إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

2009/05/21

تفعيل دور شركات التأمين في تعزيز موارد الدولة: مناقشة دعوة وزير المالية مصباح كمال دعوة الوزير جاء في خبر، في بضعة فقرات، تحت عنوان "إعداد دراسة لزيادة رواتب المتقاعدين" نشرت في صحيفة الصباح البغدادية يوم 6 أيار 2009 أن وزير المالية وجه دعوة، خلال اجتماع عقده مع عدد من المسؤولين والمدراء العامين في الوزارة، لإعداد دراسة موسعة لزيادة رواتب المتقاعدين خلال أسبوعين، ودعا إلى تفعيل دور شركات التأمين في تعزيز موارد الدولة. وما يهمنا في هذا الخبر هو دعوة السيد الوزير لتفعيل دور شركات التأمين في تعزيز موارد الدولة. دعوة حسنة تستحق الاهتمام ولكن ما هي وسائل تفعيل دور الشركات في تعزيز موارد الدولة؟ لا ندري إن قامت وزارة المالية بتكليف أحد موظفيها، أو مجموعة منهم من المعنيين بالنشاط التأميني بالبحث في هذه الوسائل أم أن دعوة الوزير ستبقى تراوح في مكانها كشعار ينتظر التحقيق في المستقبل. نفترض أن دعوة الوزير تشمل شركات التأمين العامة والخاصة، وللوزارة اليد الطولى في تسيير شركات التأمين العامة لكننا لا نعرف إن كانت الوزارة والمؤسسات التابعة لها تهتم فعلاً بشركات التأمين الخاصة. وقد نما إلى علمنا أنها لا تكلف نفسها مجاملة الرد على الخطابات الموجه لها من شركات التأمين الخاصة. ونلاحظ أن الوزير تحدث عن إيرادات الدولة وليس دور صناديق التأمين في التنمية الاقتصادية، أي إنه تحدث عن حاجة آنية تنحصر فيما نرى بسد العجز في ميزانية الدولة. خلفية دعوة الوزير تكمن خلفية الدعوة في طبيعة الاقتصاد العراقي الريعي (وتأثره بالتقلبات في أسعار النفوط وفي أسعار الصرف) وغياب السياسات الاقتصادية الواضحة وعدم كفاءة الأجهزة القائمة والمديرين لها من أهل المحاصصة على أنواعها. لكن المحفز الأساسي لهذه الدعوة هو العجز في ميزانية 2009.[1] وبهذا الصدد نقتبس مطولاً من دراسة نشرها د. شاكر لطيف بين فيه: "ضعف قدرة السلطة الاقتصادية والمالية للدولة على تحديد ومعرفة العوامل المحددة والمؤثرة على حجم الإيرادات العامة ومصادرها وبالتالي حجم وتوزيع الإنفاق العام" مضيفاً في شرحه لهذه الظاهرة "كثرة اللجوء إلى الموازنات التكميلية. إن اللجوء إلى الموازنة التكميلية كما حصل في الأعوام السابقة وفي عام 2008 بسبب حصول الدولة على موارد إضافية نتيجة ارتفاع أسعار البترول وإنفاق أكثر من 70% منها على الإنفاق التشغيلي الاستهلاكي غير المنتج يعبر عن ضعف القدرة على استيعاب مبادئ السياسة المالية وآثارها الاقتصادية والاجتماعية وانعكاسات هذه السياسة على المؤشرات الاقتصادية الكلية وخاصة في ظروف انهيار القطاعات المنتجة للاقتصاد الوطني." "إن الاعتماد على مصادر غير دائمية لتمويل جزء من الإنفاق العام (قدر حجم العجز في الموازنة لسنة 2009 بـ 18 ترليون دينار أي ما يساوي 23% من حجم الإنفاق العام( والتي تتمثل بالمبالغ المدورة للسنة أو للسنوات المنصرمة في تغطية عجز الموازنة الاتحادية نتيجة لضعف القدرة التنفيذية للإنفاق العام وخاصة الإنفاق الاستثماري أو الاعتماد على ما متوفر في صندوق التنمية من موارد يخضع استخدامها إلى قرارات والتزامات دولية أو محاولة إلزام البنك المركزي على التنازل عن جزء من الاحتياطي الاستراتيجي، يعبر عن عدم قدرة السياسة المالية المتبعة وعجزها عن إيجاد وتطوير مصادر التمويل الدائمية والتغير النوعي في تركيبة الإيرادات حيث لا تزال الإيرادات البترولية تشكل حوالي 95% من مجموع موارد الموازنة الاتحادية. ورغم مرور ست سنوات على تغير النظام لم تتمكن السلطة المالية من وضع وتنفيذ سياسة ضريبية تحقق إيرادا متناميا للموازنة وتلبي، بنفس الوقت، متطلبات التنمية في مختلف قطاعات الاقتصاد الوطني. وبمعنى أدق، لم تتمكن هذه السياسة من إعادة الاعتبار للسياسة الضريبية في تنفيذ وظائفها الاقتصادية والاجتماعية والمالية ودور هذه السياسة في إعادة توزيع الناتج الإجمالي والدخل الصافي وتغير التركيب القطاعي لهما."[2] [التأكيد من عندنا] أترى أن دعوة الوزير تؤشر على فهم أفضل للسياسة المالية بضمنها السياسة الضريبية؟ سيظل السؤال قائماً لحين بروز استراتيجيه اقتصادية اتحادية واضحة المعالم لمسار الاقتصاد العراقي والتحول المرتجى له أدوات تفعيل دور شركات التأمين في تعزيز موارد الدولة إحدى وسائل التفعيل هو ضبط جباية الرسوم والضرائب من شركات التأمين إن كان هناك ما يشوبها من نقص أو انحراف أو إهمال. وقد يتطلب ذلك تجديد معلومات ومهارات أجهزة وزارة المالية القائمة على إدارة هذه الوظيفة. رسم الطابع تساهم شركات التأمين في الوقت الحاضر في رفد موارد الدولة من خلال رسم الطابع، وهو بنسبة%3.1 يستوفى على أقسط التأمين بموجب قانون رسم الطابع رقم 16 لسنة 1974 الذي نعتقد أنه ما زال نافذاً. وليس هناك ضريبة على أقساط التأمين والتي يتحملها المؤمن لهم كما هو الحال في العديد من أسواق التأمين في العالم. ومن المعروف أن الضريبة على أقساط التأمين قد تؤدي إلى عزوف الناس عن شراء التأمين ولهذا فإن الحكومات تعفي وثائق التأمين على الحياة من الضريبة لأن أقساط التأمين على الحياة وسائل ادخارية واستثمارية تساهم في التنمية الاقتصادية ومن هنا منشأ تشجيع الدولة لهذا النوع من التأمين. ضريبة شركات التأمين كما تساهم الشركات أيضاً من خلال تسديد الضريبة على إيراداتها. وهي حسب علمنا محددة بنسبة ثابتة قدرها 15% تجبى حسب قانون الضرائب رقم 113 لسنة 1982 على إيرادات شركات القطاع الخاص. (نتمنى على زملائنا من العارفين بالموضوع تصحيح هذه المعلومات والإضافة إليها). التغلغل التأميني يمكن تعزيز موارد الدولة أيضاً من خلال تعظيم التغلغل التأميني - نسبة دخل أقساط التأمين إلى الناتج المحلي الإجمالي – الذي يعني في محصلته زيادة إيرادات شركات التأمين وبالتالي توسيع حجم الرسوم والضرائب المستوفاة على أعمالها. هناك وسائل مختلفة لزيادة معدل التغلغل التأميني ومنها على سبيل المثال: جعل فروع معينة من التأمين إلزامياً كالتأمين الإلزامي على المسؤولية المدنية الناشئة عن حوادث السيارات. وهو قائم في الوقت الحاضر بفضل قانون التأمين الإلزامي من حوادث السيارات رقم 52 لسنة 1980 وتعديلاته. وحسب علمنا فإن هذا القانون ليس مطبقاً في إقليم كوردستان ونرجو من العارفين إلقاء الضوء على الموضوع لأنه يمس موضوع التفكك في السياسة الاقتصادية ودور المحاصصات ونظام جباية الضرائب في المنافذ الحدودية. التأمين الإلزامي الصحي وهو موضوع ذو بعد اجتماعي اقتصادي يمس مصالح شريحة واسعة من الناس ليس هذا بالمكان المناسب للحديث عنه يقوم على قناعات، قابلة للنقاش، بشأن قدرة الدولة العصرية من عدمها على تمويل الخدمات الصحية وغيرها من الخدمات العامة. إلزام المؤسسات البلدية والإدارات المحلية والوزارات لإجراء التأمين على الأصول التي تمتلكها أو الخاضعة لإدارتها والمسؤوليات القانونية والتعاقدية التي تنشأ عنها. التأمين الإلزامي في الوقت الحاضر ينحصر بضمان المسؤولية الشخصية للموظفين في هذه المؤسسات عن حوادث الاختلاس والأضرار الأخرى التي تلحق بأموالها من قبل الموظفين. وهناك تشريعات قائمة بهذا الشأن ترجع إلى ما قبل خمسينات القرن الماضي. جذب فئات جديدة للتأمين على الأخطار التي تتعرض لها ولا تؤمن عليها لأسباب دينية أو أخلاقية أو اقتصادية. وفي بالنا هنا نموذج التأمين التكافلي بشقيه الإسلامي والتجاري الذي يمكن أن يلبي طموح البعض من طالبي التأمين المحتملين. وكذلك، توسيع دائرة طالبي التأمين لتشمل الفئات الفقيرة من خلال ما صار يعرف بالـ micro-insurance وهو موضوع جديد برز مع التوجهات الليبرالية الجديدة في تقليص، أو إلغاء دور الدولة، في توفير أنماط من الحماية الاجتماعية والاقتصادية لذوي الدخول الواطئة جداً وفقراء الريف. وبالطبع كلما زادت معدلات النمو الاقتصادي زادت فرص التأمين على الوحدات الاقتصادية والتجارية الجديدة. وبالنسبة للعراق فإن توقعات النمو الاقتصادي هذه السنة والسنة القادمة تميل نحو الهبوط بسبب تدني الإيرادات النفطية وبطء الاستثمارات المحلية والأجنبية. تطور الثقافة الحقوقية تجاه مسؤولية الأفراد والمؤسسات عن أفعالها يؤدي إلى قيام الحاجة للحماية التأمينية من المسؤولية المدنية. وقد يتحقق هذا الوضع من خلال إطلاق حملة واسعة منظمة لخلق ثقافة تأمينية وضمن منظور عام لحقوق الإنسان. وتلعب السياسات الضريبية دوراً مهماً بالتأثير على الطلب الفعال على شراء الحماية التأمينية. ففي التأمين على الحياة يميل المؤمن لهم المهتمين ببرامج تأمينية تجمع بين التأمين التقليدي والاستثمار. الضرائب على هذه وغيرها من وثائق التأمين وكذلك على شركات التأمين قد تنفر مجموعات من الناس من شراء حماية تأمينية. كما أن شركات التأمين، كمؤسسات تجارية ربحية، تحول عبء ما يفرض على أموالها من ضرائب على عاتق المؤمن لهم من خلال زيادة في أسعار التأمين. وكل ذلك يؤثر على مدى التغلغل التأميني. إدخال برامج تأمينية جديدة كالتأمين على المدارس والجامعات والجوامع والكنائس ودور العبادة الأخرى، التأمين على قطاعات معينة كتلاميذ المدارس وأساتذة الجامعات وموظفيها .. الخ. لا يمكن تطبيق وسائل زيادة التغلغل التأميني بسرعة إذ أنها تتطلب البحث والوقت والتمويل والترويج وتغيير القناعات الموروثة والتحول من الاتكال، بأشكاله المختلفة، نحو الفردانية. كما أن بعض الوسائل ذو طابع إشكالي ينطوي على نتائج غير متوقعة ـ كما هو الحال بالنسبة للسياسة الضريبية. لكن العمل على تحقيقها، أو بعض منها، سيخدم قطاع التأمين العراقي مثلما يوفر مورداً ضريبياً موسعاً للدولة ويقع عبء تنمية وتطوير قطاع التأمين وإشاعة الحماية التأمينية في المجتمع على الكيانات التأمينية العاملة في العراق بما تقوم به وما تعرضه من اقتراحات على أجهزة الدولة المعنية بالقطاع. الحد من تسريب أقساط التأمين العراقية وتعديل الأمر رقم 10 هناك حاجة ملحة لوقف تسريب أقساط التأمين العراقية إلى الخارج أو الحد من تأثيرها على حجم أقساط التأمين التي لا تكتتب بها شركات التأمين العراقية في الوقت الحاضر بفضل الغطاء القانوني الذي يوفره الأمر رقم 10 (قانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005).[3] وقد ذكرنا في دراسة لنا أن شركات التأمين غير العراقية وغير المسجلة لدى وزارة التجارة وغير المجازة من قبل ديوان التأمين العراقي تقوم بالاكتتاب بالأعمال العراقية في أوطانها وبذلك تحرم شركات التأمين العراقية - المسجلة والمجازة من قبل الديوان وتدفع الضرائب والرسوم عن نشاطها - من حقها القانوني في الاكتتاب بأعمال التأمين. وقد نشأ هذا الوضع، الذي خسرت شركات التأمين العراقية بسببه ملايين الدولارات من الأقساط مثلما خسرت الخزينة إيرادات رسم الطابع على وثائق التأمين وكذلك إيرادات الضريبة على شركات الـتأمين، وكل ذلك لأن قانون تنظيم أعمال التأمين لا يضم مواد إضافية لضبط الاكتتاب وضمان الالتزام بما ورد فيه (المادتين 13 و 14 من القانون). كما أن القانون يؤكد على حرية شراء منتجات التأمين وخدماته من أي شركة للتأمين أو إعادة التأمين (المادة 81). مسألة إعادة النظر بهذا القانون منوط بجمعية شركات التأمين وإعادة التأمين في العراق بالتنسيق مع الأجهزة المعنية في وزارة المالية و كذلك البرلمان. إعادة النظر في قانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005 ستكون رافعة أساسية في تفعيل دور شركات التأمين في حماية الأصول العراقية، وفي زيادة حجم أقساط التأمين التي تكتتب بها، وبالتالي ترفع من الإيراد الضريبي على دخل هذه الشركات. تحريم التأمين خارج العراق، أي خارج القواعد الرقابية، وهو ما يعرف باللغة الإنجليزية prohibition of non-admitted insurance يجب أن يكون مثبتاً في القانون. والنص على التحريم موجود في قوانين التأمين في مختلف دول العالم بما فيها الولايات المتحدة الأمريكية التي قام مفوض التأمين في إحدى ولاياتها بتدبيج الأمر رقم 10 أيام بول بريمر. لماذا التركيز على شركات التأمين لتعزيز موارد الدولة حجم أقساط التأمين في الوقت الحاضر صغير ربما لا يتجاوز 30 مليون دولار (نرجو من القراء في قطاع التأمين تصحيح هذا الرقم أو تأكيده). ما هو حجم الإيراد الذي يمكن أن تستوفيه وزارة المالية من قطاع التأمين اعتماداً على هذا الرقم، أو من الرسوم المفروضة على وثائق التأمين؟ نعتقد بأن حجم الإيراد صغير، وسيظل صغيراً مع استمرار الأوضاع القائمة في قطاع التأمين، وهو لا يعادل نزيف الثروات العامة والهدر المستمر لموارد الدولة ومنها: رواتب عالية غير مستحقة، ومعاشات تقاعدية واهية في أسس اكتسابها كتلك التي تمنح للمستشارين (يقال أن لرئيس الوزراء 80 مستشار يتمتعون برواتب عالية تضاهي رواتب الوزراء وسيمنحون رواتب تقاعدية بعد مغادرة رئيس الوزراء لوظيفته)، إقامة في الخارج على حساب الدولة بعد إنجاز، أو عدم إنجاز، المهمات الرسمية، ومخصصات غير مبررة. يضاف إلى ذلك تهريب النفط العراقي والعقود المبالغ في قيمها في مجالات مختلفة أصبحت موضوعاً للتعليقات الصحفية. وكذلك مظاهر الفساد المالي والإداري الأخرى التي تستنفذ أمولاً كبيرة من خزينة الدولة ولا من رادع بفضل المحاصصات الطائفية والقومية والحزبية والتجاوزات على القانون كالشهادات المزورة ومحاباة الأقارب وما تعنيه من هدر للأموال العامة وحرمان المستحقين من حقوقهم. لم الاهتمام إذاّ بقطاع التأمين العراقي كمصدر لتعزيز موارد الدولة؟ أهو لذر الرماد في العيون وإخفاء النزيف المستمر لموارد الدولة أم هو حقاً جزء من سياسة جديدة تقوم على تعزيز مكانة الدولة ومؤسساتها؟ هذا موضوع نقاوم رغبة الكتابة فيه هنا ولكن لنقرأ ما يقوله الغير، فقد جاء في مقالة افتتاحية لنشرة التقدم: "إن نظام المحاصصة السياسية اثبت انه يتقاطع تماما مع بناء دولة حديثة قائمة على سيادة القانون وإحقاق العدالة. فما يقره القانون من ملاحقة قانونية للمفسدين يقوم النظام السياسي القائم على المحاصصة بإنقاذهم مجانا، أو بإصدار قانون يحتال على حيثيات قضاياهم ويصدر عفوا عن المتورطين به. مرة أخرى يظهر نظام المحاصصة عيوبه في حين أن مؤسسيه ومن يسبغ عليه الشرعية والديمومة ينددون جميعا بالفساد والمفسدين. إذا كان الفساد لا أخلاقيا فإن مبدأ المحاصصة اثبت انه مولد لا يهدأ للفساد. انه مبدأ لا أخلاقي كذلك. إن وجود إرادة سياسية حازمة لمكافحة الفساد يبدأ من الرجوع عن النظام الذي يولده ويجعل منه ممكنا في بناء الدولة."[4] أليس غريباً أن نكتشف فجأة شحة في الموارد المالية للدولة لنلجأ إلى شركات التأمين الضعيفة، والمضعفة بفعل القانون، لسد العجز؟ عندما كانت الموارد المالية وفيرة، ما الذي عملته وزارة المالية كمساهمة في تفعيل دور شركات التأمين؟ وسؤال آخر: هل كانت شركات التأمين في سبات وقد آن الأوان لتفعيل دورها؟ الوزير وأعوانه ومستشاريه هم كمن يحاول استعمال إصبع لوقف "فيضان" هدر المال العام في غياب إستراتيجية اقتصادية واضحة وحكومة تفتقد إلى ممارسة المسؤولية الجماعية. مصباح كمال 13 أيار 2009 [1] "In 2009, Iraq will be cushioned by surpluses from previous years. But by next year, there is a real danger that the government will be in a position "where they basically run out of money," said a senior U.S. official here, who spoke on condition of anonymity. Forced to curtail spending because of a budget deficit this year of at least $18 billion, Iraq has launched a major drive for foreign investment. But private investors have shown little inclination to commit resources to a country where bombings and shootings, though greatly reduced, are still a regular occurrence. "The No. 1 reason is security. And what happened in these past weeks didn't help," Finance Minister Bayan Jabr said in an interview, referring to a sharp increase in high-profile bombings in April.” Los Angeles Times, 11 May 2009: http://www.latimes.com/news/nationworld/world/la-fg-iraq-economy11-2009may11,0,6735436.story [2] د. شاكر لطيف، "دور السياسة المالية في تنفيذ أهداف الإستراتيجية الاقتصادية العليا للدولة"، صحيفة العدالة، 10 نيسان 2009. http://www.aladalanews.net/index.php?show=news&action=article&id=50382 نشرت الدراسة أيضاً في صحيفة الصباح البغدادية. [3] كتبنا مثلما كتب زملاء آخرين عن الجوانب السلبية في هذا القانون ونشرنا العديد من المقالات عنها في مدونة مجلة التأمين العراقي الإلكترونية، نرجو الرجوع إليها للتعرف على التفاصيل والبدائل المقترحة. http://misbahkamal.blogspot.com/ [4] التقدم، النشرة الأسبوعية لمعهد التقدم للسياسات الإنمائية، بغداد، العدد 69، 13 أيار 2009

2009/05/20

د. برهم صالح وإعادة رسملة وتحديث قطاع التأمين العراقي مصباح كمال [1] د. برهم صالح والحاجة لإعادة الرسملة والتحديث ألقى د. برهم صالح، نائب رئيس الوزراء، كلمة مسهبة باللغة الإنجليزية أمام مؤتمر "استثمر بالعراق: لندن، 30 نيسان 2009" عرض فيها إنجازات الحكومة العراقية خلال الفترة الماضية، وخصوصا في مجال تهيئة الظروف الأمنية والتشريعية والاستثمارية التي تهدف إلى جذب رجال الأعمال والمؤسسات الحكومية والخاصة للاستثمار في العراق. وضمن عرضه للفرص الاستثمارية المرتبطة بإعادة هيكلة القطاع المصرفي والحاجة لرفع مستواه وتوسيعه وتحديثه ذكر ما ترجمته أن "قطاع التأمين يحتاج إلى إعادة رسملة وتحديث": “The insurance sector needs to be recapitalized and modernized as well.” ما قاله د. برهم عن قطاع التأمين لا يتعدى الإشارة المقتضبة جداً إلى إعادة رسملة قطاع التأمين وتحديثه. ورغم اقتضابها إلا أنها تحمل رؤى لم يفصح عن تفاصيلها بعد رغم أننا سنحاول الاجتهاد بالتقرب منها ضمن المناخ الإيديولوجي السائد في العراق والقناعات المرسومة لتطوير الاقتصاد العراقي بالتناغم مع مصالح معينة تفصح عن نفسها من خلال الفساد الإداري والمالي المتغلغل في الحكومة والدولة والمجتمع والتماهي مع مناهج لا تقوم على تحليل المعطيات العراقية بقدر ما تحاول تطبيق الوصفات الجاهزة. [2] إعادة رسملة شركات التأمين يتحدث د. برهم صالح عن إعادة رسملة القطاع. نفهم من هذا أن إعادة الرسملة تشمل شركات التأمين العامة والخاصة كافة بما فيها شركة إعادة التأمين العراقية. وإذا كان هذا الفهم صحيحاً وجب تعديل القوانين الحالية المنظمة لرأسمال هذه الشركات. نعرض أدناه نصاً بشأن الحدود الدنيا الحالية لرأسمال شركات التأمين لتسهيل الرجوع إليها من قبل القارئ. وقد اقتبست المذكرة الإرشادية المقدمة في مؤتمر لندن عن قطاع الخدمات المالية تفاصيل المبلغ الأدنى للضمان [بموجي التعليمات الصادرة من ديوان التأمين العراقي] كما يلي: (000 000 500) خمسمائة مليون دينار للمؤمن المجاز لممارسـة أعمال التأمينات العامة. (000 000 750) سبعمائة وخمسون مليون دينـار للمؤمـن المجـاز لممارسة أعمال التأمين على الحيـاة. (000 000 1000) مليار دينار للمؤمن المجاز لممارسة أعمـال أعــادة التأمين حصراً. (000 000 (750 سبعمائة وخمسون مليون دينار للمؤمن المجـاز لممارسة أعمال التأمينات العامة والتأمين على الحياة الحجم القانوني للرأسمال المطلوب صغير جداً مقارنة بما هو موجود في أسواق تأمين أخرى، وهو لا يتناسب مع حجم الأخطار التي يمكن لشركات التأمين العراقية إجراء التأمين عليها لو كانت على غير هذا المستوى ولو كان قانون تنظيم أعمال التأمين يوفر لها فرصة الاكتتاب بهذه الأخطار. زيادة رأس مال شركة إعادة التأمين العراقية العامة والشركة العراقية للتأمين وحسب الأخبار المعلنة فإن شركة إعادة التأمين العراقية وشركة التأمين العراقية قد زادتا من حجم رأسمالهما. فقد قرر مجلس الوزراء زيادة رأس مال شركة إعادة التأمين العراقية العامة بمبلغ (1.150) مليار دينار (مليار ومئة وخمسون مليون دينار) ليصبح رأس مالها (2.400) مليار دينار (ملياران وأربعمئة وخمسون مليون دينار). كما قرر المجلس الموافقة على زيادة رأسمال شركة التأمين العراقية من (300) مليون دينار إلى مليار دينار بغية إمكانية دخولها للتنافس مع شركات التأمين العراقية والأجنبية. لا ننفي أهمية زيادة رأسمال شركات التأمين فهو في الوقت الحاضر يتميز بضآلته. وقد ذكرنا في تعليق سابق على خبر زيادة رأسمال شركة إعادة التأمين العراقية وشركة التأمين العراقية أهمية الزيادة لعلاقتها بالقدرة الاكتتابية للشركات، والتوسع في الاكتتاب بالأعمال، وتعزيز ثقة معيدي التأمين العالميين بالوضع المالي للشركات .. الخ، إضافة إلى الأهمية النظرية والعملية في مراجعة وتقييم الحدود الدنيا لهامش الملاءة المقرر قانوناً. ويبقى موضوع مدى ملائمة معايير الملاءة للعملية الاكتتابية أمراً اقتصادياً مرتبطاً بالقدرات المالية لشركات التأمين والمتطلبات القانونية لبناء سوق قوي وطني للتأمين قادر على المنافسة. تعامل شركات التأمين الخاصة مع إعادة الرسملة إعادة الرسملة، ونعتقد أنها تنصب على زيادة الحد الأدنى، سيشكل ثقلاً مالياً كبيراً على الشركات وخاصة شركات التأمين الخاصة إذا كانت حدود الضمان الجديدة، المتوقع ضمن رؤية د. برهم صالح إقرارها، خارج قدرات المساهمين في رأسمالها. يمكن لشركات التأمين الخاصة مقابلة متطلبات الضمانات العالية من خلال الاندماج فيما بينها، كما حصل في بعض أسواق التأمين العربية، ولتحقيق ذلك يجب إعطاء شركات التأمين الخاصة وقتاً كافياً للامتثال لهذه المتطلبات. وبالطبع، يجب أن يقترن هذا العمل بقناعة أصحاب الشركات الخاصة بأهمية الاندماج بدلاً من الاقتراض لتمويل الزيادة في رأس المال. ويعني ذلك الابتعاد عن النظرة العائلية الضيقة للعمل الاقتصادي لدى البعض، والمساهمة في تكوين شركات مساهمة كبيرة قادرة على الامتثال للمتطلبات القانونية وعلى التنافس مع غيرها على مستوى الندية. إعادة الرسملة: مطلب اقتصادي أم دعوى إيديولوجية؟ هل يعني مشروع إعادة الرسملة فتح المجال أمام شركات التأمين الأجنبية للاستحواذ على بعض شركات التأمين الخاصة، أو تجاهلها وتأسيس شركات جديدة؟ لا نستبعد ذلك إذ أن المذكرة الإرشادية المقدمة في مؤتمر لندن عن قطاع الخدمات المالية تضم ما يزيد عن نصف صفحة تحت عنوان فتح أبواب التأمين مع تفاصيل الحد الأدنى لرأس المال، وكأن القطاع كان مغلقاٌ محتكراُ من قبل شركة أو مجموعة من الشركات، وكأن قانون الاستثمار العراقي رقم 13 لسنة 2006 يحول دون تأسيس شركات أجنبية في العراق أو أن قانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005 يفتقر إلى البنود الخاصة بتنظيم عمل شركات التأمين الأجنبية في العراق. ليست هناك في الواقع موانع قانونية أو اقتصادية لدخول الشركات الأجنبية سوق التأمين العراقي. لذلك يثار السؤال عن وظيفة وهدف إعلان فتح سوق التأمين: أهو العماء الإيديولوجي أم هو سوء فهم اقتصاد التنافس واقتصاد الاحتكار؟ هناك حالياً أكثر من عشر شركات عاملة في السوق (ثلاثة منها فقط عامة إحداها متخصصة بأعمال إعادة التأمين)؛ أيدلّ هذا على أن سوق التأمين العراقي سوق احتكاري أو شبه احتكاري يجب فتحه أمام الشركات الأجنبية لإذكاء التنافس؟ أهي دعوة في الواقع للشركات الأجنبية لابتلاع السوق من خلال الاستحواذ على الشركات القائمة ذات الرأسمال الضعيف أو تأسيس شركات جديدة؟ أم هي تهافت بعض الرأسماليين الوطنيين تحقيق صفقة بيع حصة من أسهمهم؟ الأيام القادمة ستكشف الحقيقة ونأمل أن نكون على خطأ وأن يكون المستهدف قائماً على دوافع اقتصادية وطنية ضمن سياسات التنمية الاقتصادية للعراق. بعض منافع زيادة رأسمال شركات التأمين من المناسب التذكير بأن زيادة رأس المال خطوة مهمة في تعظيم القدرات الاكتتابية لشركات التأمين وضمان ملاءتها المالية. كما أنها وسيلة لتعزيز القناعات القائمة لمعيدي التأمين بتحسن الوضع المالي لشركات التأمين العراقية وبالتالي قيام فرصة تحسين شروط حماية إعادة التأمين الاتفاقي الدولي لهذه الشركات. وقد يمهد زيادة رأس المال السبيل أمام بعض الشركات للتعامل مع معيدي التأمين مباشرة لترتيب اتفاقيات إعادة التأمين، يعني هذا خروجهم من ترتيبات إعادة التأمين الاتفاقي المشتركة التي تنظمها حالياً شركة إعادة التأمين العراقية لصالح شركات التأمين كافة. وهو أمر يمكن التفكير به بعقلانية ضمن معطيات الواقع السائد في سوق التأمين العراقي ومتطلبات تطوير السوق الوطني. شركات التأمين كافة مدعوة لرصد التطورات والتأثير على مسار التطور بما لا يقوض مواقعها الحالية لكنها مطالبة في ذات الوقت بتحديث هياكلها وإدارة أعمالها وهو ما نتناوله أدناه. [3] تحديث قطاع التأمين على ماذا ينصب التحديث؟ التحديث كلمة تحمل مدلولات عديدة ترتبط بالتغيير، والإصلاح، والتحرك نحو الأحسن، وتجديد البالي القديم، وربما الحداثة عند بعض المسؤولين الحكوميين من غير أصحاب التفكير الديني. ربما يريد السياسي من مطلب التحديث تغيير ما هو قائم وهو هنا يرتبط مثلاً بإعادة الرسملة التي يدعو لها د. برهم صالح. ربما يريد منه إصلاح الهيكل التنظيمي لشركات التأمين العامة، أو لعله يريد إدخال التكنولوجيا الحديثة في عمل الشركات. لو أردنا الترفق في الحكم لقلنا إن المراد من التحديث هو اللحاق بركب شركات التأمين العالمية. لكن السؤال الكبير هنا هو كيف يتم هذا اللحاق؟ هناك مشروعان في رأينا. أحدهما يميل إلى التطوير الداخلي لما هو قائم في قطاع التأمين وهو ما لم يلق أي رعاية وتشجيع من الحكومات العراقية المشكلة بعد الغزو الأمريكي. والآخر يميل إلى استيراد التطوير من خلال إدخال شركات التأمين الأجنبية إلى سوق التأمين العراقي، وهو الذي يقوم على الوصفات الجاهزة المستوطنة في أفكار المسؤولين العراقيين: الخصخصة، والاستثمار الأجنبي المباشر (دون أن يحددوا لنا إن كان في صيغة تمويل، أي شراء حصص في شركات قائمة، أو بناء مصانع إنتاجية حديثة تستفيد من الموارد المحلية البشرية والمادية) وغيرها من المرتكزات السحرية لإحداث النقلة النوعية في الاقتصاد العراقي وتنميته. بعض ملامح التحديث التحديث عنوان كبير يضم عناوين فرعية عديدة، ليس بمستطاعنا الإلمام بتفاصيله أو تقديم صورة موسعة عنه. ويخطر ببالنا بعضاً من هذه الفروع نجملها فيما يلي بالعناوين التالية: الإطار القانوني، الإطار التنظيمي لشركات التأمين، سياسة الاستخدام، الاستقلال المالي لشركات التأمين العامة، المهارات اللغوية والتدريب المستمر، تكنولوجيا المعلومات، إدخال الأغطية التأمينية الجديدة، أسلوب التعامل مع جمهور المؤمن لهم، تأسيس دائرة مظالم للمؤمن لهم، إصدار مدونة لقواعد السلوك في قطاع التأمين، تعزيز وتعظيم التغلغل التأميني (نسبة دخل أقساط التأمين إلى الناتج المحلي الإجمالي) والكثافة التأمينية (إنفاق الفرد على شراء الحماية التأمينية، أي إجمالي أقساط التأمين المتحقق في البلد منسوباً إلى عدد السكان). التحديث هو مشروع كبير للتغيير لم يجري التفكير به بعمق، ولم يبحث أو تكتب عنه الأوراق. وما ذكرناه قد لا يتعدى حدود التكهن وغرضنا منها إثارة النقاش. ربما كان تفكيرنا عن التحديث في غير محله ضمن رؤية العديد من المسؤولين الحكوميين الذي بات همهم الأكبر استقدام الاستثمار الأجنبي المباشر بأي ثمن. قد يعنون بالتحديث مجرد فتح الأبواب أمام شركات التأمين الأجنبية، وهي مفتوحة الآن بقوة القوانين القائمة، أو تقديم إغراءات لها للعمل في العراق. الأيام القادمة ستفصح أين يقف د. برهم صالح وصحبه في الحكومة. [4] الإمساك بالمبادرة بدلاً من الانتظار السلبي، على شركات التأمين أن تتأكد إن كانت دعوة إعادة الرسملة والتحديث كلام يؤشر نحو سياسة جديدة (غير معروفة الملامح في الوقت الحاضر) تجاه قطاع التأمين. أهي مبادرة من قبل الحكومة الحالية تجاه القطاع؟ هل دخلت جمعية شركات التأمين وإعادة التأمين في تشاور مع الأطراف الحكومية المسؤولة؟ إن كان الزمام بيد الحكومة، ترى هل أن المبادرة لتغيير أوضاع القطاع ستفلت من يد جمعية شركات التأمين وإعادة التأمين في العراق؟ نحن نرى أن الجمعية مطالبة للتحرك سريعاً لقيادة التغيير في القطاع وعدم ترك الأمر للسياسيين فهم لا يستشيرون بل يشيرون وإن أمكن يفرضون ما يريدون باسم الأغلبية وبدعاوى إيديولوجية، وإلا كيف نفسر سكوتهم الطويل منذ نشر قانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005 في جريدة الوقائع العراقية، وعدم إقدامهم على بناء قدرات ديوان التأمين العراقي، وقبل ذلك تجميد أرصدة الجمعية، وخروجهم اليوم بدعوة إعادة الرسملة والتحديث. في سعيها لتأكيد وجودها وتحقيق دور فاعل لها، يمكن للجمعية دراسة تجارب أسواق التأمين الأخرى في العالم العربي، ولو من باب العلم بها دون تطبيقاتها، لتضع قواعد متفق عليها في مجابهة الدعوة الحكومية غير المحددة سوى شعار إعادة الرسملة والتحديث. يمكنها أيضاً الاستفادة من معاهد تأمينية أجنبية وخبراء من خارج العراق لإدخال بعض عناصر التحديث. وبالنسبة لشركات التأمين القائمة قد يتخذ التحديث شكل استخدام موظفين متميزين من خارج العراق. هذه مسألة صعبة بسبب الأوضاع الأمنية غير المشجعة ويجب البحث عن كيفية الوصول إلى هؤلاء وجذبهم للعمل في العراق. [5] اقتصاد التحديث في فترة الحرب الباردة ظهر مفهوم التحديث في الغرب كبديل للمشروع الوطني التحرري في تحقيق النمو والتنمية الاقتصادية في البلدان المتخلفة والنامية. اليوم، فَقَد مفهوم التحديث بعده الإيديولوجي الماضي، وأصبح ينصب على إعادة تأسيس مؤسسات الدول النامية لتكون في مصاف الدول المتقدمة، وهذه المرة من خلال المؤسسات المالية والتجارية الدولية. وفيما يخص موضوع تحديث صناعة التأمين العراقي، كما أوجزنا بعضاً من تصوراتنا لملامحه، فإنه يتطلب: البحث الموسع عن مفهوم التحديث وما يعنيه لعمل الشركات وكيانات التأمين الأخرى. حالياً، هناك بنية قائمة للعلاقات داخل كل شركة تأمين لإدارة الأعمال وتحمل المسؤوليات. التحديث يؤثر على هذه البنية وقد يؤثر على مستوى الأداء. وهو لذلك يحتاج إلى تمهيد الأجواء لإدخال عناصر التحديث. وضع إطار عام للتحديث وأهداف معينة قابلة للتحقيق. ويمكن تقسيم الأهداف إلى آنية، وتلك القابلة للتحقيق في المدى القريب .. الخ ضمن الموارد المتاحة للقطاع وما يمكن الحصول عليه من خارج القطاع داخل وخارج العراق. تحديد وقت زمني لإنجاز الأهداف كي لا تبقى الأهداف مجرد شعار أو طموح مرهون للظروف القائمة. رصد موارد مالية وبشرية كافية. قد يتطلب ذلك تخصيص صندوق داخل كل شركة أو تشارك الشركات مع بضها أو قيام الجمعية بالحصول على المساعدات المالية والفنية. نأمل أن يتم إشاعة أطروحة التحديث بين المعنيين به في أوساط التأمين في العراق من خلال قيام جمعية شركات التأمين وإعادة التأمين في العراق إصدار أوراق تشاورية إذ لا يمكن للعمل والجهد الفردي أن ينجح ما لم يقترن بالتعبئة الجماعية المنظمة من خلال المؤسسات التأمينية القائمة أو من خلال تشكيل فريق عمل أو لجنة خبراء من داخل وخارج قطاع التأمين. آمل أن لا تترجم أطروحة التحديث نفسها إلى مجرد اكتساح لسوق التأمين العراقي من قبل شركات التأمين الأجنبية وإجهاض للرأسمالية الوطنية العراقية. آمل أيضاً أن تحفز دعوة التحديث شركات التأمين العراقية على تحديث نفسها خلال فترة زمنية معينة بدلاً من الانتظار. وقبل ذلك نهوض جمعية شركات التأمين وإعادة التأمين للتعامل العقلاني مع أطروحة د. برهم صالح البريئة في ظاهرها والحاملة لمشروع لم يفصح عنه بعد. كما أدعو القراء إلى مناقشة الأطروحة في الصحافة العراقية لتتحول إلى موضوع عام. مصباح كمال لندن 5 أيار 2009

2009/05/13

"الاتفاقية الأولية" بين وزارة النفط وشركة شيل لمشروع غاز الجنوب والتأمين على أخطار المشروع المشترك مصباح كمال يؤكد الكاتب على أن الأفكار الواردة في هذه الورقة تمثل وجهة نظره الشخصية. "تم في 22/9/2008 توقيع اتفاقية بين وزارة النفط وشركة شَيْلْ لتطوير الغاز والكهرباءShell Gas & Power Development‏، وهي شركة تابعة لشركة شيل الهولندية النفطية العملاقة. الاتفاقية مكتوبة باللغة الإنكليزية، ومكتوب عليها "سري Confidential‏"، ولا أعرف أين "السرية"، إذ أن هذه السرية المكتوبة على الاتفاقية تخالف معنى السرية الموجود نصاً في الاتفاقية. إن عنوان هذه الاتفاقية هو "مقدمات اتفاقية HOA) Heads of Agreement‏)، أو اتفاقية أولية"، وسنسميها في سياق الدراسة بالاتفاقية الأولية، وتتألف من مقدمة وتعاريف، ومن (18) مادة وثلاثة ملاحق. تقول مقدمة الاتفاقية أنها اعتمدت على عرض proposal‏ مقدم من شركة شيل إلى وزارة النفط في 22/1/2008، تحت اسم "عرض للاستفادة من غاز الجنوب"، ويقترح العرض إنشاء "مشروع مشترك Joint Venture‏، أو شركة مشتركة"، وسنسميها في هذه الدراسة "الشركة المشتركة"، وهذا المشروع هو لتقليل الغاز المحروق في الجنوب وتجميع"أي" غاز موجود في الجنوب، وتحويله إلى منتجات للاستخدام الداخلي أو التصدير. وتقول المقدمة أيضاً "أن الطرفين يرغبان بالدخول في الاتفاقية الأولية، لغرض الدخول في مفاوضات أخرى، وهي تعطي الأسس الرئيسية التي تبنى عليها الاتفاقية النهائية"، مع الأخذ بنظر الاعتبار "أن للطرفين الرغبة في الدخول في اتفاقيات نهائية محددة definite agreements‏"، وبضمنها "الحصول على جميع المصادقات اللازمة للوصول إلى اتفاقية نهائية تكون نافذة المفعول". إن هذه الجمل في مقدمة الاتفاقية تعني في فهمي أن ما تم توقيعه هو اتفاقية أولية، نافذة المفعول فقط فيما يتعلق بالفقرات الموجودة فيها، وتنتهي بانتهاء مدتها. أما الاتفاقيات النهائية التي ستعتمد أسسها على هذه الاتفاقية الأولية، فهي غير ملزمة الآن، إذ لم تقدم أصلاً لكي يتم الحصول على المصادقات اللازمة عليها، مع ملاحظة أن الاتفاقية الأولية تتحدث عن "اتفاقيات نهائية"، بصيغة الجمع. علماً أن المقدمة تشير إلى أن مجلس الوزراء كان قد صادق على الاتفاقية الأولية في كتابه المرقم (329) في 7/9/2008."[1] اقتبسنا هاتين الفقرتين من كتاب الخبير النفطي أ. فؤاد قاسم الأمير للتعريف بالاتفاقية الأولية بين وزارة النفط وشركة شيل لمشروع غاز الجنوب. ونحن ندعو إلى قراءة هذه الدراسة التحليلية التفصيلية لأنها تكشف الكثير عن تأثير مثل هذه الاتفاقيات على مستقبل صناعة النفط والغاز في العراق وما ينسحب منها على قطاع التأمين العراقي. لسنا مؤهلين لمناقشة هذه الاتفاقية الأولية ومآلها،[2] وهدفنا من كتابة هذه الورقة هو إبراز البعد التأميني للاتفاقية. وما يهمنا هنا تحديداً هو خلو الاتفاقية الأولية من أية إشارة لموضوع التأمين. وقد يكون مفهوماً أن لا يرد في اتفاقية أولية ما يفيد موضوع التأمين على مخاطر المشروع المشترك أثناء فترة الإنشاء ومن ثم التشغيل باعتبار أن هذا الموضوع سيكون من جملة المواضيع التي ستتناولها الاتفاقية أو الاتفاقيات النهائية. لكننا نرى أن إغفال ذكر التأمين لا يستقيم مع الممارسات المعهودة في المشاريع المشتركة، فعقود مثل هذه المشاريع، مثل أي مشروع إنشائي آخر، يتضمن بنوداً خاصة بالتأمين والتعويض. قد تكون الإشارة إلى موضوع التأمين في اتفاقية أولية مبكرة وسابقة لأوانها، لكن ذات الاتفاقية تذكر شراء معدات لغرض زيادة الإنتاج وكذلك الدخول في عقود للمواد والبضائع والخدمات - وهذا قبل توقيع الاتفاقية النهائية! لا نظن أن شيل، وهي شركة حريصة في الحفاظ على أموالها وحمايتها ولها سياسة واضحة في إدارة الأخطار، تستخدم معدات ومكائن دون التأمين عليها وعلى المسؤوليات التي قد تنشأ من استخدامها. ويبقى السؤال: متى وأين تم التأمين؟ ربما نستبق الأمور إلا أنه من المفيد الإشارة إلى الممارسة المعروفة في قطاع الإنشاء إذ أن الشركات التي ترغب بالمشاركة في مناقصات أي مشروع إنشائي تلجأ إلى تخمين كلفة التأمين لإدخالها في قيمة العقد. وفي حالة المشروع المشترك، موضوع الاتفاقية الأولية، فإن الشركة المشتركة التي ستؤسس بموجب القوانين العراقية هي التي ستتحمل كلفة التأمين. ويبدو، كما يبين أ. فؤاد الأمير، "إن شركة شيل ستتحمل جميع كلف هذه المواد والمعدات وستحتسب كموجودات، وضمن حصتها في الشركة. في حالة إلغاء الاتفاقية الأولية، (إلاّ إذا اتفق على طريقة لتجميدها)، فإن الوزارة ستدفع إلى شركة شيل كل التكاليف التي تحملتها لشراء هذه المعدات." لا نتوقع في اتفاقية أولية تحديد الطرف الذي يقوم بترتيب وشراء الحماية التأمينية للمشروع المشترك وأنواع أغطية التأمين المطلوبة،[3] ولكن إذ كانت الاتفاقية الأولية ترسم الأسس الرئيسية للاتفاقية النهائية تنشأ الضرورة للانتباه إلى مغزى غياب ذكر التأمين في الاتفاقية الأولية. تقضي الاتفاقية الأولية على تأسيس شركة مشتركة بموجب قانون الشركات العامة رقم 22 لسنة 1997 وقانون الشركات رقم 21 لسنة 1997 (المعدل سنة 2004). وتبقى التفاصيل معلقة رغم أن أ. فؤاد الأمير كشف مدى التطابق بين هذه القوانين وبين ما يرد عنه في الاتفاقية الأولية. لنركز الآن على الجانب التأميني. نعرف أن شركة شل تملك شركة تأمين مقبوضة مسجلة في سويسره تحمل اسم Solen Versicherungen AG (SVAG) كما أن شيل وشركتها المقبوضة تتعامل مع شركات وساطة وشركات تأمين وإعادة تأمين عالمية. [ولنا خبرة في التعامل مع الشركات المقبوضة وشبكة العلاقات التي تنشأ من إشراك شركات التأمين العالمية]. وباعتبارها واحدة من أهم شركات النفط والغاز في العالم، تعمل في أكثر من مائة دولة، فإن لشيل نظام خاص في تشخيص وإدارة الأخطار التي تتعرض لها عملياتها وإيراداتها. ويشمل هذا النظام جملة من الأخطار تشمل:[4] التقلبات في أسعار النفط الخام والغاز الطبيعي والمواد الكيميائية. مشاريع بناء الاحتياطي ومواجهة العقبات والمصاعب التي تعترض إنجازها في أوقاتها. المنافسة مع الشركات النفطية الأخرى. حماية سمعة الشركة وعدم تعريضها للإساءة وما يترتب على ذلك من خسارة. التغييرات المناخية وما يترتب عليها من آثار تمس البحث عن بدائل والإذعان للضغوط الاجتماعية والامتثال للقواعد الانضباطية. مخاطر تتعلق بصحة العاملين والإدارة السليمة للعمل والالتزام. العمل في بلدان غير مستقرة، الاضطرابات، التغييرات السياسية .. الخ وتأثيرها على عمليات الشركة وأوضاعها المالية. العمل مع شركات أخرى أو الدخول في مشاريع مشتركة قد تحد من حرية شيل في إدارة التكاليف والأخطار. تكنولوجيا المعلومات وفشلها في الأداء وما يترتب على ذلك من آثار ضارة. تحديات الإبقاء على طاقم الموظفين المهمين أو توظيف غيرهم. التغييرات القانونية والرقابية والمالية. التقلبات في أسعار الصرف وصعوبات التحويل الخارجي. حالة الأسواق المالية والأوضاع الاقتصادية. الاطمئنان المستمر لوضع احتياطيات النفط الخام والغاز الطبيعي. المشاكل التي قد تظهر مع المساهمين في الشركة. التعامل مع ضغط المنافسة وقوانين الحد من الاحتكار. العقوبات الاقتصادية وغيرها التي تفرضها الولايات المتحد على دول معينة. مخاطر التجارة (تقلبات في أسعار السلع، عدم وفاء الأطراف بأداء المستحقات) والمخاطر المالية (تقلبات أسعار الفائدة، تقلبات أسعار الصرف). ضمان سيولة صندوق التقاعد. تسوية المنازعات مع أطراف أخرى في أنحاء مختلفة من العالم. الإذعان للقواعد التشريعية الأمريكية الخاصة بمنع الفساد. أخطار الممتلكات والمسؤوليات. هذه السلسلة من الأخطار والتحديات التي تأخذها شركة شيل بنظر الاعتبار لتحديد السياسات المناسبة للتعامل معها ومن آثارها ليست كلها قابلة للتأمين. الأخطار التي تتعرض لها ممتلكات شيل (الحوادث الطبيعية وحوادث الحريق والانفجار والعطب الميكانيكي وحوادث عرضية أخرى متعددة) والمسؤوليات القانونية والتعاقدية (تجاه الأغيار وتجاه العاملين وغيرها) غالباً ما تكون موضوعاً للتأمين لدى شركة التأمين المقبوضة. وتقوم هذه الشركة بالاحتفاظ بالأخطار التي تتلائم مع قدراتها الاستيعابية وإعادة تأمين ما يفيض عن ذلك، وخاصة الكارثية منها، لدى شركات عالمية. وقد تقوم بترتيبات الإعادة مباشرة مع معيدي التأمين أو من خلال وسطاء إعادة التأمين. ويقدر حجم الأخطار/الخسائر الخاصة بشركة شيل غير المؤمن عليها بما يزيد عن 500 مليون دولار. هل أن غياب ذكر التأمين في الاتفاقية الأولية يجد تفسيراً له في ما عرضناه وأن موضوع التأمين مضمر في الاتفاقية الأولية؟ لن نستطيع الجزم بذلك، وربما سينكشف الأمر عند إبرام الاتفاقية/الاتفاقيات النهائية. تجربتنا تدلل على أن الشركة المشتركة، ونحن هنا نتحدث عن الشركات المشتركة في العالم الغربي، هي التي تتولى تنظيم عملية شراء التأمين، وتحديد شركة التأمين أو وسيط التأمين التي تتعامل معها. بالنسبة للشركة المشتركة لتطوير غاز الجنوب (شركة مشتركة بين شركة نفط الجنوب وشركة شيل لتطوير الغاز والكهرباء تسجل بموجب القوانين العراقية) فإن موضوع إجراء التأمين على موجودات ومسؤوليات الشركة ربما يكون خاضعاً للتفاوض بين وزارة النفط وشركة شيل لتطوير الغاز والكهرباء. نفترض أن وزارة النفط، وهي التي تملك 51% من رأسمال الشركة المشتركة، ستتولى إجراء التأمين. هنا تظهر إشكالية متمثلة في تحديد هوية ممتلكات الشركة المشتركة: هل تصنف هذه الممتلكات على أنها أموال عامة؟ إن كان هذا التحديد صحيحاً، وبافتراض أن وزارة النفط ستقوم بالتأمين عليها والمسؤوليات الناشئة عنها لدى شركة أو شركات تأمين عراقية، فإن على الوزارة، واعتماداً على قانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005، التأمين عن طريق المناقصة العلنية – كما تقضي بذلك المادة 81 – ثالثاً من هذا القانون: "ثالثاً - يجري التأمين على الأموال العامة والأخطار التي ترغب الوزارات أو دوائر الدولة في التأمين ضدها بالمناقصة العلنية وفقاً لأحكام القانون، ولجميع المؤمنين المجازين في العراق حق الاشتراك فيها." قد يوفر هذا النص السند القانوني لحصر التأمين على أخطار الشركة المشتركة لدى شركات التأمين المجازة في العراق. ولكن هناك نصوص أخرى في قانون تنظيم أعمال التأمين قد تضعف مكانة شركات التأمين العراقية العامة والخاصة القائمة. نقول هذا وفي بالنا المادتين 13 و 14 من القانون ونقتبسهما بالكامل لأهميتهما وخاصة الفقرة 14 – ثانياً: "المادة – 13 لا يجوز مزاولة أعمال التأمين في العراق إلا من: أولا - الشركات العراقية العامة. ثانيا - الشركات العراقية المساهمة الخاصة أو المختلطة. ثالثا - فروع شركات التأمين الأجنبية المسجلة في العراق. رابعا - كيانات تأمين التكافل أو إعادة التكافل. خامسا - مؤمن أو معيد تأمين آخر يعتبره رئيس الديوان مؤهلا وذو قدرة مالية شرط التزامه بأحكام هذا القانون. المادة – 14 أولا - لا يجوز لأي من المنصوص عليهم في المادة (13) من هذا القانون أن يمارس أعمال التأمين إلا بعد حصوله على إجازة بذلك وفقا لأحكام هذا القانون. ثانيا - استثناءاً من أحكام البند (أولا) من هذه المادة لرئيس الديوان أن يسمح بممارسة أعمال التأمين في العراق قبل منح الإجازة وفقا لأحكام هذا القانون لأي مؤمن أو فرع مؤمن أو معيد تأمين أو مؤمن تابع من المجازين في بلدان تطبق أفضل السبل المثبتة في مبادئ التأمين الأساسية للهيئة الدولية للمشرفين على أعمال التأمين، على أن يلتزم أي من المذكورين بإكمال شروط الحصول على إجازة ممارسة أعمال التأمين في العراق خلال (90) تسعين يوما من تاريخ صدور قرار رئيس الديوان بالسماح له بممارسة أعمال التأمين." لكم أن تتخيلوا ما توفره المادة 14 – ثانياً من حرية لدخول شركات تأمين غير مسجلة للعراق للمساهمة في الاكتتاب بأخطار الشركة المشتركة. وهذا ينطبق على شركة التأمين المقبوضة المملوكة من قبل شيل أو أية شركة تأمين أو إعادة تأمين ترغب في الاستفادة من حجم أقساط التأمين الضخمة للمشروع المشترك إذ يمكن لأي منها أن تفتح فرعاً مسجلاً في العراق (المادة 13 - ثالثاً) أو تستحصل استثناءاً من رئيس الديوان (المادة 14 - ثانياً) أو تلتمس من رئيس الديوان اعتبارها مؤهلة وذو قدرة مالية (المادة 13 – خامساً). لنتذكر هنا، اعتماداً على تقارير صحفية، أن حجم المشروع المشترك قد يكون بحدود أربعة بلايين دولار[5] وهو ما يسيل له لعاب شركات ووسطاء التأمين في العالم. هناك أمر آخر يستحق الانتباه، من منظور رفع مكانة شركات التأمين العاملة في العراق، ونعني به ضمان توسيع دائرة مشاركتها في التأمين على أخطار الشركة المشتركة بدلاً من استفراد شركة تأمين واحدة بالاكتتاب. هناك قواعد معروفة في العمل الجماعي بين شركات التأمين يمكن اللجوء إليها لإشراك شركات التأمين العراقية كافة وإناطة أدارة المحفظة التأمينية للشركة المشتركة لشركة تأمين واحدة تعمل كقائد بتفويض من بقية شركات التأمين. ولنا أن نساعد في هذا الشأن. إن جاء الاتفاق النهائي بين وزارة النفط وشركة شيل لتطوير الغاز والكهرباء على قيام شيل بإجراء التامين وترك حرية التصرف لها بهذا الشأن، عندها قد تنقلب الصورة في غير صالح شركات التأمين العراقية. نخشى هنا أن يوفر قانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005 ذريعة قانونية لتجاوز الشركات العراقية. لنقرأ ما جاء في المادة 81 من القانون: "المادة – 81 أولاً - لأي شخص طبيعي أو معنوي عام أو خاص الحق في الاختيار بشراء منتجات التأمين أو خدماته من أي مؤمن أو معيد تأمين ما لم ينص القانون على خلاف ذلك. ثانياً - لا يجوز إجبار شخص طبيعي أو معنوي عام أو خاص على شراء منتجات خدمات التأمين من مؤمن أو معيد تأمين أو وكيل أو وسيط أو مقدم خدمات تأمين محدد، ما لم ينص القانون على خلاف ذلك." نلاحظ هنا أن هوية الشخص الطبيعي أو المعنوي غير محددة وبالتالي فإن الشركة المشتركة، وهي شخص معنوي، لها حق الاختيار في التأمين مع أي مؤمن أو معيد تأمين. ويمكن لهذا المؤمن أو معيد التأمين أن يكون أجنبياً. وكما جاء في المادة 14 – ثانياً فإن غض النظر عن شركات التأمين العراقية يصبح سهلاً وممكناً. ولا يرد في القانون نصوص مغايرة لهذه المواد. نضيف إلى ما ذكرناه أن قانون التأمين من خلال سكوته عن تحريم التأمين، غير المرخص به، خارج العراق non-admitted insurance قد قَنّنَ لتجاوز شركات التأمين العراقية. هناك عوائق أخرى قد تعترض تشغيل شركات التأمين العراقية فقانون الاستثمار العراقي رقم 13 لسنة 2006 يوفر الفرصة للمستثمر الأجنبي التأمين لدى شركة تأمين أجنبية أو وطنية. فالمادة (11) من هذا القانون تنص على تمتع المستثمر بجملة من المزايا ومنها: "رابعاً: التأمين على المشروع الاستثماري لدى أي شركة تأمين وطنية أو أجنبية يعتبرها ملائمة."[6] وقد تظهر دعوى أن الكادر البشري المتوفر لإدارة التأمين ليس متوفراً لدى الوزارة ولهذا يصبح ضرورياً إلقاء عبء إدارة محفظة تأمين المشروع المشترك على شيل بفضل إمكانياتها الفنية العالية وامتلاكها لشركة تأمين مقبوضة تتمتع بتصنيف من قبل هيئات التصنيف الدولية. لا غبار على مثل هذه الدعوى لكن ذلك لا يحول دون اللجوء إلى ترتيب الحماية التأمينية من خلال شركات التأمين العراقية إن كانت النوايا معقودة من قبل وزارة النفط على دعم هذه الشركات، كونها إحدى مكونات الاقتصاد العراقي، واقترن ذلك برغبة شيل للكشف عن نفسها كشركة تهتم بالمصالح المحلية. وقد تظهر دعوى مماثلة بشأن القدرات الفنية لشركات التأمين العراقية ونعرف بأنها ضعيفة على عدة مستويات. لكن هذا الضعف لا يمنع من الاستفادة منها وبصيغ يمكن الاتفاق عليها كي لا تضام حقوقها في المشاركة في تأمين مشروع ضخم في العراق يولد أقساطاً كبيرة للتأمين تساهم في تعزيز المكانة المالية لهذه الشركات وتوفر لها فرصة الارتقاء بمستوى أدائها وتعاملها مع أخطار معقدة، وتتكيف للعمل ضمن قواعد ممارسة التأمين وإعادة التأمين على المستوى العالمي. إحدى هذه الصيغ هو الاستعانة بوسيط تأمين دولي يتولى التنسيق بين الشركة المشتركة وشركات التأمين العراقية ومعيدي التأمين الدوليين، أو الاستعانة بشركة شيل وشركة التأمين المقبوضة التابعة لها للقبول بمشاركة شركات التأمين العراقية، أو أية صيغة أخرى تقوم على توفير الحماية التأمينية للشركة المشتركة مثلما توفر الفرصة للاستفادة من شركات التأمين العراقية. من الضروري دق ناقوس الخطر الممثل بالهروب، أو قل الاستنزاف القانوني لأقساط التأمين خارج العراق، إذ أن العقود الإنشائية الكبيرة والاستثمارات الأجنبية والمشاريع المشتركة الآتية خلال سنة 2009 وما بعدها لن تكون من نصيب شركات التأمين العراقية، ولا نتوقع لها أن تستفيد منها إلا قليلاً متمثلاً بالفتات وربما بترتيبات الواجهة fronting arrangements. عندها ستظل شركات التأمين العراقية مجرد دكاكين صغيرة للتأمين تراوح في مكانها، وينصبّ عليها ظلماً نقدُ عدم نهوضها لتحديات إعادة الإعمار والاستثمارات الجديدة. مثل هذا الوضع لن يقتصر في ضرره على حرمان شركات التأمين العراقية من إيرادات التأمين على أخطار المشاريع الإنشائية بل يمتد على الانتقاص من قطاع خدمي مهم يساهم في الناتج الوطني الإجمالي. كما تنسحب الآثار السلبية لهذا الوضع على حرمان الشركات أيضاً من التعامل مع الأخطار المعقدة، وتطوير المهارات والمعارف للتعامل مع هذه الأخطار. إزاء هذا الوضع، وفيما يخص المشروع المشترك بين وزارة النفط وشركة شيل لتطوير الغاز والكهرباء، ندعو إلى تعبئة الرأي وتوحيد الموقف والضغط على وزارة النفط، وهي التي تملك 51% من رأسمال الشركة المشتركة، على التعاون مع قطاع التأمين العراقي. والسؤال هنا: على من تقع مهمة ربط شركات التأمين العراقية بوزارة النفط؟ أهي جمعية شركات التأمين وإعادة التأمين في العراق؟ أهي شركات التأمين العامة أو شركات التأمين الخاصة أو الشركات بأجمعها أو شركة واحدة؟ من يتولى التنسيق من بين هذه الشركات؟ هل هناك دور لديوان التأمين العراقي ووزارة المالية ووزارة التخطيط بهذا الشأن؟ أسئلة تستوجب المزيد من التفكير للتوصل إلى قناعة جمعية مشتركة تتناسب مع الفكرة الدستورية أن الثروات الطبيعية هي ملك الشعب العراقي وما ينشأ عن هذه الثروات من طلب على الخدمات التأمينية تكون شركات التأمين العراقية أولى بها. إن شركات التأمين الأجنبية ومثلها شركات وساطة التأمين العالمية لا تعتبر نفسها مسؤولة عن مصالح سوق التأمين العراقي قدر اهتمامها بمصالحها وهامش أرباحها، فإن اقتضت هذه المصالح إهمال سوق التأمين العراقي، كما يجري الآن، التجأت إلى ترتيب إجراءات بديلة دون إشراك شركات التأمين العراقية فيها. هذا هو عالم المصالح المادية والمنافع المرتجاة من العمل التجاري. لكننا، إنصافاً، لا نعدم قيام بعض شركات إعادة التأمين الأجنبية ووسطاء إعادة التأمين الدوليين بالتعاون المثمر مع شركات التأمين العراقية. والتاريخ الماضي لسوق التأمين العراقي يشهد على ذلك. نعرف أن الأطراف الرسمية ساكتة عن موضوع تسرب أقساط التأمين إلى الخارج دون وجه حق لكننا لا نستطيع تفسير صمتها وليس من المناسب التكهن بأسباب هذا الصمت الصارخ. لكننا نقول لشركات التأمين العراقية: تحركوا الآن قبل أن تفوت عليكم الفرصة. لقد قيل "ما حك جلدك مثل ظفرك" ونضيف: نحن على استعداد للتعاون إن شئتم. مصباح كمال لندن 29 كانون الأول 2009
[1] فؤاد قاسم الأمير: ملاحظات حول "الاتفاقية الأولية" بين وزارة النفط وشركة شيل لمشروع غاز الجنوب (موقع الغد الإلكتروني، 16 كانون الأول 2008)، ص 3 http://www.al-ghad.org عنوان موقع الغد الإلكتروني والرابط: http://www.al-ghad.org/wordpress/wp-content/uploads/2008/12/shell-book-study-arabic.pdf [2] إضافة إلى بحث أ. فؤاد الأمير هناك دراسات نقدية قيمة أخرى ومنها دراسة د. محمد علي زيني "وزارة النفط وغاز العراق ومحنة الشعب العراقي" بالعربية، ودراسة أ. أحمد جياد "Iraqi-Shell Gas Deal: who occupies the driver’s seat?" وكلتاهما متوفرتان لدي لم يريد الحصول عليهما. [3] هناك العديد من أغطية التأمين التي تحتاجها الشركات أثناء عمليات الاستكشاف والتشغيل وما يترتب عليها من مسؤوليات مدنية تجاه الأغيار ومنها، على سبيل المثال، وثيقة التحكم بالآبار، وثيقة التأمين على الممتلكات ضد جميع الأخطار، غطاء المسؤولية المدنية، وثيقة التأمين على المعدات والمكائن .. الخ. [4] http://www.annualreportandform20f.shell.com/2007/operatingandfinancialreview/businessandmarketoverview.php [5] FT.com Financial Times, 8 September 2008: http://www.ft.com/cms/s/0/e72e708a-7dec-11dd-bdbd-000077b07658.html?nclick_check=1 [accessed 29 January 2009] [6] يرد نص مماثل في قانون رقم (4) لسنة 2006، قانون الاستثمار في إقليم كوردستان - العراق، المادة (السابعة): "أولاً: للمستثمر أن يؤمن على مشروعه الاستثماري من قبل أية شركة تأمين أجنبية أو وطنية يعتبرها ملائمة، ويتم بموجبه تأمين كافة جوانب العمليات التي يقوم بها."