وزارة النفط وقطاع التأمين العراقي والتأمين على المنشآت النفطية:
قراءة لخبر في موقع إلكتروني
مصباح كمال
قرأنا في الموقع الإلكتروني لوزارة النفط (http://www.oil.gov.iq/oil%20arab/18.php) الخبر التالي:
"وزارة النفط تقيم ندوة التأمين البحري واستيرادات الوزارة
عقدت في وزارة النفط ندوة التأمين البحري للبضائع واستيرادات الوزارة بحضور الأستاذ أحمد الشماع وكيل الوزارة لشؤون المصافي والأستاذ طالب الزبيدي المشرف على أنشطة التأمين وعدد من ممثلي شركات التأمين الحكومية والأهلية منها شركات التأمين الوطنية والعراقية العامة والأهلية والحمراء وأعالي دجلة وشط العرب وعدد من منتسبي الوزارة والمسؤولين عن أقسام التأمين وأقسام المشتريات والجهات الأخرى ذات العلاقة .
وأوضح الأستاذ طالب الزبيدي أن هذه الندوة تهدف إلى إعادة نشاط التأمين في البلاد بعد أن تعرض هذا القطاع إلى الإهمال منذ عام 1991. وتم خلال الندوة مناقشة وضع قطاع التأمين في العراق والتأمين على المنشآت النفطية بشكل خاص وتعد هذه الندوة سابقة من نوعها لذا تمت دعوة شركات التأمين الوطنية كافة الحكومية والأهلية للمشاركة بوثيقة التأمين كل حسب قدرته وأن تكون شركة التأمين الوطنية الشركة الرئيسة القائدة في عملية التأمين فيها حيث أن تأمين مصافي النفط الثلاث موضوع هذه الندوة مغطى من قبلها."
http://209.85.229.132/search?q=cache:D6UBDD2OsQMJ:www.oil.gov.iq/oil%2520arab/18.php+%D9%88%D8%B2%D8%A7%D8%B1%D8%A9+%D8%A7%D9%84%D9%86%D9%81%D8%B7+%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B1%D8%A7%D9%82%D9%8A%D8%A9+%D9%86%D8%AF%D9%88%D8%A9+%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AD%D8%B1%D9%8A&cd=1&hl=en&ct=clnk&gl=uk
نلاحظ أولا أن عنوان الخبر لا يستقيم مع محتواه إذ أن موضوع الندوة هو "التأمين على المنشآت النفطية بشكل خاص" و "تأمين مصافي النفط الثلاث موضوع هذه الندوة" كما يرد في متن الخبر. كان على من قام بصياغة الخبر الاهتمام بوضع العنوان المناسب له فلا "التأمين البحري" ولا "استيرادات الوزارة" هي ما استهدفته هذه الندوة. وتذكرنا هذه الصياغة غير الدقيقة المحيرة للقارئ ببعض الكتابات الصحفية الضعيفة عن التأمين. وقد قمنا بدراستها في أكثر من مقالة نشرناها في مجلة التأمين العراقي الإلكترونية ومنها: "أخبار العراق التأمينية في الصحافة"
http://misbahkamal.blogspot.com/2008/07/1-5-2008.html
نلاحظ ثانياً أن الخبر لا يعلم القارئ متى انعقدت هذه الندوة. (المعلومات المتوفرة لدينا تفيد أنها قد انعقدت في مقر الوزارة في بغداد بتاريخ 4 تشرين الثاني 2009).
نلاحظ ثالثاً أن "هذه الندوة تهدف إلى إعادة نشاط التأمين في البلاد بعد أن تعرض هذا القطاع إلى الإهمال منذ عام 1991." ترى كيف يستقيم هذا الهدف مع عنوان الخبر؟ وهل حقاً أن الندوة عالجت مسألة "إعادة نشاط التأمين" في العراق؟ ما هي الأوراق التي قدمت بهذا الشأن؟ وما هي التوصيات والمقترحات التي خرجت بها الندوة؟
لا شك أن وزارة النفط يمكن أن تلعب دوراً مهماً في رفد شركات التأمين العراقية بأقساط التأمين (وهي كبيرة تتناسب مع حجم الأخطار النفطية المؤمن عليها) مما يرفع من مكانتها وتساهم في رفع مستوى أداءها، وكذلك النص في عقودها على إجراء التأمين مع شركات تأمين مسجلة في العراق وتحضى بموافقة ديوان التأمين العراقي لمزاولة أعمال التأمين. لكننا لا نعتقد بأن الوزارة قد اهتمت بهذا الجانب من الموضوع. أنظر على سبيل المثال دراستنا "’الاتفاقية الأولية‘ بين وزارة النفط وشركة شيل لمشروع غاز الجنوب والتأمين على أخطار المشروع المشترك" http://misbahkamal.blogspot.com/2009/05/blog-post.html
لا شك أيضاً أن إعادة النشاط لقطاع التأمين يدل على كرم وشهامة القائمين على إدارة الوزارة وعلى تفهمهم لمعاناة القطاع. ولنا في قيام الوزارة بتكليف شركة بريطانية متخصصة في المسح الميداني الهندسي لإجراء المسوحات الموقعية على المصافي وتحمل تكاليفها دليلاً على هذا التفهم. ولكن أحقاً أن الوزارة تنسق مع القطاع، ممثلاً بجمعية شركات التأمين وإعادة التأمين العراقية، أو تعمل لوحدها على إحياء القطاع؟ نحن نشك في وجود هدف واضح بهذا الشأن، وهو على أي حال ليس من اختصاص الوزارة، لكننا نقدر عالياً مثل هذا الموقف النبيل ونؤكد على صحة ما جاء في نهاية الخبر:
"وتعد هذه الندوة سابقة من نوعها لذا تمت دعوة شركات التأمين الوطنية كافة الحكومية والأهلية للمشاركة بوثيقة التأمين كل حسب قدرته وأن تكون شركة التأمين الوطنية الشركة الرئيسة القائدة في عملية التأمين."
الندوة هي فعلاً الأولى من نوعها في العراق فيما يخص استدراج التأمين على المنشآت العامة. لكن الإجراء الذي اتبعته الوزارة لا يتفق تماماً مع متطلبات قانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005. فقد جاء في المادة 81 – الفقرة ثالثاً من القانون:
"يجري التأمين على الأموال العامة والأخطار التي ترغب الوزارات أو دوائر الدولة في التأمين ضدها بالمناقصة العلنية وفقاً لأحكام القانون، ولجميع المؤمنين المجازين في العراق حق الاشتراك فيها."
ومن رأينا أن الوزارة تصرفت بشفافية في دعوة شركات التأمين العراقية كافة للمشاركة في الندوة للوقوف على آراءها ومقترحاتها ومدى استعداد كل شركة للمشاركة في وثيقة التأمين – كما جاء في خطاب الدعوة الذي وجهه مكتب الوزير في أواخر تشرين الأول 2009 لشركات التأمين. المناقصة العلنية، في ظل الظروف القائمة، فيما يخص القدرات الفنية والمالية لشركات التأمين، ليس ممكناً، وإن تم اللجوء إليه فإنه يخلق حالة من الفوضى بين شركات التأمين العراقية ووسطاء التأمين ومعيدي التأمين الدوليين، وهذا بافتراض توفر طاقة اكتتابيه دولية للتأمين على المنشآت. وكما ذكرنا في دراسات سابقة لنا فإن شركات إعادة التأمين الدولية تتخذ موقفاً سلبياً من الأخطار العراقية. وسيمضي وقت ليس بالقصير قبل أن تتطور أوضاع شركات التأمين العراقية لتستطيع التنافس فيما بينها للفوز بعقود تأمين الوزارات ودوائر الدولة من خلال مناقصات علنية.
ويبقى السؤال قائماً: لماذا أقدمت الوزارة على اختيار شركة التأمين الوطنية لتكون الشركة القائدة دون غيرها من شركات التأمين العاملة في العراق. ومن رأينا أن هذا الاختيار، في ظل أحكام قانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005 يحتاج إلى توضيح من قبل الوزارة إذ قد يكون هناك سبب أو أسباب مقنعة لهذا الاختيار ترضي الشركات الأخرى.
موقف الوزارة باللجوء إلى شركات التأمين العراقية، العامة والخاصة، لتوفير الحماية التأمينية لثلاثة من مصافي النفط العائدة لها (الدورة، بيجي والشعيبة) ينسجم مع أطروحة لنا عرضناها أواسط سنة 2006 في دراسة لنا بعنوان "قانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005: مراجعة للخلفية وبعض الآثار الاقتصادية" (نشرت في مجلة الثقافة الجديدة، العدد 318، 2006). فقد كتبنا تحت عنوان فرعي: تأمين صناعة النفط العراقية:
"ربما ستكون المشكلة الكبيرة القادمة التي ستجابه شركات التأمين العراقية هي تأمين الأصول المادية لصناعة النفط العراقية. والأمل معقود على: أولاً، عدم تجاهل دور هذه الشركات من قبل الشركات النفطية (وزارة النفط)، وكذلك قيام الشركات ذاتها بتجميع مواردها المتوفرة بغية المساهمة الحقيقية في كل مراحل عملية التعامل مع وسطاء التأمين ومعيدي التأمين الدوليين. وثانياً، عدم استحضار نظرية المزايا النسبية من قبل أصحاب المصالح المترسخة في الداخل والخارج لتجاوز دور شركات التأمين العراقية في العملية التأمينية.
ومن المفيد لشركات التأمين العراقية التعرف على تجربة البلدان العربية المنتجة للنفط في مجال التأمين على أصول الصناعة النفطية. ففي جميع هذه البلدان تلعب الشركات المحلية دوراً كبيراً في تأمين الموجودات النفطية والغازية. وفي هذه المرحلة لا ندحة لنا غير الانتظار لنرى إن كانت المصالح الداخلية والخارجية ستسمح لشركات التأمين العراقية أن تلعب دوراً حقيقياً في هذا القطاع الذي يشكل دعامة الاقتصاد الوطني ومصدراً مهماً وكبيراً لأقساط وعمولات التأمين.
ونتوقع من شركات التأمين العراقية تنسيق جهودها في موقف جماعي لتأكيد حقها لتكون الطرف الأساسي في تأمين الكيانات النفطية وموجوداتها العاملة من وحدات تكرير ومكائن ومعدات وكذلك المشاريع النفطية تحت الإنشاء وكذلك عمليات الاستكشاف والإنتاج وصيانة الآبار النفطية والغازية.
نقول لكل من يظلم هذه الشركات: لقد استطاعت هذه الشركات، اعتماداً على جهودها الذاتية وفي غياب مطلق للحماية الإعادية الدولية في سنوات الحصار (1990-2003)، توفير حماية محدودة لطالبي التأمين. إن كانت قادرة على ذلك في الماضي القريب فهي اليوم أكثر اقتدراً لتعظيم مساهمتها والمشاركة الحقيقية في تأمين صناعة النفط العراقية ولا أدل على قدرتها الكامنة من ابتداع غطاء أوائل سنة 2006 ضد أعمال الإرهاب التي تطال بآثارها حياة الناس."
ويدل تصرف الوزارة على عقلانية في التعامل مع شركات التأمين العراقية، ومن خلال شركة التأمين الوطنية، "الشركة الرئيسة القائدة في عملية التأمين" المعينة من قبل الوزارة، مع وسطاء ومعيدي التأمين الدوليين. ونأمل أن يرتقي مستوى الأداء والتنسيق، في مختلف جوانبه، في العراق إلى متطلبات التأمين على منشآت نفطية تتصف بدرجة عالية من الخطورة تدل التجربة على أنها تميل إلى إنتاج خسائر مادية كبيرة.
ويتعين على الوزارة المشاركة في تحديد الإجراءات المرتبطة بممارسة شركة التأمين الوطنية لدورها القيادي ونطاق هذا الدور. وعلى سبيل المثال، هل سيتم اللجوء إلى صيغة المشاركة coinsurance بين شركات التأمين كافة؟ كيف يتم احتساب حصة كل شركة من الخطر؟ كيف يتم توزيع عمولة إعادة التأمين بين الوطنية والشركات الأخرى؟ هل يعاد جزء من الخطر لدى شركة إعادة التأمين العراقية؟ (الاتفاقيات الإعادية المشتركة لسوق التأمين العراقي تستثني أخطار التأمين على المنشآت النفطية وهي ما تعرف بأخطار الطاقة) وغيرها من الأسئلة.
عندما يكتمل إجراء التأمين وإعادة التأمين على المصافي التابعة لوزارة النفط خلال سنة 2010، وهو لا يزال حتى كتابة هذه الورقة قيد التداول مع معيدي التأمين في الأسواق الدولية، ومع حلول التجديد السنوي لوثيقة التأمين ستنهض الفرصة لتقييم واختبار مساهمة الوزارة في رفع مكانة قطاع التأمين العراقي (حجم أقساط التأمين والأداء الفني في خدمة متطلبات المؤمن له ووثيقة التأمين وما يتعلق بها). وكذلك مراجعة الترتيبات القائمة فيما بين شركات التأمين العراقية والعلاقة مع الوسطاء ومعيدي التأمين. مثل هذا التقييم والمراجعة ضرورية لرصد ما هو قائم، والكشف عن السلبيات وكيفية معالجتها والتفكير بالوسائل التي تعظم من الحماية التأمينية للمؤمن لها وكذلك المنافع التي يمكن تحقيقها من أسواق إعادة التأمين الدولية لصالحها ولصالح شركات التأمين العراقية. ونرى أن هذا المقترب النقدي سيؤشر على مدى تطور قطاع التأمين العراقي في التعامل مع الأخطار الكبيرة.
مصباح كمال
لندن 22 كانون الأول 2009
توضيح رسمي
بعد انتهاءنا من كتابة المسودة الأولى لورقتنا عرضناها على مكتب وزير النفط وجاءنا منه الإيضاح التالي بتاريخ 23 كانون الأول 2009:
"عزيزي الأستاذ مصباح كمال المحترم تحيةً طيبة
شكراً جزيلاً على رسالتك وحسناً فعلت لما طلبت مني إيضاحا حول ما نشر في الموقع الالكتروني لوزارة النفط. ويبدو ان من نشر الخبر لم يكن دقيقاً فقد خلط بين عقد ندوتين. أولهما، الندوة المتعلقة باستيرادات البضائع والتامين البحري والهندسي والتي دعى إليها وأدارها الموقع في أدناه. وكانت بحضور مدير عام شركه التامين الوطنية وخبراء الشركة وممثلين عن شركه التامين العراقية وكافه مدراء أقسام التامين والمشتريات والجهات ذات العلاقة في شركات ودوائر وزاره النفط. وكانت هذه الندوة قد عقدت قبل الندوة المتعلقة بالتامين على مصافي النفط الثلاثه والتي وجهت الدعوة فيها إلى كافة الشركات الحكومية والاهليه لعرض فكره عن تقارير الكشف المقدمة من قبل شركه CTC البريطانية وكذلك لتبادل الآراء والأفكار حول إمكانية مشاركة شركات التامين مع شركة التامين الوطنية في توفير الغطاء التأميني للمصافي الثلاث. وكانت الندوة الاخيره قد عقدت بتاريخ 4/11/2009
اكرر تحياتي.
طالب الزبيدي"
نشكر السيد الزبيدي على اهتمامه برسالتنا له وتوضيحه للالتباس عند إعداد الخبر للموقع الإلكتروني للوزارة. وهذه هي المرة الأولى، بالنسبة لنا، التي تستجيب فيها دائرة رسمية لرسالتنا. فللسيد الزبيدي ومكتب وزير النفط جزيل الشكر.
مصباح كمال
24 كانون الأول 2009
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق