إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

2008/03/31

التأمين في كوردستان العراق بين حكومة الإقليم والدولة الفيدرالية مصباح كمال
أرجو قراءة هذه الورقة في سياق الفترة التي كتبت فيها، كما أدعو إلى قرائتها نقدياً وتقويم ما جاء فيها من خطأ أو نقص. الخلفية: ملاحظات عامة غياب قطاع تأمين كردي. حتى وقت قريب لم يوجد قطاع تأمين كردي بالمعني الضيق[1] فلم تتأسس في الماضي (1950-2003) شركة/شركات تأمين كردية، في رأسمالها أو كوادرها، وكان جلّ النشاط التأميني مقصوراً على فروع ومكاتب شركة التأمين الوطنية والشركة العراقية للتأمين، التابعتين للدولة، وتوقفت هذه عن العمل بعد قرار النظام الدكتاتوري بسحب مؤسسات الحكومة المركزية من كردستان العراق في تشرين الأول 1991. وسائل تقليدية للحماية من آثار الخطر. المجتمع الكردي كغيره من مجتمعات الدول النامية يمتلك وسائل الإحسان والإعانة التقليدية ضد النوائب التي تصيب الأفراد والأسر. لكن هذه الوسائل ليست مضمونة، وحالة الفقر العام لا تسعف في التخفيف الحقيقي من غلواء ما يلحق بالأفراد والأسر من ضرر مادي أو الفجيعة في فقدان المعيل. فالتعاضد الأسري محكوم بحجم الدخل المتوفر وهو ضئيل وليس قابلاً دائماً للتوزيع على الغير، ولا نستطيع الحكم على الدور الذي يلعبه العرف (البر بالوالدين والتضامن مع الجيران) أو بعض أدوات الشريعة الإسلامية (صندوق الزكاة، والصدقات، والأوقاف) أو صندوق القبيلة في تعويض من تصيبه نائبة. يمكننا القول هنا، ومن باب التعميم، إننا أمام وضع غير ثابت وغير مؤسسي، فيما يخص وسائل التخفيف من آثار النوائب (تمويل الخطر في مصطلح علم إدارة الخطر)، وهذه الوسائل لا تشكّل بديلاً عن مؤسسة التأمين، بشكله التجاري أو التعاوني. آلية التأمين العصرية، في بعدها الاقتصادي، هي مؤشر على مدى تطور المجتمع في التعامل مع الأخطار البشرية والطبيعية. فقر الاهتمام بالتأمين. ولم يَنَل موضوع النشاط التأميني في كوردستان العراق اهتماماً من أصحاب القرار السياسي والاقتصادي، ولم يلقَ عناية من الاقتصاديين والقانونيين أو المعلقين على الأوضاع العامة في الإقليم. وهكذا فإن الوعي بالتأمين على المستوى الفكري والعام يكاد أن يكون مفقوداً. نقرأ العديد من التقارير والدراسات الاقتصادية عن الإقليم لكن اسم التأمين لا يرد فيها. لا يوجد كتاب بالكردية عن التأمين. قيل لنا أن هناك ترجمة كردية لكتاب عن التأمين لا نعرف تفاصيله سوى أن النص المترجم لا يتسم بالسلاسة وهو لذلك قليل الفائدة ـ أو هكذا هو الرأي الذي نقل إلينا. لكننا نقول ربما تكون هذه أولى الخطوات للتعريف بالتأمين باللغة الكردية[2] فللمترجم أو المترجمة فضل الريادة رغم قصور الترجمة التي يمكن تحسينها بالتعرف على المفاهيم التأمينية عن قرب وتنقيح الترجمة وتأسيس توجهٍ واعٍ للتقريب بين السورانية والكرمانجية فهذه، نعني التأمين، أرض بكر لنحت المصطلحات الجديدة الخاصة به. أول شركة تأمين كوردية؟ بدأ الوضع يتغير تدريجياً بعد انسحاب مؤسسات الحكومة المركزية من الإقليم. ونشير هنا إلى بوادر قيام "شركة تأمين" كردية مقرها الرئيسي الحالي في أربيل هي شركة ستار كار للتأمين. وهي لم تكن شركة تأمين بالمعنى الضيق عند تأسيسها. ترجع بدايات هذه الشركة إلى الفترة التي تزامنت مع سحب الحكومة المركزية لجميع المؤسسات الرسمية من الإقليم. وكان عملها وحتى سنة 2004 بدائياً ولم يكن تأميناً بالمعني المتعارف عليه، أي جباية قسط تأمين لقاء خطر مؤمن عليه كمقابل للتعويض عن ضرر مؤمن عليه بموجب عقد مكتوب بين المؤمن والمؤمن له. كان العمل محصوراً بمكتب موجود في منفذ إبراهيم الخليل الحدودي يقوم بجباية رسم قيمته خمس دولارات عن كل مركبة أجنبية تدخل الإقليم ـ أي أن هذا الرسم لم يكن قسطاً للتأمين بل أقرب إلى ضريبة جمركية بسيطة ولم يدخل تعويض الأغيار المتضررين في أبدانهم أو أموالهم من جراء هذه المركبات في حسابات المكتب. واستمر هذا الوضع لحين تعيين مدير عام مؤهل في شؤون التأمين من قبل إدارة أربيل (؟) قبل سنتين (2004) ليقوم بمهمة تطوير عمل الشركة. وقد وضع المدير الجديد لبنات إعادة تأسيس الشركة وفق ضوابط فنية ما زالت في أول عهدها. وينحصر عمل شركة ستار كار بالتأمين على المركبات الأجنبية[3] وخاصة الداخلة من تركيا. تقوم شركة ستار بجباية قسط على جميع المركبات الأجنبية الداخلة إلى الإقليم من منفذي إبراهيم الخليل (الحدود التركية) وحاجي عمران (الحدود الإيرانية) على النحو التالي: 10 دولار للتاكسيات 20 دولار سيارات اللوري (الشاحنات) 35 دولار لناقلات النفط ومشتقاته وهذه الأقساط مطابقة لما تستوفيها شركة التأمين الوطنية من المنافذ الحدودية. هذه الحدود الدنيا للأقساط لا تطبق بالكامل على منفذ حاجي عمران وليست لدينا معلومات دقيقة عن جدول الأقساط المطبقة فيه. وتغطي الشركة المسؤولية المدنية تجاه الطرف الثالث (أضرار بدنية، بما فيها الوفاة، وأضرار الممتلكات) وبحد أقصى مقداره 10,000دولار. وهذا السقف التعويضي مستقى أيضاً من شركة التأمين الوطنية في تطبيقها لقانون التأمين الإلزامي على السيارات. ليس لدى هذه الشركة اتفاقية إعادة تأمين لحماية محفظتها من الخسائر التي قد تتعرض لها وخاصة الخسائر ذات الطبيعة الكارثية التي تؤدي إلى تراكم حجم المطالبات نتيجة حادث واحد كأن تتضرر مجموعة من الأشخاص والممتلكات المادية نتيجة حادث واحد في مرأَب للمركبات. الأرباح المتحققة من الأقساط المستحصلة توزع بين حكومة الإقليم (وزارة المالية)، بواقع 10% لصالح الوزارة في نهاية كل سنة مالية، وأصحاب الشركة. شركة تأمين كوردية جديدة. وأوردت إحدى وكالات الأنباء العراقية خبراً عن تأسيس شركة تأمين كردية جديدة باسم مؤسسة آرام للتأمين "تابعة لمجلس الوزراء لحكومة إقليم كردستان – إدارة أربيل .. تعمل في مجال التأمين على السيارات والأشخاص والمواد التي تنقل براً وبحراً وكذلك على موظفي وممتلكات القوى والشركات الأجنبية التي تعمل في كردستان."[4] ولا نزعم معرفة بصحة التفاصيل في هذا الخبر. وليس معروفاً من هو معيد التأمين الاتفاقي لهذه الشركة: هل هي شركة إعادة التأمين العراقية (التي توفر حالياً الحماية الإعادية لجميع شركات التأمين العراقية، الخاصة والعامة، بسبب غياب إعادة التأمين الدولية للشركات منفردة) أم شركات إعادة تأمين أخرى؟ كما أن المعلومات ليست متوفرة عن رأسمال هذه الشركة. وعلى أي حال، هي في أول عهدها وقد تظهر المعلومات عنها وحجم أعمالها مع مرور الزمن. الملاحظ عن هذه الشركة، وكما يرد في الخبر، هو أنها تابعة لإدارة أربيل أي أنها شركة حكومية، فهل هذا تعويض عن عدم توفر حماية إعادية في الوقت الحاضر أم أنه توجه رسمي ليكون للحكومة شركة تأمين مملوكة لها إضافة إلى مشاركتها في شركة ستار كار للتأمين؟ الصورة غير واضحة وتستحق المتابعة خاصة وأن هيئة تشجيع الاستثمار تعمل على استقطاب المستثمرين من داخل وخارج العراق على الاستثمار في الإقليم. وليست هناك معلومات عن تعاون الشركة الجديدة مع شركة ستار كار للتأمين ومن شأن هذا التعاون، إن قام، تطوير قطاع التأمين في الإقليم والدفع باتجاه ممارسة التأمين بأسسه الفنية والتزاماته القانونية والرقابية تجاه المؤمن لهم. وهذا التطوير يستلزم، من بين أمور أخرى، الالتزام بقانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005 إذ أن الشركتين تعملان بدون غطاء قانوني تأميني غير الشرعية المستمدة من دعم إدارة الإقليم ووزارة ماليتها. شحة الكوادر. يعاني الإقليم من شحة في الكوادر التأمينية الكردية المدربة. هذه الكوادر المدربة كانت موجودة في الماضي، وقد قاربت أو تجاوزت سن التقاعد، وهي موجودة خارج الإقليم وخاصة في بغداد ويذكر أن البعض من هؤلاء قد ترك بغداد للعمل في للإقليم. يستدعي هذا الوضع استنباط الوسائل والقنوات المناسبة لتطوير المهارات، ويمكن إنجاز الكثير خلال فترة سنة إن توفرت الإرادة والموارد المالية. فرص التدريب[5] ضيقة أو معدومة فالجيل الجديد، الذي نشأ بعد 1991، لا يعرف العربية نطقاً وكتابة وهو مما لا يساعد على تدريبهم في بغداد مثلاً.[6] تزايد الاهتمام بالاستثمار في قطاع التأمين. بفضل استقرار الإقليم ووضعه الأمني الجيد مقارنة مع باقي أنحاء العراق والسياسة الاقتصادية المنفتحة على الاستثمارات الخارجية، يشهد الإقليم اهتماماً متزايداً من المستثمرين العرب وغيرهم. وفيما يخص المجال التأميني فإن العديد من الأفراد والمؤسسات التأمينية العربية تفكر جدياً في الاستثمار في شركات تأمين أو وساطة تأمين جديدة أو فتح فروع لها (وهو ما تعمل من أجله شركات التأمين العراقية أيضاً) للاستفادة من الحركة العمرانية فيه ونمو النشاط الاقتصادي عموماً، والبعض منها ينظر إلى الإقليم أيضاً كنافذة للولوج إلى باقي أنحاء العراق عندما تتحسن الأوضاع الأمنية. الإطار الدستوري، الفيدرالية والتأمين الدستور: الإطار العام تنص المادة 1 من الدستور على أن "جمهورية العراق دولة اتحادية واحدة مستقلة ذات سيادة كاملة، نظام الحكم فيها جمهوري نيابي (برلماني) ديمقراطي. وهذا الدستور ضامن لوحدة العراق." وقد جاءت صياغة الدستور لتعطي الإقليم/الأقاليم المكونة للدولة الفدرالية الجديدة درجة عالية من الاستقلال ربما تكون موضوعاً للشد والجذب بين الحكومة الفيدرالية وحكومة الأقاليم كما هو الحال في غيرها من الدول الفيدرالية. فمن الانتقادات العامة التي توجه للدولة الفيدرالية ازدواجية السلطة وتضارب السياسات. على سبيل المثال، التضارب في المجال التعليمي. فالتضارب هنا قد يؤدي إلى اختلاف في المناهج التعليمية يقوم على تغليب جوانب دون غيرها وتؤدي بالتالي إلى إضعاف مفهوم المواطنة العراقية ـ القيمة العليا الجامعة التي نحلم بها. كما أن الفيدرالية تؤدي إلى حالات من التنافس قد تشل اتخاذ القرارات الصائبة وحتى إهمال جوانب تمس الحياة العامة بدعوى استقلالية الإقليم. وقد يشمل التجاذب السياسات الاقتصادية.[7] هناك بعض النصوص الدستورية التي ترسم ملامح العلاقة بين السلطات الاتحادية والإقليمية ونختار منها ما نظن أن له بعض العلاقة بموضوعنا: المادة (110) تختص السلطات الاتحادية بالاختصاصات الحصرية الآتية: ثالثا: رسم السياسة المالية والكمركية وإصدار العملة وتنظيم السياسة التجارية عبر حدود الأقاليم والمحافظات في العراق ووضع الميزانية العامة للدولة ورسم السياسة النقدية وإنشاء بنك مركزي وادارته. تنظيم السياسة التجارية عبر حدود الأقاليم cross border trading قد يطال التأمين باعتباره نشاطاً تجارياً لا ينحصر بمنطقة جغرافية محددة كما هو الحال في التجارة بين الولايات الأمريكية وكذلك الدول أعضاء الاتحاد الأوروبي. وقد يكون أمر التنظيم هذا مثار جدل بين حكومتي الاتحاد والإقليم ما لم يصار إلى تغليب المصالح العامة. ولعل أوضح مجال ينشأ الخلاف بشأنه هو الإشراف والرقابة على النشاط التأميني: هل أنه يكون من اختصاص الإقليم أم ديوان التأمين العراقي المؤسس بموجب قانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005. المادة (112) أولا: تقوم الحكومة الاتحادية بإدارة النفط والغاز المستخرج من الحقول الحالية مع حكومات الأقاليم والمحافظات المنتجة على أن توزع وارداتها بشكل منصف يتناسب مع التوزيع السكاني في جميع أنحاء البلاد، مع تحديد حصة لفترة محددة للأقاليم المتضررة والتي حرمت منها بصورة مجحفة من قبل النظام السابق والتي تضررت بعد ذلك بما يؤمن التنمية المتوازنة للمناطق المختلفة من البلاد وينظم ذلك بقانون. تقتضي إدارة النفط والغاز أموراً عديدة يهمنا منها ما يمس تأمينها فهناك اعتبارات اقتصادية لصياغة برنامج تأميني موحد للأخطار القابلة للتأمين في هذه الصناعة بدلاً من تفتيت الحماية التأمينية بين المركز والإقليم وخسارة مزية وفورات الحجم، هذا بافتراض أن حكومة الإقليم وجهازها النفطي المختص قد أولى موضوع التأمين ما يستحقه من عناية. وليست لدينا معلومات عن هذا الموضوع إذ لم نتوفر على نسخة من العقود (أو النماذج التي قامت عليها) التي أبرمتها الحكومة مع شركات النفط الأجنبية.[8] المادة (113) تكون الاختصاصات الآتية مشتركة بين السلطات الاتحادية وسلطات الأقاليم: رابعا : رسم سياسات التنمية والتخطيط العام. سياسات التنمية والتخطيط العام تشمل الخدمات عموماً ومنها الخدمات المالية التي يندرج قطاع التأمين تحتها. وهذه أيضاً قد تكون موضوعاً للتجاذب بين المركز والإقليم خاصة عندما تكون هناك مصالح مترسخة vested interests ذات طبيعة متعارضة. يمكن، على سبيل المثال، أن نشهد تعارضاً بين الطرفين فيما يخص شكل ملكية شركات التأمين. فمن يمثل أصحاب المصالح الضيقة يميل نحو الملكية الفردية أو إطلاق الاستثمار الأجنبي دون ضوابط كافية على الضد من نموذج الشركات العامة ذات الاستقلال المالي القائمة حالياً أو الشركات التبادلية أو التكافلية التي يمكن أن تؤسس مستقبلاً. الدستور: بعض البنود الاقتصادية يرد في الدستور العراقي جملة نصوص ذات علاقة بالاقتصاد وقد تنسحب آثارها على قطاع التأمين كونها تؤسس الإطار العام الذي يمكن أن يمارس التأمين في ظله: مسألة إصلاح الاقتصاد العراقي، تشجيع القطاع الخاص وتنميته، تشجيع الاستثمارات الأجنبية في مختلف القطاعات، حرمة الأموال العامة وحمايتها والحفاظ على أموال الدولة وشروط التصرف بها، فرض الضرائب والرسوم وإعفاء أصحاب الدخول المنخفضة من الضرائب وغيرها. ونسرد فيما يلي بعضاً من هذه النصوص دون الدخول في تحليلها إلا قليلاً. المادة (25) تكفل الدولة إصلاح الاقتصاد العراقي على وفق أسس اقتصادية حديثة وبما يضمن استثمار كامل موارده وتنويع مصادره وتشجيع القطاع الخاص وتنميته. المادة (26) تكفل الدولة تشجيع الاستثمارات في القطاعات المختلفة وينظم ذلك بقانون. المادة )27) أولا ـ للأموال العامة حُرمة، وحمايتها واجب على كل مواطن. لم يرد تعريف لماهية الأموال العامة فهي ليست مُلكٌ للشعب كما نص الدستور بالنسبة للنفط والغاز (موارد طبيعية). ربما أراد المشرعون منها الهياكل الارتكازية المادية كالطرق والجسور وعلى المواطن حمايتها، ولكن إن تسبب المواطن في إلحاق ضرر بها، في حادث سيارة مثلا،ً هل يصبح المواطن مسؤولاً عن جبر الضرر؟ إذا تأسست مثل هذه المسؤولية عندها يصبح التأمين ضرورياً لتصليح مثل هذه الأموال المتضررة بدلاً من تمويلها من الإدارات المعنية إذ لا نتوقع أن يكون في مقدور الأفراد المسببين للضرر تحمل الأعباء المالية للمسؤولية.[9] ثانياًـ تنظم بقانون الأحكام الخاصة بحفظ أملاك الدولة وإدارتها وشروط التصرف فيها والحدود التي لا يجوز فيها التنازل عن شيء من هذه الأموال. ربما انصرف ذهن المشرعين فيما يخص أملاك الدولة إلى مباني الوزارات والدوائر الرسمية. كيف يتم حفظ هذه الأملاك؟ تَحمّل المؤسسة المعنية للأضرار المادية التي قد تلحق بالأملاك وتمويل تصليحها من حسابها الخاص أو من خزينة الدولة هذا بافتراض أن خزينة الدولة توفر صندوقاٌ خاصاً لمواجهة مثل هذه الطوارئ؟ هنا أيضاً يمكن للحماية التأمينية، التجارية أو التبادلية، أن تلعب دورها. ونتمنى عند صدور القانون الخاص بحفظ أملاك الدولة الانتباه إلى كيفية إدارة أخطارها ووسيلة التأمين عليها إن كان ضرورياً. المادة (28) أولا ـ لا تفرض الضرائب والرسوم ولا تعدل ولا تجبى، ولا يعفى منها، إلا بقانون. ما يهمنا هنا هو الضرائب والرسوم التي تفرض على وثائق التأمين بأنواعها المختلفة، بما فيها وثائق التأمين على الحياة وقت إصدارها أو تحريرها، والضرائب على شركات التأمين ذاتها. هذه مسألة غاية في الأهمية فيما يخص تشجيع الإقبال على الحماية التأمينية وخاصة تأمينات الحياة والمعاشات من خلال الإعفاءات الضريبية. وكذلك تشجيع الشركات على تعظيم احتياطياتها النقدية دون تعريضها إلى ضرائب مجحفة تحد من دورها في توظيف جزء منها في استثمارات عقارية وصناعية وغيرها. ثانياًـ يعفى أصحاب الدخول المنخفضة من الضرائب بما يكفل عدم المساس بالحد الأدنى اللازم للمعيشة، وينظم ذلك بقانون. نظراً للأثر الفعال الذي تلعبه الضرائب على إنتاج واستهلاك السلع والخدمات وبغية التقليل من كلفة شراء وثائق التأمين على الحياة فإنه من الضروري عدم وضع ضريبة على التأمين على الحياة لتشجيع الإقبال عليه كونه وسيلة ادخار للفرد ومساهمة في صندوق الاستثمار الذي تديره شركة التأمين. ويتمنى المرء أن يرى شركات التأمين تبتدع وثائق تأمين شعبية على الحياة لأصحاب الدخول المنخفضة. الفيدرالية والتأمين تجربة وواقع جديد في تطور العراق. لم يشهد العراق نظاماً فيدراليا تتوزع فيها جملة من السلطات بين الحكومة الفيدرالية وحكومات الأقاليم ولا تشكل فترة ولايات البصرة وبغداد والموصل في العهد العثماني نظاماً فيدرالياً. ليس هناك إرث تاريخي عراقي يستفاد منه في التعامل مع مستجدات الواقع الجديد المثبت في الدستور العراقي الذي صودق عليه في استفتاء 15 تشرين الأول 2005. هذه هي المرة الأولى في تاريخ العراق الذي نجابه فيه نمطاً جديداً من العلاقات السياسية والاقتصادية ومن توزيع السلطات وما ينشأ عنه من نزاعات تتطلب نقاشاً مفتوحاً وحلولاً عقلانية لموازنة مطالب المركز الفيدرالي مع الإقليم وبالعكس. خيار الالتزام بقانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005. في هذه المرحلة ليس لنا غير تَلمّس الطريق وتعلم الجديد للوصول إلى حالة مرضية للجميع. أمامنا خيار الركض وراء النزعة القومية في فصل النشاط التأميني عن بقية العراق أو خيار التكامل معه ضمن سوق فيدرالي عراقي مشترك. ولهذا ندعو إلى عدم سن قوانين تأمين خاصة بالإقليم في الوقت الحاضر فالقضية الأساسية تتمركز في حماية حقوق المستهلكين، المؤمن لهم، وضمان هذه الحقوق يقوم على وفر الأدوات القانونية (الضوابط الرقابية على النشاط التأميني) وليس من يقوم به: ديوان التأمين العراقي أم ديوان خاص بالإقليم قد يؤسس مستقبلاً.[10] ونحن نرى ضالتنا في قانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005 الذي ينطبق على عموم العراق إذ لم يرد فيه نص متميز يخص الإقليم دون غيره، فقد جاءت صياغة القانون شاملة للعراق دون استثناء منطقة أو تبيان تمايزها عن غيرها. أصبح هذا القانون نافذاً اعتباراً من 3 حزيران 2005 ويضم هذا القانون الجديد الكثير من الجوانب الإيجابية يقابلها جوانب سلبية تمس قيام سوق وطنية عراقية للتأمين.[11] ورد في هذا القانون نص بشأن لغة وثائق التأمين إلا أن هذا ليس خاصاً بإقليم جغرافي وبهذا الشأن فإن الدستور يوفر حق استخدام اللغة الكردية باعتبارها لغة رسمية إلى جانب اللغات العربية والتركمانية والسريانية ـ كما يرد ذلك في المادة الرابعة من الدستور. جاء في نص المادة (82) من قانون تنظيم أعمال التأمين: إذا نظمت وثيقة التأمين بلغات متعددة فالعبرة في حالة الاختلاف في تفسيرها بنص الوثيقة التي كتبت بلغة المؤمن له. هذا النص غير دقيق ويصعب تطبيقه من قبل المحاكم العراقية التي قد تعرض عليها بعض النزاعات بين المؤمن له وشركة التأمين بلغات غير محلية ولكنه يسمح ضمناً بصياغة وثائق التأمين بأية لغة يرتأيها المؤمن له (وهو ما نعترض عليه كصياغة غير موفقة تتجاوز أهمية التأكيد على اللغة/اللغات الوطنية). ولكن ما يهمنا من هذا النص هنا هو اللغة الكردية ـ أي تنظيم وثائق التأمين بهذه اللغة حسب رغبة المؤمن له. من مستحدثات قانون تنظيم أعمال التأمين تأسيس ديوان التأمين، وهو أول هيئة للإشراف والرقابة من نوعها في العراق، يمارس الرقابة على جميع شركات التأمين العاملة في العراق بما فيها الشركات القائمة أو التي ستؤسس في الإقليم وباقي أنحاء العراق رغم أن الشركتين الكرديتين لم تسجلا اسميهما في سجل الشركات لدى ديوان التأمين العراقي (ربما قامت شركة ستار كار للتأمين التسجيل لدى الديوان.) ليست هناك ضرورة لاستنساخ ديوان التأمين العراقي في الإقليم. الديوان هو في أول عهده بانتظار استكمال كادره الفني وإصدار التعليمات واللوائح التنفيذية في المستقبل المنظور (قام حتى الآن بإصدار أربع تعليمات). وباكتمال ذلك يقوم بمهام الإشراف على الشركات العاملة في الإقليم. ومع تعزيز مكانته المستقلة وتعاون الشركات معه يمكن عندها التفكير بفتح فرع للديوان في الإقليم.[12] استحدث القانون أيضاً جمعية شركات التأمين وإعادة التأمين العراقية.ويمكن لشركات التأمين المؤسسة في الإقليم الانتماء إليها ومن ثم العمل مستقبلاً على تأسيس فرع له للاهتمام بأمور تحمل صفات محلية. المهم في الأمر هو عدم زعزعة مقومات تشكيل وتعزيز سوق وطنية عراقية مشتركة للتأمين. وعلى حكومة الإقليم كذلك حث الشركتين الكرديتين، بحكم مساهمتها في رأسمالهما، للانضمام إلى جمعية شركات التأمين العراقية. حين البت في موضوع الإشراف والرقابة على النشاط التأميني في الإقليم تكون، وبالأحرى يجب أن تكون، الشركات العاملة فيه خاضعة لقانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005. وعلى حكومة الإقليم، باعتبارها طرفاً في الشركتين العاملتين، دفعهما للالتزام بهذا القانون إذ أن ذلك يمنح القطاع في الإقليم مصداقية أكبر ويساهم في تكوين سوق عراقية وطنية مشتركة للتأمين. السؤال الذي قد ينهض هنا هو: لماذا الالتزام بهذا القانون؟ الجواب يكمن في صلب عملية التأمين. زبائن شركات التأمين من حملة وثائق التأمين (المؤمن لهم) يدفعون مبلغاً، (قسط التأمين) لقاء وعد بتعويضهم عند تحقق حوادث معينة مستقبلاً كالحريق مثلاً. وظيفة مراقب التأمين هو التأكد من (1) أن شركات التأمين تفي بالوعد المتعاقد عليه مع المؤمن لهم (2) وأنها تملك الموارد المالية الكافية (الملاءة المالية) لتنفيذ الوعد. وينهض سؤال آخر هو: هل هناك ضرورة لصياغة قانون لتنظيم أعمال التأمين في الإقليم؟ تشريعات التأمين المستقلة للإقليم لا تستقيم مع فكرة السوق العراقية الوطنية المشتركة للتأمين. وبغية تحقيق مثل هذا السوق هناك خيار امتناع الإقليم عن إصدار تشريعات تأمينية خاصة بالإقليم، وإن نشأت ضرورة لذلك يجب عدم التمييز ضد الكيانات في بقية أنحاء العراق. على سبيل المثال، لو أنيطت مهمة ترخيص تأسيس شركات التأمين بجهاز مختص في الإقليم سيكون مجحفاً الطلب من الشركات العراقية خارج الإقليم التقدم بطلب للترخيص لها بالعمل في الإقليم. لذلك لا نرى ضرورة لإصدار أكثر من ترخيص، مثلما ليست هناك ضرورة للموافقة المستقلة لأجهزة الإقليم أو ديوان التأمين في بغداد على بيع هذا أو ذاك من المنتجات التأمينية من قبل شركات التأمين هنا أو هناك. وذات الشيء ينطبق على تدقيق الملاءة المالية لشركات التأمين والمهام الأخرى للوظيفة الرقابية: أي التأكد من القدرات الإدارية لشركة التأمين، الحدود الدنيا لرأس المال، فصل نشاط الشركة التأميني عن غيرها من النشاطات، تصفية الشركة .. الخ. حرية تأسيس شركات التأمين في العراق وفي الإقليم. فيما يخص تأسيس شركات التأمين وحرية الأشخاص والأفراد في اختيار الأماكن التي يرغبون في تأسيس أعمالهم فيها domicile يوفر الدستور الفرصة لكل عراقي العمل والتملك والاستثمار في جميع أنحاء العراق، ويكفل الدستور العراقي هذه الحرية كما تنص عليها المادة (24): تكفل الدولة حرية الانتقال للأيدي العاملة والبضائع ورؤوس الأموال العراقية بين الأقاليم والمحافظات، وينظم ذلك بقانون. وورد في المادة 23 –ثالثاً-أ ما يلي: للعراقي الحق في التملك في أي مكان في العراق، ولا يجوز لغيره تملك غير المنقول إلا ما استثني بقانون. القراءة الموسعة للنصوص الدستورية والقانونية تفيد بعدم ضرورة وضع قانون تأمين خاص بالإقليم فقانون 2005 صالح للتطبيق كما هو عليه (وذلك بغض النظر عن الحاجة لمراجعة بعض أحكامه السلبية وهو ما سيجري الاهتمام به من قبل ديوان التأمين العراقي.) ومن المفيد ترجمته إلى إحدى اللغتين الكرديتين أو كليهما. ونحن من أصحاب الرأي الذي يدعو إلى الترجمة للبدء بإدخال مصطلحات التأمين إلى اللغة الكردية لإثرائها رغم التوجه العام لنشر اللغة الإنجليزية كما نلحظ ذلك، مثلاً، في معظم المواقع الإلكترونية الكوردية والدراسة الجامعية. قيام حكومة الإقليم بتأسيس شركة تأمين تابعة لها خطوة في الاتجاه الصحيح، في هذه المرحلة، بعد توقف النشاط التأميني لما يزيد عن عقد من السنين. وبسبب هذا التوقف تضاءلت أهمية التأمين عند الناس وقد آن الأوان وبعد استعادة نمطية الحياة المستقرة في الإقليم تفعيل دور التأمين في حماية الناس من الأخطار القابلة للتأمين والتي قد يتعرضون لها وكذلك حماية الممتلكات العامة القائمة والمشاريع التي هي قيد الإنشاء. وكل ذلك يصب في ضمان استمرار الإنتاج وتجميع أقساط التأمين للمساهمة في تكوين رأس المال والتنمية الاقتصادية.[13] هذه الشركة، لو أديرت بالشكل الصحيح وبموجب المتطلبات الرقابية في إعلاء مصالح المؤمن لهم، من شأنها إعطاء زخم لقطاع التأمين الجديد في الإقليم وذلك من خلال الثقة التي ما زال الناس يمنحونها للحكومة فهي التي اهتمت بمجمل شؤونهم خلال سنوات الحصار الدولي (1990-2003). تشجيع رأس المال الكردي للاستثمار في تأسيس شركة/شركات تأمين جديدة، وكذلك تشجيع شركات التأمين العراقية القائمة، الخاصة والعامة، للاستثمار في الإقليم من خلال الفروع والمكاتب وإحياء ما كان قائماً منها قبل 1991 بحاجة إلى موقف وقرار سياسي يتجاوز الحساسيات ما دامت تصب في تطوير النشاط التأميني في الإقليم وتساهم في تكوين السوق الوطنية العراقية للتأمين. وهناك ما يفيد أن شركة التأمين الوطنية قد قامت بوضع بعض الترتيبات الأولية اللازمة بهذا الشأن. ولعله من المفيد لاستعادة موقع لها في الإقليم فتح ملفاتها التأمينية الخاصة بالتأمين على الأخطار في الإقليم في الفترة التي انتهت مع انسحابها بقرار من الحكومة المركزية آنذاك للنظر في المعلقات وخاصة مطالبات المؤمن لهم وتعويض من كان مستحقاً له. نحن على قناعة، رغم صعوبات هذا الإجراء، بأنه سيؤكد قيمة التأمين وحرص الشركة على مصالح المؤمن لهم رغم انقضاء مدة طويلة على التزاماتها.[14] إضافة لذلك، على حكومة الإقليم اتخاذ إجراءات إضافية لدعم قطاع التأمين ومنها تشجيع الاستثمار الأجنبي المباشر لتأسيس شركات تأمين في الإقليم أو فتح فروع لها لتكون جزءاً من صناعة تأمين وطنية في الإقليم وتساهم في رفع مستوى المعارف الفنية والممارسات الإدارية الحديثة وغيرها من المنافع التي تغذي الصناعة المحلية efficiency spillover. ورغم دعوتنا هذه فإن الحذر مطلوب في التشريع كي لا يصبح سوق التأمين عرضة للاكتساح من قبل الشركات الأجنبية قبل أن يقوى عود الشركات القائمة وتستطيع التنافس معها. إصدار التشريعات المناسبة لجعل بعض التأمينات إلزامية كتأمين جميع المباني الحكومية والبلدية[15] أمر يستحق الدراسة من قبل الأجهزة المختصة في حكومة الإقليم للتأكد من جدوى التأمين والمفاضلة بين تأمينها ذاتياً أو تبادلياً أو لدى شركات التأمين التجارية القائمة. إحياء تطبيق قانون التأمين الإلزامي على السيارات لسنة 1982؟ دراسة إحياء تطبيق قانون التأمين الإلزامي على السيارات لسنة 1982. نحن نعرف بأن هذا قد يتعارض مع المصالح المترسخة لأصحاب شركة ستار كار التي تحتكر، بدعم من حكومة الإقليم، التأمين على المركبات الداخلة إلى العراق إلا أن المسألة تستحق المراجعة خاصة مع نشر خبر تأسيس مؤسسة آرام للتأمين، وربما غيرها من الشركات، ومع ضرورة تطبيق القوانين العراقية التي لا تميز بين المواطنين داخل أو خارج الإقليم. ويتطلب الإحياء دراسة كيفية قيد وتحويل جزء من سعر بنزين السيارات إلى وزارة المالية العراقية أو الاحتفاظ بحصة الإقليم لدى وزارة مالية الإقليم للاستفادة منها في تعويض مطالبات الأطراف الثالثة المتضررة كما يقضي بذلك قانون التأمين الإلزامي على حوادث السيارات والاتفاق على المؤسسة التي تتولى استلام طلبات التعويض والبت فيها (حالياً هي شركة التأمين الوطنية والتي تقوم أيضاً بإدارة صندوق "أقساط" التأمين الإلزامي المستوفى من سعر البنزين). صحيح أن حكومة صدام أصدرت هذا القانون لكنه لا يحمل صفة سياسية أو حزبية أو انه لصالح فئة دون أخرى بل كانت صيغة متقدمة في التعامل مع المسؤولية المدنية الناشئة من استعمال المركبات، تجاوزت فيها فكرة المسؤولية التقصيرية لمستعملي المركبات وافترضت قيام المسؤولية قانوناً. إلا أن هذا القانون قد يحتاج إلى تقييم جديد وخاصة فيما يخص آلية تطبيقه والجهة التي تقوم بالتطبيق (شركة التأمين الوطنية حصراً).[16] توطين التأمين: نحو خلق سوق فيدرالي مشترك للتأمين. أحد جوانب هذا التوطين يتخذ شكل التأكيد في جميع العقود التي تبرمها الحكومة العراقية وحكومة الإقليم ومؤسساتهما على إجراء التأمين، حسب مقتضى الحال، لدى شركات تأمين مسجلة في العراق لتغذيتها المستمرة بأقساط التأمين التي تذهب الآن إلى الخارج – أي لا تدخل في الدورة الاقتصادية المحلية. تجاهل شركات التأمين العراقية يشكل إضراراً لمصالحها وينفي علة وجودها، ويحرمها من فرصة تعزيز مكانتها ومراكمة أقساط التأمين التي تنفق الآن في الخارج بتصميم أو إهمال من المؤسسات الرسمية في الإقليم وفي العراق عموماً. وتساهم مؤسسات الأمم المتحدة التي تقوم بتنفيذ مشاريع معينة في العراق على تجاهل شركات التأمين العراقية، عن جهل أو قصد، إذ لا تنص في عقودها مع المقاولين على إجراء التأمين مع شركات مسجلة في العراق. أما الشركات الأجنبية وخاصة الأمريكية العاملة في العراق فإنها تتجاهل شركات التأمين العراقية. ملاحظة ختامية في إثارتنا لمشاكل قد تكون بعيدة أو لن تظهر نبدو وكأننا نتعسف في استباق الأمور ونأمل أن نكون مخطئين في تقديراتنا في ما سيؤول إليه النشاط التأميني في الإقليم. لكن قراءتنا لتطور الوضع توحي أن هناك ميلاً متزايداً للتفرد وإبراز الهوية الكوردية، وهو ميل طبيعي لكل جماعة بشرية متميزة ولها مخيالها الجمعي الذي يضرب بجذوره في الماضي البعيد ويستلهم الدرس من محن وتجارب الماضي القريب المؤلم. هذه الهوية تترجم نفسها في العديد من المجالات، في التنقيب عن النفط وإنتاجه وفي تشجيع الاستثمار كما في العلاقات الخارجية بأشكالها المتعددة .. الخ. والنشاط التأميني لن يكون بمعزل عن مجمل التطورات الحالية والمرتقبة. هذه القراءة المبسطة هي التي نعتمد عليها في استباقنا لما قد يحصل، ودعوتنا إلى عدم عزل النشاط التأميني في الإقليم عن باقي أنحاء العراق ووجهه الآخر هو العمل على تأسيس سوق فيدرالي مشترك للتأمين في العراق. مصباح غازي عسكر كمال لندن 25 حزيران 2006 هوامش
[1] أشرنا إلى هذا الموضوع في دراستين غير منشورتين. مصباح كمال: "هل هناك دور اقتصادي للتأمين في كردستان العراق؟" (لندن، تموز 2002) و "تطوير قطاع التأمين في كوردستان العراق: ملاحظات أولية" (لندن: أيار/حزيران 2006). وكلتا الدراستين كانتا بطلب من د. كاظم حبيب ضمن سياقات معينة. نأمل أن يقوم غيرنا من العاملين في قطاع التأمين العراقي بتقويم المعلومات والأفكار التي أوردناها في هذه الورقة ومناقشتها والاتصال بنا بشأنها. تنويه: ما ورد في هذه الورقة والأوراق الأخرى للكاتب تمثل موقفه الفكري الشخصي ولا علاقة لها البتة بشركة وساطة التأمين التي يعمل لديها. [2] لا نعرف اللغة المترجم عنها ولا نعرف إن كانت الترجمة إلى الكرمانجية (البهدينانية) أو السورانية. [3] بتاريخ 29/8/2004 أصدرت وزارة المالية والاقتصاد في حكومة إقليم كوردستان أمراً وزارياً حصرت أعمال شركة ستار "في السنة الأولى بتأمين الأضرار الملحقة بأموال الغير من قبل السيارات الأجنبية الداخلة إلى إقليم كوردستان من خارج العراق." [4] وكالة أنباء أصوات العراق، 4 نيسان 2006. ونما إلى علمنا خبر تأسيس شركة تأمين جديدة باسم شركة كوردستان للتأمين لكنها لم تبدأ بعد بممارسة العمل. [5] أوردت وكالة أنباء أصوات العراق في خبر بتاريخ 4 نيسان 2006 أن مؤسسة آرام للتأمين أقدمت على فتح دورات تدريبية لطاقم موظفيها ولكن دون تقديم تفاصيل. وقد يكون في الأمر بعض المبالغة بشأن فتح دورات (وليس دورة واحدة) بعد بضعة أيام من تأسيسها [6] واقع ضعف الإلمام باللغة العربية يعكس أمرين ربما يكونان متلازمين. الأول، عزوف حكومة الإقليم عن تعليم اللغة العربية، وربما الأصح عدم توفر الموارد البشرية في هذا المجال، وهو أمر يثير التساؤل في نظام فيدرالي ينص دستوره على أن العربية والكردية لغتان رسميتان (المادة رقم 4). الثاني، تنامي نزعة معاداة ما هو عربي عند شرائح واسعة من الجيل الذي اكتمل شبابه في الفترة الممتدة من 1991 لغاية سقوط الدكتاتورية في 2003. وتعبر هذه النزعة عن أفكار قومانية ضيقة، تحاكي الفكر العروبي المتخندق في الشعارات البليدة والذي ظل ساكتاً عندما قصف نظام صدام حلبجة بالسلاح الكيماوي وسخر سورة الأنفال لأغراض التطهير العرقي. الخلط بين سياسات الحكومات العراقية والشعب العراقي لا يفهم إلا ضمن سياق النزوع نحو تعزيز وجود قومي كردي مستقل وهو ما يتمتع به الإقليم منذ ما يزيد عن عقد. إلا أن هذا الوجود، في ظل العلاقات القائمة بين العراق ودول الجوار والدور الأمريكي الفعال في المنطقة يستوجب إشاعة ثقافة جديدة في أنحاء العراق كافة تحترم الصيغة الفيدرالية القائمة دون ابتزاز طرف من قبل طرف آخر. الجماعات البشرية والدول، بعكس الأفراد، لا تختار جيرانها وهذا ما يقتضي الكثير من الحصافة السياسية في التعامل ما بين الجماعات والدول. هناك ميل عام وتوجه رسمي لتعلم اللغات الأجنبية، غير العربية، وخاصة الإنجليزية. وهو أمر محمود ضمن اللحاق بركب العلم والتكنولوجيا وربما تخطي المغايرة اللغوية بين السورانية والكرمانجية وهو أمر يستحق وقفة تأمل طويلة والكثير من المناقشة لأنه يمس الوتر القومي وإشاعة اللغة القومية المشتركة. ومن المناسب أن نضيف هنا الأهمية التي يوليها مشروع الدستور المقترح لإقليم كوردستان العراق (5 حزيران 2005) للغة العربية واللغات الأخرى في الإقليم. فقد ورد في المادة السابعة ما يلي: 1- اللغة الكوردية هي اللغة الرسمية في إقليم كوردستان. 2- تكون المراسلات الرسمية مع السلطات الفدرالية الأخرى باللغتين العربية والكوردية. 3- يكون تدريس اللغة العربية في إقليم كوردستان إلزاميا. 4- تعتبر اللغة التركمانية لغة ثقافة وتعليم إلى جانب اللغة الكوردية بالنسبة للتركمان واللغة السريانية لغة ثقافة وتعليم إلى جانب اللغة الكوردية للناطقين باللغة السريانية وما يهمنا من كل هذا ليس إثارة موضوع شائك فقط وإنما انعكاسه على تشريعات التأمين وممارساته وآثاره السلبية على مشروع تحقيق سوق وطني عراقي مشترك للتأمين. [7] استنفدنا في كتابة بعض الفقرات الخاصة بالدستور من دراستنا: "تطوير قطاع التأمين في كوردستان العراق: ملاحظات أولية" (لندن، أيار/حزيران 2006) [8] ليست لدينا معرفة بطبيعة وتفاصيل العقود التي أبرمتها حكومة الإقليم مع شركات النفط الأجنبية للتنقيب عن النفط وخاصة ما يمس منها شروط التأمين والتعويض indemnity and insurance clauses بين طرفي العقد، ووثائق التأمين التي يفترض أن تقوم شركة النفط الأجنبية بشرائها (وثيقة التحكم في الآبار، التلوث البيئي، مسؤولية الطرف الثالث .. الخ). ورد إلى علمنا أن أياً من شركات التأمين في العراق لم تُسأل عن تأمين مخاطر مشروع التنقيب والإنتاج. هدر آخر للفرصة في الاستفادة من شركات التأمين العراقية، بضمنها الشركتين الكرديتين، ولها وسائلها، رغم ضعفها الحالي، في إيجاد الحلول والاستجابة لطلبات التأمين المعقدة. وفيما يخص تأمين صناعة النفط العراقية فقد ثبتنا ما يلي في دراسة ربما تجد طريقها إلى النشر: " ربما ستكون المشكلة الكبيرة القادمة التي ستجابه شركات التأمين العراقية هي تأمين الأصول المادية لصناعة النفط العراقية. والأمل معقود على: أولاً، عدم تجاهل دور هذه الشركات من قبل الشركات النفطية (وزارة النفط)، وكذلك قيام الشركات [التأمينية] ذاتها بتجميع مواردها المتوفرة بغية المساهمة الحقيقية في كل مراحل عملية التعامل مع وسطاء التأمين ومعيدي التأمين الدوليين. وثانياً، عدم استحضار نظرية المزايا النسبية من قبل أصحاب المصالح المترسخة في الداخل والخارج لتجاوز دور شركات التأمين العراقية في العملية التأمينية. ومن المفيد لشركات التأمين العراقية التعرف على تجربة البلدان العربية المنتجة للنفط في مجال التأمين على أصول الصناعة النفطية. ففي جميع هذه البلدان تلعب الشركات المحلية دوراً كبيراً في تأمين الموجودات النفطية والغازية. وفي هذه المرحلة لا ندحة لنا غير الانتظار لنرى إن كانت المصالح الداخلية والخارجية ستسمح لشركات التأمين العراقية أن تلعب دوراً حقيقياً في هذا القطاع الذي يشكل دعامة الاقتصاد الوطني ومصدراً مهماً وكبيراً لأقساط وعمولات التأمين. ونتوقع من شركات التأمين العراقية تنسيق جهودها في موقف جماعي لتأكيد حقها لتكون الطرف الأساسي في تأمين الكيانات النفطية وموجوداتها العاملة من وحدات تكرير ومكائن ومعدات وكذلك المشاريع النفطية تحت الإنشاء وكذلك عمليات الاستكشاف والإنتاج وصيانة الآبار النفطية والغازية. نقول لكل من يظلم هذه الشركات: لقد استطاعت هذه الشركات، اعتماداً على جهودها الذاتية وفي غياب مطلق للحماية الإعادية الدولية في سنوات الحصار (1990-2003)، توفير حماية محدودة لطالبي التأمين. إن كانت قادرة على ذلك في الماضي القريب فهي اليوم أكثر اقتدراً لتعظيم مساهمتها والمشاركة الحقيقية في تأمين صناعة النفط العراقية ولا أدل على قدرتها الكامنة من ابتداع غطاء أوائل سنة 2006 ضد أعمال الإرهاب التي تطال بآثارها حياة الناس." مصباح كمال: "قانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005: مراجعة للخلفية وبعض الآثار الاقتصادية" (لندن، أيار 2006) [9] هناك تنويعات على هذه المسؤولية كتحويلها من عاتق الفرد المستخدم إلى رب عمله vicarious liability إن كان الضرر قد حصل أثناء تأديته لمهام عمله، أو أن المسؤولية تقع مباشرة على مقاول يقوم بتنفيذ أعمال معينة تؤدي إلى وقوع أضرار لمنشآت قائمة. [10] لم يتم لحد الآن رسم الحدود الجغرافية للإقليم وهو أمر قد يثير بعض الإشكاليات فيما يخص تطبيق قانون تأمين الإقليم بافتراض أن الإقليم سيكون له قانونه التأميني الخاص. وليس هذا مستبعداً بسبب النزعة السياسية القوية للابتعاد أكثر عن المركز. نجد ذلك مثلاً في الممارسات في القطاع النفطي التي تثير الكثير من الحساسيات وقانون الاستثمار الجديد الموحد الذي سيكون أكثر شمولية وتساهلاً مع الاستثمارات الأجنبية من قانون الاستثمار رقم 89 لسنة 2004 المعمول به في إقليم كردستان – إدارة السليمانية قبل توحيدها في 2006 مع إدارة أربيل في حكومة موحدة. لكن الدستور العراقي، إن تطلب الأمر، يوفر حلا لهذه الإشكالية. فقد جاء في المادة (138): يلغى قانون إدارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية وملحقه عند قيام الحكومة الجديدة،باستثناء ما ورد في الفقرة (أ) من المادة (53) والمادة (58) منه [بشأن النزاعات المُلكية العقارية، نقل الأفراد إلى مناطق وأراضي أخرى، تصحيح الهوية القومية معالجة تغيير الحدود الإدارية غير العادلة والفقرة ج بتصحيح وضع كركوك] الفقرة (أ) من المادة الثالثة والخمسون تقول: (أ) ـ يعترف بحكومة إقليم كردستان بصفتها الحكومة الرسمية للأراضي التي كانت تدار من قبل الحكومة المذكورة في 19 آذار 2003 الواقعة في محافظات دهوك واربيل والسليمانية وكركوك وديالى ونينوى. إن مصطلح "حكومة إقليم كردستان" الوارد في هذا القانون يعني المجلس الوطني الكردستاني ومجلس وزراء كردستان والسلطة القضائية الإقليمية في إقليم كردستان. [11] قمنا بعرض مسألة السوق التأمينية العراقية أكثر من مرة ويمكن الرجوع بشأنها إلى: "ملاحظات نقدية حول إعادة هيكلة سوق التأمين العراقي،" الثقافة الجديدة، العدد 314، 2005 "قانون تنظيم أعمال التأمين: تعليقات هامشية،" الثقافة الجديدة، العدد 316، 2006، http://www.althakafaaljadida.com/316/14.htm "تجاهل شركات التأمين العراقية: ملاحظات حول بعض آثاره السلبية،" طريق الشعب، العدد ، 113، 61 شباط 2006، ص 9. نشر أيضاً في البيان الاقتصادية تحت عنوان: "شركات التأمين العراقية: متى تعاد إليها حقوقها؟" بيروت، العدد 412، آذار 2006، ص 116. نشرت بدون الهوامش. يمكن الحصول على النص الكامل لهذه الورقة بالاتصال على العنوان الإلكتروني: misbah44@googlemail.com أو misbah.kamal@uib.co.uk وقمنا أيضاً بالكتابة عن الموضوع بالإنجليزية في دراسة لم تنشر بعد تحت عنوان: “Iraq’s Insurance Law 2005: A Review of Context and Some Economic Consequences” [12] من باب الاعتزاز القومي قد يرغب البعض بوضع قانون رقابي مستقل لقطاع التأمين في الإقليم وهو ما لا نحبذه لأنه يشتت محاولة خلق سوق وطنية موحدة لكامل العراق، ويثقل الأعباء على شركة التأمين التي تعمل في الإقليم وخارجه مثلما يثقلها على الشركات التي ترغب في العمل داخل الإقليم (الترخيص، الودائع، المنتجات التأمينية .. الخ). ومن المفيد هنا الإشارة إلى مسألة اختلاف القوانين الرقابية الاتحادية والإقليمية على سبيل المثال في الولايات المتحدة الأمريكية التي أصبحت موضوعاً لنقاش موسع بين المعنيين منذ سنة 2002 وكذلك المحاولات الجارية في الاتحاد الأوروبي ولو بصيغة مغايرة لاستبدال نظام الرقابة الإقليمية بنظام فيدرالي. Nik Pratt, “US renews attempts to replace state supervision with a federal system,” Insurance Day (21 April 2006), p 3. [13] مصباح كمال: "هل هناك دور .. " (تموز 2002) و "تطوير قطاع التأمين .. " (أيار/حزيران 2006) [14] من المؤمل أن أنتهي قريباً من دراسة هذا الموضوع في ورقة مستقلة ضمن رصد بعض قضايا الشركات العامة للتأمين. [15] تناولنا هذا الموضوع في دراستنا غير المنشورة: "تطوير قطاع التأمين في كردستان العراق" (لندن، أيار/حزيران 2006) [16] في موقفنا هذا نجد سنداً من رأي القانوني منذر الفضل ونقتبس منه مطولاً ما يلي: "ومن ناحية النظام القانوني في كوردستان، فان هناك العديد من القوانين التي تطبق في كل أنحاء العراق بدون استثناء سواء تلك القوانين التي صدرت قبل عهد صدام أم تلك التي شرعت خلال نظام صدام. ومن ذلك مثلا القانون المدني العراقي الذي يطبق في كوردستان وجميع أنحاء العراق الاتحادي والذي صدر عام 1951 وصار نافذا للتطبيق عام 1953 والذي ينظمLand ownership and contracts law إلى جانب أحكام أخرى. فضلا عن وجود قوانين متفرقة متعددة أخرى تنظم هذا الجانب التشريعي، إي أن هناك قوانين أخرى متفرقة تنظم عقود البيع والإيجار لأملاك الدولة وتنظم أوضاع ملكية الأراضي الزراعية وغير الزراعية في حكومة إقليم كوردستان. كما صدر قانون الشركات التجارية وقانون التجارة وقانون العقوبات وغيرها من القوانين المختلفة إلا أن هناك قوانين وأوامر صدرت من برلمان كوردستان باعتباره السلطة التشريعية تسهل على المستثمرين القيام بالاستثمارات وتعزز الحرية الاقتصادية في إقليم كوردستان لما يتمتع به من استقلالية الإدارة عن المركز في بغداد وخصوصية وضعه انطلاقا من وضع الكورد الدستوري طبقا لدستور العراق الفيدرالي لعام 2005. ونشير إلى انه وفقا للقرار رقم 11 من برلمان كوردستان الصادر في 31 آب 1992 فان جميع القوانين والقرارات الصادرة من حكومة صدام لا تطبق في كوردستان إلا بعد إقرارها من برلمان كوردستان كما ألغيت العديد من القوانين والقرارات الصادرة عن نظام صدام والتي تتعارض مع حقوق الإنسان وقواعد العدالة وحرية التجارة . وصدر قانون رقم 11 لسنة 1993 حيث نصت المادة 5 على جواز التعاقد مع الخبراء الأجانب والشركات والمؤسسات المتخصصة للعمل في دوائر وزارة الاعمار والتنمية لإنجاز الأعمال بعد موافقة مجلس الوزراء ولغرض تسجيل أية شركة أجنبية في كوردستان لابد من أن تكون نسبة 51 % من راس المال وطني و49 % حصة الأجنبي هذا إلى جانب الإعفاءات الكمركية في كوردستان لتشجيع الاستثمارات الاقتصادية." أنظر: منذر الفضل، "الضمانات القانونية للاستثمارات الاقتصادية في كوردستان" الحوار المتمدن 22/6/2006 http://www.rezgar.com/debat/show.art.asp?aid=68025 ونضيف إلى ذلك ما ورد في المادة (137) من قانون إدارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية: "يستمر العمل بالقوانين التي تم تشريعها في إقليم كردستان منذ عام 1992 وتعد القرارات المتخذة من قبل حكومة إقليم كوردستان ـ بما فيها قرارات المحاكم والعقود ـ نافذة المفعول ما لم يتم تعديلها أو إلغاؤها حسب قوانين إقليم كوردستان من قبل الجهة المختصة فيها، ما لم تكن مخالفة للدستور." وحسب علمنا لم تصدر قوانين تأمين في الفترة المشار إليها."

ليست هناك تعليقات: