قراءة تأمينية للمنهاج الوزاري 2018-2022
مصباح
كمال
نشرت
هذه المقالة أصلاً في موقع شبكة الاقتصاديين العراقيين:
(1)
تقديم
بتاريخ 25 تشرين الأول
2018 وزع الأستاذ أحمد موسى جياد رسالة تضم تقييمه لما ورد بشأن القطاع النفطي في
المنهاج الوزاري،[1] واختتم رسالته بالدعوة
التالية:
مناقشة ومتابعة المنهاج الوزاري والبرنامج الحكومي
بما ان كل من المنهاج الوزاري والبرنامج الحكومي يشملان
كافة الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتربوية والامنية والخدماتية
والعلاقات الدولية وغيرها، فإنني ادعوا كافة الخبراء والمختصين كل حسب تخصصه وخبرته
معالجة وتقييم المنهاج الوزاري ولاحقا البرنامج الحكومي خدمة لمصلحة الوطن
والمواطنين. [التأكيد من الأستاذ جياد]
يسرّني أن أشارك في
مشروع التقييم الذي يدعو إليه، بالتركيز على قطاع التأمين مع بعض التعليقات على
مفردات المنهاج الوزاري خارج التأمين أو مما له علاقة به.
يعتبر هذا المنهاج، مقارنة بمناهج الحكومات
السابقة،[2] خطوة إلى الأمام على مستوى التفكير بالقضايا
العقدية للنظام السياسي والاقتصادي للعراق، رغم أن التشكيلة الوزارية هي إعادة
إنتاج لما كان قائماً: نظام قائم على المحاصصة والاستحقاقات واستمرار الفساد. يعني هذا أن العقلية الحاكمة للسياسات
والقرارات والتعيينات ستظل كما كانت سابقاً.
عل سبيل المثل، وزراء لا علاقة لهم باختصاص الوزارة، ومدراء عامين ودرجات
خاصة بلا شهادات حقيقية (شهادات من الخارج حقيقتها وقيمتها غير معرَّفة أو
معروفة)، لا يملك أصحابها الخبرة في تخصص مؤسساتهم. وإذا كان المنهاج الوزاري يرى في تطوير
أنظمة الحوكمة بشكل جذري (ص 8-9) حلاً تكنولوجياً، سحرياً، لعقد النظام فذلك أضغاث
أحلام. لنقرأ ما جاء بهذا الشأن:
يجب ان
تكون الحوكمة الجيدة بديلاً عن الادارات البيروقراطية المتخلفة السابقة، واحلال
النظم الذكية والحكومات الالكترونية بديلا عن النظم الورقية، لتقديم ممارسة رائدة
تحظى بالاهتمام الاول للمسؤولين لتمكين البلاد من تحقيق تقدم حقيقي ومحاربة
الفساد، لما توفره النظم الورقية والبيروقراطية من مجالات فساد في التدخل
والوساطات غير المشروعة والرشاوى والعراقيل، التي تضع الجميع تحت ضغط الممارسات
الخاطئة ونقص الشفافية وضعف المعلوماتية وشخصنة المؤسسات.
ما دامت عقلية المحاصصة، عقلية المغانم المتوارثة
من زمن ثقافي لا يمت لزمننا، قائمة فإن النظم الإلكترونية الذكية ليست بديلاً عن
تجذير عقلية تقول بأن الوظيفة العامة ليست مغنماً طائفياً أو حزبياً.
(2)
التأمين في المنهاج الوزاري
يذكر المنهاج الوزاري "تطوير النظام المصرفي
العراقي وتعزيز ثقة المواطنين به، وتحويل المصارف الى وظيفتها الاساسية وهي
الإقراض." (ص 21). إذا غضضنا النظر
عن وظيفة الإقراض الأساسية للمصارف، وهي مسألة تخضع لطبيعة المصارف، نلاحظ سكوت المنهاج
هنا عن قطاع التأمين العراقي. أهو سهو أم
أنه يعكس عدم اهتمام حقيقي بهذا القطاع ومكانته وإمكانيته المرتقبة في الاقتصاد
العراقي؟
يقال إن هناك العديد من الدراسات الخاصة بتطوير
قطاع التأمين أعدها مستشارو رؤساء الوزراء السابقين والحاليين، وكذلك ما جاء في
دراسة صندوق النقد الدولي حول التأمين.[3] ترى هل
اطلع كاتبو المنهاج على هذه الدراسات؟
نفترض ذلك إذ نقرأ في الصفحة 75 ما يلي مجدولاً في المحور الاقتصادي
والمالي والتنموي، الأولوية 13:
تحقيق
التكامل النقدي والمالي بما في ذلك أسواق رأس المال والمؤسسات المصرفية
والاستثمارية وشركات التأمين
وفيما يخص تطوير قطاع التأمين، نقرأ التالي:
تاريخ
البدء: 2019
تاريخ
الإنجاز: 2022
الوضع
الحالي للمشروع أو البرنامج: قيد الدراسة
القيمة
أو النسبة المستهدفة: 100%
لماذا التأخير في بدء عملية تطوير قطاع التأمين
حتى 2019 (بداية السنة، منتصف السنة، آخر السنة؟). هذا لا يبشر بخير خاصة وأن وزير المالية، فؤاد
حسين، بعيدٌ جداً عن القطاع (هو، في الواقع، لا علاقة له بشؤون المالية
والاقتصاد).[4] على أي حال، سنعرف ما ستقدمه وزارة المالية للقطاع مع بدء شهر شباط
2019 إذ نقرأ في المنهاج:
ان النقاط المطروحة في المنهاج الحالي لا تشمل
جميع الامور، بل تعكس إشارات سريعة لمنهاج الوزارة وفلسفتها المطروحة لنيل ثقة
مجلس النواب، آملين ان تتقدم الحكومة ببرنامج مفصل منسجم مع هذا المنهج الوزاري
المطروح تعده الوزارات المختلفة خلال الايام ال 100 الاولى، وتلتزم بتطبيقه وتحاسب
بموجبه خلال العهد الوزاري.
هناك أمل بأن نقرأ البرنامج المفصل الذي ستعده
وزارة المالية خلال الأيام الـ 100 القادمة، لنتعرّف على موقفها/سياستها تجاه قطاع
التأمين، وبالتحديد تجاه شركات التأمين العامة (شركة التأمين الوطنية وشركة
التأمين العراقية، وهناك قرار بدمجهما، وشركة إعادة التأمين العراقية) وديوان
التأمين. ليس لوزارة المالية سلطة مباشرة
على عمل شركات التأمين الخاصة (أزيد من ثلاثين شركة)، ولكنها تخضع لإشراف ورقابة
ديوان التأمين.
(3)
"تقوية الاقتصاد" والتأمين
من مفردات المنهاج التي أراها ذات علاقة بالنشاط
التأميني، تقوية الاقتصاد وتتضمن:
تعزيز مبدأ "صنع في العراق"، ومشاريع
ب"ايدٍ عراقية"، وتقليل الاستيراد عبر سياسات "بدائل الاستيراد" وتشجيع الصادرات، واستعادة
الثقة بأنفسنا وخبرائنا وجامعاتنا لتنفيذ المشاريع بطاقات عراقية مع الاستعانة كلما اقتضت الحاجة بالخبرات الوطنية او
الأجنبية وذلك لاستثمار خريجينا وشبابنا والعاطلين عن العمل ولتطوير خبراتنا
واقتصادياتنا وتقليل التبعية للخارج. لذلك ستسعى
الحكومة لان تكون المساهمة عراقية بدءاً من التصاميم الأولى مروراً بتنفيذ
المشاريع وصولاً الى انجاز المشاريع، وان الاساس هو عراقية المشاريع وان الاستعانة
بالخبرات الاجنبية وتسهيل ذلك تبقى ضرورة لتحقيق اعلى معايير النوعية والجودة وعند
نقص الخبرات الوطنية لتحقيق الامر. (المنهاج الوزاري، ص 20)
تتحدث هذه الفقرة عن مشاريع تعمل في مجال الإنتاج
المادي. هذه المشاريع بحاجة، ومن باب
التبسيط، إلى أشكال مختلفة من حماية التأمين في مختلف مراحلها، ومنها التأمين على
المواد والمكائن والمعدات المستوردة أثناء النقل وأثناء الخزن بوثائق التأمين
البحري-بضائع، ومن ثم تأمين أعمال الإنشاء والاختبار والصيانة والتشغيل بوثائق
التأمين الهندسي والمسؤولية المدنية الناشئة من تنفيذ الأعمال وغيرها من الوثائق.
يمكن الاستفادة من بعض الأفكار في هذه الفقرة
لدعم مشروع "صنع في العراق" تأمينياً.
ففيما يخص "تشجيع الصادرات" يجب العمل على إنشاء وتطوير كيان
متخصص للتأمين على الصادرات: التأمين على الصادرات كممتلكات، والتأمين على
الصادرات من الأخطار السياسية، والتأمين على مخاطر الائتمان التجاري.[5]
أما "استعادة الثقة بأنفسنا" فهو لن
يتحقق، بالنسبة لقطاع التأمين العراقي، مالم يُعاد النظر بالأمر رقم 10 (من مخلفات
"المستبد بأمره" بول بريمر): قانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005، الذي
أثَّر على نمو القطاع نتيجة لتسرب أقساط التأمين إلى خارج العراق دون المرور من
خلال شركات تأمين مسجلة في العراق ومرخصة لمزاولة العمل التأميني من قبل ديوان
التأمين.[6] لقد كان
هذا القانون، المنتحل من قانون التأمين الأردني لسنة 1999، استخفافاً مبطناً بتاريخ
التشريع التأميني في العراق. (الأمر 10
يخلو من أي إشارة لقوانين التأمين العراقية التي يمتد تاريخها إلى سنة 1936).
وأقرأ فكرة "الاستعانة كلما اقتضت الحاجة بالخبرات
الوطنية او الأجنبية" تأمينياً الاستفادة، ابتداءً، من القدرة الاكتتابية
لشركات التأمين العراقية، العامة والخاصة، بما فيها شركة إعادة التأمين العراقية،
قبل التحوّل صوب الخبرات الأجنبية، أي شراء حماية إعادة التأمين الاختياري
والاتفاقي من شركات إعادة التأمين في الخارج.
ذلك لأن "تطوير خبراتنا واقتصادياتنا" يستلزم الاستفادة من الجهد
الوطني أولاً – كما يرد في المنهاج.
ولأن طبيعة العمل التأميني يقوم على تفتيت عبء
الأخطار التي تكتتب بها شركات التأمين فيما بينها (المشاركة في التأمين على الخطر)
أو من خلال إعادة التأمين، المحلي و/أو الأجنبي، فإن مسألة "تقليل
التبعية للخارج" تصبح نسبية. إذ يمكن
تقليل حجم "التبعية" بتعظيم القدرة الاحتفاظية للأخطار من قبل شركات
التأمين ذاتها وشركة إعادة التأمين العراقية.
وهنا لا أقلل من الصعوبات التي تواجهها جميع شركات التأمين العاملة في
العراق لتحقيق تطور حقيقي في تنظيمها وإدارتها وبناء كوادرها والتغلب على مساوئ
الأمر رقم 10.
لا يمكن لقطاع التأمين أن ينهض ويلعب دوراً أكبر
في التنمية الاقتصادية ما لم يكن الاقتصاد الوطني نفسه قوياً. نعرض أدناه جانباً من هذا الموضوع، لكنه يتطلب
دراسة منفصلة.
(4) مساهمة التأمين في موارد الدولة
من مفردات المنهاج الوزاري أيضاً مما أرى فيها
علاقة بالنشاط التأميني:
الانتقال
من فلسفة ان الاقتصاد هو مجرد تعظيم موارد الخزينة والحصول على القطع الاجنبي الى
ان الاقتصاد هو اولاً تعظيم الموارد الوطنية والناتج الوطني الاجمالي وتعزيز دور
العملة الوطنية ومحاربة البطالة والغلاء وانتشال الشعب من الفقر والجهل والمرض
والخوف. فكم من ضريبة او مورد للخزينة هو ضرر
على الاقتصاد الوطني، والعكس ليس صحيح اطلاقاً.
فالأولوية للاقتصاد الوطني وتحسين شروط عيش المواطنين وعدم الاكتفاء بزيادة
موارد الخزينة على حساب تراجع الاقتصاد الوطني وقطاعاته الحقيقية. (ص 21)
إن خزينة الدولة
العراقية تستفيد من الضرائب والرسوم المفروضة على شركات التأمين؛ وبالنسبة لشركات
التأمين العامة، وهي شركات ذات تمويل ذاتي، فإنها تسدد جزءاً من صافي أرباحها
للخزينة. وإلى جانب دورها الإنتاجي
(التعويض النقدي عن الخسائر والأضرار التي تلحق بالممتلكات المؤمن عليها
والمسؤوليات القانونية الناشئة عنها)، تساهم شركات التأمين في توفير العمالة،
وبناء احتياطيات وأرصدة مالية مختلفة يستفاد منها في تقديم قروض معينة وفي
الاستثمار العيني المباشر (العقارات ومنها المباني) والأوراق المالية. وهي بذلك تساهم في تعظيم "الموارد الوطنية
والناتج الوطني الإجمالي."
إن درجة المساهمة متدنية
(ويمكن قياسها باستخدام مؤشر التغلغل
التأميني insurance penetration لحساب نسبة دخل أقساط التأمين إلى الناتج المحلي الإجمالي، وهو
بذلك يؤشر على أهمية النشاط التأميني في الاقتصاد الوطني وتطور هذا النشاط بالنسبة
للاقتصاد الوطني ككل؛ ومؤشر الكثافة التأمينية insurance
density، لحساب إنفاق الفرد على شراء الحماية التأمينية، وبالتالي فهو يعبر
عن إجمالي أقساط التأمين المتحقق في البلد منسوباً إلى عدد السكان). وقد كتبت عن هذا الموضوع في مقالات سابقة أقتبس
من إحداها ما يلي حول الوسائل التي تزيد من معدل التغلغل التأميني:
جعل فروع معينة
من التأمين إلزامياً كالتأمين الإلزامي على المسؤولية المدنية الناشئة عن حوادث
السيارات (ولو أن تجربة العديد من أسواق التأمين العربية ليست جيدة بسبب الحدود
غير الاقتصادية لأقساط التأمين التي يفرضها المُشرّع على شركات التأمين).
التأمين
الإلزامي الصحي (وهو موضوع ذو بعد اجتماعي اقتصادي يمس مصالح شريحة واسعة من الناس
ليس هذا بالمكان المناسب للحديث عنه يقوم على قناعات قابلة للنقاش بشأن قدرة
الدولة العصرية على تمويل الخدمات الصحية وغيرها).
وفيما يخص
إلزامية التأمين هناك تخوف غير مبرر يقوم على جهل تجاه الإلزامية (وليس هذا أيضاً
بالمكان المناسب للحديث عنه ويكفي أن أقول إن التأمين على خطر الفيضان إلزامي في
بعض الولايات الأمريكية، والتأمين على المسؤولية العشرية لمقاولي الإنشاءات
المدنية إلزامي في فرنسا، والتأمين على المباني في سويسرا إلزامي ... الخ).
كما يمكن تعزيز
التغلغل بجذب فئات جديدة للتأمين على الأخطار التي تتعرض لها ولا تؤمن عليها
لأسباب دينية أو أخلاقية أو اقتصادية. وفي
بالنا هنا نموذج التأمين التكافلي بشقيه الإسلامي والتجاري (micro-insurance).
وبالطبع كلما
زادت معدلات النمو الاقتصادي زادت فرص التأمين على الوحدات الاقتصادية والتجارية
الجديدة.
ومع تطور ثقافة
حقوقية تجاه مسؤولية الأفراد والمؤسسات عن أفعالها تظهر الحاجة للحماية التأمينية
من المسؤولية المدنية التي تشكل مصدراً إضافياً لطلب التأمين.[7]
ترد في هذه الفقرة من المنهاج فكرة "عدم
الاكتفاء بزيادة موارد الخزينة على حساب تراجع الاقتصاد الوطني وقطاعاته الحقيقية." المضمر في هذا التعبير أن هناك موارد قائمة للخزينة
(والمقصود الإيرادات النفطية الريعية) ولذلك ليس هناك ما يستدعي زيادة موارد
الخزينة من خلال فرض الضرائب، وأن الضرائب تعيق تقدم الاقتصاد الوطني. إن كان هذا التقييم صحيحاً، كيف يستقيم الاكتفاء
بالإيرادات النفطية مع مشروع تنويع الاقتصاد العراقي؟ يقدّر الواحد منا اعفاء الشرائح متدنية الدخل
من الضرائب، وكذلك أصحاب المصانع الفردية الصغيرة، وكذلك الإعفاءات المحددة بزمن
محدد لتشجيع مشاريع جديدة ريادية. لكن
دولة رأس المال لا تستغني عن الضرائب المباشرة وغير المباشرة.
هل حقاً أن تراجع القطاعات
الاقتصادية الحقيقية (وهي ثلاثة أو أربعة، كما تعلّمنا من الكتابات الاقتصادية
الرسمية: الزراعة واستخراج المواد الخام، الصناعة التحويلية، الخدمات كالمصارف
وشركات التأمين وغيرها) يعود إلى الضرائب: "فكم من ضريبة او مورد للخزينة هو ضرر
على الاقتصاد الوطني" كما يرد في المنهاج؟
من الواضح أن هذه الفكرة مقتبسة من سياسات الليبرالية الجديدة في الغرب.
لا يعرض المنهاج الوزاري
الكلفة التقديرية التي يتطلبها تحقيق البرنامج الحكومي ومصادر التمويل اللازمة لتحقيقها. هل أن الموازنة العامة هي البديل؟ ما يهمنا من هذه التساؤلات هو أن معرفة الكلفة
التقديرية لتنفيذ البرنامج الحكومي سيساعد شركات التأمين، كما كتبنا في دراسة
سابقة، في تقدير حجم أقساط التأمين التي يمكن أن تحققها لقاء توفير الحماية
لمفردات البرنامج من موجودات وخدمات ومسؤوليات قانونية
إذ أن كل محور في
المنهاج الوزاري بحاجة إلى شكل من أشكال التأمين، إلا أن تفكير الطبقة السياسية لا
يمتد نحو التأمين فأغلبهم غرباء عن الموضوع. من المفترض أن
مفردات محاور المنهاج ستخلق الأساس لطلب فعّال للحماية التأمينية بأنواعها
المختلفة: التأمين البحري والهندسي والمسؤوليات القانونية والحوادث الشخصية وتأمين
المعدات الإنشائية ... الخ.[8] لننتظر ما سيسفر خلال الـ 100 يوماً القادمة.
(4) بناء الرأسمالية في العراق واقتصاد
السوق الاجتماعي والتأمين
نقرأ التالي في المحور الثاني، المالي والاقتصادي
والتنموي (ص 42):
تسعى
الحكومة الى تحقيق الأهداف الاقتصادية والتنموية ضمن اطار برنامجها الحكومي الهادف
الى تطبيق سياسة الإصلاح الاقتصادي والانتقال من الدولة الريعية نحو اقتصاد السوق
وفق تطبيق خطط تنموية تستهدف القطاعات الحيوية التي تعتبر الشريان النابض للاقتصاد
العراقي ويقف في مقدمتها القطاع الزراعي الذي يسهم في تحقيق الأمن الغذائي
والاكتفاء الذاتي إضافة الى كون مخرجاته من منتجات زراعية وحيوانية هي المدخل
الأساسي للقطاع الصناعي الذي سيسهم احيائه بتشغيل الأيدي العاملة وتقليل نسب
البطالة والفقر من خلال تبني سياسة تشجيع الصناعة الوطنية وحماية المنتوج الوطني
بمشاركة القطاع الخاص الذي سيكون له الدور الأبرز في تحقيق النمو الاقتصادي من
خلال عقود الشراكة بين القطاعين العام والخاص لتوفير الخدمات للمواطنين بجودة
عالية وفق ميزة تنافسية تسهم بتقديم خدمة افضل وتكلفة اقل مما سيساعد في حفظ المال
العام وتقليل نسب الفساد المالي مما سيسهم في تحسين بيئة الاستثمار وتنويع
الاقتصاد العراقي من خلال تنشيط القطاعات الاقتصادية الأخرى مثل قطاع السياحة
والنقل واستثمار ما يتمتع به العراق من مواقع سياحية طبيعية ودينية مما يتطلب
إدارة ملف المياه مع دول الجوار بتطبيق الاتفاقات والمعايير الدولية وهذا يتطلب
تحقيق التكامل بين جميع القطاعات وعلى رأسها النقدي والمالي بما في ذلك اسواق راس
المال وتفعيل الدور المصرفي والائتماني للمصارف وشركات التأمين.
اعتذر من القراء على هذا الاقتباس الطويل الذي لا
يضم علامة وقف أو فاصل. فهو يضمّ مزيج من
الأفكار المقحمة مع بعضها بدون علاقة منطقية أو سببية؛ هي أشبه ما تكون بلغة
الدراويش التي تفتقر إلى فكرة مركزية. ما
علاقة ملف المياه مع دول الجوار، مثلاً، بتنشيط بقطاع السياحة والنقل؟ آمل أن يتبرع أحد الاقتصاديين لتفكيك هذ الفقرة
والتعليق على مفرداتها.[9] ما يهمني
في هذا الاقتباس هو القول إن سحر الدرويش:
يتطلب
تحقيق التكامل بين جميع القطاعات وعلى رأسها النقدي والمالي بما في ذلك اسواق راس
المال وتفعيل الدور المصرفي والائتماني للمصارف وشركات التأمين.
إذ أن مشروع التنمية الاقتصادية، بموجب هذا المحور،
يمر عبر "أمولة" الاقتصاد financialisaton of the economy. ونقرأ المزيد بهذا الشأن حول "أولوية تحقيق
التكامل النقدي والمالي بما في ذلك أسواق رأس المال والمؤسسات المصرفية
والاستثمارية وشركات التأمين." (ص 43)
من ساهم في كتابة المنهاج الوزاري يستهجن استخدام
كلمة الرأسمالية، ولذلك لا ترد في المنهاج رغم أن أطروحاته ومفرداته تؤسس لبناء اقتصاد رأسمالي حديث على النمط
الغربي أو ما أسماه د. مظهر محمد صالح اختصاراً باقتصاد السوق الاجتماعي الذي
"يتمثل بدعم الشرائح المهمشة والفقيرة من المجتمع مثل العاطلين والمعاقين
وغيرهم وذلك بإيجاد حلول علمية تتفق مع المرحلة القادمة بتوفير فرص عمل حقيقية
خارج مؤسسات الدولة ورواتب مجزية للعوائل المتعففة التي ازدادت في الآونة الاخيرة
لعدة اسباب." وهو بهذا اختار جانباً
من أطروحة اقتصاد السوق الاجتماعي.[10]
التعريف
باقتصاد السوق الاجتماعي
أنقل
هنا ما كتبته من باب التعريف باقتصاد السوق الاجتماعي وما يعنيه هذا الاقتصاد
بالنسبة للنشاط التأميني.[11]
اقتصاد السوق الاجتماعي أشبه ما يكون
بمشروع بناء "طريق ثالث" بين الليبرالية (اقتصاد السوق، المبادرة
الفردية، المنافسة) والاشتراكية (العدالة الاجتماعية). ويتطلب تحقيقه اعتماد سياسات تقوم على تأكيد المنافسة
(والوجه الآخر له هو منع الاحتكار)، توفير الشروط لتحقيق تكافؤ الفرص بين
الكيانات الاقتصادية وتعطيل سيطرة فئة على مقاليد الاقتصاد الوطني، وتدخل
الدولة عند فشل السوق في أداء دوره (دور اضطراري). وقد يضاف إلى هذه السياسات تدخل الدولة
لتوجيه الإنفاق والاستثمار لتلبية حاجات اجتماعية (هياكل ارتكازية، مدارس،
مستشفيات وغيرها من خلال مشاركة الدولة مع القطاع الخاص الوطني أو الأجنبي أو
الاستثمار المباشر وهذا الأخير هو الذي ينتظم دعوات الاستفادة من الريع النفطي
لأغراض البنية التحتية، المادية وغير المادية، بما فيها التعليم والصحة والحفاظ
على البيئة).
وبالنسبة
للعراق فإن خيار الانتقال من الاقتصاد الشمولي الأوامري إلى اقتصاد السوق مسألة
مفروغ منها وإضافة الصفة الاجتماعية لا يغير من طبيعة التوجه الاقتصادي للحكومة
والأحزاب السياسية بما فيها أحزاب اليسار.
فهناك تقدير واعتراف بدور جديد للدولة، في صيغتها الاتحادية، في العراق،
رغم عدم وضوح الأفكار بشأن هذا الدور في الوقت الحاضر وضعف مؤسسات الدولة
الاتحادية والتضارب في تحديد العلاقة بين الاتحاد والإقليم، يقوم على منهج الرعاية
الاجتماعية، والتنمية البشرية والتكنولوجية وتدريب القوى العاملة ومحاربة الفساد
المالي والإداري (مفوضية النزاهة) وإعلاء سلطة القانون. وبعبارة أخرى فإن التلكؤ الحالي في إدارة
الاقتصاد وغياب السياسات الواضحة هو الممهد لإنهاء دور الدولة كمقرر لإدارة
الاقتصاد. نحن بإزاء قيام اقتصاد رأسمالي
في العراق رغم الأوصاف الأخرى التي تُطلق عليه والذي سيترسخ مع دخول العراق عضواً
في منظمة التجارة العالمية.
ماذا
يعني ذلك بالنسبة للنشاط التأميني؟ ربما
يعني خروج الدولة من السوق التجاري للتأمين.
ويقتضي هذا خصخصة شركات التأمين وإعادة التأمين التابعة لها، وحصر دورها
(دور الدولة) بتوفير أنماط من التأمين الاجتماعي، أو تطوير ما هو قائم منها، كما
هو الحال في الديمقراطيات الغربية، أو تكوين مُجمّع تأميني لمقابلة الخسائر
والأضرار المادية المترتبة على الكوارث أو خطر الإرهاب. وقد يكون هذا المجمع ممولاً من الميزانية
العامة أو من مساهمة الشركات أو رسوم مفروضة على وثائق تأمين معينة، وقد يكون
مشروعاً مشتركاً بين شركات التأمين والدولة.
لكننا نستبق ما سيسفر أو لا يسفر عنه المستقبل.
يعني
ذلك أيضاً ضمان الدولة للمنافسة (منع الاحتكار) بين شركات
التأمين، وتوفير الشروط لتحقيق تكافؤ الفرص بين الكيانات الاقتصادية (عدم
تفضيل شركة تأمين على غيرها في التأمين على الأصول المادية والمسؤوليات المادية)
وتعطيل سيطرة فئة على مقاليد النشاط التأميني (الاندماج بين مجموعة من شركات
التأمين بهدف السيطرة على السوق لتعظيم أرباحها)، وتدخل الدولة عند فشل
شركات التأمين في أداء دورها (دور اضطراري ربما قد تلجأ إليه عند إفلاس شركة تأمين
للحفاظ على حقوق حملة وثائق التأمين كما هو الحال بالنسبة للمودعين في
المصارف). وقد يضاف إلى هذه السياسات تدخل
الدولة لتوجيه الإنفاق والاستثمار لتلبية حاجات اجتماعية (وهو ما تمارسه
الدولة من خلال الإنفاق العام الذي يخلق فرص جديدة لشراء أغطية التأمين، وتحديد
مجالات استثمار صناديق التأمين، والسياسة الضريبية الخاصة بالنشاط التأميني ومنها
عدم فرض ضريبة على عقود التأمين على الحياة لتشجيع الادخار، أو وثائق التأمين
الصحي لتقليل الضغط على الخدمات الصحية التي تقدمها الدولة).
السؤال الكبير الذي ينهض
هنا هو: ما هي الفلسفة التي ستتبعها حكومة عادل عبد المهدي لرسم سياسة لتطوير قطاع
التأمين القائم؟
(5) خطوات مرتقبة والاقتراب
من رؤية لمؤسسة التأمين
طالما أن المنهاج الوزاري
يتضمن إشارة للتأمين فإن الأطراف المعنية بالنشاط التأميني مطالبة باتخاذ بعض الخطوات
لتعزيز قطاع التأمين العراقي. يمكن إيجاز
بعض هذه الخطوات بالآتي:
§ إعادة النظر ببعض أحكام
قانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005 الضارة بمصالح شركات التأمين العراقية. وهذه مسألة ملحّة تتمتع بإجماع إدارات شركات
التأمين العراقية، العامة والخاصة.[12]
§ تشجيع الإقبال على شراء
وثائق التأمين على الحياة من خلال الإعفاء من الضرائب والرسوم، إذ أن محفظة
التأمين على الحياة ما زال معتمداً على الوثائق الجماعية لتأمين الحياة؛ وكذلك
إعادة النظر بتسعير وثائق التأمين على الحياة في ضوء الخبرة الوطنية في هذا المجال
ومعدلات الوفيات وغيرها من الاعتبارات الاكتوارية.
§ تفعيل الوظيفة الرقابية التي
يقوم به ديوان التأمين. صحيح أن ديوان التأمين تابع لوزارة المالية، لكنه هو المشرف والمُنظّم
للنشاط التأميني، وله دور في ضبط النشاط، والعمل على تغيير قانون تنظيم أعمال التأمين
لسنة 2005 (وقف تسريب أقساط التأمين خارج العراق)، ورفع مستوى عمل شركات التأمين
(الإدارة، التدريب، الشفافية، القدرات الفنية ...).
§ تشجيع الدمج بين شركات
التأمين الصغيرة في رأسمالها وكوادرها الفنية، لبناء قطاع تأمين وطني قوي مالياً
ومهنياً، يمتلك القدرات الفنية في الاكتتاب وتسوية التعويضات والاحتفاظ بالأخطار
قبل إعادة التأمين عليها. إن لم تكن هناك
استجابة للتشجيع يجب عندها اللجوء إلى الصرامة في تطبيق تعليمات ديوان التأمين،
ورفع الحد الأدنى لرأسمال شركة التأمين.
§ تعزيز مكانة شركة إعادة
التأمين العراقية من خلال استعادة مبدأ إسناد نسبة من أعمال شركات التأمين لها،
ورفع مستوى كوادرها، واستبعاد إدارتها من المحاصصة أو التوكيل؛ وإن تطلب الأمر
استقدام خبير/خبراء في إدارة إعادة التأمين من خارج العراق.
§
التخطيط والعمل على إدخال عدد من التأمينات الإلزامية مثلما
هو جارٍ في العديد من الدول، وتشكّل
هذه التأمينات مصادر جديدة لنمو الطلب الفعّال وتطوير شركات التأمين، ومنها:
-
إلزام
المؤسسات المالية، بما في ذلك شركات التأمين، بالتأمين ضد مخاطر الجريمة والقرصنة
السيبرانية.[13]
-
التأمين الإلزامي
على المسؤولية المهنية من أخطاء المهنة العرضية للأطباء والمحامين والمهندسين
وغيرهم من أصحاب المهن.
-
التأمين الإلزامي لطلاب المدارس.
-
تشجيع شركات التأمين على تقديم منتجات التأمين
لتغطية التجمعات الجماهيرية في مراكز التسوق والملاعب وأماكن العبادة.
-
التأمين الإلزامي على الأصول المادية الحكومية.
آمل أن تندرج هذه الخطوات
ضمن مشروع تطوير رؤية تجاه قطاع التأمين لدى مؤسسات الحكم
والأحزاب والكتل السياسية وكيانات التأمين.[15]
3 تشرين الثاني 2018
[1] يمكن
قراءة المنهاج الوزاري في موقع بغداد بوست: https://www.thebaghdadpost.com/UP/GovProg_draft_22Oct18_v08.pdf
[2] مصباح كمال، "تعليق على غياب التأمين في
برنامج الحكومة للسنوات 2011- 2014،" مجلة التأمين العراقي:
مصباح
كمال، "التأمين في المنهاج الحكومي: قراءة أولية،" الثقافة الجديدة،
العدد 370، تشرين الثاني 2014، ص 51-63.
نشرت
أيضاً في موقع شبكة الاقتصاديين العراقيين ومواقع أخرى
سأستفيد
من هاتين المقالتين في تقديم بعض الأفكار.
Michael Rubin, “Will Fuad
Hussein’s Appointment as Finance Minister Sink Abdul-Mahdi’s Reform Efforts?”
أشكر الأستاذ فاروق يونس على
إرسال رابط هذا المقال.
[5] مصباح كمال، "تأمين الصادرات
العراقية،" موقع شبكة الاقتصاديين العراقيين:
[6] للتعرف على خلفية هذا الأمر والآثار الضارة
المترتبة عليه راجع مصباح كمال، قانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005: تقييم
ودراسات نقدية (بغداد: منشورات شركة التأمين الوطنية، 2014).
[7] مصباح كمال، "تفعيل دور شركات التأمين في
تعزيز موارد الدولة: مناقشة دعوة وزير المالية" مجلة التأمين العراقي،
21/5/2009 http://misbahkamal.blogspot.com/2009/05/6-2009.html
[8] مصباح كمال، "تعليق على غياب التأمين في
برنامج الحكومة للسنوات 2011- 2014،" مجلة التأمين العراقي، المصدر أعلاه.
[9] أنصح بقراءة مقالة مهدي البنّاي، "مظاهر
الشعوذة الاقتصادية،" موقع شبكة الاقتصاديين العراقيين:
فهو يبين
الخواء الفكري، الشعوذة، لدى صانعي السياسات في العراق.
[10] مصباح كمال، "التأمين في المنهاج الحكومي:
قراءة أولية،" موقع شبكة الاقتصاديين العراقيين:
[12] مصباح كمال، قانون
تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005: تقييم ودراسات نقدية (بغداد، منشورات شركة
التأمين الوطنية، 2014).
[13]
للتعرف على خلفيات هذا الخطر والتعريف ببعض مفاهيمه راجع:
مصباح كمال،
"التأمين على الأخطار السِيبرانية،" شبكة
الاقتصاديين العراقيين:
وكذلك:
مصباح كمال،
"التأمين على مشروع الحكومة الإلكترونية في العراق: تعليق على خبر
صحفي،" مجلة التأمين العراقي:
[14]
وهذا يرتبط بما جاء في المنهاج الوزاري حول
"تطوير قاعدة بيانات دقيقة عن العراقيين او العوائل التي تعيش تحت خط الفقر
بغرض شمولهم بالرعاية الاجتماعية والقروض وتأسيس المشاريع الصغيرة وتوفير دعم
الدولة المستحق لهم في الاسكان والعمل والكهرباء الرخيصة. (صفحة 24-25)
[15] للتعرف على التفاصيل، أنظر: مصباح كمال،
"نحو مشروع لصياغة سياسة لقطاع التأمين في العراق،" مجلة التأمين
العراقي http://misbahkamal.blogspot.co.uk/2012/10/blog-post.html
والعديد
من الدراسات الأخرى المشورة في موقع شبكة الاقتصاديين العراقيين ومجلة التأمين
العراقي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق