حوادث
الحريق في الشورجة:
ملاحظات
أولية حول أهمية الدارسة ودور التأمين في التعويض
نشر هذا التعليق أصلاً في موقع شبكة الاقتصاديين العراقيين:
1
أهمية دراسة حوادث الحريق في
الشورجة
كتبت في ورقتي المنشورة في موقع
الشبكة بعنوان "أفكار حول حرائق المحلات التجارية: تعليق على ورقة السيد عبد الحسن عبيد عزوز الزيادي"
أنه "كان من المناسب الإشارة إلى شدة
الحريق في مناطق معينة كالشورجة في بغداد والأسواق القديمة عموماً، ليس فقط لأنها
واحدة من المصادر الأساسية للخسائر في فرع التأمين من الحريق بل لأنها مصدر أساس للحرائق الواسعة النطاق conflagration وتراكم الخسائر بسبب حادث واحد accumulation"
حسناً
فعل السيد دريد الشاكر كتابة ما أسماه "تقرير
عن موضوع الحرائق في منطقة الشورجة التجارية التاريخية" موجه إلى الهيئة
الاستشارية لغرفة تجارة بغداد، إذ أنه أبرز مسائل مهمة تتعلق بإدارة خطر الحريق من
قبل أصحاب المحلات التجارية، ودور فرق الإطفاء الحكومية والخاصة، وأسباب الحرائق،
ومعوقات السيطرة عليها، ووسائل التعويض عن آثارها وغيرها من ملاحظات. كل ذلك يستحق الدراسة المعمقة في إطار إدارة
الخطر والكلفة الاقتصادية لحوادث الحريق، التي جئت على ذكرها سريعاً في ورقتي.
ومن
المفيد للقراء الإشارة إلى تقرير صحفي قصير نشر مؤخراً في جريدة عراقية بعنوان "حرائق سوق الشورجة تتكرر
والمعالجات غائبة،" طريق
الشعب، العدد 170 السنة 83، الخميس 19 نيسان
2018، ص 3، سنستفيد منه فيما بعد: http://tareeqashaab.com/images/TariqPDF/2018/4/19.pdf
فهو يضم معلومات مهمة حول افتعال بعض حوادث الحريق بسبب
التنافس بين التجار.
بودي هنا التعليق على بعض
الأفكار، ذات العلاقة بالتأمين، التي أوردها السيد دريد الشاكر في تقريره. أكتب باختصار كي لا أثقل التعليق بتفاصيل ربما
لا تهم إلا المختصين بالتأمين.
2
مشاركة قطاع التأمين في تأمين
المحلات التجارية في الشورجة
2-1 جاء في تقريره إلى الهيئة الاستشارية لغرفة تجارة بغداد
مقترح "مشاركة قطاع التامين في تامين البضائع والسلع والمحلات تامين شامل او
حسب الرغبة." توحي صياغة هذا المقترح أن شركات التأمين
لا تشارك في تأمين محلات الشورجة ومحتوياتها من السلع. واقع الحال هو أن هذه الشركات، ومنذ عقود
عديدة، تقوم بالتأمين على هذه المحلات من خطر الحريق. وفي الماضي كانت شركة التأمين الوطنية، وكانت الشركة
الوحيدة المعنية بالتأمينات العامة، توفر الحماية التأمينية المطلوبة. وقامت ببعض الدراسات لتحديد جغرافية منطقة
الشورجة وصولاً إلى (1) تحديد الحرائق الواسعة النطاق conflagration و(2) تراكم
الخسائر بسبب حادث واحد accumulation. وقد جاءت هذه الدراسة
بفضل التعاون بين الشركة وشركة إعادة التأمين التي كانت تتعامل معها لتحديد احتفاظ
الشركة من أخطار سوق الشورجة التي كانت تكتتب بها ولوضع ترتيبات إعادة التأمين
لكلا الطرفين. بعد 2003 جرت محاولة جديدة
لإحياء مثل هذه الدراسات من قبل نفس الشركة.
ويمكن لجمعية التأمين العراقية، وكذلك شركة إعادة التأمين العراقية، أن
تلقي المزيد من الضوء على هذا الموضوع.
2-2 فيما يتعلق بنوع التأمين (شامل أو حسب الرغبة- كما يقول السيد دريد
الشاكر) فإن شركات التأمين العراقية توفر حماية من خطر الحريق وبعض الأخطار
الملحقة بها؛ أي انها توفر حماية بموجب وثيقة التأمين من الحريق التقليدية أو ما
يماثلها كوثيقة التأمين من الحريق العربية الموحدة لعام 1981 الصادرة من الاتحاد
العام العربي للتأمين.
(أنظر: منعم الخفاجي، وثيقة الحريق النموذجية ووثيقة الحريق العربية
الموحدة: دراسة مقارنة، مكتبة التأمين العراقي، 2014. يمكنني توفير نسخة من هذا الكتاب الإلكتروني
لمن يرغب).
وحسب المعلومات المتوفرة عندي فإن هذه الشركات لا توفر
وثيقة تأمين شاملة، أي وثيقة تأمين جميع أخطار الممتلكات All Risks Property Insurance. إن المعلومات المتوفرة عندي لا تفيد قيام شركات
التأمين العراقية بترويج وثيقة جميع الأخطار.
ربما لديها من الأسباب ما يحول دون ذلك.
3
تعويض خسائر الحريق ومشروع تأسيس صندوق خاص للتعويض
3-1 يقول السيد دريد الشاكر، "اما التعويضات اعتقد انها لا تسمن ولا
تغني من جوع لان الخسائر كبيرة جدا وغير قابلة للتعويض. الا اذا اتفق اصحاب المحلات على صندوق خاص بهم
او الية تبرع معتمدة كما في كل اسواق اهلنا في السابق."
من المفترض أن تُرجع التعويضات
المسددة من قبل شركات التأمين المؤمن لهم (أصحاب المحلات) إلى الحالة المالية التي
كانوا عليها قبل وقع حادث الحريق. هذا
الافتراض مشروط بكفاية مبلغ التأمين، أي أن يكون مبلغ التأمين مساوياً للقيمة الاستبدالية
لبناية المحل (إن كانت مؤمناً عليها) ولقيمة البضائع في المحل (محتويات المحل).
إن كان مبلغ التأمين دون هذه
القيمة فإن شركة التأمين تلجأ إلى تطبيق ما يعرف بشرط المعدل أو شرط النسبية Average Condition، وله صياغات مختلفة. عند تطبيق هذا الشرط فإن المؤمن له لا يحصل على
تعويض كامل لخسارته. والسبب وراء تطبيق
شرط النسبية، باختصار، هو ارتباط قسط التأمين بمبلغ التأمين، أي أن قسط التأمين
يعكس مبلغ التأمين المصرح به من قبل المؤمن له، وعلى ضوء هذا المبلغ يتقرر حجم
التعويض. إن عدم التصريح بالقيمة الحقيقية
قد يكون بدافع تقليص قسط التأمين، أو يكون بسبب سوء تقدير طالب التأمين لقيمة
المبنى والمحتوى. وهذا الأخير مما يمكن
التحوط منه من خلال الكشف الميداني على المحل وتقييم الممتلكات المعروضة للتأمين
من قبل خبير تقييم professional valuer.
إن القول بأن الخسائر الكبيرة
غير قابلة للتعويض ليست صحيحة. إن علّة
وجود شركات التأمين هي التعويض عن الخسائر المادية، كبيرة كانت أو صغيرة، طالما
أنها تستوفي الشروط المتعاقد عليها بين المؤمن له وشركة التأمين.
3-2 فيما يتعلق باتفاق "اصحاب
المحلات على صندوق خاص بهم او الية تبرع معتمدة كما في كل اسواق اهلنا في
السابق" للتعويض عن الخسائر التي تصيبهم فإنه اقتراح لا أراه قابلاً
للتطبيق. فهو يفترض أن القيم التقليدية في
التعاضد الاجتماعي (وهنا ينصب التعاضد على المصالح التجارية التي تربط أصحاب
المحلات مع بعضهم) ما زالت قائمة في العراق وهي ليست كذلك. ربما لا نعدم وجود حالات للتعاضد لكن التقرير
الصحفي الذي أشرت إليه يوحي بغير ذلك. فقد
أورد التقرير نقلاً عن أحد المواطنين ما يلي:
"نشب خلاف بين تاجر يمتلك
محلًا كبيرًا للجملة، مع تاجر آخر. فوصل الأمر إلى التهديد بالتصفية الجسدية،
وكانت بسطتي بجوار محل التاجر الذي تعرض للتهديد، والذي يملك محلًا للعطور
ومستحضرات التجميل"، مضيفا انه "بعد أسبوع على الخلاف، نشب حريق في محل
التاجر، أدى إلى حصول دمار كبير بسبب ما يحويه من مواد كيمياوية، ما تسبب في تضاعف
الحريق، وصعوبة إطفائه من قبل آليات الدفاع المدني، التي جاءت متأخرة أصلاً."
أو ما نقل في نفس التقرير الصحفي
عن عضو اللجنة الأمنية في مجلس
محافظة بغداد أن "بعض حرائق الشورجة كانت مفتعلة، وهي ناتجة عن التنافس غير
الشريف بين التجار، وعن رغبة بعضهم في احتكار بضاعة ما على حساب الآخر."
إن تقييم المواطن ورأي مسؤول في
مجلس محافظة بغداد قد لا يكون كافياً لتحديد موقف من مقترح تأسيس صندوق خاص
للتعويض لكنه يؤشر إلى تدهور في القيم الاجتماعية، وانحسار للمصالح التي تجمع بين
أصحاب المحلات (نموذج سيء للقطاع الخاص).
ليست هناك حلول سريعة وجاهزة لتجاوز مشكلات سوق الشورجة
وغيرها من الأسواق في بغداد وخارجها. رحلة
الأف ميل تبدأ بخطوة واحدة، لكن هذه الخطوة ما زالت محصورة ببضعة تعليقات وتقارير
صحفية متناثرة، وهو بحاجة إلى تظافر الجهود من أطراف عديدة.
آمل من السيد دريد الشاكر متابعة تقريره مع الهيئة الاستشارية لغرفة تجارة
بغداد، مثلما آمل أن يتقدم ممارسو التأمين، والعاملون في الدفاع المدني ودوائر
الإطفاء، وأمانة العاصمة، ووزارة الكهرباء وهيئات القطاع الخاص وغيرها عرض مواقفهم
من ظاهرة الحرائق المتكررة.
شكراً للسيد دريد الشاكر لتوفيره فرصة للتحدث بشكل سريع
عن هموم تجمع بيننا.
مصباح كمال
23 نيسان 2018
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق