إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

2009/07/09

نحو رفض مقترح تأسيس اتحاد لشركات التأمين العراقية: حوار مهني مع السيد عبد السادة الساعدي مصباح كمال

حاول الزميل المحامي منذر عباس الأسود نشر مقالتنا الحوارية في جريدة البينة إلا أن هيئة التحرير أهملتها ولم تبين السبب. بعدها أوصل زميلنا مقالتنا للسيد عبد السادة الساعدي ولم يرد منه أي جواب. آثرنا لذلك نشر مقالتنا في المدونة لأن موضوعها قضية تمس قطاع التأمين العراقي برمته.

نشرت جريدة البينة في صفحة "قضايا" مقالة في جزأين للسيد عبد السادة الساعدي تحت عنوان "نحو تأسيس اتحاد لشركات التأمين في العراق" (البيئة، العددان 808 و 810، 26 و28 كانون الثاني 2009). وقد تفضل السيد المحامي منذر عباس الأسود بتوصيلها إلينا. قام الزميل المحامي بالتصدي لبعض المعلومات والآراء التي وردت في المقالة. (البينة، العدد 228، 1 آذار 2009 ). ولا يسع المرء إلا أن يسر بنشر المقالة ومن ثم التعليق عليها، لشحة ما ينشر في الصحافة العراقية عن واقع التأمين وقضاياه الأساسية، وفقر المتابعة لما ينشر. ولذلك فان إقدام المحامي الأسود على التعليق يستحق منا الشكر لأنه فيما كتب أفاد القارئ من خلال تقديم معلومات مختصرة وسريعة عن التأمين في العراق وكذلك تصحيح بعض المغالطات التي تضمنتها مقالة السيد الساعدي. وقد رأينا أنه من المناسب مناقشة مقالة الساعدي بتفصيل أكبر إتماما للفائدة وتوسيعا لدائرة النقاش رغم أن التأمين، كمفهوم وآلية وممارسة، لا يجد له مكانا كبيراً في تفكير الناس وحتى لدى إدارات معظم المؤسسات الحكومية والتجارية. لكننا نؤمل أنفسنا باهتمام القراء المعنيين بالنشاط التأميني. نشكر السيد الساعدي على إثارته لبعض القضايا التي تستحق التأمل والكثير من التحليل والبحث. ---oOo--- يبدأ الساعدي مقالته بالقول أن "الغاية من تأسيس شركات التأمين هي لتحقيق الأرباح" ثم يضيف بأنها تقوم بتوفير "الحماية والضمان للثروة الوطنية والبشرية". وهذا القول صحيح بالنسبة لشركات التأمين التجاري إذ أن الغاية الربحية، بالمعنى الضيق، مفقودة في الأنماط المختلفة للتأمين الاجتماعي وفي التأمين التكافلي. لم نجد مبررا لهذا المدخل إذ أنه لا يستقيم مع موضوع المقالة: مقترح تأسيس اتحاد جديد لشركات التأمين العراقية. ولم يكتفي الكاتب بهذا المدخل بل راح يسترسل في التحدث عن العلاقة التعاقدية بين شركة التامين والمؤمن له، ويقحم موضوع التعويض في عرضه ويذكر، في السياق الخطأ، حلول شركة التأمين " محل مالك الوحدة الاقتصادية [هكذا]". والحلول، كما يعرف العاملون في التأمين، مفهوم قانوني له شروطه وينصب على حق شركة التأمين بالرجوع على مسبب الضرر الذي يلحق بالمؤمن له. من درس منا في الفرع الأدبي، في مرحلة ما قبل الجامعة، يعرف أن إقحام العبارات غير الضرورية والمفاهيم غير المرتبطة مباشرة بالموضوع قيد الدرس يدخل في باب الحشو. ونأمل من الكاتب أن يتخلص من الحشو مستقبلا. بعد ذلك يتحول الكاتب نحو شن هجوم على ما يسميه تخلف شركات التأمين الحكومية "التي كانت تحتكر خدمات التامين .. في تقديم خدماتها للمستفيدين والسوق العراقية.." مقالته سجالية وفيها ما يقترب من إدانة لأفراد ومؤسسات لا ينهض بها الواقع، في الماضي أو الحاضر، كما أشار المحامي منذر الأسود في تعليقه، ما لم يكيف هذا الواقع من خلال التحليل الملموس لتقديم صورة موضوعية ومنصفة. ومن المؤسف أن الموقف السجالي للكاتب يلقي ظلا سلبيا على مشروعه لتأسيس اتحاد شركات التامين. ولولا هذا الموقف لكنا قد تحاورنا معه بصيغة مختلفة. ---oOo--- اتحاد شركات التأمين التي يدعو لها السيد الساعدي يذكرنا، من خلال تركيبته ووظائفه وموقعه في السوق، بالمؤسسة العامة للتأمين التي ألغيت سنة 1987 وتم تحويل بعض مهامها الإشرافية والرقابية إلى وزارة المالية آنذاك. فاللجان الدائمة في اتحاده المقترح تذكرنا بمثيلاتها في المؤسسة (راجع: النظام الداخلي للمؤسسة العامة للتأمين والمنشآت التابعة لها وفق قانون المؤسسات العامة رقم 166 لسنة 1965 http://www.iraqilegislations.org/LoadLawBook.aspx?SC=020119983852826 لا نريد استعادة التفاصيل ونكتفي بالقول ان المؤسسة كانت تقوم بمهام الرقابة على شركات التأمين، وكانت تضم مجلساً للإدارة ولجنة استشارية، وعددا من الدوائر المختصة: الدائرة الفنية، الدائرة المالية، الدائرة القانونية، و دائرة العلاقات العامة. وكان تنظيم النشاط التدريبي لتأهيل كوادر الشركات أحد أهم النشاطات التي تولتها دائرة العلاقات العامة. ---oOo--- في عرضه لمشروعه لم يذكر لنا الكاتب شيئاً عن مصير ديوان التأمين العراقي (الجهاز الرقابي) وجمعية شركات التأمين وإعادة التأمين في العراق (المعنية بمصالح الشركات). وكلاهما تأسسا بموجب قانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005، في حين ان مشروع الساعدي لا ينهض على أساس قانوني واضح. اكتفى بالقول إن الديوان والجمعية لا تقومان بوظائفهما. فهو يجزم أن "وزارة المالية ومن خلال ديوان التأمين المعطل ستكون عاجزة عن الإشراف على هكذا عدد من الشركات [يقصد شركات التأمين الخاصة الذي قدر عددها خطأً بثلاثين شركة وسنأتي على ذكرها فيما بعد] ... وبدليل أن ديوان التأمين ليس لديه حتى الآن كادر واحد ذو خبرة وكفاءة في أعمال التأمين .." أما "جمعية التامين الموجودة بالاسم فقط فليس لها أي دور في هذا المجال [هل يقصد الإشراف والرقابة وهي ليس، ويجب أن لا تكون، ضمن مهام الجمعية؟] كما أن طبيعتها التشكيلية لا تؤهلها للقيام بالواجبات المطلوبة .." أهذا سبب كافٍ لخلق كيان جديد يسميه اتحاداً يجمع، خطأً، بين الوظيفة الرقابية ومصالح شركات التأمين؟ وهل أن تأسيس اتحاده المقترح سيلغي وجودهما مثلاً؟ لم يوضح الكاتب هذا الأمر. إن كان الديوان معطلاً، وقد وصفه البعض بأنه ولد ميتاً وهو قول قاسي جداً ربما ينم عن يأس في تحقيق التقدم، أليس من المناسب تحليل أسباب الوضع الذي هو عليه، وتقديم مقترحات لتفعليه من خلال استخدام الكوادر المؤهلة مثلاً؟ وكذا الأمر بالنسبة للجمعية. لم الرجوع إلى دائرة الصفر بدلاً من البناء و إعادة البناء على ما هو قائم؟ يذكرنا مشروع السيد الساعدي بقرارات الاحتلال الأمريكي (سلطة "المستبد بأمره" بول بريمر الثالث) في تفكيك مؤسسات الدولة العراقية دون اعتبار لعواقب هذه القرارات التي ما زال العراق وأهله يعاني منها ودفع عنها ثمناً بشرياً ومادياً باهضاً. نعرف أن التغيير صفة ملازمة للحياة لكنه لا يلغي الاستفادة من التراكم المعرفي والعملي، فبفضل التراكم تجترح الحلول وتقدم المقترحات وتجدد المؤسسات. لذلك لا نرى سبباً كافياً لتجاوز المؤسسات التنظيمية لقطاع التأمين (الديوان والجمعية)، ولعل وراء اقتراح مشروع لتأسيس اتـحاد جديد لشركات التأمين أغراض معينة لم يفصح عنها الكاتب. نأمل منه أن يكشف عنها بدلاً من الاحتماء وراء تسفيه ماضي النشاط التأمين والقراءة التعسفية لتاريخه والانتقاص مما تبقى منه بعد 2003 وكأنه بذلك يؤسس أرضية صلبة لإطلاق الاتحاد. لقد صبّ الكاتب غضبه المبطن على أفراد ومؤسسات ونسى، أو تناسى، قضايا أساسية تمس الوضع الحالي لشركات التأمين العراقية، العامة والخاصة، ومستقبلها في ظل قانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005. فهو ليس معنياً بتسريب أقساط التأمين المباشر إلى شركات تأمين أجنبية بفضل هذا القانون الذي لم ينص على تأمين الأصول والمسؤوليات مع شركات تأمين مسجلة في العراق ومجازة لمزاولة العمل من قبل ديوان التأمين كما هو الحال في أسواق التأمين العربية. كما أنه ليس معنياً بالتنظيم الوطني لسوق التأمين (الفيدرالي الذي لم يتشكل بعد)، وقضايا أخرى تستحق الدراسة. في مقالة لنا بعنوان "جدول أعمال: مسح سريع لبعض قضايا وهموم السوق العراقي للتأمين،" منشورة في مدونة مجلة التأمين العراقي الإلكترونية، استعرضنا خمسة عشر موضوعاً اعتبرناها، وقتها، تستحق الاهتمام والبحث. شملت عناوين هذه المواضيع، حسب تسلسلها الألفبائي، ما يلي: إحصائيات السوق، تأمين السيارات الداخلة إلى إقليم كوردستان، تجاوز شركات التأمين العراقية من قبل الشركات الأجنبية والمؤسسات الحكومية وحكومة إقليم كوردستان، جمعية شركات التأمين وإعادة التأمين، ديوان التأمين العراقي، الشركات العراقية في إقليم كوردستان، شركة إعادة التأمين العراقية، عضوية شركات القطاع الخاص في الاتحاد العام العربي للتأمين، قانون التأمين الإلزامي من حوادث السيارات رقم 52 لسنة 1980 وتعديلاته، قانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005، الكوادر الفنية في قطاع التأمين، مجلة للتأمين، المكتب الموحد، منظمة التجارة العالمية وعضوية العراق، وزارة المالية. (يمكن قراءة هذه المقالة باستخدام الرابط التالي: http://misbahkamal.blogspot.com/2008_04_01_archive.html) لا نتوقع من الكاتب أن يتناول مثل هذه القضايا في مقالة واحدة لكننا نتوقع منه الإشارة إلى بعضها خاصة وأنه كرسّ القسم الأول من مقالته لتقديم ما نراه صورة ناقصة، إن لم تكن مشوهة، عن تاريخ التأمين في العراق وواقعه الحالي. ففي زعمه عن تخلف شركات التأمين الحكومية، وهو موضوع بحاجة إلى دراسة معمقة موضوعية، أكد ما يلي: وقد تخلفت شركات التأمين الحكومية التي كانت تحتكر خدمات التأمين كثيراً في تقديم خدماتها للمستفيدين والسوق العراقية قياساً على التطورات السريعة التي شهدتها خدمات شركات التأمين العالمية للمستفيدين والأسواق وذلك يعود إلى جملة من العوامل التي وراء هذا التخلف والتي كان منها سيطرة الدولة المطلقة على هذا القطاع وتسيره وفق مفهوم المركزية الضيقة لسياسة الدولة الاقتصادية والخدماتية وبسبب هذا تجاهلت الشركات الحكومية تلبية الكثير من حاجات السوق إلى الخدمات التأمينية رغم تطور الحياة الاقتصادية والاجتماعية وتغير سلوك المستهلك العراقي إضافة إلى العقود [هكذا] المركزية الصارمة التي وضعتها الدولة على حركة الشركات وجهل الوزراء التي ترتبط بها الشركات إداريا بمفهوم التامين وأهمية الخدمات التي تقدمه للاقتصاد والمجتمع إضافة إلى فرض إدارات هزيلة غير كفؤة ولا تمتلك الخبرة الكافية لإدارة الشركات وكذلك إخضاعها تماما تحت هيمنة الأجهزة الأمنية والحزبية وربطها بعجلة المجهود الحربي الدائمي للنظام البائد لأكثر من ثلاثون [هكذا] سنة." لا نعرف عن أية فترة يتحدث الكاتب فمنذ تأميم شركات التأمين سنة 1964 مرَّ قطاع التأمين بتغييرات متعددة ومنها بدأ التغيير في بنية سوق التأمين بعد صدور قانون الشركات رقم 21 لسنة 1997، وتأسيس أول شركة تأمين خاصة بفضل هذا القانون سنة 2000. هو يعزي تخلف شركات التأمين المؤممة المحتكرة للنشاط التأميني خلال ما يزيد عن ثلاثة عقود إلى: سيطرة الدولة المطلقة على قطاع التأمين جهل الوزراء التي ترتبط بها الشركات إداريا بمفهوم التامين وأهمية الخدمات التي يقدمه التأمين للاقتصاد والمجتمع فرض إدارات هزيلة غير كفؤة ولا تمتلك الخبرة الكافية لإدارة الشركات إخضاع الشركات لهيمنة الأجهزة الأمنية والحزبية وربطها بعجلة المجهود الحربي الدائمي للنظام البائد هذه العوامل قابلة للنقاش في ضوء التجربة التاريخية. إطلاقها دون تقييد لا يساعد في فهم ما يعنيه الكاتب بتخلف شركات التأمين الحكومية. فهو لم يحدد لنا معيار التخلف: أهو حجم أقساط التأمين المكتتبة، أهو كفاءة العاملين في الشركات الحكومية، أهو الفشل في حماية أصول الدولة والمؤسسات التجارية الخاصة والأفراد، أهو الامتناع عن تسديد المطالبات بالتعويض، أهو الفشل في إدارة إعادة التأمين الاتفاقي والاختياري، أهو القصور في السياسة الاستثمارية .. الخ. هل حقاً أن إدارات شركات التأمين وإعادة التأمين الحكومية كانت هزيلة؟ أحقاً أن مدراء من طبقة د. مصطفى رجب (شركة إعادة التأمين العراقية)، أ. عبد الباقي رضا (شركة التأمين الوطنية)، أ. مدحت الجراح (الشركة العراقية للتأمين)، على سبيل المثال مع الاعتذار للآخرين ممن لم نذكرهم، ومعاونيهم الفنيين كانوا فعلاً غير كفوئين، وكانت إمكانياتهم الفنية واللغوية وخبراتهم هزيلة؟ وأين نضع الآخرين من ممارسي التأمين العراقيين ممن أداروا ويديرون شركات التأمين في بعض أسواق التأمين العربية أو يحتلون مواقع مهمة فيها؟ هل هناك حقاً علاقة سببية بين سيطرة الدولة على قطاع التأمين والتخلف المزعوم للقطاع؟ هل أخضعنا هذه العلاقة للتحليل، لبيان تخلف القطاع أو تعثره أو تحسين مكانته مقارنة بالماضي أو مقارنة مع أسواق التأمين العربية آنذاك، في ضوء بعض الاعتبارات ومنها إيرادات أقساط التأمين، والاستثمارات، وتدريب العاملين .. الخ. وأمر آخر، هل أن سيطرة الدولة تحد من حسن الإدارة الفنية لشركات التأمين؟ هل كانت الشركات الحكومية تتمتع بدرجة من الاستقلالية في إدارة شؤونها الفنية وفي تعاملها مع شركات إعادة التأمين والوسطاء الدوليين؟ هل أن "جهل الوزراء الذين تعاقبوا على إدارة الوزارة التي ترتبط بها الشركات إداريا بمفهوم التامين وأهمية الخدمات التي يقدمه التأمين للاقتصاد والمجتمع" كان، على سبيل المثال، حائلاً دون تعظيم الشركات لأقساطها وإدخال منتجات تأمينية جديدة؟ ترى هل أن هذا الجهل قد توقف الآن، وأن الوزراء المعنيين بقطاع التأمين يعملون بدأب على إخراج القطاع من تخلفه التاريخي؟ قد لا نختلف مع الكاتب حول الآثار السلبية لإخضاع الشركات، في فترة معينة، لهيمنة الأجهزة الأمنية والحزبية وبعدها ربط الشركات بعجلة المجهود الحربي الدائمي لـ "مهندس المقابر الجماعية" ونظامه البائد. لكنه لم يحدد لنا ما هي هذه الآثار. هذا الجانب من الموضوع لم يخضع للدراسة وما كتب عنه ظل محصوراً بالتعميمات رغم أننا قد حاولنا تلمس بعض جوانبه في دراسات سابقة لنا. السؤال الكبير الذي يستحق البحث هو مدى تماهي قطاع التأمين، في الفترة التي يخصها الكاتب بتعميماته، مع سياسات الحزب الشمولي الحاكم منذ 1968 لحين إسقاطه في 2003 وفيما إذا كان لهذا الحزب سياسة تأمينية يمكن تحديد ملامحها وإخضاعها للتحليل؟ وما نتذكره هو الثناء على قطاع التأمين في أحد مؤتمرات حزب البعث لكننا لا نتذكر التاريخ وتفاصيل الثناء. نزعم أن تاريخ النشاط التأميني في العراق لم يخضع للبحث الموضوعي على المستوى الأكاديمي أو مستوى شركات التأمين ذاتها. البحث في هذا التاريخ بات مطلوباً لا للتنبوء بمجريات الأحداث في المستقبل (الموقف التاريخاني) بل الاستفادة من نتائج الدراسة في تجنب الوقوع في أخطاء وممارسات غير مثمرة أو غير أخلاقية أو تنتقص من استقلالية شركات التأمين في إدارة شؤونها، وفي إثارة الأسئلة عن التوجهات المستقبلية. وقد قمنا بدراسة بعض جوانب النشاط التأميني أثناء فترة الحكم الشمولي (1968-2003) نشرنا بعضها في مدونة مجلة التأمين العراقي الإلكترونية وفي مطبوعات أخرى، إلا أن هذه الدراسة ناقصة في المعلومات وفي البيانات وفي الربط مع حركة الاقتصاد العراقي والتغيير في البنية الاجتماعية. ---oOo--- مما يؤسف له أن السيد الساعدي لا يبالي بصحة المعلومات التي يقدمها. فهو يؤكد: "وبعد 9/4/2003 اتاحة [هكذا] سياسة الاقتصاد الحر التي تبناها نظام الحكم الجديد في العراق فرصة سانحة لأصحاب رؤوس الأموال للاستثمار في قطاع التأمين بشكل متسارع مما ساعد على ظهور ما يناهز ثلاثين شركة أهلية تمارس أعمالها الآن في سوق التأمين العراقية عدا تلك التي تحت قيد التأسيس والتي يتوقع أن يصل عدد الشركات بنهاية العام الحالي إلى مئة شركة استناداً إلى طلبات حجز الأسماء التجارية المقدمة إلى غرفة التجارة." تقديم معلومات خاطئة عن عدد الشركات أمر يستوجب التصحيح من قبل الكاتب أو من محرر صفحة قضايا في الجريدة كي لا تنطبع المعلومة الخاطئة في ذهن القارئ. كان بإمكان السيد الساعدي مخاطبة ديوان التأمين العراقي لمعرفة عدد شركات التأمين المجازة من قبل الديوان لممارسة التأمين وقت كتابته لمقالته. وقد أكد الديوان (رسالة إلكترونية مؤرخة في 10 شباط 2009) صحة المعلومات المتوفرة لدينا أن هناك سبعة عشر شركة تأمين بضمنها شركة متخصصة بإعادة التأمين. ومع ذلك فإن السيد الساعدي يثير قضية أساسية ترتبط بازدياد عدد شركات التأمين وضعف الرقابة على أعمالها ونعني بها قيام الفرص لغسيل الأموال وتهريب رؤوس الأموال، الذي يشجع عليه أيضاً مناخ الفساد الإداري والمالي القائم. فهو يتوقع مع تعاظم عدد شركات التأمين قيام: "منافسة شديدة وحامية للفوز بأكبر عدد من عقود التأمين ... وحتماً ستتسبب هكذا منافسة بحصول عدد هائل من المشاكل المعقدة بين الشركات على الصعيد التسويقي وجمهور المؤمن لهم، وستظهر حتماً المخالفات المالية والفنية والقانونية. [إزاء ذلك] من الذي يتولى مراقبة عمليات غسيل الأموال وتهريب رؤوس الأموال إلى الخارج تحت أغطية الإعادة الوهمية؟" لنلاحظ أولاً أن المنافسة (التامة أو الناقصة) صفة ملازمة لما يسمى بالاقتصاد الحر، وهي تؤدي إلى بروز ممارسات غير سليمة، اقتصادياً وقانونياً، وغير أخلاقية على الصعيد التسويقي وجمهور المؤمن لهم. وهذا هو الوضع الذي يستدعي وجود نظام رقابي جيد لضبط عمل الشركات وحماية حقوق ومصالح المؤمن لهم، أفراداً ومؤسسات، من سوء تصرفها. يخشى الكاتب، ونشاركه في ذلك، أن يؤدي الوضع التنافسي المنفلت، غير الخاضع لرقابة واضحة وصارمة، بين شركات التأمين، إلى الاتجار بغسيل الأموال وتهريب رؤوس الأموال إلى الخارج تحت أغطية الإعادة الوهمية. وهذه، أي الإعادة الوهمية، مسألة مهمة تمس مصالح مساهمي شركات التأمين والاقتصاد الوطني لعل الكاتب يجد الفرصة المناسبة للتوسع في الكتابة عنها. وربما يعرف أن تاريخ سوق لويدز في لندن، على سبيل المثال، وهو السوق الأكثر عراقة في تاريخ التأمين، قد شهد في سبعينات وثمانينات القرن الماضي حالات عديدة من أغطية إعادة التأمين الوهمية بسبب غياب الرقابة المستقلة على أعمال السوق إذ أن لويدز كانت وقتها تتمتع بامتياز الرقابة الداخلية على عمل وكلاء الاكتتاب والنقابات الاكتتابية. وهو وضع، أي الرقابة الداخلية، لم ينتبه السيد الساعدي إلى آثارها السلبية المحتملة عندما ذكر أن "الاتحاد المأمول سيشكل من رحم الشركات ومن كوادرها فهو المؤهل الوحيد للقيام بالأعمال التي تناط به." يناقض الكاتب نفسه فيما يخص القبول بالمنافسة بين شركات التأمين، الصفة المرتبطة بالاقتصاد الحر، عندما يقرر في مشروعه أن "لجنة شؤون التسويق واللجنة الفنية مسؤولة عن إدارة الخطر [خطر من؟] وتحديد الأسعار العامة." التدخل في تحديد الأسعار يذكر بالتعرفات الملزمة. كيف يستقيم تحديد الأسعار (من قبل الدولة أو هيئات الرقابة أو جمعيات شركات التأمين) مع المنافسة المفتوحة؟ أهو معني بتحديد حد أدنى لسعر التأمين؟ هذا يذكرنا مرة أخرى بأحد الوظائف التي كانت المؤسسة العامة للتأمين تقوم بها. ---oOo--- لن نجادل في تفاصيل مشروع الكاتب لتأسيس "إتحاد شركات التأمين في العراق" الذي يريد منه أن يكون جامعاً لتنظيم العلاقة بين شركات التأمين وتطويرها، وتنظيم المنافسة بينها وكذلك القيام بالوظيفة الرقابية على الشركات. ويبدو أن الكاتب يسئ فهم الوظيفة الرقابية مثلما يسئ فهم الاقتصاد الحر. وظيفة الإشراف والرقابة يجب أن تكون مستقلة عن شركات التأمين وهي كذلك في الدول الأخرى ذات الاقتصاد الحر. والكاتب في تبريره للمشروع يقدم معلومة خاطئة عندما يقول أن المشروع سيكون مساوياً لما هو قائم "بالدول العربية والإقليمية والعالمية ذات النشاط الاقتصادي الحر" فالهيئات الرقابية في هذه الدول تتمتع باستقلالية ولا تخضع لتدخل أطراف أخرى سياسية أو تجارية. ونضيف: إن اتحاده المقترح لا يستطيع أن يقوم بوظيفته ما لم يكن مسلحاً بسلطات قانونية ذات طبيعة إلزامية تجاه شركات التأمين، وهو ما لم يأتي على ذكره. ---oOo--- قراءتنا لمقالة السيد الساعدي ولدت لديناً انطباعاً، نتمنى أن يكون خاطئاً، أن منطلقها يتسم بشئ من الكيدية تجاه شركات التأمين العامة ودور الدولة، وكلاهما يخضعان للمناقشة، وموقفه يقوم على ما يشبه مناكفة العاملين في مؤسسات قطاع التأمين العراقي. نأمل منه أن يزيل هذا الانطباع لدينا من خلال إعادة النظر في تقييمه لتاريخ التأمين في العراق وكتابة أطروحته مجدداً آملين منه أيضاً أن يراجع مشروعه دون شطب ما هو قائم. وإن أراد تجاوز ما هو موجود فالأحرى به أن يصرح بذلك ويقنعنا بضرورة التجاوز كي تكتمل أطروحته. مصباح كمال لندن 18 آذار 2009

ليست هناك تعليقات: