إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

2018/04/23

On Agricultural Insurance in Iraq


فاروق يونس، كامل العضاض، مصباح كمال*: تعليقات ورسائل حول التأمين الزراعي


نشر في موقع شبكة الاقتصاديين العراقيين:


تقديم

نشر الأستاذ فاروق يونس حواراً في موقع شبكة الاقتصاديين العراقيين بعنوان "حوار بين مزارع وخبير اقتصادي حول اهمية الادخار من اجل التنمية الاقتصادية."[1]  وقد أصبح هذا الحوار موضوعاً للتعليقات وتبادل الرسائل ركَّزت على دور التأمين في حماية الإنتاج الزراعي.  وبغية استدراج المزيد من التعليقات استقر الرأي على تجميع ما كتب ونشر في موقع الشبكة خاصة وأن ما يكتب وينشر عن القطاع الزراعي والتأمين عليه قليل جداً.  لذلك نتمنى على المهتمين في الدوائر الزراعية والتأمينية والجمعيات الفلاحية وأصحاب المزارع المشاركة في مناقشة الموضوعات المعروضة باختصار في هذه التعليقات والرسائل.

هيئة التحرير
3 نيسان/أبريل 2018


مصباح كمال
شيء من تاريخ التأمين الزراعي في العراق


(1)
مرة أخرى نشهد اهتمام الزميل فاروق يونس بالنشاط التأميني، وهذه المرة في فرع التأمين الزراعي.  فهو في هذا الحوار يلوم شركات التأمين، على لسان المزارع، بتقصيرها في توفير الحماية للمشاريع الزراعية والصناعية.  ويؤكد، على لسان الخبير الاقتصادي، تقصير هذه الشركات في مجال التأمين الزراعي.

يضم هذا الحوار أفكاراً مهمة تستحق المناقشة من قبل أهل الاختصاص ومنها: ضعف مساهمة القطاع الزراعي في العراق في الناتج المحلي الإجمالي (بنسية لا تزيد على ٦.٥ بالمائة)، وكذلك القطاع الصناعي (بنسبة لا تزيد على ١.٥ بالمائة).  وهو ما يؤشر على تدهور القطاع الزراعي، وحرف الاقتصاد العراقي من التوجه نحو التصنيع بتمويل من إيرادات النفط.  (أنظر بهذا الشأن د. صبري زاير السعدي، "المشروع الاقتصادي الوطني في العراق: مقاربة في برنامج صندوق النقد الدولي،" المستقبل العربي، العدد 469، آذار/مارس 2018.  وهذه الدراسة تستحق دراسة متأنية في ظل التوجهات الاقتصادية التي لم تحقق نقلة نوعية في مسار الاقتصاد العراقي).

لكننا سنكرس تعليقنا على البعد التأميني فيما أورده الزميل فاروق عن دور شركات التأمين في حماية مشاريع القطاع الزراعي.

ربما يمتلك الزميل معلومات عن التأمين الزراعي في العراق ليؤكد تقصير شركات التأمين في هذا الفرع من التأمين.  ونأمل منه أن يكشف بعض هذه المعلومات.  ننتهز هذه الفرصة لتقديم عرض سريع لجوانب من تاريخ التأمين الزراعي في العراق بأمل أن يقوم الآخرون تقديم ما لديهم من معلومات وتعليقات.

(2)
ما لدينا من معلومات تفيد أن شركة التأمين الوطنية تكاد أن تكون الوحيدة في ممارسة التأمين الزراعي.  وقد باشرت في تطبيقه عام 1982.  وكانت محفظة التأمين الزراعي تضم وثائق التأمين التالية: تأمين المحاصيل الزراعية، تأمين المركبات الزراعية، تأمين المواشي، تأمين الدواجن وتأمين خيول التربية أو السباق.

لم يكن إقبال المزارعين وافلاحين وغيرهم على جميع هذه الوثائق قوياً باستثناء التأمين على المواشي.  ربما يتذكر البعض استيراد مديرية الثروة الحيوانية للأبقار الهولندية Friesian وعرضها بأسعار متهاودة على المزارعين بهدف تطوير زيادة إنتاج الحليب، ونفوق أعداد كبيرة من هذه الأبقار ولأسباب عديدة، ترتب عليه خسائر كبيرة لشركة التأمين الوطنية.  وكذلك التأمين على حقول الدواجن التي انتشرت بفضل قروض المصرف الزراعي التعاوني.  وهي الأخرى تعرضت إلى أضرار كبيرة فاقمت من خسائر فرع التأمين الزراعي في الشركة.  ولم يكن هناك طلب حقيقي للتأمين على المحاصيل الزراعية ووثائق التأمين الأخرى، رغم أن الشركة وبالتعاون مع جهات مختلفة أطلقت حملة ترويجية لهذه الوثائق.

واعتماداً على ذاكرة الزميل فؤاد عبد الله عزيز (يعمل الآن في البحرين)، الذي أسس فرع التأمين الزراعي في شركة التأمين الوطنية (1982)، "فقد جرت محاولة عبر مبادرة من وزارة الزراعة والاصلاح الزراعي وبالتعاون مع فرع التأمين الزراعي بتأييد من إدارة شركة التأمين الوطنية لإعداد مشروع لجعل هذا النوع من التأمين إلزامياً لما يحققه من ابعاد اجتماعية وحماية للثروة الزراعية.  وقد نجحت الوزارة في ايصال المشروع إلى المجلس الوطني، وحضرتُ مناقشات المجلس للمشروع وتبين لي ان غالبية اعضاء المجلس كانوا ضد اقراره لمبررات اهمها عدم الرغبة في إلزام المزارعين على اجراء تأمين يقع ضمن دائرة اختيارهم ورغبتهم، عليه فقد جرى التصويت على رفض المشروع.  وخرجتُ من المجلس وانا مقتنع ان المشروع لم يكن مدعوما من القيادات العليا للدولة ليحقق التأثير المطلوب على اعضاء المجلس لإقراره وبذلك خسرت هذه التجربة فرصة كبيرة في ان تتطور بالشكل الذي أصبحت عليه في البلدان المذكورة [بريطانيا، يوغوسلافيا] وبقيت أعماله محدودة لغاية الوقت الراهن."  (فؤاد عبد الله عزيز، ثلاثة عقود في شركة التأمين الوطنية، مذكرات قيد الإعداد).

(3)
الكتابات العراقية المنشورة عن التأمين الزراعي شحيحة.  هناك دراسة مهمة للزميل عبد الزهرة عبد الله (يعمل الآن في الأمارات العربية المتحدة) بعنوان "نحو تأمين المحاصيل الزراعية في العراق" (مجلة رسالة التأمين، العدد 39، حزيران 1979، ص 52-59.  أشكر الزميل منعم الخفاجي على إرسال المجلة).  وقد كتبها عندما كان يعمل في شركة إعادة التأمين العراقية.  في عرضه لمشكلات التأمين الزراعي ذكر أموراً في غاية الأهمية ما زالت آثار بعضها قائمة وبعضها الآخر تمَّ تذليلها أثناء الإعداد لتأسيس فرع التأمين الزراعي في شركة التأمين من خلال التدريب المكثف مع المؤسسات التأمينية المختصة خارج العراق، والاستفادة من المعرفة العلمية للعديد من العاملين في مجال الإنتاج الزراعي في العراق.  نقتبس هنا بالكامل ما عرضه زميلنا تحت عنوان "مشكلات تأمين المحاصيل الزراعية":

"1- انخفاض مستوى الوعي التأميني، وهي مشكلة عامة تقف عائقاً أمام التأمين بمختلف أنواعه، إلا أنها تزداد حدة بالنسبة للفلاحين نظراً لتدني المستوى الثقافي العام وانتشار الأمية، مما يتطلب وضع تخطيط إعلامي لخلق الوعي بأهمية التأمين وفوائده لدى الفلاحين.

2-  صعوبة الوصول إلى المناطق الزراعية بالسهولة والسرعة والكلفة المعقولة، حيث يندر هناك وجود الطرق المعبدة ووسائط النقل اللازمة إضافة إلى بعد المناطق الزراعية عن مراكز الإدارات المحلية أو مراكز الشرطة مما يحد من إمكانية التحري الكامل عن أسباب الحوادث وظروفها التي أدت إلى تحقق أضرار مشمولة بالتأمين.

3-  انخفاض مداخيل الفلاحين وقدرتهم المالية المحدودة التي يتعذر عليهم معها التفكير في دفع ثمن ما مقابل حصولهم على الخدمة التأمينية.

4-  عدم توفر إحصائيات كاملة ووافية ولسنوات عديدة بحيث يمكن الاعتماد عليها عند دراسة أي مشروع للتأمين الزراعي وتقدير درجة الخطورة واحتساب قسط التأمين المناسب.

5-  عدم توفر الخبرة الفنية في مجال التأمين الزراعي سواء أكان على مستوى القطاع الزراعي أو على مستوى قطاع التأمين."

في تعليقه على الجهة التي ستقوم بتطبيق مشروع تأمين المحاصيل الزراعية، كتب الزميل عبد الزهرة عبد الله علي الآتي:

"نظراً للطبيعة الخاصة لتأمين المحاصيل الزراعية من حيث المخاطر التي تواجه الإنتاج الزراعي وارتفاع تكليف هذا النوع من التأمين، وصعوبة الإشراف والمتابعة إضافة إلى تباعد القرى وغيرها من الخصائص، نرى أن يكون تأمين المحاصيل الزراعية تأميناً تعاونياً تقوم به مديرية تستحدث لهذا الغرض .... تكون مرتبطة من الناحية الإدارية بمديرية التعاونيات الزراعية العامة في وزارة الزراعة والإصلاح الزراعي على أن يطبق المشروع على الجمعيات التعاونية الزراعية."  (ويضم هذا الجزء من الدراسة حججاً عديدة ومبادئ لتنظيم تطبيق المشروع خارج التأمين التجاري، وتستحق الدراسة إعادة النشر).

(4)
تبين تجربة التأمين الزراعي في العراق أن عدم تطورها لم يكن بسبب تقصير من جانب شركة التأمين الوطنية وقت تأسيس فرع التأمين الزراعي أو بعد ذلك، فقد تظافرت عوامل خارج الشركة لتحول دون تحقيق رواج هذا النوع من التأمين.  وقد أتى الزميل عبد الزهرة عبد الله علي على ذكر بعض هذه العوامل كما عرضنا في الاقتباس منه أعلاه.

وتثير هذه التجربة أيضاً قضية الوعي بالتأمين وهل أن تحقيقه لا يتطلب سوى حملة إعلانية من قبل شركات التأمين، أم يجب البحث عن أسباب أخرى تتوزع بين الاتكالية الموروثة، ومنها الدينية على نمط "قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا"، وضعف فكرة التدبر للمستقبل والتحوط من الطوارئ، والقدرة المالية المتوفرة والفائضة للأفراد والجماعات، بعد الانفاق على الحاجات الأساسية، وتوجيهها لأغراض الحماية من عوارض الطبيعة والحوادث.

(5)
ربما آن الأوان للنظر بإخراج بعض أشكال التأمين الزراعي من دائرة التأمين التجاري المحض، والتفكير بتوفير هذا التأمين من قبل هيئات تعاونية – كما اقترح الزميل عبد الزهرة منذ أزيد من أربعة عقود – أو هيئات تبادلية.

نأمل أن يتقدم أهل الاختصاص في القطاع الزراعي بآرائهم لتطوير القطاع والتعاون مع ممارسي التأمين في العراق لمعالجة مكامن القصور، والمساهمة في دراسة الكلفة الاقتصادية المهدرة لما يصيب الإنتاج الزراعي، بضمنه المواشي والدواجن، من آفات وحوادث طبيعية وأخرى ناشئة من سير العمل.

شكراً للزميل فاروق يونس لتوفيره فرصة كتابة هذا التعليق على بعض جوانب التأمين الزراعي.

مصباح كمال
25 آذار 2018


فاروق يونس
إدارة أخطار الإنتاج الزراعي


عزيزي الاستاذ مصباح كمال

اشكرك اولا لأنك تحاول دائما ايجاد عمل منتج للعاطلين عن العمل من امثالي من المتقاعدين والمحالين (على المعاش).

اخي العزيز

الخسائر التي يتعرض لها القطاع الزراعي في العراق على نوعين هما:

اولا - الخسائر الناجمة عن الظروف الطبيعية التي تصيب المنتجات الزراعية بقسميها النباتي والحيواني.

ثانيا – الخسائر الناجمة عن اسباب ادارية وفنية غير طبيعية.

لدينا دوائر زراعية وفنية متخصصة من واجبها التعاون مع المزارعين والفلاحين للتقليل من الخسائر الفنية والادارية من خلال الارشاد الزراعي (طبعا الارشاد الزراعي يعني ادخال العلم والمعرفة والتكنولوجية الحديثة والبذور المحسنة والخدمات البيطرية وطرق الري الحديثة غير التقليدية وتقديم المعلومات عن الانواء الجوية مثل تساقط الامطار وارتفاع درجات الحرارة او تعرض الحيوانات الى البرد او تعرض المزروعات الى البرد او الجفاف)، هذه وغيرها من المعلومات والخدمات ينبغي ان تقدم الى العاملين في البستنة والحقول الزراعية والإنتاج الحيواني.

فيما يتعلق بالتأمين الزراعي فإن هذا النوع من التأمين قائم على مبدأ التعاون، ومن هنا يتطلب تعاون شركات التأمين واجهزة الإحصاء الزراعي والمصرف التعاوني الزراعي والجمعيات الفلاحية التعاونية من اجل تحقيق اهداف التأمين الزراعي خاصة إذا ما توفرت المعلومات الإحصائية الدقيقة عن حجم المساحات المزروعة وبعض البيانات المتعلقة بالأخطار التي تصيب المنتجات الزراعية (طبعا هذه المعلومات لا يمكن توفيرها إلا من قبل كادر متدرب على كيفية اعداد هذه المعلومات بغية استخدامها في التأمين الزراعي).

الإنتاج الزراعي يتأثر بالظروف الطبيعية وهذه متغيرات لا يمكن السيطرة عليها وعليه ينبغي ان تتغير أسعار التأمين تبعا لتغير الظروف الطبيعية.

المحصول الزراعي يتعرض الى الخسارة وهو موجود امامنا على الارض وكذلك الحال في تامين الابقار والمواشي فإن قيمتها تتناقص بسبب تعرضها للأمراض.  ويجب ان تتابع شركة التأمين حركة خدمات التطعيم وتقديم الادوية البيطرية (علما بانه يتعين على الجهات المختصة تقديم الادوية البيطرية بأسعار مدعومة او بالمجان) ذلك لان الفلاح غير قادر على دفع اجور الخدمات البيطرية في كثير من الاحيان.

حسب معلوماتي هناك معلومات كافية للتامين على المحاصيل الاستراتيجية (الحنطة والرز والشعير والذرة الصفراء) كما ان المعلومات متاحة عن الابقار والمركبات الزراعية.

وعلى الجهات الحكومية المختصة (حكومات المحافظات) شق الطرق التي تربط الاقضية والنواحي بالقرى وتمهيد او تعبيد الطرق الزراعية لتتمكن الدوائر الزراعية والدوائر الخدمية الاخرى كالتأمين والمصارف من تقديم خدماتها بكل سهولة ويسر.

مع التقدير

فاروق يونس
26 آذار 2018


مصباح كمال
حول تعثر التأمين الزراعي في العراق


عزيزي الأستاذ فاروق يونس

أشكرك على ملاحظاتك المهمة عن بعض جوانب إدارة أخطار الإنتاج الزراعي والحيواني وعلاقتها بالحماية التأمينية وكلفة هذا التأمين، والوظائف المتوقعة، التي تتمناها، من الأطراف ذات العلاقة وغيرها.

[1]
لن أدخل أو قُل لن أستطيع مناقشة ما أوردته من ملاحظات لأن موضوعاتها تقع خارج المعرفة المتوفرة لي.  لذلك، أتمنى من المختصين والمهتمين بالتأمين الزراعي في شركة التأمين الوطنية وغيرها من الشركات (بافتراض أن بعض شركات التأمين الخاصة تقوم بتوفير أشكال محددة من التأمين الزراعي كتأمين المركبات الزراعية أو تأمين حقول الدواجن)، وكذلك الهيئات الأخرى التي أشرتَ إليها (أجهزة الإحصاء الزراعي والمصرف التعاوني الزراعي والجمعيات الفلاحية التعاونية وحكومات المحافظات) تقديم تعليقاتهم ودراستهم.


[2]
عندما أقدمت شركة التأمين الوطنية أوائل ثمانينيات القرن الماضي، وبإيعاز من الحكومة آنذاك، على إدخال أشكال مختلفة من وثائق التأمين الزراعي، قامت أولاً بدراسة الموضوع مع الأطراف الزراعية والبيطرية المعنية وبعدها أوفدت ممثلاً عنها إلى بريطانيا للتدريب والاستفادة من تجربتها، ولم تستقدم شركات استشارية من خارج العراق – كما هو الآن حيث انفقت ملايين الدولارات منذ تغيير النظام في 2003 على شراء الاستشارة من الخارج في مجالات مختلفة ولكن دون أن نلمس آثارها في تطور الخدمات وتحسين حياة الناس العاديين وأساليب العمل.  أليس بإمكان شركة التأمين الوطنية معاودة التجربة السابقة والاستفادة من تجارب عربية (تونس، الجزائر، المغرب) في مجال التأمين الزراعي والدفع نحو توسيع توفير الحماية التأمينية؟

[3]
السؤال المهم الذي يستدعي البحث من أهل الاختصاص هو: لماذا تعثر التأمين الزراعي في العراق؟  ولماذا يظل إنتاج المحاصيل الزراعية والمواشي بدون حماية تأمينية حقيقية؟

أحسب أن السبب وراء التعثر يكمن خارج قطاع التأمين.  أقول هذا اعتماداً على معرفتي السابقة، وهي محدودة وقديمة فيما يخص التفاصيل، بما قامت به شركة التأمين الوطنية من جهد ريادي لإدخال التأمين الزراعي في العراق منذ أوائل ثمانينيات القرن الماضي، والذي تعرّض، على أي حال، إلى الآثار السلبية الناجمة من حروب النظام وسنوات الحصار الدولي الظالم.

منذ تأسيس أول شركة تأمين خاصة سنة 2000 لم تقدم شركات التأمين الخاصة على ممارسة هذا النوع من التأمين، مثلما لم تعمل الدولة على إدخال نظام تعاوني تأميني.  (في ظل التوجهات الاقتصادية القائمة فإن التخطيط للتعاونيات أو تدخل الدولة في مجال اقتصادي يبدو غريباً وقد يستهجنه البعض من دعاة إقصاء الدولة عن المجال الاقتصادي).

تظل شركة التأمين الوطنية، وهي شركة تابعة للدولة، تأسست سنة 1950، حتى الآن، الوحيدة التي توفر بعض الحماية للإنتاج الزراعي والحيواني.  ولكن يا لبؤس حجم هذه الحماية!  لماذا هذا الحكم القاسي؟  لأن (إحصائية نشاط شركات التأمين العاملة بالعراق لعام 2015-2016)، الصادرة من جمعية التأمين العراقية، وهي آخر إحصائية متوفرة لدينا، تورد أقساط التأمين الزراعي خلال هذه الفترة كالآتي (أرقام بآلاف الدينار):

170,376 (2015) – لم تكن هناك تعويضات.
175,824 (2016) – التعويضات 21,188

أترك الحكم للقراء.

مع خالص التقدير.

مصباح كمال
27 آذار 2018


كامل العضاض
التأمين على القروض الزراعية


عزيزي وأخي مصباح

أشد على يديك، كالعادة، بعدما أقرأ مقالاتك وتعقيباتك على كافة القضايا الخاصة بنشاط التأمين في العراق، بكافة فروعه وتخصصاته ومشاكله في العراق، فأنا أراك ذا باع وتمرس في هذا الحقل بامتياز.

أود أن أشير هنا إلى بعض الملاحظات حول مشاكل ومعيقات التأمين في العراق من خلال تجربتي عند عملي خلال سنتين تقريباً في أواخر الثمانينيات كمدير عام بالوكالة للمصرف الزراعي في العراق.  كان لدي هدف اعتبرته مهماً، لوضع ضوابط لضمان استرداد قروض المصرف للفلاحين وأصحاب المزارع في العراق.  وظناً مني إن وضع شروط على المقترضين من الفلاحين والمزارعين، بتقديم شهادات تأمين على نشاطاتهم الزراعية والحيوانية، سيؤدي إلى تخفيض الفائدة على قروضهم الممنوحة.  وبعد جهود واتصالات ومحاولات للتوعية وبتشجيع متردد من شركة التأمين الوطنية، خضنا التجربة بتأييد من الوزير.  وبعد محاولات عدة، فشلت جهودنا، على الرغم من تدني القبول لشروطنا الجديدة، لاسيما وأن أصحاب طلبات القروض بدأوا يحجمون عن تقديم طلبات قروض جديدة.  وعندما ناقشنا قسما منهم، أفادوا بأنهم يضعون لدينا ضمانات حسب الشروط التي نضعها لمنحهم قروض، فلماذا تبتلونا بمشاكل إضافية؟  نحن نقبل بما يصيبنا، لأن الرزق على الله.  تريدوننا أن نتكلف ونخسر وبالنتيجة تجعلونا نتردد في طلب قروض منكم.

وهكذا فشل الإجراء الجديد!  فقابلت الوزير د. حكمت الحديثي وشرحت له الموضوع، فأجابني: "يابه يا تأمين يا بطيخ، أنتم من تمنحون قروض للفلاحين، خلوا أبالكم خسارة 80% منها!"  فقلت له: "دكتور إحنا نسترجع ما يزيد عن 60% منها."  فرد بالقول: "بعد شتريد!"  ومنذ ذلك الحين أسقطنا ذلك الشرط، ولربما، كما يبدو، جربوا إعادته لاحقا، ولكنني لا أدري.

الخلاصة؛ هي ليس الوعي التأميني وغيابه فقط، ولكن خصوصيات ومشاكل القطاع الزراعي كبيرة من جميع الجوانب، لا مجال للإفاضة بها، فتدني الوعي التأميني في العراق عموماً ولدى المزارعين خصوصاً يتطلب وقتاً وتثقيفاً وابتداعات أخرى لينجح، خصوصا في القطاع الزراعي.

شكراً أخ مصباح لمساهماتك البناءة في هذا الحقل المهم، راجيا استمرارك في رفد المعرفة والتجربة التأمينيتين في العراق للنهوض المستقبلي.

كامل العضاض
31 آذار 2018


فاروق يونس
عجز الحكومة في تغطية الخسائر الزراعية، وأهمية البيانات الإحصائية


عزيزي الدكتور كامل العضاض

تحية طيبة

رسالتك لخصت المشكلة ببعديها الزراعي والتأميني:

الحكومة من خلال المصرف الزراعي تقدم القروض للمزارعين والفلاحين ولا تتوقع استرداد معظمها كأن الزراعة قطاع غير منتج ولا يساهم في تحقيق قيم مضافة وليس مهما أن يساهم في الناتج المحلي الاجمالي وحسب رأي الوزير آنذاك (يا ركي يا بطيخ).

أما من ناحية التأمين فإن أقساطه حسب رأي المزارعين تمثل خسارة صافية وشعارهم كما جاء في رسالتك (نقبل ما يصيبنا لأن الرزق على الله) فالتأمين، حسب هذا الرأي، كلفة إضافية وزيادة في الخسارة.

وكما تعلمون فإن الحكومة خلال الموسم السابق عجزت عن تغطية خسائر المزارعين والفلاحين وتعويضهم عن الخسائر الناجمة عن غرق محاصيلهم في بعض المناطق الزراعية بل أن الحكومة تأخرت كثيراً في دفع مستحقات المزارعين الذين قاموا بتسليم محاصيلهم الزراعية لوزارة التجارة نتيجة عجز الموازنة العامة.

أرى أن نقطة البداية هي توفير قاعدة معلومات وبيانات للتأمين الزراعي - بيانات عن الإنتاج وعن المخاطر والخسائر التي يتحملها المزارع وخاصة (المزارع الصغير).

لا أريد الإطالة لكن رسالتكم القصيرة عزيزي الدكتور كامل العضاض شجعتني على التعليق.

إلى متى تستمر البطالة الموسمية وإلى متى يواجه مزارعي (الركي) المنافسة غير العادلة من الركي المستورد من إيران، ومتى يحقق العراق الاكتفاء الذاتي من الثوم والبصل وعدم الاعتماد على استيراد الثوم من الصين والبصل من إيران وماء الشرب من صحراء الكويت والحليب المصنع من السعودية.

قال الله يصف مكة (بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ)[2] انقلبت الآية فقد أصبح وسط وجنوب العراق يعاني من الجفاف.

مع التقدير.

فاروق يونس
31 آذار 2018


مصباح كمال
التأمين على القروض الزراعية: الماضي والحاضر وتوقعات المستقبل


عزيزي د. كامل

لقد كنتَ متقدماً في مشروعك لوضع شروط على المقترضين من المصرف الزراعي من الفلاحين والمزارعين، بتقديم شهادات تأمين على نشاطاتهم الزراعية والحيوانية (في مجال المحاصيل الزراعية وتربية المواشي والدواجن وتربية الأحياء المائية)، لأن هذه الشهادات، حسب تعليلك، سيؤدي إلى تخفيض الفائدة على قروضهم الممنوحة.  من المؤسف أن مشروعك لم يتحقق، كما بينت في تعليقك، وبذلك خسر الفلاحون والمزارعون وأصحاب الحقول الحماية التي كان التأمين سيوفرها لهم.  آمل أن تسعفك ذاكرتك، في حال عدم توفر المستندات، للتوسع فيما حاولت أن تقوم به للاستفادة من المعطيات التي تستطيع تقديمها، وأيضاً من باب التوثيق التاريخي.

ويبدو أن هذا المشروع بقي مطموراً لعدة عقود ولحين صدور برنامج قرض البنك المركزي العراقي لسنة 2015.[3]  فقد جاء في المادة 5 من الشروط العامة في هذا البرنامج ما يلي:

"على جميع المقترضين تقديم وثيقة تأمين شاملة عن المشروع نافذة لحين تسديد آخر قسط من القرض."

وقتها كتبتُ بأن هذا الشرط هو من "الشروط التي ترد في معظم القروض الممنوحة لتمويل المشاريع من قبل المؤسسات الدولية وكذلك المصارف وغيرها من الهيئات المعنية بتقديم القروض."  وأضفتُ، من باب الحرص على مصالح شركات التأمين العراقية، أن المادة 6 من البرنامج لم تنص على "تقديم وثيقة تأمين صادرة من شركة تأمين عراقية مسجلة في العراق ومجازة من قبل ديوان التأمين.  إن النص على شراء الحماية التأمينية من شركة تأمين عراقية مسألة مهمة لضمان عدم تجاوز شركات التأمين والاستفادة من القدرات التأمينية المحلية لتحقيق شكل من أشكال التكامل بين النشاطات الاقتصادية داخل العراق."[4]
ترى أين نحن اليوم بعد صدور هذا البرنامج؟  ليس لدي بيانات عن نتائج تطبيق هذا البرنامج، وكذلك ليس لدي بيانات عن حجم أقساط التأمين الزراعي بشكل عام وما له علاقة بتأمين القروض الزراعية سوى ما جاء في إحصائية نشاط شركات التأمين العاملة بالعراق لعام 2015-2016، الصادرة من جمعية التأمين العراقية، وهي آخر إحصائية متوفرة لدينا، وقد أشرت إليها في تعليقي السابق على ما كتبه الأستاذ فاروق يونس.  لقد كانت أقساط التأمين الزراعي خلال هذه الفترة كالآتي (الأرقام بآلاف الدينار):

170,376 (2015) – لم تكن هناك تعويضات.
175,824 (2016) – التعويضات 21,188

ونستنتج من ضآلة هذه الأرقام ليس فقط تخلف التأمين الزراعي وإنما غياب التأمين على القروض الزراعية.  ولكننا نظل جاهزين لقبول من يخطئنا بهذا الشأن.

ربما كان باستطاعة برنامج البنك المركزي العراقي والقائمين على إدارته الاستفادة من تجارب الدول الأخرى في مجال تقديم الحوافز المالية ومنها إعانة المنتفعين من القروض من خلال تمويل جزء من أقساط التأمين subsidise crop insurance premium، ومن إرشادات البنك الدولي وهي، في ظني، ليست بعيدة عن تفكير البنك.[5]  ربما يعرف هؤلاء بأن تأمين المحاصيل الزراعية هو الواسطة المفضلة للإسناد المالي للأطراف العاملة في الإنتاج الزراعي من قبل الدولة وحتى في الولايات المتحدة الأمريكية.[6]

ومن رأينا أن تدخل الدولة له ما يبرره بفضل الأهمية الوطنية للأمن الغذائي، النباتي والحيواني، وبسبب التغيرات المناخية التي تتطلب الاستثمار في قطاع الزراعة والبنية التحتية المرتبطة بها لمجابهة هذه التغيرات.  ترى هل أننا نحلم إذا دعونا إلى تشريع قانون للتأمين الزراعي، على غرار ما هو موجود في بعض البلدان ومنها تركيا والهند؟  ونسأل: إذا كانت الدوائر الزراعية والتمويلية قد تكلّست في تفكيرها في مجال التأمين الزراعي لماذا لا تبادر شركات التأمين العراقية منفردة، إن استطاعت، أو بالتعاضد فيما بينها، لتطوير منتجات تأمينية خاصة بالإنتاج الزراعي، وتعمل على ترويجها مع هذه الدوائر؟  هل أن القدرات الريادية، في مجال التأمين وغيره، قد اختفت في عراق ما بعد 2003؟

ما زلنا نأمل خيراً من الدوائر التأمينية وغيرها من الدوائر المعنية بالإنتاج الزراعي والحيواني للبحث في أسباب القصور وإيجاد الحلول الوطنية المناسبة.

مصباح كمال
3 نيسان 2018



*         فاروق يونس، خبير سابق في غرفة التجارة في بغداد.
د. كامل العضاض، مستشار إقليمي سابق في الأمم المتحدة.
مصباح كمال، كاتب في قضايا التأمين

حقوق النشر محفوظة لشبكة الاقتصاديين العراقيين.  يسمح بإعادة النشر بشرط الإشارة إلى المصدر.



[2] مقتطف من الآية 37، سورة إبراهيم.
[3] يمكن قراءة النص الكامل للإعلان في شفق نيوز باستخدام هذا الرابط:
[4] راجع مصباح كمال، "برنامج البنك المركزي للقروض الصناعية والزراعية والإسكان ومكانة التأمين،" مجلة التأمين العراقي:

[5] أنظر على سبيل المثل، البنك الدولي
World Bank, Agriculture Finance & Agriculture Insurance, http://www.worldbank.org/en/topic/financialsector/brief/agriculture-finance

[6] راجع بهذا الشأن:
Jennifer E. Ifft, “Does federal crop insurance lead to higher farm debt use?”, Emeraldinsight:


ليست هناك تعليقات: