إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

2020/12/26

Some Implications of Appointing a New Director General for Iraq Reinsurance Co

 

نظرة على بعض تداعيات تعيين "مدير عام" جديد لشركة إعادة التأمين العراقية


مصباح كمال

 

(1)          غياب الإعلان عن شاغل الموقع الأول في الشركة

 

ورد إلى علمنا أنه بتاريخ 17 كانون الأول 2020 عُيّن السيد علي الجزائري (سيرد اسمه واسم غيره فيما يلي مع حفظ الألقاب) لتمشية أعمال شركة إعادة التأمين العراقية.[1]

 

كما حصل في السابق،[2] لم يصدر بيان رسمي من شركة إعادة التأمين العراقية (من هذه النقطة فصاعدًا "الإعادة العراقية") بشأن هذا التعيين، ولم يرد ذكره في الموقع الإلكتروني للشركة.[3]

 

قد يبدو للبعض أن موضوع الإعلان عن تعيين شاغل الموقع الأول لا يستحق الاهتمام، وهو ليس كذلك وخاصة بالنسبة لشركة، وبفضل طبيعة العمل الذي تقوم به، تتعامل مع شركات متخصصة بإعادة التأمين خارج العراق وكذلك وسطاء متخصصون بأعمال إعادة التأمين وبالتالي فإنها تهتم بالتغيرات التي تحصل في إدارة الإعادة العراقية.  وعدا ذلك، فإن آداب الإدارة تقتضي من الطرف المسؤول عن التعيين اهتمامًا بالإعلان عن التغييرات الإدارية في المواقع المهمة داخل الشركة، كما نقرأ عنها باستمرار في الصحافة التأمينية الغربية عن التعيينات الجديدة والتنقلات.

 

يُضاف إلى ذلك أن شركات إعادة التأمين[4]، وعلى رأسها ما يُعرف بالمعيد القائد leading reinsurer للإعادة العراقية، وهي دائمًا شركة أجنبية، يُعنيها معرفة من يتولى إدارة الإعادة العراقية.  وينهض هذا الاهتمام من واقع الاعتبارات التي تأخذها شركات إعادة التأمين بنظر الاعتبار، إذ يحتل موضوع إدارة الإعادة العراقية وطاقمها الفني (وهي ضمن سياق العلاقة مع هذه الشركات تعرف بالـ "الشركة المُسْنِدة" ceding company أو reinsured)، أهمية لا تقلُّ قيمتها عن اعتبارات أخرى ذات طابع فني ومالي يتعلق بعضها بحجم أقساط التأمين المكتتبة والمتوقعة، ومطالبات التعويض المسددة والموقوفة، ورأس المال، والاحتياطيات وغيرها.  ومن المعروف أن التكنولوجيا الأساسية في شركات التأمين وإعادة التأمين تتمثل بالكوادر المؤهلة والمدربة حتى أن المعيد القائد يوفر للشركة المسندة، إضافة إلى حماية إعادة التأمين، فرص تدريبية لرفع المستوى الفني للمكتتبين وغيرهم في الشركة.  هكذا كان الحال، مع شيء من الركود بسبب الحرب العراقية-الإيرانية، قبل غزو العراق للكويت.

 

(2)         سوء تطبيق البيروقراطية في التعيين

 

إن الخبر الذي وردنا يقول بأن الجزائري عُيّن "لتمشية أعمال الشركة."  أي أنه ليس مديرًا عامًا أصيلًا أو مديرًا عامًا بالوكالة.  ونفهم من صفة التعيين أنه إجراء مؤقت لحين ترشيح البديل من وزير المالية أو توصّل المؤسسة الحزبية الطائفية القائمة إلى ترشيح مدير عام أصيل أو بالوكالة يعرضه الوزير على مجلس الوزراء للموافقة عليه.

 

إذا كان فهمنا لهذا التعيين صحيحًا، أي أنه إجراء مؤقت من قبل وزارة المالية، أما كان بالأحرى تعيين أحد موظفي أو موظفات الإعادة العراقية من العاملين في الأقسام الفنية لتمشية أعمالها، وهو السائد في مختلف الدول؟  لكن هذا السؤال البريء يبدو ساذجًا أمام قيم المولاة أو التخادم الطائفي أو الحزبي التي تأتي في الصدارة قبل أي اعتبار آخر في عملية الاختيار.  يزداد الأمر غرابة عندما نعلم أن من قام بتكليف الجزائري هو حسن سلمان المكوطر، مدير عام الدائرة الإدارية في الوزارة، وليس علي عبد الأمير علاوي، وزير المالية.  والأنكى من ذلك أن التكليف كان شفهيًا وكأن مسألة إشغال الموقع الأول في الإعادة العراقية يحتاج إلى إجراءٍ سريع وآني كي لا تتوقف أعمال الشركة وربما تتعرض للانهيار!  إن التعيين الشفاهي مثار استغراب كبير في البيئة العراقية الذي يزخر بخطاب البيروقراطية، على سبيل المثل، "بناءً على مقتضيات ..." أو "استناداً إلى المادة والتعليمات الخ."

 

من المعروف أن المؤسسات الحكومية في العراق تخضع لبيروقراطية فجّة وغبية وعمليات تزوير للمستندات، مثلًا، للاستحواذ على ممتلكات الغير.  في معرض تعليقه على مكافحة الفساد في فصل "من جمهورية الخوف إلى جمهورية الفساد" كتب طارق الهيمص أن "الآفاق لا تبشر بالخير" وذلك لثلاثة عوامل.  الأول، مدى وجود سلطة قوية قادرة على اتخاذ القرارات الصعبة وتنفيذها.  الثالث، عدم وجود سياسات واضحة وخطط متفق عليها، تشخص طبيعة وحجم الفساد وأسلوب معالجته.  أما العامل الثاني[5]

 

الذي لا يبشر بالخير في مكافحة الفساد هو أن الكتل الحاكمة التي تلت الاحتلال، قد أضاعت فرصة ذهبية في تثبيت فهم جديد تختلف عن مشروعية انتفاع الحكام وذوي المسؤولية من موارد السلطة وامتيازاتها، ومع عدم التشكيك في نزاهة وحسن نية الكثيرين إلا أن ما شهده الناس بين النخب الجديدة من عقلية التعويض عن المحرومية وهاجس "جاء دورنا" قد أعاد بالقيم والممارسات المألوفة في العقود السابقة، ولو كانت بوجوه أخرى ووسائل تختلف.

 

عندما كُلفَّ رشاد الدايني بإدارة شركة التأمين العراقية العامة هبَّ موظفو وموظفات الشركة في تظاهرة ضده وحالوا دون دخوله مبنى الشركة بسبب تُهم وملفّات فساد متعلقة به، كما جاء في الصحافة العراقية.  كان ذلك في 4 شباط 2020.  وهو موقف سيسجل لصالحهم في تاريخ التأمين العراقي لأنه يدلُّ على حسٍ عالٍ في رفض الفساد الإداري.[6]  لا أتوقع تحركًا مماثلًا في الإعادة العراقية.

 

(3)         هل المعرفة بالتأمين ضرورية لتعيين "المدير العام"؟

 

إن الجزائري لا علاقة له بالتأمين أو إعادة التأمين، رغم كونه معاون مدير عام (غير فني) في الإعادة العراقية[7] وهو لا يعرف اللغة الإنجليزية، اللغة العالمية للتعامل في شؤون إعادة التأمين.

 

من المفيد أن ننقل هنا ما قاله مصطفى رجب، أول مدير عام للإعادة العراقية، جوابًا على سؤال حول إنكار البعض لدور الدولة في مجال إعادة التأمين، وكيف يستقيم هذا الموقف مع ما أنجزته الإعادة العراقية كمؤسسة مملوكة للدولة:

 

العبرة ليست في ملكية رأس المال وإنما نوعية من يحتل الموقع الأول في المسؤولية فإن كان كفءً معتزاً بسمعته فإنه سوف لن يقبل التدخل في إدارته للشركة حتى وإن كلفه ذلك فقدان منصبه.  أما إذا كان المسؤول الأول فاقداً للكفاءة غير مهتم بسمعته فإنه سيجاري هذه الفئة أو تلك على حساب المسيرة السليمة للمؤسسة التي يديرها.[8]

 

قد يقول قائل إن شرط المعرفة بالتأمين ليس ضروريًا لمن يتولى إدارة شركة للتأمين وإعادة التأمين، وهي كلمة حق لكنها في ضوء تجربة الإعادة العراقية باطلة.  أين هي الكفاءة والخبرة الفنية والإدارية ممن كانوا على رأس الإدارة الإعادة العراقية منذ سنة 2007؟  لم ينجح أي منهم في تحقيق نقلة نوعية في أي من مجالات العمل وفشلوا في بناء وتدريب الصف الثاني من الموظفين.  هم على شاكلة ما صار يعرف بسياسي الصدفة، فهؤلاء ليسوا برجال دولة بل مستخدمين لدى الأحزاب الدينية والإثنية، وظيفتهم إدامة سلطة هذه الأحزاب؛ وهم لم يستطيعوا حتى استلهام تجربة الملك فيصل الأول.

 

لنقارنهم بسرعة ببعض المدراء العامين في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي:

 

عبد الوهاب الدباغ، 1958-1963، شركة التأمين الوطنية.  وصفه بهاء بهيج شكري بأنه لم يكن من رجال التأمين، "بل كان واحدًا من رجال الإدارة القلائل الذين يتسمون بالحزم والكفاءة والنزاهة والوطنية الصادقة."[9]  واعتبره رائد التأمين في العراق، كما جاء في صفحة الإهداء في كتابه.

 

مصطفى رجب، 1960-1980، الإعادة العراقية[10]

يحمل شهادة دكتوراه في القانون من جامعة سويسرية، ويتحدث بثلاث لغات.  مثَّل الإعادة العراقية وقطاع التأمين العراقي في محافل التأمين العربية والدولية باقتدار، وعمل، مع جمع من زملائه في بناء شركة إعادة تأمين ذات مستوى رفيع بين شركات إعادة التأمين في "العالم الثالث" من خلال نشر عملياتها في بلدان هذا العالم وتعظيم الاحتفاظ بالأقساط، وتنمية الحرفية لدى العاملين.

 

عطا عبد الوهاب، 1964-1966، شركة التأمين الوطنية[11]

 

عبد الباقي رضا، 1966-1978، شركة التأمين الوطنية[12]

 

كلهم دخلوا مجال العمل التأميني من خارج هذا المجال، أي لم يعملوا في بدء حياتهم الوظيفية في شركة تأمين، لكنهم أثبتوا أنهم يمتلكون قدرات إدارية متميزة، وقدرة فائقة لتعلم واستيعاب مفاهيم التأمين وإعادة التأمين وتطبيقاتها، وكانوا رجال تأمين عن حق وليس مجرد موظفين.

 

إن اختيار المدير العام يجب أن يكون قائماً على القدرات الإدارية والفنية والمهارات القيادية لديه لا أن يكون المعيار ولائه للوزير أو لحزبه أو طائفته.  قد يجتمع الولاء مع المهارات الإدارية والقيادية، وفي غياب المعرفة الفنية بالتأمين كما كان الحال، حسب اعتقادنا، مع اختيار مدير عام شركة التأمين الوطنية، عدنان عبد الحسين أمين الربيعي، من خارج قطاع التأمين (اغتيل في ذروة الاقتتال الطائفي في تشرين الأول 2006).  كان يتمتع بخبرة عملية في قطاع النفط ومعرفة جيدة باللغة الإنجليزية ودراسة أكاديمية في حقل الإدارة في جامعة بريطانية.  في لقاء معه في لندن اكتشفنا بأنه استوعب الكثير من تفاصيل العمل التأميني خلال فترة قصيرة من تعيينه (أيلول 2005) عن طريق الاستماع للفنيين في الشركة والاستئناس بآرائهم.

 

لا نظن أن معيد التأمين القائد[13] سيكون مسرورًا بوجود الجزائري على رأس الإعادة العراقية.  وبالنسبة للفنيين وأصحاب المعرفة بإعادة التأمين في الشركة، فإن دوره سيكون فائضًا عن الحاجة الفنية.  والخشية أنه، بسبب الجهل الفني أو نقص المعرفة بآليات التأمين وإعادة التأمين، قد يُصعّب عمل الفنيين، وقد يثير قضايا لا علاقة لها بأساسيات العمل التأميني، ذلك لأن "القليل من المعرفة هو شيء خطير."[14]

 

إن متطلبات الوظيفة أكبر من مؤهلات من اختير له.  وهنا ينهض سؤال عن صدق المرء مع نفسه عندما يُكلف بمهام تفوق إمكانياته الفنية والإدارية فقد قال الرسول (صلعم) "رحم الله امرأ عرف قدر نفسه" وقبله نُقش على معبد أبولو الإغريقي "أعرف نفسك أولاً."  من حقنا أن نسأل: ترى ما الذي يضفي شخص بمؤهلاته القليلة على إدارة وعمل الشركة؟

 

(4)        مراجعة لتعيين بعض المدراء

 

لم تهتم وزارة المالية منذ سنة 2007 بمؤهلات من يشغل الموقع الأول في الشركة كما يتبين من استعراض قصير لشاغلي هذا الموقع.

 

عبد الله رحمه إبراهيم

آذار 2007–آب 2015

كان يعمل في شركة التأمين العراقية في موقع لا علاقة له بإعادة التأمين.  ليس له معرفة باللغة الإنجليزية.

طارق سرحان محسن علي الساعدي

آب 2015–كانون الأول 2017

قبل تعيينه مديرًا عامًا للشركة كان مديراً لمركز التدريب المالي والمحاسبي في وزارة المالية، وهو من المفصولين السياسيين.  لا علاقة سابقة له بالنشاط التأميني، وليس له معرفة باللغة الإنجليزية.[15]

هيفاء شمعون عيسى

كانون الثاني 2018-آذار 2018

شغلت الموقع بالوكالة، وكانت في نفس الوقت المدير العام وكالة لشركة التأمين الوطنية وشركة التأمين العراقية.  كان التعيين لفترة قصيرة ولكن لم يخطر على بال وزارة المالية أن إشغال ثلاثة مواقع في نفس الوقت له آثاره السلبية على شاغلة المواقع وعلى الإدارة السليمة للشركات.

فوزية يوسف بابا

نيسان 2018-تموز 2018

كانت تشغل موقع مدير قسم الرقابة في الشركة، وكُلفت من قبل وزارة المالية بإدارة الشركة مؤقتاً لكونها الأكبر سناً.

رياض محمد إبراهيم

تموز 2018-تشرين الأول 2019

قبل تعيينه مديراً عاماً بالوكالة كان مديراً عاماً بالوكالة لدائرة المحاسبة في وزارة المالية، وهو من المفصولين السياسيين.  لا علاقة سابقة له بالنشاط التأميني، وليس له معرفة باللغة الإنجليزية.

فوزية يوسف بابا

تشرين الأول 2019-كانون الثاني 2020

تشغل موقع مدير قسم الرقابة في الشركة، وكُلفت من قبل وزارة المالية بإدارة الشركة مؤقتاً لكونها الأكبر سناً لتمشية أعمال الشركة

بشرى أحمد

شباط 2020

مديرة القسم المالي.  كُلفت بتمشية أعمال الشركة لبضعة شهور.

أفراح محمد عبد علي

أيلول 2020-كانون الأول 2020

قبل تعيينها مديرًا عامًا بالوكالة كانت تشغل منصب مدير عام مصرف الرافدين.  قيل بأنها خضعت للتحقيق بسبب الفساد المالي والإداري، وهو ما يحتاج إلى استقصاء للتأكد من صحته.  ليس لها علاقة سابقة بالتأمين.

 

وبان عدم الاهتمام في الورقة البيضاء (10 تشرين الأول 2020) لحكومة مصطفى الكاظمي من خلال عدم إيراد اسم الإعادة العراقية إطلاقًا، وقد كتبنا التالي بهذا الشأن:

 

عتلة التحول الاقتصادي المضمرة في الورقة البيضاء هي القطاع الخاص والاستثمار المباشر الأجنبي.  لكن خطة إصلاح قطاع التأمين لا تضم موقفًا واضحًا من شركات التأمين العامة والخاصة، وكذلك شركة إعادة التأمين الوحيدة في العراق (شركة إعادة التأمين العراقية العامة).[16]

 

(5)         غياب تكامل قطاع التأمين العراقي

 

بفضل جهود مجموعة فنية صغيرة، وليس المدراء، استطاعت الإعادة العراقية البقاء في ساحة العمل وتوفير حماية إعادة التأمين لما يقرب من نصف عدد شركات التأمين العاملة في العراق.  كان بإمكان الشركة أن تكون في وضع أفضل لو لم تخضع لما يبدو أنه إهمال متعمد من المؤسسة الحاكمة، المستهدية بأطروحات المؤسسات المالية الدولية، لتقويض وجودها، ومن ثم الحكم عليها بالفشل كما فعلت وتفعل مع المنشآت العامة الأخرى، وتمهيد السبيل للخصخصة أو التصفية.

 

من مفارقات الفكر الليبرالي الجديد السائد عند البعض في المؤسسة الحاكمة في العراق الدعوة إلى تكامل الاقتصاد العراقي، ومنه الإعادة العراقية، مع الاقتصاد العالمي.  لكن هذا الفكر لا يدعو في ذات الوقت إلى تكامل الاقتصاد الوطني.  وقد خبرنا هذا الفكر في مجال التأمين من خلال قانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005 (الأمر رقم 10) الذي قامت الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية بصياغته، وبموجبه جرى التشريع للتأمين خارج القواعد الرقابية وهو ما يعرف بالإنجليزية باسم non-admitted insurance، أي حرية التأمين وإعادة التأمين خارج العراق.[17]

 

لقد بدأ "تفكيك" الاقتصاد العراقي منذ أواخر ثمانينيات القرن الماضي[18] وفق نظام خصخصة شركات معينة، استفاد منها الموالون للنظام.  وتتوج التفكيك بنظام العقوبات الدولية (1990-2003) الذي أنهك ما تبقى من المنشآت العامة بعد ما قام التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية بقصف العديد من المنشآت الصناعية والمرافق العامة.  واستمر الهدم مع الغزو والاحتلال الأمريكي سنة 2003.

 

وفيما يخص الإعادة العراقية فقد أقدم النظام الدكتاتوري سنة 1988 على إلغاء الإسناد الإلزامي لنسبة من محافظ شركة التأمين الوطنية وشركة التأمين العراقية للإعادة العراقية.  لكن الشركتين استمرتا بالإسناد ربما استمراراً لتقليد قائم أو التزاماً مضمراً بميل وطني لتعزيز مكانتها كشركة إعادة عراقية، وفيما بعد من باب الاضطرار بعد فرض العقوبات الدولية التي شملت وقف تعامل قطاع التأمين العراقي مع شركات إعادة التأمين العالمية.

 

(6)        الإسناد الإلزامي وتكامل قطاع التأمين العراقي

 

إن مشروع تكامل قطاع التأمين العراقي ما زال قائمًا لكنه لم يَلقَ اهتمامًا من المؤسسة الحاكمة أو من العاملين في قطاع التأمين.  ربما نكون مغالين بالقول بأننا حاولنا سنة 2015 إحياء الإسناد الإلزامي وكتبنا عنه بشيء من التفصيل، نقتبسه أدناه كي نوفر على القراء عناء البحث.[19]

 

"الإسناد الإلزامي لأعمال التأمين المكتتبة من قبل شركات التأمين المباشر

كان الإسناد الإلزامي[20] موجوداً لغاية أواخر ثمانينيات القرن الماضي، وساهم في تعزيز مكانة الإعادة العراقية ودورها المحلي والخارجي.  وكان مثل هذا الإسناد يعتبر جزءًا من مشروع بناء سوق وطنية متكاملة للتأمين في بلدان "العالم الثالث" في ذلك الوقت.[21]  وقد نصَّ قانون تأسيس شركة إعادة التأمين العراقية رقم 21 لسنة 1960 في المادة 5 على هذا الإسناد كما يلي:

 

1-تُلزم شركات التأمين وجماعات التأمين بالاكتتاب وهيئات التأمين الأجنبية المؤممة العاملة في العراق بإعادة التأميم لدى هذه الشركة بالنسبة التي تحددها شركة إعادة التأمين العراقية على أن لا تزيد عن النسب المبينة أدناه ذلك من كل عملية من عمليات التأمين التي تجريها في العراق:

 

أ‌-التأمين البحري بنسبة لا تزيد عن 15%

ب‌-الحريق بنسبة لا تزيد عن 10%

ج–حوادث السيارات بنسبة لا تزيد عن 5%

د–الحوادث الأخرى عدا السيارات بنسبة لا تزيد عن 10%

هـ–التأمين على الحياة بنسبة لا تزيد عن 15%

 

2-ويجوز لهذه الشركة بالإضافة الى ذلك [أن] تقبل إعادة التأمين بموجب اتفاقيات خاصة.

 

وتم تعديل هذه المادة بموجب القانون رقم 132 لسنة 1964 قانون تعديل قانون تأسيس شركة اعادة التأمين العراقية رقم 21 لسنة 1960 وأصبح نافذاً اعتباراً من أول كانون الثاني سنة 1965 ليكون كالآتي:

 

المادة الخامسة

1 – تلزم كافة شركات التأمين المؤممة بإعادة تامين نسبة قدرها 25% من عمليات التامين التي تجريها في العراق لدى شركة إعادة التامين العراقية.

 

2 - يتم الإسناد الإلزامي الوارد ذكره في الفقرة السابقة على أساس فائض الاحتفاظ في فرعي التامين على الحياة وتكوين رؤوس الاموال وعلى أساس المشاركة في بقية فروع التامين.

 

3 - ولشركة إعادة التامين العراقية القيام بأعمال إعادة التامين الواردة والصادرة بشكل اتفاقيات أو عمليات اختيارية.

 

4 - للشركة حق إصدار التعليمات التي تنظم العلاقات الإلزامية بينها وبين الشركات المذكورة في الفقرة الأولى من هذه المادة وتكون هذه التعليمات ملزمة بتلك الشركات بعد المصادقة عليها من قبل المؤسسة العامة للتامين.

 

وبفضل هذا الإسناد الإلزامي، إضافة إلى الإدارة الجيدة للشركة، حققت الإعادة العراقية تطوراً مهماً في سياستها بالاكتتاب خارج العراق وفي تعظيم قدراتها الاحتفاظية.  وأرى أن مطلب الإسناد الإلزامي، لو تم تشريعه، سيعزز مكانة الإعادة العراقية واحتفاظها وقاعدتها المالية مما يعطيهاً زخماً في تعاملها مع معيدي التأمين في المستقبل، وسيفرض على إدارتها تطوير كوادرها المهنية.

 

لقد كان إلغاء الإسناد الإلزامي أواخر ثمانينيات القرن الماضي إجراءً أضرَّ بمكانة الإعادة العراقية.

 

إن تحقيق الإسناد الإلزامي يتطلب تعديل قانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005، فالمادة 81-ثانياً تنص على الآتي:

 

لا يجوز إجبار شخص طبيعي أو معنوي عام أو خاص على شراء منتجات خدمات التأمين من مؤمن أو معيد تأمين أو وكيل أو وسيط أو مقدم خدمات محدد ما لم ينص القانون خلاف ذلك.

 

هذه المادة تعطي الحرية لشركات التأمين لشراء إعادة التأمين من أي مصدر تشاء، داخل أو خارج العراق.  ولذلك فإن تعديلاً لحكم هذه المادة يصبح ضرورياً لتحديد التزامات المؤمنين ربما ارتباطاً مع أحكام المادة 27 من القانون التي تنص على الآتي:

 

أولا-يجوز للمؤمن إعادة التأمين داخل العراق أو خارجه.

ثانيا-لا يجوز للمؤمن إعادة تأمين عقود التأمين لأي فرع من فروع التأمين التي يمارسها لدى مؤمن آخر إلا إذا كان معيد التأمين مجاز لممارسة ذلك الفرع.

 

ربما سيعمد البعض، داخل قطاع التأمين وخارجه، على محاربة تعديل القانون بدعاوى إيديولوجية وحتى دستورية مما يتطلب من الإعادة العراقية والمعنيين ببناء سوق وطنية متكاملة للتأمين الاستعداد للمناقشة والإقناع.  وهنا يرد على البال بعض الأفكار المساندة للإسناد الإلزامي:

 

§   إن التجربة التاريخية لشركة إعادة التأمين العراقية في مجال الإسناد الإلزامي (1960-1988) أثبتت فاعلية الإسناد في بناء الموارد المالية للشركة، ومساهمته في توسيع نطاق عمل الشركة خارج العراق في البلاد العربية وبلدان "العالم الثالث" وغيرها.

 

§   كان من نتائج هذا التوسع توليد دخلٍ بالعملة الصعبة لخزينة الدولة من خلال الاكتتاب بأعمال إعادة التأمين خارج العراق.

 

§   ساهم الإسناد الإلزامي في الحد من التدفق غير الضروري للعملة الصعبة خارج العراق من خلال تخفيض نسبة أقساط إعادة التأمين المصدرة للخارج لشراء عقود إعادة التأمين الاتفاقي والاختياري.

 

§   تمكين الإعادة العراقية من الحصول على شروط وأسعار أفضل في التفاوض على ترتيب عقود إعادة إعادة التأمين (إعادة التأمين المكرر) في أسواق التأمين العالمية.

 

§   عمل الإسناد الإلزامي على زيادة الطاقة الاستيعابية للأخطار الكبيرة وبالتالي زيادة الاحتفاظ الوطني.  كانت الإعادة العراقية متميزة في الاحتفاظ بنسبة عالية من الأقساط التي تكتتب بها.

 

§   في ظني أن التجربة التاريخية كان لها أثراً إيجابياً على ميزان المدفوعات.

 

§   خلال سنوات الحصار الدولي (1990-2003) تكاتفت الشركات فيما بينها وعلى رأسها الإعادة العراقية لضمان استمرار النشاط التأميني بحدوده الدنيا بعد أن قام معيدو التأمين العالميين بوقف أغطية إعادة التأمين لسوق التأمين العراقي بسبب قرارات الحظر.  ومنذ سنة 2004 تقوم شركة إعادة التأمين العراقية بدور "المدير" للاتفاقيات الإعادية لمعظم شركات التأمين العاملة في العراق، العامة والخاصة.  وبدون هذه الاتفاقيات فإن معظم شركات التأمين الخاصة ربما لا تستطيع الاستمرار في مزاولة أعمالها إلا كشركات مقامرة.  إن هذه الشركات تسند الأعمال التي تكتتب بها لشركة إعادة التأمين العراقية ليس بحكم الاختيار وإنما من باب الضرورة (لأنها لا تستطيع الحصول على اتفاقيات إعادة تأمين لمحافظها لضعف رأسمالها ومواردها المالية وطاقم كوادرها).  إن بعض الفضل في نجاح هذه التجربة في ضمان استمرار النشاط التأميني المحلي يعود إلى الإعادة العراقية.  وهو ما يوفر الأرضية للقبول بدور أكبر لها من خلال الإسناد الإلزامي.

 

لا شك أن الموضوع يستحق المزيد من التحليل التاريخي والاقتصادي اعتماداً على البيانات والمعلومات المحفوظة لدى الإعادة العراقية وحتى بالرجوع إلى البحوث الأكاديمية الموجودة في جامعة بغداد والمعاهد المتخصصة.[22]

 

إن تأخَّرَ التعديل أو تعذَّر تحقيقه يمكن عندها الاتفاق المرحلي بين شركة إعادة التأمين العراقية وشركات التأمين، الراغبة بالاستفادة من اتفاقيات الإعادة العراقية، على الإسناد الإلزامي لنسبة من محافظها للإعادة العراقية (تقدير هذه النسبة أمر يعود للأطراف المشاركة).  مثل هذا الاتفاق، وهو اتفاق شرف، لا يمكن الاعتراض عليه لأنه اتفاق يقوم على رضا المشاركين فيه ولا يقوم على عنصر الإكراه.

 

ومن المناسب هنا التذكير بأن ديوان التأمين العراقي لم يصدر لحد الآن، حسب علمي، تعليمات تنظيم إعادة التأمين كما تقضي بذلك المادة 12 (كان من المفترض أن تصدر هذه التعليمات خلال (90) يوماً من تاريخ تعيين رئيس الديوان).  ولا يرد في القانون تحديد لماهية إعادة التأمين الاتفاقي رغم أن هناك إشارات متناثرة لإعادة التأمين الاختياري في القانون ولكن بدون تسمية هذه الإعادة.

 

ولعله من المفيد التذكير أيضاً بأن الحكومة الحالية كما يبدو، مهتمة بالنشاط التأميني أكثر من غيرها من حكومات ما بعد الغزو، كما يظهر من برنامجها حول إدخال وثائق تأمين جديدة تشكل في مجموعها عنصراً مكملاً لمشروعها في بناء نظام رأسمالي في العراق.  وقد أوجزنا في ورقة سابقة بعض الخطوات التي يمكن إقناع الحكومة باتخاذها لتعزيز قطاع التأمين ومن ضمنه دور الإعادة العراقية:

 

§   إعادة النظر ببعض أحكام قانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005 الضارة بمصالح شركات التأمين العراقية.[23]

§   تشجيع الإقبال على شراء وثائق التأمين على الحياة من خلال الإعفاء من الضرائب والرسوم.

§      تفعيل الوظيفة الرقابية التي يقوم به ديوان التأمين.

§   تشجيع الدمج بين شركات التأمين الصغيرة في رأسمالها وكوادرها الفنية.

§   تعزيز مكانة شركة إعادة التأمين العراقية من خلال استعادة مبدأ إسناد نسبة من أعمال شركات التأمين لها.[24]

 

كتبت مرة أن من مزايا شركة إعادة التأمين العراقية، وهي مملوكة للدولة، أنها تقف محايدة، وعلى مسافة واحدة، بين الشركات العامة والخاصة.  وهي بهذا الموقف تلتزم المعايير الفنية وتعمل، بوعي أو بدونه، على تطوير سوق التأمين العراقي رغم أن بعض شركات التأمين الخاصة والعامة تتخطى الإعادة العراقية في إعادة تأمين الأعمال الاختيارية – وهو ما حصل بالنسبة للعديد من التأمينات النفطية امتثالاً لشروط شركات النفط الأجنبية.  ولكي تنهض الإعادة العراقية بدورها بفعالية أكبر فإن الإسناد الإلزامي لمحافظ هذه الشركات لها سيصب لصالح الجميع."

 

(7)         الفساد في قطاع التأمين العام؟  نظرة إلى الوراء

 

قبل ثلاث سنوات كان لنا نقاش مثمر مع كاظم حبيب نقتطف أجزاء وافية منه هنا لما فيه من فائدة في إبراز جوانب محتملة للفساد المالي والإداري في شركات التأمين العامة في الماضي والحاضر، وقد تجد هذه الجوانب حضورًا لها في شركات التأمين الخاصة، وهو ليس بالمستبعد إذ أن البعض منها شركات عائلية وتعتمد على العلاقات القرابية في التوظيف.  في القسم المعنون "السياسة الاقتصادية والسياسة العامة والفساد: هل كان الفساد غائباً في قطاع التأمين قبل 2003؟" كتبنا ما يلي:[25]

 

"يتناول د. كاظم حبيب الفساد من خلال ربط السياسة الاقتصادية بالسياسة العامة، ونظراً لأهمية الموضوع ووضعه في إطاره الصحيح سأقتبس مطولاً مما كتبه، فهو يقول في البدء:

 

أدرك تماماً ومقتنع جداً بأن السياسة الاقتصادية في بلد ما تشكل الوجه الثاني للسياسة العامة للبلد ذاته، فهما وجهان لعملة واحدة، وحين يكون النظام السياسي فاسداً ومستبداً وفاقداً للشرعية الدستورية، فلا يمن أن يكون الاقتصاد نظيفاً وديمقراطياً ومنفذاً لإرادة مصالح الشعب.  ومن عاش الاقتصاد في فترة البعث الطويلة الأمد، يدرك كيف كان الاستبداد والظلم والفساد منتشراً في قضايا العقود والنشاط التجاري

 

وبعد ذلك يناقش حضور الفساد من عدمه في قطاع التأمين كما يلي:

 

أعرف جيداً بأن الأستاذ الفاضل والخبير المهني الكبير، في مجال التأمين ورئيس الشركة الوطنية للتأمين الأخ عبد الباقي رضا، الذي أكن له كل الاحترام والتقدير، نظيف جداً وحريص على عمله ونزيه في عمله، وكذا الكثير من العاملين في جهاز التأمين التابع للدولة، ومنهم شخصكم الكريم، مصباح كمال.  ولكن هذا لا يعني أن كل جهاز التأمين وإعادة التأمين والشركات العاملة في هذا القطاع كانت كلها نظيفةً ونزيهةً وحريصةً على أموال الدولة والمجتمع.

 

وحين تحدثت عن سيطرة الدولة على القطاعات الاقتصادية، بما فيها قطاع التأمين وإعادة التأمين، فاعتمادي يستند إلى طبيعة الدولة ومجمل السياسة الاقتصادية والاجتماعية ووجهتها في التنمية الانفجارية التي أقرتها حكومة البعث في المؤتمر القطري الثامن في العام 1974.

 

في مثل هذا النظام الدموي المستبد والفاسد والأهوج لا يمكن أن أتصور أن قطاع التأمين قد سلم من الفساد في أجزاء منه، إن لم يكن كله، وليس بالضرورة بمعرفة رئيس الشركة الوطنية للتأمين أو بعض العاملين فيه.  واتفق تماماً مع ضرورة دراسة هذه الفترة والتمعن والتدقيق في الاتهامات الموجهة لقطاع التأمين ايضاً.

 

ليس من السهل مناقشة مقترب د. كاظم لموضوع الفساد في قطاع التأمين في فترة ما قبل 2003.  وقد يكون من المفيد هنا الإشارة إلى مصادر الفساد المالي والإداري المحتملة.  ويمكن إيجاز بعضها فيما يخص الفساد المالي بالآتي:

 

§   التلاعب بأقساط التأمين (تخفيضها دون وجه حق، على سبيل المثل) لصالح أشخاص معينين مقربين من مكتتب التأمين في شركة التأمين أو لهم علاقات مباشرة أو غير مباشرة بالسلطة الحاكمة.

 

§   التساهل في تسوية المطالبات بالتعويض، المشكوك بشمولها بغطاء وثيقة التأمين أو التي تنطوي على مبالغات في تقدير حجم الأضرار وتكاليف التصليح والاستبدال حسب مقتضى الحال، لخدمة وترضية أصحاب السلطة والمقربين منهم.

 

§   التواطؤ على تسوية مطالبات التعويض بأكثر من قيمتها الحقيقية ومن ثم اقتسام القيمة الفائضة عن القيمة الحقيقية بين مسوّي التعويض في شركة التأمين والمؤمن له.

 

§   حصر أعمال إعادة التأمين الاختياري، دون مبرر حقيقي، من قبل إدارة إعادة التأمين في شركة التأمين مع وسيط دولي لإعادة التأمين أو شركة إعادة تأمين دولية مقابل الرشى.

 

حسب تجربتنا في أواخر ستينيات ومعظم سنوات سبعينيات القرن الماضي لم نلحظ وجود مثل هذه الظواهر في شركة التأمين الوطنية.  كما أن نظام الاكتتاب وتسوية مطالبات التعويض كان مقيداً بحيث أن القرار لا يكون فردياً، محصوراً بشخص واحد.  ولعله من المفيد قراءة ما كتبناه عن أحد مكتتبي شركة التأمين الوطنية للتعرف على جوانب من العملية الاكتتابية ومنهج تسوية التعويضات.[26]

 

وقد يتخذ الفساد الإداري في شركات التأمين، على سبيل المثل، بعض الأشكال التالية.

 

§   تدخل الوزراء وغيرهم في تعيين أشخاص مرتبطين بهم عائلياً أو طائفياً أو قومياً في شركات التأمين العامة أو في مؤسسات تأمينية أخرى.

 

§      تعيين أفراد العائلة دون وجه حق وفي مواقع ليسوا مؤهلين لها.

 

§   ضم أفراد غير فنيين لا يتمتعون بمعرفة اللغة الإنكليزية، وسيلة التخاطب المعتمدة، إلى الوفود المرسلة للخارج للتباحث مع وسطاء إعادة التأمين أو شركات إعادة التأمين أو حضور دورات مهنية في التأمين.

 

§   منح قروض عقارية دون القيام بدراسات وتحقيقات عن شخص المقترض: موثوقيته كرجل أعمال، إمكانياته المالية، جدوى المشروع الذي يقوم به، تجربته السابقة في العمل الاستثماري   الخ.

 

§   التغاضي عن العقوبات المالية وغيرها المفروضة على البعض لا بل مكافأتهم بتعيينهم في مواقع وظيفية لا يستحقونها.

 

وكل هذه الأشكال من الفساد الإداري وغيرها قائمة الآن بفضل نظام المحاصصة الطائفية والاثنية التي تأسست مع الاحتلال الأمريكي عام 2003.

 

قد يرى البعض أن عقد مقارنة مع ما كان قائماً في عهد البعث ليس مناسباً من وجهة نظر سياسية وبالتالي يجب عدم الخوض فيه.  نعرف بأن هذا العهد، وكما يصفه د. كاظم، كان دموياً مستبداً وفاسداً وأهوجاً، ولا خلاف في هذا التقييم لكن البحث التاريخي يستدعي الوقوف أمام بعض التفاصيل، وما يخصنا منها ينصبُّ على قطاع التأمين الذي كان حكراً على القطاع العام بشركاته الثلاث منذ 1964 وحتى 1997.  وقد كان د. كاظم حبيب أميناً لحسه التاريخي بقوله "واتفق تماماً مع ضرورة دراسة هذه الفترة والتمعن والتدقيق في الاتهامات الموجهة لقطاع التأمين."

 

نكتفي هنا بذكر تجربتنا في التعين في شركة التأمين الوطنية (1968) في عهد الأستاذ عبد الباقي رضا.[27]  وكذلك التمعن في حقيقة أن الأستاذ عبد الباقي رضا، مدير عام شركة التأمين الوطنية (1966-1978)، والدكتور مصطفى رجب، مدير عام شركة إعادة التأمين العراقية (1960-1980)، احتفظا بمنصبيهما دون أن تكون لهما أية علاقة بحزب البعث.  ومن رأينا أن الصورة ليست دائماً بهذا الصفاء فربما هناك ما ينتقص منها، ولن نعرف ذلك إلا من خلال البحث الذي لا يخاف من نتائجه."

 

(8)        الفساد الإداري في شركة إعادة التأمين العراقية

 

في النقاش مع كاظم حبيب كان هناك بعض الشك في وجود فساد في شركات التأمين العامة في الماضي، لكننا الآن نميل إلى القبول بوجود فساد إداري في الوقت الحاضر في الإعادة العراقية بعض مظاهره يتمثل بالآتي:

 

اختيار من ليس هو أهل لإشغال الموقع الأول في الشركة، وقد حصل ذلك أكثر من مرة.

 

تفضيل من هو منتسب لحزب ديني شيعي لإشغال الموقع دون أي اعتبار آخر سوى المظلومية أو استشهاد الأقارب[28] وكأن تطهير المظلومية وتكريم الشهادة يتم بتوزيع المناصب على الورثة.

 

التمييز بين الموظفين والموظفات فيما يخص استحقاقهم للدرجات الوظيفية، وتفضيل من هم الأقرب طائفيًا أو قرابيًا لصاحب الموقع الأول.

 

إشغال وظائف من قبل الأقارب والأصحاب دون وجود حاجة حقيقية لهذه الوظائف.

 

وقد كتبنا في مكان آخر أن شركات التأمين هي مؤسسات لا يستقيم عملها مع التوجهات والتدخلات السياسية والحزبية والطائفية.  فكلما تقلصت استقلالية هذه الشركات مالياً وإدارياً كلما ضعفت كفاءتها في الأداء والتطوير وهو ما يشهد عليه حال العديد من شركات القطاع العام في العديد من الدول إذ تحولت بمرور الزمن إلى هياكل بيروقراطية متحجرة لولا الجهد الكبير، في الحالة العراقية، لممارسي التأمين في الإبقاء على درجة من الحيوية والالتزام بالمعايير الفنية ولعدة عقود خلت رغم المثبطات ومناخ القمع العام والحروب والحصار الدولي.

 

لقد خلق نظام المحاصصة الطائفية والإثنية والمغانم ما يصفه البعض بحالة الاستعصاء واستفحال الأزمة العامة الذي يلف الاقتصاد والسياسة والاجتماع في العراق وسوء إدارة الدولة ومؤسساتها، وغياب التخطيط الاقتصادي، كان من إفرازاته طغيان الفساد المالي والإداري الهائل المتفشي في جميع مفاصل الدولة، وعدم كفاءة الأداء في مختلف المجالات، وعدم وضع الشخص المناسب في المكان المناسب، إضافة إلى الإضعاف المتعمد للدولة ودورها في "العمران البشري" وإقحام المليشيات في الحياة العامة.

 

(9)        الفساد ظاهرة عامة

 

إن التاريخ القريب للإعادة العراقية هو نموذج لما يجري في قطاعات أخرى كالتعليم (لعل أشهرها عقد التأمين الصحي الملتبس لوزارة التربية الذي تم إلغاؤه)،[29] والصحة، والمنشآت العامة، والخدمة المدنية دونكم المليشيات والجيش والشرطة وجهاز الأمن فالفساد المستور فيها ينتظر من يكشف عنها.  إن الفساد بأشكاله المختلفة لا يقتصر على هذه الأطراف بل يمتد إلى القطاع الخاص فهو شريك فيه ويستفيد منه، كما في حال المصارف الخاصة المشاركة في مزاد العملة، وهو فساد مُعلن.

 

22 كانون الأول/ديسمبر 2020



[1] اعتمدنا في كتابة هذا المقال على معلومات في التداول العام بين العاملين في شركات التأمين العراقية.  أهملنا معلومات أخرى لأنها تصنّف في خانة الإشاعات وتفتقر إلى الإجماع.  تجمعنا علاقات طيبة مع بعض الأسماء الواردة في المقال، لكن هذه العلاقات لا تحول دون التقييم النقدي لهم.  ننتظر من يقوّم أخطاءنا.

 

[2] في آب 2015 تمَّ تعين السيد طارق سرحان محسن علي الساعدي مديراً عاماً ورئيساً لمجلس إدارة شركة إعادة التأمين العراقية ولم يصدر بيان بهذا الشأن من الإعادة العراقية أو وزارة المالية.

 

[3] الموقع الإلكتروني للإعادة العراقية ضعيف في محتواه ومعظم البيانات والمعلومات المنشورة في الموقع تتوقف عند السنة 2017.

http://mof.gov.iq/pages/ar/GeneralReinsuranceCompany.aspx

 

استفدت واقتبست من دراساتي السابقة في كتابة هذه الورقة: "مهام جديدة-قديمة أمام شركة إعادة التأمين العراقية،" و "حول تعيين مدراء شركات التأمين العراقية العامة"

[4] التعريف البسيط لإعادة التأمين هو قيام شركة التأمين المباشر (الشركة المسندة direct insurance company/ceding insurance company) بتأمين جزء من الأخطار (وثائق التامين التي تصدرها) التي تكتتب بها لدى شركة أخرى متخصصة هي شركة إعادة التأمين reinsurance company. وتلجأ شركة إعادة التأمين نفسها إلى إعادة تأمين المحافظ التي تكتتب بها لدى شركة إعادة تأمين أخرى، وهذا يعرف باسم إعادة إعادة التأمين retrocession

 

تلجأ شركة التأمين المباشر إلى شراء حماية إعادة التأمين لأسباب ومنها: توسيع قدرتها الاكتتابية لقبول الاكتتاب ببعض الأخطار اتي تتجاوز أقيامها قدرتها على الاحتفاظ بها؛ والحفاظ على استقرار الارباح من خلال التقليل من آثار التقلبات الكبيرة في النتائج المالية لشركة التأمين بسبب وقوع حوادث كبيرة أو ذات طبيعة كارثية.  وبهذا المعنى فإن وجود إعادة التأمين هو توسيع ودعم لرأسمال شركة التأمين المباشر.

 

راجع فصل "إعادة التأمين" في كتاب منعم الخفاجي، مدخل لدراسة التأمين (بيروت: منتدى المعارف، 2018)، ص 123-130.

 

[5] طارق الهيمص، كتابنا وكتابكم: شعار البيروقراطية العراقية (دار التكوين، د.ت.).  الكتاب متوفر في مكتبة شبكة الاقتصاديين العراقيين:

http://iraqieconomists.net/ar/2011/10/29/%d8%af-%d8%b7%d8%a7%d8%b1%d9%82-%d8%a7%d9%84%d9%87%d9%8a%d9%85%d8%b5-%d9%83%d8%aa%d8%a7%d8%a8%d9%86%d8%a7-%d9%88%d9%83%d8%aa%d8%a7%d8%a8%d9%83%d9%85-%d8%b4%d8%b9%d8%a7%d8%b1-%d8%a7%d9%84%d8%a8/

[7] احتل موقعه بفضل الفساد الإداري وتوزيع المغانم للتعويض عن استشهاد أفراد من عائلته في الماضي، إذ كان منتميًا إلى أحد الأحزاب الدينية.  بدأ حياته الوظيفية في وزارة الإسكان والتعمير سنة 2003 ثم رُقيَّ إلى ضابط برتبة لواء مسؤولاً عن حماية وزارة المالية.  في سنة 2015، عندما كانت الإعادة العراقية تحت إدارة عبد الله رحمه إبراهيم (آذار 2015-كانون الأول 2017) تم نقله من الوزارة إلى الإعادة العراقية بعد معادلة رتبته بدرجة معاون مدير عام.  يفهم من هذا أنه لم يتقلد مهام فنية لها علاقة بإعادة التأمين.

 

[8] تيسير التريكي، مصباح كمال، حوار مع رائد في إعادة التأمين: الدكتور مصطفى رجب، (بيروت: منتدى المعارف، 2010)، ص 69.

 

[9] بهاء بهيج شكري، بحوث في التأمين (عمان: دار الثقافة، 2012)، ص 18.

 

[10] تيسير التريكي، مصباح كمال، مصدر سابق.

 

مصباح كمال، شركة إعادة التأمين العراقية: ما لها وما عليها (نور للنشر، 2018).

[11] مصباح كمال، إعداد وتحرير، في استذكار عطا عبد الوهاب، 1924-2019، (مكتبة التأمين العراقي، 2019).  متوفر في مكتبة شبكة الاقتصاديين العراقيين:

http://iraqieconomists.net/ar/wp-content/uploads/sites/2/2019/02/Remebering-Ata-Abdul-Wahab-1.pdf

 

[12] مصباح كمال، دراسات حول قطاع التأمين العام في العراق (مكتبة التأمين العراقي، 2020)، فصل "عبد الباقي رضا: مدير عام في شركة تأمين عامة،" ص 191-204.  متوفر في مكتبة شبكة الاقتصاديين العراقيين

http://iraqieconomists.net/ar/wp-content/uploads/sites/2/2020/12/Public-Sector-Insurance-in-Iraq.pdf

 

[13] معيد التأمين القائد للإعادة العراقية لفترة 2018-2020 هي شركة هانوفر ري Hannover Re الألمانية، وهي ثالث أكبر شركة لإعادة التأمين في العالم، بعد شركة ميونيخ ري الألمانية وسويس ري السويسرية، وفقًا لإجمالي الأقساط المكتتبة لعام 2019، حسب آخر التقارير (27 أيار/مايو 2020).  أنظر:

"Top 10 global reinsurance companies according to 2019’s gross written premiums"

https://www.atlas-mag.net/en/article/top-10-global-reinsurance-companies-according-to-2019-gross-written-premiums

ويعود الفضل لاختيار هذه الشركة معيدًا قائدًا إلى وسطاء إعادة التأمين المعتمدين من قبل الإعادة العراقية؛ قبل ذلك كان المعيد القائد شركة ميونيخ ري ومن ثم شركة سكور الفرنسية.  من المهم أن لا تفرط الإعادة العراقية بهذا المعيار الثقيل لشركات إعادة التأمين فهي التي تضفي قيمة ومصداقية للإعادة العراقية أمام شركات التأمين العراقية التي توفر لها حماية إعادة التأمين.

 

[14] 'A little knowledge is a dangerous thing' من قصيدة للشاعر الإنجليزي ألكسندر بوب (1688-1744) بعنوان An Essay on Criticism كتبها سنة 1709.

 

[15] بمناسبة تكليفه بإدارة الإعادة العراقية كتبنا مقالًا بعنوان "مهام جديدة-قديمة أمام شركة إعادة التأمين العراقية،" مجلة التأمين العراقي:

http://misbahkamal.blogspot.co.uk/2015/12/new-tasks-before-iraq-reinsurance-co.html

لكنه لم يلتفت إلى مهام ثلاثة تضمنه المقال ولم يعلق عليها وهي:

 

-         البناء الداخلي للإعادة العراقية من خلال الكوادر والتدريب المهني

-         التأمين الإلزامي للمسؤولية المهنية

-         الإسناد الإلزامي لمحافظ شركات التأمين المباشر

 

لكنه، كما نُقل إلينا اهتم بتوسيع مكتب المدير العام، وأعلن عن وظائف في الإعادة العراقية لم يكن من بين المؤهلات المطلوبة من المتقدمين لها معرفة باللغة الإنجليزية.

[16] مصباح كمال، "في نقد خطة إصلاح قطاع التأمين في الورقة البيضاء،" موقع شبكة الاقتصاديين العراقيين

http://iraqieconomists.net/ar/2020/11/03/%d9%85%d8%b5%d8%a8%d8%a7%d8%ad-%d9%83%d9%85%d8%a7%d9%84-%d9%81%d9%8a-%d9%86%d9%82%d8%af-%d8%ae%d8%b7%d8%a9-%d8%a5%d8%b5%d9%84%d8%a7%d8%ad-%d9%82%d8%b7%d8%a7%d8%b9-%d8%a7%d9%84%d8%aa%d8%a3%d9%85/

 

[17] أنظر: منعم الخفاجي، نحو قطاع تأمين عراقي فعّال-تحديات وحلول، (منشورات شبكة الاقتصاديين العراقيين، 2020).

وكذلك: مصباح كمال، قانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005: تقييم ودراسات نقدية، (بغداد: منشورات شركة التأمين الوطنية، 2014).  ويضم نقدًا موسعًا للقانون ويعرض خلفياته.

 

وهما متوفران إلكترونيًا في موقع شبكة الاقتصاديين العراقيين.

 

[18] على القارئ ملاحظة التعميم الوارد في هذا التوصيف خاصة إزاء الرأي الذي يقول إن "تفكيك" الاقتصاد تزامن مع قرارات التأميم سنة 1964 التي أجهضت تطور الرأسمالية الوطنية واستبدلتها برأسمالية الدولة تحت مسمى الاشتراكية الرشيدة.

 

[19] مصباح كمال، "مهام جديدة-قديمة أمام شركة إعادة التأمين العراقية،" مجلة التأمين العراقي

http://misbahkamal.blogspot.co.uk/2015/12/new-tasks-before-iraq-reinsurance-co.html

 

[20] يقصد بالإسناد الإلزامي إلزام شركة/شركات التأمين المباشر بتأمين/إسناد نسبة من أعمال التأمين التي تكتتب بها لدى شركة إعادة التأمين الوطنية قبل أن تلجأ إلى شركات إعادة التأمين الأجنبية.

 

[21] الإسناد الإلزامي كان معروفاً قبل ذلك.  ربما كانت شركة ميللي ري التركية (Milli Re) هي أول من مارسه في الشرق الأوسط عند تأسيسها عام 1929.  وهو قائم في المغرب والجزائر وسوريا والسودان وإيران.  كما أن الشركة الأفريقية لإعادة التأمين (Africa Re) تتمتع بإسناد أعضائها لنسبة من أعمالهم ولها حرية قبول أو رفض هذه الأعمال.

[22] قام د. عبد الزهرة عبد الله علي (يعمل حالياً في دولة الإمارات العربية المتحدة) ببحث مكانة إعادة التأمين في ميزان المدفوعات العراقي في أواسط سبعينيات القرن الماضي عندما كان يدرس للحصول على دبلوم الدراسات العليا في جامعة بغداد.

[23] مصباح كمال، قانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005: تقييم ودراسات نقدية (بغداد، منشورات شركة التأمين الوطنية، 2014).

 

[24] مصباح كمال، "التأمين في المنهاج الحكومي: قراءة أولية،" مصدر سابق.

[25] مصباح كمال، "د. كاظم حبيب وبعض قضايا التأمين بالعراق،" موقع شبكة الاقتصاديين العراقيين:

http://iraqieconomists.net/ar/wp-content/uploads/sites/2/2017/02/Kadhim-Habib-further-discussion-on-insurance-issues.pdf

 

[26] مصباح كمال، "مؤيد الصفار: مكتتب ومدير في شركة تأمين عامة،" الثقافة الجديدة، العدد 380، كانون الثاني 2016، ص 57-66.  نشرت المقالة أيضاً في موقع شبكة الاقتصاديين العراقيين ويمكن قراءة النص باستخدام هذا الرابط:

http://iraqieconomists.net/ar/wp-content/uploads/sites/2/2016/04/Misbah-Kamal-Mouayyad-Al-Saffar-manager-and-undewriter-in-a-state-owned-insurance-com-final.pdf

أو

https://www.academia.edu/24641469/Mouayyad_Al-Saffar_Manager_and_Underwriter_in_a_State-Owned_Insurance_Company

 

ولنا مقالة تلقي بعض الضوء على أحد مظاهر الفساد في قطاع التأمين في فترة ما بعد 2003: مصباح كمال، "وصل القبض بديلاً عن التأمين،" مجلة التأمين العراقي

http://misbahkamal.blogspot.co.uk/2013/02/receipt-voucher-or-insurance-policy.html

[27] أنظر: عبد الباقي رضا، فاروق يونس ومصباح كمال، "شذرات من التاريخ المروي والذكريات الشخصية حول التأمين في العراق،" شبكة الاقتصاديين العراقيين:

http://iraqieconomists.net/ar/wp-content/uploads/sites/2/2015/08/Authors-team-Fragments-from-the-History-of-Insurance-in-Iraq-final-editing.pdf

لدي مجموعة من رسائل الأستاذ عبد الباقي رضا، قمت بإعدادها كمسودة لكتاب بعنوان رسائل في السيرة الذاتية والتأمين، تضم وقائع مهمة في إدارته لشركة التأمين الوطنية في عهد البعث.  لم ينشر الكتاب بعد.

[28] جاء في إعلان صادر من الإعادة العراقية بتاريخ 31 آب 2016 عن توفر درجات وظيفية شرط أن يكون المتقدمون من سكنة بغداد وأن لا تتجاوز أعمارهم عن ثلاثين عامًا.  وبالنسبة للمتقدمين للتعيين من ذوي الشهداء (الدرجة الاولى) تقديم أي محرر رسمي صادر عن الجهات الحكومية المختصة يؤيد ذلك.

[29] مصباح كمال، "إشكاليات فساد عقود التأمين الصحي: نموذج وزارة التربية وشركة أرض الوطن للتأمين،" موقع شبكة الاقتصاديين العراقيين

http://iraqieconomists.net/ar/2020/03/27/%d8%ad%d9%8a%d8%af%d8%b1-%d8%ac%d8%a7%d8%b3%d9%85-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d8%ac%d9%8a%d9%84%d9%8a-%d9%85%d9%84%d8%a7%d8%ad%d8%b8%d8%a7%d8%aa-%d8%ad%d9%88%d9%84-%d8%a7%d9%84%d8%aa%d8%a3%d9%85%d9%8a%d9%86/

ليست هناك تعليقات: