هل هناك مشروع لإعادة هيكلة شركات التأمين العامة؟
تمهيد لمناقشة موسعة
مصباح كمال
نشرت هذه الورقة في مجلة الثقافة الجديدة، العدد 346، 2011
قرأت مؤخراً خبراً مقتضباً بالإنجليزية عن مناقصة
تقديم خدمات استشارية لإعادة هيكلة المنشآت المملوكة للدولة بضمنها إطلاق مشروع تجريبي للشراكة بين القطاع العام والخاص.
Tender for the
Provision of consultancy services for the restructuring of state-owned enterprises (SOEs) including launching a public-private partnership pilot (MEED, 19-25 August 2011, p 4)
غياب وضبابية المعلومات
قراءة الخبر توحي بأن الهدف سينصبُّ على إعادة هيكلة المنشآت الصناعية، ويتعزز هذا الفهم بفضل الإشارة إلى "إطلاق مشروع تجريبي للشراكة بين القطاع العام والخاص." وليس معروفاً، في غياب المعلومات، إن كانت الاستشارات ستتناول أيضاً المنشآت الخدمية وغيرها بضمنها شركات التأمين العامة. لعل بعض الشك في مرامي مثل هذه المناقصة وارداً في ضوء الشفافية المنقوصة في سياسات وممارسات الحكومة العراقية والتضارب في صياغة مسودات القوانين في العراق كما هو الحال في قانون النفط والغاز وقبلها مسودة الدستور فقد كانت هناك في التدوال عدة مسودات. ولهذا ليس من المستبعد أن تطال إعادة الهيكلة شركات التأمين العامة أو قل في البدء إعادة هيكلة المنشآت الصناعية (ومعظمها يعاني من الإهمال وتركة الحصار الاقتصادي والعجز المالي والتخمة في عدد العاملين) وبعدَها التحول صوب هذه الشركات. وهو محط اهتمامنا.
المهتمون بشؤون التأمين لا يعرفون على وجه الدقة ما هي المشاريع المضمرة لقطاع التأمين الآن أو في المستقبل القريب لانعدام التصريحات عنها أو غموض وعمومية الخطط والسياسات الاقتصادية. وهذا ليس بالأمر المستغرب فقد عودتنا عليها حكومات ما بعد 2003. 1 قبل ذلك كانت المشاريع والقرارات محتكرة من قبل مجلس قيادة الثورة ومنطق "الشرعية الثورية" لا يتطلب الاستئناس بآراء الغير ولذلك لم تخضع صياغة القرارات لنقاشات حقيقية مفتوحة.
لا نستهدف من هذه الورقة رفضاً أو قبولاً بالمطلق لإعادة هيكلة شركات التأمين العامة بل إثارة جملة من الأسئلة نراها ضرورية لإذكاء النقاش لصياغة المواقف ضمن الرؤية الموسعة لقطاع التأمين المتجذر، كغيره من القطاعات، في الاقتصاد العراقي الريعي.
إعادة هيكلة شركات التأمين ليس إجراءاً جديداً
لنعّرف أولاً من هي هذه الشركات. شركات التأمين وإعادة التأمين في العراق، التي يمكن أن تكون موضوعاً لإعادة الهيكلة، تنحصر بشركة التأمين الوطنية (تأسست سنة 1950)، شركة التأمين العراقية (1959) وشركة إعادة التأمين العراقية (1960). سنشير إليها جميعاً تحت اسم شركات التأمين العامة.
تقديم الخدمات الاستشارية لإعادة هيكلة شركات التأمين العامة، بافتراض أنها مطلوبة الآن ضمن المناقصة المعلن عنها أو قد يعلن عنها مستقبلاً، ليس جديداً فقد قامت الوكالة الأمريكية للمساعدات الدولية USAID بإعداد مشروع لإعادة الهيكلة سنة 2003 إلا أنه، ولسبب غير معروف لدينا، وضع المشروع جانباً، ربما على رف في وزارة المالية. وكانت إعادة الهيكلة هنا (على طريقة العلاج بالصدمة) تقتضي تحويل الشركات إلى شركات متخصصة في فروع التأمين خلال فترة زمنية قصيرة جداً. 2
وقبل ذلك كانت إعادة الهيكلة معروفة ولكن ليس بهذا الاسم. هي حقاً ليست بالأمر الجديد بالنسبة لشركات التامين العراقية، فقد عرفتها أولاً في ستينيات القرن الماضي (عمليات الدمج والتأميم)؛ وفي الثمانينيات (إلغاء المؤسسة العامة للتأمين وإطلاق حرية العمل لشركتي التأمين العامتين لمزاولة أعمال التأمين على الحياة وغير الحياة، وإلغاء إسناد حصص إلزامية لشركة إعادة التأمين العراقية)؛ وفي التسعينيات (فتح السوق أمام تأسيس شركات تأمين خاصة وتحويل شركات التأمين العامة إلى شركات ذات تمويل ذاتي). وبعد سقوط الدكتاتورية صدر قانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005 وتأسس بموجبه ديوان التأمين العراقي وجمعية التأمين العراقية. وهذه كلها محطات مهمة في تاريخ هيكلة قطاع التأمين العراقي تستحق الدراسة المستقلة.
إعادة هيكلة شركات التأمين: هل لها وظيفة اقتصادية استراتيجية؟
مشروع إعادة الهيكلة كان أصلاً جزءاً من إعادة تأسيس الدولة العراقية في السياسات الأمريكية قبل وبعد الغزو سنة 2003. وكان ما يصدر من آراء آنذاك من القوى السياسية المعارضة في الخارج، التي صارت الآن تمسك أو قل تستحوذ على أجهزة الدولة، عن إعادة هيكلة الاقتصاد صارخة في عموميتها وفي غياب رؤية تنتظمها. وهذه الآراء وقتها لم تأتِ على ذكر التأمين وفيما بعد عقب سنة 2003 ظهرت إشارات مقتضبة للتأمين من خلال تصريحات ذات طابع عمومي ربما يمكن فهمها الآن على أنها كانت بوادر للتمهيد لمشروع إعادة الهيكلة وإبقاء فكرة المشروع حيّه في الأذهان. وقد لخصنا بعضاً منها فيما يخص التأمين كالآتي عند التعليق على برنامج الحكومة الحالية للسنوات 2011-2014:
"واضعي البرنامج ليسوا مطالبون بذكر التأمين بالتخصيص فالتأمين هو دائما الحلقة الأضعف في تصورات الحكومة والأحزاب السياسية، والأصح القول أن التأمين غائب في هذه التصورات. نعم يحاول وزير أن يظهر نفسه بأنه مهتم بالتأمين.3 ويلغي وزير آخر وجود التأمين في العراق.4 ومسؤول كبير يتحدث عن إعادة رسملة وتحديث صناعة التأمين. أكلُّ هذه الحالات كانت تقوم على دراسات وأوراق عمل أم أنها كانت نزوات أو أفكار غير مكتملة. ونسأل: كم من أوراق بحثية قام هؤلاء بتكليف خبراء التأمين في العراق القيام بها؟" 6
استخدام عنوان "إعادة الهيكلة" أخف وقعاً من استخدام الخصخصة نظراً للمواقف العاطفية المتباينة التي يثيرها عنوان الخصخصة وخاصة عند استحضار تجاربها السيئة في بعض البلدان.7 فالعنوان "إعادة الهيكلة" يخلو من شحنة عاطفية ويوحي بأن موضوعه يجد تبريراً له في ضرورات اقتصادية – وهو ليس كذلك بالنسبة لشركات التأمين العامة رغم أنه أمر قابل للنقاش كما سنحاول عرضه في هذه الورقة. ولنا أن نقول باختصار أن المستهدف من إعادة الهيكلة هو تحويل المنشآت العامة إلى شركات رأسمالية صرفة تستهدف الربح أساساً، ملكية أسهمها ستكون مفتوحة للعراقيين ولاستحواذ الشركات الأجنبية (التي قد تكون طاردة للرأسمال الوطني) وغيرها من "ضرورات" اقتصادية لإدماج الاقتصاد الوطني مع الاقتصاد العالمي والتماثل مع شروط صندوق النقد الدولي وكذلك منظمة التجارة العالمية.
نُقرٌّ أن إيقاع العصر يستدعي التغيير والتعامل مع الضرورات والشروط المستجدة ولكن شريطة أن يكون التعامل من منظور تأسيس اقتصاد "رأسمالي" مُنتج يحافظ على المصالح الوطنية. ويقتضي ذلك إعادة تعريف الوظيفة الاقتصادية للدولة للتحول من الاقتصاد الريعي، وتقويض طفيلية القوى السياسية الماسكة بمقاليد السلطة (سلطة المال من خلال الريع والفساد والإفساد وسلطة السياسة من خلال التمثيل البرلماني وكذلك سلطة الأمن). وهي ذات القوى التي قزّمت الدولة، ككيان محايد، من خلال إقحام المحاصصة في بناء مؤسساتها.
وبالنسبة لقطاع التأمين فإن
"نشاط التأمين سيبقى مرتبطاً بالدرجة الأولى بمقدار التطور الاقتصادي المحلي بصورة عامة، وما يتبعه من تطور في قطاع البنوك كمصدر لتمويل الاستثمار وكوسيط في النشاط التجاري بصورة خاصة. وفي الحالتين، فإن التوقعات تعتمد بالدرجة الأساسية على مقدار النجاح المحقق في إحداث التغيير الاقتصادي الجذري (الإستراتيجية والسياسات وإقامة البنية الأساسية المادية والاجتماعية والبيئية العامة) وليس فقط تحقيق زيادة في الإيرادات النفطية. ومن واقع التطورات الراهنة والمحتملة في المدى القريب، فإن من المستبعد أن تزداد فعاليات التأمين على المستوى الكلي كما يتمثل في نسبة حجم أقساط التأمين إلى الناتج المحلي الإجمالي، وارتفاع كثافة سوق التأمين، كما في معدل إنفاق الفرد على التأمين كالذي تظهره ميزانية الأسرة." 8
اعتماداً على هذه الرؤية هل ستساعد إعادة هيكلة شركات التأمين في زيادة دور هذه الشركات ضمن الاقتصاد المُنتج؟ وهل هي فقرة من مشروع تقليص الاعتماد على الموارد الريعية أم انها واحدة من الإجراءات غير المنتظمة في رؤية متكاملة لتوجيه الاقتصاد العراقي (كما هو الحال مع رأسمالي ما بعد 2003، من العرب والكرد، ممن يعملون في أكثر من مجال دون أن يكون لديهم رؤية لتحقيق التكامل بين هذه المجالات؟ وذات التفكير ينطبق على سياسات القوى السياسية الحاكمة). البديل المرتجى هو المشروع الوطني المتكامل للتنمية القائم على إعادة النظر في توزيع الريع النفطي، وتحديداً تقليص الاعتماد عليه والذي من شأنه أن يحدد معالم السياسات الاقتصادية التفصيلية التي تصب في المشروع. وخلاف ذلك سيسود الاستغراق في الجزئيات كما هو حال الرأسماليين الجدد.
لنلاحظ أن الريع النفطي الذي يتكدس لدى المصرف المركزي العراقي (وقد بلغ الآن، آب 2011، 58 بليون دولار) لا يمثل دخلاً لقوة عمل المنتجين أو الفائض المتحقق للرأسماليين لقاء تشغيلهم لاستثماراتهم الإنتاجية أو الضرائب التي يدفعونها لخزينة الدولة. هو ليس إلا إيرادات النفط الخام المُصدر. ولأن استقلال المصرف المركزي له الأولية العظمى، كما رسمها مستشارو بول بريمر، انحسر وبالأحرى ألغي دور المصرف في المساهمة في التنمية الاقتصادية وما يترتب عليها من دور لقطاع التأمين. هو الآن ليس إلا حارساً للإيرادات النفطية ولا دور له في التنمية الاقتصادية. وقد كتبنا في مكان آخر: 9
"أن الهوس بالسياسة النقدية، كما يمارسها المصرف المركزي، لا يساعد في إعطاء دفعة لبدء عملية النمو الاقتصادي. فتركيز السياسة على احتواء التضخم من خلال رفع القيمة التبادلية للدينار العراقي مع الدولار الأمريكي لم يؤدي إلى النتيجة المطلوبة في الوقت الذي تم فيه زيادة أسعار المحروقات وتأثيرها المتنامي على أسعار السلع والخدمات. وبدلا من أن يكون عاملا فاعلا في التنمية الاقتصادية تم إعادة تكييف المصرف المركزي على أسس نيوليبرالية:10 التأكيد على استقلالية المصرف (لإلغاء أي دور للمصرف في تمويل الحكومة أو تمويل العجز)، الحد من التضخم (لتحويل أنظار المصرف من الاهتمام بأهداف أخرى كالمساهمة في تحقيق استخدام كامل للعمالة، ودعم السياسة الصناعية أو تخصيص الاعتمادات لقطاعات اجتماعية معينة كالإسكان والتطبيق غير المباشر للأدوات النقدية (معدلات الفائدة للمدى القصير)."
إن لم يكن تجاوز الريع هو المطلوب فقد تكون إعادة الهيكلة من الخطوات المطلوبة لدخول العراق كعضو في منظمة التجارة العالمية من خلال التمهيد لرفع القيود والضوابط ومنها (بالنسبة لشركات التأمين): االتخلي عن إلزامية إسناد حصة من الأخطار لشركة الإعادة الوطنية (وبالنسبة للعراق فإن الحصة الإلزامية قد ألغيت أواخر ثمانينيات القرن الماضي)، وإلغاء تعرفات الأسعار (ولكن ليس هناك تعرفات في العراق)، والسماح للشركات الأجنبية للمساهمة بكامل رأسمال الشركات – أي دون الحاجة لشراكة عراقية. هناك شركات تأمين خاصة يساهم فيها رأس المال العربي والأجنبي.
هل تقتضي إعادة هيكلة الاقتصاد العراقي خصخصة شركات التأمين العامة بعد أن فقدت هذه الشركات سنة 1997 موقعها الاحتكاري الذي كان مفروضاً بقوة القانون. كانت هذه الشركات حتى ذلك الوقت، وبالأصح منذ سنة 2000 عندما تأسست أول شركة تأمين خاصة، تتمتع بريع داخلي بفضل التحكم في منافذ التوزيع أو قل احتكار هذه المنافذ. ولا يزال بعض من هذا التحكم قائماً فيما يخص إدارة تعويضات التأمين الإلزامي إذ ليس لشركات التأمين الخاصة دور في هذا المجال، ولها الحق في المشاركة مما يتطلب مراجعة لقانون التأمين الإلزامي من حوادث السيارات لسنة 1980 وتعديلاته.
قد تكون إعادة الهيكلة من متطلبات التحديث كي يكون السوق العراقي على مستوى أسواق التأمين الأخرى في العالم العربي. وهذا يتناغم أيضاً مع شروط صندوق النقد الدولي لإعادة هيكلة الاقتصاد العراقي – إخراجه من الإرادوية في تسيير الاقتصاد الوطني وإخضاعه لقوى السوق. لكن هذا التبرير ضعيف ولا ينهض به واقع سوق التأمين العراقي في الوقت الحاضر فالمنافسة بين الشركات العامة والخاصة قائمة، والسوق يخضع لقوى العرض والطلب خاصة بعد أن أكد ديوان التأمين العراقي على الشركات النفطية الالتزام بأحكام قانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005 في استدراج عروض التأمين من جميع شركات التأمين العراقية من خلال المناقصات. وكان عدم الالتزام بالأحكام موضوع مساءلة وانتقاد من قبل شركات التأمين الخاصة.
لكن التحديث مطلوب بحد ذاته لمواكبة التغيرات الحاصلة في العالم دون أن يتطلب ذلك خصخصة شركات التأمين العامة. وقد رصدنا بعض ملامح التحديث في دراسة سابقة لنا11 نقتطف منها العناوين الفرعية التالية مع القليل من التعليق:
الإطار القانوني - إعادة النظر بقانون تنظيم أعمال التأمين اسمة 2005.
الإطار التنظيمي - تنظيم الهيكل الهرمي والشفافية والمساءلة، إضافة إلى أمور أخرى، تنطبق على الشركات الخاصة والعامة على حد سواء.
سياسة الاستخدام.
الاستقلال المالي لشركات التأمين العامة - تحقيق استقلال ذاتي مالي حقيقي للشركات لتعمل دون الرجوع إلى وزارة المالية في أمور صغيرة وكبيرة على حد سواء.
المهارات اللغوية والتدريب المستمر.
تكنولوجيا المعلومات - إدخال واستعمال تكنولوجيا المعلومات بشكل واسع (information technology) يمثل الشكل الأكثر وضوحاً لعملية تحديث قطاع التأمين.
الأغطية التأمينية - مراجعة وثائق التأمين وإعادة صياغتها لتكون سهلة الفهم على المؤمن لهم وتتماشى في نطاق تغطيتها مع ما هو متوفر في أسواق التأمين المتقدمة.
التعامل مع جمهور المؤمن لهم - التخفيف من البيروقراطية الثقيلة في التعامل مع المؤمن لهم لتعزيز الثقة بالفائدة المرجوة من الحماية التأمينية.
ويتطلب تحديث التعامل مع المؤمن لهم إيجاد دائرة مظالم لهم يمكنهم من الرجوع إليها في حالات التجاوز والاختلاف والإهمال من قبل شركات التأمين.
ومن الوسائل الأخرى لتعزيز ثقة الجمهور وكذلك الالتزام بالمعيار الأخلاقي والفني للعمل إصدار مدونة لقواعد السلوك code of conduct لقطاع التأمين برمته لتكون شركات التأمين خاضعة للمساءلة بموجبها.
تعزيز التغلغل التأميني والكثافة التأمينية - وهما معياران لقياس مساهمة قطاع التأمين في الاقتصاد الوطني.
ربما يكون التبرير تحرير الدولة من أعباء كونها أكبر رب عمل. وهو صحيح وآخذ بالتضخم بفضل سياسة تكريس المحاصصة الاثنية والطائفية بإقحام المزيد من الموظفين في مؤسسات الدولة حتى ولو بشهادات مزورة. لكن شركات التأمين العامة، رغم أنها توظف ما يزيد عن الف وخمسمائة موظف إلا أن هؤلاء لا يشكلون أي عبء على خزينة الدولة لأن الشركات تحقق فائضاً يكفي لتمويل الرواتب والمصاريف الأخرى زيادة عن تمويل الخزينة بأرباحها ورسم الطابع ولها استثماراتها العقارية وغيرها.
لقد شهد قطاع التأمين تدهوراً كبيراً بسبب الحروب والعقوبات الدولية افقدته الموارد المالية والبشرية للتحديث من الداخل. هل لذلك صار التوجه نحو إعادة الهيكلة واستدراج الشركات الأجنبية، وهو ما تشجع عليه الحكومات العراقية، هو الحل للنهوض من الواقع الراكد؟ أي أن إعادة الهيكلة ضرورية لإدخال التكنولوجيا (المعرفة الجماعية عن كيفية إنتاج السلع والخدمات بأسوب أكثر كفاءة) وتحسين نوعية الخدمات المقدمة للمستهلك، حتى إذا تطلب الإصلاح إزاحة المُنتِج، الرأسمالي، الوطني، كما هو حاصل في قطاع النفط من خلال تقزيم دور شركة النفط الوطنية المرتجاة وحصر دور الرأسمال الوطني في أعمال هندسية صغيرة. سنناقش بعض جوانب هذا التبرير فيما بعد.
ما هو شكل/أشكال إعادة الهيكلة؟
لو افترضنا أن مشروع إعادة هيكلة شركات التأمين العامة سيتحقق ما هي صيغة إعادة الهيكلة (الخصخصة)؟ هل ستكون من خلال بيع أسهم الشركات إلى من يرغب بشرائها من العراقيين والعراقيات فقط أم من العراقيين والأجانب على حد سواء؟ هل تحتفظ الدولة بحصة في هذه الشركات؟ هل ستحدد فترة زمنية بعد الشراء لا يمكن خلالها إعادة بيع الأسهم؟ (لمنع أو الحد من المضاربات)
ترى لو اتخذت إعادة الهيكلة صيغة الدعوة المفتوحة أو المقيدة لشركات التأمين الأجنبية لشراء حصص في الشركات العامة لتكوين شركات عراقية أجنبية في رأسمالها فإن هذه الصيغة قد تُفاقم من حدة التنافس الحالي في غير صالح شركات التأمين الخاصة ذات القاعدة الرأسمالية الضعيفة والاحتياطيات المحدودة.
لعلني استبق الأمور بإثارة هذه الأسئلة لكنني أثيرها عمداً لتكون موضوعاً للمناقشة الآن بين من يعنيهم وضع شركات التأمين العامة سواء بقيت على حالها (عندها يجب التفكير بوسائل النهوض بها في سوق قائم على التنافس) أو أصبحت موضوعاً للخصخصة أو أي شكل آخر من أشكال إعادة الهيكلة. هذه الأسئلة مفيدة أيضاً في إطار التفكير بمصالح العاملين والعاملات في الشركات العامة في الحفاظ على وظائفهم، وهل سيخصص لهم، مثلاً، قسم من الأسهم بأسعار مُيسّرة عرفاناً بدورهم في بناء قدرات شركاتهم؟
ماذا سيكون مصير شركة إعادة التأمين العراقية؟ هل ستُلغى هذه الشركة، ويوزع موظفيها وأصولها واحتياطياتها على شركتي التأمين المباشر العامتين؟
حالياً تقوم شركة إعادة التأمين العراقية بدور المدير للاتفاقيات الإعادية لمعظم شركات التأمين العاملة في العراق العامة والخاصة. إلغاء الإعادة العراقية سيؤثر أساساً على شركات التأمين الخاصة والصغيرة منها من حيث حجم الأعمال ورأس المال على وجه التخصيص. فهذه الشركات لن تكون قادرة لوحدها منفردة على شراء إعادة التأمين الاتفاقي. إن كان الإلغاء هو مصير الإعادة العراقية فإنه قد يوفر فرصة لمثل هذه الشركات للتشارك فيما بينها لشراء إعادة التأمين على نمط ما كانت تقوم به الإعادة العراقية. ويتطلب هذا الترتيب قيام واحدة من الشركات الخاصة بوظيفة التنسيق لشراء الحماية لحين تحسن أوضاع هذه الشركات (زيادة رأسمالها وحجم أقساط التأمين التي تكتتب بها أو اندماجها مع بعضها) بحيث تستطيع معه ترتيب اتفاقياتها بانفراد.
قبل الإقدام على إعادة الهيكلة
قبل الإقدام على إعادة الهيكلة يجب إعادة النظر في بعض بنود قانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005 لضمان حماية مصالح شركات التأمين العراقية. ولا حاجة بنا هنا لتكرار ما عرضناه، كما عرضه غيرنا من الزملاء، بشأن بعض الآثار الضارة والمسكوت عنها لهذا القانون.12 يكفي هنا الإشارة إلى أهم التعديلات التي نقترحها على القانون لتعزيز مكانة شركات التأمين العراقية الخاصة والعامة:
1 اشتراط إجراء التأمين على الأصول والمسؤوليات القانونية الناشئة عنها لدى شركات تأمين مسجلة لدى الدوائر المختصة في العراق ومجازة من قبل ديوان التأمين العراقي.
2 تحريم إجراء التأمين خارج العراق، أي خارج القواعد الرقابية التي يديرها الديوان، وهو ما يطلق عليه بالإنجليزية prohibition of non-admitted insurance واعتبار مثل هذا النوع من التأمين باطلاً.
3 فرض غرامات مالية وغير مالية عند مخالفة هذا الشرط وإلزام الطرف المخالف بشراء التأمين من شركة تأمين مسجلة ومجازة في العراق.
ويجب العمل أيضاً على تعزيز دور الديوان وتفعيل جمعية التأمين العراقية.
الخصخصة ليست حلاً سحرياً لأزمة الاقتصاد العراقي
في مقالة مُهمة حول مستقبل اليسار العراقي أكد د. عصام الخفاجي على
ان الوقوف ضد خصخصة قطاع الدولة يعني مزيدا من إضاعة من الفرص والموارد التي يمكن توظيفها بطرق أخرى لتحسين أداء الاقتصاد الوطني، فضلا عن أنه يمثل الدخول في معركة خاسرة سلفا. أقترح، عوض ذلك، أن يطرح الحزب مطلب ضمان تثبيت ملكية العاملين في أي مشروع تتم خصخصته لنسبة 25 بالمئة من رأس المال وتمثيلهم بمثل هذه النسبة في مجالس الإدارة، ويشترط ألا يتم التصرف بتلك الحقوق لفترة زمنية محددة (20 سنة على سبيل المثال) ضمانا لعدم استغلال المتموّلين لحاجة العاملين وشراء تلك الحقوق. 13
لن نناقش أطروحة د. عصام الخفاجي، رغم العنوان الكبير الذي اخترناه، إلا من خلال نظرتنا لقطاع التأمين العراقي. نحن على قناعة أن الخصخصة، لوحدها، لا تحل القضايا العقدية للاقتصاد العراقي كحل مشكلة البطالة والفقر وتضييق الاعتماد على الريع النفطي. كما أن نهوض وتطور قطاع التأمين ليس مرهوناً بالخصخصة.
الخصخصة بالمطلق لكل الشركات والمنشآت التابعة للدولة لا ينسجم مع التحليل الملموس لكل حالة على حدة لاكتشاف مكامن الخلل فيها والتي يمكن أن تُصحح قبل اتخاذ قرارٍ لخصخصتها. ربما تضم بعض هذه الشركات مزايا تضاهي تلك الموجودة لدى مثيلاتها من الشركات الخاصة وهو ما نعتقد أن شركات التأمين العامة تتمتع بها لكنها تحتاج إلى تطوير. ومن رأينا أنه ليست هناك مبررات اقتصادية لخصخصة هذه الشركات بل هناك ضرورات للتطوير.
شركات التأمين العامة، الممولة ذاتياً منذ سنة 1997، تختلف عن معظم الشركات العامة تلك التي تعمل في قطاع الصناعة، فهي، على سبيل المثال، لا تقترض من وزارة المالية لتسديد رواتب العاملين فيها. الخبر التالي يشرح هذا الأمر:
"تواصل عشرات الشركات التي تتبع وزارة الصناعة وتعمل بنظام التمويل الذاتي، اقتراض رواتب موظفيها البالغة مليارات الدولارات من وزارة المالية، في ظل العجز عن تحويلها الى "شركات رابحة".
وتملك وزارة الصناعة 75 شركة، تعمل جميعا بنظام التمويل الذاتي، وتشغل نحو 250 الف منتسب، 68 الفا منهم عادوا عبر نافذة "الفصل السياسي". ويعاني معظم هؤلاء من عدم تغيير عناوينهم الوظيفية منذ سنوات، ما جمّد رواتبهم عند حدود واطئة." 14
لا بل أن شركات التأمين تدفع نسبة من أرباحها للمستحقين من العاملين والعاملات. خلال تاريخها الذي يتجاوز نصف قرن لم تعتمد هذه الشركات على أي تمويل من قبل الدولة (الخزينة المركزية) لتغطية عجز (وهي لم تتعرض إلى عجز) لا بل هي كانت دائماً مصدراً لتمويل الميزانية من خلال الضرائب التي تدفعها على الأرباح المتحققة ورسم الطابع على وثائق التأمين الصادرة.
إذا كان هذا هو الواقع الحالي لهذه الشركات هل هناك ضرورة اقتصادية لخصخصتها أم أن هذه ترجمة لموقف إيديولوجي وربما ينطوي على مرامي غير ظاهرة الآن.
سؤال آخر موجّه لإيديولوجي الليبرالية الجديدة: لماذا لا يترك مصير شركات التأمين العامة ليتقرر في السوق "الحرة" من خلال قرارات المستهلكين (طالبي التأمين) وليس بقرار سياسي. أليس دعاة ومروجي إيديولوجيا السوق الحرة في كتب الاقتصاد المدرسية والمنابر الإعلامية والمؤسسات البحثية يؤكدون أن المستهلك هو صاحب السيادة في السوق؟ فلتتنافس الشركات العامة والخاصة على جذب المستهلكين إليها وليقرر هؤلاء أيهما الأفضل في تقديم المنتجات التأمينية والخدمات المرتبطة بها ومن ثم "طردها" من السوق من خلال عدم التعامل معها.
ما هو الهدف؟ إخضاع الشركات لمبدأ الربح كي تكون شركات رأسمالية؟ هذا الهدف لا مقوم له إذ أن الشركات تمارس أعمالها بهدف تحقيق الربح، وهي خاضعة لقيم الربح والخسارة.
ربما الهدف هو التخلص من الموظفين الفائضين عن الحاجة وتحسين مستوى الكفاءة الإنتاجية. يمكن تحقيق ذلك دون خصخصة الشركات. الشركات العامة متهمة بأنها غير كفوءة في الأداء او انها غير قادرة على ابتكار منتجات تأمينية جديدة أو أنها تدير أعمالها بفساد وكل هذه أمور قابلة للنقاش بشكل عام وتحتاج الى فحص كل حالة على انفراد وليس إطلاق الحكم. ونحن ميالون إلى تأكيد أن شركات التامين العامة في العراق في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي كانت متقدمة في الأداء ومبتكرة للمنتجات (او قل مواكبة ومقلدة لما هو موجود في أسواق تأمينية أخرى) وخالية من مظاهر الفساد المالي والإداري.
يمكن النظر إلى الشركات العامة على أنها تتمتع بريع بفضل موقعها. فرغم وجود شركات تأمين خاصة منذ سنة 2000 فإن الموقع الريعي للشركات العامة هو من إرث الماضي ونعني به إرث رأسمالية الدولة. فبحكم العادة تلجأ منشآت القطاع العام إلى الشركات العامة لشراء وثائق التأمين. هذا رغم أن قانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005 (المادة 81 ) ينص على استدراج العروض في تأمين الأصول العامة.
شركات التأمين العامة هي الأكثر غنى من الشركات الخاصة، وقد يستمر موقعها الريعي حتى بعد الخصخصة. إذا كان هذا التوقع صحيحاً فما الذي تجنيه شركات التأمين الخاصة من الخصخصة؟ ستشتد المنافسة على الأسعار، وستتركز المنافسة، خارج الأسعار، على تقليص كلفة الانتاج (عنصر حاسم في تقييم أداء الشركات العامة) وزيادة المبيعات دون تخفيض الأسعار من خلال حملات إعلانية، وتغيير نطاق أغطية التأمين، وجباية أقساط التأمين بالتقسيط، وتحسين نوعية الخدمة المقدمة لحملة وثائق التأمين. هذه المنافسة قائمة في الوقت الحاضر بدون خصخصة الشركات العامة.
في قطاع التأمين العراقي تعمل شركات التأمين العامة جنباً إلى جنب الشركات الخاصة أي أن الشركات العامة تعمل ضمن ضوابط السوق التنافسي – ومنها أن شركات التأمين الخاصة الكفوؤة والناجحة تضغط كنموذج بديل للشركات العامة وقد تستقطب العناصر الجيدة من الشركات العامة (معظم إدارات شركات التأمين الخاصة منذ 2000 هم من خريجي شركات التأمين العامة). مثل هذا الوضع يحفز الشركات العامة لمواجهة الشركات الخاصة في السوق. عندها تلجأ الشركات العامة إلى تحسين أدائها،إن كان دون ما هو مخطط له أو بالمقارنة مع أداء الشركات الخاصة، من خلال اعتماد جملة من الإجراءات:
- التدريب المكثف والمستمر للعاملين بما فيه احترام المستهلكين ضمن ضوابط العقود والقوانين
- الاستفادة من خبراء استشاريين من خارج الشركات في مجالات معينة – على سبيل المثال إدخال الحاسوب في جميع مجالات تنفيذ الأعمال اليومية او إعادة النظر في نظام الحوكمة وسبل تعزيزه
- إجراء دراسات من قبل استشاريين مستقلين لكلفة الانتاج للمقارنة مع شركات التأمين الخاصة المماثلة
- الاستفادة من نماذج التخطيط في الشركات الخاصة المتقدمة، وغيرها من الأدوات التي تستخدم في الشركات الخاصة: مساءلة المدراء ومجالس الإدارات، ضوابط لمنع سوء استخدام السلطة من قبل المدراء، التعلم من الحوكمة المؤسسية لدى الشركات الخاصة الناجحة الملتزمة بضوابط الأداء والمساءلة امام المالكين (مالكي الأسهم من الأفراد والشركات).
لو قارنا بين الشركات العامة والخاصة في العراق في الوقت الحاضر لوجدنا إنها جميعاً تدور في فلك المدير العام والمدير المفوض. أي ان التنظيم الداخلي متشابه وبالتالي فإن المركزية هي السمة المميزة التي تسود في الشركات العامة والخاصة وكذلك البيروقراطية.
نعيد السؤال: هل الخصخصة هي الصيغة الوحيدة لإعادة الهيكلة أم أن هناك نماذج أخرى لها؟ ألا يمكن لهذه الشركات أن تكون مملوكة لحملة وثائق التأمين وتدار كمؤسسة تعاونية؟15 نثير هذا السؤال وفي بالنا تأميم قطاع التأمين سنة 1964. موقفنا من التأميم ينطبق على إعادة الهيكلة فقد كتبنا الآتي بشأنه:
لم تكن نتائج التأميم متجانسة: تقدمٌ من ناحية وحجرٌ على التطور من ناحية أخرى، استقلالٌ في الإدارة آناً وتدخلٌ سياسي وهكذا. وهذا يعلمنا أن لا نقاء في النظرية التي تنتظم التأميم وفي النتائج الفعلية المنظورة وغير المنظورة التي تترتب على التأميم. ولكن يظل هناك دائماً فسحة للتداول بشأن الخيارات المتوفرة في إدارة قطاع التأمين والاقتصاد الوطني. القول أن لا بديل هناك هو الموقف المتطرف عند اليمين واليسار معاً لإلغاء حرية المفاضلة بين البدائل.
كان بالإمكان التفكير بخيارات أخرى غير التأميم الذي كرّس سيطرة الدولة على ملكية مرافق اقتصادية كان الأفضل أن تترك تحت ملكية وإدارة القطاع الخاص. هناك دور للدولة وهناك دور للقطاع الخاص وبينهما نماذج أخرى للملكية لم تجرِ الاستفادة منها، وهي التي لم تلقَ الاهتمام المطلوب من الاقتصاديين ومن أصحاب القرار في الماضي أو الحاضر لإصلاح النظام الاقتصادي وتداخله مع السياسي والاجتماعي. 16
نعرف أن العالم كله يتغير وبنية الاقتصاد العراقي يجب أن تتغير ضمن مشروع يقوم أساساً على تحديد الرؤية لمكانة المحرك الأساسي، الموارد النفطية، وتقليص الاعتماد عليها، ومعالجة أزمة البطالة والفقر ووضع أساس متين لدولة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للمواطنين. لكن الخصخصة ليست المفتاح السحري لحل قضايا الاقتصاد العراقي إن لم توضع ضمن المشروع الاقتصادي الوطني. وعلى المرء أن يسأل: لماذا ولمصلحة من ستخصخص شركات التأمين العامة؟
موقف شركات التأمين العامة من إعادة الهيكلة وأهمية العمل المشترك بين جميع شركات التأمين العراقية
في الماضي، كما في الحاضر، كان سكوت إدارات شركات التأمين تجاه إعادة الهيكلة هو ما يميز "موقف" الشركات. (نسارع إلى القول أن هذا الحكم قد ينطوي على شيء من التعسف ونأمل أن يقوم من هو أدرى بتصحيحه). فالملاحظ أن إدارات شركات التأمين العامة قلما تجد لها حضوراً في المنابر العامة. ربما يعود السبب إلى أنها كانت ترغب بالعمل الهادئ بعيداً عن الأضواء، لكننا لم نكتشف بعد ما ترشح من مثل هذا العمل. أغلب الظن أن هذه الإدارات تابعة في مواقفها لتلك التي ترسمها وزارة المالية (أو وزارة الاقتصاد سابقاً) التي تتبعها هذه الشركات. وأظل أسأل: هل لشركات التأمين العامة موقف مستقل من مشروع إعادة الهيكلة حتى في غياب مثل هذا المشروع؟ والتساؤل وارد لكثرة ما يتردد على الألسن أن هذه الشركات مصيرها الخصخصة. ويحدوني الأمل أن تبادر هذه الإدارات منفردة أو مجتمعة لصياغة موقف من الموضوع.
ومن الملاحظ أيضاً أن هذه الإدارات لا تجد لها حضوراً متميزاً في الصحافة العراقية، ولا نعرف إن قامت بنشر أفكارها في ورقة موقف أو في مقالة بشأن قضايا تمس مستقبل تطور قطاع التأمين العراقي. بعض العاملين في الشركات العامة أكثر همة فقد كتب مصطفى نوري (شركة التأمين الوطنية) مقالة مهمة عن "خصخصة التامين: سلبيات وايجابيات" 17
تحدونا رغبة قوية لمعرفة موقف كل واحدة من الشركات الثلاث. وهل هناك موقف جماعي موحد؟ هل تشكلت لجنة لصياغة موقف؟ هل هناك نية لصياغة موقف؟ ونتوسع في السؤال: هل هناك موقف لجمعية التأمين العراقية من موضوع الخصخصة؟ وذات السؤال ينطبق على ديوان التأمين العراقي. خبرة السنوات الماضية في اتخاذ الموقف من قضايا ذات علاقة بقطاع التأمين لا تبشر بخير. أرجو أن أكون على خطأ في التقدير.
العمل المشترك، لتعظيم فرص الاستفادة من الموارد الداخلية المتاحة مع بعض التخطيط ما بين الشركات سيوفر قاعدة لشروط الإمساك بزمام المبادرة في الداخل وتعزيز القوة الضاغطة للقطاع على أصحاب القرار. ونعرف أن أكثر ما تخشاه "الطبقة" السياسية الحاكمة، بما فيهم البرلمانيون، في بغداد وأربيل، هو الرأي العام. ويجد هذا الخوف تعبيره من خلال الممارسات القمعية والسلطوية ومن خلال السيطرة على المؤسسات.
العمل المشترك لا يعني قبول الخصخصة أو رفضها بل مناقشتها في العلن، وتكوين موقف يقوم على أرضية اقتصادية وعلى المعرفة في تصور نتائج القرارات. وهذا هو بعض ما حاولناه في هذه الورقة.
العمل المشترك بين الشركات العامة والخاصة يعطي زخماً لها في وضع تصوراتها بشأن تأكيد حقوق شركات التأمين العراقية. ويتمنى المرء أن يكون العمل المشترك، على المستوى الاتحادي رغم أن التحرك التعاوني في الإقليم سواء مع شركات التأمين العراقية أو مع الجمعية أو مع الديوان ليس سهلاً بسبب هيمنة حكومة الإقليم في توجيه السياسات.
في دراسة سابقة لنا عن تأميم قطاع التأمين العراقي كتبنا التالي:
في محاولة لتعميق فهم قرارات التأميم نثير السؤال التالي: هل كان التأميم، في مجمله، محاولة لتقليل الاعتماد على الريع النفطي الذي يمول الميزانية الاعتيادية للدولة والاستثمارات؟ لا نظن ذلك رغم شيوع الدعوة لسياسة تقليل دور الريع النفطي في الاقتصاد الوطني. ليس لدينا جواب جاهز عن هذا السؤال، ولكننا نطمح إلى توضيح من اقتصاديين محترفين.
ونثير الآن نفس السؤال: هل ستكون إعادة هيكلة شركات التأمين العامة مدخلاً لتقليص الاعتماد على الريع النفطي؟ لا نظن ذلك.
لندن 12 أيلول 2011
الهوامش
1 مصباح كمال، "تعليق على غياب التأمين في برنامج الحكومة للسنوات 2011-2014" مرصد التأمين العراقي:
http://iraqinsurance.wordpress.com/2011/07/21/absence-of-insurance-in-government-programme-for-2011-214/
2 مصباح كمال، "نقد مشروع إعادة هيكلة سوق التأمين العراقي." كتبت هذه الورقة أصلاً باللغة الإنجليزية ونشرت في مجلة
MEES (Middle East Economic Survey) Vol. 47. No. 19 (10 May 2004) pp D1-D5
يتضمن النص العربي بعض الإضافات. ونشرت أيضاً تحت عنوان "ملاحظات نقدية حول إعادة هيكلة سوق التأمين العراقي،" الثقافة الجديدة، العدد 314، 2005، ص 48-58.
3 مصباح كمال، نقد "مؤتمر التأمين" وتصريحات وزير المالية" http://misbahkamal.blogspot.com/2009/07/28-2009.html مجلة التأمين العراقي.
مصباح كمال، "تفعيل دور شركات التأمين في تعزيز موارد الدولة: مناقشة دعوة وزير المالية" مجلة التأمين العراقي.http://misbahkamal.blogspot.com/2009/05/6-2009.html
4 مصباح كمال، "نزيف أقساط التأمين في العراق" مجلة التأمين العراقي.
http://misbahkamal.blogspot.com/2009/02/blog-post_23.html
5 مصباح كمال، "د. برهم صالح وإعادة رسملة وتحديث قطاع التأمين العراقي" مجلة التأمين العراقي http://misbahkamal.blogspot.com/2009/05/blog-post_20.html
6 مصباح كمال، "تعليق على غياب التأمين في برنامج الحكومة للسنوات 2011-2014" مجلة التأمين العراقي
http://misbahkamal.blogspot.com/
Naomi Klein, The Shock Doctrine: The Rise of Disaster Capitalism (London: Penguin Books, 2008) 7
8 مقتطف من رسالة من د. صبري زاير السعدي للكاتب مؤرخة في 27 تشرين الأول 2010.
9 مصباح كمال، "النفط والدولة والسياسة الاقتصادية في العراق" الثقافة الجديدة، العدد322-323، 2007، ص 12-13. كتب النص الأصلي بالإنجليزية ونشرت نسختها المحررة في مجلة ميس MEES, Vol 50: 23, 4th June 2007.
10 Gerald Epstein, “Central Banks as Agents of Economic Development,” Political Economy Research Institute, University of Massachusetts Amherst, September 2005. http://www.peri.umass.edu/Publication.236+M5d9a4547bec.0.html
11 مصباح كمال، "د. برهم صالح وإعادة رسملة وتحديث قطاع التأمين العراقي،" مجلة التأمين العراقي http://misbahkamal.blogspot.com/2009/05/blog-post_20.html
12 أنظر على سبيل المثال: مصباح كمال: "قانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005: مراجعة للخلفية وبعض الآثار الاقتصادية،" الثقافة الجديدة‘ العدد 319، 2006، ص 48-58.
قمنا بجمع بعض من دراساتنا عن هذا القانون في كتاب لم ينشر بعد.
13 عصام الخفاجي، "موضوعات حول مستقبل اليسار العراقي،" موقع الحزب الشيوعي العراقي، 21 تموز 2011.
http://www.iraqicp.com/2010-12-30-11-08-49/4992-2011-07-21-14-31-03.html
14 ناصر البجاري"العشرات من شركات «التمويل الذاتي» تقترض المليارات لدفع رواتب موظفيها.. والإهمال حّول منتسبيها الى «عاطلين»" جريدة العالم، 8 أيلول 2011.
15 هناك العديد من شركات القطاع العام او الشركات التعاونية في العالم تضاهي الشركات الخاصة في الأداء يمكن أن تكون نموذجاً للاقتداء . أنظر:
Jim Stanford, Economics for Everyone (London & New York: Pluto Press, 2008), pp328-331.
16 مصباح كمال، "تأميم قطاع التأمين في العراق 1964: مقدمة نقدية،" مجلة التأمين العربي، العدد 109، حزيران/ يونيو 2011.
17 مصطفى نوري، "خصخصة التأمين: سلبيات وإيجابيات" مجلة التأمين العراقي، 24 حزيران 2009.
http://misbahkamal.blogspot.com/2009/06/blog-post_24.html
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق