إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

2022/06/20

Insuring Oil Pipeline Company

 

 هل تم إفشال مشروع عقد تأمين فاسد؟

التأمين على شركة خطوط الأنابيب النفطية العراقية

مصباح كمال 

نشر هذا المقال أصلا في موقع شبكة الاقتصاديين العراقيين:

 مصباح-كمال-هل-تم-إفشال-مشروع-عقد-تأمين-فاسد؟.pdf (iraqieconomists.net) 

مصباح كمال*: هل تم إفشال مشروع عقد تأمين فاسد؟ التأمين على شركة خطوط الأنابيب النفطية العراقية – شبكة الاقتصاديين العراقيين (iraqieconomists.net)


(1)   مشروع لتأمين شركة خطوط الأنابيب النفطية

 

خلال الأسابيع القليلة الماضية تسربت أخبار عديدة لا نعرف مدى صحة تفاصيلها ولكنها تشير وتؤكد على وجود مشروع لترتيب عقد للتأمين على ممتلكات ومسؤوليات وتوقف أعمال شركة خطوط الأنابيب النفطية (OPC)، وهي واحدة من الشركات التابعة لوزارة النفط.[1]

 

تمتلك الشركة أنابيب نقل المنتجات النفطية والغاز، والمستودعات، ومحطات الضخ في العراق.  ويُقدّر طول المسارات التي تتوزع عليها الأنابيب بأزيد من 7,500 كم.

 

راجعت الموقع الإلكتروني للشركة للتعرف إن كان مشروع التأمين موضوعًا للمناقصة لكنه كان خاليًا من ذكر أي مشروع للتأمين.  ولا يرد في الموقع ما يفيد أن للشركة قسم للتأمين وإدارة الخطر، (الهيكل التنظيمي للشركة مجرد عنوان في الموقع، دون محتوى)[2] أو أن وظيفة التأمين تقع ضمن المسؤولية المركزية لوزارة النفط (وهي أيضًا غير معروفة).

 

(2)  إطلالة سريعة على بعض الجوانب الفنية في مشروع التأمين

 

هناك الكثير من التفاصيل التأمينية غير معروفة لدينا فهي ليست في التداول العام، إلا أن ما هو متوفر منها يساعد في تقديم الملاحظات التالية.

 

وردت في بعض المعلومات أن الأخطار المؤمن منها تضم:

 

-    أخطار الممتلكات (وهو عنوان عريض يمكن أن يشمل أي خطر مهما كانت طبيعته ما لم يُحدّد بشكل واضح، أي أنه، لو كان صحيحًا، فإنه سيفتح الباب أمام المؤمن له للمطالبة بالتعويض من أية خسارة، سواء كانت عرضية أم لا، مثال ذلك التلوث الذي قد يحصل بسبب انعدام أو سوء الصيانة مما يجعل وقوعه محتمًا).

-    المسؤولية المدنية تجاه الطرف الثالث (هل تمتد المسؤولية لتشمل التلوث البيئي أم أن التلوث مستثنى من التأمين خاصة وأن المسؤولية تنشأ في تأمين الأنابيب الناقلة للنفط، بشكل رئيسي، من خطر الانفجار والتلوث البيئي؟).

-       الحريق والانفجار والفيضان.

-       الأخطار الإضافية (وهي غير محددة).

-       استثناء أخطار الحرب والإرهاب والشغب (ولا يرد استثناء الإضرابات).

-    توقف الأعمال (أو ما يعرف بخسارة الأرباح Loss of Profit or Business Interruption، وهو نوع من التأمين ليس معروفًا في العراق).

 

هذا خليط غير متسق من الأخطار.  ربما أراد من يوجّه ويدير مشروع تأمين شركة خطوط الأنابيب النفطية أن يستفيد من مفهوم ما يعُرف بـ "كافة الأخطار" “All Risks”، وهو ترتيب للتأمين يتأسس على عدم تسمية الأخطار المسببة للضرر، كالحريق والانفجار والفيضان، والتأكيد على مجموعة من استثناء مسببات الضرر perils واستثناء مجموعة من الممتلكات، لكنه فشل في ذلك إذ اكتفى بتعبير "أخطار الممتلكات" المبهمة والذي يمكن أن يعني أي شيء.

 

إن كان المطلوب هو التأمين من "كافة الأخطار" فلماذا النص على تسمية أخطار الحريق والانفجار والفيضان والأخطار الإضافية؟  حدد الأستاذ منعم الخفاجي الأخطار الإضافية Additional or Allied Perils بالآتي:

 

الانفجار، الاشتعال الذاتي، الشغب والإضرابات المدنية، الفعل العمدي الضار، العواصف والزوابع، الفيضان والانغمار، الهزات الأرضية، الارتطام (ارتطام مركبات الطريق، تساقط الطائرات أو أجزاء منها)، طفح أو انفجار الخزانات والأنابيب والأجهزة المائية الأخرى، خسارة الإيجار، نضح أجهزة الاطفاء الرشاشة.[3]

 

ترى هل أن غطاء التأمين يضم جميع هذه الأخطار الإضافية؟

 

ليس معروفًا إن كان التأمين ينصبُّ على المنتجات المخزونة في المستودعات أو المنقولة عبر الأنابيب throughput.  كما أنه ليس معروفًا إن كان خطر التسرب leakage مؤمنًا عليه، وهو في العادة غطاء يرتبط عادة بالتأمين على المنتجات المنقولة بواسطة الأنابيب.

 

كما أنه ليس معروفًا إن كان عطب المكائن Machinery Breakdown موضوعًا للتأمين والذي يمكن أن يشمل الأنابيب، محطات الضخ ومحطات القياس metering stations وغيرها، والمستودعات بضمنها المعدات الميكانيكية الملحقة بها.

 

نخرج من هذا العرض بانطباع أن من قام بوضع مطلب التأمين يفتقر إلى معرفة حقيقية بمفاهيم التأمين وأنواع التأمين ومدى قدرة شركة التأمين المختارة الاكتتاب بها.

 

(3) شركة خطوط الأنابيب النفطية وإدارة التأمين والإطار القانوني لشراء التأمين

 

لم يعرف عن شركة خطوط الأنابيب النفطية أنها قامت في الماضي بالتأمين على ممتلكاتها أو مسؤولياتها أو توقف أعمالها فلماذا الهرولة وراء شراء حماية التأمين الآن؟  وكيف ولدت فكرة التأمين لديها؟  هل جاءت بفضل مراجعة شاملة لإدارة الأخطار الكامنة في صلب أعمال الشركة، وتحليل لكلفة الخسائر المادية التي تكبَّدتها في السابق جراء أعمال التصليح أو الاستبدال لبعض ممتلكاتها المتضررة، أو اتباع مثال شركات مماثلة في العالم العربي أو في العالم؟

 

لنفترض أن إدارة الشركة، أو القسم المسؤول عن التأمين في الشركة، بافتراض وجود مثل هذا القسم، قد وعت أهمية حماية التأمين، وقامت بدراسة اقتصادية للمقارنة بين تمويل تكاليف تصليح واستبدال ممتلكاتها المتضررة من أموالها الخاصة أو تمويل هذه التكاليف من خلال شراء حماية التأمين، وخرجت باستنتاج مفاده أن شراء التأمين يوفر على الشركة تكاليف التصليح والاستبدال، وهو بذلك مبرر اقتصاديًا.

 

وقبل الإقدام على إجراء التأمين هل قامت الشركة بتخصيص المبالغ اللازمة لتمويل قسط التأمين؟  أم أن قرار التأمين قد اتخذ، ربما من قبل المدير العام وكالة للشركة، دون الأخذ بنظر الاعتبار مصدر مثل هذا التمويل؟  ربما كان التفكير منصبًا على أن التمويل سيكون من الدخل التشغيلي للشركة أو باللجوء إلى وزارة النفط/المالية للحصول على التخصيصات المطلوبة.  سؤال لا نعرف جوابه، أثرناه للتنبيه على أهمية أدارة الخطر (تشخيص، وقياس، وتمويل الخطر من الموارد الداخلية أو تحويل عبء التمويل إلى شركة تأمين) وتوفير التخصيصات المالية المناسبة لشراء التأمين.

 

بعد ذلك، هل فكَّرت إدارة الشركة باستدراج عروض التأمين من شركات التأمين العراقية كما تقضي بذلك المادة 81-ثالثًا من قانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005 (المعروف بالأمر رقم 10) التي تنص على الآتي:

 

يجري التأمين على الأموال العامة والاخطار التي ترغب الوزارات أو دوائر الدولة في التأمين ضدها بالمناقصة العلنية وفقاً لأحكام القانون، ولجميع المؤمنين المجازين في العراق حق الاشتراك فيها.

 

وهو نص، حسب علمي، لم يطبق حتى الآن ولم يُختبر على أرض الواقع.  ولكنه، على أي حال، يتعارض مع قانون تأسيس شركة التأمين الوطنية رقم 56 لسنة 1950 الذي ما يزال نافذًا.  فالمادة (7) تنص على ما يلي:

 

"على دوائر الحكومة والمؤسسات الرسمية أن تعهد حصراً إلى الشركة بمعاملات التأمين التي تجريها."[4]

 

رغم هذا التعارض بين القانونين فإن التفسير يميل إلى تغليب أحكام قانون تأسيس شركة التأمين الوطنية وهو ما عرضناه بشيء من التفصيل في دراسة منشورة لنا.[5]

 

وسواء استدعينا تطبيق أحكام قانون 2005 أو أحكام قانون 1950، فإن شركة خطوط الأنابيب النفطية لم تلتزم بأي منها.  هل أن عقد تأمينها، في حال إبرامه النهائي، يعتبر باطلًا لأنه يجافي الأحكام القانونية؟  نترك هذا الأمر للمتخصصين في القانون.

 

(4) ولادة مشروع التأمين كمقدمة للانتفاع غير النزيه

 

إذا تركنا هذا الجانب القانوني وتوسعنا في إثارة ملابسات ولادة فكرة تأمين ممتلكات ومسؤوليات وتوقف أعمال الشركة، ولجأنا إلى المعلومات المتداولة في سوق التأمين العراقي فإننا نخرج بصورة، مبهمة وربما غير مكتملة، ولكنها تؤشر على وجود طرف أو أطراف لها دور ما في ترويج هذا التأمين والعمل على تحقيقه.  ماذا تكشف هذه المعلومات؟

 

تقول هذه المعلومات أن شخصًا ما (لم يُعلن عن اسمه) يتمتع بمستوى متوسط من المعرفة التأمينية كان يعمل في إحدى شركات التأمين العراقية، ترك العمل فيها واتجه للعمل في مشاريع تجارية يدفع بها لنفسه أو لغيره ضمن روابط سياسية-طائفية-دينية (وهو المعهود في العراق وخاصة منذ الاحتلال الأمريكي)، وكما يتبين من عشرات القضايا التي تنظر بها هيئة النزاهة) كان من بينها عقد التأمين الطبي لوزارة التربية.[6]  وكان هذا الشخص يلعب دور الوسيط دون أن يكون مرخصًا من قبل ديوان التأمين للقيام بدور الوساطة.  في ذات الوقت عمل على تأسيس شركة تأمين ولم يُسأل عن مصدر رأسمال الشركة (ليس معروفًا إن كان مشروع تأسيس هذه الشركة قد نجح).  وعمل منذ سنوات على تأسيس علاقات مع شركة وساطة أو أشخاص يعملون في مجال وساطة التأمين في بيروت لإظهار سعة علاقاته داخل وخارج العراق.  قيل أن المنهج الذي اتبعه في ترويج مشاريع التأمين على وثائق التأمين تتميز بمبالغها الكبيرة وأقساطها العالية، وقيل بأنه يفتقر إلى المهنية والالتزام الصحيح بأحكام القوانين، فالهدف الأساس هو تحقيق النجاح بغض النظر عن الطرق غير النزيهة وهو ما يعرف بالـ wheeler-dealer

 

من المستغرب أن هذا الشخص كان يتصرف وكأنه يحمل تخويلًا مفتوحًا من شركة خطوط الأنابيب النفطية للتصرف كما يشاء للمضي في ترتيب التأمين لها.  وهكذا اختار إحدى شركات التأمين لتكون المؤمِن الحصري المباشر لأخطار الشركة – وهو ما يتعارض مع الأمر رقم 10 وقانون تأسيس شركة التأمين الوطنية كما ذكرنا سابقًا.  الأغرب من ذلك أن تقوم هذه الشركة بالاكتتاب بأخطار شركة خطوط الأنابيب النفطية دون دراسة تفصيلية هندسية لأخطار الشركة ودون أدنى اعتبار للقضايا الفنية التي تتطلبها العملية الاكتتابية (ومن بينها الأسس المعتمدة في تقييم الممتلكات المعروضة للتأمين وهل هي قيمة دفترية أو قيمة تقديرية أو قيمة استبدالية، وغياب تقرير الكشف الميداني الهندسي على الممتلكات، وعدد الخسائر وكلفتها خلال السنوات الثلاث أو الخمس الماضية، وأسئلة فنية أخرى تثيرها شركات التأمين قبل الإقدام على إجراء التأمين، وهو موضوع يستحق الدراسة المستقلة).

 

والغرابة لا تزول فقد لاحظ البعض أن غطاء التأمين يضم التأمين على توقف الأعمال Business Interruption/Loss of Profit وهو نمط من التأمين غير معروف في العراق، ولا تتوفر لدى شركة التأمين الحصرية أو غيرها أية خبرة في الاكتتاب بهذه الوثيقة.  ربما يكون الشخص الوحيد الملم بهذا التأمين المتخصص هو الأستاذ منعم الخفاجي.[7]

 

السؤال الذي ينتظر الإجابة هو: لماذا اختار الشخص المُكلّف أو المروّج التأمين مع هذه الشركة دون غيرها من شركات التأمين؟  هل هناك روابط غير معلنة مع شركة التأمين؟  وهل هناك تلاقي في المصالح والمكاسب على أساس سياسي/طائفي/اثني/ديني بين هذا الشخص وطالب التأمين وشركة التأمين؟  تلاقي المصالح ليس مستبعدًا في ظل ما هو قائم في العراق منذ 2003.  في شرحه لبعض العوامل المساعدة المساهمة في "تواضع التوجه الوطني التنموي الجامع" أثار د. علي مرزا موضوع الفساد بالصيغة التالية:

 

(ج) الفساد في بعض الجماعات/الأحزاب والذي وجد تطبيقاً له تطبيقاً "مؤسسياً" من خلال اللجان الاقتصادية فيها، أو من خلال غيرها من الوسائل، والتي تؤمن حصولها على نسبة من تكاليف المشاريع المنفذة أو المشتريات الحكومية في الوزارات أو الدوائر الرسمية التي "تسيطر" عليها.  ويمتد ذلك إلى جباية الاتاوات في المنافذ/المناطق الحدودية التي تقع تحت نفوذها، الخ.[8]

 

هناك بعض المعلومات الأولية التي ربما تساعد في فهم ترتيبات هذا التأمين.  فقد جاء في هذه المعلومات، وهي بحاجة إلى تأكيد، أن مبلغ التأمين على ممتلكات شركة خطوط الأنابيب النفطية يقرب أو يزيد عن مليار دولار، وأن قسط التأمين السنوي يُقدّر بأزيد من عشرين مليون دولار وهو رقم ربما فيه خطأ أو يقوم على المبالغة للنكاية بسمعة من يقف وراء هذا التأمين.  ربما هي المبالغة لأن الحد الأقصى للتعويض هو 100 مليون دولار (وليس معروفًا إن كان حد التعويض هذا هو لكل حادث each and every loss أو مجموع الحوادث خلال السنة annual aggregate) والخسارة المهدرة deductible للحادث الواحد هو 150,000 دولار.  هناك عدم تناسب بين قسط التأمين 20 مليون دولار والحد الأقصى للتعويض 100 مليون دولار الذي يعادل مجموع أقساط خمس سنوات، ويحتاج إلى تفسير.

 

(5)  عمولة إعادة التأمين الاختياري كوسيلة للفساد

 

إن الملاحظات في هذه الورقة تشير إلى وجود حالة فساد، وهدر للمال العام، تستفيد منها ماديًا بعض الأطراف داخل وربما خارج العراق، من خلال عمولة وساطة إعادة التأمين الاختياري facultative reinsurance؛ والعمولة مصدرها الأساس هو قسط التأمين الذي يدفعه المؤمن له.  ينشأ هذا الوضع من خلال تحميل سعر/قسط التأمين بالزيادة grossing up وهو ترتيب كانت تقوم بها بعض الأطراف لتحقيق منافع لها لا يُعلن عنها.  وقد أشرنا إلى أحد مظاهرها في سوق التأمين العراقي في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي.  نقتبس هنا فقرات مما كتبناه بهذا الشأن:

 

يذكر باقر المنشئ في مقالته "ذكريات سنواتي مع مؤيد الصفار" أن

 

"المرحوم مؤيد أدخل أسلوباً جديداً في التعامل مع معيدي التأمين من ناحية والمقاولين من ناحية أخرى، إذ كان يتفق مع المعيدين على أن تكون إعادة التأمين الاختيارية وفق السعر الصافي، في حين انه يقوم بتحميل السعر بعمولة مرتفعة في اتفاقه مع المقاولين وبذلك كان يحقق عائداً كبيراً للشركة."[9]

 

لم يكن الدافع وراء هذه الممارسة grossing up الانتفاع الشخصي بل تعظيم دخل الشركة.  هذه الممارسة كانت معروفة في معظم أسواق التأمين الغربية وتتم، بالطبع، دون علم المؤمن له من الأفراد والشركات؛ أي أنها تتم سراً.  وقد توقف العمل بها بفضل اتساع الرقابة والتأكيد المتعاظم على الشفافية في إجراءات التأمين من قبل الوسطاء وشركات التأمين، وفرض السلطات الرقابية للغرامات والعقوبات على ممارسيها.

 

في العادة، يضمُّ سعر التأمين الإجمالي gross rate العمولة التي يمنحها مكتتب عقد إعادة التأمين الاختياري (عمولة الشركة المسندة وعمولة وسيط التأمين) ما لم يحدد المكتتب نسبة توزيع العمولة بين الشركة المسندة ووسيط التأمين.  في الماضي، عندما كانت القواعد الرقابية ومستوى الشفافية في العلاقات ضعيفة، كانت فرص "التلاعب" بالعمولة سارية.  كتب أحد المحامين أن

 

العمولة التي يستحقها الوسيط هي العمولة التي يجيزها المكتتب [ويكتبها بخط اليد في قسيمة الوسيط].  ولذلك لا يحق للوسيط تحميل قسط التأمين بالزيادة ليوفر لنفسه مكافأة إضافية ما لم يقترن ذلك بالموافقة القائمة على معرفة المؤمن له والمكتتبين.

 

وجود شرط المعادل الصافي (ما يعادل المبلغ الصافي) net equivalent clause في القسيمة يسمح للوسيط أن يُعدّل القسط الإجمالي وفي ذات الوقت يعطي المكتتب نفس القسط الصافي الذي يريده المكتتب.  لو اُستخدم هذا الشرط بشكل يسمح للوسيط أن يزيد من حجم القسط الإجمالي فإن الشرط يتحول ببساطة الى وسيلة بديلة لزيادة السعر بالتحميل .... استعمال مثل هذه الشروط لزيادة العمولة لا يستقيم مع واجب الوسيط تجاه المؤمن له ما لم يقترن ذلك بالموافقة القائمة على معرفة المؤمن له informed consent.  ولذلك فقد تم إعلام مكتب توقيع الوثائق في لويدز (LPSO) برفض القسائم slips حيثما يُعّبر عن العمولة على أنه المعادل الصافي ما لم يُوَضّح أن المعادل الصافي هو للتخفيض net equivalent downwards أي أن المراد من المعادل الصافي هو تخفيض القسط الإجمالي فقط.[10]

 

يقول المحامي كلايف بروان ملخصًا الموضوع إن

 

العمولة التي يستحقها الوسيط هي العمولة التي يجيزها المكتتب.  ولذلك لا يحق للوسيط تحميل قسط التأمين بالزيادة ليوفّر لنفسه مكافأة إضافية ما لم يقترن ذلك بالموافقة القائمة على معرفة المؤمن له والمكتتبين.  وقد لخَّصت إحدى المرافعات الانضباطية الأساس الذي ينهض عليه هذا التحريم بشكل بارع كما يلي:

 

1        أقساط التأمين هي من وضع المكتتبين وليس الوسطاء.

 

2       من الخطأ تقديم قسط تأمين الخطر لوسيط مُنتج producing broker أو للمؤمن له خلافاً للسعر المُعطى من المكتتبين.

 

3       إن الوسيط عند إجرائه للتأمين ليس إلا وكيلاً وليس موكلاً.  وهو يكسب مكافأته بالعمولة اعتماداً على مبادئ راسخة وليس بزيادة الأسعار كما لو أنه يتاجر بالسلع.

 

4       إن الوسيط المُنتج للأعمال producing broker ووسيط التغطية placing broker كلاهما مُلزمان بحسن النية تجاه المؤمن له وتجاه المكتتب على حد سواء.

 

5       ليست هناك ظروفاً تبرر تقديم بيان غير صحيح عمداً عن قسط التأمين المُقدَّم من قبل المكتتبين.[11]

 

في تقديرنا ان قسط التأمين المقدر بأزيد من 20 مليون دولار ينطوي على تحميل قسط التأمين الأصلي الذي تفاوض عليه الوسيط الدولي لإعادة التأمين، في سوق لندن أو مركز دبي المالي العالمي (DIFC)، مع المكتتب القائد لعقد إعادة التأمين الاختياري وسلمه لوسيط آخر في بيروت الذي أوصله إلى صاحبنا الذي يتولى مشروع تأمين شركة خطوط الأنابيب النفطية، والذي قام بدوره بعرضه على شركة التأمين العراقية التي اختارها.

 

قسط التأمين هذا، الذي قيل بأنه مبالغ فيه يضمُّ، كما يبدو، تحميلًا على قسط إعادة التأمين الأصلي الذي تفاوض عليه الوسيط الدولي لإعادة التأمين مع المكتتب القائد.  الفرق بين قسط إعادة التأمين الأصلي وقسط التأمين المبالغ فيه (أي قسط التأمين الذي قدمته شركة التأمين لشركة خطوط الأنابيب النفطية)، وهو فرق ربما يكون كبيرًا، هو الكعكة التي سيتقاسمها المنتفعون من وثيقة تأمين الشركة.

 

(6) ديوان التأمين وتطوير العمل التأميني المؤسسي

 

إن ضعف، وبالأحرى غياب، العمل المؤسسي، القائم على قواعد وممارسات واضحة، يفسر انعدام الشفافية والسلوك غير المهني للعديد من الشركات العامة والأطراف المحلية والأجنبية التي تتعامل معها، وهو الذي يشكل خلفية لحالات الفساد التي أطنب الكتاب في عرضها واجتراح الحلول لها.

 

ترى ما هو موقف ديوان التأمين من الشخص الذي يتصرف وكأنه وسيط تأمين مباشر أو وسيط لإعادة التأمين، وما هو موقفه من شركة التأمين المراد قيامها بالتأمين الحصري على أخطار شركة خطوط الأنابيب النفطية خارج متطلبات القانون؟  وكيف يتولى الديوان حل التناقض بين قانون تأسيس شركة التأمين الوطنية لسنة 1950 والأمر رقم 10 لسنة 2005 الذي وضعه المحتل الأمريكي؟

 

(7)  سرقة النفط وتهريبه

 

ونحن نكتب هذه الورقة وصل إلى مسامعنا أن مشروع تأمين شركة خطوط الأنابيب النفطية قد تعرَّض لما يشبه الانتكاسة بسبب عدم توفر قسط التأمين (20 مليون دولار) لدى الشركة، وحتى أنه قيل إن الشركة لو كانت تمتلك هذا المبلغ فإنها كانت ستنفقها على تصليح الأنابيب التي يسرق منها النفط!  وهي مسألة قائمة، كما هو معروف.  من المفيد هنا أن ننقل بعض ما نقلته وكالات الأنباء حول ما حصل في اجتماع لجنتي النفط والطاقة والأمن والدفاع في مجلس النواب.  فتحت عنوان "لصوص الدولة في البرلمان يعترفون بتهريب الميليشيات للنفط" نقرأ كيف

 

تحولت جلسة اجتماع لجنتي النفط والطاقة والأمن والدفاع في مجلس النواب، إلى عرض في تبادل الاتهامات بين لصوص الدولة من الأحزاب والميليشيات في تهريب النفط، من دون أن يجرؤ أي من المسؤولين في الوقوف بوجه المهربين.[12]

 

وكيف أن

 

النفط الذي يمر عبر أنبوب البصرة إلى الناصر، تنخفض كمياته. فعندما يقولون مثلاً إننا قمنا اليوم بضخ مليون برميل عبر الأنبوب، وتفحص شرطة النفط الأنبوب بعد بضع كيلومترات، من خلال أجهزة القياس الحراسة الأمنية للأنبوب، نجد أن نفس الكمية التي تضخ من البصرة لا تصل إلى الناصرية، أي أن جزءاً منه يفقد، وعند التحقيق يتبين لنا خروج أنابيب فرعية من الأنبوب الرئيس إلى مقرات الميليشيات، لكن لا أحد يجرؤ على الاقتراب منهم. هذا هو التهريب والنهب الحقيقيان.[13]

 

لطالما قلنا بأن قطاع التأمين هو الصورة المصغرة للاقتصاد العراقي، وما عرضناه في هذه الورقة يؤشر على جانب من الهدر المذكور في هذين الاقتباسين.

 

(8) دعوة للتقييم والمناقشة

 

سأكون شاكرًا لكل من ينبهني على أي خطأ في العرض أو في المعلومات التي أوردتها خاصة وأنها لا تعتمد على مسستندات مكتوبة.  إن النقاش المستمر وتضافر الجهود بين المعنيين بتطوير قطاع التأمين العراقي بمكوناته المختلفة، بدءًا بالمؤمن لهم وانتهاءً بشركات التأمين وإعادة التأمين ومقدمي الخدمات التكميلية، كفيلان بالكشف عن مكامن النقص ووسائل التغلب عليها ووضع أسس التقدم.

 

6 حزيران 2022

 


 


 



[1] الموقع الإلكتروني لوزارة النفط لا يذكر شركة خطوط الأنابيب النفطية ضمن تشكيلاته: https://oil.gov.iq/ تمت زيارة الموقع بتاريخ 6 حزيران 2022.

 

[2] تمت زيارة الموقع بتاريخ 6 حزيران 2022: https://opc.oil.gov.iq/

 

[3] منعم الخفاجي، مدخل لدراسة التأمين (بيروت: منتدى المعارف، 2018)، ص 56-57.

[4] الوقائع العراقية | العدد: 2861 | تاريخ: 23/07/1950.  النص الكامل متوفر في قاعدة التشريعات العراقية:http://www.iraqld.iq/LoadLawBook.aspx?page=1&SC=&BookID=19077

 

راجع: مصباح كمال، "دعوة لحل التناقض بين قوانين التأمين العراقية،" شبكة الاقتصاديين العراقيين:

http://iraqieconomists.net/ar/2020/06/07/%d9%85%d8%b5%d8%a8%d8%a7%d8%ad-%d9%83%d9%85%d8%a7%d9%84-%d8%af%d8%b9%d9%88%d8%a9-%d9%84%d8%ad%d9%84-%d8%a7%d9%84%d8%aa%d9%86%d8%a7%d9%82%d8%b6-%d8%a8%d9%8a%d9%86-%d9%82%d9%88%d8%a7%d9%86%d9%8a%d9%86/

 

[6] للتعرف على بعض ملابسات عقد التأمين الصحي لوزارة التربية راجع: حيدر حاسم العجيلي، "ملاحظات حول التأمين الصحي في العراق،" شبكة الاقتصاديين العراقيين:

حيدر جاسم العجيلي* ملاحظات حول التأمين الصحي في العراق – شبكة الاقتصاديين العراقيين (iraqieconomists.net)

والتعليقات التي أثارها المقال.

[7] منعم الخفاجي، تأمين خسارة الأرباح (بغداد: منشورات شركة التأمين الوطنية، 2020).

 

يمكن التغلب على النقص المعرفي في مجال التأمين على خسارة الأرباح من خلال دورات تدريبية مكثفة لمجموعة من العاملين في شركات التأمين وفي الشركات، العامة والخاصة، الراغبة بشراء هذا النوع من التأمين.  ويمكن لجمعية التأمين العراقية تنظيم مثل هذه الدورات بالاستفادة من الخبرات المحلية المتوفرة أو استقدام خبير من خارج العراق.

 

[8] علي مرزا، "التركيبة المؤسسية وغياب استراتيجية وسياسات تنمية مستدامة في العراق،" شبكة الاقتصاديين العراقيين، ص 11: Merza_Institutional_Setup_Econ_Dev_in_Iraq.pdf (iraqieconomists.net)

 

[9] باقر المنشئ، "ذكريات سنواتي مع مؤيد الصفار،" مرصد التأمين العراقي:

https://iraqinsurance.wordpress.com/2015/08/31/memories-of-my-years-with-the-late-mouayyad-al-saffar/

كما ورد في مقال مصباح كمال، "مؤيد الصفار: مكتتب ومدير في شركة تأمين عامة،" الثقافة الجديدة، العدد 380، كانون الثاني 2016، ص 57-66.  نشرت أيضاً في موقع شبكة الاقتصاديين العراقيين:

http://iraqieconomists.net/ar/2016/04/21/%d9%85%d8%b5%d8%a8%d8%a7%d8%ad-%d9%83%d9%85%d8%a7%d9%84-%d9%85%d8%a4%d9%8a%d8%af-%d8%a7%d9%84%d8%b5%d9%81%d8%a7%d8%b1-%d9%85%d9%83%d8%aa%d8%aa%d8%a8-%d9%88%d9%85%d8%af%d9%8a%d8%b1-%d9%81%d9%8a/وهي متوفرة في الشبكة العنقودية:

https://drive.google.com/file/d/0B8kCZNvJ2l88VTByVV9aZnN1WG8/view?usp=sharing

 

[10] محاضرة ألقاها كلايف براون Clive Brown، واحد من كبير المشاركين في مكتب المحاماة كاميرون مَكّينه، لندن، في مؤتمر رابطة وسطاء التأمين والاستثمار البريطانية في نيسان/أبريل 1998.  وكان المحاضر قد نشر مقالة في نفس مضمون محاضرته تحت عنوان “Broker remuneration: the regulatory issues” في جريدة

Lloyd’s List Insurance Day, Tuesday April 1998

يمكن قراءة الترجمة الكاملة لنص المحاضرة في كتاب مصباح كمال، ترجمة وإعداد، مقالات ومراجعات حول الخطر والتأمين (بيروت: منتدى المعارف، 2019)، الفصل العاشر، ص 137-146.

[11] كلايف بروان، في كتاب مصباح كمال، مصدر سابق، ص 140.

ليست هناك تعليقات: