إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

2012/03/07

Belittling Iraqi Insurance Companies

"البلاد تخلو من شركات التأمين الرصينة"

مناقشة لرأي اقتصادي



مصباح كمال



تحت عنوان "العراق يخطط لإحياء مناطق حرة وإنشاء أخرى" (بغداد - نصير الحسون/الحياة/الجمعة 20 يناير/كانون الثاني 2012) قرأنا خبراً نقتبس منه الآتي فيما يخص موضوع هذه الورقة: [1]



"وضعت الهيئة العامة للمناطق الحرة في العراق خطة لاستحداث مجموعة من المناطق الحرة وإحياء المناطق الحرة الثلاث التي تتعرض للإهمال منذ سنوات. وأثارت الخطة، التي أعلنها رئيس مجلس إدارة الهيئة، صباح صالح القيسي، مخاوف بعض خبراء الاقتصاد من تعرض تلك المناطق إلى تهديدات بسبب الوضع الأمني غير المستقر في البلاد، وإلى محاولات استغلال من سياسيين نافذين...



الخبير الاقتصادي باسم أنطوان أكد لـ «الحياة» عدم إمكانية تسمية المناطق التي استحدثها النظام السابق بالمناطق الحرة بالمعنى الحقيقي، فالعراق لا يملك البيئة المناسبة لقيام تلك المناطق من حيث القوانين التي تحمي نشاطها والقوانين المشجعة على الاستثمار ودخول الأموال من الخارج. وقال: «لا يملك العراق الخبرات الكافية لإدارة تلك المناطق ولا البنية التحتية مثل المصارف التي تعمل بأنظمة حديثة، كما أن البلاد تخلو من شركات التأمين الرصينة». وسأل: «كيف ستعمل المناطق الحرة والأجهزة الأمنية حتى الآن غير قادرة على وضع حد لنشاط عصابات ومافيات السلب؟ من سيحمي الأموال التي سيستثمرها رجل الأعمال المحلي أو العربي أو الأجنبي؟"



مرة أخرى نلتقي مع الخبير الاقتصادي د. باسم أنطون لمناقشته بشأن النشاط التأميني في العراق، ففي تصريح سابق تحدث عن قلة شركات التأمين كأحد أسباب ركود سوق التأمين العراقي.[2] والآن يقول إن "البلاد تخلو من شركات التأمين الرصينة." ويبدو أنه يقربنا من فهم واقع النشاط التأميني بالتدريج.



نفترض أن د. أنطون يختار كلماته بعناية، و "الرَّصِينة" هي واحدة من هذه الكلمات التي نود أن نتوقف عندها قليلاً في هذه الورقة القصيرة وندخل بها لمناقشة موضوعة خلو البلاد من شركات التأمين الرصينة. لعله تعرّف على العديد من الشركات القائمة، الخاصة والعامة، فوجدها تفتقر إلى الرصانة، قبل أن يطلق هذه الصفة عليها.



لم يعرّف لنا د. أنطون معنى الرصانة ولهذا لا يعرف القاري أية قيمة، اقتصادية أو غيرها، مضمره في هذا التوصيف. لنحاول الاجتهاد في تفكيك ما نراه بعض عناصر الرصانة ومن مقترب قاموسي. تذكر القواميس العربية بأن الرصين هو المُحكم الثابت، الرزن، الجاد، المُتَّزن، الوقور. وهي صفات للشخص ولمواقفه ويمكن إطلاق بعض منها على الشخص المعنوي كالشركات والمؤسسات. لنا في العراق في الوقت الحاضر ما يقرب من ثلاثين شركة تأمين مسجلة لدى ديوان التأمين العراقي ربما يقول البعض بأنها لا تتميز بالجدية إذ هي مجرد واسطة للتأمين على الأصول المادية لأصحابها والقليل من الأصدقاء والأفراد خارج نطاق المساهمين، وليس لها برنامج واضح للمستقبل. وبعضها ليست متزنة في انتقائها الاكتتابي للأخطار التي تؤمن عليها وفي التنافس عليها مع غيرها من الشركات. وهي وغيرها من الشركات ليست مُحكمة في إدارتها، أو قل إن ادارتها تميل نحو الفردية وتحوم حول المدير العام، ولا تتوفر على كوادر وظيفية عليا ومتوسطة مؤهلة جيدة التدريب، وليس لها أهداف واضحة. وقد لا نتوقع من الشركات الرزانة والوقار في سوق قائم على التنافس غير المنضبط (بمعنى انه لا يعير اهتماماً حقيقيا بمصالح المؤمن لهم) مثلما لا نتوقع منها الثبات في سياستها الاكتتابية إذ هي تنتهز الفرص للاكتتاب بما هو متوفر، أي أنها تفتقر، على سبيل المثال، لسياسة في التسويق.



هذا توصيف ناقص مُتخيل للاقتراب من معنى الرصانة يعوزه البحث الميداني للتعرف على شركات التأمين العراقية كما هي لا كما نتخيلها. وعدا ذلك فإنه ينطوي على أحكام تقييمية تقع في خانة مناطق الخلاف، وقد تستثير الرفض من العديد من إدارات التأمين ومن له دراية بواقع شركات التأمين.



ومع ذلك نرى أن الرصانة مقياس غير قابل للقياس الكمي، واستخدامها يتطلب تفكيك العناصر التقييمية المضمرة فيها من قبل د. أنطون إذ أن اجتهادنا قد لا يكون صائباً. ونضيف إلى ذلك أن الرصانة ليست مقولة اقتصادية متداولة. إن كان ما نقوله صحيحاً ربما كان من الأفضل استخدام معيار الكفاية efficiency في الحكم على شركات التأمين.



لا نعني هنا بالكفاية الاقتصادية طريقة توزيع الموارد لإنتاج السلع والخدمات (وهو موضوع اقتصاد الرفاهية) بل الكفاية الانتاجية. والكفاية هنا تعني التحديد الأفضل لكمية المستخدمات (المدخلات) input الانتاجية والجمع بينها لإنتاج حجم معين من الانتاج باستخدام تكنولوجيا الانتاج المتوفرة في "صناعة" التأمين بموجب أسعار السوق لهذه المستخدمات. الكفاية هنا هي تحقيق الانتاج output الأفضل بأقل التكاليف.



الكفاية الاقتصادية ليست غاية مجردة بذاتها بل أداة لتحقيق أكبر ربح بأقل التكاليف. هناك قيود معينة يجب أخذها بنظر الاعتبار لتحقيق الكفاية نظراً لطبيعة "الإنتاج" التي تقوم به شركات التأمين. فالتكنولوجيا الأساسية في الإنتاج هي قوة العمل (إحدى المدخلات) و "السلعة" المنتجة، ممثلة بوثيقة التأمين، ليست سلعة مادية بل وعداً عقدياً بتقديم منفعة محددة في المستقبل أن تحققت شروط قيامها. هذا الموضوع، المدخلات والمستخرجات في قطاع التأمين، لم يحظ بدراسة نظرية أو تطبيقية ولعل اقتصادياً جامعياً شاباً يتولى دراسته.



لماذا لا توجد شركات تأمين "رصينة" في "مقياس" د. أنطون الذي حاولنا أن نبرز بعض عناصره؟ حقاً، لماذا؟ لم يُخبرنا بذلك لأن السياق قد لا يحتمل الشرح، ولعله يستجيب لدعوتنا في الخوض عميقاً في الموضوع. ربما يكمن السبب وراء عدم الرصانة الحالية في عوامل داخلية تنظيمية وإدارية للشركات ومنها ضعف الكوادر. ربما يعود السبب إلى عوامل خارجية بمعنى البيئة العامة التي تعمل فيها الشركات، وضعف تسهيلات إعادة التأمين الاتفاقي، وسلبيات قانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005، وتعليمات وزارة التخطيط بشأن تأمين الاستيرادات، وإطلاق التنافس بين الشركات .. الخ وكلها مجتمعة ساهمت في تقزيم تطور الشركات وفي إضعاف قدراتها.



عندما كان سوق التأمين العراقي مقيداً (السنوات 1964-1997 وهي عمر قطاع التأمين المؤمم) نزعم أن شركتي التأمين المباشر وشركة إعادة التأمين العراقية كانت جميعها تتمتع بدرجة عالية نسبياً من "الرصانة": من حيث حجم أقساط التأمين، وحجم الاحتفاظ، والمستوى العالي للكوادر العاملة، والسمعة التي كانت تتمتع بها على مستوى العالم العربي وحتى الأوروبي. وقد بدأت هذه "الرصانة" بالضمور تدريجياً مع تصاعد الآثار الاقتصادية للحرب العراقية الإيرانية (1980-1988) وبعد ذلك الحصار الأممي (1990-2003) وما ترتب عليه من تهجير وهجرة، وانقطاع عن عالم التأمين خارج العراق، وتآكل قيمة الاحتياطيات بسبب التضخم، ومن ثم الاحتلال الأمريكي .. الخ.



توصيف جميع شركات التأمين بأنها ليست رصينة فيه تعسف في التقييم. ونسأل ما الذي يكمن وراء إطلاق هذه الصفة؟ أحقاً هذا هو حال جميع الشركات؟ ترى ما هي مشكلة د. أنطون مع قطاع التأمين العراقي: تأكيده على قلة عدد الشركات مرة وخلو القطاع من شركات رصينة مرة أخرى؟ أهي تجربته الشخصية السلبية مع شركات التأمين أم أن تقييمه يقوم على دراسته للقطاع؟ هذه الأسئلة فيها نبرة خطابية وربما الاستفزاز البريء لكننا لا نستهدف منها غير الدفع باتجاه تقديم مسح لشركات التأمين قائم على البيانات الحالية وتاريخ قطاع التأمين العراقي.



ننتهز هذه الفرصة لنشكر د. باسم أنطون على استمراره في التعليق على نشاط التأمين في العراق. ونأمل أن نقرأ المزيد له.


لندن 31 كانون الثاني 2012


[1] يرد في الخبر تأكيد رسمي على عدم "وجود القيود على جنسية المستثمر أو رأس المال، وتصل فرص الاستثمار الأجنبي إلى 100 في المئة فلا ضرورة لوجود الشريك المحلي، وهناك حرية في تحديد أسعار المنتجات ونسب الأرباح وحرية تحويل الأرباح والأموال المستثمرة." وهذه تستحق الدراسة من المختصين بالمناطق الحرة ومن الاقتصاديين ومن يعنيهم مستقبل الاقتصاد العراقي.

نقترح على زملاء المهنة متابعة موضوع المناطق الحرة وتداعياته بالنسبة لشركات التأمين القائمة خاصة في ظل "الفلتان" المُضمّخ ببركات قانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005. ومن يدري، ربما لن يحق لشركات التأمين القائمة مزاولة التأمين في المناطق الحرة أو يسمح لها بذلك ضمن ضوابط معينة، وعسى أن لا تتحول هذه المناطق، التي ستتمتع بتسهيلات وإعفاءات غير مسبوقة، كما ورد في الخبر، إلى بؤر للفساد المالي ولغسل الأموال.

[2] مصباح كمال "ركود سوق التأمين العراقي: مناقشة لرأي اقتصادي" نشرت بتلخيص في جريدة المدى بتاريخ 11 تشرين الأول 2010:


http://almadapaper.net/news.php?action=view&id=50803&spell=0&highlight=%E3%D5%C8%C7%CD+%DF%E3%C7%E1

نشرناها بعد ذلك في مرصد التأمين العراقي:

http://iraqinsurance.wordpress.com/2011/11/10/stagnation-of-iraqs-insurance-market/






ليست هناك تعليقات: