وقفة نقدية مع
وقفة جادة مع قانون تنظيم أعمال التأمين
للمحامي جبار عبد الخالق الخزرجي
مصباح كمال
1 قليلة هي الدراسات التي تناولت قانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005 من منظور نقدي. مساهمة الزميل الخزرجي (وقفة جادة مع قانون تنظيم أعمال التأمين، طريق الشعب، السنة 71، العدد 80، 2005) هي واحدة من هذه الدراسات التي كان يأمل المرء أن يتوسع فيها زميلنا بالعرض والتحليل والمناقشة للنصوص، لإثراء الآراء فيما يخص تطوير القطاع التأميني الآن وفي المستقبل المنظور خاصة وأن القانون الجديد، رغم المآخذ عليه، قد أصبح القانون السائد في القطاع. نقول هذا لأن الكاتب يمتلك المعرفة بالقوانين ذات العلاقة ولأنه صاحب موقف تجاه القضايا العامة وتلك التي تمس مصالح الناس عموماً والنشاط التأميني خصوصاً.
2 أفرد الكاتب ما يقرب من نصف ورقته لتقديم نبذة تاريخية،انتقائية، عن التشريعات التأمينية إلا أنه لم يربط هذه النبذة مع القانون الجديد. ولعله كان يريد أن يقول للقارئ أن قطاع التأمين العراقي لم يكن فقيراً بالمرة إلى قوانين تنظم عمل الشركات، ولم يكن من المناسب استنساخ قانون التأمين الأردني مع بعض التعديل وتقديمه كأنه منجز تأميني أمريكي للعراق، ولم يكن مناسباً أيضاً تحرير مسودة القانون الجديد باللغة الإنجليزية ومن ثم ترجمته للغة العربية. كما أنه أراد أن يقول لنا أن صياغة القانون الجديد ليست مكتملة لأنه لم يلغي القوانين القائمة ومنها، كما يذكرنا، قانون شركات الضمان (السيكورتاه) الذي نشر ذيلاً لقانون التجارة البرية.
ونرى أن هذه المسألة تستحق من الكاتب وقفة أخرى، والنشر في غير مجال الصحيفة اليومية الذي نشر فيها وقفته، قائمة على البحث وليس مجرد العرض العابر للتشريعات التأمينية لكي نستطيع التعرف عليها عن كثب وما ظل منها نافذاً وما لم يعد منها مواكباً لما يجري في انحاء أخرى من العالم.
3 كرس الكاتب النصف الآخر من ورقته لجملة من الملاحظات على القانون الجديد نود أن ندشن معه ومع زملاء المهنة نقاشاً حولها للتوصل إلى وضوح أفضل واجتراح الحلول المناسبة في ضوء التغير الذي جرى على بنية قطاع التأمين بعد صدور قانون الشركات رقم 21 لسنة 1997 وقانون الشركات العامة رقم 22 لسنة 1997. سنهمل في هذه الورقة الجوانب الإيجابية في قانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005 فقد أتينا على ذكرها في مقالات أخرى.
سنقتبس ملاحظات الكاتب أولا حسب التسلسل الذي أورده ومن ثم نعلق عليها.
"1- ان قانون الاستثمار الاجنبي رقم (39) في 19/13/2003 [19 أيلول 2003] أستثنى قطاع التامين [والبنوك] من احكامه أضف الى ان قانون التجارة المعدل رقم (30) لسنة 1984 في الفقرة (14) من المادة الخامسة اعتبر التامين من الاعمال التجارية، وبناء عليه فان الحفاظ على الشخصية المعنوية المستقلة لشركات تأمين القطاع العام والتي اكتسبتها بموجب قانون الشركات العامة رقم (22) لسنة 1997 مسألة جوهرية ومنحها الاستقلال المالي عن ميزانية الدولة وبالتالي جعلها شركات تامين تجارية تمارس استقلالها التام في كل نشاطاتها عن الدولة وحسب واقع سوق التأمين الحالية في العراق بعيداً عن التخصص والخصخصة وضمن محافظها التأمينية وتجربتها العريقة والجيدة لنصف القرن الماضي ومع واقع الكثافة التأمينية المعتمدة أصلاً على دخل الفرد العراقي.
يبنى على ذلك ان الفقرتين اولاً وثالثاً من المادة (16) في قانون أعمال التأمين غير ملائمة لسوق التامين العراقية التي تدعو الى التخصص وعلى المشرع العراقي وقف العمل بها بأسرع وقت ممكن."
في دفاعه عن شركات القطاع العام، التي يحرص الكاتب على استمرارها وهو ما ندعمه، عمد الكاتب إلى عرض القوانين ذات العلاقة:
اعتبار التأمين من الأعمال التجارية (قانون التجارة المعدل رقم 30 لسنة 1984)
استقلال شركات التأمين العامة عن الدولة وتمويلها الذاتي (قانون الشركات العامة رقم 22 لسنة 1997)
ويبني على ذلك رأيه في عدم ملائمة الفقرتين أولاً وثالثاً من المادة 16 لسوق التأمين العراقي والتي تدعو إلى التخصص
[1] في النشاط التأميني، ويدعو المشرع العراقي إلى وقف العمل بهما.
نحن لا نتفق مع هذا الموقف لأن أحكام هذه المادة من القانون تنطبق على شركات التأمين الجديدة التي يتطلب منها التخصص في ممارسة التأمين على الحياة أو التأمينات العامة، ولا تنطبق على شركات التأمين المجازة التي تمارس التأمين على الحياة والتأمينات العامة معاً عند نفاذ القانون (الفقرة أولاً من المادة 16). [التأكيد من عندنا – م.ك]
كما أن التأمين على الحياة نشاط تأميني متفرد ومستقل عن التأمينات العامة وتلجأ الهيئات الرقابية إلى فرض ضمانات معينة على عمل شركات التأمين على الحياة لضمان مصالح المؤمن على حياتهم بموجب عقود التأمين التي تمتد لسنوات طويلة.
إذا كانت شركات التأمين الجديدة ترغب في ممارسة التأمين على الحياة والتأمينات العامة فإن أصحابها يستطيعون ذلك من خلال تأسيس شركتين مستقلتين وتقديم الضمانات التي يحددها ديوان التأمين العراقي.
"2- ان الكثير من شركات التأمين وإعادة التأمين الاجنبية شركات وهمية وان السمعة
الطيبة والرصانة المالية والخبرة العريقة في سوق التأمين العراقية والتي تزيد على
نصف قرن تؤهل شركاتنا الوطنية كتأمين وإعادة تأمين لتضميد جراحها واعادة بناء
كيانها والحفاظ وصيانة هذه الشركات وعدم منح أفضلية للشركات الاجنبية وفروعها على
شركاتنا الوطنية, وبالتالي يصبح من الضروري الغاء الفقرة (3) من المادة(13) والفقرة
(2) من المادة (14) والفقرة (5) من المادة (38) من القانون."
القول "ان الكثير من شركات التأمين وإعادة التأمين الأجنبية شركات وهمية" فيه تجني، ففي الأسواق المتقدمة هناك رقابة صارمة على الملاءة المالية لهذه الشركات، كما أنها تخضع لمراقبة غير مباشرة من خلال تصنيفها من قبل الشركات المختصة فيما يخص رأسمالها وأوضاعها المالية وقدرتها على تسديد التعويضات وحسن إدارتها والضوابط التي تنظم عملها. ولا أدل على حقيقتها ودورها تعويضها للمتضررين، من الأفراد والشركات، من آثار الكوارث الطبيعة المؤمن عليها في أوروبا وفي الولايات المتحدة الأمريكية وكذلك حوادث الطيران والصناعات النفطية والبتروكيماوية وغيرها. وتجربة سوق التأمين العراقي مع شركات إعادة التأمين الأوروبية تشهد على جدية وحقيقة الحماية الإعادية.
هذا أمر وعدم منح أفضلية للشركات الأجنبية وفروعها للعمل في العراق في المرحلة الحالية أمر آخر. والأخير ينبع في رأينا من موقف المحافظة على الكيانات التأمينية العراقية القائمة وتوفير الفرصة لها لاستعادة عافيتها، وتمتين مواردها المالية، واستكمال وإعادة تأهيل كوادرها الفنية قبل فتح السوق أمام شركات التأمين وإعادة التأمين الأجنبية.
نحن نرى أن فتح السوق أمام الشركات الأجنبية قبل أن تتعزز مكانة شركات التأمين العراقية وقبل أن يتأسس سوق وطني عراقي مشترك للتأمين، يضم إقليم كوردستان، سوف لن يكون في صالح الشركات العامة والرأسمال الوطني المؤسِس لشركات القطاع الخاص. فالتكافؤ ليس قائماً بين الشركات الوطنية القائمة، العامة والخاصة، والشركات الأجنبية التي تستطيع ابتلاع السوق العراقي بفضل الإمكانيات المالية والقدرات الفنية التي تمتع بها.
وقد كتبنا عن بعض جوانب هذا الموضوع دراسة لم تنشر بعد نقتبس منه ما يلي:
"لم يكن هذا القانون [قانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005] ليندرج ضمن تطورات
السوق العراقي للتأمين بل جاء نتيجة لفعل سياسي مهدّ له الغزو والاحتلال والهيئات
التي خلقتها الإمبراطورية الأمريكية بفضل "فائض القوة" التي تتمتع بها.[i] لست من دعاة الرفض المطلق لهذا وغيره من القوانين
لمجرد أنه من صنع الاحتلال وان الاحتلال لا يمتلك الشرعية بموجب القانون الدولي
لتغيير ما هو قائم (فقطاع التأمين لم يشكل تهديداً للاحتلال ليسمح له بتغيير
قوانينه القائمة) فواقع الحال هو أن هذا القانون أصبح هو السائد، رغم أنه لم يلغي
القوانين الماضية، وبفضله تم تأسيس ديوان التأمين العراقي وجمعية شركات التأمين
وإعادة التأمين العراقية.
لكن هذا القانون يحتمل التنقيح كما أشرتُ
سابقاً،[ii] والتنقيح يجب أن يطال بالدرجة الأولى تلك الفقرات التي
تُضعف تشكيل السوق الوطنية العراقية للتأمين من خلال الأفضليات الممنوحة للشركات
الأجنبية ومن بينها عدم ضرورة التسجيل داخل العراق لممارسة أعمال التأمين وتحريم
التأمين خارج العراق. وقد يتعزّز هذا الضعف مع الميل في إقليم كوردستان
العراق لتغليب ما هو محلي على الوطني لكني ربما أكون على خطأ في تقديري هذا.
وأرى أن أخطر أحكام هذا القانون هو توفير الغطاء لتجاهل شركات التأمين العراقية.[iii]
بسبب الوضع الأمني فإن شركات التأمين
الأجنبية الكبيرة لم تدخل السوق العراقي من خلال ما يعرف بالاستثمار الأجنبي
المباشر Direct Foreign Investment (DFI) وهو في الكثير من الحالات ينحصر في عمليات
الدمج والاستحواذ على ما هو قائم mergers & acquisitions إن هذه الشركات،
بقدراتها المالية الضخمة، تستطيع، نظرياً، "ابتلاع" السوق العراقي برمته والقوانين
الحالية تسمح لها بذلك وبعض أصحاب المال العراقيين قد يرحبون بذلك كونه فرصة لتحقيق
عائد كبير من خلال بيع حصصهم. سيكون هذا الوضع، دمج سوق التأمين العراقي
بالسوق العالمي من خلال الاستحواذ الأجنبي، إن تحقق مستقبلاً، شاذاً. هذا
احتمال نظري أثرناه بدافع مراجعة القوانين القائمة لضمان دور وطني في صناعة
التأمين."[2]
"3- ان تأسيس جمعية مهنية تسمى (جمعية المؤمنين
ومعيدي التأمين العراقية) المنصوص عليها في الفقرة أولاً من المادة (84) خطوة جيدة
ومفيدة ويستوجب في رأينا تفعيل دور هذه الجمعية وجعل آرائها وطلباتها ملزمة
الاقتداء والاسترشاد بتلك الآراء والطلبات وذلك انطلاقاً من ضرورة تعشيق وتمتين
العلاقة بين شركات القطاع العام والمختلط والخاص في باب التامين واعادته لخدمة
الاقتصاد الوطني وحمايته من مختلف الاخطار.
تفعيل الجمعية أمر وارد أما جعل آرائها وطلباتها ملزمة، لأطراف أخرى، كما يرى الكاتب، فإن ذلك ليس ممكناً وذلك لأن نطاق صلاحيات الجمعية لا تتعدى اعضاؤها كما يرد ذلك في المادة 84 – ثانياً: "تهدف الجمعية لرعاية مصالح أعضائها والعمل على تطبيق القانون وأخلاقيات التأمين وتمثيل المصالح الجماعية للمؤمنين ومعيدي التأمين أمام الديوان وغيرها من الأمور المتعلقة بأعمال التأمين."
وتؤكد الفقرة ثالثاً من نفس المادة على الدور الثانوي للجمعية فرئيس الديوان يتشاور "مع الجمعية حسب متطلبات القانون ولا تكون آراء الجمعية أو طلباتها ملزمة له، ولا يكون للجمعية أي دور أو مسؤوليات تنظيمية."
ويتوقع المرء أن تساهم الجمعية في صياغة قواعد السلوك المهني لاعضائها أو ما يسميه القانون "أخلاقيات التأمين" وتنسيق العلاقة بين الشركات في مختلف المجالات للحفاظ على مصالح سوق التأمين العراقي وتنميته كي لا تتحول الشركات، وخاصة الصغيرة منها، إلى مجرد اقنعة وواجهات للشركات الأجنبية.
وقد تعرضت الجمعية، التي تأسست سنة 2005، إلى تجربة كانت في غنى عنها عندما قام مكتب المنظمات غير الحكومية في بغداد بتجميد أموال جميع الجمعيات والاتحادات بضمنها جمعية شركات التأمين وإعادة التأمين العراقية استناداً إلى تعليمات صدرت سنة 2004.
[3] ويدل هذا التصرف على جهل وغباء بعض الجهات الحكومية وعدم معرفتها بالتأمين.
وبناءاً عليه فان اجراء التأمين على الاموال العامة والاخطار التي ترغب الوزارات ودوائر الدولة في التامين عليها بالمناقصة العلنية الواردة بالمادة (81) [ثالثاً] لا تتناسب وهذه الشفافية والتعاون والتنسيق بين قطاعات التامين الثلاث، العام والمختلط والخاص وذلك لكونها تتعارض مع طبيعة عمل التامين التجاري والذي يحتاج الى السرعة ويتعارض مع اجراءات المناقصة الطويلة والمعقدة.
اضف الى عدم تحقيق العدالة المطلوبة في توزيع التغطية التأمينية لاخطار دوائر الدولة ووزاراتها على شركات التامين وقطاعاتها الثلاث، ومن الضروري البحث عن آلية بديلة مناسبة."
هناك تناسق في أحكام المادة 81 ومن المناسب اقتباسها بالكامل لفائدة القارئ:
"المادة-81- أولاً- لأي شخص طبيعي أو معنوي عام أو خاص الحق في
الاختيار بشراء منتجات التأمين أو خدماته من أي مؤمن أو معيد تأمين ما لم ينص
القانون على خلاف ذلك.
ثانياً- لا يجوز اجبار شخص طبيعي أو معنوي عام أو خاص على شراء منتجات خدمات
التأمين من مؤمن أو معيد تأمين أو وكيل أو وسيط أو مقدم خدمات تأمين محدد، ما لم
ينص القانون على خلاف ذلك.
ثالثاً- يجري التأمين على الأموال العامة والاخطار التي ترغب الوزارات أو
دوائر الدولة في التأمين ضدها بالمناقصة العلنية وفقاً لأحكام القانون، ولجميع
المؤمنين المجازين في العراق حق الاشتراك فيها."
لا نختلف مع الكاتب أن إجراءات المناقصة طويلة ومعقدة، ونضيف عليها الكلفة الاقتصادية المترتبة على القيام بها والوقت اللازم لإدارتها وتفرغ عدد من الموظفين لها (تشكيل لجنة للمناقصات، تحديد وصياغة برنامج التأمين موضوع المناقصة، كشف المعلومات الاكتتابية كتقارير الكشف الميداني، التخاطب مع مقدمي عروض التأمين، وضع قواعد التقييم الكمي والنوعي للعروض لانتقاء الأفضل منها، اتخاذ القرار التأميني). لكن أسلوب المناقصة شائع في تأمين أخطار المصالح والمؤسسات الحكومية لتجاوز احتمالات الفساد المالي والإداري لدى موظفي الدولة (دون أن يعني ذلك أن العاملين في القطاع الخاص لا يمارسون أنواعاً من الفساد). كما أن هذا الأسلوب يوفر وسيلة لقياس تنافسية الاسعار التي يعرضها وسطاء التأمين أو شركات التأمين.
[4]
في المرحلة الحالية، نتفق مع الكاتب على إجراء التأمين بالتعاون والتنسيق بين شركات التأمين القائمة بحيث تتولى إحدى الشركات دور الشركة القائدة على أن يتم تداول هذا الدور بين الشركات. ونحن هنا نتحدث عن الأخطار الكبيرة التي تتطلب حماية إعادية من الأسواق العالمية. في هذه الحالة تقوم الشركة القائدة باستدراج عروض تنافسية من هذه الأسواق. وتضمن هذه الطريقة تقديم ما هو الأفضل للمؤمن لهم. وربما كان هذا أحد البدائل التي أشار إليها الكاتب.
ونرى أن الجمعية العراقية لشركات التأمين وإعادة التأمين تستطيع أن تقوم بدور مهم في هذا المجال فيما يتعلق بالحصول على موافقة ديوان التأمين العراقي خاصة وأن المادة 81 – ثانياً يوفر فرصة تكييف القانون باتجاه التنسيق والتعاون بين شركات التأمين.
يراد من هذه الدعوة خلق الشروط التي ستساعد على بناء القدرات الفنية والمالية لشركات التأمين العراقية إذ أن تأمين أخطار المصالح العامة والوزارات ستكون مصدراً مهماً لأقساط التأمين.
"1- ان قانون الاستثمار الاجنبي رقم (39) في 19/13/2003 [19 أيلول 2003] أستثنى قطاع التامين [والبنوك] من احكامه أضف الى ان قانون التجارة المعدل رقم (30) لسنة 1984 في الفقرة (14) من المادة الخامسة اعتبر التامين من الاعمال التجارية، وبناء عليه فان الحفاظ على الشخصية المعنوية المستقلة لشركات تأمين القطاع العام والتي اكتسبتها بموجب قانون الشركات العامة رقم (22) لسنة 1997 مسألة جوهرية ومنحها الاستقلال المالي عن ميزانية الدولة وبالتالي جعلها شركات تامين تجارية تمارس استقلالها التام في كل نشاطاتها عن الدولة وحسب واقع سوق التأمين الحالية في العراق بعيداً عن التخصص والخصخصة وضمن محافظها التأمينية وتجربتها العريقة والجيدة لنصف القرن الماضي ومع واقع الكثافة التأمينية المعتمدة أصلاً على دخل الفرد العراقي.
يبنى على ذلك ان الفقرتين اولاً وثالثاً من المادة (16) في قانون أعمال التأمين غير ملائمة لسوق التامين العراقية التي تدعو الى التخصص وعلى المشرع العراقي وقف العمل بها بأسرع وقت ممكن."
إن قانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005 لم يلغي القوانين السابقة والملاحظ أن القانون لم يَشر إلى أي من هذه القوانين الأمر الذي يعني أن تعارضاً قد ينشأ بينه وبين هذه القوانين. وهذا يدل على ضعف صياغة هذا القانون.
لسنا في موقعٍ يؤهلنا للحكم على دعوة الكاتب لإلغاء المواد 51-57 لكننا نرى ضرورة لمراجعة هذه المواد والأفضل هو مراجعة القانون برمته للتخلص من بعض الصياغات غير الموفقة بسبب الترجمة من الإنجليزية إلى العربية، وإيلاء موضوع حماية صناعة التأمين الوطنية وسوق التأمين العراقي ما يستحقه من اهتمام قبل فتح الباب أمام شركات التأمين الأجنبية، والتخلص من بعض المواد السلبية وعلى سبيل المثال المادة 82:
"إذا نظمت وثيقة التأمين بلغات متعددة فالعبرة في حالة الاختلاف في تفسيرها بنص الوثيقة التي كتبت بلغة المؤمن له."
يقر الدستور العراقي الجديد وجود لغتين رسميتين هما اللغة العربية واللغة الكردية ولا نرى ما يبرر هذه المادة فلغة المؤمن له قد تكون المانية أو فرنسية أو روسية وغيرها ولا نرى ضرورة لتحميل شركات التأمين أو المحاكم العراقية هذا العبء اللغوي في حالة الاختلاف.
[5]
4 نثمن دراسة الكاتب كونها الوحيدة التي تحاول الاقتراب قانونياً من قانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005 ويحدونا الأمل أن يقوم بإعادة كتابته للتخلص من بعض الأخطاء الطباعية، والتوسع في الخلفية التاريخية، والتحليل المعمق لنواقص القانون. نقول هذا خاصة وأن ديوان التأمين العراقي أو ربما وزارة المالية أو كليهما، كما ورد إلى علمنا، بصدد مراجعة هذا القانون. ستكون هذه فرصة مواتية للكاتب ليدلي بدلوه لتحسين القانون.
مصباح كمال
لندن تشرين الأول 2006
[1] أشار الكاتب إلى "الخصخصة" ولم ترد هذه المفردة في القانون.
[2] مصباح كمال، "بعض قضايا صناعة التأمين في العراق: دعوة للنقاش" (لندن، حزيران 2006)
[3] مرزا مجيد مراد خان ،"صناعة التأمين في العراق،" جريدة الصباح، 11/7/2006. وقد تفضل الزميل خان بإرسالها لي.
[4] كتبنا دراسة صغيرة غير منشورة عن موضوع إجراء التأمين من خلال المناقصة باللغة الإنجليزية:
Misbah Kamal, Tendering Insurance Programmes (London, October 2005)
[5] ربما كنا من أوائل من تناولوا نقد القانون. راجع مصباح كمال، "قانون تنظيم أعمال التأمين: تعليقات هامشية" الثقافة الجديدة، العدد 316 (2005)، http://www.althakafaaljadeda.com/316/14.htm حيث رصدنا عيوباً وتحفظات وأتينا أيضاً على ذكر الجوانب الإيجابية.
[i] تعبير الإمبراطورية وفائض القوة surplus power من ابتداع الكتاب والمحللين الأمريكان وبعضهم قريب جداً من الإدارة أو يعمل لها. أنظر على سبيل المثال:
Richard N Haass, “What to do with American Primacy,” Foreign Affairs, September 1999, http://www.brook.edu/views/articles/haass/20001111.htm
في هذه الدراسة وفي غيرها من الدراسات نجد جذور الاستراتيجية الأمريكية لعهد ما بعد الاحتواء والذي وضع قيد التطبيق بعد الحادي عشر من أيلول 2001 في أفغانستان والعراق.
[ii] "قانون تنظيم أعمال التأمين: تعليقات هامشية" الثقافة الجديدة، العدد 316 (2005)، http://www.althakafaaljadeda.com/316/14.htm
وكذلك دراسة غير منشورة باللغة الإنجليزية تفصل خلفية القانون وما يراد منه وبعض آثاره الاقتصادية:
Misbah G A Kamal, “Iraq’s Insurance Law: A Review of Context and Some Economic Consequences,” (London, May 2006)
وقد قمنا بكتابته بالعربية، ولم ينشر بعد، تحت عنوان "قانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005: مراجعة للخلفية وبعض الآثار الاقتصادية" (لندن أيار 2006)
[iii] تطرقنا إلى الموضوع في مقالة منشورة: "تجاهل شركات التأمين العراقية: ملاحظات حول بعض آثاره السلبية" طريق الشعب، العدد 113 (16 شباط 2006) ص 9. ونشرت أيضاً بعنوان: "شركات التأمين العراقية متى تعاد إليها حقوقها" البيان، العدد 412 (بيروت آذار/مارس 2006) ص 116.