق يبادرون إلى الكتابة عن خلفية إطلاق تأمين خطر الإرهاب كملحق لوثيقة تأمين الحوادث الشخصية الجماعية.
والقول: "وسعنا مبادئ التأمين على الحياة لتغطية كل شيء يحدث في العراق" يقوم على مبالغة. كيف تم توسيع مبادئ التأمين على الحياة "لتغطية كل شئ يحدث في العراق." نقف مشدوهين أمام هذا الذي سماه المتحدث "كل شئ" فهو غير دقيق ولا يقدم معلومة صحيحة عن الحماية التي توفرها آلية التأمين للناس والأموال. أما اعتبار هذا التأمين "نوعاً من الهدية للشعب العراقي" ففيه مجانية غير مبررة. فالهدية تقوم على تقديم منفعة، مادية أو خدمية، دون استيفاء عوض، في حين أن عقد التأمين لا يستقيم دون وجود العوض (قسط التأمين من المؤمن عليه والوعد بالتعويض من شركة التأمين). كيف يتأتى للشركة تقديم هدية للشعب العراقي. إن هذه العبارة غير صحيحة إذ أن من يقرأها سيفهم منها أن الشعب العراقي قد أصبح موضوعاً لحماية تأمينية من خطر الإرهاب وأن الحماية هي هدية (ربما يتذكر القارئ هنا المكرمة والمكرمات التي كان يمنحها مهندس المقابر الجماعية، كما الحكومة الحالية أحياناً، بدلاً من تقديم حلول عقلانية لمشاكل اقتصادية عامة وخاصة يعاني الناس من وطأتها).
والآن أقرأ: "البوليصة التي تغطي الإرهاب لا تميز بين من يطلق النار أو يفجر القنابل. وهو على استعداد لتوفير التأمين حتى للمقاتل رغم أنه لم يقم بذلك حتى الآن، على حد علمه. ويبرر ذلك بكونها «سوقا، لا تعرف الفرق (بين الزبائن). نحن نقيّم جيوب الناس قبل كل شيء»"." ماذا يعني هذا الكلام؟ ربما يعني أن الإصابة البدنية التي تلحق بالمؤمن عليه بفعل عمل إرهابي (إطلاق النار أو تفجير قنبلة) يكون خاضعاً لغطاء التأمين. أما الاستعداد " لتوفير التأمين حتى للمقاتل" فهو يستحق الإدانة القوية على المستوى الأخلاقي. وهو مرفوض من موقع تأميني بحت إذ لا يكافأ المؤمن له على الفعل (والفعل هنا إجرامي: قتل الغير) المتعمد بقصد الاستفادة من غطاء التأمين، كما أن تأمين مثل هذا الفعل هو ضد السياسة والمصالح العامة. وتبرير تأمين المقاتل (وفي السياق يعني ذلك الإرهابي وليس الشرطي أو الجندي) باسم سيادة السوق وقوة المال (القدرة على شراء التأمين – وهو ما اسماه المتحدث بتقييم جيوب الناس) الذي لا يقيم وزناً للوازع الأخلاقي لا ينادي به حتى أعتى المدافعين عن مبدأ الربح الرأسمالي والاستفادة من الفرص بغض النظر عن نتائجها الاجتماعية والأخلاقية.
"ويشرح الطائي طريقة عمله في جلب الزبائن قائلاً: «عندما نتحدث معه [طالب التأمين] حول الموت أو الحوادث، يجب أن نشير إلى أنفسنا: قد أموت غدا، على سبيل المثال. وعندما نتحدث عن الدفع نقول إن الشركة تدفع لك» لا لأسرتك." يراد من الحديث "عن الدفع" دفع التعويض وكان من الأحرى التخصيص هنا لتقديم المعلومة الصحيحة والدقيقة للقراء. ويبدو أن هناك خطأ طباعي فالتعويض لا يدفع للمؤمن عليه (ففي السياق المذكور يكون المؤمن عليه ميتا) وإنما لأسرته (ورثته) في حين يوحي النص بغير ذلك.
[3]
عندما تختلط الترجمة السيئة مع نص فضفاض تضيع وتتشوه المعلومات. فتحت عنوان: "العراقيون يتسابقون فى شراء اقساط //التأمين ضد الهجمات الارهابية//" نقرأ في صحيفة الشعب اليومية اونلاين هذا الخبر: http://arabic.people.com.cn/31662/4238821.html
"بكين 27 مارس/ فى عام 2005، تخلص شاب عراقى يدعى سيد مرتين من الموت. وفى فبراير من هذا العام، انفق 90 دولارا امريكيا فى شراء قسط // التأمين ضد الهجمات الارهابية// من شركة التأمين الحكومية العراقية. اذا لقى مصرعه لسوء الحظ بسبب انفجار السيارة المفخخة والاغتيال والخ فستدفع شركة التأمين له 3500 دولار امريكى، وذلك يعادل رواتب شرطى عراقى لعام واحد. افادت الانباء الواردة من صحيفة نيويورك تايمز يوم 21 مارس ان شراء مثل قسط التأمين هذا اصبح فى العراق نوعا من الاتجاهات . ان شركة التأمين العراقية تبقى الان قيد المناقشة مع بعض الهيئات الحكومية والمؤسسات حول التأمين الجماعى للالاف من عامليها. قد يتعرض العراقيون فى كل وقت للهجمات عندما يمشون فى الشوارع، فلا تعلق الجماهير آمالها على الحكومة ومستخدميها فى حماية سلامة حياتها. ولكن الشاب سيد قال بعد شراء قسط التأمين: هل ثمنى 3500 دولار امريكى فقط؟ من الواضح ان هذا ليس اسلوبا لحل المسألة."
يتوقف المرء مشدوهاً أمام عبارة "شراء أقساط التأمين" فهي غير مفهومة للمواطن. وكذا الأمر بالنسبة لتسابق العراقيين لشراء الحماية التأمينية ضد خطر الإرهاب. تخيل مشهد التسابق نحو شركة التأمين العراقية، أو غيرها من شركات التأمين العامة والخاصة، وهي تستلم طلبات التأمين! كم يبدو غريباً هذا الوصف والعراقيون، كما يرد في الخبر، يتعرضون "للهجمات عندما يمشون في الشوارع." كيف يستقيم هذا الوصف مع حركة التسابق؟
هذا الخبر مثال جيد على غياب المعرفة الصحيحة بالموضوع المكتوب عنه، وسنأتي على مثال آخر مشابه له في الفقرة [5] من هذه المقالة.
[4]
ونقرأ العنوان التالي في جريدة طريق الشعب العدد 165 ليوم 22/4/2008 ننقله بأكمله: http://www.iraqcp.org/Articlesokicpnet/view.php?id=8359
"مدير عام شركة التأمين العراقية العامة خدماتنا تمتد لنصف قرن وشعارنا تدبير اليوم لضمان الغد عبد الرحمن الشافعي تم إيجاد غطاء تأميني للأمراض الخطرة"
في قراءة متفحصة للمقابلة لم نعثر على ذكر "إيجاد غطاء تأميني للأمراض الخطرة" فمن أين جاء معد المقابلة بهذا الموضوع؟ وحتى "وثيقة التأمين الصحي الجماعي وتغطي العمليات الجراحية والمستشفيات الأهلية داخل العراق وخارجه" التي وردت في قائمة الخدمات التأمينية التي تقدمها الشركة لا علاقة لها بموضوع تأمين الأمراض الخطرة.
ويرد في المقابلة أن شركة التأمين العراقية عمدت "إلى إيجاد أغطية جديدة للتأمين ومنها غطاء التأمين للحوادث الإرهابية والتي تغطي حوادث الوفاة بسبب السيارات المفخخة والقتل من جراء الحوادث المسلحة المجهولة. وقد تم بالفعل التأمين للموظفين العاملين في القطاعات الخطرة ومنها موظفي وزارة الكهرباء و (F.p.s) ووزارة المالية والموارد المائية وامانة بغداد."
ترى ما هي هذه الـ (F.p.s)؟ ربما يعرف المواطن العراقي في بغداد ما يعنيه هذا المختصر ولكن أليس من المناسب شرحه لمن لم يمر عليه؟
"* هل من كلمة أخيرة؟ - نود أن نتقدم بالشكر إلى وزارة المالية لدعمها اللامحدود لاعمال الشركة وتذليل العقبات التي تقف حائلاً دون تطويرها وختاماً أدعو كافة المواطنين للاستفادة من خدمات الشركة حيث إن التأمين هو تدبير اليوم لضمان الغد والمستقبل."
يا لبؤس هذا السؤال المبتذل والجواب الفضفاض عليه: الدعم اللامحدود وتذليل العقبات؟ دور وزارة المالية يحتاج إلى مراجعة خاصة معمقة، وقد أتينا في الماضي على ذكر بعض منه.
[5]
ونختم موضوع هذه المقالة باقتباس "متابعة" في جريدة العراق اليوم (السنة الخامسة العدد (607) الأحد 23/9/2007) بعنوان: "استحداث مكاتب للتأمين في المحافظات ودول العالم" http://www.iraqalyoum.net/archf/607/iraq/pag2.htm
"اعلنت شركة التأمين الوطنية العراقية خطة لاستحداث مكاتب للتأمين في بعض المحافظات وعدد من دول العالم. وقال مصدر في وزارة المالية في تصريح صحفي: ان هذه الخطة التي تهدف الى نشر وعي التأمين في عموم المحافظات ودول العالم تتضمن فتح فروع في جميع محافظات العراق ودول الجوار حيث تم شراء شركتين خاصتين بالتأمين في خارج العراق وهنالك ثلاث شركات حكومية عاملة في العراق حاليا وهي شركة التأمين الوطنية والتأمين العراقية واعادة التأمين وتعمل هذه الشركات في جميع المجالات ومنها التأمين الشخصي والتجاري والطيران والاقتصادي والسفن والالزامي والاشخاص والسيارات واستيراد البضائع والزراعي والحوادث المختلفة. وأضاف: هناك اتفاقيات جديدة ستعقد مع ألمانيا وسويسرا وفرنسا وبريطانيا وبعض دول الجوار لتوسيع نشاط الشركة وتوزيع الخطر على الشركات"مبينا: "ان الشركة ستطرح وثيقة السفر بحيث يستطيع المسافر أخذها من أي منفذ وفي جميع المحافظات. وكانت شركة التأمين الوطنية العراقية قد حددت في وقت سابق مبالغ التأمين على الحياة بالنسبة للموظفين حيث ارتفعت قيمة التأمين من مليونين إلى عشرة ملايين للموظف الواحد."
نقرأ هذه المتابعة البائسة وعجبنا يزداد: خطة شركة التأمين الوطنية لاستحداث مكاتب للتأمين في عدد من دول العالم. خطة لنشر وعي التأمين في دول العالم. فتح فروع في جميع دول الجوار. إتمام شراء شركتين خاصتين بالتأمين في خارج العراق. شركات التأمين العامة تعمل في جميع المجالات ومنها التأمين الاقتصادي. اتفاقيات جديدة ستعقد مع ألمانيا وسويسرا وفرنسا وبريطانيا وبعض دول الجوار لتوسيع نشاط الشركة وتوزيع الخطر على الشركات. أهذه معلومات أم تهويمات في عالم الخيال؟ هل قامت شركة التأمين الوطنية بوضع الأمور في نصابها الصحيح إن كانت إدارتها على علم بهذه المتابعة؟ شركة التأمين الوطنية لم تستطع لحد الآن فتح فروعها في إقليم كوردستان العراق وها هي تقتحم دول الجوار ودول العالم تشتري الشركات وتستحدث المكاتب وتقوم بمهمة نشر الوعي التأميني في العالم. ثم نتعرف على غطاء تأميني لم نسمع به وهو "التأمين الاقتصادي." يا لها من خطط جبارة ويا لها من متابعة لنشاطات لم يعلمنا بها هذا النص أصلاً.
[6]
الدرس المهم الذي نريده من هذا العرض هو ضرورة الدقة في تقديم المعلومات كي لا نوصل ما هو غير صحيح ومبالغ فيه إلى القارئ العادي ونتجنب تشويه الحقائق، ونأخذ بنظر الاعتبار ذكاء أولئك القراء المتابعين للشأن التأميني ونتذكر دائماً أن هناك خبراء في الموضوع الذي نتعامل معه. والمهم أيضاً قيام إدارات شركات التأمين العراقية بمتابعة ما ينشر عن نشاطها وتصحيح الأخطاء فيها أو توضيح ما يستغلق منها على الفهم لدى القراء. هذه فرص، على قلتها، يمكن أن تكون نوافذ للوصول إلى القراء وتأسيس علاقة معهم بعيداً عن التهويل والتبجيل وإيصال المعلومات الصحيحة والإبقاء على ثقة الناس بالتأمين.
مصباح كمال 13 تموز 2008
مصباح كمال
[1]
نشرنا في هذه المدونة تعليقاً قصيراً في 5 آذار 2008 بعنوان: "ملاحظة نقدية على خبر توقيع مذكرة تفاهم في مجال التأمين بين العراق وإيران" نقتبس منه الفقرة التالية لعلاقتها بموضوعنا الحالي "أخبار التأمين في الصحافة":
"قلما تنشر الصحافة العراقية أخباراً وتعليقات عن النشاط التأميني في العراق. وقد يعود سبب ذلك إلى عدم اهتمام قراء الصحف بهذا النشاط أو عدم اهتمام المحررين بالموضوع. ونضيف إلى ذلك ضعف، أو قل انعدام المبادرة، لدى شركات التأمين ذاتها في ترويج دورها وإصدارها لمواد صحفية للنشر وهو أمر مألوف في العلاقات العامة. هذه الحالة ليست مقتصرة على العراق إذ أن صحافة العديد من الدول العربية أيضاً لا تبالي كثيراً بقطاع التأمين. ولعل هذا الوضع يفصح عن الدور الثانوي والضعيف الذي يحتله التأمين في مجمل النشاط الاقتصادي لهذه البلاد. وإن نهضت الفرصة لتوريد خبر أو نشر تعليق فإنه يكتب بلغة ضعيفة وعدم اهتمام بصحة المعلومات والصياغة اللغوية." http://misbahkamal.blogspot.com/2008_03_01_archive.html
لا ندعي معرفة جيدة باللغة العربية للتعليق على سلامة الصياغة اللغوية في ما ينشر من أخبار وتعليقات وتحقيقات وما يسمى تجاوزاً حوارات وغيرها عن النشاط التأميني لكننا نزعم بأننا نعرف بعض جوانب هذا النشاط عن كثب، وهو ما يدعونا إلى تقديم أمثلة، من مصادر مختلفة، عن الكتابة الصحفية الضعيفة المهلهلة، والمضللة للمواطن أحياناً، والمستهينة بحصافة القارئ. وهدفنا من ذلك هو التنبيه على أهمية الصياغة الدقيقة للأخبار وتقديم المعلومات الصحيحة لردم الفجوة المعرفية بالتأمين لدى المواطنات والمواطنين.
[2]
لنبدأ بقراءة الخبر التالي بقلم روبرت نورث تحت عنوان "ازدهار التأمين ضد الإرهاب في العراق" وعنوان ثانوي "شركة تأمين مملوكة للدولة: أبوابنا مفتوحة حتى للمقاتلين." (جريدة الشرق الأوسط، 22 آذار 2006) http://www.aawsat.com/details.asp?section=1&article=354345&issueno=9976
نلاحظ أولاً أن الخبر مترجم من اللغة الإنجليزية وهذا ربما يفسر ضعف التعبير في الفقرة التالية حيث يظهر اسم شركة التأمين العراقية وكأنها إحدى شركات التأمين الخاصة وهي ليست كذلك إذ أنها شركة عامة كانت متخصصة في تأمينات الحياة حتى أواخر ثمانينات القرن الماضي وعندها بدأت الاكتتاب في فروع التأمين الأخرى. ونلاحظ الإثارة الصحفية في العنوان: "أبوابنا مفتوحة للمقاتلين."
"انتعشت نشاطات شركات التأمين في العراق منذ سقوط نظام صدام حسين، رغم حالة الكساد التي يعاني منها الاقتصاد. لكن ذلك يعود جزئياً إلى «التأمين على الإرهاب»، الذي استحدث بسبب أعمال العنف. ففي عام 2004 أنشئت ست شركات تأمين خاصة، أصبحت تتنافس مع الشركات المملوكة للدولة وأبرزها «شركة التأمين العراقية»."
ثم يأتي الخبر على أن "فكرة توفير التأمين للناس العاديين في العراق" تعود "إلى مدير «شركة التأمين العراقية» عباس شهيد الطائي الذي يعتبر الأمر «نوعا من الهدية للشعب العراقي»، إذ «وسعنا مبادئ التأمين على الحياة لتغطية كل شيء يحدث في العراق». ... ويشير إلى أن البوليصة التي تغطي الإرهاب لا تميز بين من يطلق النار أو يفجر القنابل. وهو على استعداد لتوفير التأمين حتى للمقاتل رغم أنه لم يقم بذلك حتى الآن، على حد علمه. ويبرر ذلك بكونها [من هي. أهو المقصود التأمين؟] «سوقا، لا تعرف الفرق (بين الزبائن). نحن نقيّم جيوب الناس قبل كل شيء»".
لا نعرف إن كان حصر امتلاك الفكرة لشركة التأمين العراقية صحيحاً ولعل زملاء المهنة في العراق يبادرون إلى الكتابة عن خلفية إطلاق تأمين خطر الإرهاب كملحق لوثيقة تأمين الحوادث الشخصية الجماعية.
والقول: "وسعنا مبادئ التأمين على الحياة لتغطية كل شيء يحدث في العراق" يقوم على مبالغة. كيف تم توسيع مبادئ التأمين على الحياة "لتغطية كل شئ يحدث في العراق." نقف مشدوهين أمام هذا الذي سماه المتحدث "كل شئ" فهو غير دقيق ولا يقدم معلومة صحيحة عن الحماية التي توفرها آلية التأمين للناس والأموال. أما اعتبار هذا التأمين "نوعاً من الهدية للشعب العراقي" ففيه مجانية غير مبررة. فالهدية تقوم على تقديم منفعة، مادية أو خدمية، دون استيفاء عوض، في حين أن عقد التأمين لا يستقيم دون وجود العوض (قسط التأمين من المؤمن عليه والوعد بالتعويض من شركة التأمين). كيف يتأتى للشركة تقديم هدية للشعب العراقي. إن هذه العبارة غير صحيحة إذ أن من يقرأها سيفهم منها أن الشعب العراقي قد أصبح موضوعاً لحماية تأمينية من خطر الإرهاب وأن الحماية هي هدية (ربما يتذكر القارئ هنا المكرمة والمكرمات التي كان يمنحها مهندس المقابر الجماعية، كما الحكومة الحالية أحياناً، بدلاً من تقديم حلول عقلانية لمشاكل اقتصادية عامة وخاصة يعاني الناس من وطأتها).
والآن أقرأ: "البوليصة التي تغطي الإرهاب لا تميز بين من يطلق النار أو يفجر القنابل. وهو على استعداد لتوفير التأمين حتى للمقاتل رغم أنه لم يقم بذلك حتى الآن، على حد علمه. ويبرر ذلك بكونها «سوقا، لا تعرف الفرق (بين الزبائن). نحن نقيّم جيوب الناس قبل كل شيء»"." ماذا يعني هذا الكلام؟ ربما يعني أن الإصابة البدنية التي تلحق بالمؤمن عليه بفعل عمل إرهابي (إطلاق النار أو تفجير قنبلة) يكون خاضعاً لغطاء التأمين. أما الاستعداد " لتوفير التأمين حتى للمقاتل" فهو يستحق الإدانة القوية على المستوى الأخلاقي. وهو مرفوض من موقع تأميني بحت إذ لا يكافأ المؤمن له على الفعل (والفعل هنا إجرامي: قتل الغير) المتعمد بقصد الاستفادة من غطاء التأمين، كما أن تأمين مثل هذا الفعل هو ضد السياسة والمصالح العامة. وتبرير تأمين المقاتل (وفي السياق يعني ذلك الإرهابي وليس الشرطي أو الجندي) باسم سيادة السوق وقوة المال (القدرة على شراء التأمين – وهو ما اسماه المتحدث بتقييم جيوب الناس) الذي لا يقيم وزناً للوازع الأخلاقي لا ينادي به حتى أعتى المدافعين عن مبدأ الربح الرأسمالي والاستفادة من الفرص بغض النظر عن نتائجها الاجتماعية والأخلاقية.
"ويشرح الطائي طريقة عمله في جلب الزبائن قائلاً: «عندما نتحدث معه [طالب التأمين] حول الموت أو الحوادث، يجب أن نشير إلى أنفسنا: قد أموت غدا، على سبيل المثال. وعندما نتحدث عن الدفع نقول إن الشركة تدفع لك» لا لأسرتك." يراد من الحديث "عن الدفع" دفع التعويض وكان من الأحرى التخصيص هنا لتقديم المعلومة الصحيحة والدقيقة للقراء. ويبدو أن هناك خطأ طباعي فالتعويض لا يدفع للمؤمن عليه (ففي السياق المذكور يكون المؤمن عليه ميتا) وإنما لأسرته (ورثته) في حين يوحي النص بغير ذلك.
[3]
عندما تختلط الترجمة السيئة مع نص فضفاض تضيع وتتشوه المعلومات. فتحت عنوان: "العراقيون يتسابقون فى شراء اقساط //التأمين ضد الهجمات الارهابية//" نقرأ في صحيفة الشعب اليومية اونلاين هذا الخبر: http://arabic.people.com.cn/31662/4238821.html
"بكين 27 مارس/ فى عام 2005، تخلص شاب عراقى يدعى سيد مرتين من الموت. وفى فبراير من هذا العام، انفق 90 دولارا امريكيا فى شراء قسط // التأمين ضد الهجمات الارهابية// من شركة التأمين الحكومية العراقية. اذا لقى مصرعه لسوء الحظ بسبب انفجار السيارة المفخخة والاغتيال والخ فستدفع شركة التأمين له 3500 دولار امريكى، وذلك يعادل رواتب شرطى عراقى لعام واحد. افادت الانباء الواردة من صحيفة نيويورك تايمز يوم 21 مارس ان شراء مثل قسط التأمين هذا اصبح فى العراق نوعا من الاتجاهات . ان شركة التأمين العراقية تبقى الان قيد المناقشة مع بعض الهيئات الحكومية والمؤسسات حول التأمين الجماعى للالاف من عامليها. قد يتعرض العراقيون فى كل وقت للهجمات عندما يمشون فى الشوارع، فلا تعلق الجماهير آمالها على الحكومة ومستخدميها فى حماية سلامة حياتها. ولكن الشاب سيد قال بعد شراء قسط التأمين: هل ثمنى 3500 دولار امريكى فقط؟ من الواضح ان هذا ليس اسلوبا لحل المسألة."
يتوقف المرء مشدوهاً أمام عبارة "شراء أقساط التأمين" فهي غير مفهومة للمواطن. وكذا الأمر بالنسبة لتسابق العراقيين لشراء الحماية التأمينية ضد خطر الإرهاب. تخيل مشهد التسابق نحو شركة التأمين العراقية، أو غيرها من شركات التأمين العامة والخاصة، وهي تستلم طلبات التأمين! كم يبدو غريباً هذا الوصف والعراقيون، كما يرد في الخبر، يتعرضون "للهجمات عندما يمشون في الشوارع." كيف يستقيم هذا الوصف مع حركة التسابق؟
هذا الخبر مثال جيد على غياب المعرفة الصحيحة بالموضوع المكتوب عنه، وسنأتي على مثال آخر مشابه له في الفقرة [5] من هذه المقالة.
[4]
ونقرأ العنوان التالي في جريدة طريق الشعب العدد 165 ليوم 22/4/2008 ننقله بأكمله: http://www.iraqcp.org/Articlesokicpnet/view.php?id=8359
"مدير عام شركة التأمين العراقية العامة خدماتنا تمتد لنصف قرن وشعارنا تدبير اليوم لضمان الغد عبد الرحمن الشافعي تم إيجاد غطاء تأميني للأمراض الخطرة"
في قراءة متفحصة للمقابلة لم نعثر على ذكر "إيجاد غطاء تأميني للأمراض الخطرة" فمن أين جاء معد المقابلة بهذا الموضوع؟ وحتى "وثيقة التأمين الصحي الجماعي وتغطي العمليات الجراحية والمستشفيات الأهلية داخل العراق وخارجه" التي وردت في قائمة الخدمات التأمينية التي تقدمها الشركة لا علاقة لها بموضوع تأمين الأمراض الخطرة.
ويرد في المقابلة أن شركة التأمين العراقية عمدت "إلى إيجاد أغطية جديدة للتأمين ومنها غطاء التأمين للحوادث الإرهابية والتي تغطي حوادث الوفاة بسبب السيارات المفخخة والقتل من جراء الحوادث المسلحة المجهولة. وقد تم بالفعل التأمين للموظفين العاملين في القطاعات الخطرة ومنها موظفي وزارة الكهرباء و (F.p.s) ووزارة المالية والموارد المائية وامانة بغداد."
ترى ما هي هذه الـ (F.p.s)؟ ربما يعرف المواطن العراقي في بغداد ما يعنيه هذا المختصر ولكن أليس من المناسب شرحه لمن لم يمر عليه؟
"* هل من كلمة أخيرة؟ - نود أن نتقدم بالشكر إلى وزارة المالية لدعمها اللامحدود لاعمال الشركة وتذليل العقبات التي تقف حائلاً دون تطويرها وختاماً أدعو كافة المواطنين للاستفادة من خدمات الشركة حيث إن التأمين هو تدبير اليوم لضمان الغد والمستقبل."
يا لبؤس هذا السؤال المبتذل والجواب الفضفاض عليه: الدعم اللامحدود وتذليل العقبات؟ دور وزارة المالية يحتاج إلى مراجعة خاصة معمقة، وقد أتينا في الماضي على ذكر بعض منه.
[5]
ونختم موضوع هذه المقالة باقتباس "متابعة" في جريدة العراق اليوم (السنة الخامسة العدد (607) الأحد 23/9/2007) بعنوان: "استحداث مكاتب للتأمين في المحافظات ودول العالم" http://www.iraqalyoum.net/archf/607/iraq/pag2.htm
"اعلنت شركة التأمين الوطنية العراقية خطة لاستحداث مكاتب للتأمين في بعض المحافظات وعدد من دول العالم. وقال مصدر في وزارة المالية في تصريح صحفي: ان هذه الخطة التي تهدف الى نشر وعي التأمين في عموم المحافظات ودول العالم تتضمن فتح فروع في جميع محافظات العراق ودول الجوار حيث تم شراء شركتين خاصتين بالتأمين في خارج العراق وهنالك ثلاث شركات حكومية عاملة في العراق حاليا وهي شركة التأمين الوطنية والتأمين العراقية واعادة التأمين وتعمل هذه الشركات في جميع المجالات ومنها التأمين الشخصي والتجاري والطيران والاقتصادي والسفن والالزامي والاشخاص والسيارات واستيراد البضائع والزراعي والحوادث المختلفة. وأضاف: هناك اتفاقيات جديدة ستعقد مع ألمانيا وسويسرا وفرنسا وبريطانيا وبعض دول الجوار لتوسيع نشاط الشركة وتوزيع الخطر على الشركات"مبينا: "ان الشركة ستطرح وثيقة السفر بحيث يستطيع المسافر أخذها من أي منفذ وفي جميع المحافظات. وكانت شركة التأمين الوطنية العراقية قد حددت في وقت سابق مبالغ التأمين على الحياة بالنسبة للموظفين حيث ارتفعت قيمة التأمين من مليونين إلى عشرة ملايين للموظف الواحد."
نقرأ هذه المتابعة البائسة وعجبنا يزداد: خطة شركة التأمين الوطنية لاستحداث مكاتب للتأمين في عدد من دول العالم. خطة لنشر وعي التأمين في دول العالم. فتح فروع في جميع دول الجوار. إتمام شراء شركتين خاصتين بالتأمين في خارج العراق. شركات التأمين العامة تعمل في جميع المجالات ومنها التأمين الاقتصادي. اتفاقيات جديدة ستعقد مع ألمانيا وسويسرا وفرنسا وبريطانيا وبعض دول الجوار لتوسيع نشاط الشركة وتوزيع الخطر على الشركات. أهذه معلومات أم تهويمات في عالم الخيال؟ هل قامت شركة التأمين الوطنية بوضع الأمور في نصابها الصحيح إن كانت إدارتها على علم بهذه المتابعة؟ شركة التأمين الوطنية لم تستطع لحد الآن فتح فروعها في إقليم كوردستان العراق وها هي تقتحم دول الجوار ودول العالم تشتري الشركات وتستحدث المكاتب وتقوم بمهمة نشر الوعي التأميني في العالم. ثم نتعرف على غطاء تأميني لم نسمع به وهو "التأمين الاقتصادي." يا لها من خطط جبارة ويا لها من متابعة لنشاطات لم يعلمنا بها هذا النص أصلاً.
[6]
الدرس المهم الذي نريده من هذا العرض هو ضرورة الدقة في تقديم المعلومات كي لا نوصل ما هو غير صحيح ومبالغ فيه إلى القارئ العادي ونتجنب تشويه الحقائق، ونأخذ بنظر الاعتبار ذكاء أولئك القراء المتابعين للشأن التأميني ونتذكر دائماً أن هناك خبراء في الموضوع الذي نتعامل معه. والمهم أيضاً قيام إدارات شركات التأمين العراقية بمتابعة ما ينشر عن نشاطها وتصحيح الأخطاء فيها أو توضيح ما يستغلق منها على الفهم لدى القراء. هذه فرص، على قلتها، يمكن أن تكون نوافذ للوصول إلى القراء وتأسيس علاقة معهم بعيداً عن التهويل والتبجيل وإيصال المعلومات الصحيحة والإبقاء على ثقة الناس بالتأمين.
مصباح كمال 13 تموز 2008