إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

2018/11/26

Natural Catastrophes & Iraq's Insurance Sector




مصباح كمال


نشرت هذه المقالة أصلاً في موقع شبكة الاقتصاديين العراقيين:


(1) أخبار السيول

نشرت وكالات الأنباء والصحف العراقية أخبار السيول الشديدة والأمطار الغزيرة في قضاء الشرقاط التابع لمحافظة صلاح الدين (ارتفاع منسوب مياه السيول إلى مترين)، وبعض المناطق في نينوى، وفي محافظات البصرة والناصرية وميسان وواسط.  ونشرت أيضاً أعداد الضحايا (21 حالة وفاة) والمصابين (ما يقرب من 200)، وتدمير 3 آلاف منزل، وتشرد آلاف العوائل (3 آلاف عائلة في الشرقاط) وغرق قرى ومخيمات (1500 خيمة) للنازحين (مخيم حمام العليل في الموصل)، وتضرر العديد من المحال التجارية وشبكة الكهرباء، وانجراف عدد كبير من السيارات، وانهيار جسر في أيسر الموصل، وأضرار كبيرة بالحقول الزراعية ونفوق المواشي.

وقرأنا عن إجراءات الإغاثة المتأخرة، وعدم اتخاذ إجراءات استباقية ووقائية خاصة (غياب سياسة لإدارة الأخطار) وأن هيئة الإرصاد الجوية قد حذّرت من حدوث السيول؛ وأمور أخرى ذات علاقة كفشل الحكومة في حماية المدنيين وتوفير بدائل أفضل لمواقع المخيمات وإنهاء وجودها وغيرها كثير.

ليست السيول والفيضانات بالظاهرة الجديدة في العراق فقد اختبرناها سنة 2013 وكتبنا عنها من موقف تأميني.[1]

(2)                  صمت قطاع التأمين

الغائب في هذه الأخبار هو قطاع التأمين العراقي.  لم نقرأ موقفاً لأي من شركات التأمين العامة والخاصة، أو من جمعية التأمين العراقية، وكأن المسألة ليس لها بعد تأميني.  اختبرنا في الماضي غياب الموقف من القطاع تجاه الزلازل التي ضربت العراق وبعضها كان بقوة 5 درجات على مقياس ريختر.  كان آخر هذه الزلازل يوم 25 تشرين الثاني 2018 كما نقلت وكالات الأنباء عن هيئة الإرصاد الجوية، إذ ذكرت بأنه ضرب بغداد وطال محافظات بابل والديوانية وواسط وذي قار والنجف وكربلاء، وخلق حالة رعب في قضاء خانقين.  لكن تقرير الهيئة لم يُشر إلى حصول أضرار أو إصابات سوى تكسر بزجاج النوافذ في خانقين.

(3)                   بعض الآثار الاقتصادية للفيضانات

من المناسب هنا أن نقتطف ما كتبناه في مقالتنا "خطر الفيضان في العراق ودور الدولة والتأمين" حول الآثار الاقتصادية للفيضانات، من باب تذكير المعنيين في قطاع التأمين والمؤسسات الرسمية ذات العلاقة.

نقص دراسة آثار الفيضانات والسيول في العراق
المقتطفات الصحفية تذكر بعض الأضرار الاقتصادية للفيضانات ومنها: جرف الطرق والسيارات، نفوق الأغنام والمواشي، تدمير منازل، جرف مساحات من الأراضي الزراعية، إجلاء الأسر من مناطق سكناهم وغيرها.  ومما يؤسف له عدم وجود تقديرات عن حجم هذه الأضرار المادية المباشرة.  هناك أضرار أخرى، غير مباشرة، تتمثل بوقت العمل الضائع، وبخسارة الدخل (بسبب توقف الأعمال عقب الفيضان) لبعض الفئات المتضررة.  كل هذا يُشكّل هدراً اقتصادياً يستدعي دراسة كمية.

ليست هناك إحصائيات رسمية أو سجل للفيضانات في العراق تفصل فيها المساكن والمحلات التجارية والمعامل وغيرها المتضررة بالفيضان.  والانطباع العام هو ان الكوارث الطبيعية في العراق تبدو صغيرة في حجمها وآثارها مقارنة بمثيلاتها في دول أخرى.  فهي لا تُصنّف ككوارث كبيرة عند مقارنتها مع ما يحدث في دول أخرى (تايلندا، بعض الدول الأوروبية، الولايات المتحدة).

الآثار المباشرة وغير المباشرة
تجمع الدراسات على أن الفيضانات تترك آثاراً على البيئة والاقتصاد والناس.   فقد تؤدي الفيضانات إلى جرف مواد كيمياوية خطرة إلى الأنهار والمسطحات المائية مما يؤدي إلى تلويثها.  وقد تغير الفيضانات توازن النظام البيئي (الإيكولوجي) (ecosystem): نفوق الحيوانات وظهور الحشرات في المناطق المتضررة.

كما تؤدي الفيضانات في بعض الأحيان إلى وفاة الناس، وإصابة البعض الآخر، واضطرارهم إلى هجر مساكنهم.  وقد تؤدي إلى انقطاع الكهرباء ومياه الشفة.  وتخلق شروطاً مناسبة للأمراض وعدوى الانتقال.

ويمكن النظر إلى الفيضانات من حيث آثارها المباشرة المتمثلة بالوفيات، وتضرر السيارات والمساكن والمباني والمنشآت الأخرى كالجسور، انظمة الصرف الصحي، الطرق، القنوات (وعرقلة تعبئة الموارد لمكافحة آثار الفيضان)، تضرر خطوط نقل القدرة الكهربائية (سقوط الأبراج) وبالتالي خسارة الطاقة لمعالجة مياه الشرب، أو تلوث هذه المياه، والتسبب بالأمراض (الكوليرا والتيفوئيد وغيرها)، انغمار الأراضي الزراعية مما يتسبب بعدم القدرة على الحصاد والغرس، وتضرر السيارات.

ومن الآثار غير المباشرة كلفة إعادة البناء، والنقص في عرض المواد الغذائية نتيجة لتدمير المحاصيل، والآثار النفسية على المتضررين (الوفاة، الأضرار البدنية، فقدان الممتلكات)، زيادة الرطوبة في البيوت (قد تؤدي إلى مشاكل في التنفس).

يضاف إلى ذلك أن الفيضانات تستدعي تعبئة موارد مختلفة لإسعاف الناس والمناطق المنكوبة.  كما أن ما يدمر يحتاج إلى وقت للتصليح قد يمتد لفترة طويلة حسب نوع الضرر.

إن العديد من هذه الآثار الاقتصادية يمكن أن تكون موضوعاً للتأمين، وبالتالي مصدراً مهماً للطلب على الحماية التأمينية متى ما توفرت الشروط المناسبة لذلك.

(4)                  ماذا يعني صمت قطاع التأمين

لم تقم أي من شركات التأمين أو جمعية التأمين العراقية برصد هذه الكوارث الطبيعية وبناء قاعدة بيانات للاستفادة منها في الاكتتاب الصحيح بأخطار هذه الكوارث وآثارها على الممتلكات والأفراد، وصياغة قواعد مناسبة، بالتعاون مع جهات أخرى، لمساعدة المؤمن لهم لإدارة أخطار ممتلكاتهم.  وقد كتبنا سابقاً أنه

"من المؤسف حقاً أن لا تتوفر إحصائيات عن الخسائر المادية المباشرة المترتبة على الكوارث الطبيعية (الجفاف، الفيضان، الحالوب، الزلازل) المؤمن عليها أو غير المؤمن عليها والخسائر المالية التبعية (خسارة الدخل نتيجة لتوقف الإنتاج).  وحتى قطاع التأمين لم يأخذ على عاتقه بعدُ رصد الكوارث الطبيعية المعلن عنها في أجهزة الإعلام وغيرها من المصادر الرسمية التي لم نتعرف عليها، أعني الهيئة العامة للأنواء الجوية والرصد الزلزالي."[2]

نفترض إن بعض الممتلكات المتضررة ستكون موضوعاً للتعويض من قبل شركات التأمين (انجراف السيارات، مثلاً، أو تدمير المنازل، أو المحاصيل الزراعية أو نفوق المواشي - إن كانت مؤمناً عليها).  في غياب التأمين سيتم التعويض، بهذا القدر أو ذاك، من موازنة الحكومة، خاصة وأن الحكومة لم تعمل على تأسيس صندوق وطني للطوارئ أو صندوق مماثل تشترك فيها الحكومة وشركات التأمين.

إن صمت قطاع التأمين عن كوارث الطبيعة يعني أنه فوّتَ على نفسه فرصة الإعلان عن وجوده ودوره في توفير الحماية من خلال وثائق تأمين متخصصة أو ضمن وثائق تأمين أخرى.  وهو يعني أيضاً أنه أخلَّ بدوره في نشر الوعي التأميني بين الناس وبين الشركات والمؤسسات والدوائر الرسمية التي قد تتأثر ممتلكاتها بفعل كوارث الطبيعة.  وهو يعني كذلك أن ممثلي القطاع لا يمكن لهم أن يستمروا بدعوى غياب الوعي التأميني لتفسير ضعف الطلب على الحماية التأمينية.

26 تشرين الثاني 2018




[1] راجع: عبد القادر عبد الرزاق فاضل، 2013" عام الفيضانات في العراق،" مرصد التأمين العراقي:
وكذلك: مصباح كمال، "خطر الفيضان في العراق ودور الدولة والتأمين،" موقع شبكة الاقتصاديين العراقيين:

[2] مصباح كمال، "خطر الفيضان في العراق ودور الدولة والتأمين،" موقع شبكة الاقتصاديين العراقيين:


ليست هناك تعليقات: