إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

2008/08/05

هل هناك دور اقتصادي للتأمين في كوردستان العراق؟

مصباح كمال

كتبنا هذه الورقة غير المنشورة بدعوة من د. كاظم حبيب، لمؤتمر كانت نقابة الاقتصاديين في إقليم كوردستان العراق تنوي عقده في أربيل في 16/11/2002 لكن تطور الأوضاع الذي انتهى بغزو العراق حال دون انعقاده. وتابعنا جانباً منه في دراسة أخرى غير منشورة: "تطوير قطاع التأمين في كوردستان العراق: ملاحظات أولية" (لندن أيار/حزيران 2006) نأمل أن نستطيع نشرها في هذه المدونة. إن ما يدفعنا إلى نشر هذه الورقة هو تعميم الفائدة منها، وخاصة لأولئك الذين لم يطلعوا عليها، ولأنها تضم بعض الأفكار النظرية ذات العلاقة بالتأمين كنشاط اقتصادي، وفيها بعض التقييم البسيط للوضع الاقتصادي في إقليم كوردستان العراق آنذاك. مصباح كمال، لندن، 5 آب 2008

المحتويات
دور الأصول المالية والوساطة المالية والأسواق المالية في تكوين رأس المال التأمين: مقاربة اقتصادية وظيفة التأمين القيود المفروضة على السياسة الاستثمارية الطلب على الحماية التأمينية وحجم الأقساط تأثير الوضع الاقتصادي على التأمين بعض ملامح الاقتصاد والتأمين في كوردستان العراق الموارد المالية للإقليم التهريب في كردستان بعض الآثار الاقتصادية للتهريب الحصار والاستثمار التأمين في كوردستان العراق إعادة الحياة لقطاع التأمين: تفعيل قانون التأمين الإلزامي من حوادث السيارات رقم 52 لسنة 1982 وتعديلاته شركة تأمين كوردية؟

مدخل

مع توقف وغياب النشاط التأميني بعد انسحاب مؤسسات الحكومة المركزية من كوردستان العراق في تشرين الأول 1991 يبدو السؤال في غير محله. وهو كذلك إذا افترضنا بأن الواقع الحالي سيستمر على ما هو عليه. لكننا نفترض أن هناك ضرورة للتحول من اقتصاد التهريب والاعتماد على حصة الإقليم من برنامج النفط مقابل الغذاء نحو اقتصاد يعتمد على آليات تنموية ضمن إطار أوسع يمكن أن ندرجه تحت عنوان الاقتصاد السياسي للتغيير. وبسبب ندرة، وبالأحرى عدم توفر، المعلومات عن قطاع التأمين في كوردستان العراق فإننا سنلجأ في هذه الورقة إلى رسم ملامح مقاربة نظرية لدور التأمين ضمن آليات تمويل الاستثمار والمساهمة في تكوين رأس المال.

عندما تكون الاحتياجات الإنسانية كبيرة ومتنوعة، في ظروف الحصار أو في أعقاب النزاعات المسلحة، فإن الحديث عن القطاع المالي قد يبدو ترفاً فكرياً. لكننا نختلف مع هذا التقييم إذ أن استرداد عافية الاقتصاد، وبسرعة، من خلال استعادة مستويات الإنتاج، التي كانت قائمة قبل النزاع والحصار، وكذلك زيادة العمالة، لا يمكن أن ينجح بدون نظام مالي يعمل بدرجة معقولة من الكفاءة والضوابط الرقابية. هذا الوضع يستدعي وجود، أو تفعيل، مصرف مركزي يشكل جزءاً من عملية تأسيس أو إعادة بناء المؤسسات المالية كالمصارف التجارية وشركات التأمين وغيرها. ففي غياب المصارف ـ وهي وسائل فعّالة لتمويل رأس المال العامل والاستثمار في المكائن والمعدات ذات العلاقة بالمؤسسات الإنتاجية الزراعية أو الصناعية وفي المشروعات الخاصة بالإنشاء والتعمير ـ وغياب الحماية التأمينية ـ التي توفر ضمانة إضافية للدائنين ومصدراً للتمويل ـ يصبح تمويل المشروعات الصغيرة والمتوسطة الحجم مفقوداً أو صعب المنال إلا للطبقات الميسورة وهذه الطبقات قد لا تحتاج دائماً إلى تمويل من خارج مصادرها الذاتية. إضافة إلى غياب المصارف وشركات التأمين، فإن ما يعقّد الوضع ويعرقل زيادة حجم الاستثمارات هو ضعف أو تشوه النظام القضائي، في ظل الأوضاع غير المستقرة، وربما استمرار الفساد في المؤسسة القضائية ذاتها، الأمر الذي يعني صعوبة تطبيق الالتزامات العقدية، وبالتالي تقويض فرص الحصول على القروض. تعرض هذه الورقة موضوع التأمين، كنشاط اقتصادي، ضمن إطار أوسع هو الوساطة المالية ودوره في تجميع الأموال لحماية الثروات الوطنية، البشرية والمادية، والمساهمة في تكوين رأس المال الحقيقي قبل الولوج إلى التأمين في كوردستان العراق.

 دور الأصول المالية والوساطة المالية والأسواق المالية في تكوين رأس المال

 ترتبط التنمية الاقتصادية بتراكم الأصول المادية، أي بتكوين رأس المال العيني ناقصاً استهلاك (اهتلاك) رأس المال والإنفاق على الصيانة والتصليح.[1] ويستلزم تكوين رأس المال ادخاراً صافياً للأموال، أي تقييد استهلاك الموارد الاقتصادية للحد من استنفاذها لأغراض آنية وتوجيهها نحو الاستثمار في السلع الرأسمالية والبنية التحتية والرأسمال البشري. ولتحقيق توجيه الادخار نحو الاستثمار تنشأ الحاجة لإيجاد القنوات التي يمكن للصناديق الادخارية بواسطتها أن تتحول إلى وسائل استثمارية إذ أن المدخرين هم ليسوا بالضرورة مستثمرين ـ أي توفير هذه المدخرات للأفراد والهيئات التي ترغب بالاستثمار. وتقوم المؤسسات والأسواق المالية بتوفير القنوات الضرورية لتمويل الموارد الاقتصادية من أولئك الذين يدخرونها إلى أولئك الذين يستخدموها لأغراض استثمارية. وبالطبع فإن المؤسسات والأسواق المالية ليست كيانات حيادية فلها مصالحها لكن ما يهمنا التأكيد عليه هنا هو أنها تمتلك القدرة على التأثير على معدل الادخار ـ أي التأثير على الفئات التي تحد من استهلاكها الآني من أجل توفير مواردها والحصول على إيراد/عائد مالي في المدى القصير أو البعيد. تشكل أسواق الائتمان المحور المالي للنظام الرأسمالي. ويُعنى بهذه الأسواق تلك التي تقدم فيها القروض من قبل مختلف المؤسسات المالية بدأ بالقروض المصرفية البسيطة وانتهاءً بالسندات. وفي الأسواق المتطورة تتخذ مؤسسات التمويل أشكالاً مختلفة: جمعيات بناء وشراء المساكن، شركات الإجارة والشراء بالتقسيط، شركات التأمين، صناديق التقاعد وصناديق الضمان الاجتماعي. جميع الدول لديها أسواق مالية إلا أن حجمها وتأثيرها يختلف من مكان إلى آخر. فهناك أسواق مالية وطنية تلعب فيها المصارف الدور الرئيسي وفي غيرها تكمل سوق الأسهم والسندات هذا الدور ولها الشأن الأعظم. الوسطاء الماليون، ونعني بهم شركات الوساطة المالية تقوم بوظيفة الاقتراض وخلق فرص للادخار من قبل الوحدات الاقتصادية، من أفراد وهيئات، بهدف الاستفادة من صناديق الادخار وإقراضها لوحدات أخرى. وتتمثل هذه الوظيفة بقيام هذه الشركات بتجميع المدخرات من عدة مصادر لتكوين صناديق مالية جاهزة لتقديمها كقروض لمن يطلبها. أحد الاختلافات المهمة بين اقتصاد نامي واقتصاد متطور، كما يقول الاقتصاديون الماليون، هو دور النظام المالي في الاقتصاد. ففي الاقتصادات النامية والمتجهة نحو النضوج تلعب المصارف الدور الرئيسي في توفير الأوعية الادخارية ومصادر الاقتراض. مقابل ذلك فإن الاقتصادات المتطورة تضم، إضافة للمصارف، مجموعة كبيرة من الوسائل المؤسسية تجمع ما بين المدخرين والمقترضين. وهكذا فإن التبادل في الاقتصادات النامية تتمحور حول النقود بأشكالها المختلفة: العملة المتداولة، الحساب المصرفي بالشيكات وودائع التوفير القصيرة الأجل. في حين أن الابتكارات المالية في الاقتصادات المتقدمة تجاوزت هذه الأشكال البسيطة إلى أدوات معقدة تُميّز هذه الاقتصادات بطاقتها المالية Financial Capacity وهي التي تعّرف بكونها مقياسا لقدرة المقترضين على استيعاب الديون. وتكشف هذه الطاقة الاستيعابية أهمية البنية المالية[2] Financial Structure في النشاط الاقتصادي الحقيقي القائم. فالاقتصاد الذي تنوء تحته الشركات والأسر بأعباء الديون تقترب من شفا الانفجار في حين أن الاقتصاد الذي تكون فيه الوحدات الاقتصادية ، الشركات والأسر، غير خاضعة لأعباء الديون الثقيلة تتمتع بكثير من الحرية في تغذية النمو الاقتصادي.[3] الإنتاج والتمويل يلاحظ في الاقتصادات المتطورة التي تتميز بالتعقيد أن قسما كبيرا من رأس المال النقدي Money Capital ـ أي توظيف النقود للحصول على نقود أكثر ـ لا يتم تحويله مباشرة إلى رأسمال منتج Productive Capital يستخدم لتحقيق فائض اقتصادي. وبدلا من هذا التحويل فإنه يستخدم لشراء سندات بفوائد أو أسهم بأرباح. وكانت النظرية الأرثوذكسية تقول بأن بائعي هذه الأوراق المالية (الأسهم والسندات) هم ليسوا إلا رأسماليين منتجين يستخدمون عوائدهم من هذه الأوراق لتوسيع رأس المال الحقيقي ويحولون للمشترين جزءا من الفائض المستحق كفوائد أو أرباح. وبهذا المعنى فإن صاحب رأس المال النقدي يصبح شريكا للرأسمالي المنتج. واقع الحال لا يستقيم مع هذه النظرية فأمام أصحاب رأس المال النقدي أنواعا متعددة من الأوراق المالية، غير الأسهم والسندات، ليس لها علاقة مباشرة بالإنتاج وبالتالي بتكوين رأس المال الحقيقي وهي في حقيقة الأمر تدور على نفسها في القطاع المالي، مساهمة في نمو الأسواق المالية ذاتها والتي تنحو نحو الاستقلال عن الإنتاج الحقيقي، وتؤدي ممارساتها إلى التقلبات في الأسواق المالية. الشرط الأساسي لبقاء وإعادة إنتاج أي مجتمع هو التشغيل المستمر لقطاع إنتاجي يوفر السلع الاستهلاكية التي يحتاجها السكان، إضافة إلى السلع الإنتاجية لاستبدال الهالك منها، وإن كانت الظروف مواتية توسيع القاعدة الإنتاجية.[4] وضمن هذه الرؤية فإن الفصل بين النقدي والحقيقي ربما يكون مفيداً لأغراض العرض والتحليل لكنه يكون ضاراً بعملية تكوين وتوسيع رأس المال لو اعتمدنا المضاربة في الأسواق المالية بالنقود من أجل الحصول على كمية أكبر من النقود على أنه جزء من عملية المساهمة في الإنتاج الحقيقي وهو في الواقع ليس كذلك. في الاقتصادات الأقل تطورا لا يستطيع الأفراد أو الهيئات التجارية أن تستثمر غير الفائض المتوفر لديها. إلا أن كفاءة تخصيص الموارد الاقتصادية تزداد مع إدخال الأصول المالية (النقود وغيرها). فالأفراد والهيئات التجارية من أصحاب المشاريع الاستثمارية يستطيعون القيام بالإنفاق الاستثماري بما يزيد عن دخلهم الآني. ويتم ذلك بالاستفادة من الأرصدة المتراكمة لديها أو في الاقتراض من أولئك الذين يمتلكون وفرا من الأرصدة تزيد عن احتياجاتهم المباشرة للاستهلاك. وهكذا فإن الادخار، في صورته النقدية أو في صيغة أصول مالية أخرى، يوفر فرصة لتطوير انماط استثمارية للأصول المالية، وفي ذات الوقت يسمح لتطور التخصص بين الوحدات الاقتصادية، من أفراد وهيئات، فيما يخص الادخار والاستثمار. ومما يساعد في تطوير التخصص هو ظهور المؤسسات المالية التي تعمل بدورها على زيادة كفاءة تخصيص الموارد. وهذه المؤسسات تقوم بمهام الوساطة من خلال شراء سندات المستثمرين وبيعها إلى أولئك الذين لديهم فائض نقدي. وتشمل هذه السندات القروض القصيرة والطويلة الأجل ومختلف أنواع الودائع المصرفية وسندات الخزينة والأسهم الصادرة من المؤسسات المالية والجزء الادخاري من وثائق التأمين على الحياة. وتنطوي هذه الوساطة المالية على اقتراض قصير المدى والإقراض للمدى الطويل. وتكمن أهمية الوساطة المالية في توسيع الفرص أمام المنظمين وغيرهم من أصحاب المشاريع الاستثمارية ذات المردود العالي الحصول على تمويل لهذه المشاريع بمبالغ تفوق ما هو متوفر لديهم من مدخرات (الأرباح المحجوزة) أو الاقتراض مباشرة من الوحدات الاقتصادية التي تمتلك فائضا ماليا كالأفراد. مصادر التمويل هذه (التمويل الذاتي: "الأرباح المحجوزة" والتمويل المباشر: بيع السندات مباشرة إلى الوحدات الاقتصادية ذات الفائض) ستستمر بالتأكيد مع وجود الوساطة المالية. هناك من يشك في قدرة الأسواق المالية المنظمة organised capital markets على المساهمة الفعالة في التنمية الاقتصادية في البلدان النامية التي لا تملك غير عدد محدود جدا من المؤسسات المالية وعدد محدود جدا من الوحدات الاقتصادية الفردية أو الجماعية لها القدرة والرغبة في الاستفادة من الفرص التي يوفرها سوق رأس المال. ولذلك فإن مساهمتها في تمويل المشروعات الاقتصادية الخاصة والحكومية ستبقى ضيقة ومحدودة ما لم يتطور القطاع المالي بحيث يصبح قادرا على تعبئة وتخصيص الفائض الوطني المالي الذي يتسم عموماً بالندرة.[5] إن الاستثمار في منتوجات وعمليات جديدة بما يتجاوز مجرد استبدال السلع الرأسمالية ـ أي عدم الاكتفاء باستبدال الأصول المادية الهالكة بفعل الاستخدام أو أضرار الطبيعة أو الأضرار البشرية مما يقوم التأمين بالتعويض عنها ـ هو أحد المكونات الضرورية لعملية التنمية الاقتصادية. إن حجم مثل هذه الاستثمارات التي تتطلبها التكنولوجيا الحديثة، مقارنة بتكنولوجيا القرن التاسع عشر، كبيرا جدا قياسا بحصة دخل الفرد في البلدان النامية. مثل هذه الاستثمارات تتطلب تمويلا، وبعض هذا التمويل يجب أن يأتي من خلال الوسطاء الماليين إذ أن المصادر التقليدية للتمويل (الأرباح المحتجزة والتمويل المباشر من قبل سوق رأس المال غير المنظم) ليست كافية لتقديم زيادة مطردة في معدل الاستثمار في المنتوجات والعمليات الجديدة. يمكن القول أن المؤسسات المالية التقليدية، كالمصارف التجارية، هي، في العديد من البلدان النامية، غير قادرة وفي حالات كثيرة غير راغبة، لتوفير التمويل. ولهذا يقع على عاتق الحكومة صياغة وتطبيق سياسات مالية تهدف ليس فقط إلى زيادة كمية الأموال المتوفرة، للاستثمارات الجديدة، ولكن، وهو الأهم، سياسات تهدف إلى إعادة تخصيص التدفقات المالية من مصدر التمويل التقليدي إلى تمويل نشاطات جديدة قادرة على التوسع. آلية تطبيق هذه السياسات منوطة بالفلسفة السياسية وواقع الاقتصاد، فالخيار هو بين استخدام مؤسسات الدولة المالية أو تشجيع مؤسسات جديدة للقطاع الخاص أو الأجنبي. المشكلة الأكبر هو أن تحديد الوظيفة المطلوبة من الآليات المالية في المشروع الوطني للتنمية لم تخضع للتحليل. ويرجع السبب الأساسي لهذا الوضع إلى عدم تقدير الدور الذي يمكن أن يقوم به القطاع المالي، فالعلاقة الوثيقة بين النمو المالي والنمو الحقيقي للاقتصاد لا تحضى بالقبول أو هي عرضة لسوء الفهم. إن المؤسسات المالية، إضافة إلى ما تقوم به من وظائف كالتعويض عن الخسائر بالنسبة لشركات التأمين، هي آليات لتعبئة وتخصيص الموارد المالية، وهي بهذا تساهم إسهاما حقيقيا في تكوين رأس المال الحقيقي وفي التنمية الاقتصادية.

 مقاربة اقتصادية: وظيفة التأمين

عند حصول حادث كبير لمصنع يؤدي إلى إحداث أضرار مادية، وخسارة مالية مترتبة على توقف الإنتاج، وقيام مسؤوليات قانونية تجاه الأطراف الثالثة نتيجة للحادث، وإصابات بين العاملين، ما هي مصادر التمويل اللازمة لمواجهة الأضرار والخسائر المالية والمسؤوليات؟ هناك المصادر الذاتية كالصناديق الاحتياطية للطوارئ، إن كانت متوفرة، وفي حالة عدم توفرها أو عجزها عن جبر الأضرار والتعويض عن الخسائر المالية ومواجهة كلفة المسؤوليات القانونية يمكن اللجوء إلى الاقتراض من البنوك. إلا أن القروض لن تتوفر تلقائياً إذ أن وضع المنشأة بعد تحقق الخسائر الكبيرة سيكون ضعيفاً ومهزوزاً لا يبعث على الثقة لدى البنوك، أو أن كلفة هذه القروض (أسعار الفائدة وشروط إطفاء القروض) قد تكون مكلفة ومتشددة. إزاء ذلك فإن آلية التأمين هي الأكفأ والأرخص في الحفاظ على الموقع المالي للمؤمن له من خلال تعويضه لاستعادة الوضع الذي كان عليه قبل وقوع الأضرار والخسائر. فمقابل مبلغ معلوم (قسط التأمين) يستطيع المؤمن له الإبقاء على وضعه المالي ضد جملة من المخاطر التي تهدده في حياته وممتلكاته ودخله ومسؤولياته. عند وفاة رب الأسرة ومعيلها الأساسي أو عجزه عن العمل لإصابة لحقت به أو لتسريحه من الخدمة .. الخ، من يقوم بتوفير الموارد لإعالة الأسرة؟ هناك التعاضد الأسري التقليدي، وهو آيل للانحسار ولأسباب عديدة لا مجال هنا للخوض فيها. أو ربما الضمان الاجتماعي، بافتراض شموليته على النمط المعروف في أوروبا مثلاً، الذي سيكفل توفير الموارد المناسبة لاستمرار أفراد الأسرة في حياتهم دون الوقوع في فخ الفقر المدقع. وفي غياب الضمان الاجتماعي، أو محدوديته، يبقى التأمين، سواء أكان تجارياً أو تبادلياً أو تعاونياً، هو الآلية الأكثر اقتصاداً في توفير مستويات من الحماية للأفراد في حياتهم وصحتهم ودخلٍ لورثتهم.[6] رأس المال يتكون بفضل تراكم الفائض الإنتاجي مخصوما منه الاستهلاك، ورأس المال هنا يعني الثروات المادية المتمثلة بالآلات والمكائن والمباني وغيرها تشكل مع بعضها الثروة الوطنية. ورأس المال هذا يتعرض للهلاك من مصدرين: الاستهلاك الطبيعي أو التعرض للحوادث المفاجئة.[7] يمكن التحوط ضد خطر الاستهلاك من خلال استعمال مواد أكثر متانة وأطول عمرا، أو تكوين احتياطي نقدي كاف لإحلال أصل جديد محل الأصل المستهلك، ومثل هذا الإجراء يكون فعالا عندما لا يتعرض الأصل لحادث مفاجئ، إذ يستخدم الاحتياطي المتجمع لشراء أصل جديد. وهذا يفترض بالطبع كفاية الاحتياطي النقدي. إلا أن وقوع حادث مفاجئ قد يؤدي إلى هلاك الأصل قبل تكوين احتياطي نقدي كافي يعني عدم قدرة المنظم/مدير المشروع على استبدال الأصل الهالك. هنا تظهر الحاجة إلى آلية تأخذ على عاتقها توفير الضمان المناسب لتعويض هلاك الأصل. هذه الآلية هي التأمين. والتأمين، في جوهره، هو آلية تعاونية لتوزيع عبء الخسارة الذي يصيب الواحد على مجموع الأفراد وهي آلية تقوم على قانون الأعداد الكبيرة. فتجميع مساهمات الأفراد (أقساط التأمين) يستخدم لجبر الضرر الذي يصيب الواحد. وتنسحب أثار الوظيفية الاقتصادية للتأمين على الأفراد والهيئات وبالتالي على مجمل الاقتصاد الوطني، من خلال تفتيت عبء الخسائر عليهم وتعويضهم عنه ـ أي إرجاعهم إلى الوضع الذي كانوا عليه قبل وقوع الخسائر، وبهذا فإن التأمين يحافظ على الثروة الوطنية المتمثلة بالأصول المملوكة للأفراد والهيئات والدولة على حد سواء. ويمكن ترجمة الآثار الاقتصادية للتأمين تحت العناوين التالية: - تسهيل تمويل المشروعات. وهو أمر أصبح في الوقت الحاضر ملازما لجميع القروض التنموية المقدمة من المؤسسات المالية الخاصة والدولية (البنك الدولي مثلا). وتنبع مصادر التمويل لدى شركات التأمين من أقساط التأمين المتجمعة لديها. - يعمل التأمين على رفع عبء التحوط ضد الخسائر من خلال صندوق احتياطي للطوارئ وهو ما يلجأ إليه أصحاب المشروعات في غياب التأمين. و يعتبر هذا سوء استخدام للأموال حتى وإن وضعت في ودائع مصرفية بفائدة، إذ أن الفائدة قد تكون ضئيلة وقيمتها تتعرض للهبوط بفعل التضخم. كما أن مثل هذا الصندوق يحبس أموالا يمكن الاستفادة منها في توسيع المشروعات القائمة. فمقابل قسط معلوم يسدد لشركة التأمين يستطع صاحب المشروع إدارة أمواله السائلة بشكل أكثر كفاءة.
- يوفر التأمين درجة عالية من الأمان لصاحب رأس المال. ففقدان الأصول المادية بسبب عوارض الطبيعة وأخطاء البشر وما تفرزه الصناعة الحديثة من أضرار يعوضه التأمين. ويمكن التوسع في الحماية ليشمل خسارة الأرباح المترتبة على توقف العمل بسبب الأضرار المادية. وبذلك فإن التأمين يقوم بوظيفة اجتماعية اقتصادية من خلال التعويض عن الخسائر المادية، الكلية أو الجزئية، التي تلحق بالممتلكات، ويعني ذلك أن أصحاب الممتلكات يحصلون، من خلال التعويض النقدي، على رأسمال يعادل ما تم التأمين عليه لإعادة إنشاء هذه الممتلكات. وهكذا يساعد التأمين على ديمومة العمالة والإنتاج. - دور التأمين في تسهيل التبادل التجاري الدولي (وثائق التأمين البحري أو الجوي على البضائع) استيراداً وتصديراً إضافة إلى تامين الصادرات والاستثمارات العينية ضد ما يعرف بالأخطار السياسية وأخطار الائتمان التجاري كأن تمنع تشريعات ومراسيم الدولة تحويل ثمن البضائع المستوردة أو الأرباح المتحققة من الاستثمارات إلى الخارج. - ويعمل التأمين على إشاعة الوعي بالوقاية من الخسائر والحد من أثارها، وهو بهذا الدور عنصر مُكمّل في عملية إدارة الخطر (تشخيص مصادر الخطر، قياس الخطر، احتواء الخطر، تحويل الخطر إلى الغير من خلال إحدى أشكال التأمين (الذاتي، التعاوني، التجاري). - من خلال إعادة التأمين، تحصل الدول النامية على العملة الصعبة عن التعويضات المستحقة بالنسبة للأخطار المعاد تأمينها في الخارج. وهذه الوظيفة تتحقق عندما يفوق حجم التعويضات المستردة من معيدي التأمين عن حجم الأقساط المسددة إليهم بالعملة الصعبة. معاملات إعادة التأمين تترك آثاراً على ميزان المدفوعات وتثير الكثير من الجدل في الدول النامية عن التحويلات الخارجية للأقساط بالعملة الصعبة وإمكانية الاحتفاظ بها محلياً، وكلها قضايا إشكالية تستحق الدراسة الموضوعية.[8] السياسة الاستثمارية لشركات التأمين الأقساط التي تستوفيها شركة التأمينات العامة توضع في صندوق، بعد استقطاع المصاريف المختلفة، لمقابلة طلبات التعويض أو لحين انتهاء أجل التأمين. وهذا هو ما يعرف بالاحتياطيات الفنية[9]. هذه الاحتياطيات، إضافة إلى الاحتياطيات الحرة[10] ورأسمال الشركة، تشكل الصندوق المالي القابل للاستثمار.
ضمن الشروط القائمة التي تمّيز الاقتصادات المعاصرة يتوجب على شركة التأمين العامة (ونقصد بها شركة التأمين التي تمارس كل فروع التأمين عدا الحياة)، في إدارتها لأعمالها، رسم سياسة استثمارية للأموال المتجمعة لديها. ويمكن تعريف هذه السياسة بأنها تستهدف تحقيق أقصى عائد ضمن القيود التي تستلزمها طبيعة أعمال الشركة. وهذه الطبيعة تتحدد بالأتي: عقود تأمينية قصيرة الأجل، عقود متقلبة بمعنى عدم بقائها ـ أي تجديدها مع نفس الشركة في ظل السوق الذي يقوم على المنافسة ـ أو تعرضها للتغيير من سنة إلى أخرى: كانخفاض أو ازدياد قسط التأمين وخضوعها للإشراف والضوابط الرقابية للدولة. رغم أن عقود التأمينات العامة تمتد لفترة قصيرة، عادة سنة واحدة، فإن شركات التأمين المستمرة في عرض الحماية التأمينية ليست مدعوة لتصفية (بيع) استثماراتها لتحقيق دخل لتواجه به طلبات التعويض، ذلك لأن التعويضات يمكن أن تُغطى من الأقساط الواردة على الأعمال الجديدة (وثائق التأمين الجديدة) أو الوثائق المجددة. إزاء ذلك فإن جزءاً من الاحتياطات الفنية ورأس المال والاحتياطات الحرة تكون جاهزة للاستثمار في المدى المتوسط والمدى البعيد إلا أن الدخول في هذا النوع من الاستثمار يعتمد على: - طبيعة الأعمال المكتتب بها - حجم رأس المال والاحتياطات الحرة بالنسبة للاحتياطات الفنية أو دخل الأقساط - تأثير قواعد الإشراف والضوابط الرقابية على تقييم الأصول. وضع شركات التأمين على الحياة لا يختلف عن هذه ما خلا طبيعة الأعمال التي تكتتب بها، فهي من نمط العقود الطويلة الأجل أو لفترة طويلة نسبياً مرتبطة برهن عقاري مثلاً. ولذلك فإن سياستها الاستثمارية تعكس طبيعة هذه العقود.

القيود المفروضة على السياسة الاستثمارية

 التقلبات في نتائج الأعمال نتيجة لخبرة الخسارة المتغيرة. وهذا يتطلب من شركة التأمين الإبقاء على احتياطات كبيرة زيادة عن احتياطاتها الفنية، إذ أن الأموال المتجمعة لديها يمكن أن تكون عرضة للنضوب خلال فترة زمنية قصيرة بسبب المطالبات بالتعويض (بعد كارثة مثلا). يقتضي مثل هذا الواقع من شركة التأمين الإبقاء على أموالها في حالة سيولة معقولة: كأن تكون بهيئة ودائع مصرفية قابلة للسحب الفوري أو سندات قصيرة الآجل يمكن تسييلها دون التعرض لخسارة كبيرة. هناك بالطبع اعتبارات عديدة حول المفاضلة بين الأصول المالية القابلة للتسويق. فالمعروف أن الإبقاء على الأصول بهيئة نقد لا يوفر عائداً لشركة التأمين. كما أن الاستثمار في السندات الحكومية يكون ذو مردود محدود. مقابل ذلك فإن الاستثمار في الأسهم يمكن أن يوفر مكاسب رأسمالية capital gains لا تخضع للضريبة إلا عند تحقق هذه المكاسب. مثل هذا الاستثمار ينطوي على المخاطر التي تطرأ على سوق الأسهم، وهي ضمن قابلية التسويق الفوري تعتبر غير مناسبة لشركة التأمين. ولهذا فإن بعض شركات التأمين تميل إلى تنويع محافظها الاستثمارية كي تستطيع مواجهة التعويضات والحصول على عوائد معقولة. ومن القيود التي تفرض نفسها على الاستثمار هو إمكانية انخفاض دخل أقساط التأمين. إن تقلص حجم الأعمال المكتتبة، لأي سبب كان، يعني أن التدفق النقدي لشركة التأمين لن يكون كافيا لبناء الاحتياطيات والاستثمار. هناك القواعد الرقابية الانضباطية التي تفرض على شركات التأمين الإبقاء على هامش معين للملاءة المالية.[11] وهذا يعني إخضاع أصول الشركة لقواعد التقييم الرقابية كوضع حد أو سقف للأصول المالية التي يمكن للشركة أن تحتفظ بها والتي تتعرض لتقلبات كبيرة كالأسهم والسندات الطويلة الأجل والأصول العينية دون الإضرار بالسيولة النقدية للشركة كي تستطيع تسديد التعويضات في أوانها. إضافة إلى ذلك يتوجب على شركة التأمين أن تأخذ بنظر الاعتبار النمو المتوقع في حجم الأعمال. فالتباطؤ في معدل النمو قد يؤدي إلى نتائج سلبية على التدفق النقدي. مقابل ذلك فإن المعدلات العالية في نمو حجم الأعمال لها مشاكلها الخاصة فقد تؤدي إلى مشاكل في تمويل الاحتياطيات الفنية (التي يجب تأسيسها) وكذلك زيادة هامش الملاءة المالية. كما أن شركة التأمين قد تواجه عدم توفر حماية إعادة التأمين لأسباب عديدة: عدم توفر الطاقة الاستيعابية للمحافظ الاكتتابية للشركة، انسحاب شركات إعادة التأمين من الاكتتاب في بلد معين بسبب عدم الاستقرار ..إلخ. إن المحافظ الاستثمارية لشركات التأمين ليست متجانسة بسبب طبيعة الأعمال التي تكتتب بها. فالعقود التي تكتتبها شركات التأمينات العامة ذات آجال قصيرة، وعادة تمتد لسنة واحدة، في حين أن عقود شركات التأمين على الحياة قد تمتد لعدة عقود. وبفضل القدرات الاكتوارية المتوفرة لها تستطيع التنبوء بحجم المسؤوليات التعاقدية التي تترتب على أعمالها بدقة أكبر من شركات التأمينات العامة، وبالتالي تستطيع توظيف احتياطياتها في أدوات مالية ذات أجل أطول.

آثار التضخم النقدي
 يشكل التضخم تحدياً كبيراً للتخطيط المالي. ولهذا فإن شركات التأمين في احتسابها لسعر التأمين تأخذ بنظر الاعتبار التضخم المتوقع خلال سنة التأمين والسنوات اللاحقة التي يتم فيها تسوية المطالبات بالتعويض. فالمطالبات المتحققة Incurred Claims خلال سنة التأمين قد لا تخضع لتسوية نهائية قبل مرور سنة أخرى وربما سنتين إن لم يكن أكثر بالنسبة للمطالبات الكبيرة والمعقدة أو تلك المتعلقة بالتأمين على المسؤوليات القانونية، مما يعني أن التسوية ستكون بموجب أقيام الممتلكات أو المسؤوليات السائدة وقت التسوية ـ أي أنها تعكس معدلات للتضخم السائدة، في حين أن عامل التضخم لا يدخل في الحسبان إن جرت التسوية مباشرة بعد وقوع الخسارة المؤمن عليها. من ناحية أخرى، فإن أقساط التأمين لا يمكن أن تستثمر، وخاصة في المدى القصير، وبمعدلات للفائدة يمكن أن تعّوض عن التآكل الذي يحدثه التضخم، ولو أن معدلات الفائدة في فترات التضخم تكون، نسبيا، عالية مقارنة بفترات الركود. وفي الواقع، ليس هناك وسائل فعّالة يمكن اللجوء إليها لحماية الأصول النقدية لشركة التأمين من الآثار السلبية للتضخم بشكل كامل.[12]


الطلب على الحماية التأمينية وحجم الأقساط[13]
 تتباين أهمية الأصول المالية لقطاع التأمين من دولة إلى أخرى. ويرجع سبب هذا التباين إلى عاملين: 1- الطلب على الحماية التأمينية (أي اكتتاب شركات التأمين بالأخطار على أنواعها). ويختلف هذا الطلب من دولة إلى أخرى ويعكس كثافة التأمين Insurance Density فيها.[14] 2- العلاقة بين العمليات الاكتتابية لشركات التأمين وعملياتها الاستثمارية. ويمكن التعبير عن هذه العلاقة بطريقة أخرى من خلال السؤال: مقابل الالتزام بقيمة نقدية تجاه تحقق خطر مؤمن عليه، ما هي العناصر التي تدخل في تحديد حجم الأصول المستثمرة التي تحتفظ بها شركة التأمين؟ إن ما يقرر التباين في العلاقة بين الاكتتاب والاستثمار هو: - نوع الأخطار المؤمن عليها - البنية العامة للأسواق المالية في اقتصاد البلد - الإشراف والرقابة والضوابط الحكومية

العوامل المحددة لحجم الأقساط
 حجم الأقساط يؤثر على السياسة الاستثمارية لشركة التأمين. وهناك عوامل عديدة تؤثر على حجم الأقساط وتختلف من فرع تأميني إلى آخر. فإلزامية التأمين على المسؤولية المدنية الناشئة عن استعمال المركبات تقرر حجم هذا الفرع إذ أن كل مركبة، وكما يحددها القانون، يجب أن تخضع للتأمين. وكذا الأمر بالنسبة لتأمين المباني التي تخضع للرهن العقاري فأصحابها مجبرون على شراء التأمين المناسب لها. ونفس الشيء ينطبق على تأمين مسؤولية رب العمل وفي بعض البلدان تأمين إصابات العمال. وفي غياب التأمين المحدد بالقانون فإن الإقبال على شراء التأمين يخضع لاعتبارات أخرى والحاسم فيها جميعاً هو دخل المؤمن لهم. وبالطبع هناك اعتبارات أخرى تحدد حجم الأقساط سنأتي على ذكر بعضها فيما يلي. تدل الإحصائيات على أن الطلب على الحماية التأمينية ينمو بسرعة أكبر من مستوى نمو الدخول. ويمكن التدليل على ذلك بملاحظة كيف أن أهمية التأمين قياسا بالناتج القومي الإجمالي هي أكبر في البلدان المتقدمة مقارنة بالبلدان النامية. إن الطلب على الحماية التأمينية في البلدان النامية كنسبة من الناتج القومي الإجمالي صغير جدا مقارنة مع الدول المتقدمة وهذا هو الحال في البلدان العربية والأفريقية على وجه الخصوص. وهذه الملاحظة تنطبق على التأمين على الحياة والتأمينات العامة على حد سواء. والفرق بين الطلب على هذين النوعين من التأمين هو أن التأمين على الحياة يتأثر بدخل الأفراد وثرواتهم كما أنه يتأثر بمعدل التضخم والضوابط الرقابية الحكومية ومن بينها نطاق السماحات الضريبية. أقساط التأمين على الحياة غالبا ما تتضمن عنصرا ادخاريا إضافة إلى عنصر تحمل تبعات الخطر المؤمن عليه. ولذلك كلما زاد عنصر الادخار (التأمين مدى الحياة والتأمين المختلط) كلما زاد حجم الأقساط، مع افتراض بقاء العوامل المؤثرة الأخرى على حالها.

 تأثير الوضع الاقتصادي على التأمين
 الاستقرار المالي: يساعد على زيادة الإنفاق على شراء وثائق التأمين على الحياة. وقد يكون ذلك مقرونا بالاطمئنان على استقرار الوضع الاقتصادي، ووضوح المستقبل فيما يخص القوة الشرائية الآنية ومستقبلا أو أن استحقاق مبالغ التأمين في آجالها ستحتفظ بقوتها أو بقليل من الانحراف. أي إن الهبوط في معدلات التضخم له تأثير إيجابي على زيادة الكثافة التأمينية.[15] الإنفاق العام: يزيد من نشاط البناء والتصنيع بالنسبة للاقتصادات التي تعتمد على الدولة في تمويل التنمية. وهذا يعني ازدياد الطلب على مجموعة من وثائق التأمين على الممتلكات أثناء فترة التشييد وقبلها على التأمين البحري من المنشأ إلى موقع العمل على مكونات المشاريع من مكائن ومعدات مستوردة، وكذلك المسؤوليات القانونية المترتبة على أعمال الإنشاء والاختبار والتشغيل. الركود الاقتصادي والتقلبات الأزمات تؤدي إلى انخفاض الطلب على التأمين، وازدياد إلغاء وثائق التأمين والمطالبات وازدياد عدد الحالات التي يلجأ فيها الأفراد والشركات (المؤمن لهم) على افتعال الحوادث (الغش). كما تؤثر التقلبات في قيمة العملة الوطنية وكذلك التقلبات في أسعار الأسهم على ودائع واستثمارات شركات التأمين.
بعض ملامح الاقتصاد والتأمين في كوردستان العراق

 قبل الدخول في موضوع هذه الورقة نستعرض بعض جوانب الوضع الاقتصادي في الإقليم لما لها من علاقة وآثار على قطاع التأمين الآن ومستقبلاً. الموارد المالية للإقليم المصدران الأساسيان للدخل هما: حصة الإقليم من برنامج النفط مقابل الغذاء (13%) بموجب قرار مجلس الأمن الذي صدر سنة 1991 ووافقت عليه حكومة بغداد سنة 1996 والدخل المترتب على تجارة التهريب مع تركيا وإيران. المصادر التقليدية الأخرى كالضرائب بأنواعها والرسوم الجمركية والرسوم على المعاملات والعقود .. الخ، ربما لا تشكل في أحسن الأحوال إلا جزءا صغيرا من الموارد المالية للإقليم، وبسبب تدني مستوى الدخول فإن حكومة الإقليم لا تسعى إلى فرض ضرائب عالية على المواطنين بل نقرأ أنها تعمل على التخفيف منها. ولو كان قطاع التأمين عاملاً فإنه كان سيوفر مورداً مالياً للخزينة يتمثل بإيرادات رسم الطابع على وثائق التأمين الصادرة والضريبة المفروضة على احتياطيات وأرباح شركات التأمين.[16] ثم هناك إنفاق الأكراد الزائرين إلى المنطقة من أوروبا والولايات المتحدة وكذلك الزوار من العراق والدول المجاورة. ويفترض أن يكون إنفاق هؤلاء بالعملات الصعبة التي يستفاد منها في عمليات الاستيراد والاستثمار. والبيانات عن حجم هذا الإنفاق غير معروفة لدينا، ولا ندري إن كانت هذه البيانات موجودة أصلاً. الميزانية السنوية لحكومة الإقليم تقرب من 110 مليون دولار (2002)[17] وتعتمد بشكل رئيسي على الرسوم المفروضة على الشاحنات التي تدخل الإقليم في طريقها بين بغداد وتركيا وإيران، إذ أن حصة الإقليم من برنامج النفط مقابل الغذاء يخصص للأغراض الإنسانية والمشاريع ذات العلاقة :الغذاء والصحة والأدوية والتعليم والكهرباء والزراعة والاتصالات السلكية واللاسلكية وإزالة الألغام وإعادة الإسكان. ومنذ البدء بتطبيق البرنامج تم رصد 7 بلايين دولار لتحسين الوضع الإنساني في كوردستان العراق، لكن الإنفاق الفعلي لم يتجاوز 2,7 بليون دولار (38%) والرصيد المتبقي بحدود 4,4 بليون دولار (62%) ما زال مودعاً في البنوك.[18]

التهريب في كوردستان
 إذا غضضنا النظر عن حقيقة أن التهريب نشاط اقتصادي معروف في معظم بلدان العالم، وأن هناك أسبابا عديدة تنتظمه، فإن التهريب الذي نحن بصدده في كردستان خلال العقد الماضي هو وليد حالة اضطرارية. ففي ظل أوضاع الحرب والحصار المزدوج والإفقار يشكل التهريب نشاطاً اقتصادياً متميزاً للعمالة ولتوليد دخل بالعملة الصعبة للأطراف المشاركة فيه. وهي بالتالي محاولة للخروج من حالة الحصار. التهريب التقليدي، إخراج وإدخال السلع عبر الحدود دون المرور بمكاتب الجمارك، أو بمكاتب الهجرة عندما تكون "البضاعة" بشرية، هو خرق للقوانين التي تنظم حركة السلع داخل الدولة المستفيدة بفرض الرسوم الجمركية. وازدهار التهريب هو مؤشر على غياب القانون أو عدم تطبيقه أو المغالاة في تطبيقه بحيث يلجأ الناس إلى التحايل عليه. التهريب في كردستان يتصف بالفرادة. هناك قوانين جمركية تنطبق على عموم العراق إلا أن الدولة تغض النظر عنها. فالطبقة الحاكمة في بغداد ومن خلال أفرادها تشتغل في تجارة التهريب وخاصة تهريب النفط الخام وبعض مشتقاته. وهناك تفاهم بين نظام بغداد وحكومة الإقليم على تسيير أسطول من ناقلات النفط البرية - قدرت في وقت ما بما يقارب من 40 ألف ناقلة – لنقل النفط العراقي إلى تركيا. هذه التجارة غير الشرعية تدر دخلاً نقديا بالعملة الصعبة للنظام وحكومة الإقليم، كلاهما بحاجة إليه ولكن لأغراض غاية في الاختلاف. ويقدر دخل الإقليم من هذا النشاط بما يقرب من 100 مليون دولار سنويا. التهريب في كوردستان ليس باتجاه واحد بل أنه متبادل مع دول الجوار، فهو مصدر أساسي للكثير من السلع الاستهلاكية.

بعض الآثار الاقتصادية للتهريب
 لاشك أن الرسوم التي تجبيها حكومة الإقليم على السلع "المهربة" تشكل مصدرا ماليا مهما لموازنتها. كما أن هذا النشاط التهريبي بحد ذاته يوفر فرصاً للعمالة، ويغذي السوق الكوردي بالعديد من السلع والعقاقير الطبية غير المتوفرة محليا. وبالتالي فهو مصدر إنعاش للاقتصاد الذي يئن تحت حالة الحصار.[19] وبطبيعة الحال ليست هناك سياسة معلنة معروفة لإدارة التهريب بحيث تحد من دخول سلع معينة إلى الإقليم وخروج سلع أخرى. وإذا كان هذا التقييم صحيحا ومع غياب سياسة اقتصادية واضحة تصب في مجرى التنمية الاقتصادية فإن التهريب يترك أثاراً غير مرغوبة على اقتصاد الإقليم. ومنها، إغراق السوق بالسلع المهربة على حساب تطوير الصناعات التحويلية المحلية. ومن آثاره أيضا خلق حالة من التراخي الداخلي في تطوير الصناعات وتعزيز ثقافة التبعية والاعتماد على التهريب كمصدر سهل للعمل والدخل للأفراد كما للإدارات الحكومية، وهو أمر ينطوي على خطورة ستراتيجية كبيرة. ففي الشهور الأولى من سنة 2002، وعندما تدهورت العلاقات بين السيد مسعود البارزاني والحكومة التركية، بسبب امتناع البارزاني عن الاستمرار في التعاون العسكري مع تركيا، قامت الحكومة التركية بوقف شبه كامل لاستيراد النفط العراقي من المناطق الخاضعة للسيطرة الكردية. وكان لهذا القرار التركي آثاره الحادة على الاقتصاد الكردي الهش أصلاً. ومن ناحية تأمينية، فإن السلع الداخلة في النشاط التهريبي لا تخضع لأي نوع من أنواع التأمين. ففي الحالات الاعتيادية تخضع حركة السلع للتأمين أثناء التخزين والنقل والمناولة. كما أن التهريب، بسبب عدم شفافيته وخرقه للقوانين، يلغي أي دور للمصارف في تمويل عمليات الشراء من خارج الإقليم من خلال فتح خطابات الاعتماد ـ هذا بافتراض أن النشاط التأميني والمصرفي قائم فعلاً. ويلاحظ أن مساهمة قطاع الصناعة التحويلية في اقتصاد الإقليم ضعيفة مقارنة مع حركة الإعمار، الحكومية والخاصة، بفضل مشاريع برنامج النفط مقابل الغذاء. وقد يكون هذا مؤشراً على تخلف هذا القطاع في حين أن قطاع التجارة، مع تركيا وإيران، وتجارة التجزئة تتمتع بإزهار نسبي، ولعل إنشاء السوبر ماركت في دهوك مثال جيد على ذلك. مقابل ذلك فإن العناصر الحديثة والمتقدمة في قطاع الخدمات كالمال والتأمين والمعلومات تحتل موقعاً متخلفاً فهو ما زال في طور التشكّل أو بالأصح إعادة إحياء ما كان منه قائماً قبل قرار الإدارة المركزية بهجر الإقليم.

الحصار والاستثمار
 يبحث راس المال دائماً عن البيئة الاستثمارية المناسبة، أي البيئة التي توفر بنى تحتية مقبولة المستوى، إن لم تكن متقدمة، كالمواصلات والاتصالات والكهرباء وقوة عمل تتمتع بمهارات مناسبة، إضافة إلى البنى الفوقية التي تتمتع بقدر من الصلابة والديمومة لحماية الاستثمارات ومنحها الامتيازات التشجيعية المشفوعة بقوة القانون. في ظل الأوضاع السائدة في الإقليم، ورغم الهدوء والاستقرار النسبي، لا نرى اندفاعاً نحو الاستثمار ما خلا بعض الحالات التي تكون فيها الدوافع القومية أقوى من أي اعتبار آخر. فإذا استثنينا مخاطر الحرب والعمليات العسكرية من قبل الحكومة المركزية، وهي ليست بالهينة، نرى أن الإقليم معرض لـ ’الإنكشاف الاقتصادي.‘ فباستطاعة الحكومة المركزية خنق الإقليم اقتصادياً بسحب الدينار السويسري الذي يوفر للإقليم شكلاً من الاستقلال الاقتصادي، مثلما تستطيع تركيا غلق حدودها وكل ما يعنيه ذلك من آثار اقتصادية. فليس هناك قطيعة حاسمة مع الاقتصاد العراقي، ولا يتمتع الإقليم باستقلال اقتصادي حقيقي فالوضع الاقتصادي يرتبط، وبقوة، بالمواقف السياسية التي توصم في مجملها بالحكمة والتوازن من خلال إبقاء خطوط المواصلات، السياسية والاقتصادية، مفتوحة مع الجميع داخل الإقليم، ومع الحكومة المركزية، ودول الجوار وغيرها من الدول والعديد من المنظمات المختلفة. على سبيل المثال، جرى نقاش حاد في أوائل التسعينات، بعد الهبوط الحاد في سعر صرف الدينار العراقي، حول اقتراح اعتماد الليرة التركية كعملة رسمية لكن القيادات السياسية ترددت في اتخاذ قرار بشأن هذا الاقتراح إذ أن اعتماده كان سيؤدي إلى قطيعة مع المركز إضافة إلى خلق إشكالات اقتصادية في ظل انعدام مصرف مركزي أو مجلس وطني للعملة currency board. يعني هذا، بالنسبة لموضوعنا، ضعف العناصر التي تجتذب رأس المال المحلي أو الأجنبي للإقدام على مغامرة اقتصادية. ولذلك لا نتوقع في الوقت الحاضر استثماراً أجنبياً في شركة أو شركات تأمين كوردية. كما أن الطلب على الحماية التأمينية يعكس الطور الحالي من التطور الاقتصادي للإقليم ـ أي أن كثافته في البداية ستكون ضعيفة.

 التأمين في كوردستان العراق
 لم يشهد كردستان العراق صناعة تأمين مستقلة، ولا يمكننا الحديث عن شركات تأمين كوردية. فالنشاط التأميني لغاية 1991 كان محصوراً بفروع شركة التأمين الوطنية والشركة العراقية للتأمين على الحياة (أصبحت تعرف منذ ثمانينات القرن الماضي باسم الشركة العراقية للتأمين في محاولة من قبل السلطات المعنية لوضع لبِنات سوق تأميني قائم على المنافسة[20]). وهذه الفروع كانت خاضعة للقوانين العراقية وهي ما زالت كذلك رغم توقف النشاط التأميني. وتجري منذ فترة محاولات حثيثة لإحياء التأمينات المفروضة بقوة القانون. فقد جاء في تصريح لوكيل وزارة المالية والاقتصاد في حكومة السليمانية أن الوزارة تمكنت من "إعداد مشروع لتفعيل قانون التأمين الإلزامي وقد اتخذ القرار بشأن المشروع في مجلس الوزراء ومن قبل رئاسة الإقليم، وستتخذ الخطوات اللازمة قريباً لتنفيذه."[21] و يبدو أن المعنى به هو قانون التأمين الإلزامي من حوادث السيارات لسنة 1982 الذي يقوم على مبدأ افتراض المسؤولية غير القابلة لإثبات العكس. وليست هناك معلومات عن إحياء أو محاولة إحياء فروع شركات التأمين العراقية. ويعود سبب ذلك إلى القطيعة من قبل الحكومة المركزية التي سحبت جميع إداراتها من كردستان العراق. ولذلك لا يمكن التفكير في الأمر من طرف واحد وهو، على أي حال، منوط بقرار سياسي.

إعادة الحياة لقطاع التأمين: تفعيل قانون التأمين الإلزامي من حوادث السيارات رقم 52 لسنة 1982 وتعديلاته
 شكّلَّ هذا القانون نقلة نوعية في حماية الناس من حوادث السيارات، إذ تحولت مسؤولية المؤمن له تجاه الطرف الثالث التي كانت قائمة على أساس الخطأ القابل لإثبات العكس إلى المسؤولية المفترضةPresumption of Liability غير القابلة لإثبات العكس. ويعني هذا أن جميع المتضررين من حوادث السيارات، في أرواحهم وأجسامهم، مشمولين بغطاء التأمين. وهذه فلسفة متقدمة في التشريع تقوم على اعتبار السيارة خطرا جوهريا بذاتها Fundamental Risk ويتجاوز الإرادة البشرية مما يستدعي حماية المتضررين من آثارها دون هدر الجهد في إثبات عبء المسؤولية على سائق السيارة أو الطرف المتضرر. وفي عام 1987 ولتسهيل عملية تطبيق القانون صدر قرار يقضي باستيفاء قسط التأمين على السيارات وكذلك الرسم السنوي عن تجديد إجازة تسجيل المركبة في دوائر شرطة المرور من خلال فرض زيادة في سعر الوقود الذي تستهلكه المركبة: 15 فلسا على لتر واحد من البنزين و20 فلسا على لتر واحد من زيت الغاز (الكازأويل). وأنيطت بالشركة العامة لتوزيع المنتجات النفطية تحويل ما يتجمع لديها من هذه الزيادة في سعر الوقود إلى شركة التأمين الوطنية ومديرية المرور العامة. ويجب ملاحظة أن حصيلة هذه الزيادة توضع في صندوق مستقل عن حسابات شركة التأمين الوطنية ولا تتقاضى الشركة عن إدارتها غير هامش محدد لتغطية مصاريفها الإدارية. وتفيد التقارير الإخبارية، على شحتها، أن تفعيل هذا القانون الذي حظي بموافقة مجلس وزراء الإقليم سيكون عبر زيادة أسعار البنزين والكازأويل بمقدار 100 فلس لكل لتر. وبذلك سيتم تأمين المسؤولية المدنية الناشئة من استعمال السيارة مباشرة دون المرور بالإجراءات الشكلية: تقديم طلب التأمين، إصدار شهادة التأمين، جباية القسط ..الخ. وليس معروفاً لحد الآن (تموز 2002) هوية الدائرة التي ستقوم بإدارة التأمين فيما يخص النظر في المطالبات بالتعويض عن الأضرار وتسويتها. لا شك أن تفعيل هذا القانون خطوة محمودة في حماية الناس من الآثار، الاقتصادية وغيرها، التي تتركها حوادث السيارات على مسببي الحوادث وضحاياها على حد سواء. وهي في ذلك تقوم بوظيفة اجتماعية عصرية تتجاوز الأطر التقليدية في جبر الضرر من خلال تحويل عبء الخلاف بين الضحية ومسببها إلى طرف آخر هي شركة التأمين للنظر في النزاع بينهما.[22] لكن هذا الجانب الإيجابي لا يعفي السلطات المعنية (الجهة المفوضة بإدارة صندوق الأقساط والتعويضات) من مراقبة نتائج هذا التأمين، وسوء استخدام الحماية التأمينية من قبل المتضررين والضحايا وورثتهم والمحامين والقضاة. خبرة العديد من أسواق التأمين في العالم العربي، وهي خبر موثقة بالإحصائيات، تؤكد خسارة هذا الفرع من التأمين لكون قسط التأمين واطئاً جداً ولعدم وجود سقف للتعويض في الكثير من الحالات.

شركة تأمين كوردية؟

 تأسيس شركة للتأمين مسألة قانونية لا يختلف عن تأسيس أية شركة خدماتية تجارية، لكن هناك أيضاً شروطاً معينة ترد في معظم التشريعات الخاصة بالتأمين في مختلف أنحاء العالم تحدد قواعد ممارسة النشاط التأميني والإشراف والرقابة عليه، وهي في جوهرها تستهدف حماية المستهلكين (المؤمن لهم) من سوء التصرف بحقوقهم عند تحقق الخطر المؤمن عليه ـ أي عند المطالبة بالتعويض. إلا أن ما يحول دون التفكير في قيام شركة جديدة يتمثل بالأوضاع العامة: الانقسام السياسي، الاقتتال بين الأطراف المتصارعة والمختلفة في أهدافها وإيديولوجيتها، الألغام، التفجيرات، آثار التلوث والحروب والأسلحة الكيماوية على صحة وحياة الناس وبالتالي على معدل الأعمار. ثم هناك استشعار الحاجة للتأمين والطلب الفعّال له، فالقدرية وسوء فهم المفاهيم الدينية،[23] ووجود التعاضد الأسري والاجتماعي التقليدي، وإن بدرجات متفاوتة، وضعف الدخول الفردية، تحول دون إقدام الناس على طلب حماية التأمين. ويساهم عدم توفر رأس المال الضروري، وربما الكوادر المهنية، وإعادة التأمين والعملة الصعبة لتسديد أقساط إعادة التأمين في عدم التفكير بمأسسة التأمين. وكل هذا يبدو صحيحاً في الظاهر ولكنه يحتمل التحليل والتقويم والخروج من إطاره والعمل بإيجابية. وقد تنهض المناسبة ومع توفر المزيد من المعلومات للقيام بهذه المهمة بشكل أوسع ونأمل أن تكون الملاحظات التالية مقدمة مفيدة لمزيد من التأمل والدراسة. تتمتع المنطقة الكوردية منذ 1992 بإدارة مستقلة تتمثل بحكومة إقليم كوردستان، ولها "قواتها المسلحة" وأجهزتها الأمنية وسلطات تشريعية وقضائية. ويخضع الإقليم للقوانين العراقية ما خلا تلك القوانين والمراسيم والقرارات ذات الطبيعة العنصرية والتعسفية. وما يهم موضوع هذه الورقة هو العمل بالقوانين العراقية، مما يعني أن تأسيس شركة أو شركات تأمين كوردية خاصة أو مختلطة أو حكومية أو في صيغ أخرى يصبح ممكنا بفضل توفر الإطار القانوني له. ليس هناك إذاً، كما يبدو، عوائق قانونية تحول دون تأسيس شركة تأمين كوردية. كما أن قانون الشركات الجديد رقم 21 لسنة 1997 فتح المجال للقطاع الخاص للعمل في مجالات ثلاثة هي: التأمين والمصارف والاستثمار المالي. لكن الصعوبة الأساسية تكمن في توفير رأس المال لتأسيس هذه الشركة. فأين هو الرأسمالي المستعد للمغامرة في نشاط اقتصادي ربما لا يجد طلبا فعّالا عليه، وفي ظل ظروف غير مستقرة ولا يستطيع تقدير عوائد استثماره. إضافة إلى ذلك، هناك مشكلة تتمثل بصعوبة الحصول على حماية إعادة التأمين وهي ضرورية لأكثر من سبب: موازنة المحفظة الاكتتابية لشركة التأمين من خلال تحملها لعبء مسؤولية الأخطار الكبيرة، أي تمكين الشركة بالاكتتاب بتلك الأخطار التي تتجاوز حجم رأسمالها. توسيع المحفظة الاكتتابية الإجمالية لشركة التأمين المباشر دون اللجوء إلى زيادة رأس المال، كما تقضي بذلك الهيئات الرقابية لضمان حد أدنى للملاءة )عدم زيادة صافي الأقساط، مخصوما منها الأقساط المدفوعة لمعيدي التأمين عن نسبة معينة من قيمة رأس المال والاحتياطات الحرة). والاستفادة من خبرة معيد التأمين في المراحل الأولى لمزاولة العمل والاستهداء بمشورته الفنية وهذه تغطي مساحة واسعة تشمل، من بين عناوين أخرى، تقييم الأخطار القابلة للتأمين وتسعيرها ووضع الشروط المناسبة للتأمين عليها، والتعاون مع الشركة في تسوية المطالبات، وتسهيل مهمة الشركة في الاكتتاب بفروع جديدة للتأمين نوعيا وجغرافيا. قد تكون المحطة الأولى لطلب حماية إعادة التأمين هي الشركة العراقية لإعادة التأمين ألا أن انسحاب الإدارة المركزية ومؤسساتها من الإقليم سنة 1991 يلغي هذا الخيار الطبيعي والقانوني[24]. أما اللجوء إلى شركات إعادة التأمين العربية والأجنبية فليس ممكنا لأن قرارات مجلس الأمن تحول دون ذلك[25] وحتى لو افترضنا تخطي هذا الوضع،[26] فإن حماية إعادة التأمين تحتاج إلى تسديد أقساط الحماية بعملة صعبة ربما لن يكون متوفرا لدى شركة التأمين الجديدة. كل ذلك، على أي حال، لا يلغي الطموح بتأسيس شركة تأمين كوردية، كمشروع اقتصادي صرف تتطلبه التنمية الاقتصادية والاجتماعية للإقليم وكتأكيد في ذات الوقت على الإطار الفيدرالي، متى ما استرد العراق عافيته واستقرت الأوضاع في كوردستان العراق. ومن يدري لعل الحماس، إن اقترن بالوعي لأهمية التأمين في خدمة مصالح الناس في أرواحهم وممتلكاتهم ونشاطهم الاقتصادي، قد يدفع نحو تأسيس مثل هذه الشركة، حتى في ظل الظروف السائدة، بصيغة التأمين التبادلي، غير القائم أساساً على تحقيق الربح ما خلا الفائض المالي المناسب لمقابلة المصاريف وبناء الاحتياطيات وضمان الاستمرارية. لا تهدف هذه الورقة تقديم دراسة جدوى عن تأسيس شركة تأمين جديدة إلا أن الإشارة إلى هذا الطموح يستوجب التنبيه إلى أن الصيغة التبادلية لا تلغي ضرورة توفر حماية إعادة التأمين ولو بحدود معينة. إذا لم تكن هذه الحماية متوفرة محلياً أو من الخارج يجب البحث عن حلول أخرى ومنها وضع سقف لمسؤولية شركة التأمين مقابل التزاماتها التعاقدية تجاه المؤمن لهم مقروناً بقيام حكومة الإقليم بدور معيد التأمين.[27] نأمل أن نكون قد فتحنا من خلال هذه الورقة باب التساؤل والنقاش في الجدوى الاقتصادية لتأسيس شركة تأمين كوردية، هذا إن لم يكن الموضوع قد طرح فعلاً بين المعنيين. وحتى لو لم يكن الوضع الاقتصادي القائم كفيلاً بإدامة مثل هذا المشروع أو نجاحه بمقاييس الاستثمار الصرفة ـ تحقيق عائد معقول للمستثمرين سواء أكانوا من القطاع الخاص أو العام أو غيره ـ فإن مناقشته سيوسع إدراك المخاطر، بلغة التأمين، التي تهدد الهيئات الاقتصادية والتجارية. أي إن لم تكن الحماية التأمينية متوفرة فلينصرف الجهد إلى إدارة الخطر هندسياً والتفكير في الوسائل التي تساعد على ضمان استمرار الإنتاج والخدمات في حالة تعرضها للحوادث غير المتوقعة التي تسبب أضراراً وخسائر مادية للمنشآت تشلّها عن أداء وظائفها. وبعبارة أخرى يجب الخروج من إطار الاستجابة للأضرار والخسائر المادية عند وقوعها، كحالات طارئة واضطرارية، وهو الموقف التقليدي، والتحول نحو استباقها من خلال تحليل عناصر الخطر. مصباح كمال لندن تموز 2002

الهوامش

 [1] Holger L Ingberg, “Capital Formation and Economic Development: The Role of Financial Institutions and Markets” in Bernard Wasow and Raymond D Hill, editors, The Insurance Industry in Economic Development (New York: New York University Press, 1986), pp 107-119.

[2] ويقصد بالبنية المالية في هذا السياق ذلك الحقل من الميزانية العمومية أو بيان المركز المالي للشركات الذي تضم تفاصيل مصادر تمويل الأصول بضمنها الديون والأسهم.

[3] Doug Henwood, Wall Street (London: Verso, 1998), p 153

[4] هذه الفقرات مقتبسة من: Harry Magdoff & Paul Sweezy, Stagnation and Financial Explosion (New York: Monthly Review Press, 1978) pp 93-106.

[5] قد لا ينطبق هذا التوصيف على العراق ككل لكنه يعكس واقع كردستان العراق في ظل الحصار المزدوج. وبالطبع فإن عائدات الموارد النفطية والغازية الطبيعية في العراق تشكل المورد المالي الأهم إلا أننا نسقطه من الحساب. ونتبع في ذلك أطروحة د. صبري زاير السعدي حول المشروع الاقتصادي للتغيير الذي يقوم على ثلاثة محاور. الأول، سياسي يقوم على فهم معمق للديمقراطية، ولدور الدولة، والأحزاب السياسية في تمثيل المصالح المختلفة. الثاني، حصر الانتفاع من عائدات الموارد النفطية في "إقامة البنية الاقتصادية (المادية) والاجتماعية والبيئية الأساسية لخدمة المجتمع بجميع فئاته ومناطقه، بهدف تنويع مصادر الدخل القومي، والبدء بتأسيس متطلبات دولة الرفاهية .." الثالث، "اعتبار اقتصاد السوق وآليته في تعبئة وتوزيع الموارد بين الاستخدامات من أبرز الشروط الضرورية لتحفيز النمو الاقتصادي ولدعم التنمية الاجتماعية في البلاد." ’السياسة والاقتصاد في نظام الحكم الديمقراطي (الجديد) في العراق،‘ الملف العراقي، العدد 127 (تموز/يوليو 2002): 48-57. ويحيل الكاتب في هوامش دراسته القارئ إلى الدراسات الأخرى التي نشرها في معالجة جوانب مختلفة من تصوره للمشروع الاقتصادي للتغيير.
[6] يجب أن نسارع إلى القول إن هذا العرض ينطوي على تبسيط لآلية التأمين ولا يأخذ بعين الاعتبار القدرة على تمويل شراء الحماية التأمينية (قسط التأمين) أو توفير الموارد اللازمة للضمان الاجتماعي بما فيه الضمان الصحي. إن تحليلاً اقتصادياً للتأمينات الفردية، تمييزاً عن تأمين الشركات، يكشف الكثير عن البعد الطبقي لها. فبسبب ضآلة الدخل الفردي في العديد من البلدان النامية فإن الإقبال على شراء الحماية التأمينية يظلّ ضعيفاً. ولذلك نرى أن بعض المؤسسات في هذه البلدان تلجأ إلى ترتيب عقود التأمين الجماعي على حياة منتسبيها.

 [7] يمكن أن ينشأ هذا الوضع بغض النظر عن طبيعة الأنظمة الاقتصادية. يذكر ماركس، على سبيل المثال، في مناقشته لصورة المجتمع في المستقبل، أن الناتج الاجتماعي الإجمالي يجب أن يستقطع منه: "أولاً، ما يغطي استبدال وسائل الإنتاج المستهلَكة. ثانياً، حصة إضافية لتوسيع الإنتاج. ثالثاً، صندوق احتياطي أو تأميني للتحوط ضد الحوادث، الاختلالات التي تسببها الكوارث الطبيعية .. إلخ." وهو يدخل هذه الاستقطاعات في باب الضرورة الاقتصادية. أما "مقدارها فيتقرر حسب الوسائل والقوى المتوفرة وإلى حد ما بحساب الاحتمالات .." Karl Marx, Critique of the Gotha Programme (New York: International Publishers, 1938), p 7.

[8] هناك شحة في دراسة الموضوع علمياً. ولعل دراسة د. عبد الزهرة علي، حسب علمنا، لا تزال تحتفظ بأهميتها: Abdul Zahra Abdullah Ali, Insurance Development in the Arab World: Available Domestic Retention Capacity and Demand for International Reinsurance (London: Graham & Trotman, 1985) Ch 6, pp 190-222.

[9] technical reserve احتياطي خاص لمقابلة المطالبات في جميع الأوقات وذلك لأن توقيت المطالبات غير معروفة مسبقاً. ويتدخل المشرّع لوضع الضوابط في احتساب هذا الاحتياطي. وقد تشمل: احتياطي الأقساط غير المكتسبة unearned premium reserve ويغطي الأخطار التي تتحملها شركة التأمين بعد انتهاء السنة المحاسبية بموجب عقود التأمين المبرمة قبل انقضاء السنة. واحتياطي الأخطار غير المنتهية unexpired risk reserve وتحتسب عندما تزيد قيمة التعويضات الموقوفة عن قيمة الأقساط غير المكتسبة. احتياطي التعويضات الموقوفة المُبلَّغ عنها خلال السنة ولم تخضع بعد للتسوية النهائية outstanding claims reserve. احتياطي المطالبات عن الخسائر التي يفترض أنها وقعت ولم تُبلَّغ بها شركة التأمين incurred but not reported reserve. احتياطي للكوارث catastrophe reserve. وقد تنشأ الحاجة لاحتياطيات أخرى لموازنة التقلبات في المطالبات من سنة إلى أخرى claims equalisation reserve

 [10] free reserve تمثل الفرق بين أصول الشركة والاحتياطيات الفنية لمقابلة المطالبات. وهي تعمل على موازنة المركز المالي للشركة تجاه التقلبات في حركة التعويضات نحو الأسوأ مثلما هو الحال عند وقوع الكوارث، وعدم توفر حماية إعادية كافية، والخسائر المترتبة على الاستثمارات. ووجود هذه الاحتياطيات الحرة ضرورية لضمان الملاءة المالية لشركة التأمين.

[11] بسبب طبيعة العمل الذي تقوم به شركة التأمين ـ الالتزام بالوفاء بما تعاقدت عليه مع المؤمن له لتوفير الأمان المالي له أو لورثته في المستقبل عند وقوع حادث معين ـ تصبح الملاءة المالية للشركة مسألة في غاية الأهمية. ولذلك يلجأ المشرّع إلى تعريفها بصرامة قد لا تنطبق على الشركات التجارية الأخرى. ولهذا لن يكتفي التشريع أن تكون أصول الشركة كافية لتغطية المسؤوليات المتعاقد عليها بل يجب أن تزيد بهامش معين، وحسب معادلات معينة عن الأقساط والتعويضات، وخلافاً لذلك فإن شركة التأمين تجبر على تصفية أعمالها وتتوقف عن الاكتتاب بأعمال جديدة. أنظر: Jim Bannister, Insurance Solvency Analysis (London: LLP Ltd, 1997)

[12] هذا لا يعني انعدام الوسائل بالكامل، فقد عمدت شركة التأمين الوطنية، إثر الهبوط الفاحش في سعر الدينار العراقي في أعقاب حرب الخليج الثانية، إلى حماية الأصول النقدية المتراكمة لديها من خلال توظيفها في شراء العقارات وتأجيرها. مثل هذه السياسة تساعد في حماية الأصول النقدية ضد التآكل التضخمي إلا أن الإسراف في اللجوء إليها يعرض السيولة النقدية لشركة التأمين إلى خطر عدم توفر الأموال الكافية لمواجهة طلبات التعويض وخاصة عند حدوث الكوارث وانعدام التدفق النقدي من معيدي التأمين. وبالنسبة لسوق التأمين العراقية فقد توقفت جميع اتفاقيات إعادة التأمين بعد الاجتياح العراقي للكويت وبموجب قرار مجلس الأمن 661 الصادر في 6 آب/أغسطس 1990.

 [13] استفدنا هنا، كما في أجزاء أخرى من هذه الورقة، في كتابة بعض هذه الفقرات من الأفكار الواردة عند Raymond D Hill, “Insurance & Financial Intermediation,” in Wasow and Hill, ed., op cit, pp 120-134.

 [14] أهمية قطاع التأمين في الاقتصاد الوطني لأي بلد يقاس من خلال مؤشرين: التغلغل التأميني insurance penetration والكثافة التأمينية insurance density. يقصد بالتغلغل التأميني نسبة دخل أقساط التأمين إلى الناتج المحلي الإجمالي، وهو بذلك يؤشر على أهمية قطاع التأمين في الاقتصاد الوطني وتطور هذا القطاع بالنسبة للاقتصاد الوطني ككل. فإذا كانت هذه النسبة مرتفعة فإن ذلك يعني أن قطاع التأمين ينمو بسرعة أكبر من سرعة نمو الاقتصاد الوطني. أما الكثافة التأمينية، فهي تعني إنفاق الفرد على شراء الحماية التأمينية، وبالتالي فهي تعبر عن إجمالي أقساط التأمين المتحقق في البلد منسوباً إلى عدد السكان. وتدل الإحصائيات على أن الكثافة التأمينية في البلدان المتقدمة تفوق كثيراً ما يماثلها في البلدان ضعيفة النمو. فقد جاء في دراسة لاتحاد المصارف العربية، عرضت في ندوة عقدت في بيروت، أن معدل إنفاق الفرد على التأمين في العالم العربي هو 120 دولار مقارنة بـ 500 دولار في جمهورية جنوب أفريقيا و 5000 دولار في اليابان. أنظر: Insurance Day, (London, 5 July 2002): 3

[15] جاء في دراسة للشركة السويسرية لإعادة التأمين عن واقع التأمين في أمريكا اللاتينية أن "البيئة الاقتصادية والسياسية تؤثر بأشكال متباينة على نمو صناعة التأمين. فالبيئة المستقرة نسبياً وثقة العملاء في الحصول على منافع ذات قيمة حقيقية عند وقوع الخسارة تشكل عوامل جوهرية في التأثير على قرار شراء وثائق التأمين. فقد ساهم الهبوط في معدلات التضخم خلال العقد الأخير [عقد التسعينات] في نمو صناعة التأمين، واستفاد التأمين على الحياة بشكل خاص، والذي غالباً ما تستمر عقوده لعدة سنوات، من هذا النمو." أنظر: Swiss Re, ‘Insurance in Latin America: growth opportunities and the challenge to increase profitability,’ Sigma, (Zurich: no. 2/2002): 15.

[16] تفرض العديد من الدول ضريبة مباشرة على أقساط تأمين العديد من الوثائق والتي يدفعها المؤمن لهم. وقد تستثني وثائق التأمين على الحياة من هذه الضريبة لتشجيع الناس على اقتنائها. ففي إيطاليا، على سبيا المثال، تستوفي الخزينة ما يزيد عن 20% عن قسط كل وثيقة تأمين على الممتلكات.

[17] يشير ميكائيل ليزينبيرغ، الأستاذ في جامعة امستردام، إلى أن هذه الميزانية أقلّ من ميزانيات الحزبين الرئيسين وكذلك ميزانيات منظمات المساعدات الأجنبية. Dr Michiel Leezenberg, “Democratization in Iraqi Kurdistan: Achievements, Prospects and Constraints,” in Prospects for Democracy in Iraq, a one-day seminar held at SOAS, London, 15 January 2002, by the Iraqi Institute for Democracy (Erbil). For full text see: http://www.iraq-democracy.org/transcript.htm

 [18] حسب البيانات التي أوردتها المهندسة نسرين صديق برواري، وزيرة الإعمار والتنمية لإقليم كردستان العراق، أربيل، في محاضرة في معهد الشرق الأوسط في واشنطن في منتصف حزيران 2002. صحيفة بغداد، العدد 477، (5 تموز/يوليو 2002): 5.

[19] يمكننا التمييز بين "التهريب الرسمي" و "التهريب غير الرسمي." والأخيرة تحاول تجاوز الإجراءات على النقاط الحدودية بغية التهرب من تسديد الرسوم الكمركية المستحقة، وهي بذلك تحرم حكومة الإقليم من مورد مهم. وهذا الوضع هو موضوع مباحثات وإجراءات مشتركة مع دول الجوار وخاصة إيران.

[20] من المفترض أن تكون المنافسة قد توسعت بعد صدور التعليمات رقم 12 لسنة 1999 (تعليمات ممارسة التأمين وإعادة التأمين) من وزارة المالية بشأن ممارسة النشاط التأميني وبعد صدور قانون الشركات الجديد رقم 21 لسنة 1997 الذي فتح المجال أمام القطاع الخاص لممارسة العمل المصرفي، والتأمين وإعادة التأمين والاستثمار المالي. على إثر صدور هذه التعليمات أجيزت في بغداد أربع شركات مملوكة للقطاع الخاص لممارسة النشاط التأميني المباشر وهي: شركة التأمين الأهلية، شركة الأمين للتأمين، شركة دار السلام للتأمين وشركة الحمراء للتأمين. أنظر: فواز [فؤاد] عبدالله عزيز، "الوضع الراهن لسوق التأمين العراقية" الرائد العربي، العدد 73 (الربع الأول، 2002): 56-58 [مجلة فصلية تصدرها شركة الاتحاد العربي لإعادة التأمين في دمشق]

 [21] صحيفة الاتحاد، العدد468 (12/4/2002): 1.

[22] أتيت على ذكر هذا الموضوع في ورقة بعنوان "مقتربات لدراسة آثار السيارة وتأمين المسؤولية المدنية" لـ "ندوة التأمين الإجباري للسيارات: مشاكل الحاضر وآفاق المستقبل" نظمتها شركة ليبيا للـتأمين في بنغازي، تشرين الأول/أكتوبر 1999، ونشرت في مجلة الرائد العربي، العدد 65 (الربع الرابع، 1999): 21-34.

[23] ونعني بها مفاهيم الشريعة الإسلامية بشأن الربا والغَرَرْ التي تطبق أحياناً بشكل تعسفي على المعاملات التجارية الحديثة لتحريم ممارسة التأمين. مقابل ذلك هناك محاولات جادة لتأصيل التأمين التجاري ليكون منسجماً مع قواعد الشريعة تارة باسم التأمين الإسلامي أو التأمين التعاوني وتارة باسم التكافل. وهناك شركات في العديد من البلاد العربية والإسلامية تعمل بوحي من هذه المفاهيم الإسلامية الخاصة بالمعاملات. راجع: Institute of Islamic Banking & Insurance, Directory of Takaful (Islamic Insurance) 2000 (London: Institute of Islamic Banking & Insurance, 1999)

[24] بمقتضى القانون يجب على كل شركة تأمين عراقية إسناد حصة إلزامية من أعمالها للشركة العراقية لإعادة التأمين.

[25] هيئات الأمم المتحدة المعنية بالوضع الإنساني في كردستان تستطيع تأمين مشاريعها بشكل مباشر في السوق العالمي للتأمين إذ أن عقود هذا المشاريع تلزم المقاول المنفذ تأمين المشروع أثناء النقل البحري والبري والتشييد والاختبار التجريبي. أي أن المقاول ليس ملزماً بالتأمين مع شركة تأمين محلية أولا، كما يقضي القانون العراقي، والتي تقوم بدورها بإعادة التأمين في الخارج. وخير مثال على ذلك هو قيام برنامج الأمم المتحدة للتنمية UNDP سنة 1999 باستدراج العروض من الشركات العالمية المتخصصة لتجهيز وتركيب واختبار ثلاث مولدات ديزل بطاقة 29 ميغاواط في محافظات أربيل ودهوك والسليمانية. وقد رست المقاولة، وكانت بحدود 130 مليون مارك ألماني، على شركة دانماركية. ولعل الإجراء ذاته ينطبق على الشركات التركية التي قامت بتنفيذ بعض المشاريع: السوبر ماركت في دهوك سنة 2000 ومدينة الألعاب في دهوك أيضا الذي افتتح في 2002. إذ أن هذه الشركات، إذا كانت معنية بأهمية التأمين، أو أن عقود الإنشاء المعدة من قبل أصحاب المشروع تُلزم المقاول بالتأمين، ربما قامت بإجراء الـتأمين خارج كردستان العراق مع شركات تأمين تركية. وليست هناك معلومات متوفرة لنا تفيد في إلقاء بعض الضوء على هذا الوضع.

[26] المعلومات المتوفرة لدينا تشير إلى عدم استعداد شركات التأمين العالمية في سوق لندن وغيرها من مراكز التأمين العالمية
تأمين المشاريع الصناعية العراقية المتعاقد عليها ضمن برنامج النفط مقابل الغذاء. فمشروع محطة كهرباء اليوسفية التي أحيل تنفيذها على شركة مقاولات روسية لم تحظى بحماية التأمين من الأسواق العالمية. ومرد ذلك إحجام شركات التأمين العالمية بالاكتتاب بأخطار تأمينية في المناطق التي تصنف على أنها غير مستقرة، ويصعب فيها السيطرة على الخطر من خلال المعاينة الهندسية الميدانية أو عند تسوية المطالبات بالتعويض، وسهولة الدخول والخروج والوصول إلى مواقع العمل وغيرها من الاعتبارات الاكتتابية.

 [27] قد يبدو هذه الاقتراح غريباً للبعيدين عن نشاط إعادة التأمين لكنه ليس كذلك. فتأمين خطر الزلازل أو الإرهاب يخضعان في عدد من الدول إلى حماية إعادية من قبل خزينة الدولة (كما هو الحال بالنسبة لتأمين الزلازل في اليابان) بعد استنفاذ السقف التأميني المباشر المكتتب به من قبل شركات التأمين أو من قبل هيئة تأمين حكومية تتولى إدارة هذه الحماية (كما هو الحال بالنسبة لتأمين خطر الإرهاب في المملكة المتحدة، لما زاد عن حدود معينة، من قبل Pool Re التي بدأت العمل، ومازالت، منذ 1993 بعد أن نقل الجيش الجمهوري الأيرلندي عملياته إلى الأراضي البريطانية)

ليست هناك تعليقات: