إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

2018/04/19

Fire in Commercial and other Enterprises: comment on Mr Abdul-Hassan Al-Zayyadi's Paper


تعليق على ورقة السيد عبد الحسن عبيد عزوز الزيادي


نشرت في موقع شبكة الاقتصاديين العراقيين:


(1) المقترب التأميني الصرف لحوادث الحريق

نشكر السيد عبد الحسن الزيادي على ورقته حول حرائق المحلات التجارية المنشورة في موقع شبكة الاقتصاديين العراقيين.[1]  تثير ورقته مسألة مهمة تتجاوز المقترب التأميني الصرف الذي اعتمده في عرض أفكاره، وهو مقترب شائع بين ممارسي التأمين.  وأعني بهذه المسألة الكلفة الاقتصادية لحوادث الحريق التي تكاد أن تكون مهملة في الكتابات التأمينية العراقية وكتابات الاقتصاديين العراقيين، وسنعلق على هذه المسألة فيما بعد.

لقد جاء مقتربه التأميني لحوادث الحريق تحت أربعة عناوين:

-      قدم الشبكة الكهربائية المحلية وتوزيعها العشوائي.
-   الخزن العشوائي للسلع بدون التقيّد بالمعايير النموذجية للخزن حسب نوع وطبيعة السلع.
-      تراكم النفايات قرب المخازن أو في الأسواق.
-      صعوبة وصول أجهزة إطفاء الحريق إلى موقع الحريق.

وهي عناوين أساسية لكنها بحاجة إلى توسيع ليغطي عناصر أخرى ومنها، على سبيل المثل: عادة التدخين، المعروف عنها بأنها وراء العديد من حوادث الحريق؛ أجهزة التدفئة المتنقلة؛ عدم تثبيت أجهزة الإطفاء اليدوية وأجهزة الإطفاء التلقائي التي تستجيب للحرارة والدخان.  وهذه هي من بعض وسائل إدارة الخطر – وهو موضوع لم ينل اهتماماً حقيقياً خارج قطاع التأمين[2] واختلط فهمه عند البعض ليحصر إدارة الخطر بالتأمين في حين أن التأمين ما هو إلا المرحلة الأخيرة في عملية تحليل وتشخيص الأخطار وقياسها وتقدير كلفتها الاقتصادية والوسائل المادية والقدرات المالية المتوفرة لدى الوحدة الاقتصادية لاستيعابها قبل التفكير بتمويل هذه الكلفة اعتماداً على التأمين.

كان من المناسب الإشارة إلى شدة الحريق في مناطق معينة كالشورجة في بغداد والأسواق القديمة عموماً، ليس فقط لأنها واحدة من المصادر الأساسية للخسائر في فرع التأمين من الحريق بل لأنها مصدر أساس للحرائق الواسعة النطاق conflagration وتراكم الخسائر بسبب حادث واحد accumulation

نأمل من السيد الزيادي أن ينشر ورقة تكميلية يعرض فيها المزيد من أفكاره.

(2) ربط الكتابات التأمينية مع بعضها

إن ما كتبه السيد حسن الزيادي هو إضافة لمقالات سابقة لكتاب آخرين تدور حول حوادث الحريق في العراق ومنها:


و "تداعيات تأمينية حول حادث حريق في محلات تجارية في الكرادة-بغداد" لمصباح كمال

إن كان السيد الزياني على علم بهذه الكتابات كان من المناسب الإشارة لها لتحقيق رابط معها وتوفير فرصة للمعنين لمتابعة الموضوع وربما الكتابة فيه.  إن الكتابات التأمينية في العراق شحيحة والأحرى بنا أن نعمل على إظهار ونشر ما يكتب.

(3) حول إنشاء صندوق لتأمين أخطار الحريق وإلزامية التأمين من الحريق

في الفقرات الأخيرة من ورقته يعرض السيد الزياني فكرة

"إنشاء صندوق لأخطار الحريق يُدار من قبل قطاع التأمين العراقي العام والخاص ... وجعل التأمين على كافة المحلات التجارية والمخازن إلزاميا وحسب طبيعة الخطر والمنطقة الجغرافية ... [مع] إصدار نظام التأمين الإلزامي من أخطار الحريق حيث يصدر هذا النظام في الجريدة الرسمية ويطبق على الوزارات المختلفة ودوائر وشركات القطاع العام والخاص بما فيها المنشآت الصناعية والتجارية حيث تلتزم هذه الجهات بالتأمين ضد أخطار الحريق."

صندوق لتأمين أخطار الحريق
لم يتعرض الكاتب لإشكاليات إنشاء صندوق لتأمين أخطار الحريق.  فهل أن تكرر وشدة حوادث الحريق كافياً لإنشاء صندوق مستقل للتأمين على أخطار الحريق؟  هناك فروع أخرى للتأمين تشهد تكرراً frequency في الحوادث وشدّة severity في آثارها، كالتأمين على السيارات والتأمين الصحي والأعمال الإرهابية، ومع ذلك فإن شركات التأمين قادرة على استيعاب الكلفة المالية لهذه الحوادث من مواردها المالية الداخلية و/أو بالاعتماد على حماية إعادة التأمين.  هناك كوارث طبيعية تكون آثارها المادية مدمرة وآثارها التأمينية كبيرة على شركات التأمين كالفيضانات أو الزلازل أو الأخطار النووية وهذه تدفع باتجاه تشكيل صندوق وطني للتأمين عليها تجارياً وأحياناً بالتعاون مع الدولة، كما هو الحال في بعض الدول الغربية.

لا أظن أن كلفة حوادث الحريق في العراق، حتى في غياب الإحصائيات، تشكّل سبباً كافياً لتأسيس صندوق لتأمين أخطار الحريق.  يقوم تأكيدي هذا على حقيقة أن محفظة تأمين الحريق في العراق لا يضمُّ التأمين على توقف الإنتاج (خسارة الأرباح)، أو قُل إن هناك عدداً قليلاً جداً من التغطيات التأمينية لخسارة الأرباح.  فمن المعروف أن تعويضات خسائر الأرباح تفوق تعويضات الخسائر المادية أضعافاً مضاعفة.  قد أكون مخطئاً فيما يخص تأمين خسارة الأرباح في العراق وأرجو من العارفين تصحيحي.

حول إلزامية التأمين من أخطار الحريق
لم يتعرض الكاتب لإشكاليات إلزامية التأمين من الحريق مكتفياً بالقول إن "المملكة الأردنية سبق وأن أصدرت النظام رقم (21) لسنة 2011 (نظام التأمين الالزامي من أخطار الحريق والزلزال)."

الاقتباس من الغير والاستفادة من تجربتهم وتقليدها ليس عيباً إذ أننا لسنا مطالبين باختراع العجلة من جديد طالما أوفينا متطلبات الأمانة الفكرية.

وعلى نفس النسق ذكَّرنا بأن "المنهاج الحكومي لرئيس الوزراء الدكتور حيدر العبادي أشار في الفقرة (10) منه على جعل التأمين على المنتج والمسؤولية المهنية فيما يتعلق بالسلع والخدمات المنتجة إجباريا وذلك لحماية المصالح العامة والخاصة."

وقد كانت لنا مساهمة متواضعة حول فكرة إلزامية التأمين من خلال الإشارة إليها جاء فيها:

"يتخوف البعض من فكرة الإلزامية باعتباره مناقضاً للحرية الاقتصادية وهذا موقف اقتصادي بحت لا يعير أهمية للبعد الاجتماعي والمصالح العامة رغم أن الاقتصادات الرأسمالية قد تقدمت نحو المزيد من الضبط والرقابة على العمل الاقتصادي.  نحن ننظر إلى الإلزام في التأمين من منظور الرفاه الاجتماعي والحفاظ على ثروات البلد، البشرية والمادية، وفي ذات الوقت توفير مصادر إضافية لتعظيم تراكم دخل الأقساط لأغراض المساهمة في التنمية الاقتصادية.  ورأينا أن لا يقسر إلزام التأمين في فروع تأمينية دون مناقشته على المستوى الوطني لضمان كفاية الحماية التأمينية لأكبر عدد من الناس والشركات والمؤسسات، والموازنة بين مصالح الأطراف ذات العلاقة.  نعرفُ بأن إلزام الفقراء بالتأمين ضد مخاطر الحريق على مساكنهم، ومنهم من لا يملك منزلاً، وضمن الوثائق التجارية المعهودة فيه إجحاف وتجني عليهم، ولذلك يتوجب التفكير في كيفية التأمين عليهم.  قد يكون من المناسب التفكير بجعل التأمين على المدارس (العامة والخاصة) إلزامياً، وكذلك التأمين العشري على مسؤولية المقاولين، والتأمين على المنشآت المدنية العامة كالطرق والجسور والمباني، والتأمين على الكوارث الطبيعية ضمن مجمع وطني وغيرها.

ومن رأينا أن الحاضنة الرئيسية للنمو، في المدى القريب، تكمن في التغييرات التشريعية التي تلزم التأمين في فروع معينة كما في تعديل بعض بنود قانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005."[3]

كما ذكرنا إلزامية التأمين في سياق خسارة قطاع التأمين لمصادر مهمة من أقساط التأمين بسبب "عدم وجود وثائق تأمين إلزامية كتأمين مسؤولية رب العمل، وهي تغطي تعويضات العمال بسبب إصابة جسدية عارضة أو مرض يتعرض له العمال بسبب العمل وأثناء تأدية واجباتهم، أو تأمين ممتلكات تجارية وصناعية معينة، عامة أو خاصة، ضد خطر الحريق، كما هو الحال في الأردن."  وأشرنا في هامش ورقتنا إلى نظام التأمين الالزامي من أخطار الحريق والزلازل الصادر بموجب قانون تنظيم أعمال التأمين رقم (33) لسنة 1999.  وكتبنا أيضاً ان إلزامية التأمين، على فروع معينة للتأمين، مطبقة في العديد من الدول الغربية.[4]

حسناً فعل الكاتب إذ حدد الشخوص الاقتصادية التي ينوي إلزامها بالتأمين من أخطار الحريق وهي: كافة المحلات التجارية والمخازن وحسب طبيعة الخطر والمنطقة الجغرافية، والوزارات المختلفة ودوائر وشركات القطاع العام والخاص بما فيها المنشآت الصناعية والتجارية.

يترك هذا التحديد انطباعاً بأن الفئات المُلزمة بالتأمين تتمثل بوحدات اقتصادية كبيرة.  والسؤال الذي ينهض هنا هو: كيف سيتم التعامل مع إلزام الوحدات الصغيرة بالتأمين، أعني أصحاب المتاجر والدكاكين والمعامل والفنادق الصغيرة والمقاهي والمكتبات وغيرها؟  لكي يتحقق توازن في محفظة التأمين من الحريق أليس من المناسب أن تضم المحفظة تأمينات هذه الوحدات؟  هناك أسئلة أخرى تستحق البحث ومنها:

-   هل سينصب التأمين الإلزامي على المباني فقط building only أم يمتد ليشمل المحتويات؟
-   هل ستعفى بعض الوحدات الاقتصادية من التأمين الإلزامي من خلال وضع سقف لقيمة (مبلغ تأمين) الوحدات الملزمة بالتأمين، أي إن كانت القيمة دون هذا السقف فليس هناك إلزام بالتأمين؟
-      لماذا لا يُصار إلى جعل التأمين على المباني كافة؟
-   هل سيخضع تسعير التأمين الإلزامي لتعريفة (دليل للتسعير ملزم لشركات التأمين)؟

(4) الكلفة الاقتصادية لحوادث الحريق

يمكن لهذه الكلفة أن تتخذ أشكالاً عديدة من بينها الآتي:

خسارة/تلف الأصول المادية من مباني، وسيارات، ومكائن ومعدات، عند عدم وجود حماية تأمينية لها؛ التأثير المباشر لحوادث الحريق على الإنتاج وعلى تقديم الخدمات والمتاجرة، أي البيع والشراء؛ خسارة الأرباح المترتبة على توقف الإنتاج؛ احتمال تعرّض العاملين للبطالة بعد توقف الأعمال بسبب الحريق؛ تكاليف مكافحة الحرائق؛ الإصابات البشرية وما تعنية للأُسر وللنظام الصحي؛ وإذا كانت الحوادث بفعل عمدي أو عمل إرهابي فهناك كلفة اقتفاء مقترفي الحوادث وكلفة تقديمهم للمحاكم.

ومن المؤسف أن العراق يفتقر إلى إحصائيات حقيقية عن عدد وحجم حوادث الحريق المؤمن عليها وغير المؤمن عليها وأمور أخرى لها علاقة بحوادث الحريق.  فليس هناك، حسب علمنا، تقدير لحجم الانفاق الخاص والحكومي على الحماية من الحريق، كالإنفاق الحكومي على هيئات مكافحة الحريق، والتوعية بخطر الحريق.  وليس هناك إحصائيات عن عدد الشركات الي تتوقف نهائياً عن العمل بعد حادث حريق مدمر بسبب غياب التأمين أو عدم كفايته، وما يترتب على ذلك من تعريض العاملين إلى البطالة وتحولهم من فئة منتجة إلى فئة تعتمد على أسرها أو إعانات الدولة – في حالة توفرها.  ونعلم أنه في فترات الركود الاقتصادي تزداد بعض أنواع الجريمة ومنها الحريق المتعمد بغية الحصول على التعويض من شركة التأمين – هل هناك دراسة أو إحصائية بهذا الشأن في العراق؟

إن هذه الإحصائيات وتقدير الكلفة الاقتصادية لحوادث الحريق توفر مفاتيح لرسم سياسات لإدارة أخطار الحريق وتخصيص الموارد لتحقيق هذه السياسات والأطراف التي تتحملها.
مقتربات لتحليل التكاليف الاقتصادية لحوادث الحريق
هناك مقتربات لتحليل التكاليف الاقتصادية لحوادث الحريق يمكن توزيعها على ثلاث فئات:

(1)     التكاليف المتوقعة Costs in anticipation - وهي تشمل في الغالب تدابير الحماية والوقاية المتخذة لمنع أو تخفيف الضرر الناجم عن الحريق.

(ب)    التكاليف التبعية Costs as a consequence - وهي التكاليف المتكبدة نتيجة للحريق.  وتنشأ هذه التكاليف كنتيجة لتعرض الممتلكات والأفراد والبيئة للحريق، وتتحمل هذه التكاليف مجموعة من الضحايا تضم الأفراد والشركات الخاصة والمجتمع.

(ج)     تكاليف الاستجابة Costs in response – وتضم تكاليف الإطفاء ورفع الأنقاض والتنظيف بعد الحريق، ويتحمل المجتمع غالبية هذه التكاليف.[5]

(5) البحث والمناقشة

إن ما كتب ونشر عن موضوع حوادث الحريق في السنوات الماضية قليل جداً، ومن رأينا انه بحاجة إلى المزيد من الكتابات والمناقشات قبل الإقدام على تبني مشروع لجعل التأمين إلزامياً.  كما أن الموضوع بانتظار من يقوم ببحثه أكاديمياً إذ أن ما نكتبه يظل بحاجة إلى الرجوع إلى المراجع وإلى الإحصائيات.

16 نيسان/أبريل 2018


[2] نذكر من باب التوثيق التاريخي كتاب د. سليم الوردي، إدارة الخطر والتأمين (بغداد: مكتب الريم، 1999).  أشكر نجله السيد زيد سليم الوردي على إهدائه لهذا الكتاب في حزيران 2016.
[3] مصباح كمال، التأمين في الكتابات الاقتصادية العراقية (مكتبة التأمين العراقي، 2014)، ص 87.
الكتاب متوفر في المكتبة الاقتصادية لشبكة الاقتصاديين العراقيين:
[4] مصباح كمال، "محاولة في بحث بعض الخسائر الافتراضية لقطاع التأمين،" شبكة الاقتصاديين العراقيين:

[5] Department for Communities and Local Government, The economic cost of fire: estimates for 2008: estimates for 2008, Fire research report 3/2011 (London: DCLG, 2011), p 6-7.

ليست هناك تعليقات: