بعض قضايا صناعة التأمين في العراق: دعوة للنقاش
مصباح كمال
كتبت هذه الورقة بعجالة بتحفيز غير مباشر من الزميل محمد الكبيسي، فقد كتب لي في 11/6/2006 مُقدراً اهتمامي بصناعة التأمين في العراق رغم ابتعادي الطويل عنه. أردت أن أكون عند حسن ظنه وغيره من زملائي في المهنة فوضعت جملة من الملاحظات والأفكار عن بعض قضايا التأمين في العراق لفتح باب المناقشة وصولاً لتطوير أفكار أفضل من قبلهم بشأن هذه القضايا واجتراح الحلول الملائمة لتأسيس صناعة تأمينية وطنية عراقية. فللزميل الكبيسي كثير شكري على حواره معي وتزويدي بالمعلومات. أرجو من القارئ تقويم ما ورد في هذه الورقة بالنقد والتصحيح للتوصل إلى الوضوح وتحديد القضايا حسب أهميتها وجدواها الاقتصادية وفائدتها لمشروع السوق الوطنية العراقية للتأمين في العراق الذي أدعو إليه.
[أ] الإطار العام: مدخل
تلعب الثقافة الموروثة دوراً في تكييف الأفكار والسياسات الحاضرة في مجالات الحياة ومنها الاقتصاد لكنها لا تحجب، أو هكذا أعتقد اعتماداً على الإرث التاريخي المعروف في التلاقح بين الثقافات، فرصة الاستفادة من الأفكار والممارسات والتجارب الوطنية للغير، واستعارتنا وتبني التأمين في صيغته الأوروبية خير مثال على ذلك. وفي غياب الموقف الدوغمائي ليست هناك موانع فكرية وأخلاقية تحول دون هذه الاستفادة، خاصة في زماننا، مع استمرار تزايد اندماج ودمج الاقتصادات الوطنية في السوق العالمية (تداخل قوة القانون الاقتصادي المتحكم بالعلاقات والبنى الاقتصادية والفعل السياسي المقرون بها). فنحن نشهد في هذا السوق حرية أكبر في انتقال السلع (وخاصة الاستهلاكية إذ أن غيرها من السلع الاستراتيجية يخضع لقيود الملكية الفكرية، مثلما يخضع انتقال، هجرة، قوة العمل من الجنوب إلى الشمال لاعتبارات قانونية وثقافية وسياسية) وانتقال الخدمات ورؤوس الأموال إضافة إلى الكم الهائل من المعلومات المتوفرة، حتى الآن مجاناً، على الانترنيت. ويجد هذا الوضع تعبيره الجيو-سياسي في مشاريع غربية عديدة للعراق وللشرق الأوسط عموماً، وتعبيره الاقتصادي في الاهتمام المتزايد، في الخارج والداخل، بالاستثمارات الأجنبية، وفي التأكيد على دور القطاع الخاص كمنقذ من المشاكل الاقتصادية في العراق كما في غيره من البلدان العربية، وفي تقليص دور الدولة الاقتصادي وفي تسليع الخدمات الاجتماعية. وهكذا فنحن أمام نمط جديد/قديم من الاقتصاد، نمط ما يسمى بالاقتصاد الحر، مصادره الفكرية خارجية، نحتاج معه إلى الكثير من التكيف، بحكم بنية الاقتصاد العالمي، مع الحفاظ على درجة من الاستقلالية، كتعبير سيادي، في اتخاذ القرار وفي الحفاظ على حقوق الناس العاديين وثرواتهم الطبيعية وليس الانحياز المطلق لمصالح مؤسسات رأس المال وأرقام النمو الاقتصادي. بمعنى آخر، تحقيق شروط المساواة للجميع أو قل موازنة المصالح المتباينة دون الإجحاف بحقوق المواطنة المعاصرة في الحريات السياسية والاجتماعية والاقتصادية ونوعية الحياة. مجرد التماهي مع متطلبات السياسات الاقتصادية والمالية التي ترسم خارج العراق، باسم المعاصرة، لا يمثل مخرجاً حقيقياً للعقد التي تنتظم قضايا الاقتصاد العراقي.
[ب] قانون تأمين أعمال التأمين لسنة 2005 نموذجاً لدمج التأمين في العراق في السوق العالمية
يمكننا أن ننظر إلى قانون تأمين أعمال التأمين لسنة 2005 ضمن ما ذكرته أعلاه، فلم يكن هذا القانون ليندرج ضمن تطورات السوق العراقي للتأمين بل جاء نتيجة لفعل سياسي مهدّ له الغزو والاحتلال والهيئات التي خلقتها الإمبراطورية الأمريكية بفضل "فائض القوة" التي تتمتع بها.[1] لست من دعاة الرفض المطلق لهذا وغيره من القوانين لمجرد أنه من صنع الاحتلال وان الاحتلال لا يمتلك الشرعية بموجب القانون الدولي لتغيير ما هو قائم (فقطاع التأمين لم يشكل تهديداً للاحتلال ليسمح له بتغيير قوانينه القائمة) فواقع الحال هو أن هذا القانون أصبح هو السائد، رغم أنه لم يلغي القوانين الماضية، وبفضله تم تأسيس ديوان التأمين العراقي وجمعية شركات التأمين وإعادة التأمين العراقية. لكن هذا القانون يحتمل التنقيح كما أشرتُ سابقاً،[2] والتنقيح يجب أن يطال بالدرجة الأولى تلك الفقرات التي تُضعف تشكيل السوق الوطنية العراقية للتأمين من خلال الأفضليات الممنوحة للشركات الأجنبية ومن بينها عدم ضرورة التسجيل داخل العراق لممارسة أعمال التأمين. وقد يتعزّز هذا الضعف مع الميل في إقليم كردستان العراق لتغليب ما هو محلي على الوطني لكني ربما أكون على خطأ في تقديري هذا. وأرى أن أخطر أحكام هذا القانون هو توفير الغطاء لتجاهل شركات التأمين العراقية.[3] بسبب الوضع الأمني فإن شركات لتأمين الأجنبية الكبيرة لم تدخل السوق العراقي من خلال ما يعرف بالاستثمار الأجنبي المباشر Direct Foreign Investment (DFI) وهو في الكثير من الحالات ينحصر في عمليات الدمج والاستحواذ على ما هو قائم mergers & acquisitions إن هذه الشركات، بقدراتها المالية الضخمة، تستطيع، نظرياً، "ابتلاع" السوق العراقي برمته والقوانين الحالية تسمح لها بذلك وبعض أصحاب المال العراقيين قد يرحبون بذلك كونه فرصة لتحقيق عائد كبير من خلال بيع حصصهم. سيكون هذا الوضع، دمج سوق التأمين العراقي بالسوق العالمي من خلال الاستحواذ الأجنبي، إن تحقق مستقبلاً، شاذاً. هذا احتمال نظري أثرناه بدافع مراجعة القوانين القائمة لضمان دور وطني في صناعة التأمين.
[ج] رصد أولي لبعض قضايا سوق التأمين في العراق
قضايا سوق التأمين في العراق عديدة لا قدرة لي على الإلمام بجميعها والمعروض منها هنا انتقائي يعكس اهتماماً شخصياً. والمؤمل أن يقوم أصحاب العلاقة في العراق بصياغة القضايا الأساسية وترتيبها حسب أولوياتها فهم أدرى بشؤونهم.
1 إعادة النظر ببعض بنود قانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005. أشرت لهذه البنود في مقالات سابقة. ومن رأي أن يقوم النقد والتقويم من منطلق تحقيق سوق تأمين وطنية عراقية دون أن يعني ذلك، مثلاً، رفض الاستثمار الأجنبي فالتوجه العام للحكومات المتعاقبة منذ 2003 وحتى الدستور، الذي اقترن بالقبول في استفتاء 15 تشرين الأول 2005، وما يسّود من قوانين محلية في إقليم كردستان بعضها معروض على برلمان الإقليم كقانون الاستثمار، كلها تصب في منحى استجذاب رأس المال الأجنبي ـ كما حاولت أن أضعه في السياق العام لدمج ما هو وطني في ما هو عالمي (الفقرة [أ] أعلاه).
2 الدستور والفيدرالية والتأمين. حاولت أن أدرس هذا الموضوع، في ورقتي غير المنشورة التي أنجزتها مؤخراً عن تطوير التأمين في إقليم كردستان،[4] بشيء من الحذر إذ أنه جديد في مجاله فيما يخص العراق (أقصد جدة النشاط التأميني ضمن البنية الفيدرالية)، ويحتاج إلى سعة الصدر في التحليل والاستنتاج وخاصة ممن تتأثر مصالحهم سلبياً أو إيجابياً، كما أنه يثير حساسيات سياسية وقومانية. هنا أيضاً أتمنى أن ينصب الجهد في الدراسة على تحقيق سوق تأمين وطنية عراقية ـ هذا إذا كان مثل هذا الهدف يحضى بقبول عام بين المعنيين من ممارسي التأمين وأصحاب الشأن في العراق وفي الإقليم. هناك محاولات لإحياء قطاع التأمين في الإقليم من قبل بعض الشركات وكذلك تأسيس شركات جديدة بعد أن توقف النشاط التأميني فيه منذ تشرين الأول 1991 عندما قامت الحكومة المركزية بتجميد وسحب جميع مؤسساتها ومنها فروع ومكاتب شركات التأمين.
3 تكامل سوق التأمين العراقي. تاريخ التأمين الحديث في العراق كما نعرفه كان ينحصر بشركات التأمين المباشر الوطنية والعربية والأجنبية، وبعض وكالات التأمين، وشركة واحدة لإعادة التأمين (1960). وفي ظني أن السوق المتكامل يجب أن يضم مؤسسات مهنية، تكميلية، في المجالات التالية: - تقييم الممتلكات لأغراض تأمينية valuation of assets أي لتحديد مبالغ التأمين بقيمها الاستبدالية وهو مطلب أساسي في التأمين على الأخطار الكبيرة. - الكشف الميداني الهندسي على الأخطار والمشاريع الكبيرة لأغراض اكتتابية engineering surveys من قبل مهندسين مؤهلين وأصحاب خبرة. - تطوير مهنة خبراء تسوية الخسائر loss adjusting من قبل أشخاص مؤهلين ومتمرسين. - وساطة التأمين insurance intermediation هذا المقترح لتكميل بنية السوق الوطني للتأمين يقوم على فكرة تفكيك الوظيفية التأمينية التقليدية unbundling التي تنحصر جلّ مهامها (الإنتاج، الاكتتاب، الكشف الميداني، تسوية المطالبات وإعادة التأمين المباشر) لدى شركة التأمين، ومعناه أيضاً تعميق تقسيم العمل ومجالات التخصص وتنظيمها في مؤسسات مهنية. مثل هذا الوضع لن يتحقق سريعاً لكن التفكير فيه الآن ووضع الخطط بشأنه قد يعجل من ظهور بعض المهارات المهنية المتخصصة. ولعلي هنا أتمنى أن تكون صناعتنا التأمينية موازية لما هو موجود في الأسواق المتقدمة. وقد يتطلب تطوير المهن المكملة الاستهداء بتجارب الغير ونقل المعارف والمهارات المتوفرة لديهم.
4 التدريب المهني ودور جمعية شركات التأمين وإعادة التأمين العراقية وديوان التأمين العراقي. قد يكون النقص في الكادر الوظيفي المدرب واحدة من أهم المشاكل التي تعاني منها صناعة التأمين في العراق وأسبابه تنحصر في هجرة وتهجير الكوادر خلال ما يزيد عن الثلاثين سنة من عمر الدكتاتورية،[5] والحصار الدولي (آب 1990- أيار 2003) الذي فاقم من انعدام فرص الارتباط بالعالم الخارجي والتعلم في مجال التأمين كان من أحد نتائجه تقليص مهارة العاملين إلى حد نزعها عنهم deprofessionlisation. هناك الآن فجوة بين الصف الأول والصف الثاني والثالث. وردم هذه الفجوة يتطلب جهداً جماعياً وتمويلاً من داخل وخارج القطاع. ومن هنا التعويل، إلى حد ما، على الجمعية والديوان فكلاهما يستطيعان رسم السياسات وتوفير الفرص والتحري عن مصادر تمويل النشاط التدريبي. أذكر أنني تعلمت الكثير من أصول التأمين في دورة تأمينية ابتدائية أواخر عام 1968 عندما التحقت بشركة التأمين الوطنية في بغداد. أليس هناك همة كافية في محاكاة تجارب الماضي؟ بدون الكادر المتدرب، التكنولوجيا الحقيقية في صناعة التأمين، سيكون من الصعب التعامل مع الأخطار الكبيرة وستتعرّض شركات التأمين لفقدان دورها في العملية الاكتتابية وحتى التواصل الاحترافي اللائق مع معيدي ووسطاء التأمين الدوليين. وليس صحيحاً إبقاء التعامل محصوراً في الإدارة العليا للشركة فحتى الإدارة تحتاج إلى مشاركة كوادرها ولذلك يصبح تأهيل وإعادة تأهيل هؤلاء ضرورياً.
5 إشكاليات الاكتتاب بالأخطار العراقية. أربط هذه الإشكاليات بتدني الوضع الأمني العام وهو في حد ذاته مصدر لأنواع جديدة من التأمين كتوسيع وثائق الحوادث الشخصية لتغطية خطر الأعمال الإرهابية، مثلما هو مصدر إعاقة لتطوير حجم المحفظة التأمينية، وتضييق نطاق إعادة التأمين الدولية. وبطبيعة الحال، فإن شركات التأمين لا تمتلك مفاتيح علاج هذا الوضع غير التكييف معه وأقله هو الحفاظ على حياة العاملين في حركتهم اليومية في الإنتاج وفي خدمة الزبائن. ليست لدي حلول فيما يخص شركات التأمين سوى الإشارة إلى أن تأثير الوضع الأمني يختلف من شركة إلى أخرى حسب موقعها وسكنى عامليها. هل أن تغيير الموقع، مثلاً، يخفف من وطأة الوضع الأمني (أقول هذا لمعرفتي بأن البعض يسكن في الدورة واسمها كان يتردد في الأخبار باستمرار). ثم هناك تدهور الخطر المعنوي الذي يؤثر سلباً على إنتاج الشركات إذ أنها ربما بدافع زيادة الإنتاج (أقول هذا بحذر شديد مخافة أن أكون على خطأ) قد لا تعير الأمر ما يستحقه من عناية وحتى لو اهتمت فإن ظاهرة انتهاز الفرص، من قبل من اعتدنا وصفهم بأصحاب النفوس الضعيفة، لتعظيم الاستفادة من وثائق التأمين بوسائل شتى قد لا تجد حلاً سريعاً لها في الوقت الحاضر. لا أعرف، لربما يكون هناك خوف من رفض مطالبة مشكوك في أمرها إن كان صاحبها يمتلك وسائل تجعله في موقع الآمر تجاه شركة التأمين (هذا ما حصل خلال الحرب الأهلية اللبنانية ولكن على نطاق ضيق). أقول هذا ضمن إشكالية مرتبطة بها وهي مسألة الفساد الإداري، بالمعنى الضيق، كالرشوة والغش، والموسع، كاستغلال النفوذ والزبائنية. ولا أعرف مدى تأثير هذه الظاهرة على العمل التأميني. نتائج الحروب على التركيبة السكانية (ودورها في التأمين على الحياة)، وأخطار التلوث وأثرها على الصحة العامة (في التأمين على الحياة) وكذلك الممتلكات، تقتضي دراسة من وجهة نظر تأمينية لفائدة الشركات (صياغة عقود التأمين فيما يخص استثناء أو تغطية هذه الأخطار) وتوعية جمهور المؤمن لهم بحقوقهم بموجب عقود التأمين. في هذا السياق، هل هناك ضرورة لإعادة النظر في جداول الوفيات، وهي أصلاً متقادمة، وكذلك صياغات وثائق تأمين الممتلكات والمسؤولية تجاه الطرف الثالث؟ ويرتبط بهذه الحالة ضعف أو حتى انعدام الصيانة الدورية والوقائية على الممتلكات مما يزيد من احتمال وقوع الحوادث وقيام مطالبات بسببها رغم أنها ليست موضوعاً للتأمين وذلك لأن مثل هذه الحوادث تضعف أو تنعدم فيها صفة الاحتمالية كونها قابلة للاكتشاف أثناء الصيانة.
6 إعادة تأمين عراقية. دور شركة إعادة التأمين العراقية، منذ تأسيسها مروراً بفترة ازدهارها وتقلص دورها بفعل قرارات الحصار الدولي، بحاجة إلى وقفة نقدية لإبراز مالها وما عليها. وآمل أن ينهض غيري للتصدي لهذه المهمة فلست أهلاً لها ولا أتوفر على المعلومات الضرورية. وأنا أميل إلى استمرار وجودها حتى مع انتهاء دورها الحالي في توفير الحماية الإعادية الجماعية لكل الشركات العاملة في العراق ـ أي إنني من دعاة وجود شركة إعادة تأمين عراقية متخصصة. ولتعزيز دورها أرى زيادة رأسمال شركة إعادة التأمين العراقية. واقترح مساهمة شركات التأمين المباشر في الزيادة مع عدم المساس باستقلاليتها الإدارية وقراراتها الاكتتابية. يحتاج هذا المشروع، الذي يبدو شاذاً ومتطرفاً، استقصاء رأي شركات التأمين المباشر ودراسة معمقة لتقييم قانونيته، وربما يستوجب عندها إعادة النظر في قانون الشركة. وعموماً وضمن الظروف القائمة فإن هذه الزيادة، إن جاءت من تدوير أرباحها أو مساهمة شركات التأمين المباشر أو غيرها، ستساعدها في توسيع قدراتها الاكتتابية وكذلك نطاق الاتفاقيات الحالية. وكل ذلك ينعكس إيجابياً على شركات التأمين المباشر.
7 تنمية محفظة التأمين. أعني بهذا تنمية محفظة السوق ككل، وبعبارة أخرى زيادة كثافة التأمين رغم أن الظروف الحالية لا تسمح إلا بالقدر اليسير من التوسع. لكن جهداً جماعياً قد يخلق الشروط المناسبة لذلك، أي خلق شروط الطلب الفعّال على الحماية التأمينية ومنها تأسيس الطلب بقوة القانون كما هو عليه الحال بالنسبة للتأمين الإلزامي من حوادث السيارات.[6] ومن الأمثلة على ذلك إلزامية التأمين على بعض فروع التأمين. قد يجد هذا الإلزام ترجمته في ربط القروض العقارية بالتأمين على الحياة، وربما يكون هذا هو السائد الآن رغم أن مثل هذه القروض هي في أول عهدها بعد انكفاء طويل، فقد قرأت مؤخراً أن مصرف الرافدين قد خصص أموالاً لمثل هذه القروض لموظفيه وللمواطنين.[7] كما يجد الإلزام ترجمته في قيام أمانة العاصمة والمحافظات كافة بالتأمين على ممتلكاتها البلدية ومسؤولياتها القانونية والتعاقدية. وكذلك التأمين على المصالح والممتلكات العامة Civil Engineering Completed Risks Insurance (CECR)[8] ومن الضروري عدم تجاهل شركات التأمين العراقية من قبل مؤسسات الدولة العراقية والأمم المتحدة والشركات الأجنبية بفضل الغطاء القانوني الذي يوفره لها قانون تنظيم أعمال التأمين. وهذا يحتاج إلى إعادة النظر ببعض أحكام هذا القانون. كما يتطلب تدخل جمعية شركات التأمين لإشاعة نموذج لشروط التأمين والتعويض في عقود الإنشاء. وقد تجتهد شركات التأمين في ابتداع وثائق تأمين تتناسب مع دخول الفئات الفقيرة.
8 تأمين صناعة النفط العراقية. من بين القضايا التي تستحق وقفة خاصة قضية تأمين أصول صناعة النفط العراقية. وقد يكون هذا مثار التجاذب بين مختلف الأطراف المحلية والخارجية. ما يجب التأكيد عليه هو أن هذه الصناعة ستكون مصدراً كبيراً لأقساط التأمين وعمولات الإسناد متى ما اكتملت التغطية التأمينية لها، وأن التأمين عليها يجب أن يمر من خلال شركات التأمين العراقية ليس من باب ذر الرماد على عيون هذه الشركات بل من خلال مشاركة حقيقية في تجميع المعلومات والبيانات الاكتتابية والتنسيق فيما بين الشركات ذاتها وتفويض من يقوم منها بالتعامل مع وسطاء التأمين ومعيدي التأمين الدوليين. وأملنا أن لا يتعكز البعض على الوضع الحالي الضعيف لشركات التأمين العراقية وتجاهل دورها وتبرير ذلك باسم نظرية المزايا النسبية للتجارة الدولية. نحن على قناعة بأن مشاركتها في هذه المرحلة سيفرض عليها مجابهة التحدي الذي يثيره تأمين صناعة النفط واكتساب الخبرة في التعامل معها. من المناسب أن نذكر هنا أن شركات التأمين المحلية (الوطنية) في جميع البلدان العربية المنتجة للنفط تقوم، بصيغة أو أخرى وبفعالية، بالتأمين على أخطار الصناعة النفطية في جميع مراحلها بالتعاون مع ومن خلال وسطاء التأمين الدوليين. وأملنا أن لا تفوت شركات التأمين العراقية هذه التجربة وتعمل معاً على نبذ المصالح الضيقة المترسخة في الداخل والخارج.
[د] من باب الختام
تطوير سوق التأمين ضمن رؤية التغييرات الحاصلة على المستوى الدولي وإقحام العراق في دائرته بدأ مع تشريع قانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005. أي أنه تم وضع الأساس القانوني لاقتصاد السوق في مجال التأمين رغم أن محاولات مقيدة بهذا الاتجاه قد جرت ضمن قوانين الشركات في 1997 بشأن الشركات الخاصة والشركات العامة وفرت فرصة لتأسيس شركات تأمين خاصة ما زالت مستمرة في العمل. يحتاج نمو القطاع إلى توفر الأمن العام واستقرار العلاقات بين الناس وبين المؤسسات الخاصة والعامة وضمان الحقوق ليس على الورق ولكن في الممارسة وأمام المحاكم ودون خوف. التأمين رديف الحالة السوية متى ما افتقدت هذه الحالة هزل دور التأمين لا بل أن الخطر المعنوي يميل، بشكل عام، نحو الانحدار في فترات الانكماش والكساد الاقتصادي ويلقي ذلك بعبئه على شركات التأمين. يمكن توسيع وتعزيز شبكة العلاقات بين شركات التأمين والشركات الصناعية والتجارية من خلال جمعية شركات التأمين العراقية. فالاتصال مع غرف التجارة والصناعة وجمعيات رجال الأعمال وغيرها من المؤسسات توفر أرضية مناسبة لعرض خدمات التأمين بما يتوافق مع متطلبات هذه المؤسسات. ولعلنا لا نغالي إن ألقينا على عاتق الجمعية مهمة تدبيج ورقة موقفposition paper تجاه كل قضية من القضايا الأساسية ذات العلاقة بتطوير السوق الوطني ومنها، على سبيل المثال وليس الحصر، الضغط على الحكومة والمؤسسات العامة لإعارة التأمين ما يستحقه من الاهتمام ودون التفريط بدور الشركات العراقية القائمة، وكذلك القضايا التي تحضى بإجماع شركات التأمين، وتلك التي تتطلب النقاش العلني أو الدراسة من قبل المختصين. لم نأتي على ذكر دور لشركات إعادة التأمين الدولية فهذه محكومة باعتبارات اقتصادية والوضع الأمني السائد في العراق، وهي لا ترى نفسها إلا كمؤسسات تعمل على تحقيق الربح وليست بجمعيات خيرية. ولهذا فإن المؤمل منها يخضع دائماً للحساب التجاري. كلما تحسن هذا الحساب كلما زادت المساهمة الإعادية، وخاصة في جانبها الفني، لشركات التأمين العراقية. مصباح غازي عسكر كمال لندن حزيران 2006
مصباح كمال
كتبت هذه الورقة بعجالة بتحفيز غير مباشر من الزميل محمد الكبيسي، فقد كتب لي في 11/6/2006 مُقدراً اهتمامي بصناعة التأمين في العراق رغم ابتعادي الطويل عنه. أردت أن أكون عند حسن ظنه وغيره من زملائي في المهنة فوضعت جملة من الملاحظات والأفكار عن بعض قضايا التأمين في العراق لفتح باب المناقشة وصولاً لتطوير أفكار أفضل من قبلهم بشأن هذه القضايا واجتراح الحلول الملائمة لتأسيس صناعة تأمينية وطنية عراقية. فللزميل الكبيسي كثير شكري على حواره معي وتزويدي بالمعلومات. أرجو من القارئ تقويم ما ورد في هذه الورقة بالنقد والتصحيح للتوصل إلى الوضوح وتحديد القضايا حسب أهميتها وجدواها الاقتصادية وفائدتها لمشروع السوق الوطنية العراقية للتأمين في العراق الذي أدعو إليه.
[أ] الإطار العام: مدخل
تلعب الثقافة الموروثة دوراً في تكييف الأفكار والسياسات الحاضرة في مجالات الحياة ومنها الاقتصاد لكنها لا تحجب، أو هكذا أعتقد اعتماداً على الإرث التاريخي المعروف في التلاقح بين الثقافات، فرصة الاستفادة من الأفكار والممارسات والتجارب الوطنية للغير، واستعارتنا وتبني التأمين في صيغته الأوروبية خير مثال على ذلك. وفي غياب الموقف الدوغمائي ليست هناك موانع فكرية وأخلاقية تحول دون هذه الاستفادة، خاصة في زماننا، مع استمرار تزايد اندماج ودمج الاقتصادات الوطنية في السوق العالمية (تداخل قوة القانون الاقتصادي المتحكم بالعلاقات والبنى الاقتصادية والفعل السياسي المقرون بها). فنحن نشهد في هذا السوق حرية أكبر في انتقال السلع (وخاصة الاستهلاكية إذ أن غيرها من السلع الاستراتيجية يخضع لقيود الملكية الفكرية، مثلما يخضع انتقال، هجرة، قوة العمل من الجنوب إلى الشمال لاعتبارات قانونية وثقافية وسياسية) وانتقال الخدمات ورؤوس الأموال إضافة إلى الكم الهائل من المعلومات المتوفرة، حتى الآن مجاناً، على الانترنيت. ويجد هذا الوضع تعبيره الجيو-سياسي في مشاريع غربية عديدة للعراق وللشرق الأوسط عموماً، وتعبيره الاقتصادي في الاهتمام المتزايد، في الخارج والداخل، بالاستثمارات الأجنبية، وفي التأكيد على دور القطاع الخاص كمنقذ من المشاكل الاقتصادية في العراق كما في غيره من البلدان العربية، وفي تقليص دور الدولة الاقتصادي وفي تسليع الخدمات الاجتماعية. وهكذا فنحن أمام نمط جديد/قديم من الاقتصاد، نمط ما يسمى بالاقتصاد الحر، مصادره الفكرية خارجية، نحتاج معه إلى الكثير من التكيف، بحكم بنية الاقتصاد العالمي، مع الحفاظ على درجة من الاستقلالية، كتعبير سيادي، في اتخاذ القرار وفي الحفاظ على حقوق الناس العاديين وثرواتهم الطبيعية وليس الانحياز المطلق لمصالح مؤسسات رأس المال وأرقام النمو الاقتصادي. بمعنى آخر، تحقيق شروط المساواة للجميع أو قل موازنة المصالح المتباينة دون الإجحاف بحقوق المواطنة المعاصرة في الحريات السياسية والاجتماعية والاقتصادية ونوعية الحياة. مجرد التماهي مع متطلبات السياسات الاقتصادية والمالية التي ترسم خارج العراق، باسم المعاصرة، لا يمثل مخرجاً حقيقياً للعقد التي تنتظم قضايا الاقتصاد العراقي.
[ب] قانون تأمين أعمال التأمين لسنة 2005 نموذجاً لدمج التأمين في العراق في السوق العالمية
يمكننا أن ننظر إلى قانون تأمين أعمال التأمين لسنة 2005 ضمن ما ذكرته أعلاه، فلم يكن هذا القانون ليندرج ضمن تطورات السوق العراقي للتأمين بل جاء نتيجة لفعل سياسي مهدّ له الغزو والاحتلال والهيئات التي خلقتها الإمبراطورية الأمريكية بفضل "فائض القوة" التي تتمتع بها.[1] لست من دعاة الرفض المطلق لهذا وغيره من القوانين لمجرد أنه من صنع الاحتلال وان الاحتلال لا يمتلك الشرعية بموجب القانون الدولي لتغيير ما هو قائم (فقطاع التأمين لم يشكل تهديداً للاحتلال ليسمح له بتغيير قوانينه القائمة) فواقع الحال هو أن هذا القانون أصبح هو السائد، رغم أنه لم يلغي القوانين الماضية، وبفضله تم تأسيس ديوان التأمين العراقي وجمعية شركات التأمين وإعادة التأمين العراقية. لكن هذا القانون يحتمل التنقيح كما أشرتُ سابقاً،[2] والتنقيح يجب أن يطال بالدرجة الأولى تلك الفقرات التي تُضعف تشكيل السوق الوطنية العراقية للتأمين من خلال الأفضليات الممنوحة للشركات الأجنبية ومن بينها عدم ضرورة التسجيل داخل العراق لممارسة أعمال التأمين. وقد يتعزّز هذا الضعف مع الميل في إقليم كردستان العراق لتغليب ما هو محلي على الوطني لكني ربما أكون على خطأ في تقديري هذا. وأرى أن أخطر أحكام هذا القانون هو توفير الغطاء لتجاهل شركات التأمين العراقية.[3] بسبب الوضع الأمني فإن شركات لتأمين الأجنبية الكبيرة لم تدخل السوق العراقي من خلال ما يعرف بالاستثمار الأجنبي المباشر Direct Foreign Investment (DFI) وهو في الكثير من الحالات ينحصر في عمليات الدمج والاستحواذ على ما هو قائم mergers & acquisitions إن هذه الشركات، بقدراتها المالية الضخمة، تستطيع، نظرياً، "ابتلاع" السوق العراقي برمته والقوانين الحالية تسمح لها بذلك وبعض أصحاب المال العراقيين قد يرحبون بذلك كونه فرصة لتحقيق عائد كبير من خلال بيع حصصهم. سيكون هذا الوضع، دمج سوق التأمين العراقي بالسوق العالمي من خلال الاستحواذ الأجنبي، إن تحقق مستقبلاً، شاذاً. هذا احتمال نظري أثرناه بدافع مراجعة القوانين القائمة لضمان دور وطني في صناعة التأمين.
[ج] رصد أولي لبعض قضايا سوق التأمين في العراق
قضايا سوق التأمين في العراق عديدة لا قدرة لي على الإلمام بجميعها والمعروض منها هنا انتقائي يعكس اهتماماً شخصياً. والمؤمل أن يقوم أصحاب العلاقة في العراق بصياغة القضايا الأساسية وترتيبها حسب أولوياتها فهم أدرى بشؤونهم.
1 إعادة النظر ببعض بنود قانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005. أشرت لهذه البنود في مقالات سابقة. ومن رأي أن يقوم النقد والتقويم من منطلق تحقيق سوق تأمين وطنية عراقية دون أن يعني ذلك، مثلاً، رفض الاستثمار الأجنبي فالتوجه العام للحكومات المتعاقبة منذ 2003 وحتى الدستور، الذي اقترن بالقبول في استفتاء 15 تشرين الأول 2005، وما يسّود من قوانين محلية في إقليم كردستان بعضها معروض على برلمان الإقليم كقانون الاستثمار، كلها تصب في منحى استجذاب رأس المال الأجنبي ـ كما حاولت أن أضعه في السياق العام لدمج ما هو وطني في ما هو عالمي (الفقرة [أ] أعلاه).
2 الدستور والفيدرالية والتأمين. حاولت أن أدرس هذا الموضوع، في ورقتي غير المنشورة التي أنجزتها مؤخراً عن تطوير التأمين في إقليم كردستان،[4] بشيء من الحذر إذ أنه جديد في مجاله فيما يخص العراق (أقصد جدة النشاط التأميني ضمن البنية الفيدرالية)، ويحتاج إلى سعة الصدر في التحليل والاستنتاج وخاصة ممن تتأثر مصالحهم سلبياً أو إيجابياً، كما أنه يثير حساسيات سياسية وقومانية. هنا أيضاً أتمنى أن ينصب الجهد في الدراسة على تحقيق سوق تأمين وطنية عراقية ـ هذا إذا كان مثل هذا الهدف يحضى بقبول عام بين المعنيين من ممارسي التأمين وأصحاب الشأن في العراق وفي الإقليم. هناك محاولات لإحياء قطاع التأمين في الإقليم من قبل بعض الشركات وكذلك تأسيس شركات جديدة بعد أن توقف النشاط التأميني فيه منذ تشرين الأول 1991 عندما قامت الحكومة المركزية بتجميد وسحب جميع مؤسساتها ومنها فروع ومكاتب شركات التأمين.
3 تكامل سوق التأمين العراقي. تاريخ التأمين الحديث في العراق كما نعرفه كان ينحصر بشركات التأمين المباشر الوطنية والعربية والأجنبية، وبعض وكالات التأمين، وشركة واحدة لإعادة التأمين (1960). وفي ظني أن السوق المتكامل يجب أن يضم مؤسسات مهنية، تكميلية، في المجالات التالية: - تقييم الممتلكات لأغراض تأمينية valuation of assets أي لتحديد مبالغ التأمين بقيمها الاستبدالية وهو مطلب أساسي في التأمين على الأخطار الكبيرة. - الكشف الميداني الهندسي على الأخطار والمشاريع الكبيرة لأغراض اكتتابية engineering surveys من قبل مهندسين مؤهلين وأصحاب خبرة. - تطوير مهنة خبراء تسوية الخسائر loss adjusting من قبل أشخاص مؤهلين ومتمرسين. - وساطة التأمين insurance intermediation هذا المقترح لتكميل بنية السوق الوطني للتأمين يقوم على فكرة تفكيك الوظيفية التأمينية التقليدية unbundling التي تنحصر جلّ مهامها (الإنتاج، الاكتتاب، الكشف الميداني، تسوية المطالبات وإعادة التأمين المباشر) لدى شركة التأمين، ومعناه أيضاً تعميق تقسيم العمل ومجالات التخصص وتنظيمها في مؤسسات مهنية. مثل هذا الوضع لن يتحقق سريعاً لكن التفكير فيه الآن ووضع الخطط بشأنه قد يعجل من ظهور بعض المهارات المهنية المتخصصة. ولعلي هنا أتمنى أن تكون صناعتنا التأمينية موازية لما هو موجود في الأسواق المتقدمة. وقد يتطلب تطوير المهن المكملة الاستهداء بتجارب الغير ونقل المعارف والمهارات المتوفرة لديهم.
4 التدريب المهني ودور جمعية شركات التأمين وإعادة التأمين العراقية وديوان التأمين العراقي. قد يكون النقص في الكادر الوظيفي المدرب واحدة من أهم المشاكل التي تعاني منها صناعة التأمين في العراق وأسبابه تنحصر في هجرة وتهجير الكوادر خلال ما يزيد عن الثلاثين سنة من عمر الدكتاتورية،[5] والحصار الدولي (آب 1990- أيار 2003) الذي فاقم من انعدام فرص الارتباط بالعالم الخارجي والتعلم في مجال التأمين كان من أحد نتائجه تقليص مهارة العاملين إلى حد نزعها عنهم deprofessionlisation. هناك الآن فجوة بين الصف الأول والصف الثاني والثالث. وردم هذه الفجوة يتطلب جهداً جماعياً وتمويلاً من داخل وخارج القطاع. ومن هنا التعويل، إلى حد ما، على الجمعية والديوان فكلاهما يستطيعان رسم السياسات وتوفير الفرص والتحري عن مصادر تمويل النشاط التدريبي. أذكر أنني تعلمت الكثير من أصول التأمين في دورة تأمينية ابتدائية أواخر عام 1968 عندما التحقت بشركة التأمين الوطنية في بغداد. أليس هناك همة كافية في محاكاة تجارب الماضي؟ بدون الكادر المتدرب، التكنولوجيا الحقيقية في صناعة التأمين، سيكون من الصعب التعامل مع الأخطار الكبيرة وستتعرّض شركات التأمين لفقدان دورها في العملية الاكتتابية وحتى التواصل الاحترافي اللائق مع معيدي ووسطاء التأمين الدوليين. وليس صحيحاً إبقاء التعامل محصوراً في الإدارة العليا للشركة فحتى الإدارة تحتاج إلى مشاركة كوادرها ولذلك يصبح تأهيل وإعادة تأهيل هؤلاء ضرورياً.
5 إشكاليات الاكتتاب بالأخطار العراقية. أربط هذه الإشكاليات بتدني الوضع الأمني العام وهو في حد ذاته مصدر لأنواع جديدة من التأمين كتوسيع وثائق الحوادث الشخصية لتغطية خطر الأعمال الإرهابية، مثلما هو مصدر إعاقة لتطوير حجم المحفظة التأمينية، وتضييق نطاق إعادة التأمين الدولية. وبطبيعة الحال، فإن شركات التأمين لا تمتلك مفاتيح علاج هذا الوضع غير التكييف معه وأقله هو الحفاظ على حياة العاملين في حركتهم اليومية في الإنتاج وفي خدمة الزبائن. ليست لدي حلول فيما يخص شركات التأمين سوى الإشارة إلى أن تأثير الوضع الأمني يختلف من شركة إلى أخرى حسب موقعها وسكنى عامليها. هل أن تغيير الموقع، مثلاً، يخفف من وطأة الوضع الأمني (أقول هذا لمعرفتي بأن البعض يسكن في الدورة واسمها كان يتردد في الأخبار باستمرار). ثم هناك تدهور الخطر المعنوي الذي يؤثر سلباً على إنتاج الشركات إذ أنها ربما بدافع زيادة الإنتاج (أقول هذا بحذر شديد مخافة أن أكون على خطأ) قد لا تعير الأمر ما يستحقه من عناية وحتى لو اهتمت فإن ظاهرة انتهاز الفرص، من قبل من اعتدنا وصفهم بأصحاب النفوس الضعيفة، لتعظيم الاستفادة من وثائق التأمين بوسائل شتى قد لا تجد حلاً سريعاً لها في الوقت الحاضر. لا أعرف، لربما يكون هناك خوف من رفض مطالبة مشكوك في أمرها إن كان صاحبها يمتلك وسائل تجعله في موقع الآمر تجاه شركة التأمين (هذا ما حصل خلال الحرب الأهلية اللبنانية ولكن على نطاق ضيق). أقول هذا ضمن إشكالية مرتبطة بها وهي مسألة الفساد الإداري، بالمعنى الضيق، كالرشوة والغش، والموسع، كاستغلال النفوذ والزبائنية. ولا أعرف مدى تأثير هذه الظاهرة على العمل التأميني. نتائج الحروب على التركيبة السكانية (ودورها في التأمين على الحياة)، وأخطار التلوث وأثرها على الصحة العامة (في التأمين على الحياة) وكذلك الممتلكات، تقتضي دراسة من وجهة نظر تأمينية لفائدة الشركات (صياغة عقود التأمين فيما يخص استثناء أو تغطية هذه الأخطار) وتوعية جمهور المؤمن لهم بحقوقهم بموجب عقود التأمين. في هذا السياق، هل هناك ضرورة لإعادة النظر في جداول الوفيات، وهي أصلاً متقادمة، وكذلك صياغات وثائق تأمين الممتلكات والمسؤولية تجاه الطرف الثالث؟ ويرتبط بهذه الحالة ضعف أو حتى انعدام الصيانة الدورية والوقائية على الممتلكات مما يزيد من احتمال وقوع الحوادث وقيام مطالبات بسببها رغم أنها ليست موضوعاً للتأمين وذلك لأن مثل هذه الحوادث تضعف أو تنعدم فيها صفة الاحتمالية كونها قابلة للاكتشاف أثناء الصيانة.
6 إعادة تأمين عراقية. دور شركة إعادة التأمين العراقية، منذ تأسيسها مروراً بفترة ازدهارها وتقلص دورها بفعل قرارات الحصار الدولي، بحاجة إلى وقفة نقدية لإبراز مالها وما عليها. وآمل أن ينهض غيري للتصدي لهذه المهمة فلست أهلاً لها ولا أتوفر على المعلومات الضرورية. وأنا أميل إلى استمرار وجودها حتى مع انتهاء دورها الحالي في توفير الحماية الإعادية الجماعية لكل الشركات العاملة في العراق ـ أي إنني من دعاة وجود شركة إعادة تأمين عراقية متخصصة. ولتعزيز دورها أرى زيادة رأسمال شركة إعادة التأمين العراقية. واقترح مساهمة شركات التأمين المباشر في الزيادة مع عدم المساس باستقلاليتها الإدارية وقراراتها الاكتتابية. يحتاج هذا المشروع، الذي يبدو شاذاً ومتطرفاً، استقصاء رأي شركات التأمين المباشر ودراسة معمقة لتقييم قانونيته، وربما يستوجب عندها إعادة النظر في قانون الشركة. وعموماً وضمن الظروف القائمة فإن هذه الزيادة، إن جاءت من تدوير أرباحها أو مساهمة شركات التأمين المباشر أو غيرها، ستساعدها في توسيع قدراتها الاكتتابية وكذلك نطاق الاتفاقيات الحالية. وكل ذلك ينعكس إيجابياً على شركات التأمين المباشر.
7 تنمية محفظة التأمين. أعني بهذا تنمية محفظة السوق ككل، وبعبارة أخرى زيادة كثافة التأمين رغم أن الظروف الحالية لا تسمح إلا بالقدر اليسير من التوسع. لكن جهداً جماعياً قد يخلق الشروط المناسبة لذلك، أي خلق شروط الطلب الفعّال على الحماية التأمينية ومنها تأسيس الطلب بقوة القانون كما هو عليه الحال بالنسبة للتأمين الإلزامي من حوادث السيارات.[6] ومن الأمثلة على ذلك إلزامية التأمين على بعض فروع التأمين. قد يجد هذا الإلزام ترجمته في ربط القروض العقارية بالتأمين على الحياة، وربما يكون هذا هو السائد الآن رغم أن مثل هذه القروض هي في أول عهدها بعد انكفاء طويل، فقد قرأت مؤخراً أن مصرف الرافدين قد خصص أموالاً لمثل هذه القروض لموظفيه وللمواطنين.[7] كما يجد الإلزام ترجمته في قيام أمانة العاصمة والمحافظات كافة بالتأمين على ممتلكاتها البلدية ومسؤولياتها القانونية والتعاقدية. وكذلك التأمين على المصالح والممتلكات العامة Civil Engineering Completed Risks Insurance (CECR)[8] ومن الضروري عدم تجاهل شركات التأمين العراقية من قبل مؤسسات الدولة العراقية والأمم المتحدة والشركات الأجنبية بفضل الغطاء القانوني الذي يوفره لها قانون تنظيم أعمال التأمين. وهذا يحتاج إلى إعادة النظر ببعض أحكام هذا القانون. كما يتطلب تدخل جمعية شركات التأمين لإشاعة نموذج لشروط التأمين والتعويض في عقود الإنشاء. وقد تجتهد شركات التأمين في ابتداع وثائق تأمين تتناسب مع دخول الفئات الفقيرة.
8 تأمين صناعة النفط العراقية. من بين القضايا التي تستحق وقفة خاصة قضية تأمين أصول صناعة النفط العراقية. وقد يكون هذا مثار التجاذب بين مختلف الأطراف المحلية والخارجية. ما يجب التأكيد عليه هو أن هذه الصناعة ستكون مصدراً كبيراً لأقساط التأمين وعمولات الإسناد متى ما اكتملت التغطية التأمينية لها، وأن التأمين عليها يجب أن يمر من خلال شركات التأمين العراقية ليس من باب ذر الرماد على عيون هذه الشركات بل من خلال مشاركة حقيقية في تجميع المعلومات والبيانات الاكتتابية والتنسيق فيما بين الشركات ذاتها وتفويض من يقوم منها بالتعامل مع وسطاء التأمين ومعيدي التأمين الدوليين. وأملنا أن لا يتعكز البعض على الوضع الحالي الضعيف لشركات التأمين العراقية وتجاهل دورها وتبرير ذلك باسم نظرية المزايا النسبية للتجارة الدولية. نحن على قناعة بأن مشاركتها في هذه المرحلة سيفرض عليها مجابهة التحدي الذي يثيره تأمين صناعة النفط واكتساب الخبرة في التعامل معها. من المناسب أن نذكر هنا أن شركات التأمين المحلية (الوطنية) في جميع البلدان العربية المنتجة للنفط تقوم، بصيغة أو أخرى وبفعالية، بالتأمين على أخطار الصناعة النفطية في جميع مراحلها بالتعاون مع ومن خلال وسطاء التأمين الدوليين. وأملنا أن لا تفوت شركات التأمين العراقية هذه التجربة وتعمل معاً على نبذ المصالح الضيقة المترسخة في الداخل والخارج.
[د] من باب الختام
تطوير سوق التأمين ضمن رؤية التغييرات الحاصلة على المستوى الدولي وإقحام العراق في دائرته بدأ مع تشريع قانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005. أي أنه تم وضع الأساس القانوني لاقتصاد السوق في مجال التأمين رغم أن محاولات مقيدة بهذا الاتجاه قد جرت ضمن قوانين الشركات في 1997 بشأن الشركات الخاصة والشركات العامة وفرت فرصة لتأسيس شركات تأمين خاصة ما زالت مستمرة في العمل. يحتاج نمو القطاع إلى توفر الأمن العام واستقرار العلاقات بين الناس وبين المؤسسات الخاصة والعامة وضمان الحقوق ليس على الورق ولكن في الممارسة وأمام المحاكم ودون خوف. التأمين رديف الحالة السوية متى ما افتقدت هذه الحالة هزل دور التأمين لا بل أن الخطر المعنوي يميل، بشكل عام، نحو الانحدار في فترات الانكماش والكساد الاقتصادي ويلقي ذلك بعبئه على شركات التأمين. يمكن توسيع وتعزيز شبكة العلاقات بين شركات التأمين والشركات الصناعية والتجارية من خلال جمعية شركات التأمين العراقية. فالاتصال مع غرف التجارة والصناعة وجمعيات رجال الأعمال وغيرها من المؤسسات توفر أرضية مناسبة لعرض خدمات التأمين بما يتوافق مع متطلبات هذه المؤسسات. ولعلنا لا نغالي إن ألقينا على عاتق الجمعية مهمة تدبيج ورقة موقفposition paper تجاه كل قضية من القضايا الأساسية ذات العلاقة بتطوير السوق الوطني ومنها، على سبيل المثال وليس الحصر، الضغط على الحكومة والمؤسسات العامة لإعارة التأمين ما يستحقه من الاهتمام ودون التفريط بدور الشركات العراقية القائمة، وكذلك القضايا التي تحضى بإجماع شركات التأمين، وتلك التي تتطلب النقاش العلني أو الدراسة من قبل المختصين. لم نأتي على ذكر دور لشركات إعادة التأمين الدولية فهذه محكومة باعتبارات اقتصادية والوضع الأمني السائد في العراق، وهي لا ترى نفسها إلا كمؤسسات تعمل على تحقيق الربح وليست بجمعيات خيرية. ولهذا فإن المؤمل منها يخضع دائماً للحساب التجاري. كلما تحسن هذا الحساب كلما زادت المساهمة الإعادية، وخاصة في جانبها الفني، لشركات التأمين العراقية. مصباح غازي عسكر كمال لندن حزيران 2006
هوامش
[1] تعبير الإمبراطورية وفائض القوة surplus power من ابتداع الكتاب والمحللين الأمريكان وبعضهم قريب جداً من الإدارة أو يعمل لها. أنظر على سبيل المثال: Richard N Haass, “What to do with American Primacy,” Foreign Affairs, September 1999, http://www.brook.edu/views/articles/haass/20001111.htm في هذه الدراسة وفي غيرها من الدراسات نجد جذور الاستراتيجية الأمريكية لعهد ما بعد الاحتواء والذي وضع قيد التطبيق بعد الحادي عشر من أيلول 2001 في أفغانستان والعراق.
[2] "قانون تنظيم أعمال التأمين: تعليقات هامشية" الثقافة الجديدة، العدد 316 (2005)، http://www.althakafaaljadeda.com/316/14.htm وكذلك دراسة غير منشورة باللغة الإنجليزية تفصل خلفية القانون وما يراد منه وبعض آثاره الاقتصادية: Misbah G A Kamal, “Iraq’s Insurance Law: A Review of Context and Some Economic Consequences,” (London, May 2006)
[3] تطرقنا إلى الموضوع في مقالة منشورة: "تجاهل شركات التأمين العراقية: ملاحظات حول بعض آثاره السلبية" طريق الشعب، العدد 113 (16 شباط 2006) ص 9. ونشرت أيضاً بعنوان: "شركات التأمين العراقية متى تعاد إليها حقوقها" البيان، العدد 412 (بيروت آذار/مارس 2006) ص 116.
[4] مصباح كمال، "تطوير قطاع التأمين في كردستان العراق: ملاحظات أولية" (دراسة غير منشورة، لندن أيار/حزيران 2006)
[5] أنظر: مصباح كمال "التأمين في العراق وعقوبات الأمم المتحدة" في كتاب المنتدى الاقتصادي العراقي دراسات في الاقتصاد العراقي (لندن: المنتدى الاقتصادي العراقي، 2002) ص 86-87. لن يستطيع أي شخص ممارسة مهنة المحاماة أو الطب ما لم يكن مؤهلاً لها (بضع سنوات من الدراسة والتدريب) أي أن المهنة مغلقة closed profession. مهنة التأمين خلافاً لغيرها ما زالت مفتوحة open profession لأنها لا تضع قيوداً لمن يريد أن يدخلها ما خلا انتقاء أصحاب العمل لمن يرون فيهم امتلاك مزايا معينة. لكن الميل في الأسواق المتقدمة هو نحو تضييق باب الدخول وجعل المهنة قائمة على الاحتراف professionalisation وعلى سبيل المثال، لا يمكن لوسيط التأمين في سوق لندن أن يمارس أعمال الوساطة في لويدز ما لم يكن حائزاً على شهادة أولية خاصة بالمعارف والمهارات التأمينية الأساسية، وكذا الأمر بالنسبة لمكتتبي التأمين. كما أن السلطة الرقابية على الخدمات المالية في المملكة المتحدة Financial Services Authority (FSA) تشترط على من يخضع لإشرافها، كشركات التأمين والوساطة والمصارف وغيرها، استمرار العاملين فيها على التعلم المهني المستمر continuing professional education (CPA) الذي يمكن أن يتخذ أشكالاً عديدة من دورات تدريبية ودراسة مهنية إلى قراءة المطبوعات الخاصة بالمهنة. ويحدونا الأمل تطوير مهنة التأمين في العراق بما يتناسب مع متطلباتها والارتقاء بها لتحتل موقعاً متميزاً لها بين المهن الأخرى ولتكون في مصاف قريناتها في الأسواق المتقدمة للاستجابة لحاجات الزبائن وخاصة الحاجات المعقدة للشركات.
[6] نحن ندعو إلى فكرة الإلزام وليس نقل الآلية التي تنتظم تطبيق قانون التأمين الإلزامي من حوادث السيارات فهذا القانون يستغني عن الدور الاكتتابي لشركات التأمين ـ انتقاء الخطر، وتحديد السعر والشروط.
[7] أوردت الخبر وكالة أنباء أصوات العراق (بغداد 8/6/2006) الذي جاء فيه أن المصرف "يشترط تقديم ضمانات عقارية للحصول على مبلغ القرض." ولم يأتي المتحدث باسم مصرف الرافدين على ذكر ضمانة التأمين كبديل أو كمكمل لاشتراط تقديم القرض لموظفي المصرف والمواطنين.
[8] Munich Re, Civil Engineering Completed Risks Insurance (Munich, 1995)
[2] "قانون تنظيم أعمال التأمين: تعليقات هامشية" الثقافة الجديدة، العدد 316 (2005)، http://www.althakafaaljadeda.com/316/14.htm وكذلك دراسة غير منشورة باللغة الإنجليزية تفصل خلفية القانون وما يراد منه وبعض آثاره الاقتصادية: Misbah G A Kamal, “Iraq’s Insurance Law: A Review of Context and Some Economic Consequences,” (London, May 2006)
[3] تطرقنا إلى الموضوع في مقالة منشورة: "تجاهل شركات التأمين العراقية: ملاحظات حول بعض آثاره السلبية" طريق الشعب، العدد 113 (16 شباط 2006) ص 9. ونشرت أيضاً بعنوان: "شركات التأمين العراقية متى تعاد إليها حقوقها" البيان، العدد 412 (بيروت آذار/مارس 2006) ص 116.
[4] مصباح كمال، "تطوير قطاع التأمين في كردستان العراق: ملاحظات أولية" (دراسة غير منشورة، لندن أيار/حزيران 2006)
[5] أنظر: مصباح كمال "التأمين في العراق وعقوبات الأمم المتحدة" في كتاب المنتدى الاقتصادي العراقي دراسات في الاقتصاد العراقي (لندن: المنتدى الاقتصادي العراقي، 2002) ص 86-87. لن يستطيع أي شخص ممارسة مهنة المحاماة أو الطب ما لم يكن مؤهلاً لها (بضع سنوات من الدراسة والتدريب) أي أن المهنة مغلقة closed profession. مهنة التأمين خلافاً لغيرها ما زالت مفتوحة open profession لأنها لا تضع قيوداً لمن يريد أن يدخلها ما خلا انتقاء أصحاب العمل لمن يرون فيهم امتلاك مزايا معينة. لكن الميل في الأسواق المتقدمة هو نحو تضييق باب الدخول وجعل المهنة قائمة على الاحتراف professionalisation وعلى سبيل المثال، لا يمكن لوسيط التأمين في سوق لندن أن يمارس أعمال الوساطة في لويدز ما لم يكن حائزاً على شهادة أولية خاصة بالمعارف والمهارات التأمينية الأساسية، وكذا الأمر بالنسبة لمكتتبي التأمين. كما أن السلطة الرقابية على الخدمات المالية في المملكة المتحدة Financial Services Authority (FSA) تشترط على من يخضع لإشرافها، كشركات التأمين والوساطة والمصارف وغيرها، استمرار العاملين فيها على التعلم المهني المستمر continuing professional education (CPA) الذي يمكن أن يتخذ أشكالاً عديدة من دورات تدريبية ودراسة مهنية إلى قراءة المطبوعات الخاصة بالمهنة. ويحدونا الأمل تطوير مهنة التأمين في العراق بما يتناسب مع متطلباتها والارتقاء بها لتحتل موقعاً متميزاً لها بين المهن الأخرى ولتكون في مصاف قريناتها في الأسواق المتقدمة للاستجابة لحاجات الزبائن وخاصة الحاجات المعقدة للشركات.
[6] نحن ندعو إلى فكرة الإلزام وليس نقل الآلية التي تنتظم تطبيق قانون التأمين الإلزامي من حوادث السيارات فهذا القانون يستغني عن الدور الاكتتابي لشركات التأمين ـ انتقاء الخطر، وتحديد السعر والشروط.
[7] أوردت الخبر وكالة أنباء أصوات العراق (بغداد 8/6/2006) الذي جاء فيه أن المصرف "يشترط تقديم ضمانات عقارية للحصول على مبلغ القرض." ولم يأتي المتحدث باسم مصرف الرافدين على ذكر ضمانة التأمين كبديل أو كمكمل لاشتراط تقديم القرض لموظفي المصرف والمواطنين.
[8] Munich Re, Civil Engineering Completed Risks Insurance (Munich, 1995)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق