"الاتفاقية الأولية" بين وزارة النفط وشركة شيل لمشروع غاز الجنوب والتأمين على أخطار المشروع المشترك
مصباح كمال
يؤكد الكاتب على أن الأفكار الواردة في هذه الورقة تمثل وجهة نظره الشخصية.
"تم في 22/9/2008 توقيع اتفاقية بين وزارة النفط وشركة شَيْلْ لتطوير الغاز والكهرباءShell Gas & Power Development، وهي شركة تابعة لشركة شيل الهولندية النفطية العملاقة. الاتفاقية مكتوبة باللغة الإنكليزية، ومكتوب عليها "سري Confidential"، ولا أعرف أين "السرية"، إذ أن هذه السرية المكتوبة على الاتفاقية تخالف معنى السرية الموجود نصاً في الاتفاقية. إن عنوان هذه الاتفاقية هو "مقدمات اتفاقية HOA) Heads of Agreement)، أو اتفاقية أولية"، وسنسميها في سياق الدراسة بالاتفاقية الأولية، وتتألف من مقدمة وتعاريف، ومن (18) مادة وثلاثة ملاحق.
تقول مقدمة الاتفاقية أنها اعتمدت على عرض proposal مقدم من شركة شيل إلى وزارة النفط في 22/1/2008، تحت اسم "عرض للاستفادة من غاز الجنوب"، ويقترح العرض إنشاء "مشروع مشترك Joint Venture، أو شركة مشتركة"، وسنسميها في هذه الدراسة "الشركة المشتركة"، وهذا المشروع هو لتقليل الغاز المحروق في الجنوب وتجميع"أي" غاز موجود في الجنوب، وتحويله إلى منتجات للاستخدام الداخلي أو التصدير. وتقول المقدمة أيضاً "أن الطرفين يرغبان بالدخول في الاتفاقية الأولية، لغرض الدخول في مفاوضات أخرى، وهي تعطي الأسس الرئيسية التي تبنى عليها الاتفاقية النهائية"، مع الأخذ بنظر الاعتبار "أن للطرفين الرغبة في الدخول في اتفاقيات نهائية محددة definite agreements"، وبضمنها "الحصول على جميع المصادقات اللازمة للوصول إلى اتفاقية نهائية تكون نافذة المفعول". إن هذه الجمل في مقدمة الاتفاقية تعني في فهمي أن ما تم توقيعه هو اتفاقية أولية، نافذة المفعول فقط فيما يتعلق بالفقرات الموجودة فيها، وتنتهي بانتهاء مدتها. أما الاتفاقيات النهائية التي ستعتمد أسسها على هذه الاتفاقية الأولية، فهي غير ملزمة الآن، إذ لم تقدم أصلاً لكي يتم الحصول على المصادقات اللازمة عليها، مع ملاحظة أن الاتفاقية الأولية تتحدث عن "اتفاقيات نهائية"، بصيغة الجمع. علماً أن المقدمة تشير إلى أن مجلس الوزراء كان قد صادق على الاتفاقية الأولية في كتابه المرقم (329) في 7/9/2008."[1]
اقتبسنا هاتين الفقرتين من كتاب الخبير النفطي أ. فؤاد قاسم الأمير للتعريف بالاتفاقية الأولية بين وزارة النفط وشركة شيل لمشروع غاز الجنوب. ونحن ندعو إلى قراءة هذه الدراسة التحليلية التفصيلية لأنها تكشف الكثير عن تأثير مثل هذه الاتفاقيات على مستقبل صناعة النفط والغاز في العراق وما ينسحب منها على قطاع التأمين العراقي.
لسنا مؤهلين لمناقشة هذه الاتفاقية الأولية ومآلها،[2] وهدفنا من كتابة هذه الورقة هو إبراز البعد التأميني للاتفاقية. وما يهمنا هنا تحديداً هو خلو الاتفاقية الأولية من أية إشارة لموضوع التأمين. وقد يكون مفهوماً أن لا يرد في اتفاقية أولية ما يفيد موضوع التأمين على مخاطر المشروع المشترك أثناء فترة الإنشاء ومن ثم التشغيل باعتبار أن هذا الموضوع سيكون من جملة المواضيع التي ستتناولها الاتفاقية أو الاتفاقيات النهائية. لكننا نرى أن إغفال ذكر التأمين لا يستقيم مع الممارسات المعهودة في المشاريع المشتركة، فعقود مثل هذه المشاريع، مثل أي مشروع إنشائي آخر، يتضمن بنوداً خاصة بالتأمين والتعويض. قد تكون الإشارة إلى موضوع التأمين في اتفاقية أولية مبكرة وسابقة لأوانها، لكن ذات الاتفاقية تذكر شراء معدات لغرض زيادة الإنتاج وكذلك الدخول في عقود للمواد والبضائع والخدمات - وهذا قبل توقيع الاتفاقية النهائية! لا نظن أن شيل، وهي شركة حريصة في الحفاظ على أموالها وحمايتها ولها سياسة واضحة في إدارة الأخطار، تستخدم معدات ومكائن دون التأمين عليها وعلى المسؤوليات التي قد تنشأ من استخدامها. ويبقى السؤال: متى وأين تم التأمين؟
ربما نستبق الأمور إلا أنه من المفيد الإشارة إلى الممارسة المعروفة في قطاع الإنشاء إذ أن الشركات التي ترغب بالمشاركة في مناقصات أي مشروع إنشائي تلجأ إلى تخمين كلفة التأمين لإدخالها في قيمة العقد. وفي حالة المشروع المشترك، موضوع الاتفاقية الأولية، فإن الشركة المشتركة التي ستؤسس بموجب القوانين العراقية هي التي ستتحمل كلفة التأمين. ويبدو، كما يبين أ. فؤاد الأمير، "إن شركة شيل ستتحمل جميع كلف هذه المواد والمعدات وستحتسب كموجودات، وضمن حصتها في الشركة. في حالة إلغاء الاتفاقية الأولية، (إلاّ إذا اتفق على طريقة لتجميدها)، فإن الوزارة ستدفع إلى شركة شيل كل التكاليف التي تحملتها لشراء هذه المعدات."
لا نتوقع في اتفاقية أولية تحديد الطرف الذي يقوم بترتيب وشراء الحماية التأمينية للمشروع المشترك وأنواع أغطية التأمين المطلوبة،[3] ولكن إذ كانت الاتفاقية الأولية ترسم الأسس الرئيسية للاتفاقية النهائية تنشأ الضرورة للانتباه إلى مغزى غياب ذكر التأمين في الاتفاقية الأولية.
تقضي الاتفاقية الأولية على تأسيس شركة مشتركة بموجب قانون الشركات العامة رقم 22 لسنة 1997 وقانون الشركات رقم 21 لسنة 1997 (المعدل سنة 2004). وتبقى التفاصيل معلقة رغم أن أ. فؤاد الأمير كشف مدى التطابق بين هذه القوانين وبين ما يرد عنه في الاتفاقية الأولية.
لنركز الآن على الجانب التأميني. نعرف أن شركة شل تملك شركة تأمين مقبوضة مسجلة في سويسره تحمل اسم Solen Versicherungen AG (SVAG) كما أن شيل وشركتها المقبوضة تتعامل مع شركات وساطة وشركات تأمين وإعادة تأمين عالمية. [ولنا خبرة في التعامل مع الشركات المقبوضة وشبكة العلاقات التي تنشأ من إشراك شركات التأمين العالمية].
وباعتبارها واحدة من أهم شركات النفط والغاز في العالم، تعمل في أكثر من مائة دولة، فإن لشيل نظام خاص في تشخيص وإدارة الأخطار التي تتعرض لها عملياتها وإيراداتها. ويشمل هذا النظام جملة من الأخطار تشمل:[4]
التقلبات في أسعار النفط الخام والغاز الطبيعي والمواد الكيميائية.
مشاريع بناء الاحتياطي ومواجهة العقبات والمصاعب التي تعترض إنجازها في أوقاتها.
المنافسة مع الشركات النفطية الأخرى.
حماية سمعة الشركة وعدم تعريضها للإساءة وما يترتب على ذلك من خسارة.
التغييرات المناخية وما يترتب عليها من آثار تمس البحث عن بدائل والإذعان للضغوط الاجتماعية والامتثال للقواعد الانضباطية.
مخاطر تتعلق بصحة العاملين والإدارة السليمة للعمل والالتزام.
العمل في بلدان غير مستقرة، الاضطرابات، التغييرات السياسية .. الخ وتأثيرها على عمليات الشركة وأوضاعها المالية.
العمل مع شركات أخرى أو الدخول في مشاريع مشتركة قد تحد من حرية شيل في إدارة التكاليف والأخطار.
تكنولوجيا المعلومات وفشلها في الأداء وما يترتب على ذلك من آثار ضارة.
تحديات الإبقاء على طاقم الموظفين المهمين أو توظيف غيرهم.
التغييرات القانونية والرقابية والمالية.
التقلبات في أسعار الصرف وصعوبات التحويل الخارجي.
حالة الأسواق المالية والأوضاع الاقتصادية.
الاطمئنان المستمر لوضع احتياطيات النفط الخام والغاز الطبيعي.
المشاكل التي قد تظهر مع المساهمين في الشركة.
التعامل مع ضغط المنافسة وقوانين الحد من الاحتكار.
العقوبات الاقتصادية وغيرها التي تفرضها الولايات المتحد على دول معينة.
مخاطر التجارة (تقلبات في أسعار السلع، عدم وفاء الأطراف بأداء المستحقات) والمخاطر المالية (تقلبات أسعار الفائدة، تقلبات أسعار الصرف).
ضمان سيولة صندوق التقاعد.
تسوية المنازعات مع أطراف أخرى في أنحاء مختلفة من العالم.
الإذعان للقواعد التشريعية الأمريكية الخاصة بمنع الفساد.
أخطار الممتلكات والمسؤوليات.
هذه السلسلة من الأخطار والتحديات التي تأخذها شركة شيل بنظر الاعتبار لتحديد السياسات المناسبة للتعامل معها ومن آثارها ليست كلها قابلة للتأمين. الأخطار التي تتعرض لها ممتلكات شيل (الحوادث الطبيعية وحوادث الحريق والانفجار والعطب الميكانيكي وحوادث عرضية أخرى متعددة) والمسؤوليات القانونية والتعاقدية (تجاه الأغيار وتجاه العاملين وغيرها) غالباً ما تكون موضوعاً للتأمين لدى شركة التأمين المقبوضة. وتقوم هذه الشركة بالاحتفاظ بالأخطار التي تتلائم مع قدراتها الاستيعابية وإعادة تأمين ما يفيض عن ذلك، وخاصة الكارثية منها، لدى شركات عالمية. وقد تقوم بترتيبات الإعادة مباشرة مع معيدي التأمين أو من خلال وسطاء إعادة التأمين. ويقدر حجم الأخطار/الخسائر الخاصة بشركة شيل غير المؤمن عليها بما يزيد عن 500 مليون دولار.
هل أن غياب ذكر التأمين في الاتفاقية الأولية يجد تفسيراً له في ما عرضناه وأن موضوع التأمين مضمر في الاتفاقية الأولية؟ لن نستطيع الجزم بذلك، وربما سينكشف الأمر عند إبرام الاتفاقية/الاتفاقيات النهائية.
تجربتنا تدلل على أن الشركة المشتركة، ونحن هنا نتحدث عن الشركات المشتركة في العالم الغربي، هي التي تتولى تنظيم عملية شراء التأمين، وتحديد شركة التأمين أو وسيط التأمين التي تتعامل معها. بالنسبة للشركة المشتركة لتطوير غاز الجنوب (شركة مشتركة بين شركة نفط الجنوب وشركة شيل لتطوير الغاز والكهرباء تسجل بموجب القوانين العراقية) فإن موضوع إجراء التأمين على موجودات ومسؤوليات الشركة ربما يكون خاضعاً للتفاوض بين وزارة النفط وشركة شيل لتطوير الغاز والكهرباء. نفترض أن وزارة النفط، وهي التي تملك 51% من رأسمال الشركة المشتركة، ستتولى إجراء التأمين.
هنا تظهر إشكالية متمثلة في تحديد هوية ممتلكات الشركة المشتركة: هل تصنف هذه الممتلكات على أنها أموال عامة؟ إن كان هذا التحديد صحيحاً، وبافتراض أن وزارة النفط ستقوم بالتأمين عليها والمسؤوليات الناشئة عنها لدى شركة أو شركات تأمين عراقية، فإن على الوزارة، واعتماداً على قانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005، التأمين عن طريق المناقصة العلنية – كما تقضي بذلك المادة 81 – ثالثاً من هذا القانون:
"ثالثاً - يجري التأمين على الأموال العامة والأخطار التي ترغب الوزارات أو دوائر الدولة في التأمين ضدها بالمناقصة العلنية وفقاً لأحكام القانون، ولجميع المؤمنين المجازين في العراق حق الاشتراك فيها."
قد يوفر هذا النص السند القانوني لحصر التأمين على أخطار الشركة المشتركة لدى شركات التأمين المجازة في العراق. ولكن هناك نصوص أخرى في قانون تنظيم أعمال التأمين قد تضعف مكانة شركات التأمين العراقية العامة والخاصة القائمة. نقول هذا وفي بالنا المادتين 13 و 14 من القانون ونقتبسهما بالكامل لأهميتهما وخاصة الفقرة 14 – ثانياً:
"المادة – 13
لا يجوز مزاولة أعمال التأمين في العراق إلا من:
أولا - الشركات العراقية العامة.
ثانيا - الشركات العراقية المساهمة الخاصة أو المختلطة.
ثالثا - فروع شركات التأمين الأجنبية المسجلة في العراق.
رابعا - كيانات تأمين التكافل أو إعادة التكافل.
خامسا - مؤمن أو معيد تأمين آخر يعتبره رئيس الديوان مؤهلا وذو قدرة مالية شرط التزامه بأحكام هذا القانون.
المادة – 14
أولا - لا يجوز لأي من المنصوص عليهم في المادة (13) من هذا القانون أن يمارس أعمال التأمين إلا بعد حصوله على إجازة بذلك وفقا لأحكام هذا القانون.
ثانيا - استثناءاً من أحكام البند (أولا) من هذه المادة لرئيس الديوان أن يسمح بممارسة أعمال التأمين في العراق قبل منح الإجازة وفقا لأحكام هذا القانون لأي مؤمن أو فرع مؤمن أو معيد تأمين أو مؤمن تابع من المجازين في بلدان تطبق أفضل السبل المثبتة في مبادئ التأمين الأساسية للهيئة الدولية للمشرفين على أعمال التأمين، على أن يلتزم أي من المذكورين بإكمال شروط الحصول على إجازة ممارسة أعمال التأمين في العراق خلال (90) تسعين يوما من تاريخ صدور قرار رئيس الديوان بالسماح له بممارسة أعمال التأمين."
لكم أن تتخيلوا ما توفره المادة 14 – ثانياً من حرية لدخول شركات تأمين غير مسجلة للعراق للمساهمة في الاكتتاب بأخطار الشركة المشتركة. وهذا ينطبق على شركة التأمين المقبوضة المملوكة من قبل شيل أو أية شركة تأمين أو إعادة تأمين ترغب في الاستفادة من حجم أقساط التأمين الضخمة للمشروع المشترك إذ يمكن لأي منها أن تفتح فرعاً مسجلاً في العراق (المادة 13 - ثالثاً) أو تستحصل استثناءاً من رئيس الديوان (المادة 14 - ثانياً) أو تلتمس من رئيس الديوان اعتبارها مؤهلة وذو قدرة مالية (المادة 13 – خامساً). لنتذكر هنا، اعتماداً على تقارير صحفية، أن حجم المشروع المشترك قد يكون بحدود أربعة بلايين دولار[5] وهو ما يسيل له لعاب شركات ووسطاء التأمين في العالم.
هناك أمر آخر يستحق الانتباه، من منظور رفع مكانة شركات التأمين العاملة في العراق، ونعني به ضمان توسيع دائرة مشاركتها في التأمين على أخطار الشركة المشتركة بدلاً من استفراد شركة تأمين واحدة بالاكتتاب. هناك قواعد معروفة في العمل الجماعي بين شركات التأمين يمكن اللجوء إليها لإشراك شركات التأمين العراقية كافة وإناطة أدارة المحفظة التأمينية للشركة المشتركة لشركة تأمين واحدة تعمل كقائد بتفويض من بقية شركات التأمين. ولنا أن نساعد في هذا الشأن.
إن جاء الاتفاق النهائي بين وزارة النفط وشركة شيل لتطوير الغاز والكهرباء على قيام شيل بإجراء التامين وترك حرية التصرف لها بهذا الشأن، عندها قد تنقلب الصورة في غير صالح شركات التأمين العراقية. نخشى هنا أن يوفر قانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005 ذريعة قانونية لتجاوز الشركات العراقية. لنقرأ ما جاء في المادة 81 من القانون:
"المادة – 81
أولاً - لأي شخص طبيعي أو معنوي عام أو خاص الحق في الاختيار بشراء منتجات التأمين أو خدماته من أي مؤمن أو معيد تأمين ما لم ينص القانون على خلاف ذلك.
ثانياً - لا يجوز إجبار شخص طبيعي أو معنوي عام أو خاص على شراء منتجات خدمات التأمين من مؤمن أو معيد تأمين أو وكيل أو وسيط أو مقدم خدمات تأمين محدد، ما لم ينص القانون على خلاف ذلك."
نلاحظ هنا أن هوية الشخص الطبيعي أو المعنوي غير محددة وبالتالي فإن الشركة المشتركة، وهي شخص معنوي، لها حق الاختيار في التأمين مع أي مؤمن أو معيد تأمين. ويمكن لهذا المؤمن أو معيد التأمين أن يكون أجنبياً. وكما جاء في المادة 14 – ثانياً فإن غض النظر عن شركات التأمين العراقية يصبح سهلاً وممكناً. ولا يرد في القانون نصوص مغايرة لهذه المواد.
نضيف إلى ما ذكرناه أن قانون التأمين من خلال سكوته عن تحريم التأمين، غير المرخص به، خارج العراق non-admitted insurance قد قَنّنَ لتجاوز شركات التأمين العراقية.
هناك عوائق أخرى قد تعترض تشغيل شركات التأمين العراقية فقانون الاستثمار العراقي رقم 13 لسنة 2006 يوفر الفرصة للمستثمر الأجنبي التأمين لدى شركة تأمين أجنبية أو وطنية. فالمادة (11) من هذا القانون تنص على تمتع المستثمر بجملة من المزايا ومنها:
"رابعاً: التأمين على المشروع الاستثماري لدى أي شركة تأمين وطنية أو أجنبية يعتبرها ملائمة."[6]
وقد تظهر دعوى أن الكادر البشري المتوفر لإدارة التأمين ليس متوفراً لدى الوزارة ولهذا يصبح ضرورياً إلقاء عبء إدارة محفظة تأمين المشروع المشترك على شيل بفضل إمكانياتها الفنية العالية وامتلاكها لشركة تأمين مقبوضة تتمتع بتصنيف من قبل هيئات التصنيف الدولية. لا غبار على مثل هذه الدعوى لكن ذلك لا يحول دون اللجوء إلى ترتيب الحماية التأمينية من خلال شركات التأمين العراقية إن كانت النوايا معقودة من قبل وزارة النفط على دعم هذه الشركات، كونها إحدى مكونات الاقتصاد العراقي، واقترن ذلك برغبة شيل للكشف عن نفسها كشركة تهتم بالمصالح المحلية.
وقد تظهر دعوى مماثلة بشأن القدرات الفنية لشركات التأمين العراقية ونعرف بأنها ضعيفة على عدة مستويات. لكن هذا الضعف لا يمنع من الاستفادة منها وبصيغ يمكن الاتفاق عليها كي لا تضام حقوقها في المشاركة في تأمين مشروع ضخم في العراق يولد أقساطاً كبيرة للتأمين تساهم في تعزيز المكانة المالية لهذه الشركات وتوفر لها فرصة الارتقاء بمستوى أدائها وتعاملها مع أخطار معقدة، وتتكيف للعمل ضمن قواعد ممارسة التأمين وإعادة التأمين على المستوى العالمي. إحدى هذه الصيغ هو الاستعانة بوسيط تأمين دولي يتولى التنسيق بين الشركة المشتركة وشركات التأمين العراقية ومعيدي التأمين الدوليين، أو الاستعانة بشركة شيل وشركة التأمين المقبوضة التابعة لها للقبول بمشاركة شركات التأمين العراقية، أو أية صيغة أخرى تقوم على توفير الحماية التأمينية للشركة المشتركة مثلما توفر الفرصة للاستفادة من شركات التأمين العراقية.
من الضروري دق ناقوس الخطر الممثل بالهروب، أو قل الاستنزاف القانوني لأقساط التأمين خارج العراق، إذ أن العقود الإنشائية الكبيرة والاستثمارات الأجنبية والمشاريع المشتركة الآتية خلال سنة 2009 وما بعدها لن تكون من نصيب شركات التأمين العراقية، ولا نتوقع لها أن تستفيد منها إلا قليلاً متمثلاً بالفتات وربما بترتيبات الواجهة fronting arrangements. عندها ستظل شركات التأمين العراقية مجرد دكاكين صغيرة للتأمين تراوح في مكانها، وينصبّ عليها ظلماً نقدُ عدم نهوضها لتحديات إعادة الإعمار والاستثمارات الجديدة.
مثل هذا الوضع لن يقتصر في ضرره على حرمان شركات التأمين العراقية من إيرادات التأمين على أخطار المشاريع الإنشائية بل يمتد على الانتقاص من قطاع خدمي مهم يساهم في الناتج الوطني الإجمالي. كما تنسحب الآثار السلبية لهذا الوضع على حرمان الشركات أيضاً من التعامل مع الأخطار المعقدة، وتطوير المهارات والمعارف للتعامل مع هذه الأخطار.
إزاء هذا الوضع، وفيما يخص المشروع المشترك بين وزارة النفط وشركة شيل لتطوير الغاز والكهرباء، ندعو إلى تعبئة الرأي وتوحيد الموقف والضغط على وزارة النفط، وهي التي تملك 51% من رأسمال الشركة المشتركة، على التعاون مع قطاع التأمين العراقي. والسؤال هنا: على من تقع مهمة ربط شركات التأمين العراقية بوزارة النفط؟ أهي جمعية شركات التأمين وإعادة التأمين في العراق؟ أهي شركات التأمين العامة أو شركات التأمين الخاصة أو الشركات بأجمعها أو شركة واحدة؟ من يتولى التنسيق من بين هذه الشركات؟ هل هناك دور لديوان التأمين العراقي ووزارة المالية ووزارة التخطيط بهذا الشأن؟ أسئلة تستوجب المزيد من التفكير للتوصل إلى قناعة جمعية مشتركة تتناسب مع الفكرة الدستورية أن الثروات الطبيعية هي ملك الشعب العراقي وما ينشأ عن هذه الثروات من طلب على الخدمات التأمينية تكون شركات التأمين العراقية أولى بها.
إن شركات التأمين الأجنبية ومثلها شركات وساطة التأمين العالمية لا تعتبر نفسها مسؤولة عن مصالح سوق التأمين العراقي قدر اهتمامها بمصالحها وهامش أرباحها، فإن اقتضت هذه المصالح إهمال سوق التأمين العراقي، كما يجري الآن، التجأت إلى ترتيب إجراءات بديلة دون إشراك شركات التأمين العراقية فيها. هذا هو عالم المصالح المادية والمنافع المرتجاة من العمل التجاري. لكننا، إنصافاً، لا نعدم قيام بعض شركات إعادة التأمين الأجنبية ووسطاء إعادة التأمين الدوليين بالتعاون المثمر مع شركات التأمين العراقية. والتاريخ الماضي لسوق التأمين العراقي يشهد على ذلك.
نعرف أن الأطراف الرسمية ساكتة عن موضوع تسرب أقساط التأمين إلى الخارج دون وجه حق لكننا لا نستطيع تفسير صمتها وليس من المناسب التكهن بأسباب هذا الصمت الصارخ. لكننا نقول لشركات التأمين العراقية: تحركوا الآن قبل أن تفوت عليكم الفرصة. لقد قيل "ما حك جلدك مثل ظفرك" ونضيف: نحن على استعداد للتعاون إن شئتم.
مصباح كمال
لندن 29 كانون الأول 2009
[1] فؤاد قاسم الأمير: ملاحظات حول "الاتفاقية الأولية" بين وزارة النفط وشركة شيل لمشروع غاز الجنوب (موقع الغد الإلكتروني، 16 كانون الأول 2008)، ص 3
http://www.al-ghad.org عنوان موقع الغد الإلكتروني والرابط:
http://www.al-ghad.org/wordpress/wp-content/uploads/2008/12/shell-book-study-arabic.pdf
[2] إضافة إلى بحث أ. فؤاد الأمير هناك دراسات نقدية قيمة أخرى ومنها دراسة د. محمد علي زيني "وزارة النفط وغاز العراق ومحنة الشعب العراقي" بالعربية، ودراسة أ. أحمد جياد "Iraqi-Shell Gas Deal: who occupies the driver’s seat?" وكلتاهما متوفرتان لدي لم يريد الحصول عليهما.
[3] هناك العديد من أغطية التأمين التي تحتاجها الشركات أثناء عمليات الاستكشاف والتشغيل وما يترتب عليها من مسؤوليات مدنية تجاه الأغيار ومنها، على سبيل المثال، وثيقة التحكم بالآبار، وثيقة التأمين على الممتلكات ضد جميع الأخطار، غطاء المسؤولية المدنية، وثيقة التأمين على المعدات والمكائن .. الخ.
[4] http://www.annualreportandform20f.shell.com/2007/operatingandfinancialreview/businessandmarketoverview.php
[5] FT.com Financial Times, 8 September 2008: http://www.ft.com/cms/s/0/e72e708a-7dec-11dd-bdbd-000077b07658.html?nclick_check=1 [accessed 29 January 2009]
[6] يرد نص مماثل في قانون رقم (4) لسنة 2006، قانون الاستثمار في إقليم كوردستان - العراق، المادة (السابعة):
"أولاً: للمستثمر أن يؤمن على مشروعه الاستثماري من قبل أية شركة تأمين أجنبية أو وطنية يعتبرها ملائمة، ويتم بموجبه تأمين كافة جوانب العمليات التي يقوم بها."
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق