إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

2016/11/26

Dr Kadhim Habib & Insurance

د. كاظم حبيب والتأمين في مقالته:
"نقاش مفتوح حول الليبرالية والليبرالية الجديدة وواقع العراق"
 
 
مصباح كمال
 
 
نشرت هذه المقالة في موقع شبكة الاقتصاديين العراقيين
 
 
مقدمة
 
قام د. كاظم حبيب في أوائل تشرين الثاني 2016 بتوزيع دراسة له في ست حلقات بعنوان "نقاش مفتوح حول الليبرالية والليبرالية الجديدة وواقع العراق" تطرق فيها أكثر من مرة إلى موضوع التأمين بمعناه الاصطلاحي.[1]  لكن المقالة، الغنية في محتواها وحججها، ليست معنية بالتأمين على وجه الخصوص.  اهتمام د. كاظم بالتأمين ليس جديداً لكنه هو من بين قلة من الاقتصاديين العراقيين الذين يولون اهتماماً خاصاً بالتأمين.  وقد عرضت أفكاره وناقشته بشأن تعامله مع التأمين في مناسبات سابقة.[2]  وفيما يلي سأعرض وأناقش إشاراته الجديدة للتأمين.
 
سأحاول، قدر الإمكان، وضع الإشارات للتأمين في السياقات التي وردت في دراسته رغم صعوبة ذلك بسبب ترابط الحجج والآراء لدى د. كاظم.  ولذلك سأضطر إلى اقتباسات طويلة تسبق الإشارة إلى التأمين.
 
الليبرالية الجديدة والتخلي عن برامج الرعاية الاجتماعية والتأمين
 
في الحلقة الثانية بعنوان "ما هي الليبرالية الجديدة" يلجأ د. كاظم، بعد عرضه للتطورات التي تشكل خلفية قيام الليبرالية الجديدة إلى اقتباس فقرةٍ، باستحسان، من مقالة د. أشرف منصور حيث يرد فيها إشارة إلى التأمين:
 
” … ظهر خطاب الليبرالية الجديدة الذي رأى أن علاج الأزمة يتمثل في عودة اقتصاد السوق وتركه يعمل بحرية، والتخلص من العبء الثقيل للدولة وأجهزتها البيروقراطية التي تم النظر إليها على أنها من أسباب الأزمة، والتخلي عن كل الالتزامات السابقة للدولة مثل برامج الرعاية الاجتماعية والتأمين وإعانة البطالة التي أدت إلى تضخم أجهزتها ودينها الوطني، ومع الليبرالية يعود مبدأ حرية المنافسة في الظهور، وتعود الفكرة القديمة عن التوازن التلقائي للمصالح بفعل قوانين السوق الضرورية، ويعود من جديد مبدأ “دعه يعمل” Laissez Faire، [راجع: أشرف منصور، الليبرالية الجديدة في ضوء النقد الماركسي للاقتصاد السياسي، موقع الحوار المتمدن، العدد 1787 بتاريخ 6/1/2007]
 
الإشارة إلى التأمين تأتي في سياق تخلي الدولة "عن كل الالتزامات السابقة للدولة مثل برامج الرعاية الاجتماعية والتأمين وإعانة البطالة ..."  وهذ الإشارة إلى التأمين ذات طبيعة عامة لا تفصح عن برامج التأمين التي تخلت عنها الدولة في الغرب الرأسمالي.  ربما يراد ببرامج التأمين هنا برامج التأمين الصحي كتلك التي شرعتها إدارة باراك أوباما في الولايات المتحدة أو النظام الصحي الوطني في المملكة المتحدة وغيرها من الدول الأوروبية، فالدولة لا تمارس نشاطاً تأمينياً، تجارياً أو اجتماعياً، في غير مجال الصحة.  (وهذه البرامج تنصبُّ على مساعدة الأفراد والأسر وقد تشمل إعانة البطالة، والرعاية الصحية، وكوبونات الطعام، وتوفير السكن، ورعاية الأطفال؛ وقد تمتد لتشمل المساعدة للتخفيف من آثار الكوارث الطبيعية، وتقديم المساعدة لمواصلة التعليم الجامعي، والقروض الزراعية الميسرة وخدمات خاصة لقدامى المحاربين – كما هو الحال في الولايات المتحدة).
 
وعلى أي حال، فإن التخلي عن برامج الرعاية الاجتماعية ليس مطلقاً إذ أن السياسات المطبقة تنحو إلى تقليص المنافع، وتصعيب شروط الانتفاع منها، وإشراك المنتفعين بجزء من الكلفة.  وقد يأخذ حرمان مجموعات من الطبقة العامل من التأمين الصحي من قبل أرباب العمل وذلك من خلال محاربة قيام تنظيم نقابي في مصانعهم، فالمعروف أن العمال المنضوين في النقابات يحصلون على منافع عديدة: مستوى أجور أفضل، تأمين صحي، ومعاش تقاعدي.[3]
 
دور ونشاط شركات التأمين الموجهة لمصلحة الاستثمارات والنشاط الاقتصادي الأجنبي
 
في الحلقة الثالثة، تحت عنوان "ما هي مضامين برنامج "الإصلاح الاقتصادي والتكييف الهيكلي؟  وماذا يراد منه للدول النامية؟" وعند عرضه لسياسات الدول الرأسمالية الأكثر تقدماً، في ظل الحرب الباردة (تقديم مساعدات مالية إلى الدول النامية، تقديم المزيد من القروض الميسرة إلى الدول النامية لشدها اقتصادياً إليها وزيادة تأثيرها في وجهة تطورها الاقتصادي والاجتماعي والسياسي، ربط تقديم تلك القروض بشروط اقتصادية وسياسية واضحة لا تقبل الخطأ في ما تسعى إليه، إبعاد هذه البلدان قدر الإمكان عن الأخذ ببعض جوانب النموذج السوفييتي في التنمية ودفعها لانتهاج سياسة السوق الحر وغيرها من السياسات) يعرض د. كاظم وثيقة "توافق واشنطن" (Washington Consensus).  ويأتي على توضيح "المبادئ التي اعتمدتها هذه الوثيقة الأخيرة للتعامل مع الدول النامية وتقديم القروض المالية لها" ويلخصها في عشر نقاط:
 
(1- إصلاح المالية العامة لتخفيض العبء الضريبي على الدخول الأكثر ارتفاعاً، لحفز الأغنياء على القيام باستثمار إنتاجي، وتوسيع القاعدة الضريبية، وبوضوح، منع الإعفاءات الضريبية للأفقر، من أجل زيادة مقدار الضريبة.  2- أسرع وأكمل تحرير ممكن للأسواق المالية.  3 ـ ضمان المساواة في المعاملة بين الاستثمارات الوطنية والاستثمارات الأجنبية.  4 ـ تصفية القطاع العام بقدر الإمكان، وخصخصة المنشآت التي تملكها الدولة أو هيئة شبيهة بالدولة.  5 ـ أقصى حد من إلغاء الضوابط في اقتصاد البلد، من أجل ضمان الفعل الحر للمنافسة بين مختلف القوي الاقتصادية الموجودة.  6 ـ تعزيز حماية الملكية الخاصة.  7ـ تشجيع تحرير المبادلات بأسرع الوسائل الممكنة، بهدف تخفيض الرسوم الجمركية بنسبة 10 في المائة كل سنة.  8 ـ لما كانت التجارة الحرة تتقدم بواسطة الصادرات فينبغي في المقام الأول تشجيع تنمية تلك القطاعات الاقتصادية القادرة على تصدير منتجاتها.  9 ـ الحد من عجز الميزانية.  10 ـ خلق شفافية الأسواق: فينبغي أن تمنع معونات الدولة للعاملين الخاصين في كل مكان، وعلى دول العالم الثالث التي تقدم دعماً من أجل إبقاء أسعار الأغذية الجارية منخفضة أن تتخلى عن هذه السياسة، أما عن مصروفات الدولة فينبغي أن تكون للمصروفات المخصصة لتعزيز البني الأساسية الأولوية على غيرها.)
 
يعرض بعد ذلك نتائج البرنامج في اثنتي عشرة نقطة:
 
منح الدولة الحد الأدنى من القدرة على الحركة والنشاط في مختلف المجالات فيما عدا حماية القطاع الخاص والملكية الخاصة ونظام السوق الحر، خلق مجتمع طبقي شديد التمايز، الدفاع عن مصالح أصحاب رؤوس الأموال من خلال السماح لهم بتحقيق المزيد من الأرباح على حساب خزينة الدولة والمجتمع من خلال تخفيض الضرائب على الدخل (الضريبة المباشرة) وفرض ضرائب غير مباشرة على السلع والخدمات، حرمان الفئات الكادحة والمنتجة من أي دعم حكومي للسلع والخدمات ذات المساس المباشر بمستوى حياة ومعيشة تلك الفئات، ولكنها ستمارس باستمرار تخفيض الضرائب على أرباح رؤوس الأموال بذريعة توفير الفرص للاستثمار وإعادة التوظيف وتوسيع عملية إعادة الإنتاج وعدم فتح باب تهريب رؤوس الأموال، حرمان الدولة من إقامة المشاريع الاقتصادية، الإنتاجية منها والخدمية، حسب، بل ويطالب الدولة بخصخصة مشاريعها الاقتصادية القائمة فعلاً، منع الدولة من إقامة مشاريع صناعية أو تحديث الزراعة، بل جعلها معتمدة على التجارة الخارجية المستنزفة للدخل القومي والتي تحرم البلاد من إمكانية تحقيق التراكم الرأسمالي وتنمية الثروة الوطنية، تفاقم البطالة في المجتمع وإلى تنامي التوتر الاجتماعي والصراع الطبقي، والذي يقود بدوره إلى نزاعات سياسية واجتماعية لا مفر منها، إهمال الدولة، التي تأخذ بهذا البرنامج، مهماتها الاجتماعية والنفسية والثقافية، والتي تؤدي بدورها إلى بروز الكثير من المشكلات التي يعجز المجتمع على حلها وتغوص الدولة في وحل المشاكل العويصة، اعتماد الدولة على التجارة الخارجية يقود إلى انكشاف صارخ للاقتصاد الوطني على الخارج، أي التبعية للخارج والاستيراد من جهة، تطبيق سياسة الباب المفتوح ليس أمام التجارة الخارجية حسب، بل وأمام حركة رؤوس الأموال والأيدي العاملة والابتعاد عن تطبيق قوانين ملزمة لحماية العمل والعمال وسياسة جمركية عادلة لحماية الإنتاج الوطني من المنافسة الحادة، وضمان الحد الأدنى للأجور.. الخ ستقود إلى عواقب وخيمة من النواحي الاجتماعية والثقافية والنفسية على الفرد والمجتمع، ربط العملية الاقتصادية لاقتصاديات الدول النامية بالاقتصاد الرأسمالي العالمي عبر عملية إعادة الإنتاج بمراحلها المختلفة من جهة، وتوسيع الفجوة الفاصلة بين مستوى تطور الدول المتخلفة والدول المتقدمة لصالح الأخيرة من جهة أخرى.
 
لقد اقتبست مطولاً ما عرضه د. كاظم من مبادئ إجماع واشنطن والنتائج المترتبة عليها لأهميتها في التعريف بالليبرالية الجديدة، ولأن بعضها تنطبق على ما رسمته سلطة الائتلاف المؤقتة، 2003-2004، من مشاريع وحاولت تطبيقه عل قطاع التأمين في العراق، كما سنشير إلى جوانب منها فيما بعد.
 
وما يهمنا هنا هو الاستنتاج التالي:
 
ومن هنا يمكن القول بأن السياسة المالية والنقدية، بما فيها سياسة المصارف الاستثمارية ودور ونشاط شركات التأمين والسياسة الضريبية والجمركية والأسعار.. الخ، التي تضعها الدولة في هذا النموذج ستكون موجهة لمصلحة أصحاب الاستثمارات الأجنبية والنشاط الاقتصادي الأجنبي وسياسة الاستيراد المفتوحة، وكذلك في مصلحة الفئات المستغِلة في المجتمع وضد المستغَلين.
 
قد يبدو هذا الاستنتاج مبالغاً فيه لكن الضغط من قبل المؤسسات المالية الدولية ومراكز الأبحاث وشركات التأمين العالمية لفتح أسواق التأمين في الدول النامية مسألة معروفة، وتجد قبولاً لدى بعض هذه الأسواق أو قل الفئات الاجتماعية الصغيرة المنتفعة منها.  فهناك دعوات لفتح هذه الأسواق أمام شركات التأمين الأجنبية، سواء من خلال الاستثمار المباشر (تأسيس شركات أو فروع) أو شراء حصص في رأسمال شركات التأمين المحلية أو الاكتتاب في هذه الأسواق خارج نظام المراقبة الداخلية على النشاط التأميني، أو رفع القيود على عمل هذه الشركات من خلال تعديل القوانين المنظمة للنشاط التأميني.  ولنا في قانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005، الذي أعدته الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية مثالاً جيداً.[4]
 
إن شركات التأمين وإعادة التأمين العالمية لا تكتفي بأعمال إعادة التأمين التي تردها من أسواق الدول النامية خاصة وأن بعض هذه الأسواق النامية لها شركات وطنية لإعادة التأمين تحتفظ بجزء من الأعمال قبل الإقدام على شراء حماية إعادة التأمين من الخارج، وهذا يقلص الطلب المحلي على حماية إعادة التأمين بشقيها الاتفاقي والاختياري.  إن الشركات العالمية اتجهت، تاريخياً، إلى التوسع خارج أوطانها، وهذا التوسع هو من سمات النظام الرأسمالي.
 
قبل بدء التراجع الكبير لقطاع التأمين في العراق مع بدء الحرب العراقية الإيرانية وانهياره بعد ذلك والذي ارتبط بالعقوبات الدولية الظالمة للإنسان العراقي إثر اجتياح العراق للكويت (1990) واستمرارها لحين الغزو الأنكلو-أمريكي للعراق (2003)، كان لوجود شركة إعادة التأمين العراقية دوراً مهماً في الحد من تصدير العملة الصعبة لشراء حماية إعادة التأمين من أسواق التأمين العالمية رغم وقف العمل بالإسناد الإلزامي لأعمال التأمين من قبل شركة التأمين الوطنية وشركة التأمين العراقية.  وما زالت الإعادة العراقية، رغم تراجع مكانتها وضعفها الحالي، تساهم في لعب دور "الوسيط" بين شركات التأمين العامة والخاصة وبين معيدي التأمين المحترفين في الخارج لتوفير حماية إعادية تتناسب مع أوضاع هذه الشركات (الحجم الصغير لأقساط التأمين المكتتبة، وضعف القاعدة المالية والكوادر المؤهلة).
 
في ظل هذا الوضع، الذي وصفته باختصار ويحتاج إلى تحليل وعرض أوسع مما تسمح به هذه المقالة، فإن الدولة في العراق، في الماضي والحاضر، لم ترسم دوراً لشركات التأمين وتحدد نشاطها وتوجيهها "لمصلحة أصحاب الاستثمارات الأجنبية والنشاط الاقتصادي الأجنبي وسياسة الاستيراد المفتوحة."  ولكن يمكن النظر إلى الموضوع من زاوية مختلفة.
 
إن الاستثمارات الأجنبية والنشاط الاقتصادي الأجنبي في العراق يكاد أن يكون محصوراً في الوقت الحاضر في القطاع النفطي.  والمطالب التأمينية لشركات النفط الأجنبية، التي تتبع الممارسات العالمية والمتطورة، هي من السعة والتعقيد بحيث أن قطاع التأمين المحلي غير قادر، ولأسباب عديدة ليس هذا بالمجال المناسب لعرضها، على تلبيتها إلا بحدود ضيقة.  ومن جانبها عملت شركات النفط الأجنبية في إدخال المادة 24 (شروط التأمين والتعويض النموذجية) في نص العقود النموذجية مع الحكومة العراقية لتنظيم ترتيبات التأمين بما يتناسب مع مطالبها ومصالحها.[5]
 
بعض الشركات النفطية الأجنبية التزمت بتطبيق هذه المادة وعملت على تأمين أصولها ومسؤولياتها مع شركات تأمين عراقية مجازة من قبل ديوان التأمين العراقي (الجهاز الرسمي للرقابة على النشاط التأميني)، أي أنها لم تلجأ إلى التأمين خارج القواعد الرقابية لديوان التأمين.  لكن الشركات النفطية، في حقيقة الأمر، عملت على تحويل شركات التأمين المحلية إلى واجهات وقلّصت حرية احتفاظ هذه الشركات بمخاطر التأمين إلى حدودها الدنيا.  ولم تلعب وزارة النفط والشركات التابعة لها بدور فعّال في إدارة برامج التأمين الخاصة بها أو المشتركة مع شركات النفط الأجنبية، بسبب ضعف الوظيفة التأمينية في تنظيمها الإداري.[6]
 
هذه العلاقة غير المتكافئة بين شركات التأمين العراقية وشركات النفط الأجنبية ربما تعكس ما يرمي إليه د. كاظم حبيب في بعض استنتاجاته من حيث الحد من استقلال وحرية تصرف شركات التأمين العراقية في تحديد أسعار وشروط التأمين، وتحديد احتفاظها بالمخاطر، واختيار وسطاء إعادة التأمين ومعيدي التأمين.
 
وهكذا يُحرم قطاع التأمين العراقي من حرية التصرف، ويظل في موقع التابع لما تريده الشركات النفطية الأجنبية، وبالتالي يخسر فرصة تنمية أقساطها واحتفاظها وتطوير كوادرها وتقنياً.[7]  وكنتيجة لذلك فإن ما يسميه د. كاظم بإشكالية التقدم والتخلف تظل قائمة مثلما تظل مساهمة قطاع التأمين في تكوين الدخل القومي ضعيفاً.  ومع ذلك فإن تعديل هذا الوضع ليس مستحيلاً إذا توفرت رؤية لما يراد لقطاع التأمين من أهله ومن قبل الحكومة، وهي، أي الرؤية، مفقودة.  أقول هذا لأنني على قناعة بأن العلاقة غير المتكافئة ليست بنيوية بحيث لا يمكن الخروج من أسارها.
 
التأمين في المشروع الاقتصادي لثورة تموز 1958
 
في الحلقة الرابعة، وتحت عنوان "دور الدولة في العراق حتى انقلاب البعث الثاني" يعرض د. كاظم تأسيس الدولة العراقية الملكية عام 1921 ونشوء العلاقات الرأسمالية في مجال التجارة والعقار "وفق ذهنية ليبرالية، ولكنها مقزمة   وفي صالح المصالح والهيمنة الاستعمارية البريطانية."  وبعدها ترتيب عقود امتيازات واستخراج وتسويق النفط مع الشركات الأجنبية، والذي تزامن في الثلاثينيات مع تطبيق نظرية كينز في السياسات الاقتصادية وبدء المشاريع الصناعية الحكومية، ودور مجلس الإعمار.  يعرض بعدها التحولات التي ارتبطت بإقامة قطاع عام إلى جانب إنعاش نشاط القطاع الخاص ضمن السياسة الاقتصادية في الجمهورية الأولى كجزء مما يسميه الليبرالية الكينزية: "الدمج بين الاعتماد على الدولة لتنشيط القطاع الخاص لمعالجة مشكلة البطالة والتشغيل ومنح الفئات الاجتماعية الأكثر فقراً بعض المعونات التي تساعد على تحسين ظروف حياتهم، إضافة إلى مشاركة الدولة في الخدمات الاجتماعية، ومنها الحياة الصحية والتعليمية والحياة الثقافية.. الخ."  إلا أن هذا الاتجاه لم يكتب له الاستقرار فقد سقط بانقلاب البعث عام 1963 وتأسيس نظام شمولي فاشي.
 
نلاحظ هنا غياب أي ذكر للتأمين، وهو أمر مفهوم لأن دراسة د. كاظم ليست معنية به.  إثارتي لهذا الغياب هو التذكير بصدور قانون شركات ووكلاء التأمين رقم (4) لسنة 1960 (الذي ألغى قانون شركات التأمين وتعديلاته رقم 74 لسنة 1936) الذي يعكس السياسة الاقتصادية للجمهورية الأولى.  وكنت قد كتبت في دراسة[8] لي أن
المشروع الاقتصادي لثورة تموز 1958 كان يستهدف توسيع دائرة مشاركة الرأسمال الوطني في مختلف القطاعات.  وبالنسبة لقطاع التأمين فقد جاء في الأسباب الموجبة لتشريع القانون رقم 49 لسنة 1960
 
"إن هذا القانون يستهدف تشجيع استثمار رأس المال الوطني في حقل التأمين والسعي تدريجياً لإحلاله محل رأس المال الأجنبي على أن يلاحظ خلال ذلك كفاءة خدمات التأمين المتوفرة في البلاد بالنسبة لحاجة السوق إليها وفي هذا الهدف تتصل لائحة شركات التأمين الجديدة مع قانون تأسيس شركة إعادة التأمين رقم 21 لسنة 1960 ويعتبر القانونان متكاملين في السعي لتعريف ميدان التأمين وفتحه أمام رأس المال الوطني."
 
ولكن لاحظ كيف أن الإحلال التدريجي لرأس المال الأجنبي يرتبط في ذهن الشارع مع اشتراط "كفاءة خدمات التأمين المتوفرة في البلاد بالنسبة لحاجة السوق إليها."
 
كان هذا القانون محطة مهمة في تاريخ النشاط التأميني في العراق، وتم نسيانه وتجاوزه من قبل الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية عندما قامت بصياغة قانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005 الذي ساهم في إضعاف دور شركات التأمين العامة والخاصة من خلال تسريب أقساط التأمين إلى الخارج، مثلما أضرَّ بخزينة الدولة من خلال حرمانها من رسوم الطابع والضريبة.[9]
 
تأميم شركات التأمين في العراق
 
في نفس هذه الحلقة الرابعة يكتب د. كاظم عن "فترة حكم الأخوين عارف" [1968-1963] والاتجاه نحو تخفيف الضغط على المجتمع مع "التركيز على قطاع الدولة" في
 
"محاولة التماثل والوحدة مع مصر، إضافة إلى اعتماد سياسة تقليم أظافر البرجوازية الصناعية، التي رفضت حكمها وطالبتها بدستور دائم وإقامة دولة مؤسسية حرة والفصل بين السلطات، بتأميم مشاريعها الاقتصادية في المصارف والصناعة والتجارة والتأمين، ولم يكن للدولة أي وجهة مدنية عقلانية، بل كانت دولة استبدادية قائمة على حكم الفرد ..."
 
كان من المناسب أن يدلي د. كاظم برأي بشأن التأميم وأثاره على الاقتصاد العراقي.  ورغم أن التأميم كان يعكس الإيديولوجية السائدة في ذلك الوقت، مثلما تعكس السياسات والقرارات في زماننا سيادة الليبرالية الجديدة، فإنها كانت، في الحالة العراقية، فكرة حمقاء لأنها لم تستند إلى دراسات موضوعية متجردة من الميول الإيديولوجية، ولم تبحث في جدوى التأميم وآثاره على تطوير الصناعة الوطنية.  وكانت من سوء الإعداد بحيث أنها أممت بعض المنشآت ومن ثم تراجعت عنها، مثلما خلطت بين تأميم وكالات التأمين العراقية (وكالات لشركات تأمين أجنبية) واعتبرتها شركات تأمين أجنبية وهي لم تكن كذلك.[10]
 
وقد كتبت قبل سنوات[11]
 
وجاءت قوانين التأميم في تموز 1964، التي شملت شركات التأمين، لتجهز على القاعدة الاقتصادية الضعيفة للرأسمالية الوطنية إذ لم تكن هناك ضرورة اقتصادية أو سياسية للتأميم وإنما جاء التأميم تقليداً لما جرى في مصر وهرولة نحو تطبيق مواقف إيديولوجية شعاراتية.  ما ترتب على تأميم شركات التأمين من نتائج على بنية سوق التأمين وتطوره اللاحق، سلبياً أو إيجابياً، يستحق الدراسة الموضوعية المتأنية قبل الاستغراق في إطلاق الأحكام.
 
وفيما بعد قمت بدراسة تأميم قطاع التأمين مع استبعاد الحكم المسبق بحماقته.[12]  واقتبس هنا الفقرات الأخيرة من هذه الدراسة لأنها، في رأي، رغم خصوصيتها في مجال التأمين، تلقي بعض الضوء على "مشروع" بناء نظام رأسمالي ذو بعد طائفي اثني، نظام اقتصادي هجين، في العراق.
 
لم تكن نتائج التأميم متجانسة: تقدمٌ من ناحية وحجرٌ على التطور من ناحية أخرى، استقلالٌ في الإدارة آناً وتدخلٌ سياسي وهكذا.  وهذا يعلمنا أن لا نقاء في النظرية التي تنتظم التأميم وفي النتائج الفعلية المنظورة وغير المنظورة التي تترتب على التأميم.  ولكن يظل هناك دائماً فسحة للتداول بشأن الخيارات المتوفرة في إدارة قطاع التأمين والاقتصاد الوطني.  القول ان لا بديل هناك هو الموقف المتطرف عند اليمين واليسار معاً لإلغاء حرية المفاضلة بين البدائل.
 
كان بالإمكان التفكير بخيارات أخرى غير التأميم الذي كرّس سيطرة الدولة على ملكية مرافق اقتصادية كان الأفضل أن تترك تحت ملكية وإدارة القطاع الخاص.  هناك دور للدولة وهناك دور للقطاع الخاص وبينهما نماذج أخرى للملكية لم تجرِ الاستفادة منها، وهي التي لم تلقَ الاهتمام المطلوب من الاقتصاديين ومن أصحاب القرار في الماضي أو الحاضر لإصلاح النظام الاقتصادي وتداخله مع السياسي والاجتماعي.
 
الفشل الأساسي للتأميم يكمن في عدم "تحقيق أغراض الاشتراكية العربية الرشيدة (بغض النظر عن هلامية الصفة العربية والرشيدة الملحقة بالاشتراكية) في زيادة الإنتاج وعدالة التوزيع" فلم ينشأ نظام اشتراكي ليحقق الزيادة في الإنتاج والعدالة في التوزيع.  الانبهار بالشعار ليس بديلاً عن التحليل الملموس للواقع لفهمه أولاً ومن ثم صياغة خيارات وبدائل قابلة للتقييم ضمن ضوابط الكفاءة الاقتصادية والمعايير الاجتماعية التي تضع الطبقات الشعبية في المقدمة.
 
التأمين تحت نظام البعث
 
يكرس د. كاظم الحلقة الخامسة من دراسته تحت عنوان "دولة البعث والاقتصاد العراقي" لعرض السياسة والاقتصاد لدولة البعث، ويقدم الملامح الأساسية لدراسة التاريخ الاقتصادي للفترة 1968-2003.[13]  ويذكر بهذا الشأن أن برنامج حزب البعث
 
سعى البعث إلى تكوين قطاع دولة رأسمالي يكون في خدمة الدولة البعثية وأهدافها وليس في خدمة المجتمع وتطور الاقتصاد الوطني وزيادة معدلات نموه، لقد أبدت قيادة حزب البعث ومجلس قيادة الثورة اهتمامهما الأكبر بالهيمنة على قطاع الدولة وجعله أداة بيد الحكم من أجل:
** السيطرة على وجهة تطور قطاع الدولة الاقتصادي والتحكم بالمشاريع التي يقيمها والوجهة التي يتطور نحوها.
** السيطرة على قطاعات الصناعة والزراعة والتجارة والمصارف وشركات التأمين، وبالتالي السيطرة على وجهة الاستثمارات ومن يحصل عليها وسبل استخدامها.
** التحكم بالبرجوازية الوطنية وفرض وجهة نظره عليها.
** إخضاع المجتمع بأسره لإرادة قيادة الدولة ومصالحها والوجهة التي تسعى إليها.
** إخضاع جميع مكونات الدولة لها وجعل كافة السلطات بيد مجلس قيادة الثورة ومن ثم بيد الفرد القائد، وهي دولة استبدادية ولا تقوم على مؤسسات دستورية بل تنطلق من إرادة ورغبات القائد وممثلة له وليس للشعب.
 
فيما يخص "سعى البعث إلى تكوين قطاع دولة رأسمالي يكون في خدمة الدولة البعثية" من خلال "السيطرة على قطاعات الصناعة والزراعة والتجارة والمصارف وشركات التأمين، وبالتالي السيطرة على وجهة الاستثمارات ومن يحصل عليها وسبل استخدامها" أرى أن موضوعة السيطرة على شركات التأمين بحاجة إلى مراجعة وتدقيق.  لقد كانت شركات التأمين وهي شركة إعادة التأمين العراقية وشركة التأمين الوطنية وشركة التأمين العراقية، ولم يوجد غيرها منذ 1964 ولغاية 2000، مملوكة أصلاً للدولة.  لذلك فإن فكرة السعي للسيطرة عليها ليست واردة.
 
ثم يقول د. كاظم:
 
لقد أقامت دولة البعث قطاع دولة رأسمالي، ولكنه لم يعتمد على الربح في تسييره الذاتي، بل كان يعتمد على تحمل الدولة خسائر قطاعها الاقتصادي لأنها لم تكن بحاجة إلى أموال مشاريع الاقتصاد العراقي في ما عدا موارد النفط الخام التي تعاظمت منذ عملية التأميم وازدياد الطلب عليه وارتفاع أسعاره وبما أطلق عليها بالفورة النفطية.
 
كانت شركات التأمين الثلاث جزءاً من قطاع الدولة الرأسمالي (التأمين الوطنية تأسست كشركة حكومية عام 1950، والإعادة العراقية تأسست كشركة مختلطة عام 1960، والتأمين العراقية كشركة خاصة عام 1959 وأممت عام 1964)، لكن هذه الشركات تميزت باعتمادها على الربح في تسييرها الذاتي.  وفي تاريخها الذي صار يمتد لأكثر من نصف قرن لم تلجأ هذه الشركات إلى الدولة لتمويل خسائرها (ليس معروفاً أن أياً منها تعرض لخسارة اضطرتها إلى الاستدانة من الدولة).  لقد كانت هذه الشركات الثلاث دائماً مصدراً لتمويل خزينة الدولة من خلال الرسوم والضرائب التي كانت تدفعها.  وقد تأكد استقلالها المالي مع تحويلها إلى شركات تمويل ذاتي عام 1997.
 
ويشير د. كاظم إلى "توسيع قاعدة نشاط قطاع الدولة الاقتصادي في مجال الإنتاج والخدمات ووضع قطاع النفط الخام بكامل ثروته وعوائده بيد هذه الدولة البعثية، والذي تم بقرارات التأميم في العام 1972."  إن هذا التوسع أدى إلى تعظيم الطلب على الحماية التأمينية من قبل الشركات الأجنبية والعراقية وكذلك الأفراد وخاصة من المنتفعين من نشاط الدولة الاقتصادي.  وقد ارتبط ذلك، وكما يقول د. كاظم، في الفترة الأولى من حكم البعث "حيث تعاظم المورد النفطي وتوجهت السياسة نحو تنمية سريعة لقطاع الدولة وإقامة مشاريع صناعية وزراعية وري واسعة، إضافة إلى التوسع في الخدمات، فكانت السياسة مزيجاً من الليبرالية المنفتحة والتوجيه الحكومي المرتبط بإرادة مجلس قيادة الثورة أو المسؤول عن الاقتصاد العراقي حينذاك، صدام حسين."  هذه المشاريع خلقت طلباً للتأمين البحري والهندسي وتأمين المسؤوليات المدنية المرتبطة بها.[14]
 
ثم يأتي د. كاظم إلى توصيف الفساد ويؤكد التالي:
 
واتسعت في هذه الفترة ظاهرة الفساد المالي على نطاق واسع وفتحت الكثير من الحسابات في الخارج لتحويل العمولات إليها لعدد كبير من المسؤولين وكبار الموظفين المتعاملين في إقرار وتوقيع العقود مع الشركات الأجنبية، وسيطر صدام حسين نفسه على ألـ 5% حصة كولبنكيان في عوائد نفط العراق في أعقاب التأميم، إضافة إلى الأموال التي تسربت إلى القيادة القومية لحزب البعث والقوى المساندة لحزب البعث في الخارج من عرب وأجانب على حساب خزينة الدولة ومصالح الشعب.
 
ليس معروفاً أن الفساد المالي قد شمل شركات التأمين الثلاث.  هناك من يقول إن الفساد المالي كان مستشرياً في كامل سوق التأمين في العراق، وإن عدي صدام كان يستحوذ على صندوق التأمين الإلزامي على السيارات.[15]  وهو زعم لم أسمع به من أي من ممارسي التأمين في العراق.  والصندوق هذا كان مكرساً بقوة القانون لتعويض الأطراف الثالثة المتضررة من حوادث السيارات، وكان وما يزال يدار من قبل شركة التأمين الوطنية التي كانت تستلم جزءاً من ثمن بنزين السيارات من الشركة العامة لتوزيع المنتجات النفطية.  وعلى أي حال، فإن هذا الزعم بحاجة إلى من يقوم بالتحقيق فيه لأن فيه افتئات على نزاهة شركة التأمين الوطنية.
 
وحتى التدخل السياسي في إدارة شؤون شركات التأمين لم يكن معروفاً وخاصة في عهد الأستاذ عبد الباقي رضا في شركة التأمين الوطنية (1978-1966).  وقد سرد لي في رسالة لي تعامله مع مسألة تمديد وثيقة تأمين مشروع إنشاء جسر ديالى من قبل شركة فنلندية، دون وجه حق، إثر تدخل صالح مهدي عماش، وكان وقتها نائباً لرئيس الجمهورية ورئيساً لمجلس التخطيط، وكيف ألتزم الأستاذ عبد الباقي بموقفه المهني الذي حظي بتفهم وزيري التخطيط د. جواد هاشم والاقتصاد د. فخري قدوري.
 
وفي نفس الرسالة المؤرخة في 26 آذار 2011 ذكر التالي:
 
ربما تعرف أن (ضابط الأمن) الحزبي الذي فرض في جميع الدوائر لم يكن له تأثير على أي عمل من أعمالي قط، وأتذكر أنه طلب مقابلتي مرة فأذنت له فتحدث في موضوع لا أتذكره الآن ولكني أتذكر اني قلت له بأن وقتي الرسمي لا يتسع لبحث هذا الموضوع وبإمكانك عرضه علي في دوامي المسائي.  لم يكن يدخل عليَّ إلا بعد استئذان وعند الضرورة.  أما بعد أن تركت الشركة عرفت انه كان يصول ويجول حتى ان أحد المدراء العامين ذهب إلى بيت ضابط الأمن في أحد الأعياد مدعواً على الغداء عنده.  لم أتعرض لأي ضغط سياسي في أي من أعمال الشركة أو تعييناتها عدا الذين أعيد تعيينهم من المفصولين السياسيين كالأستاذ بديع السيفي.
لست في خلاف مع د. كاظم في توصيفه للاقتصاد السياسي لنظام البعث لكنني، فيما يخص قطاع التأمين، أرى أن هذا التوصيف لا ينطبق بالضرورة على هذا القطاع وفي جميع المراحل الممتدة من 1968-2003 خاصة إذا تعمقنا في التفاصيل، كما أتيتُ على ذكر بعضها.  ومن رأي أن قطاع التأمين كان متميزاً عن غيره مالياً إلا أنه شهد في الثمانينيات وما بعدها إجراءات ذات بعد طائفي واثني لم تخضع للبحث بعد ومنها الاستحواذ على وثائق تأمين المؤمن على حياتهم من قبل شركة التأمين العراقية على الحياة، تهجير بعض الموظفين بحجة التبعية، وما تلا ذلك، بعد 2003، من إقحام الطائفية في سياسة الاستخدام وغيرها من مظاهر الفساد الإداري، وكان لوزارة المالية دورها في هذا الشأن كون الشركات الثلاث تابعة لها.  وهذا ينقلنا إلى الجزء الأخير من دراسة د. كاظم.
 
التأمين بعد البعث وإسقاط الدكتاتورية
 
في الحلقة السادسة والأخيرة تحت عنوان "وماذا بعد البعث وإسقاط الدكتاتورية الغاشمة؟" يقدم د. كاظم تحليلاً سريعاً لسياسات بول بريمر الجاهل بتاريخ العراق والمتجاهل لتقارير الخبراء العراقيين مع تضييق الخناق عليهم.  كان همه الأساس إقحام الليبرالية الجديدة في العراق ومارس من أجلها، كما يقول د. كاظم، جملة من السياسات ومنها:
 
1. تدمير كامل لدولة البعث في العراق، دون أن يدرك دور الدولة وبعض مهماتها المشتركة في العراق، سواء أكانت بعثية أم غير بعثية.
2. تدمير قطاع الدولة والدعوة للقطاع الخاص دون أن يعمل على توفير مستلزمات نهوض قطاع خاص فاعل ومؤثر وقادر على أخذ مهمات إعادة البناء والتنمية في البلاد.
3. رفض عملية التنمية الاقتصادية ورفض التصنيع أو تطوير وتحديث القطاع الزراعي، بل ركز جل اهتمامه على قطاع التجارة الخارجية، أي تصدير النفط الخام واستيراد جميع أنواع السلع.
4. [تأسيس] نظام سياسي طائفي يستند إلى محاصصة دينية وطائفية وقومية مدمرة لمفهوم الوطن والمواطن، وكانت بداية الخراب الفعلي الذي عم العراق في السنوات السبع المنصرمة، والذي وجد التأييد والمساندة من الأحزاب الإسلامية السياسية الشيعية، باعتبارها قد مسكت زمام الحكم بأكثرية أعضائها في مجلس الحكم الانتقالي، وفيما بعد ايضاً.
5. ساعد بشكل مباشر أو غير مباشر على تعميق الفساد والإفساد الذي كان قائماً أساساً وعلى انتشاره في سائر أنحاء العراق.
 
هذه السياسات لم تترجم نفسها بوضوح في أوامر بول بريمر فيما يخص قطاع التأمين.  من المفارقات أن الأمر رقم 39 لسنة 2003 (الخاص بالاستثمار الأجنبي) الصادر بتاريخ 19 أيلول 2003 من سلطة الائتلاف المؤقتة استثنى في القسم 6 شركات التأمين من مجالات الاستثمار الأجنبي، لكنه في القسم 9 سمح "للمستثمر الأجنبي الحصول على التأمين من أي شركة تأمين أجنبية أو عراقية يعتبرها المستثمر الأجنبي ملائمة ويتم بموجبه تأمين كافة الجوانب التي يقوم بها."[16]  (سيتكرر مفهوم حرية المستثمر الأجنبي في شراء التأمين في قانون الاستثمار الاتحادي وقانون الاستثمار في إقليم كوردستان!)
 
كان هذا الأمر استراحة مؤقتة قصيرة إذ أنه بحلول تشرين الثاني 2013 كان بريمر يعد العدة لخصخصة وتمليك شركتي التأمين وشركة إعادة التأمين لشركات أجنبية.  وقد بينتُ ذلك في ورقة لي بعنوان "قانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005: مراجعة للخلفية وبعض الآثار الاقتصادية" اقتبس منها الآتي:[17]
 
في تقريره الاقتصادي الأسبوعي في تشرين الثاني 2003 قال بول بريمر، المدير الإداري لسلطة الائتلاف المؤقتة، ما يلي بشأن إصلاح قطاع التأمين:*
 
·                ثلاث شركات حكومية تسيطر على 98% من سوق التأمين العراقي.  قانون التأمين في العراق مشتق من نموذج إنجليزي يمتد عمره لبضعة عقود.  يمكن العمل بجوهر هذا القانون لكنه بحاجة إلى تحديث وتخليصه من أحكام عهد صدام.
·                النشاطات التالية هي قيد التنفيذ من قبل خبراء العراق وخبراء سلطة الائتلاف المؤقتة:
·        تقييم وتدقيق شركات التأمين الحكومية لتقرير قيمتها السوقية الحقيقية (لفتح المجال أمام الامتلاك الأجنبي)؛
·        الاتفاق مع وزير المالية على تدقيق جميع شركات التأمين من قبل مجموعة معترف بها دولياً؛
·        تأسيس جهاز رقابي مقبول دولياً؛
·        تأسيس جمعية للتأمين لوضع السياسات وتثقيف العاملين في الصناعة [قطاع التأمين].
 
]*The Coalition Provisional Authority, Consolidated Weekly Economic Report, November 16, 2003, http://www.iraqcoalition.org/economy/consolidated/WEEKLY%20ECONOMIC%20REPORT%20November%2016,%202003.doc[
 
تلا ذلك مشروع كُتب باللغة الإنكليزية لإعادة هيكلة (خصخصة) شركات التأمين الثلاث، وهو لسبب ما لم يتحقق على أرض الواقع، وتبعه إعداد مسودة لقانون الرقابة على التأمين سنة 2004، كتب باللغة الإنكليزية أيضاً، فيه شطط تحوَّل، بعد ترجمتها وتعديلها، إلى الأمر رقم (10): قانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005.[18]
 
وأراني هنا متطابقاً مع تحليل د. كاظم عندما كتبت:[19]
 
نزعم أن الأسس الفكرية لهذا القانون الجديد قد تم وضعها من قبل الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية: الخصخصة وفتح الباب أمام الملكية الأجنبية وحرية الشركات الأجنبية في العمل دون أن تتواجد في العراق.  والواقع أن أوامر بريمر، التي بلغت المائة، كلها كانت جزءاً من مشروع وضع أسس لبرلة الاقتصاد العراقي وفتحه أمام الاستثمار الأجنبي المباشر Foreign Direct Investment (FDI) من قبل الشركات المتعدية الجنسية.  وهذا يفسر السياسات الكلية macro-policies حول خلق البيئة المناسبة للأعمال (لرأس المال): المؤسسات القانونية والسياسية لحماية الملكية، الشفافية والاستقرار المالي.  وبالطبع لا نشهد في الوقت الحاضر تدافعاً بين الشركات الأجنبية للاستثمار المباشر في منشآت جديدة أو من خلال الاستحواذ والاندماج mergers & acquisitions (M&A) في العراق لكن الإطار القانوني قد وضع لذلك وهو المهم في المشروع الأمريكي للعراق، ومعظم أفراد الطبقة السياسية الجديدة في العراق قد تحولوا فكرياً نحو قبول إيديولوجية عدم وجود البديل there is no alternative (TINA) لما يسمى بالاقتصاد "الحر"[20] وما يلحق به ويتفرع عنه.[21]  قانون التأمين الجديد هو جزء من هذا المشروع الأمريكي الكبير للعراق.
 
تنشيط قطاع التأمين وتطوير شركات التأمين وإعادة التأمين
 
في ختام دراسته يحدد د. كاظم بعض المسائل ذات العلاقة بسياسة اقتصاد السوق الاجتماعي ومنها، على سبيل المثل:
 
**تدخل الدولة في الشأن الاقتصادي وكناظم سياسي واجتماعي وثقافي غير مؤثر سلباً على حرية الفرد وحركته الفكرية، بل منشطاً لها ودافعاً للمبادرة والإبداع.
** العمل من أجل توزيع وإعادة توزيع الدخل القومي وفق أسس عقلانية بين التراكم والاستهلاك، وكذلك بين الاستهلاك الفردي والاستهلاك الاجتماعي، وكذلك سبل توزيع الحصة الموجهة للتراكم، أي للاستثمار بين القطاعات الإنتاجية وتنشيط القطاعات الخدمية المرتبطة بالقطاعات الإنتاجية.
** تنظيم السياسات المالية والنقدية باعتبارها الأداة التنفيذية للسياسة الاقتصادية والاجتماعية، وتنظيم سياسات الضريبة وفق أسس تصاعدية على الدخول المباشرة وتقليص الضرائب غير المباشرة على السلع والخدمات، والعودة إلى بناء وتنشيط قطاع التأمين وإعادة التأمين لدوره المهم في عملية إعادة الإنتاج وفي توفير الاستثمارات للتنمية الاقتصادية ومواجهة الكوارث المحتملة.
** مشاركة الدولة في العملية الاقتصادية من خلال قطاعها الاقتصادي، وكذلك تنشيط دور القطاع الخاص والقطاع المختلط ودعمهما ليساهما بالنهوض الاقتصادي العراقي.
**تأمين دور للدولة في التأثير على السياسة الاستثمارية والقروض والتسهيلات الائتمانية للمصارف العراقية بما يشجع على التصنيع وتحديث الزراعة وفرض الحماية للصناعة والزراعة الوطنية من خلال سياسات جمركية فعالة، إضافة إلى دعم وتطوير شركات التأمين وإعادة التأمين لتساهم بفعالية في دعم التنمية الاقتصادية وفهم دورها في مجمل العملية الاقتصادية.
 
سبق وأن عرض د. كاظم أفكاره بشأن اقتصاد السوق الاجتماعي والسياسات المالية والنقدية وتنشيط قطاع التأمين وتطوير شركات التأمين العاملة في العراق.  وقد تعاملت معها في مقالتي "التأمين: موضوع مهمل في الكتابات الاقتصادية العراقية"[22].  رؤيته لهذا الاقتصاد، وكما تبين المسائل أعلاه، تتجاوز النظرة الضيقة التي تحصرها بالتأكيد على "المنافسة (والوجه الآخر له هو منع الاحتكار)، توفير الشروط لتحقيق تكافؤ الفرص بين الكيانات الاقتصادية وتعطيل سيطرة فئة على مقاليد الاقتصاد الوطني، وتدخل الدولة عند فشل السوق في أداء دوره (دور اضطراري).  وقد يضاف إلى هذه السياسات تدخل الدولة لتوجيه الإنفاق والاستثمار لتلبية حاجات اجتماعية (هياكل ارتكازية، مدارس، مستشفيات وغيرها من خلال مشاركة الدولة مع القطاع الخاص الوطني أو الأجنبي أو الاستثمار المباشر وهذا الأخير هو الذي ينتظم دعوات الاستفادة من الريع النفطي لأغراض البنية التحتية، المادية وغير المادية، بما فيها التعليم والصحة والحفاظ على البيئة)."[23]
 
وبالنسبة لقطاع التأمين، وهو لا يحصره بشركات التأمين العامة في هذا القطاع، فإن د. كاظم يدعو إلى "بناء وتنشيط قطاع التأمين وإعادة التأمين" وكذلك "تطوير شركات التأمين وإعادة التأمين" وكأنه بذلك يدعو إلى قيام الحكومة بوضع وتبني سياسة لقطاع التأمين إذ أن مثل هذه السياسة مفقودة في الوقت الحاضر رغم وجود مستشارين من خارج قطاع التأمين في جهاز رئاسة مجلس الوزراء.  كما أن شركات التأمين، العامة والخاصة، منفردة أو مجتمعة من خلال جمعية التأمين العراقية، لم تعمل على دراسة وضع سياسة للقطاع.  أما الأحزاب الطائفية والإثنية فإن التأمين لا يشكل موضوعاً لاهتماماتها.[24]
 
وقد حاولت قبل بضع سنوات، وبدعوة من د. كامل العضاض، رسم أوليات لسياسة تأمينية يمكن لتنظيم سياسي الاستفادة منها وتطويرها، وكانت كالتالي:
 
يستحق قطاع التأمين اهتماماً خاصاً نظراً للدور "الإنتاجي" الذي يلعبه في التعويض عن الأضرار والخسائر المادية التي تلحق بالأفراد والعوائل والشركات على أنواعها، والدور الاستثماري من خلال تجميع أقساط التأمين.  وسيزداد هذا الدور أهمية مع التطور الاقتصادي والاجتماعي للعراق مع تعاظم حجم أقساط التأمين، وضرورة ضمان استفادة شركات التأمين العامة والخاصة المرخصة بالعمل في العراق من هذه الأقساط إذ أن قدْراً كبيراً من الأقساط يتسرب إلى الخارج.  لذلك يجب العمل الآن على إعادة النظر بقانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005 لتغيير الرؤية الخاطئة التي يقوم عليها هذا القانون وأحكامه الضارة بالقطاع، ورسم سياسة للقطاع يحول دون التسرب غير القانوني لأقساط التأمين خارج العراق.
 
وفيما بعد قمت بإدخال تفاصيل أخرى عليها، لكنه من المؤسف أن الموضوع لم يلقَ ما يستحقه من مناقشة سواء داخل قطاع التأمين أو خارجه.
 
إن دراسة د. كاظم حبيب تستحق المناقشة من أقرانه الاقتصاديين على المستوى النظري وعلى مستوى التفاصيل، وهذا الأخير هو ما حاولته فيما يخص مؤسسة التأمين بقدر تعلقه بواقعها في الماضي والحاضر.  ورغم أنه لا يكتب عن التفاصيل التي تنتظم آلية التأمين وإعادة التأمين، والشركات والأطراف الأخرى المختصة بها، فإن توصيفه للاقتصاد السياسي لليبرالية الجديدة بشكل عام وحضوره في العراق بشكل خاص يوفر إطاراً، أرضية، لرؤية النشاط التأميني خارج حدوده الفنية الضيقة.  ومن نافل القول ان النشاط التأميني، من خلال شركات تجارية أو مؤسسات عامة وكيانات أخرى، لا يتم في فراغ بل ضمن المعطيات الاقتصادية والاجتماعية وحتى الأفكار السائدة.  ولنا في تاريخ التأمين العراقي خير شاهد على ذلك.
 
23 تشرين الثاني 2016
 


[1] نشرت الدراسة في موقع الحوار المتمدن:
[2] أنظر مثلاً: مصباح كمال، التأمين في الكتابات الاقتصادية العراقية (مكتبة التأمين العراقي، 2014)، أفردت فيه صفحات لمناقشة أطروحات د. كاظم حبيب حول التأمين.
الكتاب متوفر في شبكة الاقتصاديين العراقيين أيضاً:
وكذلك: "اليهود والنشاط التأميني في العراق،" مجلة التأمين العراقي ومرصد التأمين العراقي:
ونشرت أيضاً في موقع شبكة الاقتصاديين العراقيين
[3] Michael E. Tigar, “How Employers Limit Worker Rights, Using the Power of Government and Market Forces” in MRzine: http://mrzine.monthlyreview.org/2016/tigar181116.html
[4] راجع مصباح كمال، قانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005: تقييم ودراسات نقدية (بغداد: منشورات شركة التأمين الوطنية، 2014).  النسخة الإلكترونية للكتاب متوفرة في موقع شبكة الاقتصاديين العراقيين
وكذلك في الموقع التالي:
[5] راجع مصباح كمال، وزارة النفط والتأمين: ملاحظات نقدية (مكتبة التأمين العراقي، 2014).  النسخة الإلكترونية للكتاب متوفرة في موقع شبكة الاقتصاديين العراقيين
 
[6] مصباح كمال، "وزارة النفط وتأمين التحكم بالآبار: تداعيات تأمينية عقب حريق بئر نفطي في كركوك،" شبكة الاقتصاديين العراقيين
[7] إن تخصيص تعليقنا على تأمين جوانب من القطاع النفطي يقوم على إدراك حقيقة أن هذا القطاع هو الأكبر من حيث ضخامة مبالغ التأمين وأقساط التأمين ومتطلبات إدارة إعادة تأمين الأخطار المرتبطة به.  ولا غرو فإن الاستثمار الأجنبي في هذا القطاع هو الأكبر من غيره في العراق.
[8] مصباح كمال، أوراق في تاريخ التأمين في العراق: نظرات انتقائية (بغداد: منشورات شركة التأمين الوطنية، 2011)، ص 97.
النسخة الإلكترونية للكتاب متوفرة في موقع شبكة الاقتصاديين العراقيين:
وكذلك في الموقع التالي:
[9] كتبت عن هذا الموضوع غير مرة.  أنظر على سبيل المثل فصل "السياسات الاقتصادية في العراق والخيارات البديلة: قطاع التأمين نموذجاَ" في التأمين في الكتابات الاقتصادية العراقية (مكتبة التأمين العراقي، 2014)، ص 42-57.
[10] راجع بهذا الشأن بهاء بهيج شكري، بحوث في التأمين (عمّان: دار الثقافة للنشر والتوزيع، 2012)، ص 62-63.
[11] "مقاربة لتاريخ التأمين في العراق: ملاحظات أولية،" مجلة الثقافة الجديدة، العدد 328، 2008 ونشرت أيضاً في مجلة التأمين العراقي الإلكترونية http://misbahkamal.blogspot.com/2009/04/328-2008-67-76.html
[12] "تأميم قطاع التأمين في العراق 1964: مقدمة نقدية،" مجلة التأمين العربي، العدد 109، حزيران/يونيو 2011.  يمكن قراءة الدراسة في كتابي أوراق في تاريخ التأمين في العراق: نظرات انتقائية
[13] واحدة من أهم الدراسات في هذا المجال كتاب د. صبري زاير السعدي، التجربة الاقتصادية في العراق الحديث 1951-2006 (بغداد: دار المدى، 2009)، الفصل الثالث إلى الفصل العاشر.
مصباح كمال، "مؤيد الصفار: مكتتب ومدير في شركة تأمين عامة،" الثقافة الجديدة، العدد 380، كانون الثاني 2016، ص 57-66.  يمكن قراءة هذه الورقة في موقع شبكة الاقتصاديين العراقيين باستخدام هذا الرابط:
[15] أنظر: http://www.worldwiderisksolutions.com/downloads/SpotFeb09_Iraq.pdf حيث ترد الفقرة التالية:
"Under Saddam Hussein the insurance market, like many things in the country, was abused. On the surface the industry carried on. However corruption from the top permeated through the whole market. As an example, the historic Motor Third Party Liability claims fund, collected from 2 cents in every dollar of fuel sold in state garages, reputedly ended up as Uday Hussein’s pocket money."
"كان سوق التأمين في عهد صدام حسين، مثل أشياء كثيرة في البلاد، عرضة لسوء الاستخدام.  في الظاهر كانت الصناعة [التأمين] تسير بشكل اعتيادي.  ومع ذلك فإن الفساد قد تغلغل من فوق في السوق ككل.  على سبيل المثل، صندوق تعويض مطالبات الطرف الثالث التاريخي، المكون من جمع 2 سنت من كل دولار من الوقود المباع في المرائب العائدة للدولة، أشيع بأنه انتهى ليتحول إلى مصروف جيب عدي [صدام] حسين."
[16] لقراءة نص الأمر 39 استخدم هذا الرابط:
[17] راجع مصباح كمال، قانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005: تقييم ودراسات نقدية، مصدر سابق، ص 80.
[18] لمتابعة التفاصيل أنظر: مصباح كمال، مصدر سابق، ص 57 وما بعدها.
[19] مصدر سابق، ص 83-84.
[20] إلصاق الحرية بالاقتصاد له وظيفة إيديولوجية دعائية فهي ليست موجودة بصيغتها الصرفة فهناك تدخُّل الحكومات القوي كما يظهر في السياسات النقدية والمالية ودعم أسعار معينة؛ ودور الشركات الصناعية والبيوتات التجارية العملاقة في تحديد الأسعار وحركة السوق؛ ودور نقابات العمال وغيرها.  يعني هذا أن الاقتصاد ليس حراً في المطلق ومن الأفضل الحديث عن حرية نسبية.  ولهذا السبب نضع كلمة "الحر" بين قويسين مزدوجين. [الهامش في الأصل]
 
[21] قراءة ما يصدر من السياسيين في العراق من تصريحات تكشف عن التزام غير قابل للنقاش بالخصخصة، الاستثمار الأجنبي المباشر، قبول سياسات ووصفات صندوق النقد الدولي، تحجيم وتقليص دور الدولة .. الخ.  وكمثال على ذلك، فإن وكيل وزارة المالية د. كمال البصري، يدعو إلى التخلص من سياسة دعم الدولة لبعض السلع ومنها الوقود والتموين الغذائي ضمن استراتيجية وطنية للتنمية دون الإشارة إلى أن رفع الدعم هو أحد شروط صندوق النقد الدولي التي تقوم وزارته بتنفيذها.  ("العراق: رفع الدعم عن المحروقات يصحح أخطاء الماضي" الحياة، 17 نيسان 2006، ص 17).  ويقول البصري: "إن سياسة دعم أسعار المشتقات النفطية التي أخذت بها الحكومة السابقة جزء من نهجها القائم على التخطيط المركزي لموارد الدولة.  ولا شك في أن التجارب أثبتت عدم قدرة هذا النهج على تحقيق المصلحة العامة .."  ويتساءل المرء عن مكانة سياسة الدعم (وخاصة في مجال الإنتاج الزراعي) التي يتبعها الاتحاد الأوروبي ضمن سياق الاقتصادات الحرة لأوروبا أو ذات السياسة في الولايات المتحدة.  ليست هناك دائماً علاقة سببيه بين سياسات الدعم والتخطيط المركزي فالحكومات الرأسمالية تلجأ إلى هذه السياسات لأغراض اجتماعية واقتصادية لرفع بعض الأعباء عن كاهل الفئات الفقيرة والمعوزة أو لتدعيم الموقع التنافسي في التجارة الدولية لقطاعات اقتصادية معينة.  أما ما يسمى بالتخطيط المركزي للحكومة السابقة فإنه لم يكن إلا تلاعباً بالأرقام من قبل صدام حسين وأعوانه واقتصاديين مرعوبين.  لم يتجاوز التخطيط الاستفادة القصوى من الثروة النفطية لتكون مرتكزاً للدكتاتورية وصيغة الدولة الريعية في أقبح وأسوأ أشكالها. [الهامش في الأصل]
 
[22] وهو فصل في كتابي التأمين في الكتابات الاقتصادية العراقية (مكتبة التأمين العراقي، 2014)، ص 70-74.
[23] نفس المصدر، ص 70-71.
[24] ربما كان الحزب الشيوعي العراقي هو الوحيد الذي أبدى بعض الاهتمام بالنشاط التأميني.  أنظر: مصباح كمال، الاحزاب العراقية والتأمين: قراءة أولية في موضوعة حضور وغياب التأمين: الحزب الشيوعي العراقي نموذجاً (مكتبة التأمين العراقي، 2016).  الكتاب متوفر في المكتبة الاقتصادية لشبكة الاقتصاديين العراقيين:


ليست هناك تعليقات: