رفض تأمين
السيارات المصفحة لأعضاء البرلمان العراقي؟
مصباح كمال
لا أدري إن كان لزملائي وزميلاتي في قطاع التأمين العراقي موقف تجاه قرار البرلمان العراقي لتخصيص ما يقرب من 50 مليون دولار لشراء 350 سيارة مصفحة للنواب، وكذلك خطاب الدائرة البرلمانية للجنة الأمن والدفاع لمفاتحة وزارة الدفاع أو وزارة الداخلية "لشراء أسلحة (بنادق ومسدسات) للسادة النواب" (وفاتت اللجنة ذكر السيدات من أعضاء مجلس النواب). قد يبدو السؤال متعجرفاً وهو ما لا أعنيه إطلاقاً إذ أنه ينحصر في الموقف التأميني البحت من هذا القرار المتكبر على حقوق المواطنين والناخبين والمستغرق في مصالح أعضاء البرلمان.
لقد كُتب الكثير من النقد عن إهدار المال العام وبؤس الأداء التشريعي والرقابي فيما يخص الأحوال المعيشية للناس دونكم سوء الخدمات وغياب السياسات الاقتصادية للتنمية. ولعل خير رد على "ممثلي الشعب" هو ما قاله شرطي مرور عندما قارن تعرضه للخطر اليومي مع ما يتعرض له أعضاء البرلمان أو تعرض عمال المساطر للخطر والذين يقتلون بالجملة في العمليات الإرهابية. ولا نريد الخوض في هذا الجانب ويكفي أن نقول ان الاحتجاج على قرار شراء السيارات المصفحة، رغم عدم استهانتنا بسلامة أعضاء البرلمان، فهم مواطنون أيضاً، أثبت أهمية الرأي العام وقوة الردع الكامنة فيه. نأمل ان تكون هذه التجربة درساً للبرلمانيين بعدم الاستخفاف بمشاعر ناخبيهم ومصالح المواطنين.
وأنا أتابع هذا الموضوع خطر ببالي أهمية أن يلعب قطاع التأمين دوره في التأثير على قرارات من هذا النوع والإعلان عن نفسه كقوة مؤسسية مؤثرة. أعرف جيداً بانني أتحرك في دائرة المُتخيل عندما افترض، مثلاً، قيام جمعية التأمين العراقية بتوزيع إعمام على شركات التأمين العراقية كافة تُحرّمُ بموجبه تأمين السيارات المصفحة لأعضاء البرلمان، فالجمعية لا تمتلك صلاحية التحريم ودورها في الحياة العامة ما زال مفقوداً وفي أحسن الحالات ضيقاً ومستغرقاً في الشؤون الداخلية لأعضائها.
لكننا نود أن نتخيل دور فعالاً للجمعية من خلال استحضار نجاح الاحتجاج الشعبي والصحفي والسياسي ضد شراء السيارات المصفحة.
استلهام هذا النجاح قد يدفع، إن توفرت الإرادة وتكاتفت الجهود بين شركات التأمين، نحو تغيير سياسة شراء الحماية التأمينية من قبل الوزارات وغيرها من المؤسسات الرسمية. لكن تحقيق هذا التغيير يستلزم الحضور المستمر للجمعية في الفضاء العام ـ أعني في الصحافة، وفي المنتديات، والبرلمان والحكومة والأحزاب .. الخ.
دعونا نتخيل طلباً من وزارة الدفاع أو الداخلية للتأمين البحري على هذه السيارات المصفحة من بلد المنشأ إلى مخازن الوزارة لا تستجيب له أية شركة تأمين مرخصة من قبل ديوان التأمين العراقي؛ ترفض تلبية هذا الطلب من باب التضامن مع الحركة الرافضة لهذه السيارات وامتثالاً للقرار الجماعي المُتخيل لجمعية التأمين العراقية. بالطبع نفترض أن الوزارة المعنية ستجري التأمين من خلال مناقصة بين شركات التأمين العاملة في العراق المرخصة من قبل ديوان التأمين العراقي، كما يقضي بذلك قانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005. التجربة تدل على ان طالب التأمين لن يتأثر برفض طلب التأمين بعكس ما نجده في الكثير من الدول حيث يتوقف تنفيذ العقود في غياب التأمين عليها.
لو لجأت الوزارة إلى التأمين في الخارج، أو خولت المُجهز بشراء التامين من شركات تامين أجنبية، تكون الوزارة عندها قد فضحت نفسها أمام الرأي العام، وأصبح الاهتمام بمكانة شركات التأمين العراقية موضوعاً في الصحافة وفي المناقشات العامة. هنا ستنكشف استهانة الحكومة، وكذلك مجلس النواب، بدور قطاع التأمين العراقي. هنا تتوضح الصورة: نحن امام سياسيين "خرده فروش"، لا هم لهم سوى مصالحهم الآنية وليس رجال دولة معنيون ببناء المؤسسات. وضعٌ متخيل لا ينهض به الواقع، فلا الجمعية تتحرك ولا طالبو التأمين معنيون بالتأمين مع شركات تأمين عراقية إذ أنه من المرجح ان عقد استيراد السيارات المصفحة قد ضم بنداً للتأمين على أساس سيف، أي على أساس الكلفة والتأمين والشحن.
وكما يخبرنا الزميل سعدون الربيعي في العديد من مقالاته ومداخلاته فإن استيرادات الوزارات والمؤسسات الرسمية منذ 2003 تميل عموماً للتأمين على أساس سيف CIF الذي ألغى دور شركات التأمين العراقية فيما يخص التأمين البحري على الاستيرادات. "الفضل" في ذلك يعود لتوجيهات وزارة التخطيط!
في الماضي، وأعني سبعينيات القرن الماضي، كانت عقود الأسلحة وكذلك مشاريع الصناعة العسكرية، نظراً لسريتها، لا تُعرض للتأمين على شركة التأمين الوطنية، وقتذاك كانت الشركة الوحيدة للتأمينات العامة حتى أواخر ثمانينيات القرن الماضي. اختفت السرية الآن، أو هكذا يبدو الأمر في مرحلة ما بعد 2003، إلا أن استبعاد شركات التأمين العراقية، بصيغة أو أخرى، ما زال قائماً. هذا الوضع يعكس استخفافاً بقطاع التأمين وهو السائد في العراق وله أسبابه. ألم يحن الوقت لتلعب جمعية التأمين العراقية دوراً فعالاً في الحياة العامة؟
لندن 5 آذار 2012
قرأنا اليوم، 6 آذار، خبراً نقلته وكالة كل العراق [أين] أن "البرلمان صوت وبالأغلبية في جلسته المنعقدة اليوم على الغاء تخصيصات السيارات المصفحة ونقلها لباب اخر".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق