ملاحظة حول مستقبل شركة إعادة التأمين العراقية
مصباح كمال
يمكن الاقتباس من هذه المقالة وتوزيعها ونشرها شريطة الإشارة إلى المصدر.
تنويه
قبل نشر المقالة في المدونة عرضت مسودتها على إدارة شركة إعادة التأمين العراقية للاطلاع عليها وتصويب ما جاء فيها والإضافة إليها بالشكل الذي ترغبها. وقد ردت إدارة الشركة برسالة إلكترونية في 21/4/2008 بالقول:
"نود أن نحيطكم علماً اننا تلقينا باهتمام المقالة المرسلة إلينا والتي تعبر عن منظوركم الخارجي ولدينا بعض الملاحظات قد لا تتطابق مع ما ورد فيها كونها بعيدة عن الواقع التأميني الفعلي للسوق العراقية."
تأسست شركة إعادة التأمين العراقية بموجب القانون رقم 21 لسنة 1960، وحتى سنة 1988 كانت تتمتع بإسناد حصة إلزامية من محافظ شركة التأمين الوطنية وشركة التأمين العراقية. وبعد إنهاء الإسناد الإلزامي سنة 1988 استمرت شركة التأمين الوطنية وشركة التأمين العراقية إسناد الأعمال للإعادة العراقية ربما استمراراً لتقليد قائم أو التزاماً مضمراً بميل وطني لتعزيز مكانتها كشركة إعادة عراقية.
تميز التاريخ الماضي للشركة، خاصة في سبعينات القرن الماضي، بمزايا نجملها بما يلي:
موظفين أكفاء لهم معرفة جيدة باللغة الإنجليزية يعملون مع إدارة عليا ذات قدرات فنية عالية تعمل على بناء الشركة، مستلهمة ممارسات شركات إعادة التأمين العريقة. وهذا يفسر إلى حد ما السمعة الجيدة التي كانت تتمتع بها في أسواق التأمين العربية وأسواق دول العالم الثالث. واقترن ذلك باحتفاظ عالي نسبياً للأخطار، مقارنة بمثيلاتها في العالم العربي، منسجمة في ذلك مع واقعها كشركة إعادة وليس مجرد وعاء لأقساط التأمين، وخاصة الإلزامي منه الصادر من شركات التأمين العراقية المباشرة، أو آلية لتحويل الأقساط إلى الأسواق الخارجية. التوجه المهني الفني وجد بعضاً من تطبيقاته في تحليل حسابات شركات التأمين وإعادة التأمين التي كانت تتعامل معها، والبدء بتطوير خدمات إضافية في تقييم الأخطار وتحديد الاحتفاظ كالكشف الميداني الهندسي.[1] وكغيرها من شركات إعادة التأمين كانت إدارة الشركة، ورغم تقييدات النظام الحكومي[2] وبعضها كان فضاً، توفد موظفيها في زيارات لزبائنها. وقد نالت لقاء ذلك احترام الشركات التي كانت تتعامل معها.
سنوات الحصار الأممي الظالم لشعب العراق (1990-2003) وفر للشركة فرصة الاستمرار في العمل من خلال حماية الشركتين الحكومتين وفيما بعد شركات القطاع الخاص وبالتعاون معها. فبفضل وضع سقف للحماية، المباشرة والإعادية، استطاعت الشركة الاحتفاظ بالأخطار المكتتبة لحسابها بعد امتناع شركات إعادة التأمين العالمية توفير الغطاء لها امتثالاً لقرارات الحظر. وتعرضت أرصدة الشركة المودعة في مصرف الرافدين في لندن إلى التجميد.[3]
بعد الغزو والاحتلال الأمريكي وسقوط النظام الدكتاتوري في 9 نيسان 2003 استمرت الترتيبات التي نظمت إبان فترة الحصار مع تطور جديد تمثل بإعادة الارتباط بأسواق التأمين العالمية. إذ تقوم الشركة، وما زالت، بترتيب الاتفاقيات وتقوم شركات التأمين المباشر بإعادة أخطارها اتفاقياً واختيارياً لدى الإعادة العراقية.
في الظروف العادية، عندما يكون الوضع مستقراً وآمناً، فإن الوضع المميز لشركة إعادة التأمين العراقية تجاه شركات التأمين المباشر في العراق كان سيتأثر سلباً بسبب الميل الموجود لدى هذه الشركات، وبغض النظر عن أي موقف تجاهها، للتعامل مع شركات إعادة التأمين الأجنبية دون المرور من خلال الإعادة العراقية. سنوات الحصار الطويلة وإفرازات الغزو الأمريكي وفر للشركة فرصة الاستمرار. لكن هذا الوضع سوف لن يبقى على حاله، فشركات التأمين المباشر، ومع تحسن الأوضاع الأمنية وتزايد الاستثمار، ستوسع محافظها وتقيم علاقات جديدة مع معيدي التأمين والوسطاء الدوليين - هذا إذا لم تتأسس شركة إعادة تأمين جديدة أو فرعاً لمعيد تأمين أجنبي[4] يكتسح دور شركة إعادة التأمين العراقية. نحن نفترض هنا أن الوضع القانوني والتنظيمي للشركة سيبقى كما هو عليه الآن – أي شركة عامة ذات تمويل ذاتي.
نتوقع، اعتماداً على هذا العرض، أن تقوم شركات التأمين المباشر في أول الأمر بالضغط على الإعادة العراقية لتحسين شروط وأسعار التعامل معها ضمن الترتيبات القائمة ومن ثم التحول للتعامل مع شركات الإعادة الأجنبية.
في الوقت الحاضر لا نلاحظ تهافتاً من شركات إعادة التأمين العالمية للاكتتاب في اتفاقيات شركات قاعدة رأسمالها ضعيفة وحجم أقساطها صغير وتعاني من شحة في الكوادر والقدرات الاكتتابية يضاف إلى ذلك عدم التجانس في معظم محافظ التأمين.
حسب المعلومات المتوفرة لدينا فقد جرت بعض المحاولات من قبل بعض شركات التأمين للبحث عن إمكانية ترتيب اتفاقيات خاصة بها إلا أن هذه المحاولات لم تتكل بالنجاح وانكفأت هذه الشركات على الاستمرار في اعتمادها على برنامج إعادة التأمين الاتفاقي الذي تديره شركة إعادة التأمين العراقية. لكن هذا الوضع لن يبقى ثابتاً بفضل النمو المستمر، على ضعفه، لأقساط التأمين والشكوى المضمرة من بيروقراطية وخدمات شركة إعادة التأمين العراقية.
إزاء هذا الوضع لا يبدو أن الشركة قد قامت بدراسة أوضاع السوق العراقي دونكم اتخاذ الإجراءات الكفيلة للمحافظة على ولاء الشركات المباشرة أو البدء بإجراءات الحصول على تصنيف لها rating classification من قبل إحدى هيئات التصنيف المعروفة. لربما يبدو أن مسألة التصنيف أمر نافل وهو ليس كذلك في ظل التطورات الحاصلة على المستوى العالمي ما خص منها بدء المفاوضات بين الحكومة العراقية ومنظمة التجارة الدولية (وهو موضوع نأمل أن نكتب عنه في وقت لاحق هذا إذ لم يبادر الغير للكتابة فيه) أو الالتزام بمعايير التصنيف التي تتطلبها الجمعية الدولية لهيئات الإشراف على التأمينInternational Association of Insurance Supervisors (IAIS) خاصة وأن ديوان التأمين العراقي قد أنضم إلى عضوية هذه الجمعية. وما يستوجب الاهتمام أن المعايير المعتمدة من الجمعية، وبالتالي الديوان، تؤكد على قيام شركات التأمين المباشر شراء حماية إعادة التأمين من شركات إعادة تتمتع بتصنيف مناسب حفاظاً على مصالح المؤمن لهم.
كما أن الطاقة الاستيعابية لبعض الاتفاقيات التي أبرمتها الشركة مع معيدي التأمين العالميين ليست كافية كما هو الحال مع اتفاقية الهندسي إذ تضطر معها شركات التأمين المباشر الرجوع إلى المعيد بعد تجاوز الحد الأعلى للاتفاقية.
إن لم تقم شركة إعادة التأمين العراقية بوضع خطة محكمة - ترصد الواقع الحالي لسوق التأمين العراقي وتأخذ بعين الاعتبار التطورات المرتقبة، سواء ما تعلق منها بالأطر القانونية وقواعد الإشراف أو عمل الشركات المباشرة وإعادة ترتيب علاقاتها الإعادية – فإنها ستخسر كثيراً فيما يخص إيراداتها و "ريادتها" الحالية المقحمة عليها من باب الاضطرار وليس الاختيار.
نعتقد بأن هذه الملاحظة غير مكتملة وهي بحاجة إلى إضافات، وربما التصويب، من العارفين بشؤون الشركة عن قرب. نأمل أن نقرأ لهم ما يفيد إغناء الموضوع خدمة للمصالح المشتركة للشركات العاملة في سوق التأمين العراقي.
مصباح كمال
لندن، 14 نيسان 2008
الهوامش
[1] أذكر اثنين من المهندسين هما سمير شمعان وكمال الريس. ولعل شمعان كان رائداً في إعداد تقاريره الفنية سواء ما تعلق منها بالمعاينة الميدانية للأخطار أو تسوية المطالبات إذ أنه كان يتبع منهج أقرانه في الشركات الأوروبية. أذكر أنه أعد دراسة هايدروليكية لتحديد تعرض مناطق العراق لأخطار الفيضان وقد وزعها علينا المرحوم مؤيد الصفار عندما كان مديراً لقسم التأمين الهندسي في شركة التأمين الوطنية.
[2] عندما نأتي على ذكر محاسن الشركة يجب أن لا ننسى أنها كنت تدير أعمالها وشؤون موظفيها في ظل نظام دكتاتوري شمولي قمعي وتعسفي ليس أقلها التدخل في سفر الموظفين، ملاحقة غير الموالين للنظام .. الخ. نتمنى أن يقوم أحد شيوخ شركة إعادة التأمين العراقية بالكتابة عنها وهمومها في تلك المرحلة. ترى ما الذي حدا بالدكتور مصطفى رجب أن يترك الشركة وهو من مؤسسيها؟ نزعة التدخل ما زالت قائمة فوزير المالية لم يوافق على سفر مدير عام الشركة إلى المنامة لحضور المؤتمر السابع والعشرون للاتحاد العام العربي للتأمين. أنظر بهذا الشأن مصباح كمال "مشاركة سوق التأمين العراقي في المؤتمــر العـام السابــع والعشـرون للاتحـاد العـــام العربي للتأميـــن، المنامة، البحرين، 26-28/2/2008" المنشور في 13/2/ 2008 في هذه المدونة http://misbahkamal.blogspot.com/2008_02_01_archive.html
[3] لمزيد من التفاصيل راجع: مصباح كمال "التأمين في العراق وعقوبات الأمم المتحدة" فصل نشر ضمن كتاب جماعي: دراسات في الاقتصاد العراقي (لندن: المنتدى الاقتصادي العراقي 2002) ص 79-81.
[4] قانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005 يجيز للشركات الأجنبية فتح الفروع وهو في غير صالح شركات التأمين وإعادة التأمين العراقية. وقد قمنا كما قام غيرنا بالإشارة إلى هذا الأمر غير مرة. راجع، على سبيل المثال فيما يخص قطاع التأمين السعودي والسوري، جوزف زخور،"التأمين في عصره الجديد في سوريا والسعودية" البيان الاقتصادية، العدد 437، نيسان/أبريل 2008، ص 146. يذكر الكاتب أن مؤسسة النقد العربي السعودي، المسؤولة عن مراقبة النشاط التأميني، راعت مساهمة المستثمرين الأجانب في شركات التأمين السعودية لكنها "لم تأذن للشركات الأجنبية بافتتاح فروع مباشرة لها في المملكة بل أجازت لها المساهمة في شركات سعودية تتعاطى التأمين والإعادة والوساطة أوغيرها من الخدمات التي تخضع للنظام التعاوني الجديد. بكلام آخر، أخضعت المملكة المستثمرين غير السعوديين، للقانون الذي يرعى التأمين التعاوني بكافة أحكامه، وتعاملت معهم على قدم المساواة مع المستثمرين السعوديين"
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق